مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: نقض طعن عبد الرحمن الحجي في تفاسير السلف ...

نقض طعن عبد الرحمن الحجي في تفاسير السلف ...



أما بعد :


فقد سمعت مقطعاً للدكتور عبد الرحمن بن صالح الحجي يتكلم على قوله تعالى : ( ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه ) فقال أنه ترك كل التفاسير وهو يشرح هذه الآية لأن القرآن واضح ( وهذه نفحة خلفية عجيبة ) وأن ما ذكره العلماء في تفسير هذه الآية سوء أدب شديد مع الأنبياء وأن قلب المرء يظلم من كلامهم ، وقال لعل الكلام رأي

أقول : هؤلاء المفسرون الذين وجه لهم الحجي كل هذه الطعنات هم كل مفسري السلف ، وهذا باب لا مدخل للرأي فيه أصالة ثم هل هذا الإنسان أحرص على عقائد الناس والأدب مع الأنبياء من ترجمان القرآن ابن عباس وكل مفسري السلف

قال ابن أبي حاتم في تفسيره 11473 - حدثنا محمد عبد الله بن يزيد المقري، ثنا سُفْيَانُ «1» ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ: سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ هَمِّ يُوسُفَ فَقَالَ: حَلَّ الْهِمْيَانَ، وَجَلَسَ مِنْهَا مَجْلِسَ الْخَاتِنِ فَنُودِيَ: يَا ابْنَ يَعْقُوبَ أَتَزْنِي؟ فَيَكُونَ مِثْلُكَ مِثْلَ طَائِرٍ سَقَطَ رِيشُهُ، فذهب يطير فلم يستطع.

11474 - حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ، ثنا صَفْوَانُ، ثنا الْوَلِيدُ، ثنا زُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ: وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ: قَالَ: لَمَّا هَمَّتْ بِهِ تَزَيَّنَتْ ثُمَّ اسْتَلْقَتْ عَلَى فِرَاشِهَا، وَهَمَّ بِهَا وَجَلَسَ بَيْنَ رِجْلَيْهَا يَحِلُّ ثِيَابَهُ، فَنُودِيَ مِنَ السَّمَاءِ يَا ابْنَ يَعْقُوبَ، لَا تَكُنْ كَطَائِرٍ نُتِفَ رِيشُهُ فَبَقِيَ لَا رِيشَ لَهُ، فَلَمْ يَتَّعِظْ عَلَى النِّدَاءِ شَيْئًا، أَيْ: لَمْ يَفْصِمْ، حَتَّى رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ، جِبْرِيلَ فِي صُورَةِ يَعْقُوبَ، عَاضًّا عَلَى أُصْبُعَيْهِ فَفَزِعَ.

11475 - حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ، ثنا ابْنُ نُمَيْرٍ، وَأَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُجَاهِدٍ وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا قَالَ: حَلَّ سَرَاوِيلَهُ حَتَّى بَلَغَ ثُنَّتَهُ، فَمَثُلَ لَهُ يَعْقُوبُ فَضَرَبَ فِي صَدْرِهِ، فَخَرَجَتْ شَهْوَتُهُ مِنْ أَنَامِلِهِ.

11475 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ الأَشْعَثَ، ثنا الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مِهْرَانَ، ثنا عَامِرُ بْنُ الْفُرَاتِ، ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَوْلُهُ: وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا فَقَالَتْ لَهُ: يَا يُوسُفُ، مَا أَحْسَنَ شَعْرَكَ. قَالَ: هُوَ أَوَّلُ مَا يَتَنَاثَرُ مِنْ جَسَدِي، قَالَتْ: يَا يُوسُفُ مَا أَحْسَنَ عَيْنَيْكَ.. قَالَ: هُمَا أَوَّلُ مَا يَسِيلانِ إِلَى الأَرْضِ مِنْ جَسَدِي، قَالَتْ: يَا يُوسُفُ مَا أَحْسَنَ وَجْهَكَ.. قَالَ: هُوَ لِلتُّرَابِ يَأْكُلُهُ، فَلَمْ تَزَلْ بِهِ حتى أطمعها ف همت بِهِ وَهَمَّ بِهَا وَدَخَلَ الْبَيْتَ، وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ فَذَهَبَ يَحِلُّ سَرَاوِيلَهُ، فَإِذَا هُوَ بِصُورَةِ يَعْقُوبَ قَائِمًا فِي الْبَيْتِ قَدْ عَضَّ عَلَى أُصْبُعِهِ يَقُولُ: يَا يُوسُفُ، لَا تُوَاقِعْهَا.

11476 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ، ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَلَمَةَ، ثنا سَلَمَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَوْلُهُ: وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا فَأَكَبَّتْ عَلَيْهِ تُطِيعُهُ مَرَّةً، وَتُخِيفُهُ مَرَّةً أُخْرَى، وَتَدْعُوهُ إِلَى لَذَّةٍ وَهِيَ مِنْ حَاجَةِ الرِّجَالِ، فِي جَمَالِهَا وَحُسْنِهَا وَمُلْكِهَا، وَهُوَ شَابٌّ مُقْتَبَلٌ يَجِدُ مِنْ شَبَقِ الرِّجَالِ مَا يَجِدُ الرِّجَالُ حَتَّى رَقَّ لَهَا مِمَّا يَرَى مِنْ كَلَفِهَا بِهِ، وَلَمْ يَتَخَوَّفْ مِنْهَا حَتَّى هَمَّ بِهَا وَهَمَّتْ بِهِ، حَتَّى دَخَلُوا فِي بَعْضِ بُيُوتِهِ فَلَمَّا هَمَّ وَتَهَيَّأَ لِذَلِكَ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ فَانْكَشَفَ عَنْهَا هَارِبًا.

وهذا الأثر صحيح عن ابن عباس ولا يخالفه أحد من المفسرين بل وافقه مجاهد والقاسم بن أبي بزة وعكرمة وسعيد بن جبير ولا مخالف لهم

وقد حل الطبري الإشكال الذي قد يرد على بعض العقول الصدئة

فقال في تفسيره :" فإن قال قائل: وكيف يجوز أن يوصف يوسف بمثل هذا، وهو لله نبيّ؟
قيل: إن أهل العلم اختلفوا في ذلك. فقال بعضهم: كان من ابتلي من الأنبياء بخطيئة، (1) فإنما ابتلاه الله بها، ليكون من الله عز وجلّ على وَجَلٍ إذا ذكرها، فيجد في طاعته إشفاقًا منها، ولا يتّكل على سعة عفو الله ورحمته.
* * *
وقال آخرون: بل ابتلاهم الله بذلك، ليعرّفهم موضع نعمته عليهم، بصفحه عنهم، وتركه عقوبتَه عليه في الآخرة.
* * *
وقال آخرون: بل ابتلاهم بذلك ليجعلهم أئمة لأهل الذنوب في رَجاء رحمة الله، وترك الإياس من عفوه عنهم إذا تابوا"

ورد الطبري على تحريفات المعتزلة للآية فقال :" وأما آخرون ممن خالف أقوال السلف وتأوَّلوا القرآن بآرائهم، فإنهم قالوا في ذلك أقوالا مختلفة.
فقال بعضهم: معناه: ولقد همت المرأة بيوسف، وهمَّ بها يوسف أن يضربها أو ينالها بمكروه لهمِّها به مما أرادته من المكروه، لولا أنّ يوسف رأى برهان ربه، وكفَّه ذلك عما همّ به من أذاها = لا أنها ارتدعت من قِبَل نفسها. قالوا: والشاهد على صحة ذلك قوله: (كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء) قالوا: فالسوء هُو ما كان همَّ به من أذاها، وهو غير"الفحشاء".
* * *
وقال آخرون منهم: معنى الكلام: ولقد همت به، فتناهى الخبرُ عنها. ثم ابتدئ الخبر عن يوسف، فقيل:"وهم بها يوسف لولا أن رأى برهان ربه". كأنهم وجَّهوا معنى الكلام إلى أنَّ يوسف لم يهمّ بها، وأن الله إنما أخبر أنَّ يوسف لولا رؤيته برهان ربه لهمَّ بها، ولكنه رأى برهان ربه فلم يهمَّ بها، كما قيل: (وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلا قَلِيلا) ، [النساء: 83] .

قال أبو جعفر: ويفسد هذين القولين: أن العرب لا تقدم جواب"لولا" قبلها، لا تقول:"لقد قمت لولا زيد"، وهي تريد": لولا زيد لقد قمت"، هذا مع خلافهما جميع أهل العلم بتأويل القرآن، الذين عنهم يؤخذ تأويله"

فالطبري ينقل إجماعاً على التفسير الذي اعتبره الحجي إساءة للأنبياء ومظلمة للقلب

والذي هو فقط بل نقل الاتفاق عليه الزجاج والقرطبي

وإليك كلام ابن الجوزي في زاد المسير على هذه الآية وتأمل كيف أن الحجي مدعي السلفية ينكر وابن الجوزي الذي تأثر بالأشعرية يدافع بحرارة عن الآثار

قال ابن الجوزي في زاد المسير :" وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ (24)
قوله تعالى: وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ الهم بالشيء في كلام العرب: حديث المرء نفسه بمواقعته ما لم يواقع. فأما همّ أزليخا، فقال المفسرون: دعته إِلى نفسها واستلقت له. واختلفوا في همِّه بها على خمسة أقوال «1» : أحدها: أنه كان من جنس همّها، ولولا أن الله تعالى عصمه لفعل، وإِلى هذا المعنى ذهب الحسن، وسعيد بن جبير، والضحاك، والسدي، وهو قول عامة المفسرين المتقدمين، واختاره من المتأخرين جماعة منهم ابن جرير، وابن الأنباري. وقال ابن قتيبة: لا يجوز في اللغة: هممت بفلان، وهمّ بي، وأنت تريد اختلاف الهمَّين. واحتجَ منْ نصر هذا القول بأنه مذهب الأكثرين من السلف والعلماء الأكابر، ويدل عليه ما سنذكره من أمر البرهان الذي رآه. قالوا: ورجوعه عما همّ به من ذلك خوفاً من الله تعالى يمحو عنه سيّئ الهمِّ، ويوجب له علوَّ المنازل.
(807) ويدل على هذا الحديث الصّحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أن ثلاثة خرجوا فلجؤوا إِلى غار، فانطبقت عليهم صخرة، فقالوا: ليذكر كل واحد منكم أفضل عمله. فقال أحدهم: اللهم إِنك تعلم أنه كانت لي بنت عم فراودتها عن نفسها فأبت إلّا بمائة دينار، فلمّا أتيت بها وجلست منها مجلس الرجل من المرأة أُرعدتْ وقالت: إِن هذا لعملٌ ما عملته قطُّ، فقمت عنها وأعطيتها المائة الدينار، فإن كنتَ تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرِج عنا، فزال ثلث الحجر» . والحديث معروف، وقد ذكرته في «الحدائق» ، فعلى هذا نقول: إِنما همت، فترقَّت همَّتها إِلى العزيمة، فصارت مصرَّة على الزنا. فأما هو، فعارضه ما يعارض البشر من خَطَرَاتِ القلب، وحديث النفس، من غير عزم، فلم يلزمه هذا الهمُّ ذنباً، فإن الرجل الصالح قد يخطر بقلبه وهو صائم شرب الماء البارد، فإذا لم يشرب لم يؤاخذ بما هجس في نفسه.
(808) وقد قال عليه السلام: «عفي لأمّتي عمّا حدّثت به أنفسها ما لم تتكلّم أو تعمل» .
(809) وقال عليه السّلام: «هلك المصرّون» وليس الإِصرار إِلا عزم القلب، فقد فرَّق بين حديث النفس وعزم القلب. وسئل سفيان الثوري: أيؤاخذ العبد بالهمة؟ فقال: إذا كانت عزما. (810) ويؤيده الحديث الصّحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يقول الله تعالى: إِذا همّ عبدي بسيئة ولم يعملها لم أكتبها عليه، فإن عملها كتبتها عليه سيئة» . واحتج القاضي أبو يعلى على أن همته لم تكن من جهة العزيمة، وإِنما كانت من جهة دواعي الشهوة بقوله: قالَ مَعاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي وقولِه:
كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ وكل ذلك إِخبار ببراءة ساحته من العزيمة على المعصية، وعلى هذا تكون همته مجرد خاطر لم يخرج إلى العزم.
فإن قيل: فقد سوّى القرآن بين الهمتين، فلم فرقتم؟
فالجواب: أن الاستواء وقع في بداية الهمة، ثم ترقت همتها إِلى العزيمة، بدليل مراودتها واستلقائها بين يديه، ولم تتعد همته مقامها، بل نزلت عن رتبتها، وانحل معقودها. بدليل هربه منها"

وقال القرطبي في تفسيره :" وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ: وَابْنُ عَبَّاسٍ وَمَنْ دُونَهُ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّهُ هَمَّ بِهَا، وَهُمْ أَعْلَمُ بِاللَّهِ وَبِتَأْوِيلِ كِتَابِهِ، وَأَشَدُّ تَعْظِيمًا لِلْأَنْبِيَاءِ مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمُوا فِيهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ. وَقَالَ الْحَسَنُ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَذْكُرْ مَعَاصِي الْأَنْبِيَاءِ لِيُعَيِّرَهُمْ بِهَا، وَلَكِنَّهُ ذَكَرَهَا لِكَيْلَا تَيْأَسُوا مِنَ التَّوْبَةِ. قَالَ الْغَزْنَوِيُّ: مَعَ أَنَّ لِزَلَّةِ الْأَنْبِيَاءِ حِكَمًا: زِيَادَةُ الْوَجَلِ، وَشِدَّةُ الْحَيَاءِ بِالْخَجَلِ، وَالتَّخَلِّي عَنْ عُجْبِ الْعَمَلِ، وَالتَّلَذُّذُ بِنِعْمَةِ الْعَفْوِ بَعْدَ الْأَمَلِ، وَكَوْنُهُمْ أَئِمَّةَ رَجَاءِ أَهْلِ الزَّلَلِ"

وقال الماوردي المعتزلي في تفسيره :" فإن قيل: فكيف يجوز أن يوصف يوسف بمثل هذا الفعل وهو نبي الله عز وجل؟ قيل: هي منه معصية , وفي معاصي الأنبياء ثلاثة أوجه: أحدها: أن كل نبي ابتلاه الله بخطيئة إنما ابتلاء ليكون من الله تعالى على وجل إذا ذكرها فيجدّ في طاعته إشفاقاً منها ولا يتكل على سعة عفوه ورحمته. الثاني: أن الله تعالى ابتلاهم بذلك ليعرفهم موقع نعمته عليهم بصفحه عنهم وترك عقوبتهم في الآخرة على معصيتهم. الثالث: أنه ابتلاهم بذلك ليجعلهم أئمة لأهل الذنوب في رجاء رحمة الله وترك الإياس في عفوه عنهم إذا تابوا"

غير أن ابن الجوزي ذكر كلام من اعترض على رواية حل الهميان خاصة وقد تبعهم ابن تيمية على هذا ولا معنى للاعتراض بعد صحتها عن ابن عباس وابن تيمية نفسه يقرر أن الصحابي إذا جزم بشيء بعد جداً أن يكون أخذه عن بني إسرائيل لأن المأمور ألا يصدقوا ولا يكذبوا 

قد ورد في السنة أن من هم بخطيئة فتركها كتبت له حسنة ولذكر هذا الهم فائدة أخرى وهي بيان أنه ترك المعصية مع كون قلبه يشتهيها وهذا أعظم في الدلالة على تقواه فقد يعرض المرء عن المرأة لأنها لا تشتهى أو لأنه لا أرب له في النساء

وكنت في عدة مناسبات علقت على عبد الرحمن الحجي وتذمرت بشدة من نشره للأحاديث الموضوعة فقد رأيت له خطبة جمعة يقف فيها يتحدث عن عذاب القبر فترك كل ما في الباب من الأحاديث الصحيحة وذكر حديثاً منكراً من كتاب الروح لابن مندة نقله ابن القيم في الروح في معرض ذكره كل ما في الباب

فعلمت أن في القلب الرجل مرضاً وشهوةً للإغراب

وكلمت مرةً أحد طلبته في بعض آثار التفسير التي ينكرها ويجحدها فذكرتها له بسند صحيح عن بعض الصحابة والتابعين وأن الطبري قال بها فسب الطبري واستهزأ به وعلمت أن مثل جاء به من الحجي

ومع هذا الإقبال على الموضوعات حتى صحح خبراً موضوعاً في تعليقه على الطبقات لابن سعد ونصح به في درسين متتاليين وفي سنده كذاب نجده ينكر أخبار أهل الفترة المرفوعة والموقوفة بمزاج عجيب

وكنت قد شرحت أن هذا الرجل لا ينصف مع خصومه وله طريقة تهويلية في الكلام عجيبة ، مع كونه إذا بحث مسألة فقهية لا يأتي بأدلة مخالفيه ويشنع عليه وفي عدد من المسائل لا يفهم كلام الخصم ولا أدلته وربما نسبه إلى مخالفة السلف دون جمع للآثار ويكون الرجل له وهذا تم شرحه في مقالات سابقة

وكنت تكلمت على تخبطات هذا الرجل في دروس كتاب السنة ، وقد أخبرني أحد الأخوة أنه في مقال له يعرض فيه بابن تيمية يصف ابن باز بأنه راسخ في العلم وهذا أمر لا يصدر من إنسان في رأسه عقل حقيقة

هذا مع كلام له وقح المغيرة بن شعبة في دروس الإشراف ( ومن أراده فليسمع دروس الإشراف لابن أبي الدنيا الأخيرة ) وكلام سيء في حق الدارقطني

والدين ليس فقط مسألة العذر بالجهل والموقف من أهل الرأي فهذه مسائل حررها عدد

ولكن مع الأسف صرنا نرى الكثير ممن فهم هذه المسائل وهو بقية الدين كشبه العامي حتى رغبوا عن كثير من مهمات مسائل العلم بل عدد منهم وقع في الغلو ومذاهب الخوارج

فنحن كنا نلوم على المرجئة الذين يتوسعون جداً في باب العذر حتى لا يكاد كثير منهم يفرق بين المسائل الظاهرة والخفية ، ولا يفرقون بين الجهل المقدور على إزالته والجهل غير المقدور على إزالته ، ولا يفرقون بين الحكم الدنيوي والحكم الأخروي بإطلاق

فقابلهم فريق ألغى حكم أهل الفترة وجحد الآثار في الباب ، وجحد الآثار الواردة في مسألة دين بعض الأنبياء قبل البعثة حتى وصل بهم الأمر إلى تكفير من يأخذ بهذه الآثار ، وأنكروا التفريق بين المسائل الظاهرة والخفية مطلقاً حتى لما ذكر لبعضهم عذر بعض السلف لبعض الواقعين في المسائل الخفية الخفية تجرأ على السلف حتى ادعى بعض سفهائهم أن الإمام أحمد منفرد بعدم تكفير المرجئة ونسي ما قال سفيان الثوري في ابن أبي رواد المرجيء أنه يرى الصلاة على من هو شر منه ونقل الدارمي وأبو عبيد الاتفاق على عدم تكفيرهم ، هذا غير تنزيل قاعدة من لم يكفر الكافر فهو كافر على من يكفر ولكن يعذر بعض الأفراد ( وقد شرحت خطورة هذا وما يؤول إليه في مقالي توضيح إجماع حرب )

فقابلوا بدعاً ببدع ، والفريق الثاني أشد علينا لأنه يتمسح بالآثار ووصل الأمر ببعضهم إلى تكفير بعض أئمة أهل السنة ، والمرجيء يأتي إلى بعض أئمة الضلالة من الجهمية ولا يكفره بل بعضهم يهاب تبديعه حتى ولكنه يرد عليه بدعه ، وأما هذا فيرد على الإمام السني في بعض الأحيان السنة ثم هو يضلله أو يكفره

وكنا ننعى على قوم توقير أهل البدع خصوصاً أهل البدع المكفرة من الجهمية نفاة العلو هذه البدعة التي هي أشنع البدع وجعلهم في مصاف أهل السنة سواء

فقابلهم قوم فاعتبروا حتى الثناء المقيد على بعض أهل البدع من غير أصحاب البدع المكفرة أو حتى المكفرة مع بيان الحال من هذا الضرب المنهي عنه ، بل وصاروا يتصيدون لأئمة أهل السنة الذين نصروا العقيدة الصحيحة في أزمنة غربتها في الإيمان والقدر والصفات وتوحيد الألوهية وجاهد جهاداً عظيماً في ذلك ، بل صار الطعن في أئمة أهل السنة أكثر من الكلام في المخالفين والليبراليين والجهمية والملاحدة

وتجرأ بعضهم وأنكر التفريق بين الداعية وغير الداعية وليس فقط أنكر وسكت بل اتهم الذين يفرقون على رأسهم الإمام أحمد بأنهم واقعون في أصل إرجائي

فانتهوا إلى ما انتهت إليه المرجئة من التسوية بين أهل السنة وأهل البدعة ، ولكن أولئك في التعظيم وهؤلاء في التبديع والتكفير بل صار همهم أئمة أهل السنة وتتبع زلاتهم أو ما يرونه زلة أكثر من الرد على المخالفين الذين ملأوا الدنيا بل حرصهم على أمر الأسماء أكبر من الحرص على المسائل

ولهذا تجد الحجي هنا يتكلم بكلام الماتردي ، وفي الاسم والمسمى يتكلم بكلام الأشاعرة ، ومحمود الحداد يتكلم في التحسين والتقبيح بكلام الأشاعرة ، وكلامه في الرواية عن أهل البدع قريب جداً من كلام الرازي في معرض طعنه في أهل الحديث في أساس التقديس ثم يدعون أنهم أعظم الناس مباينة لأهل البدع

وكنا ننعى على من يقتصر في التصحيح والتضعيف على كلام الألباني فحسب ولو خالف كلام الأئمة

فظهر لنا فريقان عجيبان : فريق يريد أن يصحح كل شيء أو يحتج بأي شيء في الكتب ولو تفرد متروك بمرفوع أو مجهول عين أو صرح أئمة باستنكاره

وظهر فريق آخر متنطع يريد أن يضعف كل الأخبار وصار يراجع حتى بعض أحاديث الصحيحين التي سكت عليها الأئمة ، وصار يضعف بعض الأخبار المشهورة المتداولة بين الناس وكل ضعيف عنده مطرح لا فرق بين ضعيف محتمل وضعيف ضعفه شديد الكل عنده ساقط ويطرح

وكنا ننعى على قوم إهمالهم لكلام الفقهاء والآثار بحجة اتباع الدليل حتى وقعوا في مخالفة إجماعات

فقابلهم فريق صار يحيى مذهبية غريبة تعتمد على اختيارات المتأخرين فحسب والتي فيها تسهيل وإن خالفت الأدلة وخالفت من تقدمهم ويقول لك ( هذا كلام الفقهاء هل ندفنه )؟

والأمر صار مزعجاً حقاً بين هؤلاء وهؤلاء وإنا لله وإنا إليه راجعون
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي