مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: أكثر من طوفان لتسلم النظرية ...

أكثر من طوفان لتسلم النظرية ...



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
                                                       أما بعد :
 
فإن كثيراً من الناس لهم اعتقاد عجيب بنظرية التطور والعجب أن الأمر بلغ ببعضهم إلى محاولة تحريف القرآن لبلوغ غاية موافقة هذه النظرية

وهذه النظرية سبب قبولها في الغرب هي فلسفة العلوم عندهم والتي تقضي بأن العلم ينبغي أن يكون له جواب في كل شيء وأنه ينبغي استبعاد القدرة الخارقة أو الإله من النظرية العلمية قدر المستطاع

ونظرية التطور هي النظرية الوحيدة التي تشرح تعدد الأنواع بطريقة ميكانيكية تتسق مع فلسفة العلم التي لا دليل عليها أصلاً

ولهذا كثيرون يمارسون استدلالاً دائرياً حيث يحتكمون لهذه الفلسفة في تصويب النظرية ويستدلون بالنظرية لتصويب هذه الفلسفة !

ومن غير المستغرب أن يكون كثير من ناقدي النظرية لا يفهمونها بشكل دقيق

ولكن العجيب أن كثيراً من مؤيديها أيضاً لا يفهمونها وفقط يعولون على التقليد للمجتمع العلمي الغربي ( في جمهوره ) وبعض القرائن الضعيفة التي يسمونها أدلة على صحة النظرية

وكثير منهم لا يعي أن هذه النظرية ستوقعه في التزامات كبيرة هو ينتقدها على المتدينين

فمن ذلك مثلاً طوفان نوح والذي يتحدثون عنه باستغراب ( وعند الكلام على القدرة الإلهية التي أوجدت هذا الكون بعد إن لم يكن موجوداً مثل هذا الاستغراب لا معنى له )

ولكن مؤيد النظرية لا يدري أنه بحاجة إلى طوفانات كثيرة وليس طوفاناً واحداً لحل العديد من المعضلات التطورية

من أهم ذلك أن النظرية تفترض أننا والشمبانزي انحدرنا من القردة العليا

وفلسفة النظرية تقتضي أن سيرنا من القردة العليا إلى البشر العصري مر بمراحل وسيطية عديدة عن طريق تغيرات طفيفة

فأنت لو سألت داروينياً يفهم التطور لماذا لا نرى التطور الآن أو حتى قبل آلاف السنين ؟

فإنه سيقول لك : أن عملية التطور تحتاج إلى ملايين السنين عن طريق تغيرات طفيفة تحدثها طفرات ( عشوائية صدفوية )

ومهما زين لك القول فهو مؤمن بالصدفة ولكن ليس هذا محل بحثنا

إذن بناء على ما مضى القردة العليا لكي تصير إنساناً مرت عبر مئات آلاف أو ملايين السنين بتغيرات طفيفة لا يمكن أن يبصرها المشاهد عبر آلاف قليلة من السنين وهكذا شيئاً فشيئاً تحولت إلى إنسان

وكل حلقة وسيطية بين الإنسان والقردة العليا كانت كائناً يعيش على الأرض ويأكل ويشرب ويتكاثر

طيب

القردة العليا لم تتحول للإنسان الحالي رأساً ، بل مرت بعدة مراحل من البشر البدائيين ( كذا يقولون )

القردة العليا بحاجة إلى عدة أمور لكي تصل إلى مرحلة الإنسان العاقل

1_ انتصاب القامة وتحرر الطرفين العلويين

2_ تقابل أصابع اليد والإبهام مما مكن الإنسان من إنجاز حركات غاية في الدقة

3_ الشكل الهندسي الفراغي ثلاثي الإبعاد للحنجرة البشرية ولحبالها الصوتية مما يمكن الإنسان من النطق

4_ النمو الاستثنائي للقشرة الدماغية في الإنسان

5_ ظهور ملكة الاستعراف ظهوراً فجائياً دون وجود أي أثر لذلك في القرود أو غيرها من الكائنات

6_ زوال الشعر

7_ الفكر التجريدي الذي كل من الرياضيات والشعر واللغة وأضرابها

8_ تعديلات في الشفتين وشكل العينين

وأمور أخرى نكتفي بهذا منها

وهذه التغيرات بحسب الفلسفة الداروينية لا تأتي دفعة واحدة بل كل واحد منها يظهر في جيل وإلا لو ظهرت مع بعضها لكان ذلك أقرب للمعجزة وأقرب لطرح السؤال لماذا لا نرى تطوراً الآن

كتب داروين يقول " إذا أثبتنا وجود أي عضو مُرَّكب بحيث أنه لا ينشأ من تعديلات طفيفة متعاقبة فإن نظريتي ستنهار تماما ..!!
If it could be demonstrated that any complex existed, which couldn`t possibly have been formed by numerous, successive, slight modifications, my theory will absolutely break down.
Source: the origin of species p.189

إذا فهمنا دارون جيداً فإنه ينبغي أن يظهر جيل من القرود منتصب القامة فقط ويعيش لآلاف السنين

ثم يأتي بعدها جيل متحرر الطرفين العلويين ويكون مختلفاً عن الجيل السابق بطبيعة الحال ويعيش لآلاف السنين

ثم يأتي بعدها جيل نمو قشرة دماغه أكبر ويعيش لمدة آلاف السنين

وهكذا نحتاج لثمان أو عشر حلقات وسيطية كل منها يعيش لمئات آلاف السنين لكي يتحقق التطور التدريجي الذي تحدث عنه دارون

هذه حقيقة يغفلها عامة المدافعين عن النظرية

والسؤال هنا ليس عن وجود هذه الحلقات الوسيطية في السجل الأحفوري وإنما السؤال عن وجودها في الواقع لماذا لم نعد نراها في الواقع ؟

ولفهم المعضلة بشكل أكبر عامة حالات الانقراض التاريخية الكبيرة ترجع في العادة إلى كوارث مثل نيزك يضرب الأرض أو بركان ينفجر

كما فسروا انقراض الديناصورات في العصر الطباشيري في أشهر التفاسير بنيزك ضرب الأرض فوفر مناخاً لم تستطع الديناصورات التعايش معه

ولكن تاريخ القرود والبشر خال من هذا ولو أصاب الأرض شيء كهذا لانقرضت القرود أيضاً

والبشر البدائي أكثر تطوراً من الشمبانزي فلا يصمد الثاني وينقرض الأول تحت الظروف العامة

فنحن نحتاج لطوفان أو كارثة لكل جيل من الأجيال الثمانية لتبرير انقراضه

وكثير من التفاسير المطروحة لانقراض الكثير من الكائنات لا تدعم فلسفة البقاء للأصلح دائماً ، بل أحياناً يكون البقاء للأوفر حظاً فحين ينفجر بركان مثلاً تكون الكائنات الأقرب منه أكثر تضرراً

وفلسفة البقاء للأقوى أو الأصلح لا يمكنها تفسير انقراض أنواع كاملة دائماً بل الذي نراه أنها تفسر فقط انقراض بعض الأفراد فالأسد الضعيف يموت جوعاً والغزال الضعيف يفترس ولكن الغزلان والأسود باقية

وكثير من المعرض للانقراض سبب تعرضه للانقراض تدخل الإنسان

وعوداً على موضوعنا الأصل قد يقال أن سبب انقراض الأنواع الثمانية المقترحة أن كل نوع صار يتزاوج مع النوع الأرقى منه فطغى النوع الأرقى وانقرض الأدنى

وهذا تفسير يبدو جيداً للوهلة الأولى ولكن إذا فسرنا الصفة الجديدة النافعة على أنها طفرة نافعة فالوراثة المندلية تقضي بأن الولد قد يكون حاملاً لها وقد لا يكون إذا كان الطرف الآخر ليس حاملاً لها ولهذا سيبقى عدد كل نوع يتكاثر

ونحن نرى التهجين اليوم لا يقضي على الأنواع الأصلية التي يحصل بينها التزاوج والكائنات الهجينة لا تعيش طويلاً

ومن التلاعب بالعقول أنهم يضعون لك صورة القردة العليا وبعدها إنسان مخالف لها في عدة أمور فهو أقل انحناء منها ولا يوجد له شعر وله إبهام وغير ذلك وهذه الصفات مجيؤها معاً دفعة واحدة يخالف الفلسفة الداروينية أصلاً وهذا تناقض ذاتي في النظرية وتطبيقها

صورة الإنسان الحجري الذي يخاف من النار هذه صورة خيالية أسطورية لا يمكن إثبات وجودها إنما هي خيال عند التطوريين

والعجيب أنك تجدهم يبحثون في نشأة الأديان والأصل في العلوم الإنسانية أنها تبحث في الطاريء لا الأصلي وأقدم الحضارات التي عثرنا عليها ( ومن الطبيعي أن يوجد قبلها حضارات فانية لا نعرف عنها شيئا) متدينة فالإلحاد هو الطاريء إذن ينبغي أن يبحث في الإلحاد

فصورة الإنسان الواعي الذي لا دين له ثم جاءه الدين بعد ذلك صورة خيالية لا يوجد عليها رائحة دليل علمي

وأيضاً القول بتطور الأخلاق فالحضارات القديمة تتكلم عن مستوى أخلاقي مقارب جداً لما يفهمه معظم الناس اليوم وهو كيان متكامل تفسيره بالتطور التدريجي يرد عليه من الإشكالات ما يرد على تفسير تطور البشر جسدياً

بل بالعكس إبراهام لنكولن محرر العبيد كان لا يرى زواج الأسود من البيضاء والعكس وكان هذا مقرراً حتى بعد تحرير العبيد في الكثير من القوانين الأوروبية

في الوقت الذي نجد فيه أسامة بن زيد الأسود يتزوج فاطمة بنت قيس

وحتى الفقهاء القائلون بالكفاءة بالنسب يرون الحبشي كفؤاً للرومية قولاً واحداً

والأحافير لا تخبرك بدين صاحب الأحفورة ولا أخلاقه فيبقى الأمر خيال في خيال

يقول التطوري كريسي موريسون في كتابه العلم يدعو للإيمان :" فلنقدر اذن الزمن الذي تطلبه الإنسان حتى تطورت يداه وعيناه وذهنه، وبذا صار حيواناً طفيفاً ورفعه ذلك إلى كيانه الحالي.
والان نعود فنقتبس التقلبات التي مر بها هذا المخلوق الصغير الاعزل من وسائل الدفاع، وان يكن حقا سريع الحركة فانه معرض للخطر من كل مخلوق ياكل اللحم، ومن كل زاحف سام، ومن كل جسم يحدث المرض. وكان عليه ان يعني بصغاره زمنا طويلا من عجزهم، فان اطفال الإنسان تولد عديمة الحول والحيلة، وهي تأتي تباعاً وبذا قد يصبح عدة اطفال عاجزين، في حاجة إلى الغذاء والوقاية في وقت واحد. وهذا يضاعف عجيبة بقاء الإنسان في خلال الدهور! فقد عاش خلال تغيرات كالعصر الثلجي وفي كل طور اخر من أطوار الحياة المحرومة الوقاية. وهذا ينطبق طبعا على جميع الحيوانات الاخرى. وانه لمن معجزات العناية الالهية ان استطاعت هذه المخلوقات ان تثبت امام تلك الظروف. ومن جهة أخرى فان أنواعاً لا عدد لها كانت قد ولدت ثم انقطعت عن الوجود. وليست عظام (الديناصورات) (1) الا دليلا واحدا يثبت به علماء الجيولوجيا (علم طبقات الارض) انه وجدت في الماضي حيوانات غريبة قدر لها الفشل فعفى عليها النسيان. وكان ذلك أيضاً مثال ملايين من الحشرات والاسماك والطيور وانواع أخرى عديدة من مخلوقات شتى. ولعل (الحمام المسافر) (2) كان في وقت ما أكثر عددا من البشر، ولكن آخر واحدة منه ماتت في عهدنا، وانقرضت سلالته الفاخرة كما انقرض (البطريق) العظيم و (الدودو)"

طيب هذه الكائنات التي بالملايين إنما زالت بكوارث عامة والحلقات الوسيطية ينبغي أن تكون كذلك

وهنا سأذكر بعض الاعترافات عن نقص السجل الأحفوري

Given the fact of evolution, one would expect the fossils to document a gradual steady change from ancestral forms to the descendants. But this is not what the paleontologist finds. Instead,
he or she finds gaps in just about every phyletic series.
 (Ernst Mayr-Professor Emeritus, Museum of Comparative Zoology at Harvard University, What Evolution Is, 2001, p.14.)

"وفقا  للتطور،فانه من المتوقع ان الحفريات توثق  التغيير التدريجي المطرد بين الأجداد والاحفاد. ولكن هذا ليس ما تظهره الحفريات. وبدلا من ذلك ، وجدت ثغرات فى كل سلاسل تطور السلالات "
. (إرنست ماير أستاذ متفرغ، متحف علم الحيوان المقارن في جامعة هارفارد ،  ما هو التطور ، عام 2001، p.14).

All paleontologists know that the fossil record contains precious little in the way of intermediate forms; transitions between major groups are characteristically abrupt. Gradualists usually extract themselves from this dilemma by invoking the extreme imperfection of the fossil record.”
 (Gould, Stephen J. The Panda’s Thumb, 1980, p. 189.)

"جميع علماء الحفريات يعلمون  أن السجل الأحفوري يحتوي على القليل جدا من الاشكال الوسيطة؛ والانتقال بين المجموعات الرئيسية مفاجئ وحاد على نحو مميز  .
 التدريجيين عادة يتذرعون بالنقص الشديد في السجل الأحفوري للخروج من هذه المعضلة . "
(غولد، ستيفن  الإبهام والباندا ، 1980، ص 189.)

يقول ديفيد روب أمين المتحف الميداني في شيكاغو :" نحن نعيش الآن بعد 120 عاماً من عصر دارون وقد زادت المعرفة الخاصة بسجلات الحفريات كثيراً لكن المثير للسخرية أن لدينا نماذج أقل للانتقال التطوري عما كان موجوداً في وقت دارون " ( راجع كتاب التطور نظرية علمية أم أيدلوجيا )

والآن لسنا بحاجة إلى إيجاد هذه الأمور في السجل الأحفوري بل نحن نحتاج إلى تبرير انقراضها أيضاً

واعلم وفقك الله لطاعته أن البيولوجيين الغربيين حين يتكلمون عن نظرية التطور فهم لا يختلفون عن معمم رافضي يتكلم عن عصمة الأئمة أو قس يتكلم عن التثليث ستجد عجباً من التعصب والمكابرة والتدليس

وأما كثير من بني جلدتنا فيتبنون هذه النظرية بناءً على التقليد والتقديس لكل ما يأتي من الغرب وبناء على عدم النضج في فهم حقيقة ( العلم ) في الغرب وفلسفته المادية وطريقة ترجيح النظريات فلا يعمل عقله ومهما جابهته بحجج واعتراضات تجد الجواب الجاهز أن هذه النظرية تدرس في الجامعات وعدد كذا وكذا من العلماء يؤيدونها

وكثير من هؤلاء يعيش عقدة نفسية وهي عقدة المنتمي لدولة متخلفة ويريد الانتماء بأي شكل من الأشكال للأمة الغالبة وكثيرون يصدقون أي هراء إذا قدم لهم باسم ( العلم )
 هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي