الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :
فقد صدرت كلمات من بعض من لا يفقه في التنفير من دراسة الأسماء والصفات
وكتب السلف في ذلك بدعوى أنها مزلة قدم
وهذا غلط عظيم فإن من اتبع الكتاب والسنة وآثار السلف لا يحار ولا تزل
قدمه
فلما قال الشهرستاني:
لعمري قد طفت المعاهد كلها *** وسيرت طرفي بين تلك المعالم
فلم أرَ واضعاً كف حائر *** على خد أو قارعاً سن نادم
عارضه الصنعاني بقوله:
لعلك أهملت المرور بمعهد *** الرسول ومن لا قاه من كل عالم
فلا يضل من يقتدي بمحمد *** ولست تراه قارعاً سن نادم
والآن إلى موضوع المقال:
قال الله تعالى: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ
مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ
شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا﴾، فبين سبحانه
أنه يريد من عباده أن يعلموا أنه على كل شيء قدير وأنه بكل شيء عليم
وبين سبحانه أن ذلك مقصود لذاته
ومعلول لأمور أخرى منها خلق السموات والأرض
ولا يعقل أن الله عز وجل أنزل
كل تلك النصوص في وصف نفسه بصفاته العلى لكي تفوض ولا تدرس أو ينفر من ذلك ، فإن مفتاح
كل خير معرفة العبد لربه.
قال البخاري في صحيحه 26 : حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ وَمُوسَى
بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَا حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ
شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ :
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ أَيُّ
الْعَمَلِ أَفْضَلُ فَقَالَ إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ
قِيلَ ثُمَّ مَاذَا قَالَ الْجِهَادُ
فِي سَبِيلِ اللَّهِ قِيلَ ثُمَّ مَاذَا قَالَ حَجٌّ مَبْرُورٌ.
فجعل النبي صلى الله عليه وسلم أفضل الأعمال الإيمان بالله ، ومن ذلك الإيمان
بأسمائه وصفاته
وقال ابن كثير في تفسيره
(1/166):
"وقال سعيد بن منصور: حدثنا
أبو معاوية، عن الأعمش، عن عمارة بن عمير، عن عبد الرحمن بن يزيد قال: كنا عند عبد
الله بن مسعود جلوسًا، فذكرنا أصحَاب النبي صلى الله عليه وسلم وما سبقوا به
قال: فقال عبد الله: إن أمر محمد
صلى الله عليه وسلم كان بينا لمن رآه، والذي لا إله غيره ما آمن أحد قط إيمانا أفضل
من إيمان بغيب، ثم قرأ: ﴿الم () ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ
() الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ﴾، إلى قوله: ﴿الْمُفْلِحُونَ﴾".
وهذا إسناد صحيح إلى ابن مسعود ورأس الإيمان بالغيب الإيمان بأسماء الله
وصفاته
قال البخاري في صحيحه 5015 : حَدَّثَنَا
عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ
وَالضَّحَّاكُ الْمَشْرِقِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ :
أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَقْرَأَ
ثُلُثَ الْقُرْآنِ فِي لَيْلَةٍ فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَقَالُوا أَيُّنَا يُطِيقُ
ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ
فَقَالَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الصَّمَدُ ثُلُثُ الْقُرْآنِ.
وسورة الإخلاص اكتسبت هذه الفضيلة العظيمة من كونها لله عز وجل فلم يذكر
فيها أحد إلا هو سبحانه ، وكلها في أسمائه وصفاته سبحانه وتعالى.
وقال البيهقي في الأسماء والصفات 62 : أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، قال
: سمعت أبا الوليد الفقيه ، يقول : سألت أبا العباس بن سريج قلت : ما معنى قول رسول
الله صلى الله عليه وسلم : ((قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن؟)) قال: ((إن القرآن أنزل
أثلاثا : ثلث منها أحكام وثلث منها وعد ووعيد ، وثلث منها الأسماء والصفات وقد جمع
في قل هو الله أحد ، أحد الأثلاث وهو الأسماء والصفات ، فقيل : إنها ثلث القرآن)).
قال البخاري في صحيحه 7375 : حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ حَدَّثَنَا
ابْنُ وَهْبٍ حَدَّثَنَا عَمْرٌو عَنْ ابْنِ أَبِي هِلَالٍ أَنَّ أَبَا الرِّجَالِ
مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَدَّثَهُ عَنْ أُمِّهِ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ وَكَانَتْ فِي حَجْرِ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَنْ عَائِشَةَ :
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ رَجُلًا عَلَى سَرِيَّةٍ وَكَانَ يَقْرَأُ
لِأَصْحَابِهِ فِي صَلَاتِهِمْ فَيَخْتِمُ بِقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ فَلَمَّا رَجَعُوا
ذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَقَالَ سَلُوهُ لِأَيِّ شَيْءٍ يَصْنَعُ ذَلِكَ فَسَأَلُوهُ فَقَالَ لِأَنَّهَا
صِفَةُ الرَّحْمَنِ وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَقْرَأَ بِهَا
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبِرُوهُ أَنَّ
اللَّهَ يُحِبُّهُ.
فهذا الصحابي أحبه الله عز وجل لحبه لصفة الرحمن ، وإنما يحب أسماء الله
وصفاته من يحرص على تعلم هذا العلم العظيم.
قال الإمام مسلم في صحيحه 1837- [258-810] حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ
أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى ، عَنِ الْجُرَيْرِيِّ
، عَنْ أَبِي السَّلِيلِ ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ رَبَاحٍ الأَنْصَارِيِّ ، عَنْ أُبَيِّ
بْنِ كَعْبٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
يَا أَبَا الْمُنْذِرِ ، أَتَدْرِي
أَيُّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللهِ مَعَكَ أَعْظَمُ ؟
قَالَ : قُلْتُ : اللَّهُ وَرَسُولُهُ
أَعْلَمُ . قَالَ : يَا أَبَا الْمُنْذِرِ أَتَدْرِي أَيُّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللهِ
مَعَكَ أَعْظَمُ ؟
قَالَ : قُلْتُ : ﴿اللَّهُ لاَ
إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾. قَالَ : فَضَرَبَ فِي صَدْرِي
وَقَالَ : وَاللَّهِ لِيَهْنِكَ
الْعِلْمُ أَبَا الْمُنْذِرِ.
وإنما صارت آية الكرسي أعظم آية في القرآن لما احتوت من أسماء الله وصفاته
قال المناوي في فيض القدير
(2/66): "لما اجتمع فيها من التقديس والتحميد والصفات الذاتية التي لم تجتمع في
آية سواها وحيث كانت بهذه المثابة استحقت الوصف بالأفضلية".
قال الترمذي في جامعه 3109 : حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ: أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ
يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ وَكِيعِ بْنِ حُدُسٍ، عَنْ عَمِّهِ أَبِي رَزِينٍ، قَالَ:
قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ،
أَيْنَ كَانَ رَبُّنَا قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ خَلْقَهُ؟ قَالَ: كَانَ فِي عَمَاءٍ مَا تَحْتَهُ هَوَاءٌ وَمَا فَوْقَهُ
هَوَاءٌ، وَخَلَقَ عَرْشَهُ عَلَى المَاءِ
قَالَ أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ،:
قَالَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ: " العَمَاءُ: أَيْ لَيْسَ مَعَهُ شَيْءٌ
".
هَكَذَا يَقُولُ حَمَّادُ بْنُ
سَلَمَةَ: وَكِيعُ بْنُ حُدُسٍ، وَيَقُولُ شُعْبَةُ وَأَبُو عَوَانَةَ وَهُشَيْمٌ:
وَكِيعُ بْنُ عُدُسٍ: وَهُوَ أَصَحُّ،
وَأَبُو رَزِينٍ اسْمُهُ: لَقِيطُ
بْنُ عَامِرٍ. وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ.
وهو حسن كما الترمذي فوكيع بن حدس قال عنه الجوزقاني ( صدوق صالح الحديث
)
والنبي صلى الله عليه وسلم ما
انتهر أبا رزين لسؤاله هذا وفي هذا الخبر أن الصحابة كانوا يطلبون علم الأسماء والصفات
ويسألون ولكن لا يسألون عن الكيفية.
قال أحمد في مسنده 16187 : حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ وَكِيعِ بْنِ عُدُسٍ، عَنْ
عَمِّهِ أَبِي رَزِينٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
ضَحِكَ رَبُّنَا مِنْ قُنُوطِ
عَبْدِهِ، وَقُرْبِ غِيَرِهِ " قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَوَيَضْحَكُ
الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ ؟
قَالَ: " نَعَمْ " قَالَ:
لَنْ نَعْدَمَ مِنْ رَبٍّ يَضْحَكُ خَيْرًا.
وهذا كذاك.
وقال مسلم في صحيحه 7153- [25-...] حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ
، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ ، يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ
، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ مِقْسَمٍ :
أَنَّهُ نَظَرَ إِلَى عَبْدِ اللهِ
بْنِ عُمَرَ كَيْفَ يَحْكِي رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ
: يَأْخُذُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ سَمَاوَاتِهِ وَأَرَضِيهِ بِيَدَيْهِ ، فَيَقُولُ
: أَنَا اللَّهُ ، وَيَقْبِضُ أَصَابِعَهُ وَيَبْسُطُهَا ، أَنَا الْمَلِكُ حَتَّى
نَظَرْتُ إِلَى الْمِنْبَرِ يَتَحَرَّكُ مِنْ أَسْفَلِ شَيْءٍ مِنْهُ ، حَتَّى إِنِّي
لأَقُولُ : أَسَاقِطٌ هُوَ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟.
وفي هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم يحدث بأحاديث الصفات على المنبر خلافاً
لمن كره ذلك من المتحذلقة، وفي حديث الجارية سألها أين الله فلما قالت ((في السماء))
قال: ((اعتقها فإنها مؤمنة)).
فدل على من لم يؤمن بهذا يكون كافراً ، وأن هذا من الإيمان؛ قال أبو يعلى في إبطال التأويلات (1/232):
"أعلم أن الكلام فِي هَذَا
الخبر فِي فصلين: أحدهما: فِي جواز السؤال عنه سُبْحَانَهُ بأين هو، وجواز الإخبار
عنه بأنه فِي السماء
والثاني قوله: " اعتقها فإنها مؤمنة " أما الفصل الأول فظاهر
الخبر يقتضي جواز السؤال عنه، وجواز الإخبار عنه بأنه فِي السماء، لأن النبي، صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لها: " أين الله " فلولا أن السؤال عنه
جائز لم يسأل وأجابته بأنه فِي السماء وأقرها عَلَى ذَلِكَ، فلولا أنه يجوز الإخبار
عنه سُبْحَانَهُ بذلك لم يقرها عليه".
قال البخاري في صحيحه 4637 : حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا
شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ قَالَ :
قُلْتُ أَنْتَ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ نَعَمْ وَرَفَعَهُ
قَالَ :
لَا أَحَدَ أَغْيَرُ مِنْ اللَّهِ فَلِذَلِكَ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ مَا
ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا أَحَدَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْمِدْحَةُ مِنْ اللَّهِ
فَلِذَلِكَ مَدَحَ نَفْسَهُ.
ودراسة الأسماء والصفات على الطريقة السلفية مدح لله عز وجل إذ أنها مذاكرة
لما وصف الله عز وجل به نفسه وكذلك نبيه وهذا كله مدح وثناء ، فالله عز وجل يحب تذاكر
أسمائه وصفاته.
ورأس الكتب النافعة في هذا السنة لعبد الله بن أحمد والسنة للخلال وكل
كتاب باسم (السنة) في هذه الطبقة ، والرد على الجهمية والرد على المريسي للدارمي ،
وكل كتاب بعنوان (الرد على الجهمية)، وكتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم
وكتب أئمة الدعوة النجدية ، وكل من نسج على منوالهم في أي وقت وفي أي بلد كان.
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم