الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :
قال ابن رجب الحنبلي في ذيل طبقات الحنابلة (1/188) :
" وسمعت أبا محمد عبد الرحمن بن إبراهيم المقدسي قال: سألت الحافظ
_ يعني عبد الغني المقدسي _، فقلت: هؤلاء المشايخ يحكى عنهم من الكرامات ما لا يحكى
عن العلماء، إيش السبب في هذا؟ فقال: اشتغال العلماء بالعلم كرامات كثيرة - أو قال:
يريد للعلماء كرامة أفضل من اشتغالهم بالعلم - وقد كان للحافظ كرامات كثيرة"
كذا في الأصل وصوابه والله أعلم ( ليس للعلماء كرامة أفضل )
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في الإخنائية ص104 :
" وكذلك اجتماع رجال الغيب بهم أو الخضر أو غيره وكذلك مجيء الأنبياء
إليهم في اليقظة وحمل من يحمل منهم إلى عرفات ونحو ذلك مما وقع فيه كثير من العباد
وظنوا أنه كرامة من الله وكان من اضلال الشياطين لهم
لم تطمع الشياطين أن توقع الصحابة
في مثل هذا فانهم كانوا يعلمون أن هذا كله من الشيطان ورجال الغيب هم الجن قال تعالى
{ وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا }
وكذلك الشرك بأهل القبور لم يطمع
الشيطان أن يوقعهم فيه فلم يكن على عهدهم في الإسلام قبر يسافر إليه ولا يقصد للدعاء
عنده أو لطلب بركة شفاعته غير ذلك
بل أفضل الخلق محمد خاتم الرسل
صلى الله عليه وسلم وقبره عندهم محجوب لا يقصده أحد منهم لشيء من ذلك وكذلك التابعون
لهم باحسان ومن بعدهم من أئمة المسلمين "
وهذا الذي ذكره شيخ الإسلام وأنه من تلبيس الشيطان والأحوال الشيطانية
يذكره حتى بعض أهل الحديث ممن صنف في كرامات الأولياء
وقال المعلمي في كتاب العبادة ص259 :" وهكذا نجد نقل الكرامات عنهم
قليلاً _ يريد الصحابة والتابعين _ ، والنادر من ذلك القليل ، صحيحاً ، مع أنهم خير
الأمة ، وأقربها من الله تعالى ورسوله ، وأولاها بكل فضل ، ولا يبلغ أحدٌ ممن بعدهم
مد أحدهم ولا نصيفه ، وعمل ما عمل ولقد ينقل لواحد من أفراد الأمة بعد القرون الفاضلة
أضعاف أضعاف ما نقل عن مجموع الصحابة رضي الله عنهم وأكثر من ذلك وأنت إذا نت تدبرت
ما قدمنا فقد علمت السبب الحقيقي في ذلك _ أي أن كثيراً منها إما أكاذيب أو أحوال شيطانية
_
وأغرب من ذلك أنك تجد الصحابة وخيار التابعين ، ومن يليهم من العارفين
كانوا شديدي الخوف من الله والمقت لأنفسهم وإتهامها بالغرور والرياء وغير ذلك مع أن
منهم من مدحه الله في كتابه وبشره بالجنة على لسان رسوله"
يريد المعلمي مقارنة هذا بأحوال كثير من المتأخرين المشهورين بالصلاح الذين
اشتهر عنهم مدح أنفسهم
فهذا الشيخ عبد القادر الجيلاني وهو من أصلح الصوفية معتقداً ، فقد كان
حنبلياً ( على طريقة متأخريهم الذين تأثروا بالكلابية ) وقال فيه ابن قدامة :" ما تواتر عندنا كرامات أحد ما تواترت كرامات الشيخ
عبد القادر " أو كمال قال
يقول ابن رجب في ذيل طبقات الحنابلة (1/120) :" فأما الحكاية المعروفة
عن الشيخ عبد القادر أنه قال: قدمي هذه على رقبة كل ولي لله، فقد ساقها هذا المصنف
عنه من طرق متعددة.
وأحسن ما قيل في هذا الكلام: ما ذكره الشيخ أبو حفص السهروردي في عوارفه:
أنه من شطحات الشيخ التي لا يقتدي بهم فيها، ولا يقدح في مقاماتهم ومنازلهم، فكل أحد
يؤخذ عليه من كلامه ويترك، إلا المعصوم صلى الله عليه وسلم.
ومن ساق الشيوخ المتأخرين مساق الصدر الأول، وطالبهم بطرائقهم، وأراد منهم
ما كان عليه الحسن البصري وأصحابه مثلاً من العلم العظيم، والعمل العظيم، والورع العظيم،
والزهد العظيم، مع كمال الخوف والخشية، وإظهار الذل والحزن، والانكسار والازدراء على
النفس، وكتمان الأحوال والمعارف، والمحبة والشوق ونحو ذلك - فلا ريب أنه يزدري المتأخرين،
ويمقتهم، ويهضم حقوقهم. فالأولى تنزيل الناس منازلهم، وتوفيتهم حقوقهم، ومعرفة مقاديرهم،
وإقامة معاذيرهم. وقد جعل اللّه لكل شيء قدرًا.
ولما كان الشيخ أبو الفرج بن الجوزي عظيم الخبرة بأحوال السلف، والصدر
الأول، قل من كان في زمانه يساويه في معرفة ذلك.
وكان له أيضاً حظ من ذوق أحوالهم،
وقسط من مشاركتهم في معارفهم. كان لا يعذر المشايخ المتأخرين في طرائقهم المخالفة لطرائق
المتقدمين، ويشتد إنكاره عليهم.
وقد قيل: إنه صنف كتابًا، ينقم فيه على الشيخ عبد القادر أشياء كثيرة،
ولكن قد قل في هذا الزمان من له الخبرة التامة بأحوال الصدر الأول، والتمييز بين صحيح
ما يذكر عنهم من سقيمه.
فأما من له مشاركة لهم في أذواقهم، فهو نادر النادر. وإنما يلهج أهل هذا
الزمان بأحوال المتأخرين، ولا يميزون بين ما يصح عنهم من ذلك من غيره، فصاروا يخبطون
خبط عشواء في ظلماء. واللّه المستعان"
أقول : إذا كانت عبارة كتلك لا تقدح في منزلته فما الذي يقدح في منزلته؟
فمسلك ابن الجوزي أشبه بمسالك السلف على أن ابن الجوزي صدر منه ما يخالف
اعتقاد السلف في الصفات ورد عليه الحنابلة في عصره وبعد عصره والحمد لله رب العالمين
غير أن ما ذكره ابن رجب من جهل كثيرٍ من التأخرين بأخبار السلف الصالحين
مما أدى بهم إلى الاغترار بشطحات المتأخرين كلامٌ عظيم ينبغي للمرء أن يقف عنده ويطرده
في جميع أبواب الدين ليعلم عظيم رزيتنا في تركة السلف والله المستعان ، وإنك واقف على
طرف من ذلك في رسالته ( بيان فضل علم السلف على علم الخلف ) ، وإذا كانت هذه الرسالة
لا تفي بكل المقصود فقد أحدث الناس بعد ابن رجب الشيء الكثير مما لو أراد المذيل أن
يذيل على رسالته لخرج بمجلد ضخم والله المستعان
وَقالَ القرْطبيُّ فِي«تفسِيرِهِ» عِنْدَ قوْل اللهِ تَعَالىَ : { وَإِذْ
قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ
وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ }:
(قالَ عُلمَاؤُنا رَحْمَة اللهِ عَليْهمْ:«وَمَنْ أَظهَرَ الله تَعَالىَ
عَلى يَدَيْهِ مِمَّنْ ليْسَ بنَبيٍّ كرَامَاتٍ ، وَخَوَارِقَ لِلعَادَاتِ : فليْسَ
ذلِك دَالا عَلى وَلايتِه».
خِلافا لِبَعْض الصُّوْفِيَّةِ
وَالرّافِضَةِ ، حَيْثُ قالوْا :«إنَّ ذلِك يَدُلُّ عَلى أَنهُ وَلِيٌّ , إذْ لوْ لمْ يَكنْ
وَلِيًّا مَا أَظهَرَ الله عَلى يَدَيْهِ مَا أَظهَر !».
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم