مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: توجيه عظيم من ابن القيم للخطباء والوعاظ

توجيه عظيم من ابن القيم للخطباء والوعاظ



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :
                            

قال ابن القيم في زاد المعاد (1/407) :
" وَكَذَلِكَ كَانَتْ خُطْبَتُهُ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّمَا هِيَ تَقْرِيرٌ لِأُصُولِ الْإِيمَانِ مِنْ الْإِيمَانِ بِاَللّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَلِقَائِهِ
وَذِكْرِ الْجَنّةِ وَالنّارِ وَمَا أَعَدّ اللّهُ لِأَوْلِيَائِهِ وَأَهْلِ طَاعَتِهِ وَمَا أَعَدّ لِأَعْدَائِهِ وَأَهْلِ مَعْصِيَتِهِ
فَيَمْلَأُ الْقُلُوبَ مِنْ خُطْبَتِهِ إيمَانًا وَتَوْحِيدًا وَمَعْرِفَةً بِاَللّهِ وَأَيّامِهِ
 لَا كَخُطَبِ غَيْرِهِ الّتِي إنّمَا تُفِيدُ أُمُورًا مُشْتَرِكَةً بَيْنَ الْخَلَائِقِ وَهِيَ النّوْحُ عَلَى الْحَيَاةِ وَالتّخْوِيفُ بِالْمَوْتِ فَإِنّ هَذَا أَمْرٌ لَا يَحْصُلُ فِي الْقَلْبِ إيمَانًا بِاَللّهِ وَلَا تَوْحِيدًا لَهُ وَلَا مَعْرِفَةً خَاصّةً بِهِ
وَلَا تَذْكِيرًا بِأَيّامِهِ وَلَا بَعْثًا لِلنّفُوسِ عَلَى مَحَبّتِهِ وَالشّوْقِ إلَى لِقَائِهِ فَيَخْرُجُ السّامِعُونَ وَلَمْ يَسْتَفِيدُوا فَائِدَةً غَيْرَ أَنّهُمْ يَمُوتُونَ وَتُقَسّمُ أَمْوَالُهُمْ وَيُبْلِي التّرَابُ أَجْسَامَهُمْ فَيَا لَيْتَ شِعْرِي أَيّ إيمَانٍ حَصَلَ بِهَذَا ؟
 وَأَيّ تَوْحِيدٍ وَمَعْرِفَةٍ وَعِلْمٍ نَافِعٍ حَصَلَ بِهِ ؟
وَمَنْ تَأَمّلَ خُطَبَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَخُطَبَ أَصْحَابِهِ وَجَدَهَا كَفِيلَةٍ بِبَيَانِ الْهُدَى وَالتّوْحِيدِ وَذِكْرِ صِفَاتِ الرّبّ جَلّ جَلَالُهُ وَأُصُولِ الْإِيمَانِ الْكُلّيّةِ
وَالدّعْوَةِ إلَى اللّهِ وَذِكْرِ آلَائِهِ تَعَالَى الّتِي تُحَبّبُهُ إلَى خَلْقِهِ
وَأَيّامِهِ الّتِي تُخَوّفُهُمْ مِنْ بَأْسِهِ
وَالْأَمْرِ بِذِكْرِهِ وَشُكْرِهِ الّذِي يُحَبّبُهُمْ إلَيْهِ
 فَيَذْكُرُونَ مِنْ عَظْمَةِ اللّهِ وَصِفَاتِهِ وَأَسْمَائِهِ مَا يُحَبّبُهُ إلَى خَلْقِهِ وَيَأْمُرُونَ مِنْ طَاعَتِهِ وَشُكْرِهِ
 وَذِكْرِهِ مَا يُحَبّبُهُمْ إلَيْهِ فَيَنْصَرِفُ السّامِعُونَ وَقَدْ أَحَبّوهُ وَأَحَبّهُمْ
 ثُمّ طَالَ الْعَهْدُ وَخَفِيَ وَصَارَتْ الشّرَائِعُ وَالْأَوَامِرُ رُسُومًا تُقَامُ مِنْ غَيْرِ مُرَاعَاةِ حَقَائِقِهَا وَمَقَاصِدِهَا فَأَعْطَوْهَا صُوَرَهَا وَزَيّنُوهَا بِمَا زَيّنُوهَا بِهِ
فَجَعَلُوا الرّسُومَ وَالْأَوْضَاعَ سُنَنًا لَا يَنْبَغِي الْإِخْلَالُ بِهَا وَأَخَلّوا بِالْمَقَاصِدِ الّتِي لَا يَنْبَغِي الْإِخْلَالُ بِهَا
 فَرَصّعُوا الْخُطَبَ بِالتّسْجِيعِ وَالْفِقَرَ وَعِلْمَ الْبَدِيعِ فَنَقَصَ بَلْ عَدِمَ حَظّ الْقُلُوبِ مِنْهَا وَفَاتَ الْمَقْصُودُ بِهَا .
فَمِمّا حُفِظَ مِنْ خُطَبِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ كَانَ يُكْثِرُ أَنْ يَخْطُبَ بِالْقُرْآنِ وَسُورَةِ ( ق) .
 قَالَتْ أُمّ هِشَامٍ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ النّعْمَانِ : مَا حَفِظْت ( ق ) إلّا مِنْ فِي رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِمّا يَخْطُبُ بِهَا عَلَى الْمِنْبَرِ
 وَحَفِظَ مِنْ خُطْبَتِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ رِوَايَةِ عَلِيّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ وَفِيهَا ضَعْفٌ [ يَا أَيّهَا النّاسُ تُوبُوا إلَى اللّهِ عَزّ وَجَلّ قَبْلَ أَنْ تَمُوتُوا وَبَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ الصّالِحَةِ قَبْلَ أَنْ تَشْغَلُوا وَصِلُوا الّذِي بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ رَبّكُمْ بِكَثْرَةِ ذِكْرِكُمْ لَهُ وَكَثْرَةِ الصّدَقَةِ فِي السّرّ وَالْعَلَانِيَةِ تُؤْجَرُوا وَتُحْمَدُوا وَتُرْزَقُوا .
وَاعْلَمُوا أَنّ اللّهَ عَزّ وَجَلّ قَدْ فَرَضَ عَلَيْكُمْ الْجُمُعَةَ فَرِيضَةً مَكْتُوبَةً فِي مَقَامِي هَذَا فِي شَهْرِي هَذَا فِي عَامِي هَذَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ وَجَدَ إلَيْهَا سَبِيلًا
فَمَنْ تَرَكَهَا فِي حَيَاتِي أَوْ بَعْدَ مَمَاتِي جُحُودًا بِهَا أَوْ اسْتِخْفَافًا بِهَا وَلَهُ إمَامٌ جَائِرٌ أَوْ عَادِلٌ فَلَا جَمَعَ اللّهُ شَمْلَهُ وَلَا بَارَكَ لَهُ فِي أَمْرِهِ أَلَا وَلَا صَلَاةَ لَهُ أَلَا وَلَا وُضُوءَ لَهُ أَلَا وَلَا صَوْمَ لَهُ أَلَا وَلَا زَكَاةَ لَهُ أَلَا وَلَا حَجّ لَهُ أَلَا وَلَا بَرَكَةَ لَهُ حَتّى يَتُوبَ
 فَإِنْ تَابَ تَابَ اللّهُ عَلَيْهِ أَلَا وَلَا تَؤُمّنّ امْرَأَةٌ رَجُلًا أَلَا وَلَا يَؤُمّنّ أَعْرَابِيّ مُهَاجِرًا أَلَا وَلَا يَؤُمّنّ فَاجِرٌ مُؤْمِنًا إلّا أَنْ يَقْهَرَهُ سُلْطَانٌ فَيَخَافَ سَيْفَهُ وَسَوْطَهُ]

هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي