مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: أعظم الذكر الذي غفل عنه النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة وعلمه الرازي بزعمه

أعظم الذكر الذي غفل عنه النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة وعلمه الرازي بزعمه



أما بعد :
 
فيعلق في ذهني كلما ذكر كتاب الرازي في التفسير كلمتان كلمة لابن تيمية أن فيه كل شيء إلا التفسير ، وكلمة الآلوسي أن الرازي إمام في نقل ما لا يثبت عند المحدثين

وقد نظرت في تفسيره لسورة الفاتحة فوجدت عجباً ففعلاً هناك كم هائل من الموضوعات والبواطيل من الأحاديث مع اجتناب بعض الصحيح المشهور

بل واضح أن الرجل لا يعرف الصحيحين

فتجد يقول مثلاً :" الْحُجَّةُ الرَّابِعَةُ:
رَوَى عَبْدُ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ فِي الْكِتَابِ الَّذِي سَمَّاهُ «بِالْفَارُوقِ» عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَا مِنْ شَيْءٍ أَغْيَرُ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ»"

هنا يحتج بأبي إسماعيل الهروي الأنصاري المجسم عنده ! والحديث المذكور في الصحيحين ! فعزوه للهروي أعجوبة تدل على قلة علم هذا الرجل بالحديث وأنه شبه عامي في الباب ولهذا تجده في أساس التقديس يتجرأ ويطعن في أئمة الحديث لأنه لا يعي ولا يفهم العلم ولو علم قدر هؤلاء وما فعلوا في تنقيح السنة لعظمهم وإن خالف معتقده معتقدهم كما هو شأن المشتغلين بالحديث من الأشعرية والماتردية

واستيعابه للشبهات وسردها ثم رده عليها بضعف أمر ظاهر أيضاً في تفسيره

وبعيداً عن كل هذا قد رأيت في تفسيره أمراً عجباً لم أكن أتوقعه

فأنت تجده ذكر مذهب جهم في المنع أن يخبر عن الله بأنه شيء ، وجهم مذاهبه مذاهب الملاحدة فالله ليس بشيء عنده ولا يتكلم ولا يشار إليه ولا صفات له وأسماؤه مخلوقة ( يعني اخترعها العباد ) فهذه مذاهب الدهرية ولكن مغلفة وخصوصاً مع زيادة القول بفناء الجنة والنار وأن العباد مجبورين

وقد ميع الرازي المسألة وادعى أنها لا تستلزم تكفيراً ولا تبديعاً مع أنه لا مخالف في من أهل القبلة سوى جهم

ولكنه ذكر في حجج جهم التي يظهر أنها أعجبته ما يلي :" الْحُجَّةُ الرَّابِعَةُ: أَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ أَنَّهُ خَاطَبَ اللَّهَ تَعَالَى بِقَوْلِهِ يَا شَيْءُ، وَكَيْفَ يُقَالُ ذَلِكَ وَهَذَا اللَّفْظُ فِي غَايَةِ الْحَقَارَةِ، فَكَيْفَ يَجُوزُ لِلْعَبْدِ خِطَابُ اللَّهِ بِهَذَا الِاسْمِ، بَلْ نُقِلَ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ: يَا مُنْشِئَ الْأَشْيَاءِ، يَا مُنْشِئَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ"

ومع كون الذي نقله عن النبي صلى الله عليه وسلم لا أصل له عنه أبداً ( وتعجب كيف يحتجون بالأكاذيب وهم ينهون عن الاستدلال بالصحاح في العقيدة ) وما نقله عن الصحابة لا أصل له فيما أعلم إلا أنك تفهم هنا تشدده في باب دعاء الله عز وجل وهو لم يفرق بين اسم الله والإخبار عن الله

ولكن دعنا من هذا فقد نقضه هو نفسه في استحبابه العظيم بأن تدعو الله بقولك ( يا هو )!

وإليك كلامه في المسألة

قال الرازي في تفسيره :" اعْلَمْ أَنَّ لَفْظَ «هُوَ» فِيهِ أَسْرَارٌ عَجِيبَةٌ وَأَحْوَالٌ عَالِيَةٌ، فَبَعْضُهَا يُمْكِنُ شَرْحُهُ وَتَقْرِيرُهُ وَبَيَانُهُ، وَبَعْضُهَا لَا يُمْكِنُ، قَالَ مُصَنِّفُ الْكِتَابِ: وَأَنَا بِتَوْفِيقِ اللَّهِ كَتَبْتُ أَسْرَارًا لَطِيفَةً، إِلَّا أَنِّي كُلَّمَا أُقَابِلُ تِلْكَ الْكَلِمَاتِ الْمَكْتُوبَةَ بِمَا أَجِدُهُ فِي الْقَلْبِ مِنَ الْبَهْجَةِ وَالسَّعَادَةِ عِنْدَ ذِكْرِ كَلِمَةِ «هُوَ» أَجِدُ الْمَكْتُوبَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى تِلْكَ الْأَحْوَالِ الْمُشَاهَدَةِ حَقِيرًا، فَعِنْدَ هَذَا عَرَفْتُ أَنَّ لِهَذِهِ الْكَلِمَةِ تَأْثِيرًا عَجِيبًا فِي الْقَلْبِ لَا يَصِلُ الْبَيَانُ إِلَيْهِ، وَلَا يَنْتَهِي الشَّرْحُ إِلَيْهِ، فَلْنَكْتُبْ مَا يُمْكِنُ ذِكْرُهُ فَنَقُولُ: فِيهِ أَسْرَارٌ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا قَالَ: «يَا هُوَ» فَكَأَنَّهُ يَقُولُ: مَنْ/ أَنَا حَتَّى أَعْرِفَكَ، وَمَنْ أَنَا حَتَّى أَكُونَ مُخَاطِبًا لَكَ، وَمَا لِلتُّرَابِ وَرَبِّ الْأَرْبَابِ، وَأَيُّ مُنَاسَبَةٍ بَيْنَ الْمُتَوَلِّدِ عَنِ النُّطْفَةِ وَالدَّمِ وَبَيْنَ الْمَوْصُوفِ بِالْأَزَلِيَّةِ وَالْقِدَمِ؟ فَأَنْتَ أَعْلَى مِنْ جَمِيعِ الْمُنَاسَبَاتِ وَأَنْتَ مُقَدَّسٌ عَنْ عَلَائِقِ الْعُقُولِ وَالْخَيَالَاتِ، فَلِهَذَا السَّبَبِ خَاطَبَهُ الْعَبْدُ بِخِطَابِ الْغَائِبِينَ فَقَالَ: يَا هُوَ"

هذه الفائدة الأولى في دعائك ب ( يا هو ) الدعاء الذي لم يدع به نبي ولا ولي فيما نعلم في الكتاب والسنة والآثار الفائدة الأولى الأدب مع الله عز وجل وهو الأدب الذي فات الأنبياء بزعمهم والله المستعان

ثم قال :" وَالْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ كَمَا دَلَّ عَلَى إِقْرَارِ الْعَبْدِ عَلَى نَفْسِهِ بِالدَّنَاءَةِ وَالْعَدَمِ فَفِيهِ أَيْضًا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ أَقَرَّ بِأَنَّ كُلَّ مَا سِوَى اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ مَحْضُ الْعَدَمِ، لِأَنَّ الْقَائِلَ إِذَا قَالَ: «يَا هُوَ» فَلَوْ حَصَلَ فِي الْوُجُودِ شَيْئَانِ لَكَانَ قَوْلُنَا: «هُوَ» صَالِحًا لَهُمَا جَمِيعًا، فَلَا يَتَعَيَّنُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بِسَبَبِ قَوْلِهِ: «هُوَ» فَلَمَّا قَالَ: (يَا هُوَ) فَقَدْ حَكَمَ عَلَى كُلِّ مَا سِوَى اللَّهِ تَعَالَى بِأَنَّهُ عَدَمٌ مَحْضٌ وَنَفْيٌ صِرْفٌ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ [الْقَصَصِ: 88] وَهَذَانِ الْمَقَامَانِ فِي الْفَنَاءِ عَنْ كُلِّ مَا سِوَى اللَّهِ مَقَامَانِ فِي غَايَةِ الْجَلَالِ، وَلَا يَحْصُلَانِ إِلَّا عِنْدَ مُوَاظَبَةِ الْعَبْدِ عَلَى أَنْ يَذْكُرَ اللَّهَ بِقَوْلِهِ: يَا هُوَ"

وهذا الكلام ظاهره وحدة الوجود فأين الأشاعرة عن إمامهم الرازي ؟! تأمل قوله ( كل ما سوى الله عدم )!

ثم قال :" وَالْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: أَنَّ الْعَبْدَ مَتَى ذَكَرَ اللَّهَ بِشَيْءٍ مِنْ صِفَاتِهِ لَمْ يَكُنْ مُسْتَغْرِقًا فِي مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى، لِأَنَّهُ إِذَا قَالَ:
«يَا رَحْمَنُ» فَحِينَئِذٍ يَتَذَكَّرُ رَحْمَتَهُ فَيَمِيلُ طَبْعُهُ إِلَى طَلَبِهَا فَيَكُونُ طَالِبًا لِلْحِصَّةِ، وَكَذَلِكَ إِذَا قَالَ: (يَا كَرِيمُ، يَا مُحْسِنُ، يَا غَفَّارُ، يَا وَهَّابُ، يَا فَتَّاحُ) وَإِذَا قَالَ: (يَا مَلِكُ) فَحِينَئِذٍ يَتَذَكَّرُ مُلْكَهُ وَمَلَكُوتَهُ وَمَا فِيهِ مِنْ أَقْسَامِ النِّعَمِ فَيَمِيلُ طَبْعُهُ إِلَيْهِ فَيَطْلُبُ شَيْئًا مِنْهَا، وَقِسْ عَلَيْهِ سَائِرَ الْأَسْمَاءِ، أَمَّا إِذَا قَالَ: (يَا هُوَ) فَإِنَّهُ يَعْرِفُ أَنَّهُ هُوَ، وَهَذَا الذِّكْرُ لَا يَدُلُّ عَلَى شَيْءٍ غَيْرِهِ الْبَتَّةَ، فَحِينَئِذٍ يَحْصُلُ فِي قَلْبِهِ نُورُ ذِكْرِهِ، وَلَا يَتَكَدَّرُ ذَلِكَ النُّورُ بِالظُّلْمَةِ الْمُتَوَلِّدَةِ عَنْ ذِكْرِ غَيْرِ اللَّهِ، وَهُنَاكَ يَحْصُلُ فِي قَلْبِهِ النُّورُ التَّامُّ وَالْكَشْفُ الْكَامِلُ"

فبناءً على تقرير الرازي النبي صلى الله عليه وسلم في كل أدعيته التي دعا بها الله بما فيها الدعاء باسم الله الأعظم لم يكن مستغرقاً في معرفة الله عز وجل ولم يستغرق سوى الصوفية بدعائهم ( يا هو )

وأطنب في ذكر الفوائد على هذا النسق حتى أوصلها إلى عشرة

حتى قال :" فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ قَوْلُنَا: «هُوَ» أَعْظَمَ الْأَذْكَارِ.
وَلْنَخْتِمْ هَذَا الْفَصْلَ بِذِكْرٍ شَرِيفٍ رَأَيْتُهُ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ: يَا هُوَ، يَا مَنْ لَا هُوَ إِلَّا هُوَ، يَا مَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، يَا أَزَلُ، يَا أَبَدُ، يَا دَهْرُ، يَا دَيْهَارُ، يَا دَيْهُورُ، يَا مَنْ هُوَ الْحَيُّ الَّذِي لَا يَمُوتُ.
وَمِنْ لَطَائِفِ هَذَا الْفَصْلِ أَنَّ الشَّيْخَ الْغَزَالِيَّ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ كَانَ يَقُولُ: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» تَوْحِيدُ الْعَوَامِّ، «وَلَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ» تَوْحِيدُ الْخَوَاصِّ"

وأذكار النبي صلى الله عليه وسلم كلها بتوحيد العوام ! وتأمل قوله أن ( هو ) أعظم الأذكار فإنا لله وإنا إليه راجعون
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي