مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: تعقيب على هشام الحمصي في موافقته الجبرية في نفي تأثير الأسباب

تعقيب على هشام الحمصي في موافقته الجبرية في نفي تأثير الأسباب



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :


قال هشام الحمصي في القضاء والقدر حق وعدل:" هذا وإنَّ الموتَ ليس نتيجةَ الحوادث، فقد تقعُ أشدُّ الحوادث ولا يعقبها موت؛ لأن سببَ الموت واحدٌ لا يتعدَّد، هو انقضاءُ الأجل بمشيئة الله وقدره وقضائه. فكم من أناس أقدموا على الانتحار بأعنف الوسائل ولم يموتوا، وأنقذوا"

وقال أيضاً :" وأخطأ الشاعر حين قال: من لم يمت بالسيف مات بغيره *** تعدد الأسباب والموت واحد "

أقول : ما أخطأ الشاعر بل أنت أخطأت فإن إثبات الأسباب وتأثيرها لا ينافي مشيئة الله وقدرته

فالله عز وجل يشاء لفلان أن يشبع فيجعل الطعام سبباً لذلك ، ولفلان أن يغنى فيجعل المال سبباً لذلك

وأما الجبرية فينفون الأسباب أو يثبتونها ثم ينفون تأثيرها

ولو لم يكن القاتل سبباً في موت المقتول لكان في الاقتصاص منه أو تحميله الدية ظلماً

قال شيخ الإسلام في منهاج السنة (3/13) :" الوجه الثاني أن يقال نقله عن الأكثر أن العبد لا تأثير له في الكفر والمعاصي نقل باطل
بل جمهور أهل السنة المثبتة للقدر من جميع الطوائف يقولون إن العبد فاعل لفعله حقيقة وأن له قدرة حقيقية واستطاعة حقيقية وهم لا ينكرون تأثير الأسباب الطبيعية بل يقرون بما دل عليه الشرع والعقل من أن الله يخلق السحاب بالرياح وينزل الماء بالسحاب وينب النبات بالماء .
ولا يقولون إن القوى والطبائع الموجودة في المخلوقات لا تأثير لها بل يقرون أن لها تأثيرا لفظا ومعنى .
حتى جاء لفظ الأثر في مثل قوله تعالى ونكتب ما قدموا وآثارهم وإن كان هناك التأثير هناك أعم منه في الآية لكن يقولون هذا التأثير هو تأثير الأسباب في مسبباتها والله تعالى خالق السبب والمسبب ومع أنه خالق السبب فلا بد له من سبب آخر يشاركه ولابد له من معارض يمانعه فلا يتم أثره مع خلق الله له إلا بأن يخلق الله السبب الآخر ويزيل الموانع "

وقال ابن القيم في مفتاح دار السعادة (2/342) :" بل نؤمن بالمقدور ونصدق الشرع فنؤمن بقضاء الله وقدره وشرعه وأمره ولا نعارض بينهما فنبطل الأسباب المقدورة أو نقدح في الشريعة المنزلة كما فعله الطائفتان المنحرفتان فإحداهما بطلت ما قدره الله من الأسباب بما فهمته من الشرع وهذا من تقصيرها في الشرع والقدر والأخرى توصلت إلى القدح في الشرع وإبطاله بما تشاهده من تأثير الأسباب وإرتباطها بمسبباتها لما ظنت أن الشرع نفاها وكذبت بالشارع فالطائفتان جانيتان على الشرع لكن الموفقون المهديون آمنوا بقدر الله وشرعه ولم يعارضوا أحدهما بالآخر بل صدر منهما الآخر عندهم وقرره فكان الأمر تفصيلا للقدر وكاشفا عنه وحاكما عليه والا أصل للأمر ومنفذ له وشاهد له ومصدق له فلولا القدر لما وجد الأمر ولا تحقق "

وقال ابن القيم في شفاء العليل (1/158) :" وهؤلاء منكرو الأسباب يزعمون أنه لا حرارة في النار تحرق بها ولا رطوبة في الماء يروى بها وليس في الأجسام أصلا لا قوى ولا طبائع ولا في العالم شيء يكون سببا لشيء آخر البتة وان لم تكن هذه الأمور جحدا للضروريات فليس في العالم من جحد الضروريات وان كانت جحدا للضروريات بطل قولكم ان جمعا من العقلاء لايتفقون على ذلك والاقوال التي يجحد بها المتكلمون الضروريات أضعاف أضعاف ماذكرناه فهم أجحد الناس لما يعلم بضرورة العقل"

وقال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (8/521) :" وهذه الأصول باطلة فإنه قد ثبت أن الله خالق كل شيء من أفعال العباد و غيرها و دلت على ذلك الدلائل الكثيرة السمعية و العقلية و هذا متفق عليه بين سلف الأمة و أئمتها و هم مع ذلك يقولون أن العباد لهم قدرة و مشيئة و أنهم فاعلون لأفعالهم و يثبتون ما خلقه الله من الأسباب و ما خلق الله من الحكم "

وسبب تعليقي على ما كتبه هشام الحمصي من موافقة الجبرية أن رسالته هذه منشورة على أنها من كتب العقيدة السلفية ، وكلامه هذا قد ينفق على بعض العامة
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي