مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: نبينا أولى بالتعجب من المسيح عليهما الصلاة والسلام ...

نبينا أولى بالتعجب من المسيح عليهما الصلاة والسلام ...



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
                                                       أما بعد :

فإن المرء لا يعلم ما يطرح الله فيه البركة مما يكتب ، وإن هناك أبحاثاً شريفة عظيمة لا يمل الإنسان من طرقها والتدليل عليها لقطع دابر المشككين وزيادة إيمان المؤمنين

وما أنا إلا واحد من أمة من الباحثين الذين كل واحد يدلي بدلوه وأنا معهم أدلي وإن شاء الله طرح البركة في سعينا

والآن إلى المقصود

لو رأيت مستشرقاً أمامك فاعلم أنك تبصر دليلاً من دلائل النبوة لو دققت النظر

تجد المرء فيهم هو أصلاً قاريء كاتب إذا أراد أن يتعلم عن الدين الإسلامي أو اللغة العربية يأخذ وقتاً من الدراسة على أيدي المتخصصين ولا يمكنه إخفاء ذلك عن أحد ولا يكتب ولو كتيباً صغيراً إلا بعد دراسة سنين ومعرفة باللغة العربية ثم في الغالب تجد في كتاباتهم عيوباً كبيرة

وانظر لحال نبينا صلى الله عليه وسلم هو أمي أصلاً لا يقرأ ولا يكتب بلغته فضلاً عن لغة أخرى بعد الأربعين دون سالف دراسة ظاهرة جاء بالقرآن قائلاً أنه من الله عز وجل وفيه علوم أهل الكتاب والكلام عن أنبيائهم وقصصهم وما فيها من العبر وتذكير لهم بعهد الله عز وجل ونقد لهم في بيان تناقضاتهم في إيمانهم بالكتاب إذ يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض وينسبون للأنبياء ولله ما لا يليق كل ذلك بأسلوب بليغ ووجود الشيء المشترك بين كتب اليهود وما في القرآن أمر طبيعي إذ عندهم بقايا وحي

والمرء لكي يأتي بأطروحة متفردة بأي علم لا بد أن يكون قارئاً كاتباً دارساً لهذا العلم ثم إنه بعد ذلك يسهل معارضته ممن شركوه في الدراسة

وكثير ممن يدعي أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ كيت وكيت من اليهود والنصارى يغفل أن هذه علوم الخاصة فيهم وأنها ما كانت مترجمة للعربية ولو كانت مترجمة فالنبي صلى الله عليه وسلم ليس قارئاً كاتباً ولو كان كذلك فإن بقية العرب سيسهل عليهم معارضة القرآن بما يحرجه ويدحضه ويجعله ممن لا يتبعه أحد فضلاً عن أن يتبعه أقوام ويهاجرون من ديارهم لأجله وينصره أقوام ويعادون العرب والحلفاء اليهود لأجله بل ويؤمن بعض أحبار اليهود

ولو كان النبي صلى الله عليه وسلم يستفيد شيئاً من أحبار اليهود لسهل على الأنصار كشف ذلك ومن ثم التبرؤ منه والارتياح من عداوات العرب

وكل معطى من معطيات السيرة يدل على النبوة بل معطيات الواقع فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يخض معركة كقائد إلا لما تجاوز الخمسين عاماً وهذا يعني أن خبرته العسكرية سيوجد مثلها وأفضل منها عند العرب

والعرب فيهم شعراء وخطباء كثير وقد تحداهم

وأيضاً هناك اليهود وعلومهم ونصارى نجران وعلومهم فكيف تغلب على كل هؤلاء وما مات إلا وعامة العرب يقرون بنبوته صلى الله عليه وسلم

ثم إن القرآن ليس قصصاً لبني إسرائيل وغيرهم من الأنبياء بل فيه كلام عن الحوادث التي تحصل مع النبي صلى الله عليه وسلم وفيه أحكام وفيه وصايا وفيه مواعظ بليغة جداً وذكر للمعاد كل ذلك بأسلوب لا يعهد في كتب أهل الكتاب ولا في أشعار العرب وخطبها

وقد كان علماء اليهود يحاولون اختباره وإحراجه فلا يزيد أتباعه فيه إلا تمسكاً مما يدل على أنه كان يفلج بالحجة وقد تكلم في علومهم وهو أجنبي عنها في الأصل فهم أقدر الناس على كشفه إن كان دعياً

ولكن دعنا من هذا كله فقد قيل في غير هذه المناسبة ولنتكلم الآن في الجديد

جاء في إنجيل يوحنا : 14 وَلَمَّا كَانَ الْعِيدُ قَدِ انْتَصَفَ، صَعِدَ يَسُوعُ إِلَى الْهَيْكَلِ، وَكَانَ يُعَلِّمُ.
15 فَتَعَجَّبَ الْيَهُودُ قَائِلِينَ: «كَيْفَ هذَا يَعْرِفُ الْكُتُبَ، وَهُوَ لَمْ يَتَعَلَّمْ؟».

هنا يتعجب اليهود من تدريس المسيح للكتب مع كونه لم يتعلم

مع أنه أصلاً قاريء كاتب ونشأ في بيئة يهودية ومع ذلك كان هذا الأمر مستغرباً لأن هذه علوم الخاصة لا يحسنها إلا من تعلم لها تعلماً خاصاً نظير أصول الفقه ومصطلح الحديث والنحو عند المسلمين ودقائق الفقه لا يدرسها إلا من درسها دراسة خاصة ولو عاش المرء بين المسلمين مائة عام فلن يحسنها بمجرد احتكاكه بالمسلمين بل لا بد فيها من تعلم خاص

وهذا ينطبق من باب أولى على نبينا صلى الله عليه وسلم فهو أمي وليس يهودياً أصلاً

جاء في سيرة ابن إسحاق  حدثني رجل من أهل مكة عن سعيد ابن جبير عن ابن عباس قال: أنزل الله في النضر ثماني آيات، قول الله تعالى: إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين وكل ما ذكر فيه الأساطير من القرآن.
فلما قال النضر ذلك بعثوه وبعثوا معه عقبة بن أبي معيط إلى أحبار يهود بالمدينة فقالوا لهما: سلوهم عن محمد، وصفوا لهم صفته، وأخبروهم بقوله، فإنهم أهل الكتاب الأول، وعندهم علم ما ليس عندنا من علم الأنبياء، فخرجا حتى قدما المدينة فسألا أحبار يهود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووصفوا لهم أمره، وأخبروهم ببعض قوله، وقالوا لهم: إنكم أهل التوراة فقد جئناكم لتخبرونا عن صاحبنا هذا، فقالت لهم أحبار يهود: سلوه عن ثلاث يأمركم بهن فإن أخبركم بهن فهو نبي مرسل، وإن لم يفعل فالرجل متقول، فروا فيه رأيكم، سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الأول ما كان من أمرهم، فإنه كان لهم حديث عجب، وسلوه عن رجل طواف قد بلغ مشارق الأرض ومغاربها ما كان بناؤه، وسلوه عن الروح ما هو، فإن أخبركم بذلك فهو نبي فاتبعوه، وإن لم يخبركم فهو رجل متقول فاصنعوا في أمره ما بدا لكم.
فأقبل النضر وعقبة حتى قدما مكة على قريش فقالا: يا معشر قريش قد جئناكم بفصل ما بينكم وبين محمد، قد أمرنا أحبار يهود أن نسأله عن أمور، فأخبروهم بها، فجاءوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا محمد أخبرنا، فسألوه عما أمروهم به فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: أخبركم عما سألتم عنه غداً، ولم يستثن فانصرفوا عنه، فمكث رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس عشرة ليلة لا يحدث الله تعالى إليه في ذلك وحياً، ولا يأتيه جبريل عليه السلام حتى أرجف أهل مكة وقالوا: وعدنا محمد غداً واليوم خمس عشرة وقد أصبحنا فيها لا يخبرنا بشئ مما سألناه عنه، حتى حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث الوحي عنه، وشق عليه ما تكلم به أهل مكة، ثم جاءه جبريل من الله بسورة أصحاب الكهف، فيها معاتبته إياه على حزنه وخبر ما سألوه عنه من أمر الفتية، والرجل الطواف، يقول الله تعالى: ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا.

وهذا الخبر وإن كان في سنده إبهاماً إلا أن الواقع يعضده وسياق الآيات يدل عليه وحال المشركين مع النبي صلى الله عليه وسلم كله يدل عليه

قال تعالى : (وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ)
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي