مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: نظرة إسلامية في تاريخ هيرودوت ( هيرودتس ) اليوناني ...

نظرة إسلامية في تاريخ هيرودوت ( هيرودتس ) اليوناني ...



أما بعد :


فهذا بحث عويص قل من يطرقه أسأل عز وجل أن يوفقني للكتابة بما ينفع القاريء المسلم

وهذه قراءة إسلامية نقدية في تاريخ هيرودوت اليوناني

اعلم رحمك الله أن هذا التاريخ هو أقدم تاريخ مكتوب فهو في القرن الخامس قبل الميلاد كتبه هذا الرجل اليوناني وسيكون الكلام عنه في نقاط

النقطة الأولى : تعريف بالتاريخ فيما قبل الإسلام عموماً

النقطة الثانية : ذكر تاريخ هيرودوت ومقارنته بالتواريخ الإسلامية

النقطة الثالثة : ذكر الأمور التي تجعلك تشك في صدق الرجل

النقطة الرابعة : ذكر الأمور التي ذكرها ولها ما يؤيدها ويدل على صدقه فيها

النقطة الخامسة : ذكر بعض العبر التي يتضمنها هذا التاريخ وفضل الشريعة الإسلامية على البشرية أجمع

النقطة الأولى : تعريف بالتاريخ فيما قبل الإسلام عموماً

وهذه نقطة تستوجب التركيز من القاريء إذ أنها يدخلها تدليس كثير ، اعلم وفقك الله لطاعته أن المؤرخين يدعون أن أقدم كتابة وجدت هي ما بين 3200_ 3300 وهي بالهيروغليفية المصرية وما سوى ذلك يسمونه العصر الحجري وهو عصر ما قبل الكتابة وهنا لا بد من عدة تنبيهات

الأول : هذا التحديد ليس دقيقاً لأن عدم وقوفنا على كتابة لا يعني عدمها بل الأمر ليس كتابة فحسب بل كتابة ومقدرة على الحفاظ على هذه الكتابة عن طريق كتابتها على شيء يبقى مع الزمن

الثاني : التقدم الحضاري عند المصريين فيما بعد العصر الحجري يدل على أن لحضارتهم أصلاً وطيداً وهذه عليه قرائن كثيرة

الثالث : العصر الحجري_ ما قبل الكتابة _  يستدل عليه علماء الآثار ببعض الآثار الباقية التي إنما تحدد كيف كان يعيش الناس وكيف يأكلون ولكن لا يمكن أن تحدد بدقة معتقداتهم وما يؤمنون به وما يكفرون وقد استدلوا على وضع المصريين بعض الأدوات مع الموتى على أنهم يؤمنون بالبعث بعد الموت ولكن هذا البعث ما تفاصيله لا ندري فلعلهم يؤمنون بالرجعة أو بعث بعض الأجساد دون بعض، غير أن كتاب الأموات عندهم شرح بعض الأمر

الرابع : على الباحث النزيه أن يلاحظ النزعة القومية في الباحثين العرب فالمصريون إذا تكلموا عن الحضارة المصرية يبالغون جداً ويطلقون إطلاقات فيها تهاويل ظاهرة ، والعراقيون إذا تكلموا عن الحضارة السومرية فإنهم يبالغون ، وأما الكتاب الأوروبيون فهؤلاء كالتطوريين في البيولوجيا يجد أحدهم جمجمة مهشمة فيستنبط منها استنباطات عظيمة ، وهذا شأنهم مع الكثير من الآثار المصرية والناس يصدقونهم بل الناس عندهم رغبة في التصديق فيما يبدو

الخامس : كثيراً ما يقع الخلط بين تاريخ المخطوط أو اللوح نفسه وتاريخ الحدث الذي يؤرخ له داخل هذا اللوح

فمثلاً الطبري يكتب عن حقبة هارون الرشيد ، المخطوط الذي يكتب فيه الطبري هذا الكلام ينبغي أن ينسب لحقبة الطبري لا حقبة هارون الرشيد

وهذا أمر يتجاوزونه باستمرار ، فخذ مثالاً ملحمة جلجامش أقدم الملاحم السومرية

نسختها النهائية بالمسمارية، والتي يشار لها عادة بالنسخة البابلية القياسية، تضمنت الملحمة على 12 لوح. وتضمن كل لوح 6 أعمدة من الكتابة المسمارية (3 أعمدة على كل جهة) يشتمل كل منها على 50 سطرا، بما مجموعه 3600 سطر لكل الملحمة. وبناءا على معطيات جورج، تم اكتشاف 184 قطعة من ألواح النسخة القياسية للملحمة، حتى العام 2003، يعود تأريخها إلى مابين القرنين الثامن أو التاسع وحتى القرن الثاني قبل الميلاد( ولاحظ التباين الشديد في التحديد مما يدل على عدم الدقة فالفرق قرون ). إذ تم انتشال غالبية هذه القطع من بين 30,000 قطعة لوح أو لوح مسماري، وتلك تمثل بقايا مكتبة قصر الملك الآشوري آشوربانيبال (668-626 قبل الميلاد) الواقع في نينوى، شمال بلاد الرافدين القديمة. وقد اكتشف الباحث البريطاني ليرد هذا القصر عام 1854 ميلادي في خلال تنقيباته الحفرية لتل قريب من مدينة الموصل العراقية الحديثة

وأما نسختها الأقدم فوجد منها لوحان فقط ويعود تاريخها إلى 1800 قبل الميلاد

هل تعرف ما معنى هذا ؟

معناه أن النسخة التي بين أيدينا مكتوبة بعد التوراة يقيناً فموسى بحسب التاريخ التوراتي ( المشكوك به بقوة عندي ) كان موجوداً في 1500 قبل الميلاد ، وإذا كان التوراة حرفت فلسنا نأمن على شيء في تلك الحقبة

وهذا الأمر قل من يلاحظه وهو يوفر جدلاً طويلاً في بعض المسائل

السادس : التواريخ القديمة لا تكاد توفر كبير شيء عن تواريخ البلدان بل الشعوب نفسها غير قادرة على الكلام عن أسلافها بكلام يعتد به

فخذ مثلاً تواريخ الفراعنة إنما تؤرخ للملوك فحسب وبعض حاشيتهم ، وإذا قلنا مثلاً أن يوسف كان موجوداً في عهد الهكسوس الذين يعتبرهم الفراعنة محتلين فلا تجد ليوسف ذكراً في السجلات الرسمية

ولكننا وجدنا لهامان ذكراً مع عدم ذكره في الكتاب المقدس ، فلو قلت لك أعطني اسم طبيب مصري واحد عاش في تلك الحقبة_ امحوتب الذي سبب شهرته أنه صار صنماً فيما بعد وأما صاحبه الثاني طبيب الأسنان فهذا عرف لأنه كان وزيراً يعني من الحاشية وبقية الأطباء لا ذكر لهم _  أو رجل كريم له مواقف أو رجل له طرف ودعابات كما هو الشأن في تواريخنا المتأخرة فلن تستطيع أن تأتي بشيء كهذا نهائياً لأن التواريخ عنايتها بالملوك الفراعنة وبعض حاشيتهم فحسب وتصوير بعض العادات العامة

لهذا لما كتب هيرودوت عن مصر ما كتب كان كلامه له قيمته المعرفية العظيمة إذ نقل تفاصيل عن عادات المصريين وغيرها

نحن لا نستطيع أن نجد كتاباً بالهيروغليفية يتحدث عن فن التحنيط أو تاريخ الأهرامات أو تفاصيل دقيقة لحرب حصلت بين المصريين والأثيوبيين مثلاً

قال صاحب كتاب تاريخ حضارات العالم :" فقد بادت الشعوب القديمة كافة وما خلفوه من العاديات هي فهرست نستفتيه للبحث عن أديانهم وأخلاقهم وصنائعهم "

ثم تكلم عن رداءة ما بقي من الخطوط

وقال أيضاً :" لا نعرف عن حال القرون الأولى لرومية غير أساطير والرومانيون أنفسهم لم يعرفوا عنها شيئاً مثلنا "

وعامة الحضارات الموجودة لا تعطي أي معلومات عن أسلافها بل بعضهم كالبابليين والسومريين يذكرون معلومات عن طول أعمار ملوكهم اعتبرها الزنادقة أساطير
فإذا كانت هذه المصادر غير صالحة للإثبات فكيف تكون صالحة للنفي بحيث أنهم ما لم يذكر في مصادرهم يقال ( يفتقر إلى مصادر محايدة )    
لا يمكن أن تجد ذكراً لحمورابي في حضارة المصريين ولا لرمسيس الثاني في تراث اليونان فكل حضارة تؤرخ لشخصياتها فقط في الغالب
وأقدم حضارة قدروها بثلاثة آلاف عام قبل الميلاد وما قبل ذلك لا يوجد عنه أي خبر في الحضارات القديمة سوى ما اعتبره كثير من الباحثين مبالغات وأساطير وإنما يتحدثون عن أهل بلدانهم فحسب
ومن المؤرخين الندرة الذين أرخوا لعدة بلدان حولهم عن طريق رحلاته لهم هيرودتس كان موجوداً في خمسمائة سنة قبل الميلاد بتقديراتهم وعليه يعتمد كثير من الباحثين مع أنك لا تعرف عدالته ولم يخضع لمقاييس نقدية دقيقة ( وقبل هذا التاريخ يشح جداً ما يسمى مصادر محايدة وهذا التاريخ يعني بعد نزول التوراة بزمن طويل )
ثم يشككون في أحاديث البخاري ولا يوجد حديث في البخاري إلا وهو موجود في العديد من المصادر الأخرى بالإسناد والمتن نفسه ونجد من الفقهاء ممن مات قبل البخاري من يفتي به
بل ما نعلمه عن التواريخ القديمة قليل وشحيح فحمورابي الشخصية الشهيرة لا نعلم أي شيء عن ولادته وعن حياته قبل الملك

قال مترجم كتاب فجر الضمير :"وخلاصة القول أن المؤرخ في التاريخ القديم لا يستطيع أن يكتب كتابة متصلة أفكاره بعضها ببعض تمام الاتصال في الكتابة في تاريخ أي بلدة قديمة قد ضاعت معظم آثارها " 

ويكفيك أنه لا يوجد عندنا أي فكرة عن كيفية انتقال الحكم من الأسرة الأولى إلى الثانية ، ولا أي فكرة عن الظروف التي وحدت مصر في التاريخ القديم  

قال صاحب كتاب قصة الحضارة وهو يتكلم عن السومريين :" وكان لديهم تقويم، لا نعرف متى نشأ ولا أين نشأ، تقسم السنة بمقتضاها إلى اثنا عشر شهراً قمرياً يزيدونها شهراً في كل ثلاثة أعوام أو أربعة حتى يتفق تقويمهم هذا مع فصول السنة ومع منازل الشمس"

وقال هو يتكلم عن عيلام :" أنشأ شعب من الشعوب لا نعرف أصله ولا الجنس الذي ينتمي إليه إحدى المدنيات الأولى المعروفة في تاريخ العالم. وقد وجد علماء الآثار الفرنسيون في هذا الإقليم منذ جيل مضى آثاراً بشرية يرجع عهدها إلى عشرين ألف عام، كما وجدوا شواهد تدل على قيام ثقافة راقية يرجع عهدها إلى عام 4500 ق. م"

وبناءاً عليه لا يصح بناء نظرية عن أديان البشر اعتماداً على أقدم ما وصلنا مكتوباً فنحن نعتقد أن كلاً من التوحيد والوثنية قديمان جداً أقدم من العصر الحجري الذي يقولون عنه بمئات أو آلاف السنين

ليس عندنا من كتب المصريين إلا كتاب الأموات وهذا تجدهم يستخدمون اللف والدوران في تحديد تاريخه فيقولون ( ألف على مدى ألف سنة ) ولا تدري نسخته النهائية متى كانت ؟

وبعض الناس يدعي أن المصريين موحدون محتجاً بما في هذا الكتاب من ذكر الخالق الأوحد الذي خلق كل شيء وكان قبل كل شيء 

وخذ هذا النص أيضاً 

   أبو البدايات، أزلي أبدي، دائم قائم

خفي لا يعرف له شكل، وليس له من شبيه

سرّ لا تدركه المخلوقات، خفي على الناس والآلهة

سرّ اسمه، ولا يدري الإنسان كيف يعرفه

سرّ خفي اسمه. وهو الكثير الأسماء

هو الحقيقة، يحيا في الحقيقة، إنه ملك الحقيقة

هو الحياة الأبدية به يحيا الإنسان، ينفخ في أنفه نسمة الحياة

هو الأب والأم، أبو الآباء وأم الأمهات

يلد ولم يولد. ينجب ولم ينجبه أحد

خالق ولم يخلقه أحد، صنع نفسه بنفسه

هو الوجود بذاته، لا يزيد ولا ينقص

خالق الكون، صانع ما كان والذي يكون وما سيكون

عندما يتصور في قلبه شيئاً يظهر إلى الوجود

وما ينجم عن كلمته يبقى أبد الدهور

أبو الآلهة، رحيم بعباده، يسمع دعوة الداعي

يجزي العباد الشكورين ويبسط رعايته عليهم.


أقول : هذا النص لا يزيدنا شيئا سوى أن ديانة المصريين كشرك قوم نوح وكشرك قريش فهم يصفون الله عز وجل بأنه خالق الآلهة ! 

فهذا كقول قريش ( إلا شريكا هو له تملكه وما ملك ) 

ومن شرك المصريين قولهم في هوليوبوليس :" إنك أنت الذي تشرف على كل الآلهة ولا يشرف عليك إله ما " وهذا كقول قريش تماماً تملكه وما ملك 

فوصفهم بأنهم ديانة توحيدية لهذا غلط ، وادعاء الملاحدة أنهم مشركون بمعنى يثبتون أكثر من خالق للكون ومتساوون غلط بل هم يثبتون خالقاً واحداً ثم تحته آلهة عامتهم كانوا ملوكاً ورجالاً صالحين بنظرهم كعباد الأصنام تماماً 

وهذا النص المصري فيه أن الله لا ينبغي أن يسميه أحد باسم ، نلاحظ في التاريخ أن آلهة اليونان وآلهة المصريين واحدة ، وهذه العبارة قالها أفلاطون في أن العلة الأولى لا ينبغي أن تسمى 

وقد ذكر هيرودرت نفسه أنه رأى عيداً للمصريين يأبون به تسمية الإله الذي يعملون له العيد 

فالخلاصة أن أقدم حضارة شركها كشرك قوم نوح ويعتقدون أن في الموتى قوى خارقة أو في الأصنام 

وقد كان اليونان فيهم من يعتقد أن الصالح إذا مات تذهب روحه للسماء فيصير في مصاف الآلهة ، وقد كان ابن رشد يميل لهذا في كتبه الفلسفية لهذا قال ابن تيمية عنه أنه عنده من الشرك ما ليس عند اليهود والنصارى 

ونجد قبورية عصرنا يستخدمون الفلسفة نفسها فيقولون الولي كالسيف في غمده وهو حي فإذا مات أخرج من غمده ( الكوثري استخدم أسلوباً كهذا )

وإنما جاء الأنبياء لبيان أنه لا إله إلا الله الخالق الأول الذي لا بداية له وأن كل ما سواه مربوب مخلوق لا يستحق العبادة بل هو عابد لهذا الخالق 

( إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم )  

وقد اعترف هيرودرت أن هرقل كان رجلاً يعيش بين الناس بل ذكر عدداً من الآلهة ذكر عنهم هذا ويبدو أن عامة آلهتهم كهذا سوى الخالق الأول الذي يثبتونه ثم هم يثبتون لهذه الآلهة من القدرات ما هو من خصائص الخالق الواحد كشرك المشركين تماماً ( ولهذا تعقب بعض الباحثين قول من قال أن المشكلة في الألوهية لا الربوبية بذكر الرومان واليونان والسومريين تعقب غير سديد )

وتأويل مصطفى محمود تعدد الآلهة بأنها أصلاً صفات لله عز وجل حولها الكهنة إلى آلهة فيه بعد ، لأن الله لا يخلق صفاته مع أنهم بلغوا من السفه أن يقولوا خلق نفسه كما في النص السابق 

ولكن الأمر كما ذكرت لك ولعل بعضها أسماء ملائكة حولوها لآلهة وقد ذكر هيرودرت في تاريخه عن امرأة أنها ذمت الفرس بأنهم لا يعرفون الملائكة وهذا يدل على قدم تلك العقيدة وبقائها وهي من النبوة على أن المذكور أصلاً بعصر فيه اليهود وإن كان لم يذكرهم لعدم احتكاكه بهم          

السابع : تمكن الباحثون من فك شيفرة الهيروغليفية عن طريق نص قبل ميلاد المسيح _ بالتقويم النصراني _ بقرون قليلة لكهنة مصريين كتبوا نصاً هيروغليفياً وكتبوا تحته مثله باليونانية القديمة ومن خلال هذا العمل علموا كيف يمكن قراءة الهيروغليفية بعمل شاق لا يمكن الوثوق بنتائجه بشكل يقيني

النقطة الثانية : ذكر تاريخ هيرودوت ومقارنة تاريخه بالتواريخ الإسلامية

لولا ما ذكره صاحب قصة الحضارة عن مقارنة تاريخ هذا الرجل بتاريخ المسعودي الشيعي المعتزلي مروج الذهب ما تكلف كتابة هذا

ويبدو أن صاحب كتاب قصة الحضارة كان ثملاً حين شابه بين التاريخين

فتاريخ هيرودوت ثلثه تقريباً في شرح قصة غزو الفرس لأثينا وصمود أهل أثينا أمامه وهذه القصة يبدو أنها قريبة من زمنه جداً أو أدركها وهو صغير فقد صرح بسماعه من بعض من حضرها بعض الأحداث

وثلث في حكاية استيلاء قورش على العرش وتحريره للفرس ثم قصة ولده قمبيز وغزوه لمصر وحادثة المجوسيين ثم العرفاء السبعة ثم آريوس الفارسي الذي تزوج ابنة قورش ثم ابنه أحشويرش الذي هو حفيد لقورش أيضاً وهو الذي غزا بلاد اليونان

وهذه كلها حقبة لو قدرناها لا تبلغ السبعين سنة

والثلث الباقي في حكايات جانبية حول هذه الحقبة وحكايته هو لما رآه من الشعوب كشعب مصر والعرب وشعب ليبيا وما يحكيه من عاداتهم التي شاهدها وجو بلادهم وبعض تاريخهم القريب والذي كان يتشكك فيه أحياناً

ولا يخرج عن هذه الأثلاث إلا قليل من تاريخه المكون من سبعمائة صحيفة ، والرجل يبدو أنه كاتب مسرحي ( وهذا الفن يوناني أصلاً ) فواضح الحبكة الدرامية كما يقال وواضح أنه كتب شيئاً ليمثل واهتم بتفاصيل التفاصيل في إظهار شجاعة قومه وبسالتهم وهذا واضح فيه الإدخال لكي يتم الأمر

وقد عاب صاحب قصة الحضارة على المؤرخين المسلمين أنهم ليسوا كذلك وهذا من جهله فإن الروايات المتفرقة أدل على الصدق من قصة متلاصقة كحكايات الأساطير فلا بد فيها من تدخل الكاتب لسد الثغرات والحال هذه ، والتي لا بد منها في كثير من القصص التاريخية

وأما التواريخ الإسلامية فتتميز بأمر السند ووجود عشرات المؤرخين ودخول المحدثين في ذلك بحيث يتم النقد الدقيق

فالطبري مثلاً صنف في التفسير وصنف في التاريخ وصنف في الفقه ، إذا روى في التفسير أو الفقه أو التاريخ شيئاً يشركه فيه غيره جاءت رواية ذلك الغير وفي الغالب هو من أقرانه أو شيوخه أو المستخرجين عليه مطابقة لروايته مما يدل على صدقه ، وقد حصلت له محن وما اتهمه أحد

كما أن هناك بيئة نقدية دقيقة والمرء إذا بز بين أقرانه صاروا يتطلبون له الغلطة

والحضارة الإسلامية تتميز بأمور غير موجودة نهائياً فيما عثر عليه من الحضارات القديمة
أولاً : اتساع رقعتها بحيث تشمل العراق ومصر والحجاز ونجد واليمن وبلاد فارس وبلاد الشام وبلاد المغرب وسمرقند وبعض بلاد تركيا والأندلس وفي كل بلد من هذه البلدان علماء ومؤرخون
ثانياً : أمر الإسناد والنقد للروايات التاريخية وكثرة المؤرخين أعطى للنقد والمقارنة
ثالثاً : الاتصال الإسنادي بحيث نجد في كل قرن مؤرخين يؤرخون لعلماء هذا القرن ولأهم لأحداث فيه وهناك مؤرخون للفرق مع وجود تراث علمي في كل قرن وبلد في الفقه والحديث والتفسير والأصول وغيرها من العلوم

وهذا يوفر جواً من النقد والقرائن زد على ذلك أن سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وهي الأصل غالبها موجود أصله في القرآن فغزوة بدر وأحد والحديبية وخيبر وبنو قريظة وبنو النظير والفتح والهجرة وغيرها كلها مذكورة في القرآن

وقد عاب صاحب كتاب قصة الحضارة على المؤرخين الإسلاميين اعتمادهم على الإجماع ، ولا أدري ما الذي كان يتعاطى وهو يكتب هذا الكلام فالرجوع لإجماع أهل الفن صنيع العقلاء

وهيرودوت هذا لا يعلم صدقه من كذبه والمحدثون في الإسلام قد كذبوا مؤرخين لهم مؤلفات كالواقدي وسيف بن عمر التميمي وهشام الكلبي ولوط بن يحيى

غير أن التاريخ فيه تسامح ليس بالمرفوع ولكن الأمر ليس مفتوحاً على مصراحيه

وهيرودوت لا يذكر أسانيد نهائياً بل يذكر روايات متضاربة ويرجح بينها بعقله

النقطة الثالثة : الأمور التي تجعلك تشك في صدق هيرودوت

الأمر الأول : قوله بين اللبوة لا تلد إلا شبلا واحداً لأن الشبل يخرج ومعه رحمها وهذا كلام باطل بالمشاهدة

الأمر الثاني : قوله أن مني الهنود أسود وكذا مني الزنوج وهذا سخف ظاهر ولعله أخذه من بعض فلاسفة اليونان فلهم مثل هذا كثير

الأمر الثالث : مغايرته بين الفرس والمجوس حيث ادعى أن للفرس عيداً يقتلون فيه المجوس وأنهم قتلوا كل مجوسي قابلوه بعد استيلاء مجوسيين على الحكم بالحيلة ثم اكتشافهما ، وهو نفسه ذكر عن الفرس أنهم يعدون النار إلهاً ، وذكر عن ابنة قورش _ وهي فارسية _ أنها قدمت قرابين لإله العالم السفلي ، وتقديس النار واعتقاد وجود إله للعالم السفلي هو اعتقاد المجوس ! ، وذكره أيضاً لزواج قمبيز بن قورش من أخته وهذه عادة مجوس ولكنه ذكر أن قمبيز أول من فعلها وأبيحت له لأنه الملك

الأمر الرابع : في كل قصة من قصص سقوط البلدان سواءً في مصر أو بلاد السكيث أو بلاد فارس أو بلاد اليونان لا بد أن تكون هناك رؤيا منام وأيضاً تكون هناك نبوءات عرافة وهذا التوارد في كل قصة على شيء كهذا يبدو أنها من صنعة يد المؤرخ

الأمر الخامس : يحكي تفاصيل التفاصيل عن جيش فارس وما يقوله الرجل لزوجته ، وقصص العشق التي لا يعلم بها إلا الخاصة وهو رجل يوناني عدو لهم فكيف يعلم بهذا ؟

فقد ذكر أحشويرش وذكر ما صنعه بمعابدهم ، وعادته أن يذكر عقوبة الآلهة لكل من يتعرض لها ولكنه حار في أمر أحشويرش الذي هرب فادعى أن أحشويرش عشق امرأة أخيه وراودها عن نفسها فأبت ثم زوج ولده من بنتها ليسهل القرب فوقع في هوى البنت وأهدت زوجة أحشويرش له ثوب فأهداه لهذه البنت التي كون معها علاقة محرمة فرأته الزوجة فعلمت بالعلاقة والعجيب أنها ما عاقبت البنت بل عاقبت أمها بعدما طلبت من أحشويرش الذي وهبها لها ! ، ونصح أحشويرش أخاه بتركها فأبى الأخ فقامت زوجة أحشويرش بتقطيعها ورميها للكلاب وقام أخ أحشويرش بثورة وقتل أحشويرش أخاه

فإذا كان أخ أحشويرش نفسه لم يعلم بمراودة أحشويرش لزوجته كما نقل هيرودوت والزوجة قتلت قبل أن يسمع الأخ منها القصة كما ذكر هيرودوت نفسه والأخ نفسه قتل ، فكيف علم هيرودوت بهذا ؟

ويبدو أن حنقه على أحشويرش أدى به إلى اختلاق هذه القصة أو لعلها من اختلاق اليونان لتحقير الرجل

وهيرودوت نفسه اتهم المصريين بتزوير التاريخ في شأن علاقتهم بقورش

الأمر السادس : ذكر أن قمبيز بن قورش عجز عن أثيوبيا ، ثم لما ذكر حملة أحشويرش الفارسي على اليونان ذكر أنه له جنوداً من الأثيوبيين

الأمر السابع : بالغ جداً في تضخيم جيش أحشويرش الذي جاء يغزو اليونان فجعلهم يربون على 300 مائة ألف _ من غير حواشيهم _  مقاتل من العرب والفرس والهند والمالطيين واليونان الخونة والمصريين والأثيوبيين ثم أثينا تصدت لهذه المؤامرة الكونية وهزمتهم جميعاً بمقاتلين فقراء

وأظن القاريء يتفهم تشككي في صدق الرجل فيما يرويه ، وأظهر أن الفرس بلا ضمير ولا احترام للمقدسات وأن اليونان أهل شجاعة ويتنزهون عن التمثيل بالجثث على أنه ذم فروعاً من اليونان ومدح بعض أحوال الفرس قبل الحملة عليهم

الأمر الثامن : ذكر فرساً تلد فأراً وأموراً كهذه على أنها إشارات ومعجزات وتصديق مثل هذا صعب خصوصاً لقوم مثلهم

وثمة أمور أخرى وفي هذا كفاية

النقطة الرابعة : الأمور التي ذكرها ولها ما يؤيدها

الأمر الأول : ما ذكره أن من عادة الفرس نقل رؤوس الأعداء للقادة وهذا أمر بقي فيهم إلى القرب من الفتح الإسلامي

قال البيهقي في السنن الكبرى 18351 - أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرِ بْنُ قَتَادَةَ، أنبأ أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ خَمِيرَوَيْهِ , أنبأ أَحْمَدُ بْنُ نَجْدَةَ، ثنا الْحَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ، ثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَزِيدَ أَبِي شُجَاعٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبَاحٍ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ، أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ، وَشُرَحْبِيلَ ابْنَ حَسَنَةَ بَعَثَا عُقْبَةَ بَرِيدًا إِلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بِرَأْسِ يَنَاقٍ بِطَرِيقِ الشَّامِ , فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنْكَرَ ذَلِكَ , فَقَالَ لَهُ عُقْبَةُ: يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُمْ يَصْنَعُونَ ذَلِكَ، قَالَ: أَفَاسْتِنَانٌ بِفَارِسَ وَالرُّومِ؟ لَا يُحْمَلْ إِلِيَّ رَأْسٌ , فَإِنَّمَا يَكْفِي الْكِتَابُ وَالْخَبَرُ

وهو في سنن سعيد بن منصور أيضاً

الثاني : ذكره أن الأثيوبيين يطلون أجسادهم بالطباشير البيضاء عند المعارك ولا زالت هذه العادة موجودة إلى يومنا هذا في عدد من الأفارقة

الثالث : ذكره شدة احترام العرب للمواثيق وأنهم أعظم الناس في ذلك وذكره لمحبتهم للطيب وهذه عادة إلى اليوم موجودة ، كما أنه ذكر اللات وذكر الكعبة والعجيب أنه ذكر ملكاً للعرب ولا أعرف في التواريخ من يعرف اسم ملك للعرب قبل المسيح في تلك الحقبة وهذا يدلك على شح التواريخ وأن العصر الحجري _ الذي يدعيه المؤرخون _ بقي مستمراً في العرب إلى عهد الإسلام فهناك أمم كثيرة لم تكن تؤرخ كالمصريين علماً أن الرسوم على الجدران قد تكون كذباً كالكتابة فالنبي صلى الله عليه وسلم لما دخل الكعبة وجد صورة لإبراهيم وإسماعيل يستقسمان بالأزلام فغضب وكذبهم وأمر بمسحها

الرابع : بعض ما ذكره من أخلاق من شدة البأس مع سرعة الدمعة لا زال مشاهداً إلى اليوم

الخامس : ما ذكره عن المصريين من قوة شخصيات نسائهم مقارنة برجالهم أمر لا زال له بعض الوجود في مجتمعهم

السادس : ما ذكره من عدل ملك أثيوبيا وقوله أنهم لا يعتدون على أحد وذمه لظلم ملك الفرس واعتدائه على الناس يقارب كثيراً حال النجاشي الذي لا يظلم عنده أحد ويبدو أن الأمر متوارث فيهم وقيمة متأصلة والواقع أن مبالغتهم في مسالمة الناس _ من وجهة نظري _ كان لها أثر سلبي عظيم عليهم فالعالم كان ولا زال غابة ومن لا يظلم الناس يظلم _ أعاذنا من الظلم وإنما هو مثل _ فإنهم بالغوا بالمسالمة حتى صارت الأمم المحاربة بفعل كثرة الحروب والاحتكاك أقدر على الأسلحة الفتاكة منهم فاعتدوا عليهم واستعبدوا منهم ما شاء الله مع أنهم أقوى بنية

وهذا يبين لك شيئاً من فضل الجهاد ، فإن الناس _ وخاصة الروم _ إذا تركتهم ما تركوك وهجموا عليك وأذلوك كما فعلوا طوال تاريخهم وتذكروا ما حصل من التتر من الاعتداء وتذكروا الحملات الصليبية وتذكروا الاستعمارات الأخيرة التي لا زلنا نعيش أثرها السلبي على حياتنا

فأنت إن لم تغزهم وتفرض عليهم قهراً أخلاقيا ، ثم هجموا عليك واعتدوا على الأموال والأعراض وفعلوا الأفاعيل كما حصل قريباً وفرضوا عليك قهراً لا أخلاقياً

النقطة الخامسة : ذكر بعض العبر التي يتضمنها هذا التاريخ وفضل الشريعة الإسلامية على البشرية أجمع

ذكر هيرودوت عدة أمور نحتاج أن نقف معها وقفة

الأول : بعد انتهاء حكم قورش ( الذي حرر الفرس وأعاد اليهود إلى القدس ) جاء ابنه قمبيز ( بحسب الروايات التاريخية ) وكان رجلاً سفيهاً احتل مصر وقتل أخاه لرؤيا رآها وقتل أيضاً أخته التي كانت زوجة له أيضاً لحزنها على أخيها والروايات في ذلك مضطربة ثم استولى على حكم قمبيز رجلين مجوسيين أحدهما انتحل شخصية الأخ المتوفي لقمبيز لأنه قتله سراً ومات قمبيز واستعاد الحكم خمسة من الفرس قتلوا المجوسيين ثم اجتمعوا وخطب كل واحد منهم خطبة يؤيد فيها نظاماً من أنظمة الحكم السائدة آنذاك

وحقيقة التنوع الفكري في كلامهم وإدراكهم لعيوب الديمقراطية يؤكد أننا نتراجع فكرياً مع الأسف

ما سأنقله نقله هيرودروت في تاريخه الذي صنفه قبل المسيح بخمسة قرون

قال الخطيب الفارسي الأول : أعتقد أن الوقت الذي تكون فيه السلطة المطلقة بيد شخص واحد قد فات فالملكية ليست بالأمر السار ولا الحسن ، إنكم تعلمون ما فعله جبروت السلطة بقمبيز ولقد خبرتم شخصياً تأثير السلطة في سلوك المجوسيين ، كيف يمكن للمرء أن يدرج الملكية ضمن نظام أخلاقي سليم ، عندما تسمح للملك أن يفعل ما يشاء دون أي مسئولية أو انضباط ؟ إن أفضل الرجال إذا ما تسنم منصباً كهذا لا بد أن يتغير نحو الأسوأ ، إذ لا يعود بمقدوره رؤية الأمور كما كان يراها . إن الحسد والتكبر هما النقيصتان الملازمتان للملكية ، والحسد ضعف إنساني طبيعي ، أما التكبر فيظهر عندما يتوفر الثراء الفاحش والسلطة مما يوهم الإنسان أنه في مرتبة فوق البشرية جميعاً ، وهاتان النقيصتان هما أصل الشرور لأنهما تدفعان بالمرء للقيام بالأفعال الهمجية والعنف الوحشي . والحق أن السلطة المطلقة ينبغي أن تحول دون الحسد ، لأن من يملكها في حوزته كل ما قد يرغب المرء به لكن الأمور ليست كذلك في الحقيقة وهذا ما أثبتته تصرفات الملوك مع رعاياهم ، فهم يغارون من أفضلهم لمجرد أنهم ما زالوا على قيد الحياة ، ويجدون السرور مع أسوئهم ، ولن تجد أحداً يصغي إلى الوشاة والنمام مثل الملك كذلك فإن الملك أكثر الناس تقلباً ، فإن أظهرت له قدراً معقولاً من الاحترام غضب منك لأنك لم تذل نفسك أمام عظمته ، وإذا أذللت نفسك فسيكرهك لأنه سيعتبرك متملقاً مرائياً . إلا أن الأسوأ من هذا كله أن يعمد إلى تحطيم بنية التقاليد والعقائد الدينية ، ويقسر النساء على إشباع رغباته وإرضاء ملذاته ، وينزل عقوبة الإعدام بالرجال دون محاكمة . أما حكم شعب فهو على النقيض من ذلك أولاً يتمتع بأحسن الأوصاف _ المساواة أمام القانون _ ثانياً : لا يقوم الأشخاص الذين يتولون الحكم بالأفعال التي يقوم بها الملوك . ففي حكومة الشعب يعين الناس من يحكمهم ويعتبرونه مسئولاً عن تصرفاته في أثناء فترة توليه مهام منصبه ، وجميع المسائل تطرح للنقاش العام ولهذه الأسباب أقترح أن نستغني عن الملكية وأن نسلم السلطة للشعب ذلك أن الحكومة والشعب مصطلحان مترادافان"

أقول : هذا الخطيب لغته تشبه لغة العصريين كثيراً فانظر ما قاله الخطيبان الآخران

قال الخطيب الفارسي الثاني : إنني أتفق مع أوتانيس _ وهو الخطيب السابق _ فيما ذهب إليه من ضرورة إلغاء الملكية ، إلا أنه أخطأ في مسألة نقل السلطات السياسية إلى الشعب . إن الجماهير جماعة فارغة لا مبالية ولن تجد جهلاً أو عنفاً أو لا مسئولية أكثر مما لديهم . ولهو أمر لا يحتمل أن تهرب من نزوة مميتة تعرض للملك لتقع في شرك وحشية الدهماء وجلافتهم ، فالملك على الأقل يتصرف بشكل واع ومقصود ، لكن هذا لا ينطبق على الرعاع ، وفي الحقيقة ليس في مقدورهم القيام بذلك ، إذ لم يتم تأهيلهم على إدراك ما هو الصحيح المناسب ، ولا تتوفر لديهم معرفة ذاتية بمثل هذه الأمور فالجماهير تعالج الأمور دون تفكير ، وكل ما يستطيعون القيام به معالجة الشئون السياسية باندفاع أعمى مثلهم في ذلك مثل نهر يفيض ، أما بالنسبة للشعب فلندع لهم الحكم في أعداء فارس ، ولنختر بأنفسنا عدداً معيناً من أفضل رجالات البلد ولنمنحهم السلطات السياسية وسنظل نحن من بينهم ومن الطبيعي افتراض أن أفضل الرجال ستكون سياستهم الأفضل .انتهى كلام الخطيب الثاني

ويضاف عليه أن العامة إنما يكونون إدراكهم من التعليم والإعلام وهذا يتحكم به فئة معينة من الناس ستكون هي الحاكم الفعلي

قال الخطيب الفارسي الثالث : أعتقد جميع ملاحظات ميجاربازويس _ الخطيب الثاني _ بشأن العامة صحيحة إلا أنني لا أتفق معه فيما قاله بشأن الأوليجركية فلنأخذ أشكال الحكم الثلاثة التي نناقشها وهي الديموقراطية _ دعا إليها الخطيب الأول _ والأوليجركية _ دعا إليها الخطيب الثاني _ والملكية ، ولنفترض أن كلام منها هو الأفضل ، إلا أنني أؤكد أن ثالثها هو أفضل بكثير من النمطين الآخرين ، حاكم واحد من المستحيل إدخال أي تحسينات على نظام الحكم هذا ، شريطة أن يكون الحاكم هو الأفضل حينذاك سيكون حكمه منسجماً مع شخصيته وسيطرته على الشعب أسمى من أن تكون موضع مساءلة ، والإجراءات التي سيتخذها لمكافحة الأعداء والخونة ستتم المحافظة على سريتها بسهولة أكبر مما لو كانت متخذة في نظام حكم آخر ، ففي النظام الأوليجر يمكن أن يؤدي التنافس بين عدد من الرجال إلى التميز والبروز في الخدمة العامة إلى حدوث ضغائن شديدة بينهم ، فكل منهم يريد الوصول إلى القمة وتنفيذ مقترحاته ، ولهذا لا بد أن تنشب النزاعات فيما بينهم وهذا يؤدي إلى حروب أهلية ، ومن ثم إلى سفك الدماء والطريق الوحيدة للخروج من هذه الحالة تكون بالعودة إلى الملكية ، وهذا أبرز دليل على أن الملكية الأفضل ، أما في الديمقراطية فلا بد من وجود نوع من الممارسات السيئة لكن في هذه الحال فإن الفساد المنتشر في مرافق الدولة لن يؤدي إلى ضغائن بل إلى صداقات شخصية حميمة فالرجال المسؤولون عن الفساد سيجمتعون ويتكاتفون وسيؤيدون بعضهم بعضاً ، وسيستمر ذلك إلى أن يظهر بطل من الشعب يقوم بتقويض القوى التي أقاموها لتخدم مصالحهم ، مما يكسبه إعجاب الرعاع وبالتالي سرعان ما يجد نفسه وقد وضعت بين يديه السلطة المطلقة ، وما هذا إلا برهان آخر على أن الملكية أفضل نظام حكم وباختصار كيف بلغنا حريتنا ومن منحنا إياها هل جاءت نتيجة الأوليجركية أو الديمقراطية أم الملكية ؟ لقد حررنا رجل واحد ( يعني قورش ) لهذا أقترح أن نحافظ على هذا الشكل من الحكم "

العجيب أن الخطيب الثالث هو من غلب الاثنين السابقين وبقيت بلاد فارس ملكية حتى الفتح الإسلامي بعد ما يزيد على ألف سنة من هذه الخطب الثلاثة

الذي يهمني من كلام هؤلاء الرجال الثلاثة أن عيوب كل نظام ذكروه يكمن من كون صاحب السلطة ليس عنده تدين بمعنى يخاف من إله فوقه يحاسبه على ما سيفعل بالناس كما كان عمر يقول ويل لديان الأرض من ديان السماء .

لذا كل نظام سياسي معيوب ما لم توجد فيه هذه الخصلة قوية

ثم إن في الحكم الإسلامي لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق وهذا يقيد سلطة كل حاكم وتجعل سلطة الفقيه التقي أعظم من سلطته لا لنفس الفقيه وإنما لما يحمله الفقيه من الحجة على أن هذا الفعل مخالف للشرع فليست الطاعة موضوعة له ، أو من الشرع فالطاعة موضوعة له

وهناك أهل حل وعقد يشترط فيهم التدين والفهم يعينون الحاكم في الظروف الاختيارية بحسب شروط ذكرها الفقهاء وهذا يجمع محاسن جميع الأنظمة ، فإن تغلب شخص وكان مسلماً بقيت خصلة لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق فلا سلطة مطلقة والحال هذه فإذا وصل للكفر تعين الخروج عليه مع وجود القدرة

والأنظمة الحاكمة اليوم ليست واحدة من الثلاثة السابقة كما يراد إيهام الناس بل هي مجموع من الثلاثة فيه كل عيوب الثلاثة

فإن قيل : وماذا عن النجاح الذي نراه في بعض البلدان ؟

فيقال : أعظم الحضارات قبل الإسلام كانت تحت أنظمة حكم قمعية ، فهؤلاء الفرس الذين اختاروا الملكية بلغوا ذروة المجد ، وإذا كان هناك نظام سائد في العالم بفعل القوة العسكرية أو غيرها فإن أفضل الناس فيه هم أقدم من يستخدمه وهذا الحاصل اليوم ، والرفاه الاقتصادي مثلاً لا ينبغي أن ننظر له بسطحية ونعزله عن القوة الاستعمارية

وإنما الإشكالية في أي نظام أن يحقق العدل ، ويجب أن يكون هذا عدلاً حقيقياً لا خيالياً وهو أفضل المتاح وألا يكون في بنية هذا النظام نفسه ما يقوي الظلم ، ثم لا بد من تحقيق استقرار نفسي والعدل المطلق في الدنيا مستحيل وإنما المراد قدر من العدل

الثاني : ذكر من شأن الملوك خصوصاً الفرس ما يجعل الفتح الإسلامي رحمة الله للعالمين

فذكر عنهم الاستبداد بالأحكام وإلقاء عقوبات الإعدام بحسب المزاج ، واستخدامهم للقتلات الشنيعة كالخازوق والحرق ، واستعبادهم للشعوب حتى أن المصريين قتلوا أهل سفينة للفرس فقاموا بقتل مقابل كل واحد مائة من الأشراف المصريين ، ثم أنهم يسعون للاعتداء على الأعراض كما فعلوا مع المقدونيين مع دفع المقدونيين لهم الجزية وما ذكره هيرودوت هو ما تكلمت عنه بلقيس (قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ) وذكر أن البابليين الفقراء اضطروا لبيع بناتهم للدعارة بسبب الجزية العظيمة التي يفرضها الفرس ، كما أن قتل النساء والأطفال كثير

والزنا بالشريفة اغتصاباً عقوبته الخازوق وأما الوضيعة فلا وغيرها من التشريعات البائسة

وأما الروم فمع أنه لم يذكرهم فصنيعهم في مصر معروف

فهؤلاء لو لم يكونوا أهل إشراك لكان غزو المسلمين لهم ضرورة أخلاقية لما هم عليه

فأين هذا من الإسلام الذي لا يجمع بين الرق والجزية ، والذي لا يقتل غير المقاتل ، ولا تؤخذ الجزية إلا من المقتدر ولا تستغرق نصف ماله حتى ثم إن العقوبات منضبطة بضوابط وليست فوضى والكل سواسية أمام الشريعة ( لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ) بخلاف القوم فالأشراف كانت لهم منزلة عظيمة ؟

لعلك تقول كيف تأخذ بكلام هيرودوت عنهم وقد قلت فيه ما قلت

فيقال : الواقع المحكي في عموم التواريخ يعضد ما قال عنهم

وقد ذكر أن ابنة قورش حرضت زوجها على غزو أثينا لأنها تريد جواري أثينيات ، وهذه نقطة يغفل عنها كثيرون ممن ينكرون الاسترقاق للنساء وهو أن هؤلاء النساء أكبر رافد ومحرض للرجال في حروبهم لبلاد الآمنين وحاثات لهم على الاسترقاق لكي يكن سيدات فالعدل أن يفعل بهن ما يحرضن عليه على أن المسلمين لا يتسرون بالمجوسيات والوثنيات في عامة مذاهب العلماء

الثالث : ذكر أسباب الحروب وغالبها بل كلها لا علاقة لها بالدين

فكلها أطماع متعلقة بتوسيع رقعة الملك وهناك أسباب أخرى

فحرب قامت بسبب خطف بعض الشباب لنساء من قوم معينين ( وحوادث الخطف ذكر هيرودوت منها الكثير وهذا يبين لك حكمة تشريع المحرم )

وحرب قامت بسبب خطبة الملك الفارسي لابنة الملك المصري فعلم المصري أنه يريدها محظية لا زوجة فأرسل له ابنة الملك السابق فلم علم الفارسي غزا مصر واحتلها ونكل بأهلها أعظم التنكيل

وغزا داريوس لأنه زوجته أرادت جواري منها

ولو كان كل سبب للحرب سنزيله فعلينا أن نبعد النساء عن حياتنا !

الرابع : ذكر عجائب من أحوال النساء إن صدق بها فبلاء مبين

ذكر عن بعض البلدان أن العروس ثم أن تزف إلى زوجها تعرض على الملك وهو يفتضها إن أعجبته ثم تزف إلى زوجها

وذكر عن بعض الناس أنهم يعيشون شيوعية في النساء فالنساء عندهم كالحيوانات من أراد أن يستمتع فعل

وذكر عن بعض الناس أن نساءهم مسترجلات مقاتلات والمرأة لا تتزوج حتى تقتل عدواً لهذا كن يشخن دون الزواج كثير منهن

وذكر عن بعض الناس أن المرأة تذهب للمعبد وعليها أن تفي بنذر وهو أن يختارها رجل يرمي بقطعة فضة لها ثم تتبعه ثم يصليان ويجامعها ثم تذهب إلى بيتها ولا يحق لها الزواج قبل هذا الفعل ولا يجوز لها أن ترد هذا الرجل مهما كان _ ولن يكون زوجها _

وذكر عن أحد الفراعنة أنه كان أعمى _ وهذه قصة نقلها عن كهنتهم _ فقالوا له الكهنة لا تشفى حتى تغسل وجهك ببول عذراء عفيفة لا تفضل على زوجها رجلاً فجاء بعدة نسوة كلهن فشلن إلا واحدة اتخذها زوجة وأحرق الباقيات

وذكر أن في بعض البلدان يكون الرجل له عدة زوجات فتأتي كل امرأة منهن وتحكي فضلها وتكون هناك لجنة تحكيم تختار الأفضل منهن وهذه الفاضلة تذبح على قبر زوجها وتدفن معه إذا مات قبلهن

فالحمد لله الذي من بالإسلام

الخامس : ذكر عجائب من شرائع وقوانين غريبة

حتى أن رجلاً غدر بصديقه وسرق ماله وهرب بزوجته التي عشقت هذا الصديق فنزلا في جزيرة فأخبر خدمه ملك الجزيرة بصنيع سيدهم فتغيظ عليه ملك الجزيرة وصادر الأموال والمرأة حتى يأتي زوجها ولم يتعرض له بعقوبة لأنه ضيف !

وذكر أن رجلاً عاد من المعركة لوحده فقتلته نساء زملائه بدبابيس شعورهن غيظاً من عودته دون أزواجهن فكانت عقوبة قتل النفس بمنعهن من استخدام دبابيس الشعر !

وذكر أن اليونان رجموا رجلاً أشار عليهم بالاستسلام للفرس فذهبت نساؤهم ورجمن امرأة الرجل وأولاده وما عاقبوهن بشيء

السادس : ذكر عن ملك في بلده يمنع تعدد الزوجات وكانت زوجته لا تنجب فأمره الكهنة بطلاقها فأبى ذلك ورخصوا له ( هو وحده ) بالزواج بثانية

وكل ما ذكره هيرودوت من هذا الضرب إما قوم يمنعون التعدد مطلقاً وإذا اضطروا له أباحوه لملوكهم فحسب

وإما قوم يبيحون الأمر دون أية ضوابط

فالحمد لله من بالإسلام

السابع : ذكر أن ملكاً يونانياً هوي زوجة صاحبه فعرض عليه مبادلتها بزوجته وكان الأمر فحملت تلك المرأة منه وولدت لسبعة أو ستة أشهر فأطلق كلمة لما عد المدة وقال ( ينبغي ألا يكون هذا الولد ولدي ) لما كبر الولد صار الملك فجاء بعض أقربائه ممن ينافسه وقال أنه ولد غير شرعي وجاء بشهود سمعوا والده يقول تلك الكلمة وتوسع الناس في عرض أمه حتى اتهموها بأمور زائدة فذهب لأمه فأقسمت له بالأمر وأن والده كان جاهلاً لا يدري أن النساء يلدن لأقل من تسعة المهم هذا الرجل نحي من منصبه وحقد ولحق بالفرس ثم صار هو قائد الحملة الفارسية على قومه

الشاهد من هذه القصة أنه واضح أن القوم ليس عندهم أحكام استبراء للرحم ولو كان هناك استبراء للرحم بعد طلاقها الأول لما حصلت هذه البلية من أولها

فانظر إلى عظمة التشريعات الإسلامية وكيف أن الله عز وجل بحكمته ترك البشر مع كل ما بلغوه من تقدم آنذاك يتخبطون يرسل النبي بعد النبي فيأبون حتى جاءهم رجل أمي من أمة مقهورة ينزل على قلبه الخير العظيم كله

الثامن : ذكر عن قوم يقال لهم السكيثيين أن رجلاً منهم أحيا أعياداً أخذها من اليونان للآلهة فقتلوه لفعله هذا لأنهم لا يحبون تقليد والعجيب أنهم بعد ذلك صاروا ينكرون وجوده أصلاً

ويبدو أن هذه الأمور تحصل مع الأنبياء أيضاً 

وقد ذكر باحث مصري أن الفرنسيين المكتشفين للحضارة المصرية أخفوا أكثر من تسعين بردية ولا أستبعد هذا فحنقهم على النصرانية يفعل أكثر من هذا وأحسب أنهم في غزوهم للعالم الإسلامي أتلفوا الكثير من المخطوطات بدليل أن هناك مخطوطات عديدة نجد السيوطي يذكرها فمعناه أنها موجودة بعض الغزو التتري كتفسير ابن مردوية وكذا الكتب التي يذكرها ابن حجر وابن رجب ومع ذلك فقد عدد لا يستهان به منها 

ومما يدل على تحيزهم واستعدادهم لإخفاء أي حقيقة تؤيد الدين قول موريس موكاي أنه لما أراد استخراج اعتراف من عالم آثار فرنسي بوجود اسم هامان في المخطوطات المصرية القديمة لم يخبره أن هذا موجود في القرآن لكي لا يخفي ذلك عنه بغضاً في القرآن  

التاسع : مع كل ما ذكره من وثنية في قومه وفي الفرس إلا أنهم كانوا إذا فعلوا أمراً عظيماً يخالفون فيه الأعراف أو أديانهم ثم حلت بهم المصائب يصيرون يطلبون الكفارة

فذكر عن قوم أنهم سملوا أعين راع لأنه نام في نوبة رعيه وسرق من الغنم فأصابتهم مجاعة فأشار عليهم الكهان بالذهاب إليه واسترضائه وإعطائه كل ما يريد لأن هذا غضب من السماء ( ودائماً يشيرون للسماء وهذا مما استقر في الفطر )

وذكر المؤرخ عن قومه أنهم قتلوا رسولين لفارس فأصابتهم بلايا فعلموا أنه من هذا الصنيع فأرسلوا لملك فارس رجلين من أشرافهم يقتلهما بدلاً من الرسولين وقد تطوعا لذلك

وحين قام بعض الناس بخطف مجموعة من النساء ثم قتلهن افتقروا فعلموا أن البلاء لحقهم بسبب فعلهم فذهبوا إلى أهلهن وطلبوا أن ينفذوا فيهم ما يشاءون ( وهذا يؤكد على ضرورة حكم المحرم )

والذي أريد قوله أن التدين الوثني خير من الإلحاد وألا تعتقد أن هناك قوة فوقك تعاقبك إن طغيت ، وخير من هذا كله أن تؤمن أن فوقك واحد أحد إن لم يعاقبك في الدنيا فالآخرة موعدك

وبعد النظر في هذا التاريخ يحضرني قوله تعالى : (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (98) إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99) إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ (100)

فحقاً سلطان الشيطان على الكثير من البشر ظاهر والله المستعان

وقوله تعالى : (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)

وكل الممالك القديمة مبنية على أسس عرقية فمملكة الفرس أساسها وبلاد فارس وأعلى الناس فيها الفرس ، ومملكة بابل مركزها بابل وأعلى فيها أهل العراق ، والفراعنة هكذا

فقط الدولة الإسلامية المسلمون فيها أخوة كلهم وتفاضلهم بالتقوى وخدمة الدين لا للعرق لهذا تغيرت دولة الخلافة المركزية عدة مرات بل الرقيق المسلم يقول النبي صلى الله عليه وسلم (إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ ، فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ ، فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ ، وَلْيَكْسُهُ مِمَّا يَلْبَسُ ، وَلاَ تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ ، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ عَلَيْهِ)

هذا مع كون الرقيق معفي من صلاة الجماعة والجمعة والحج ولو جلسنا نعدد فضل الشريعة فلن ننتهي

وأما ما نظنه عالماً متحضراً هو لا يختلف في عمق ضميره عن ذلك العالم القديم ولكنه يتقنع بشعارات كاذبة
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي