مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: الحكمة من ذكر قصة زواج زينب بنت جحش من زيد بن حارثة في القرآن

الحكمة من ذكر قصة زواج زينب بنت جحش من زيد بن حارثة في القرآن



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :

فيسأل بعض الناس عن حكمة ذكر قصة زواج زيد بن حارثة من زينب بنت جحش في القرآن

قال تعالى : (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً (37) مَا كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيما فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً)

وقد بدا لي حكمتان عظيمتان واحدة في إثبات النبوة والثانية في إثبات حجية السنة وحفظها

أما الدلالة على النبوة ففيما ورد في الآية من العتاب الشديد للنبي صلى الله عليه وسلم (وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ)

قالت عائشة : لو كان النبي صلى الله عليه وسلم كاتمًا شيئًا من الوحي لكتم هذه الآية وَإِذْ تقول للذي أنعم الله عليه يعني النبي بالإسلام وأنعمت عليه بالعتق أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ إلى قوله: وَكَانَ أمر الله مفعولا وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وهذا لما في الآية من شدة العتاب وهذا من أهم دلائل النبوة

والرافضة يثقل عليهم أن يقال ( عبس وتولى ) ورد في النبي ( بعض الرافضة ) وينسون هذه الآية

وأما دلالتها على حفظ السنة فالآية ظاهرة في أن الأصل في أفعال النبي صلى الله عليه وسلم الاقتداء (لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً)

وفي هذا رد على القرآنيين الذين يدعون أن النبي صلى الله عليه وسلم مجرد مبلغ فحسب فهذا يدل على أن أفعال النبي حجة وأن الصحابة كانوا ينظرون إليه بالتدقيق ليقتدوا به وهذا يدلك على أن السنة محفوظة لشدة حرص الناس على تتبع أحوال النبي صلى الله عليه وسلم

الفيلسوف المشهور سقراط حفظ لنا تراثه أفلاطون

والسيد المسيح حفظ تراثه جماعة عاشوا بعده

فلو قارنا النبي صلى الله عليه وسلم بهؤلاء

فالنبي صلى الله عليه وسلم له أكثر من مائة ألف صحابي وكانوا في قوة شديدة حتى أن أحد أصحابه وهو عمر بن الخطاب حل محل مجموعة ملوك ملك اليمن وملك الشام وملك مصر وملك العراق وملك البحرين وغيرهم والقوة أدعى للحفظ مع كون عامة الدين يتعبد به ويطق عملياً ويقضى به على الملايين وهذا أدعى للحفظ هذا مع دور الدروس وخطب الجمعة الراتبة

وبعض السفهاء يقول أن هناك أعراباً ومن ارتد فكيف تقولون بعدالة كل الصحابة

فيقال عامة أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم رواها المهاجرون والأنصار ( فالرواة عنه لا يبلغون ألفاً ) ومن زكاه هؤلاء ومن صمد بعد الردة والمرتد الذي مات على الردة لا يسمى صحابياً ومن تاب فالتائب من الذنب كمن لا ذنب مع عدم وجود رواية لهذا الضرب

والطلقاء في مكة كلهم صمدوا في الردة مما يدل على رسوخ الإسلام في قلوبهم ودخولهم في التزكية ( فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه )

فعامة السنة رواها أنس خادم النبي صلى الله عليه وسلم وعائشة زوجته وابن عباس ابن عمه وابن عمر وهو من المهاجرين الأول وأبو هريرة وقد أسلم قبل الفتح وكان مفتياً وعبد الله بن عمرو وهو من خاصة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وابن مسعود وهو صاحب نعلي النبي صلى الله عليه وسلم وطهوره ، وحذيفة وهو صاحب سر النبي صلى الله عليه وسلم مع الخلفاء الراشدين وكبار المهاجرين والأنصار ممن لا يصدق عليه اسم الردة أو الأعرابية وعلامة الأعرابي أنه الذي لم يهاجر أو يجاهد 

فإن قيل : هل في كون النبي صلى الله عليه وسلم فعل هذا الفعل حكمة زائدة أيضاً فإن الله تبارك وتعالى لو أنزل آية في إباحة الأمر لكفى 

فيقال : كم من مباح شرعاً يتحرج منه الناس عرفاً بحجة ( العيب ) فإذا فعله أعلى الناس وهو النبي صلى الله عليه وسلم كان في ذلك إنهاء لهذه الشبهة بالكلية 
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي