مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: تعقيب على فتيا علي الصياح بجواز مؤاكلة المشرك

تعقيب على فتيا علي الصياح بجواز مؤاكلة المشرك



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :

فقد وجه سؤال للدكتور علي الصياح في صفحته في تويتر هذا نصه :" سألني أحد العمال من الجنسية البنقالية عن حكم الأكل مع الهندوس والكاثوليك لأن عندنا في المجمع عمال هنود وبنقالية مسلمين وهندوس"

فأجاب الصياح بقوله : "ما دام الأكل حلال فلا مانع من الأكل مع الكفار في المطاعم وغيرها"

أقول : المرء عليه أن يتقي الله ويتأنى في أمر الفتيا وينظر بما في المسألة من الأخبار والآثار ودراسة علم الحديث من أهم فوائدها الوقوف على فقه السلف والصياح متخصص في هذا العلم والله المستعان

والحق أن هذا الأمر ممنوع

قال يعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ (2/179) : حدثنا أبو اليمان حدثنا حريز عن سليم عن الحارث بن معاوية أنه قدم على عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال له: كيف تركت أهل الشام ؟ فأخبره عن حالهم، فحمد الله عز وجل ثم قال: لعلكم تجالسون أهل الشرك ؟ فقال: لا يا أمير المؤمنين. قال: إنكم إن جالستموهم أكلتم وشربتم معهم، ولن تزالوا بخير ما لم تفعلوا ذلك.

وهذا إسناد قوي الحارث بن معاوية تابعي كبير وقد وثقه العجلي وابن حبان وذكر ابن حجر في تعجيل المنفعة أن أبا أمامة الصحابي روى عنه

ولا يعلم لهذا الخبر مخالف عن الصحابة

وقال عبد الرزاق في المصنف 2346 - عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: " خَمْسٌ مِنَ الْجَفَاءِ: أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ فِي الْمَسْجِدِ وَالنَّاسُ يَمُرُّونَ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَأَنْ يَبُولَ قَائِمًا، وَأَنْ تُقَامَ الصَّلَاةُ وَهُوَ إِلَى جَنْبِ الْمَسْجِدِ فَلَا يُجِيبُ، وَأَنْ يَمْسَحَ التُّرَابَ مِنْ وَجْهِهِ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ، وَأَنْ يُؤَاكِلَ غَيْرَ أَهْلِ دِينِهِ "

وأبو إسحاق هو السبيعي تابعي معروف

وقال البيهقي في الشعب  9380 - أخبرنا أبو الحسين بن بشران أنا دعلج بن أحمد نا عيسى بن سليمان نا داود بن رشيد نا خلف بن خليفة عن حصين عن سعيد بن جبير قال : أربعة تعد من الجفاء دخول الرجل المسجد يصلي في مؤخره و يدع أن يتقدم في مقدمه و يمر الرجل بين يدي الرجل و هو يصلي و مسح الرجل جبهته قبل أن يقضي صلاته و مؤاكلة الرجل مع غير أهل دينه

فهذا الفعل أقل أحواله الكراهة _ وقد جنح مالك لذلك في رواية عنه _  وأثر عمر يدل على التحريم

ومقاصد الشريعة العامة تدل على ما منع السلف فإنك في كل صلاة تسأل الله عز وجل أن يسلك بك صراط الذين أنعم غير المغضوب عليهم ولا الضالين

ومجالسة القوم ومؤاكلتهم فتح لباب المودة ( والمرء مع من أحب ) وفتح لباب المشابهة والمشاكلة

وأثر المؤاكلة على المودة أمر معروف عند العامة حتى أن المرء إذا أراد أن يظهر لأخيه المحبة والاحتفاء دعاه إلى طعامه وإلى مؤاكلته

بل إن الأكل مع الرجل تعظيم له وقد نهينا عن هذا بل أمرنا بعكسه من عدم ابتدائهم بالسلام واضطرارهم إلى أضيق الطرق

فإن قيل : قد أجاب النبي صلى الله عليه وسلم دعوة اليهودية

فيقال : إجابة الدعوة المعاهد والكتابي لغرض الدعوة أو مصلحة أخرى راجحة كأمور السياسات العامة تدخل فيها القاعدة العامة ما حرم سداً للذريعة فيباح للحاجة ، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يؤاكلهم وإنما أكل هو وأصحابه مما دعوهم إليه لذا أصابهم السم ولم يصب اليهود لأنهم لم يكونوا يأكلون معهم وعمر قد حضر هذه الحادثة ورآها ولم يفهم منها جواز مؤاكلة أهل الكتاب 

وقد قال الإمام مالك في توجيه ما روي من تضييف النبي لبعض الكفار _ ولا يصح _ :"  وَأَمَّا تَضْيِيفُهُ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِمَعْنَى الِاسْتِئْلَافِ لَهُ وَرَجَاءِ إسْلَامِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِمَا يَخَافُ عَلَيْهِ مِنْ الضَّيَاعِ إِذَا كَانَ مِمَّنْ لَهُ حَقٌّ ، عَهْدٌ أَوْ غَيْرُهُ "

 والحال المسؤول عنها حال عوام ليست الدعوة من شأنهم بل هم بحاجة إلى دعوة ، يأكلون بشكل راتب مع المشركين، وللفقهاء كلام في إجابة دعوة الذمي للعرس ليس هذا محل بسطه ولا ينسحب على غير الذمي وإن كان معاهداً 

وجاء في المدخل لابن الحاج :"  ومن العتبية قال أشهب قيل لمالك أترى بأسا أن يهدي الرجل لجاره النصراني مكافأة له على هدية أهداها إليه قال ما يعجبني ذلك قال الله عز وجل يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة الآية قال ابن رشد  قوله مكافأة له على هدية أهداها إليه إذ لا ينبغي له أن يقبل منه هدية لأن المقصود من الهدايا التودد لقول النبي صلى الله عليه وسلم تهادوا تحابوا وتذهب الشحناء فإن أخطأ وقبل منه هديته وفاتت عنده فالأحسن أن يكافئه عليها حتى لا يكون له عليه فضل"
 فانظر كيف رأى مالك أن تبادل الهدايا ذريعة للمودة فمنع منها ومن هذا الباب المؤاكلة

وجاء في المدخل لابن الحاج أيضاً :"  قال ابن رشد الوجه في كراهة مصادقة النصراني بين لأن الله عز وجل يقول لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله الآية فواجب على كل مسلم أن يبغض في الله من يكفر به ويجعل معه إلها غيره ويكذب رسوله صلى الله عليه وسلم ومؤاكلته في إناء واحد تقتضي الألفة بينهما والمودة فهي تكره من هذا الوجه وإن علمت طهارة يده"

وابن رشد هذا الجد وليس الحفيد الفيلسوف 
وقال ابن عبد البر في بهجة المجالس :"  وقال مالك : أكره مؤاكلة أهل الذمة ، لأن المؤاكلة توجب المودة"

وهذا في أهل الذمة فكيف بالمشركين الخلص ، وأما إهداء عمر لأخيك المشرك فقد تقدم معك قول عمر في مجالسة القوم ، والأخ لا يقاس عليه غيره فإن له محبةً طبعية لا تدفع فإذا أظهر محادة الله ورسوله مع إشراكه وجب بغضه ، وقد يكون بابها التألف والدعوة كما وجه مالك المروي عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك

فهذه الفتيا من الصياح مخالفة للآثار ومقاصد الشريعة العامة
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي