الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :
قال الله تعالى :( قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى
أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ
لِبَعْضٍ ظَهِيرًا )
هذه الآية نص في إعجاز القرآن وأن الخلق ليس في مقدورهم بمثله ، وقد ذهب
الجاحظ المعتزلي والنظام إلا أن الناس بمقدورهم ذلك ولكن الله صرفهم !
والعجيب أن أبا الحسن الأشعري قد وافق المعتزلة في هذه !
قال القاضي عياض في الشفاء (1/ 267) :" وقد اختلف أئمة أهل السنة
في وجه عجزهم عنه فأكثرهم يقول إنه مما جمع في قوة جزالته ونصاعة ألفاظه وحسن نظمه
وإيجازه وبديع تأليفهم وأسلوبه لا يصح أن يكون في مقدور البشر وأنه من باب الخوارق
الممتنعة عن اقدار الخلق عليها كإحياء الموتى وقلب العصا وتسبيح الحصا وذهب الشيخ أبو
الحسن إلى أنه مما يمكن أن يدخل مثله تحت مقدور البشر ويقدرهم الله عليه ولكنه لم يكن
هذا ولا يكون فمنعهم الله هذا"
وهذا هو القول بالصرفة والقاضي عياض ينسبه إلى أهل السنة لأنه أشعري !
وسيأتي نقض القرطبي لهذا الكلام
قال الجويني في النظامية ص72 :" فتبين قطعاً أنهم ممنوعون عن مثل
ما هو مقدورهم ، وذلك أبلغ عندنا من خرق العوائد بالأفعال البديعة نفسها "
وهذا من الجويني قول بالصرفة في كتابه الذي يزعم فيه أنه رجع إلى عقيدة
السلف !
وإنما رجع إلى التفويض وبقي مصراً على نفي الحرف والصوت
قال القرطبي ( وهو أيضاً أشعري ولكنه أصاب في هذا ) في تفسيره رداً القائلين
بالصرفة (1/75) :
" ووجه حادي عشر قاله النظام وبعض القدرية: أن وجه الإعجاز هو المنع
من معارته، والصرفة عند التحدي بمثله. وأن المنة والصرفة هو المعجزة دون ذات القرآن
وذلك أن الله تعال صرف هممهم عن
معارضته مع تحديهم بأن يأتوا بسورة من مثله.
وهذا فاسد، لأن إجماع الأمة قبل حدوث المخالف أن القرآن هو المعجز
فلوا قلنا إن المنع والصرفة هو المعجز لخرج القرآن عن أن كونه معجزا، وذلك
خلاف الإجماع
وإذ كان كذلك علم أن نفس القرآن
هو المعجز، لأن فصاحته وبلاغته أمر خارق للعادة، إذ لم يوجد قط كلام على هذا الوجه،
فلما لم يكن ذلك الكلام مألوفا معتادا منهم دل على أن المنع والصرفة لم يكن معجزا.
واختلف من قال بهذا الصرفة
على قولين: أحدهما: أنهم صرفوا على القدرة عليه، ولو تعرضوا له لعجزوا
عنه.
الثاني أنهم صرفوا عن التعرض له
مع كونه في مقدورهم، ولو تعرضوا له لجاز أن يقدروا عليه.
قال ابن عطية:" وجه التحدي
في القرآن إنما هو بنظمه وصحة معانيه، وتوالي فصاحة ألفاظه.
ووجه إعجازه: أن الله تعالى قَدْ أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً، وأحاط
بالكلام كله علما، فعلم بإحاطته أي لفظه تصلح أن تلى الأولى، وتبين المعنى بعد المعنى
ثم كذلك من أول القرآن إلى آخره،
والبشر معهم الجهل والنسيان والذهول
ومعلوم ضرورة أن بشرا لم يكن محيطا
قط، بهذا جاء نظم القرآن في الغاية القصوى من الفصاحة.
وبهذا النظر يبطل قوال من قال: إن العرب كان في قدرتها إن تأتي بمثل القرآن
في الغاية القصوى من الفصاحة، فلما جاء محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صرفوا
عن ذلك، وعجزوا عنه.
والصحيح أن الإتيان بمثل القرآن
لم يكن قط في قدرة أحد من المخلوقين، ويظهر لك قصور البشر في أن الفصيح منهم يضع خطبة
أو قصيدة يستفرغ فيها جهده، ثم لا يزال ينقحها حولا كاملا
ثم تعطى لآخر بعده فيأخذها بقريحة
جامة فيبدل فيها وينقح، ثم لا تزال بعد ذلك فيها مواضيع للنظر والبدل، وكتاب الله تعالى
لو نزعت منه لفظه، ثم أدير لسان العرب أن يوجد أحسن منها لم يوجد" انتهى
وقد نقل التميمي الحنبلي في اعتقاد الإمام أحمد الذي جمعه ( وفيه غلطات
على أحمد ) أن الإمام أحمد يكفر القائلين بالصرفة ولا يستبعد هذا
قال التميمي في رسالته اعتقاد الإمام أحمد :" وَكَانَ يكفر من يَقُول
إِن الْقُرْآن مَقْدُور على مثله وَلَكِن الله تَعَالَى منع من قدرتهم بل هُوَ معجز
فِي نَفسه وَالْعجز قد شَمل الْخلق"
ولا يستبعد نفيهم الإعجاز لأنهم يقولون بخلق القرآن فهو خلق من الخلق عندهم
فإن جردوه من كل فضيلة لا يهم لأنه مخلوق ، وليس كلام الله عز وجل
حتى أن البوصيري رأى أن القرآن لا يناسب مقام النبي صلى الله عليه وسلم
! فقال في بردته
لو ناسبت قدره آياته عظماً *** لاحيا اسمه حين يدعى دارس الرمم
فيرى أن آيات النبي صلى الله عليه وسلم ليست مناسبة لمقام النبي صلى الله
عليه وسلم
والمناسب من وجهة نظره أن يكون مجرد ذكر اسم النبي صلى الله عليه وسلم
يحيي الموتى ، وصرح بعض شراح البردة بأن القرآن داخل في هذا العموم !
نعوذ بالله من الشقاء
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم