مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: هل يقول في أذكار الصباح والمساء ( وإليك المصير ) أو ( وإليك النشور ) ؟

هل يقول في أذكار الصباح والمساء ( وإليك المصير ) أو ( وإليك النشور ) ؟



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :


فقد طلب مني بعض الأخوة أن أجمع ما صح عندي من أذكار الصباح والمساء وفي الواقع هذا أمرٌ مجهد فإنه يتطلب النظر في كل حديث خارج الصحيحين والبحث فيه .
 وأمر التصحيح يحتاج إلى تؤدة وروية للتأكد من سلامة الخبر من العلل ، ومما لفت نظري أثناء البحث ما يتعلق بالحديث التالي

قال أبو داود في سننه 5068 : حدثنا موسى بن إسماعيل ثنا وهيب ثنا سهيل عن أبيه عن أبي هريرة
: عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه كان يقول إذا أصبح " اللهم بك أصبحنا وبك أمسينا وبك نحيا وبك نموت وإليك النشور " وإذا أمسى قال " اللهم بك أمسينا وبك نحيا وبك نموت وإليك النشور "

هذا الحديث لفت نظري فيه عدة أمور

الأول : أنه من رواية سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة ، وقد اجتنب البخاري الاحتجاج بمرويات سهيل لما ذكر من الكلام فيه غير أن مسلماً احتج به ولكنه لم يخرج هذا الحديث بعينه فلم اجتنبه مسلم ؟

مع أنه حديث مشهور رواه جمع عن سهيل وخرجه أحمد في المسند والترمذي في جامعه وأبو داود في سننه

الثاني : أن الإمام النسائي قد خرج هذا الحديث في سننه الكبرى وحذفه من الصغرى المجبتى

فاجتناب مسلم واجتناب النسائي يجعل المرء يتوقف ليبصر سبب ذلك ويجد تفسيراً لهذا الأمر

والذي ظهر لي أن في الحديث اضطراباً في المتن جعل هؤلاء الأئمة يجتنبونه احتياطاً

وإليك تفصيل هذا الاضطراب

روى هذا الحديث عن سهيل خمسة وهم

1_ وهيب بن خالد
2_ روح بن القاسم
3_ حماد بن سلمة
4_ عبد الله بن جعفر
5_ عبد العزيز بن أبي حازم

أما رواية وهيب بن خالد فهو نفسه وقع عليه الاختلاف في متنها

قال أبو داود في سننه 5068 : حدثنا موسى بن إسماعيل ثنا وهيب ثنا سهيل عن أبيه عن أبي هريرة
: عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه كان يقول إذا أصبح " اللهم بك أصبحنا وبك أمسينا وبك نحيا وبك نموت وإليك النشور " وإذا أمسى قال " اللهم بك أمسينا وبك نحيا وبك نموت وإليك النشور "

ففي هذه الرواية في الصباح والمساء يقول ( وإليك النشور )

وقال البخاري في الأدب المفرد 1199: حَدثنا مُعَلَّى، قَالَ: حَدثنا وُهَيْبٌ، قَالَ: حَدثنا سُهَيْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلى الله عَلَيهِ وسَلم إِذَا أَصْبَحَ قَالَ: اللَّهُمَّ بِكَ أَصْبَحْنَا، وَبِكَ أَمْسَيْنَا، وَبِكَ نَحْيَا، وَبِكَ نَمُوتُ، وَإِلَيْكَ النُّشُورُ، وَإِذَا أَمْسَى قَالَ: اللَّهُمَّ بِكَ أَمْسَيْنَا، وَبِكَ أَصْبَحْنَا، وَبِكَ نَحْيَا، وَبِكَ نَمُوتُ، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.

فهنا جعلها في الصباح ( وإليك النشور ) وفي المساء ( وإليك المصير )

وقال النسائي في الكبرى 10399 : أخبرني زكريا بن يحيى حدثنا عبد الأعلى حدثنا وهيب حدثنا سهيل عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه كان يقول : إذا أصبح اللهم بك أصبحنا وبك أمسينا وبك نحيا وبك نموت وإليك النشور وإذا أمسى قال بك أمسينا وبك أصبحنا وبك نحيا وبك نموت وإليك النشور قال ومرة أخرى وإليك المصير

وهذا نص على أنه رواه مرةً هكذا ومرة هكذا

وأما رواية روح بن القاسم
فقال ابن مندة في التوحيد 133 : أخبرنا علي بن عيسى بن عبدويه ، وسعيد بن علي بن محمد بن نصر قالا : حدثنا محمد بن إبراهيم بن سعيد ، حدثنا أمية بن بسطام ، حدثنا يزيد بن زريع ، حدثنا روح بن القاسم ، عن سهيل بن أبي صالح ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول حين يصبح : « اللهم بك أصبحنا وبك أمسينا وبك نحيا وبك نموت وإليك النشور » ، وإذا أمسى قال : « اللهم بك أمسينا وبك أصبحنا وبك نحيا وبك نموت وإليك المصير »

فهنا جعلها في الصباح ( وإليك النشور ) وفي المساء ( وإليك المصير ) وهذه توافق إحدى الروايتين عن وهيب

وأما عبد الله بن جعفر
فقال الترمذي في جامعه 3391 : حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا سُهَيْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُ أَصْحَابَهُ يَقُولُ: " إِذَا أَصْبَحَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ بِكَ أَصْبَحْنَا، وَبِكَ أَمْسَيْنَا، وَبِكَ نَحْيَا وَبِكَ نَمُوتُ وَإِلَيْكَ المَصِيرُ، وَإِذَا أَمْسَى فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ بِكَ أَمْسَيْنَا وَبِكَ أَصْبَحْنَا وَبِكَ نَحْيَا وَبِكَ نَمُوتُ وَإِلَيْكَ النُّشُورُ ": «هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ»

عبد الله بن جعفر ضعيف وروايته هذه منكرة فقد عكس فجعلها في الصباح ( وإليك المصير ) وفي المساء ( وإليك النشور )

وأما رواية حماد بن سلمة

فقال أحمد في مسنده 10763 : حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، وَعَفَّانُ، قَالَا: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، حَدَّثَنَا سُهَيْلٌ، قَالَ: عَفَّانُ فِي حَدِيثِهِ قَالَ: أَخْبَرَنِي سُهَيْلٌ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ إِذَا أَصْبَحَ: " اللهُمَّ بِكَ أَصْبَحْنَا، وَبِكَ أَمْسَيْنَا، وَبِكَ نَحْيَا، وَبِكَ نَمُوتُ، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ "

وهنا حماد شذ عن الجماعة فجعلها في الصباح والمساء ( وإليك المصير ) ولم يذكر ( وإليك النشور ) مطلقاً وحماد كان يخطيء في غير حديث ثابت

وقال النسائي في الكبرى 9836 : أخبرنا الحسن بن أحمد بن حبيب قال حدثنا إبراهيم قال حدثنا حماد عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة ان رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يقول : إذا أصبح اللهم بك أصبحنا وبك أمسينا وبك نحيا وبك نموت وإليك النشور


وهنا شذ بوجه آخر وهو أنه قال ( وإليك النشور ) في الاثنين ولم يذكر ( وإليك المصير ) مطلقاً وهذه الرواية تخالف رواية الجماعة عن حماد والمحفوظ أن حماد ( وإليك المصير )

وأما رواية عبد العزيز بن أبي حازم
فقال ابن ماجه في سننه 3868: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ حُمَيْدِ بْنِ كَاسِبٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ ، عَنْ سُهَيْلٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَليْهِ وسَلَّمَ : إِذَا أَصْبَحْتُمْ فَقُولُوا : اللَّهُمَّ بِكَ أَصْبَحْنَا ، وَبِكَ أَمْسَيْنَا ، وَبِكَ نَحْيَا ، وَبِكَ نَمُوتُ ، وَإِذَا أَمْسَيْتُمْ فَقُولُوا : اللَّهُمَّ بِكَ أَمْسَيْنَا ، وَبِكَ أَصْبَحْنَا ، وَبِكَ نَحْيَا ، وَبِكَ نَمُوتُ ، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.

وهذه رواية منكرة يعقوب له مناكير ووجه النكارة أنه جعل الخبر من أمر النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه وهذا خطأ فعامة الروايات أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله ولا يذكر فيها أنه أمر الصحابة أن يقولوه
وفي هذه الرواية لم يذكر ( وإليك النشور ) ولا ( وإليك المصير ) في الصباح وذكر ( وإليك المصير ) في المساء
والخلاصة أن أكثر الروايات على أنه قال ( وإليك النشور ) في الصباح وقال ( وإليك المصير ) في المساء وقد عضد هذا السياق مرسل لابن المنكدر ، فهذا ما يلزم إن رجحنا ومن حكم على الخبر بالاضطراب وألصق ذلك بسهيل فقوله غير مدفوع من جهة النظر لولا أن الرواة عنه هم أنفسهم اختلف عليهم
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي