مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: نظرة في التشريعات الإسلامية التي تدل على النبوة ...

نظرة في التشريعات الإسلامية التي تدل على النبوة ...



أما بعد :
 
من أحسن ما يستدل به على النبوة النظر في التشريعات الإسلامية ومقارنتها بما يدعيه الفلاسفة الملاحدة بما يدعونه من دوافع التدين

لترى الأمر أمامك جلياً وهذا النوع من الاستدلال على النبوة من أحسنها وأبعدها عن الزلل ويجعلك تزداد تعمقاً في الشريعة لا الفلسفة ولا أي شيء آخر

خذ مثالاً تشريع الزكاة

وهو باختصار أن يؤخذ ربع العشر من الغني ويعطى للفقير وليس أي مال وإنما الذي ادخره عاماً كاملاً هذا المواشي والذهب والفضة

وأما الزروع فتعطى رأساً

وهذا كله حتى يبلغ الأمر نصاباً

فلو فرضنا أن هذا التشريع جاء من عقل بشري فالبشر إما أن يكون غنياً وساعتئذ لا يأبه كثيراً للفقراء وإنما يطالبهم بالعمل فقط ويلقي عليهم باللائمة

وربما سيرضى بنظام كالنظام الضريبي الذي تذهب فيه أمواله لخدمات عامة تشمله هو والفقير معاً

ثم إنه حتى لو راعى الفقير فإنه سيسمي هذا المال صدقة وتعطفاً منه ولن يسميه حقاً للفقير ولن يقول ( ومن يتصدق فإنما يتصدق على نفسه )

وإن كان هذا التشريع من فقير فإنه لن يكتفي بربع العشر فقط بل إنه سيذهب لأكثر من هذا وربما فكر بما يقارب الاشتراكية

وخذ مثالاً وجوب الإخلاص لله عز وجل

الوثنيات القديمة تمدح السلوك الصالح الخارجي وهكذا كل فلسفات الدنيا البعيدة عن الدين لأن المراد منها إصلاح الظواهر والوصول للسمو الأخلاقي

ولكن الدين يختلف بأنه لا يكتفي منك بصلاح العمل حتى تكون مخلصاً في الباطن لله عز وجل

والعمل الذي لا تعمله لله لا أجر فيه في الآخرة

لو كان المرء فيلسوفاً أو حكيماً أو عبقرياً يريد إصلاح أخلاقيات الناس فحسب فإنه لن يفكر أبداً بهذه النقطة لأنها أمر زائد على ما نحتاج إليه من الصلاح الخارجي

فدل على أن هذا التشريع من الخالق العظيم ، خصوصاً إذا علمت أن هذا التشريع جاء به رجل أمي بلغ الأربعين ولم يذكر شيئاً من هذا ولا درس ولا تعلم على أحد ولم يكن عند قومه أثر من هذا كله

ومثل هذا تشريع الصلوات الخمس الذي يفرض على العباد ترك البيع والشراء وكل شيء والتفرغ لعبادة الله عز وجل ثم يثيبهم الله عز وجل صلاحاً في أخلاقهم ( إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر )

وحين يؤله الوثنيون الملوك ويؤله الإباحيون الشعوب نجد عندنا ( لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق )

ويتوعد من يعين ملكاً على ظلمه ألا يرد على النبي صلى الله عليه وسلم الحوض

وعلى فقس في الأحكام فمثلاً في الإسلام فقط

يوجد حصة من غنيمة الحرب للفقراء والمساكين وابن السبيل
والفيء كله لهم

وفي الإسلام فقط خاض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حرباً على من منع الزكاة هذه الحرب كانت لأجل حقوق الفقراء والمساكين والعبيد الذي سيعتقون والغارمين وبقية المصارف الزكوية
وبعض الجهلة ينظر لحق الحضانة للنساء وحق النفقة حتى بعد الطلاق وحق المهر بمجرد الدخول بها ولو لاعنها ولو حتى ثبتت عليها الفاحشة فيظن الأمر انحيازاً للنساء

وجهلة آخرون ينظرون للميراث وحق الطلاق للرجل فيظن الأمر انحياز له

وكلا التفكيران سخف وإنما عدل من حكيم خبير سبحانه

هذه خاطرة يسيرة لم أردها أن تطول وأريد للمرء أن يتفكر بنظائرها ليزداد يقيناً ولينظر في القرآن وكتب السنة وكتب الفقه تطلباً لهذا،وهنا ستتهاوى دعاوى أن التدين انبهار بالطبيعة بل الإلحاد هو الذي كذلك وتأليه للطبيعة وأما دعوى الفكر الجمعي ( أن التدين شيء وراثي وهذا لا يحل المشكلة من أين جاء هذا الدين أصلاً ) مغامرة عقلية سخيفة فلو كان كذلك فلو كان الأمر كذلك فلماذا النبي صلى الله عليه وسلم بعد الأربعين يسفه عبادة قومه ويشن عليهم الحروب حتى حطم أصنامهم وصبر على بلاء عظيم في سبيل ذلك
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي