مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: مسلك الإيقاف الحادث !

مسلك الإيقاف الحادث !



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :

                           
فمن المسالك المنتشرة عند بعض طلبة العلم أنه إذا سمع بشخص يعين شخصاً فيقول ( أشعري ) أو ( إخواني ) أو ( مرجيء ) يوقفه ويقول ( هل هو مبتدع ) ؟

والحق أنك إذا نظرت في كتب الجرح والتعديل فلن تجد رجلاً جرح ببدعة أو نسب إلى فرقة من الفرق الهالكة فجاء شخص وأوقف هذا الحاكم بقوله ( هل هو مبتدع ) ؟

فهذا المسلك بحسب اطلاعي القاصر مسلك لم أجد لمقتفيه سلفاً

قال الخلال في السنة 513: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى , قَالَ : قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ حَمْدَانُ بْنُ عَلِيٍّ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ , قَالَ : وَكَانَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ يَقُولُ : عُمَرُ وَقَفَ , وَأَنَا أَقِفُ , قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : وَمَا سَمِعْتُ أَنَا هَذَا مِنْ يَحْيَى . حَدَّثَنِي بِهِ أَبُو عُبَيْدٍ عَنْهُ وَمَا سَأَلْتُ أَنَا عَنْ هَذَا أَحَد , أَوْ مَا أصَنَعَ بِهَذَا ؟ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ , فَقُلْتُ : يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ , مَنْ قَالَ : أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ هُوَ عِنْدَكَ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ ؟ قَالَ : لاَ تُوقِفْنِي هَكَذَا , كَيْفَ نَصْنَعُ بِأَهْلِ الْكُوفَةِ , قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : وَحَدَّثَنِي عَنْهُ أَبُو السَّرِيِّ عَبْدُوسُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ , قَالَ : إِخْرَاجُ النَّاسِ مِنَ السُّنَّةِ شَدِيدٌ.

فهنا الإيقاف _ إن صح هذا الأثر _ جاء على قول مشكل وهو قول من يتوقف في عثمان وعلي فلا يفضل بينهما وإنما يقف على أبي بكر وعمر فهنا سؤال عن النوع لا العين

ومع ذلك كره أحمد هذا الإيقاف وقال ( لا توقفني هكذا ) فكيف لو رأى أحمد من يوقف الناس في أناس نسبوا إلى فرق هالكة !

وبعضهم يريد منك أن تقول ( لا ليس مبتدعاً ) ويا ليت شعري كيف أنسبه إلى فرقة هالكة ثم بعد ذلك أجزم بأنه ليس مبتدعاً أو أنه من أهل السنة ولو اختار الشخص التوقف لكان أهون

قال البربهاري في شرح السنة [148] ولا يحل لرجل أن يقول: فلان صاحب سنة حتى يعلم منه أنه قد اجتمعت فيه خصال السنة، لا يقال له: صاحب سنة حتى تجتمع فيه السنة كلها.

وبعض الناس يظن أن المبتدع هو المعاند فقط ، فعنده لا يطلق مبتدع إلا على الرجل المعاند الذي تيقنا من عناده وهذا المسلك خطأ

قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (13/ 361):
"و فِي الْجُمْلَةِ مَنْ عَدَلَ عَنْ مَذَاهِبِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَتَفْسِيرِهِمْ إلَى مَايُخَالِفُ ذَلِكَ كَانَ مُخْطِئًا فِي ذَلِكَ بَلْ مُبْتَدِعًا وَإِنْ كَانَ مُجْتَهِدًا مَغْفُورًا لَهُ خَطَؤُه"

أقول: فسماه (مبتدعاً) مع وجود العذر والتأويل

وقال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (12/ 180): " َلَيْسَ كُلُّ مُخْطِئٍ وَلَا مُبْتَدَعٍ وَلَا جَاهِلٍ وَلَا ضَالٍّ يَكُونُ كَافِرًا؛ بَلْ وَلَا فَاسِقًا بَلْ وَ لَا عَاصِياً "

أقول: فسماه مبتدعاً رغم إنه قد لا يكون حتى عاصياً

وقال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (23/ 356): "فَقَدْ يَكُونُ كُلٌّ مِنْ الْمُتَنَازِعَيْنِ مُبْتَدِعًا وَكِلَاهُمَاَ جاهِلٌ مُتَأَوِّل"

أقول: فسماه مبتدعاً رغم كونه متأولاً

وليس معنى هذا أن كل من وقع في بدعة يصير مبتدعاً بل هناك فرق بين المسائل الخفية والجلية ، وبين سني أخطأ في أمر خفي وبين من انتهج نهجاً بدعياً أو وافق أهل البدع في بعض مشاهير المسائل التي اختلف فيها أهل السنة وأهل البدعة

وقال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (3/354) :" وإذا كان كذلك فأهل البدع فيهم المنافق الزنديق فهذا كافر ويكثر مثل هذا في الرافضة والجهمية فإن رؤساءهم كانوا منافقين زنادقة وأول من ابتدع الرفض كان منافقا وكذلك التجهم فإن أصله زندقة ونفاق ولهذا كان الزنادقة المنافقون من القرامطة الباطنية المتفلسفة وأمثالهم يميلون إلى الرافضة والجهمية لقربهم منهم
ومن أهل البدع من يكون فيه إيمان باطنا وظاهرا لكن فيه جهل وظلم حتى أخطأ ما أخطأ من السنة فهذا ليس بكافر ولا منافق ثم قد يكون منه عدوان وظلم يكون به فاسقا أو عاصيا وقد يكون مخطئا متأولا مغفورا له خطأه وقد يكون مع ذلك معه من الإيمان والتقوى ما يكون معه من ولاية الله بقدر إيمانه وتقواه"

فجعله من أهل البدع مع كونه أخطأ السنة جهلاً

وداعية البدعة يعاقب وإن كان في نفسه متأولاً إذ لا تلازم بين العقوبة الدنيوية والعقوبة الأخروية

قال شيخ الإسلام ابن تيمية كما مجموع الفتاوى (10/ 376):"وكذلك يجوزقتال البغاة وهم الخارجون على الإمام أو غير الإمام بتأويل سائغ مع كونه معدولاً ومع كوننا ننفذ أحكام قضائهم ونسوغ ما قبضوه من جزية أو خراج أو غير ذلكإذ الصحابة لا خلاف فى بقائهم على العدالة أن التفسيق انتفى للتأويل السائغ وأما القتال فليؤدوا ما تركوه من الواجب وينتهوا عما ارتكبوه من المحرم وان كانوا متأولين

وكذلك نقيم الحد على من شرب النبيذ المختلف فيه وان كانوا قوما صالحين فتدبر كيف عوقب أقوام في الدنيا على ترك واجب أو فعل محرم بين في الدين أو الدنيا وانكانوا معذورين فيه لدفع ضرر فعلهم فى الدنيا كما يقام الحد على من تاب بعد رفعه إلى الإمام وان كان قد تاب توبة نصوحا وكما يغزو هذا البيت جيش من الناس فبينما هم ببيداء من الأرض إذ خسف بهم وفيهم المكره فيحشرون على نياتهم وكما يقاتل جيوش الكفار وفيهم المكره كأهل بدر لما كان فيهم العباس وغيره وكما لو تترس الكفار بمسلمين ولم يندفع ضرر الكفار إلا بقتالهم فالعقوبات المشروعة والمقدورة قد تتناول فى الدنيا من لا يستحقها في الآخرة وتكون في حقه من جملة المصائب كماقيل في بعضهم القاتل مجاهدوالمقتول شهيد وعلى هذا فما أمر به آخرأهل السنة من أن داعية أهل البدع يهجر فلايستشهد ولا يروى عنه ولا يستفتى ولا يصلى خلفه قد يكون من هذا الباب فان هجرة تعزيرله وعقوبة له جزاء لمنع الناس من ذلك الذنب الذى هو بدعة أو غيرها وإن كان في نفس الأمر تائباً أو معذوراً إذ الهجرة مقصودها أحد شيئين إما ترك الذنوب المهجورة وأصحابها وأما عقوبة فاعلها ونكاله "


قال ابن حجر في نزهة النظر :" أو فسقِهِ: أي: بالفعل أو القول، مما لم يَبْلُغ الكفر. وبينه وبين الأوَّلِ عموم، وإنما أُفْرِدَ الأوَّلُ لكون القدْحِ به أشدَّ في هذا الفن، وأما الفسق بالمعتقد فسيأتي بيانه.
6- أو وَهْمِهِ: بأن يَرْوِي على سبيل التوهمِ.
7- أو مخالفتِهِ، أي للثقات.
8- أو جهالتِهِ: بأن لا يُعْرَفَ فيه تعديلٌ ولا تَجْرِيحٌ مُعَيَّنٌ.
9- أو بدعتِهِ: وهي اعتقاد ما أُحْدِثَ على خِلاف المعروف عن النبي صلى الله عليه وسلم، لا بمعاندةٍ، بل بنوعِ شُبْهَةٍ"

فاشترط في المبتدع ألا يكون معانداً لأن المعاند للحق واقع فيما هو أخطر من البدعة

فمن هذا تفهم أنه ليس من شرط وصف المرء بالابتداع التحقق من كونه معانداً

وقبل هذا وذاك لا بد أن تعلم أنه ليس من هدي السلف إذا قيل في شخص ( أشعري ) أو ( شيعي ) أو ( مرجيء ) أنهم يوقفون المرء فيقولون ( هل هو مبتدع ) ؟


وقد جاء في كتاب المجموع من أقوال الشيخ حماد الأنصاري 31ـ وسمعته يقول: "قولنا فلان أشعري معناه مبتدع".

أقول : بل هو جهمي فوق المبتدع كما قال الإمام أحمد في اللفظي واللفظي خير من الأشعري 


قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (13/63) :" فهذا هو الفرقان بين أهل الايمان والسنة وأهل النفاق والبدعة وان كان هؤلاء لهم من الايمان نصيب وافر من اتباع السنة لكن فيهم من النفاق والبدعة بحسب ما تقدموا فيه بين يدى الله ورسوله وخالفوا الله ورسوله ثم ان لم يعلموا ان ذلك يخالف الرسول ولو علموا لما قالوه لم يكونوا منافقين بل ناقصى الايمان مبتدعين وخطؤهم مغفور لهم لا يعاقبون عليه وان نقصوا به "

فهنا نص على أنهم مبتدعة مع كون خطئهم مغفوراً فتأمل هذا وأطل التأمل ، ولا أعلم عن أحد من السلف أنه جزم بمغفرة ذنب معين من أهل البدع

هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي