الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :
قال ابن المبارك في الزهد [ 1982 ]:
أنا صفوان بن عمرو قال : حدثني سليم بن عامر قال :
خرجنا في جنازة في باب دمشق ، ومعنا أبو أمامة ، فلما صلى على الجنازة
وأخذوا في دفنها
قال أبو أمامة :
يا أيها الناس ، أصبحتم وأمسيتم في منزل تقتسمون فيه الحسنات والسيئات
، وتوشكون أن تظعنوا منه إلى منزل آخر ، وهو هذا ، فيشير إلى القبر .
بيت الوحدة ، وبيت الظلمة ، وبيت الدود ، وبيت الضيق ، إلا ما وسع الله
.
ثم تنتقلون منه إلى مواطن يوم القيامة ، فإنكم لفي بعض تلك المواطن حين
يغشى الناس أمر من أمر الله ، فتبيض وجوه ، وتسود وجوه .
ثم تنتقلون إلى منزل ، فتغشى الناس ظلمة شديدة ، ثم يقسم النور فيعطى المؤمن
نورا
ويترك الكافر والمنافق ، فلا يعطيان شيئا من النور .
وهو المثل الذي ضرب الله في كتابه : { أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ}
إلى قوله : { فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ } فلا يستضيء الكافر والمنافق بنور المؤمن ، كما
لا يستضيء الأعمى ببصر البصير
فيقول المنافقون للذين آمنوا
: { انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا
نُورًا } وهي خدعة الله التي يخدع المنافقين ، قال الله تبارك وتعالى : { يُخَادِعُونَ
اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ} ، فيرجعون إلى المكان الذي قسم فيه النور ، فلا يجدون
شيئا
فينصرفون إليهم وقد { ضُرِبَ بَيْنَهُمْ
بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ
} نصلي صلاتكم ، ونغزو مغازيكم ؟ { قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ
وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ } إلى قوله : { وَبِئْسَ
الْمَصِيرُ } .
ويقول سليم : فما يزال المنافق مغترا حتى يقسم النور ، ويميز الله بين
المؤمن والمنافق .اهـ
وهذا إسناد صحيح ، وقد رواه ابن أبي الدنيا في الأهوال من طريق ابن المبارك،
وهذه الموعظة البليغة يصلح أن يخطب بها الجمعة على وجازتها وعظيم نفعها وقوة تأثيرها
وفي هذا الخبر ، مشروعية الموعظة عند القبر على هيئة الخطابة ، خلافاً
لمن كره ذلك من المعاصرين
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم