الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :
فقد خرج عبد الرحمن عبد الخالق على قناة الرحمة في برنامج ( جبريل يسأل
والنبي يجيب ) ، مع محمد حسان ومحمد عبد المقصود
وقد سأله المقدم ( علاء سعيد ) : بعض الناس بيسأل هل يجوز الاحتفال بيوم
25 يناير ؟
فأجاب عبد الرحمن عبد الخالق : لا شك أن هذه مناسبة سعيدة ، احتفالنا بها
ليس إثارة عيد يعني
وإنما تذكر هذا اليوم ، كان يوم
فاصل بين عهدين ، بين عهد مضى عهد الظلم والاستبداد ، وعهد آتي إن شاء الله تعالى عهد
للاستقرار والحرية والشورى في المجتمع فذكرى هذه المناسبة هو يعني الاحتفال بها أرى
أنه أمر مشروع
إلى أن قال : هذه مناسبة ينبغي أن نذكرها ونقف عندها كما نذكر كما مثلاً
نذكر يوم بدر ، فإن هذا اليوم من أيام الله تبارك وتعالى ثم ذكر يوم عاشوراء وأن المسلمين
كانوا يصومونه ! . اهـ مختصراً
أقول : التعليق على هذا الخطل من وجوه
أولها : أن ثورة مصر خرجت من أجل الديمقراطية كما أقر عبد الرحمن عبد الخالق
بذلك بنفسه حيث قال في مقابلته مع جريدة الوطن الكويتية : لكن الثورة المصرية خرجت
لتزيح الحاكم وتنادي بنظام ديموقراطي
وقد اعترف عبد الرحمن بأن الديمقراطية كفر حيث قال في كتابه مشروعية الدخول
إلى المجالس التشريعية ص32:
حجج الذين يحرمون الدخول إلى المجالس التشريعية والرد عليها :
بعد أن قررنا بحمد الله الحكم الشرعي الذي نراه مؤيداً بالأدلة من القرآن
، والسنة ، وأقوال بعض سلف الأمة.. نأتي إلى الشبهات التي تثار حول تولي الولايات ،
والدخول إلى المجالس التشريعية في ظل الأنظمة الديمقراطية وما احتج به من يرى المنع
:
1-الديمقراطية كفر:
قالوا إن النظام الديمقراطي كفر وبالتالي لا يجوز الدخول إليه وإصلاحه
من داخله
والجواب: أنه يجب التفريق بين كون النظام كفراً وكون العاملين به والمنضوين
تحت لوائه جبراً وقهراً رضيً أو سخطاً كفار.. اهـ
أقول :فأقر بأنها كفر !
فكيف يجوز الاحتفال بالكفر ، وتشبيه تلك الثورة بيوم بدر ، مما هو في حقيقته
استحلال للديمقراطية ، فأين اللاهجون بالتكفير يرون ماذا يقول شيخهم عبد الرحمن عبد
الخالق أم أن التكفير فقط للحكام ؟!
وقال عبد الرحمن في كتابه مشروعية الدخول إلى المجالس التشريعية ص90 :
وقد ذكر بعض الإخوة مفاسد الديمقراطية فبلغت خمسين مفسدة . ونحن نستطيع
أن نضيف عليها خمسين أخرى بل مائة أخرى ولا يعني هذا تحريم الدخول إلى المجالس البرلمانية
.اهـ
الوجه الثاني : أن الاحتفال بالثورات من التشبه بالكفار .
قال عبد الرحمن عبد الخالق في كتابه الفكر الصوفي في ضوء الكتاب والسنة
:
ولقد أصل الرسول صلى الله عليه وسلم بعد ذلك أصلاً خطيراً، وهو تعمد مخالفة
أهل الكتاب والأمم الأخرى، وذلك حتى تتحقق ميزة الأمة بالمنهج المستقل والأفعال المستقلة،
وحتى لا تختلط أفعال الأمة وعباداتها بأفعال الأمم الأخرى وعباداتها.
فأمر أن نصلي بالنعال والخفاف مع العلم أن خلعها أتم لمعاني الخضوع والذلة،
وذلك مخالفة لليهود والنصارى الذين لا يصلون في خفافهم ونعالهم.
فقال: [ إن أهل الكتاب لا يصلون في خفافهم ونعالهم، فصلوا في خفافكم ونعالكم
] (رواه أبو داود (652) عن شداد بن أوس، وإسناده صحيح، ولفظه: [خالفوا اليهود، فإنهم
لا يصلون في نعالهم ولا خفافهم] وصححه الألباني في (صحيح الجامع-3205) و (تخريج المشكاة-
765) .
ولهذا الأصل أدلة وشواهد لا تحصى كثرة , من أجمع الكتب المؤلفة في ذلك
كتاب (اقتضاء الصراط المستقيم) لشيخ الإسلام ابن تيمية والفصل الخاص بحرمة التشبه بالكفار
من (حجاب المرأة المسلمة) للألباني ، والمراد هنا التنبيه على أن الأمة الإسلامية يجب
أن تكون أمة مستقلة في كل شيء: المنهج والعبادة، والسلوك والآداب والعبادات، وحتى اللباس
والمظاهر والعادات.اهـ
أقول : فأين ذهب هذا الأصل الخطير عند التشبه بالقوم في الأعياد والمظاهرات
؟
الوجه الثالث : أن الاحتفال بذكرى 25 يناير عيد وإن لم يسمه عبد الرحمن
عبد الخالق عيداً فإن العبرة بالحقائق لا بالأسماء
قال أبو حيان الأندلسي في البحر المحيط (5/60):
العيد لغة ما عاد إليك من شيء في وقت معلوم سواء كان فرحاً أو ترحاً وغلبت
الحقيقة العرفية على الحقيقة اللغوية . وقال الخليل العيد كل يوم يجمع الناس لأنهم
عادوا إليه .اهـ
وقال ابن حجر في فتح الباري (1/71) :
وَالْعِيد فِعْل مِنْ الْعَوْد ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُ يَعُود
فِي كُلّ عَام .اهـ
الوجه الرابع : من الإمعان بالتشبه بالكفار تأريخهم لثورتهم بالتاريخ النصراني
دون الهجري ، فلو قلنا بمشروعية الاحتفال لجعلنا ذلك في التاريخ الهجري
قال صالح الفوزان في الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد :
6- ومن مظاهر موالاة الكفار التأريخ بتأريخهم، خصوصا التاريخ الذي يعبر
عن طقوسهم وأعيادهم؛ كالتاريخ الميلادي، والذي هو عبارة عن ذكرى مولد المسيح عليه السلام،
والذي ابتدعوه من أنفسهم، وليس هو من دين المسيح عليه السلام؛ فاستعمال هذا التاريخ
فيه مشاركة في إحياء شعارهم وعيدهم، ولتجنب هذا لما أراد الصحابة رضي الله عنهم وضع
تاريخ للمسلمين في عهد عمر - رضي الله عنه ؛ عدلوا من تواريخ الكفار، وأرخوا بهجرة
الرسول صلى الله عليه وسلم ، مما يدل على وجوب مخالفة الكفار في هذا وفي غيره مما هو
من خصائصهم، والله المستعان.اهـ
الوجه الخامس : قياس ليوم 25 يناير على يوم بدر قياسٌ وقح ، وهل رأى عبد
الرحمن أحداً من السلف احتفل بيوم بدر ؟!
أو احتفل بيوم خيبر الذي سماه رب العالمين فتحاً حيث قال تعالى { فَجَعَلَ
مِنْ دُون ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا } ؟
أو احتفل بصلح الحديبية الذي سماه رب العالمين فتحاً حيث قال { إنا فتحنا
لك فتحاً مبيناً } ؟
أو احتفل بفتح مكة وهو المقصود بقوله تعالى { إذا جاء نصر الله والفتح
} ؟
فأي قياس باردٍ هذا ، ولعل صوفياً سيقول لعبد الرحمن عبد الخالق أتحرم
علينا الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم وذكر الهجرة وقد رأيت ما ترتب عليهما
من الهدى والنور
وتبيح لنفسك وإخوانك الاحتفال
بثورتكم التي سفك فيها الكثير من الدماء ونهب الكثير من الأموال من أجل الديمقراطية
الكافرة ؟!
الوجه السادس : أن يوم عاشوراء صامه المسلمون فعلى قياس عبد الرحمن هل
نصوم يوم 25 يناير
وكم سنة يكفر ؟!
الوجه السابع : قوله أن هذا العهد في مصر مبني على الشورى كذب بل مبني
على الديمقراطية وفرقٌ بينها وبين الشورى الإسلامية
قال أحمد شاكر في (1/ 383) من عمدة التفسير ط دار الوفاء :
وهذه الآية ( وشاورهم في الأمر ) ، والآية الأخرى ( وأمرهم شورى بينهم
) ، اتخذها اللاعبون بالدين في هذا العصر من العلماء وغيرهم عدتهم في التضليل بالتأويل
ليواطئوا ، صنع الإفرنج في النظام الدستوري الذي يزعمونه ويخدعون الناس بتسميته(النظام
الديمقراطي ) ، فاصطنع هؤلاء اللاعبون شعاراً من هاتين الآيتين يخدعون به الشعوب الإسلامية
أو المنتسبة للإسلام ، يقولون كلمة حق يراد بها الباطل ، يقولون : الإسلام يأمر بالشورى
، ونحو ذلك من الألفاظ ، وحقاً إن الإسلام يأمر بالشورى ، ولكن أي شورى يأمر بها الإسلام
؟
إن الله يقول لرسوله صلى الله عليه وسلم ( وشاورهم في الأمر فإذا عزمت
فتوكل على الله ) ومعنى الآية واضحٌ صريح لا يحتاج إلى تفسير ، ولا يحتمل التأويل ،
فهو أمرٌ للرسول صلى الله عليه وسلم ، ثم لمن يكون ولي الأمر من بعده ، أن يستعرض آراء
أصحابه الذين يراهم موضع الرأي ، الذين هم أولو الأحلام والنهى في المسائل التي تكون
موضع تبادل الآراء وموضع الاجتهاد في التطبيق ، ثم يختار من بينها ما يراه حقاً أو
صواباً أو مصلحة فيعزم على إنفاذه غير متقيد برأي فريق معين ولا برأي عدد محدود ، لا
برأي أكثرية ولا برأي أقلية ، فإذا عزم توكل على الله وأنفذ العزم على ما ارتآه .
ومن المفهوم البديهي الذي لا يحتاج إلى دليل أن الذين أمر الرسول صلى الله
عليه وسلم بمشاروتهم - ويأتسي به من يلي الأمر من بعده - هم الرجال الصالحون القائمون
على حدود الله المتقون المقيمون الصلاة ، المؤدون الزكاة المجاهدون في سبيل الله الذي
قال فيهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -ليلني منكم أولو الأحلام والنهى ، ليسوا
هم الملحدين ولا المحاربين لدين الله ولا الفجار الذين لا يتورعون عن منكر ولا الذين
يزعمون أن لهم أن يضعوا شرائع وقوانين تخالف دين الله وتهدم شريعة الإسلام وأولئك
_ من بين كافر وفاسق _ موضعهم الصحيح تحت السيف أو السوط لا موضع الاستشارة وتبادل
الآراء.اهـ
أقول : هذا كلامٌ نفيس جداً في نقض الديمقراطية ، والفرق بينها وبين الشورى
الإسلامية من هذا الشيخ رحمه الله
وبلايا عبد الرحمن في هذا اللقاء كثيرة ، ولكنني أود التنبيه على سقطة
فقهية قبيحة ، يستدل بها الحاذق على مستوى هذا الرجل العلمي
وذلك أنه اقترح أن تدفع الحكومة الدية لمن قتل في مظاهرات الثورة المصرية
فسأله محمد حسان عن مقدار الدية [ واستمع
للمقطع من هنا ]
فقال عبد الرحمن عبد الخالق : كم يساوي البعير هنا في مصر ؟
فقال محمد حسان : خمسة آلاف على الأقل .
فقال عبد الرحمن عبد الخالق : اضربها بمائة !
أقول : وهذا التقدير العجيب للدية يخالف إجماع المسلمين !
فإن قلتَ : كيف ؟
قلت لك : أن قول عبد الرحمن ( اضربها بمائة ) يفيد أن قيمة الإبل المائة
في الدية متساوية
وليس الأمر كذلك لا في دية الخطأ ولا دية شبه العمد فإن النبي صلى الله
عليه وسلم وأصحابه مايزوا من أسنان الإبل في الدية مما يقتضي التفاضل في قيمتها
وعبد الرحمن يتحدث عن قتل العمد فإليك الخبر الوارد في قتل العمد
قال الترمذي في جامعه [ 1387 ] :
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا حَبَّانُ
وَهُوَ ابْنُ هِلَالٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَاشِدٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا
سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ،
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
مَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا دُفِعَ إِلَى أَوْلِيَاءِ المَقْتُولِ،
فَإِنْ شَاءُوا قَتَلُوا، وَإِنْ شَاءُوا أَخَذُوا الدِّيَةَ، وَهِيَ ثَلَاثُونَ حِقَّةً،
وَثَلَاثُونَ جَذَعَةً، وَأَرْبَعُونَ خَلِفَةً، وَمَا صَالَحُوا عَلَيْهِ فَهُوَ لَهُمْ،
وَذَلِكَ لِتَشْدِيدِ العَقْلِ
أقول : فلا يجوز لأحدٍ والحال هذه أن يقول ( كم ثمن الحقة واضربه بمائة؟
) أو ( كم ثمن الخلفة واضربه بمائة ؟ ) ، لما بين هذه الأصناف من التفاضل في القيمة
!
وحديث الترمذي نقل الخطابي الإجماع على عدم العمل به والفتوى على خبر ابن مسعود الموقوف في أنها أخماس وذلك يفيد المعنى نفسه في الرد على عبد الرحمن عبد الخالق
وحديث الترمذي نقل الخطابي الإجماع على عدم العمل به والفتوى على خبر ابن مسعود الموقوف في أنها أخماس وذلك يفيد المعنى نفسه في الرد على عبد الرحمن عبد الخالق
وحتى في دية الخطأ لا تستوي أسنان الإبل , وعلى حساب عبد الرحمن , يكون
لا فرق بين الدية المخففة والمغلظة فإن أساس التغليظ في تغير أوصاف الإبل الذي يقتضي
تغير أثمانها
ثم إن هذا الحديث يدل على أمرٍ آخر خالفه عبد الرحمن عبد الخالق وهو أن
لأولياء المقتول عمداً أن يطلبوا زيادة على المائة من الإبل لتطييب نفوسهم وذلك في
قوله (وَمَا صَالَحُوا عَلَيْهِ فَهُوَ لَهُمْ، وَذَلِكَ لِتَشْدِيدِ العَقْلِ )
وهذا كتمه عبد الرحمن أو جهله
والعجيب أن هذا الخطل كله قد حصل أمام فقيه مصر المزعوم ( محمد عبد المقصود
)
ولو ذهب هؤلاء الثلاثة ودرسوا الفقه جيداً قبل التصدي للكلام بالنوازل
لكان خيراً لهم وللمسلمين الذين غرروا بهم وأوهموهم أنهم علماء .
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم