مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: ماذا خسر الناس بترك المسلمين للجهاد ...

ماذا خسر الناس بترك المسلمين للجهاد ...



أما بعد :


كنت قد قلت آنفاً أن لولا فرض الجهاد لما زال وأد البنات ولما ترك الناس الخمور وعبادة الأوثان والحرب على الجاهليات ولما طبق القصاص على الضعيف والقوي على حد سواء ولما كان هناك توريث للنساء والصبيان ولما زالت جاهليات كثيرة يصعب حصرها

فأهل الشر إذا كانوا ذا قوة وجب مجابهة القوة بالقوة ولو سرنا على منطق القوم لرأينا أن النبي صلى الله عليه وسلم دعاهم دون رفع سيف ثلاثة عشر عاماً فما كان منهم سوى قتل وتعذيب أصحابه ثم التهديد بقتله هو بل الإقدام على ذلك ثم لما هاجر هددوا الذين آووه وأرجفوا عليهم وغدروا مع النبي ونكثوا العهود والمواثيق ومع ذلك لما تمكن منهم عفا عنهم

وامبراطوريات الظلم في فارس والروم لم تكن لتزول وتشرق شمس الإسلام والحضارة إلا بمجاهدة هؤلاء فالعدل يفرض فرضاً

والدول التي يسمونها متقدمة كلها قامت على ملايين الجثث وعامتها يقتل ظلماً وما صنيعهم في الاستعمارات عنا ببعيد

وما حصل في الحربين العالميتين خير مثال على جنون القوى العلمانية

وهذه قنبلة هورشيما وما أهلكت من الناس وهم يزعمون أنه فعلوا ذلك للمصلحة وأنه لا طريق للسلم إلا بذلك

وبهذا يبررون ما فعلوا في العراق وأفغانستان ولا أدري كيف يمكن لمن يفعل هذا أن يفتح فاه تجاه الجهاد الإسلامي وهو أنبل مليون مرة من هذا الذي يفعلونه

بل العجيب أن كتابهم المقدس الذي يحلفون عليه فيه أن داود وسليمان وغيرهما جاهدوا بل صنيع يشوع وقتل البهائم والأطفال والنساء الموجود في كتابهم المقدس معروف

ونحن نرى طوال التاريخ الإسلامي أننا ما تركنا أعداءنا فتركونا فما إن نترك الجهاد حتى هم يبدأون بالحرب والقتال وفي هذا عبرة للمعتبر

ولكنني هنا سأعرض الفكرة بطريقة أخرى

أرأيت لو استمرت الفتوحات الإسلامية ولم تتعطل بتقاعس بعض الملوك والاقتتالات الداخلية التي يثيرها أهل الفتن من الخوارج وأضرابهم أو بني الدنيا في الحرب فيما بينهم على الملك لكانت أوروبا شملها حكم الإسلام وإن لم يصر أهلها مسلمون فهم نصارى في الغالب وهؤلاء يقرون على الجزية وهنا وقفة

لو كان هذا الواقع فماذا سيكون ؟

لو كان هذا الواقع لما رأينا الشيوعيين والماركسيين الذين آمنوا بمبدأ البقاء للأقوى الذي استفادوه من نظرية دارون ، ودارون نفسه تأثر بكلام مالتوس الذي يقول بأن الحروب والمجاعات صحية لكي تكفي الموارد لكل البشر فإنها تهلك الكثير من الناس فيكفي للبقية الموارد ( وهذا تفكير زندقي جشع والذي يرى توزيع الثروات اليوم يدرك أن ما في العالم من الخيرات يكفي عامة البشر لو وزع بالعدل )

فالكل تأثروا بكلام داروين والتطور من ماركسية لشيوعية لاشتراكية لنازية لإلحاد: فقتلوا من البشر 120 مليون إنسان تقريبا كالتالي :
42.6 مليون إنسان في عهد (جوزيف ستالين) روسيا  
37.8 مليون في عهد (ماو تسي تونغ) الصين
20 مليون في عهد (أدولف هتلر) ألمانيا
10.2 مليون في عهد (شيانغ كاي شيك) الصين
4 مليون في عهد (فلاديمير لينين) روسيا
3.9 مليون في عهد (هيديكي توجو) اليابان
2.3 مليون في عهد (بول بوت) كمبوديا

فهؤلاء قتلوا كل هذا العدد وكثير منهم ليسوا في حروب للمعلومية

وقد اعترف دوكنز الملحد في كتابه وهم الإله أنه لا مانع في الإطار المادي من أن يكون هتلر محقاً

أقول : وهذا واضح إذ أنه قام بدور الانتخاب الطبيعي وتخلص من الضعفاء وأبقى الأقوياء


والآن سأذكر لك مجموعة من الفروع الفقهية التي يغيبها الناس مع أنها تشكل بحسب فكرهم مثالاً حالياً للتسامح ولست انبطاحياً ولكنني أسأل لماذا يغيبون مثل هذا ويسكتون عن جرائم المادية

ولا يوجد في الشر ونصرته أعظم من تأليه البشر وجعل قويهم هو من يحدد ما هو الصواب وما هو الخطأ وأن نخبره أنه لا يوجد يوم آخر ولا رب يحاسب

الفرع الأول :ما ذكره بعض فقهاء المالكية من أن الحاكم المسلم من أن أهل الذمة إذا نقضوا العهد والتحقوا بالأعداء أنهم يقاتلون ولكن إذا كان الإمام ظالماً نصوا على أن المسلمين لا يجوز لهم القتال مع هذا الإمام
قال ابن رشد الجد في البيان والتحصيل (2/602) نقلاً عن ابن القاسم تلميذ الإمام مالك :" وإن نقضوا _ يعني أهل الذمة _وخرجوا إلى دار الحرب، وبقيت الذرية بين أظهر المسلمين؛ لم تستحل الذرية، ولم يكن إلى الذرية سبيل بوجه من الوجوه؛ وإن تحملوا الذرية معهم، وظفر بهم قبل أن يصلوا إلى دار الحرب؛ فهم كلهم فيء بحال ما فسرت لك - إذا كانوا قد نقضوا وامتنعوا، وكان الإمام عدلا - كما أخبرتك، وإن كان الإمام غير عدل ونقموا شيئا يعرف ما قاموا به، لم يقاتلوا ولم يقتلوا"
قوله : ( ونقموا شيئاً ) عليه أخذوا على هذا الحاكم مأخذ يجعل لهم نصيباً من الحق


وما لا يختلف فيه المنتسبون لملة الإسلام أن الحاكم بأي طريقة جاء ومهما كان موقفك منه فإنه لا يجوز لك طاعته في معصية الله عز وجل فلا وجد حاكم مطلق مؤله يطاع في كل شيء فلا يطاع في معصية خرجنا عليه أو لم نخرج فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، وهذه عظمة التشريع الإسلامي فإن كل من يدعي أنه لا يعبد الله في حقيقة أمره يعبد البشر بالرغبة والرهبة فكل إنسان فوقه قاهر له يكون تابعاً له ولكن الإسلام يحرر المرء من هذا ويجعلك عبداً لله وحده وهذه هي الحرية حقاً لا أن نخرج من عبودية الله إلى عبودية المال والسلطة وأصحاب المال والسلطة بل طاعتنا مرتبطة بأصل ثابت وهو أن يكون هذا تابعاً لوحي السماء بيقيننا
وتأمل ما ذكره من أن أهل الذمة إذا خرجوا لدار الحرب وبقيت ذريتهم ( يعني نساءهم وأطفالهم ) في بلاد المسلمين أنه لا يجوز المسيس بهم وتأمل هذه الأخلاقية العالية وقارنها بتفكير مادي محض لشخص ينظر للمصلحة فحسب فسيقول ( نأخذ ذريتهم ونهددهم بهم ليرجعوا ) وهذا التصرف سيحقق مصلحة من منظور مادي محض لشخص لا يؤمن بيوم الحساب أو عنده مرجعية أخلاقية

وأما الفرع الثاني من الفروع الفقهية التي غيبتها وسائل الإعلام ولا يغفل عن ذهنك أن هذه تقريرات عمل بها واعتبرت ديناً يدان به منذ مئات السنين في رقعة واسعة جداً من الأرض الإسلامية لما كان العالم يحكم بمنطق القوة العسكرية فحسب ولم يكونوا مضطرين إلى مثل هذه الأمور لولا أن مرجعيتهم الدينية تفرض عليهم هذا
الفرع الثاني : هو وجوب افتداء أسرى أهل الذمة من أيدي الأعداء ودفع الفدية لإخراجهم _ وللكن بعد إخراج أسرى المسلمين _

وقال ابن قدامة الحنبلي في الكافي :" وعلى الإمام حفظ أهل الذمة، ومنع من يقصدهم بأذى، من المسلمين والكفار، واستنقاذ من أسر منهم، بعد استنقاذ أسارى المسلمين، واسترجاع ما أخذ منهم؛ لأنهم بذلوا الجزية لحفظهم، وحفظ أموالهم، وإن أخذ منهم خمر، أو خنزير، لم يجب استرجاعه؛ لأنه محرم، لا يحل اقتناؤه. وإن أخذ منهم أهل الحرب مالا، ثم قدر عليه المسلمون، رد إليهم إذا علم به قبل القسمة، كمال المسلم. وحكم أموالهم في الضمان حكم أموال المسلمين"
وقال ابن مفلح في المبدع من كتب الفقه الحنبلي :" مَسْأَلَةٌ: إِذَا اشْتَرَاهُ مُسْلِمٌ بِإِذْنِهِ، لَزِمَهُ مَا اشْتَرَاهُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ كَنَائِبِهِ فِي شِرَاءِ نَفْسِهِ، وَكَذَا إِنْ كَانَ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، وَالْمُرَادُ: مَا لَمْ يَنْوِ التَّبَرُّعَ، فَلَوِ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الثَّمَنِ، قُدِّمَ قَوْلُ الْأَسِيرِ بِالْأَصْلِ، وَيَجِبُ فِدَاءُ أُسَارَى الْمُسْلِمِينَ مَعَ الْإِمْكَانِ؛ لِقَوْلِهِ: وَفُكُّوا الْعَانِيَ، وَكَذَا شِرَاءُ أَسْرَى أَهْلِ الذِّمَّةِ، وَقَالَهُ الْخِرَقِيُّ، لِأَنَّا قَدِ الْتَزَمْنَا حِفْظَهُمْ بِأَخْذِ جِزْيَتِهِمْ، فَلَزِمَنَا الدَّفْعُ مِنْ وَرَائِهِمْ"
وقد طبق عذا عملياً شيخ الإسلام ابن تيمية في قصة مشهورة معروفة ، والفقهاء ما فرقوا بين ما استفيد منه القتال وما لم يستفد منه
قال شيخ الإسلام :
: وَقَدْ عَرَفَ النَّصَارَى كُلُّهُمْ أَنِّي لَمَّا خَاطَبْت التَّتَارَ فِي إطْلَاقِ الْأَسْرَى وَأَطْلَقَهُمْ غازان وقطلو شاه وَخَاطَبْت مَوْلَايَ فِيهِمْ فَسَمَحَ بِإِطْلَاقِ الْمُسْلِمِينَ. قَالَ لِي: لَكِنَّ مَعَنَا نَصَارَى أَخَذْنَاهُمْ مِنْ الْقُدْسِ فَهَؤُلَاءِ لَا يُطْلِقُونَ. فَقُلْت لَهُ: بَلْ جَمِيعُ مَنْ مَعَك مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى الَّذِينَ هُمْ أَهْلُ ذِمَّتِنَا؛ فَإِنَّا نُفْتِكَهُمْ وَلَا نَدَعُ أَسِيرًا لَا مِنْ أَهْلِ الْمِلَّةِ وَلَا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ. وَأَطْلَقْنَا مِنْ النَّصَارَى مَنْ شَاءَ اللَّهُ. فَهَذَا عَمَلُنَا وَإِحْسَانُنَا وَالْجَزَاءُ عَلَى اللَّهِ)) [((مجموع الفتاو) (28/616)]
والسؤال / ما الذي يضطر المسلمين لهذا ولماذا خص أهل الذمة بأحكام وكذلك أهل الذمة من أهل الكتاب بمعاملة خاصة
فيقال: هذا نظر الطوفي في هذا كتابه الانتصارات الإسلامية فاستشف أن هذا يصلح في دلائل النبوة لأن النبي صلى الله عليه وسلم لو كان ملكاً لفتك بكل أعدائه خصوصاً أخطر الناس عليه من أهل العلم من أهل الكتاب ، ولكن هذه ثقة المحق ففي القرآن الأمر بمخاطبة أهل الكتاب باللتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم والنبي صلى الله عليه وسلم كان يجيب على أسئلتهم وسورة الكهف كلها كانت أجوبة على أسئلة أحبار لقنوها للمشركين من العلم الخاص الذي لا يعرفه إلا الخاصة وفي القرآن الدفاع عن عيسى وأمه مريم وسليمان وموسى وهؤلاء لا تجمعهم بالنبي صلى الله عليه وسلم قرابة خاصة
ونحن نقر أن في الدولة الإسلامية لا يعامل الذمي كما يعامل المسلم من كل الأوجه ولكن دمه مصان وله دية _ وإن كان لا يقتل به المسلم في القتل الجنائي واما الغيلة فخلاف والحرابة خلاف _ وعرضه مصان ومن قذفه بلا بينة يحاسب وماله مصان فلا يؤخذ منه أكثر من الجزية على التفصيل المعروف فيمن تؤخذ منه الجزية ومن لا تؤخذ
فهذه دولة مبنية على الدين وعلى ربط المسلمين جميعاً برابطة الأخوة الإسلامية أخوة تتجاوز الأنساب وتتجاوز الحدود الجغرافية
وأما اليوم فيسود المفهوم الوطني بناءاً على حدود رسمتها جهات خارجية وليست الشعوب نفسها فجارك الذي يسكن من الجهة الأخرى من الحدود ليس مواطنك ولو كان بينه وبينك بضعة كيلو مترات وأما من يسكن على بعد أربعين أو خمسين كيلو متراً فهو أخ في المواطنة ما دام ذلك في ضمن الحدود التي لم نرسمها نحن !
وإذا دخل مواطن من بلد آخر إلى بلدك فإنه لا يأخذ حقوق المواطن من كل وجه وربما أخذت منه ضريبة إقامة مهما وقد رأيتهم يأخذونها من بعض الناس مع فرط حاجتهم وهذا لا يسمونه تمييزاً ضد الآخر فالقوانين الحالية تفرق بين المتماثلات بألفاظ رشيقة فحسب ، فعلى سبيل المثال لا يوجد فارق جوهري بين قانون إزدراء الأديان وقانون معاداة السامية فكلاهما قانون هدفه عدم إثارة استفزاز فئة معينة ، ولكننا نرى أحدهما مفعل والآخر يعتبر تفعيله رجعية وتقييداً للحريات !
وأما الأطروحة الإنسانية المطلقة فمع كونها محلقة وغير واقعية فلا يزال الناس يختلفون ويحصل بينهم تجاذب وتباعد نفسي بناءاً على اعتبارات مختلفة فالأديان جعلت هذا بناءاً على أساس اختياري والجاهليات جعلتها بناءاً على أساس اضطراري كالعرق والنسب والقبيلة ونظيراتها
والأطروحة الإنسانية ضعيفة وغير واقعية في مواجهة المد المادي بل نراها في كثير من الأحيان محصورة في المطالبة بأمور معينة تخالف الأديان والأعراف ولكنها أمام الجشع المادي الذي يسود العالم ضعيفة بل في الواقع الطرف الواحد تجده يضع القوانين ذات الصبغة الإنسانية ظاهراً وإذا جئت إلى التطبيق ترى فيه سيادة المادية ظاهرة والإنسان الضعيف مسحوق
وتبقى لفتة تتعلق بأمر الأسرى عند المسلمين أنفسهم
قال تعالى : (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا)
قال الطبري في تفسيره حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة (وأسِيرًا) قال: كان أسراهم يومئذ المشرك، وأخوك المسلم أحقّ أن تطعمه.
قال: ثنا المعتمر، عن أبيه، عن أبي عمرو أن عكرِمة قال في قوله: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا) زعم أنه قال: كان الأسرى في ذلك الزمان المشرك.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا حماد بن مسعدة، قال: ثنا أشعث، عن الحسن (وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا) قال: ما كان أسراهم إلا المشركين.
قتادة وعكرمة والحسن من كبار المفسرين في زمن التابعين وهم تلاميذ الصحابة
والتعامل مع الأسير يختلف بحسب حال الأسير ولكن هذا يفعل للتألف فيمن يرجى خيره
قال البغوي في شرح السنة :" فأما تحريق الكافر بعد ما وقع في الأسر ، وتحريق
المرتد ، فذهب عامتهم إلى أنه لا يجوز ، إنما يقتله بحز الرقبة ، لما روي
عن حمزة الأسلمي أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أمره على سرية ، وقال : إن
وجدتم فلانا فأحرقوه بالنار ، فوليت فناداني ، فرجعت إليه ،
فقال : " إن وجدتم فلانا ، فاقتلوه ، ولا تحرقوه ، فإنه لا يعذب بالنار إلا
رب النار "
قال ابن قدامة في المغني :" أَمَّا الْعَدُوُّ إذَا قُدِرَ عَلَيْهِ، فَلَا يَجُوزُ تَحْرِيقُهُ بِالنَّارِ، بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ"
وكل ما يخالف هذا إما لا يثبت أو خولف بالاتفاق والأدلة ومن الناس من خلط بين فرعين فقهيين وهما أن يكون رجل مسلم أو كافر يعيش تحت حكم المسلمين ثم قتل شخصاً آخر عمداً بطريقة ما فالأصل أنه يقتل بالطريقة نفسها واختلفوا في الطرق التي وقع نهي كالحرق مثلاً
وأما أسير الحرب فحكمه يختلف عن حكم القصاص فلو كانت تنطبق عليه أحكام القصاص لما جاز للإمام أن يمن عليه ويتركه أو يفادي به فأمر القصاص متروك لأولياء الميت وأما أمر الأسير فمتروك لولي الأمر ينظر فيه باجتهاده بحسب ضوابط ذكرها الفقهاء
واتفق الناس أن الكافر لو قتل ألف ألف مسلم ثم جاء تائباً قبل أن يقدر عليه فإنه قد عصم دمه بهذا
ولكن لو كان تحت حكم المسلمين وقتل شخصاً عمداً في غير حرب ثم تمكن منه فإنه لا يجدي إسلامه في إزالة هذه الجناية فهناك فرق فقهي دقيق بين المسألتين خلط بينهما بعض الناس مع الأسف

وأما الفرع الثالث : فقال قال الشيرازي الشافعي في المهذب :" فإن تترسوا بأطفالهم ونسائهم فإن كان في حال التحام الحرب جاز رميهم ويتوقى الأطفال والنساء لأنا لو تركنا رميهم جعل ذلك طريقاً إلى تعطيل الجهاد وذريعة إلى الظفر بالمسلمين وإن كان في غير حال الحرب ففيه قولان: أحدهما: أنه يجوز رميهم لأن ترك قتالهم يؤدي إلى تعطيل الجهاد والثاني: أنه لا يجوز رميهم لأنه يؤدي إلى قتل أطفالهم ونسائهم من غير ضرورة وإن تترسوا بمن معهم من أسارى المسلمين فإن كان ذلك في حال التحام الحرب جاز رميهم ويتوقى المسلم لما ذكرناه وإن كان في غير التحام الحرب لم يجوز رميهم قولا واحدا والفرق بينهم وبين أطفالهم ونسائهم أن المسلم محقون الدم لحرمة الدين فلم يجز قتله من غير ضرورة والأطفال والنساء حقن دمهم لأنهم غنيمة للمسلمين فجاز قتلهم من غير ضرورة وإن تترسوا بأهل الذمة أو بمن بيننا وبينهم أمان كان الحكم فيه كالحكم فيه إذا تترسوا بالمسلمين لأنه يحرم قتلهم كما يحرم قتل المسلمين"

هنا الشيرازي _ وهو رجل جهمي أشعري ولكنه بنقل كلام فقهاء مذهبه _ يطرح مسألة التترس والتي لم تكن معروفة عند المتقدمين لأنه سلوك اتبعه الروم بعدما فهموا أخلاقيات المسلمين وأنهم لا يقتلون النساء والأطفال فصاروا في المعركة يضعون النساء والأطفال في الواجهة فيكف المسلمون عن التقدم فيقوم الروم برمي النبال على المسلمين من خلف الأطفال والنساء ثم الهجوم عليهم

لاحظ أنه قال بأنه يجوز الهجوم والحال هذه في حال الالتحام يعني في غير حال الالتحام لا يجوز

ثم ذكر أنه يجب اتقاء النساء والأطفال قدر المستطاع

ثم ذكر بعده فرعاً آخر وهو ما إذا تترسوا بمن عندهم من المسلمين وذكر اختلاف الشافعية في ذلك فمنهم من منع مطلقاً

ثم ذكر إذا تترسوا بأهل الذمة وأهل العهد فذكر أن حكمهم كحكم المسلمين تماماً وهذه اللفتة العظيمة التي أردت التنبيه عليها

وقال ابن قدامة في المغني :" وَلِأَنَّ حُقُوقَ الذِّمِّيَّةِ فِي النِّكَاحِ كَحُقُوقِ الْمُسْلِمَةِ، فَكَذَلِكَ فِيمَا عَلَيْهَا"

وحقوق المسلمة المعروفة المهر والنفقة والكسوة وأن يبقى ينفق عليها طوال مدة العدة لو حصل طلاق وطوال مدة الحمل حتى لو انفصلا وكذا الكسوة وأنه لو حلف ألا يطأها أكثر من أربعة أشهر يوقفه القاضي فإما أن يطلق أو يرجع عن يمينه وأنه لو حصل فراق وأرضعت الولد فإنه يعطيها أجرة الرضاع ولا يضرب وجهها وغيرها من الحقوق

ولا يختلف الفقهاء أن من قذف ذمية عفيفة أنه يعزر بعقوبة تردعه وذهب عمر بن الخطاب واختاره أحمد وإسحاق أنه يقام عليه الحد إذا كان لها ولد مسلم أو زوج مسلم والحد فوق التعزير

ومن أخلاقيات المسلمين في الحرب ما قال الكيا هراسي الشافعي في كتابه أحكام القرآن :" قوله تعالى: (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا) أبان به بأن كفر الكافر لا يمنع من العدل عليهم، وأن يقتصر بهم على المستحق من القتل والأسر، وأن المثلة بهم غير جائزة، وإن قتلوا نساءنا وأطفالنا وغمرنا بذلك، فليس لنا أن نقابلهم بمثله قصدا لإيصال الغم والحزن إليهم، وإليه أشار عبد الله بن رواحة في القصة المشهورة بقوله: «حبي له وبغضي لكم لا يمنعني من أن أعدل فيكم»"

فهنا يصرح بأنه لا يجوز قتل أطفال المشركين ونساءهم ولو فعلوا ذلك بنا

وهذا كتقرير ابن تيمية أن الرجل لو سب أباك لا يجوز أن تسب أباه فإنه لا ذنب له وإنما يباح لك الرد عليه والترك أفضل

وأما المعاقبة بمثل ما عوقبنا به فهذا حين يقع الرد على الجاني نفسه لا على مصاني الدم

والآية ( فإن عوقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ) نزلت في المثلة حين مثلوا بجثث الصحابة في أحد فقطعوا أعضاءهم التناسلية وبقروا بطونهم فأراد النبي صلى الله عليه وسلم الانتقام فأنزل الله الآية وفيها (وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ)

ولا يختلف المفسرون أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه اختاروا الصبر وهناك فرق بين أن يقتل القاتل المحارب ويفعل به كما فعل بالمسلمين بعد قتله وبين أن نقتل من دمه حرام أصلاً كالنساء والأطفال

وقد قدمنا في منشور سابق أن الأسير حكمه يختلف عن حكم الذي في المعركة

وقد قال تعالى : (وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا)

ومعنى الإسراف في القتل أن يقتل غير القاتل اتفاقاً

وهنا تنبيه : أن إدانتنا لما يفعله بعض المسلمين أو المنتسبين للملة لا يعني التغاضي عن جرائم أرباب النظام العالمي الجديد فالذين قتلوا في هوريشيما وناكازاكي لم يكونوا مقاتلين وكذا الهنود الحمر ومن قتل في حرب فييتنام وكذا حرب العراق التي بنيت على كذبة عظيمة وكذا ما يفعل في غزة وغيرها وفي افريقيا الوسطى وفي الروهينجا وتركستان لم نعلق علم أي واحدة من هذه الدول وإنما علقنا علم بلد استعماري لأجل قتل مجموعة من الناس قليلة في حادث غامض ، بلغني أن ألمانيا تدفع تعويضات لليهود بسبب ما أصابهم من الضرر من هتلر وضحاياهم لا يقارنون عدداً بضحايا الاستعمار الحديث في البلدان العربية يبدو أن بعض الدماء أنفس من بعض

أما إن الرجل الأبيض الذي يرى تفوقه عليك حتمية جينية لا تتخلف معذور بهذه النظرة بعض العذر ، ولكن ما عذرنا نحن تجاه أخوة لنا وإن لم تكن أعينهم زرقاء أو كانوا من البيض فهم إخواننا بكلمة الله شئنا أم أبينا في حجة الوداع أوصانا النبي الأمي عليهم وأوصاهم علينا

فإننا لله وإنا إليه راجعون




الفرع الذي يليه : تحريم الغدر وحكم الأمان

قال القرافي في الذخيرة (3/443) :" وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {وأوفوا بالعهد إِن الْعَهْد كَانَ مسؤلا} الْإِسْرَاء 24
وَقَوله عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْمُسلمُونَ تَتَكَافَأ دِمَاؤُهُمْ وَيُجِير عَلَيْهِم أَدْنَاهُم وَيرد عَلَيْهِم أَقْصَاهُم وهم يَد على من سواهُم وَفِي الْمُوَطَّأِ كَتَبَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى عَامِلِهِ أَنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ رِجَالًا مِنْكُمْ يَطْلُبُونَ الْعِلْجَ حَتَّى إِذَا اشْتَدَّ فِي الْجَبَلِ وَامْتَنَعَ قَالَ رَجُلٌ مَطْرَسْ يَقُولُ لَهُ لَا تَخَفْ فَإِذَا أَدْرَكَهُ قَتَلَهُ وَإِنِّي وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا أَعْلَمُ مَكَانَ أَحَدٍ فَعَلَ ذَلِكَ إِلَّا ضَرَبْتُ عُنُقَهُ"

فهذا الحكم أنك إذا قلت لعدو متحصن في الحرب لا تخف فخرج من الحصن فقتلته فهذا غدر وكان عمر يقتل في ذلك

وقد ورد في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ( المسلمون يسعى بذمتهم أدناهم )

وقد فهم الفقهاء من هذا أنه يجوز أمان حتى المرأة ( والتي تقاتل بطبيعة الحال ) والصبي إذا كان عاقلاً

جاء في الذخيرة للقرافي :" وَفِي الْكِتَابِ أَمَانُ الْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ وَالصَّبِيِّ إِذَا عَقَلَ الْأَمَانَ جَائِزٌ وَقَالَهُ ش وَقَالَ غَيْرُهُ يَتَخَيَّرُ الْإِمَامُ بَيْنَ الْإِمْضَاءِ وَالرَّدِّ إِلَى الْمَأْمَنِ لِأَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَتَبَ إِلَى سُفْيَانَ بْنِ عَامِرٍ وَهُوَ يُحَاصِرُ قَيْسَارِيَّةَ مَنْ أَمَّنَ مِنْكُمْ حُرٌّ أَوْ عَبْدٌ أَحَدًا مَنْ عَدُوِّكُمْ فَهُوَ آمِنٌ إِلَى أَنْ يُرَدَّ إِلَى مَأْمَنِهِ أَوْ يُقِيمَ فَيَكُونَ عَلَى الْحُكْمِ فِي الْحُرِّيَّةِ"

قال ابن قدامة المقدسي في المغني :" (7478) مَسْأَلَة قَالَ: (وَمَنْ أَعْطَاهُمْ الْأَمَانَ مِنَّا؛ مِنْ رَجُلٍ، أَوْ امْرَأَةٍ، أَوْ عَبْدٍ، جَازَ أَمَانُهُ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الْأَمَانَ إذَا أُعْطِيَ أَهْلَ الْحَرْبِ، حَرُمَ قَتْلُهُمْ وَمَالُهُمْ وَالتَّعَرُّضُ لَهُمْ. وَيَصِحُّ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ بَالِغٍ عَاقِلٍ مُخْتَارٍ، ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا. وَبِهَذَا قَالَ الثَّوْرِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَابْنُ الْقَاسِمِ، وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ.
وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَبُو يُوسُفَ: لَا يَصِحُّ أَمَانُ الْعَبْدِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ مَأْذُونًا لَهُ فِي الْقِتَالِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْجِهَادُ، فَلَا يَصِحُّ أَمَانُهُ، كَالصَّبِيِّ، وَلِأَنَّهُ مَجْلُوبٌ مِنْ دَارِ الْكُفْرِ، فَلَا يُؤْمَنُ أَنْ يَنْظُرَ لَهُمْ فِي تَقْدِيمِ مَصْلَحَتِهِمْ. وَلَنَا، مَا رُوِيَ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أَنَّهُ قَالَ: «ذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ، يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ، فَمَنْ أَخْفَرَ مُسْلِمًا، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلَا عَدْلٌ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
وَرَوَى فُضَيْلٍ بْنُ يَزِيدَ الرَّقَاشِيُّ، قَالَ: جَهَّزَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ جَيْشًا، فَكُنْت فِيهِ، فَحَصَرْنَا مَوْضِعًا، فَرَأَيْنَا أَنَّا سَنَفْتَحُهَا الْيَوْمَ، وَجَعَلْنَا نُقْبِلُ وَنَرُوحُ، فَبَقِيَ عَبْدٌ مِنَّا، فَرَاطَنَهُمْ وَرَاطَنُوهُ، فَكَتَبَ لَهُمْ الْأَمَانَ فِي صَحِيفَةٍ، وَشَدَّهَا عَلَى سَهْمٍ، وَرَمَى بِهَا إلَيْهِمْ، فَأَخَذُوهَا، وَخَرَجُوا، فَكُتِبَ بِذَلِكَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَقَالَ: الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، ذِمَّتُهُ ذِمَّتُهُمْ. رَوَاهُ سَعِيدٌ.
وَلِأَنَّهُ مُسْلِمٌ مُكَلَّفٌ، فَصَحَّ أَمَانُهُ، كَالْحُرِّ. وَمَا ذَكَرُوهُ مِنْ التُّهْمَةِ يَبْطُلُ بِمَا إذَا أُذِنَ لَهُ الْقِتَالِ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ أَمَانُهُ، وَبِالْمَرْأَةِ، فَإِنَّ أَمَانَهَا يَصِحُّ، فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا"

وهنا لفتة لأهل الأذهان النيرة ، كيف يمكن أن نثق بأمان أو عهد رجل لا يؤمن بالله واليوم الآخر بل كيف نقبل يمينه في الشهادة وهو لا يؤمن بقوة أعلى منه تصيبه بالعقوبة إذا حنث في القسم

وهذه قوانين الأمم المتحدة في الحرب نجد أول من ينقضها ويستخدم الأسلحة المحرمة أو يخالف اتفاقية جنيف مع الأسرى هم الدول الحاملة لحق الفيتو وما شأن العراق عنا ببعيد والذي يحصل في سوريا اليوم من الروس يراه كل أحد

ومن مفارقات القوى العلمانية أنهم يقسمون بالله العظيم على الحفاظ على تنحية شرع الله العظيم !

قال ابن أبي شيبة في المصنف [34084]:
حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ:
حاصَرْنَا تُسْتَرَ، فَنَزَلَ الْهُرْمُزَانُ عَلَى حُكْمِ عُمَرَ , فَبَعَثَ بِهِ أَبُو مُوسَى مَعِيَ، فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى عُمَرَ سَكَتَ الْهُرْمُزَانُ فَلَمْ يَتَكَلَّمْ، فَقَالَ عُمَرُ: تَكَلَّمْ.
فَقَالَ: كَلاَمُ حَيٍّ، أَوْ كَلاَمُ مَيِّتٍ؟
قَالَ: فَتَكَلَّمْ فَلاَ بَأْسَ، فَقَالَ: إِنَّا وَإِيَّاكُمْ مَعْشَرَ الْعَرَبِ مَا خَلَّى اللَّهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ، كُنَّا نَقْتُلُكُمْ وَنُقْصِيكُمْ , فَأَمَا إِذْ كَانَ اللَّهُ مَعَكُمْ لَمْ يَكُنْ لَنَا بِكُمْ يَدَانِ.

قَالَ: فَقَالَ عُمَرُ: مَا تَقُولُ يَا أَنَسُ؟ قَالَ: قُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ , تَرَكْتُ خَلْفِي شَوْكَةً شَدِيدَةً، وَعَدَدًا كَثِيرًا , إِنْ قَتَلْتُهُ أَيِسَ الْقَوْمُ مِنَ الْحَيَاةِ , وَكَانَ أَشَدَّ لِشَوْكَتِهِمْ , وَإِنِ اسْتَحْيَيْته طَمِعَ الْقَوْمُ.
فَقَالَ: يَا أَنَسُ، أَسْتَحْيِي قَاتِلَ الْبَرَاءِ بْنِ مَالِكٍ، وَمَجْزَأَة بْنِ ثَوْرٍ؟ فَلَمَّا خَشِيتُ أَنْ يَبْسُطَ عَلَيْهِ، قُلْتُ لَهُ: لَيْسَ لَكَ إِلَى قَتْلِهِ سَبِيلٌ، فَقَالَ عُمَرُ: لِمَ؟ أَعْطَاك؟ أَصَبْتَ مِنْهُ؟
قُلْتُ: مَا فَعَلْتُ، وَلَكِنَّك قُلْتَ لَهُ: تَكَلَّمْ فَلاَ بَأْسَ، فَقَالَ: لَتَجِيئَنَّ بِمَنْ يَشْهَدُ مَعَكَ، أَوْ لأَبْدَأَن بِعُقُوبَتِكَ.
قَالَ: فَخَرَجْتُ مِنْ عِنْدِهِ، فَإِذَا بِالزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ قَدْ حَفِظَ مَا حَفِظْتُ , فَشَهِدَ عِنْدَهُ فَتَرَكَهُ , وَأَسْلَمَ الْهُرْمُزَانُ، وَفُرِضَ لَهُ
هذا أثر عظيم بسند صحيح وموطن الشاهد منه أن عمر احترم كلمة الأمان التي أعطاها للهرمزان الفارسي

وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ عَاصِمِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ فُضَيْلٍ بْنِ يَزِيدَ الرَّقَاشِيُّ، قَالَ: شَهِدْت قَرْيَةً مِنْ قُرَى فَارِسَ، يُقَالُ لَهَا: شَاهِرْنَا1، فَحَاصَرْنَاهَا شَهْرًا، حَتَّى إذَا كُنَّا ذَاتَ يَوْمٍ وَطَمِعْنَا أَنْ نُصَبِّحَهُمْ، انْصَرَفْنَا عَنْهُمْ عِنْدَ الْمَقْتَلِ، فَتَخَلَّفَ عَبْدٌ مِنَّا، فَاسْتَأْمَنُوهُ، فَكَتَبَ إلَيْهِمْ فِي سَهْمٍ أَمَانًا، ثُمَّ رَمَى بِهِ إلَيْهِمْ، فَلَمَّا رَجَعْنَا إلَيْهِمْ خَرَجُوا فِي ثِيَابِهِمْ، وَوَضَعُوا أَسْلِحَتَهُمْ، فَقُلْنَا: مَا شَأْنُكُمْ؟ فَقَالُوا: أَمَّنْتُمُونَا، وَأَخْرَجُوا إلَيْنَا السَّهْمَ، فِيهِ كِتَابُ أَمَانِهِمْ، فَقُلْنَا: هَذَا عَبْدٌ، وَالْعَبْدُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ، قَالُوا: لَا نَدْرِي عَبْدَكُمْ مِنْ حُرِّكُمْ، وَقَدْ خَرَجْنَا بِأَمَانٍ، فَكَتَبْنَا إلَى عُمَرَ، فَكَتَبَ عُمَرُ: إنَّ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَأَمَانُهُ أَمَانُهُمْ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ"

الفرع الذي يليه : حكم عقر دواب المشركين وإتلاف أشجارهم بغير حاجة

قال البهوتي في دقائق أولي النهى :" (وَ) يَجُوزُ (أَخْذُ شَهْدٍ بِحَيْثُ لَا يُتْرَكُ لِلنَّحْلِ مِنْهُ شَيْء) لِأَنَّهُ مِنْ الطَّعَامِ الْمُبَاحِ، وَهَلَاكُ النَّحْلِ بِأَخْذِ جَمِيعِهِ يَحْصُلُ ضِمْنًا لَا قَصْدًا.
وَ (لَا) يَجُوزُ (حَرْقُهُ) أَيْ النَّحْلِ (أَوْ تَغْرِيقُهُ) لِقَوْلِ الصِّدِّيقِ لِيَزِيدَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ حِينَ بَعَثَهُ أَمِيرًا عَلَى الْقِتَالِ بِالشَّامِ (وَلَا تَحْرِقَنَّ نَحْلًا وَلَا تُغْرِقَنَّهُ) أَوْ عَقْرُ دَابَّةٍ وَلَوْ لِغَيْرِ قِتَالٍ (كَبَقَرٍ وَغَنَمٍ) فَلَا يَجُوزُ (إلَّا لِحَاجَةِ أَكْلٍ) خِفْنَا أَخْذَهُمْ لَهَا أَوْ لَا. لِقَوْلِ الصِّدِّيقِ لِيَزِيدَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ " وَلَا تَحْرِقَنَّ شَجَرًا مُثْمِرًا وَلَا دَابَّةً عَجْمَاءَ، وَلَا شَاةً إلَّا لِمَأْكَلَةٍ " فَإِنْ كَانَ الْحَيَوَانُ لَا يُرَادُ إلَّا لِأَكْلٍ كَدَجَاجٍ وَحَمَامٍ وَصُيُودٍ فَحُكْمُهُ كَالطَّعَامِ (وَلَا) يَجُوزُ (إتْلَافُ شَجَرٍ، أَوْ زَرْعٍ يَضُرُّ) إتْلَافُهُ (بِنَا) لِأَنَّهُ إضْرَارٌ بِالْمُسْلِمِينَ. فَإِنْ لَمْ يَضُرَّ بِنَا، أَوْ لَمْ نَقْدِرْ عَلَيْهِمْ إلَّا بِهِ كَقَرِيبٍ مِنْ حُصُونِهِمْ يَمْنَعُ قِتَالَهُمْ أَوْ يَسْتَتِرُونَ بِهِ، أَوْ يَحْتَاجُ إلَى قَطْعِهِ لِتَوْسِعَةِ طَرِيقٍ، أَوْ كَانُوا يَفْعَلُونَهُ بِنَا، جَازَ قَطْعُهُ.
(وَلَا) يَجُوزُ (قَتْلُ صَبِيٍّ وَلَا أُنْثَى وَلَا خُنْثَى، وَلَا رَاهِبٍ، وَلَا شَيْخٍ فَانٍ، وَلَا زَمِنٍ، وَلَا أَعْمَى. لَا رَأْيَ لَهُمْ وَلَمْ يُقَاتِلُوا، أَوْ يُحَرِّضُوا) عَلَى قِتَالٍ. لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا «نُهِيَ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ"

ومثله في عدد من كتب المذهب الحنبلي

والفرع السابع : السماح بالاتجار للمحاربين

والمحارب هو من ينتمي لقوم بينهم وبين المسلمين حرب

قال ابن قدامة في المغني :" (7491) وَإِذَا دَخَلَ حَرْبِيٌّ دَارَ الْإِسْلَامِ بِغَيْرِ أَمَانٍ، نَظَرْت؛ فَإِنْ كَانَ مَعَهُ مَتَاعٌ يَبِيعُهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، وَقَدْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِدُخُولِهِمْ إلَيْنَا تُجَّارًا بِغَيْرِ أَمَانٍ، لَمْ يُعْرَضْ لَهُمْ. وَقَالَ أَحْمَدُ: إذَا رَكِبَ الْقَوْمُ فِي الْبَحْرِ، فَاسْتَقْبَلَهُمْ فِيهِ تُجَّارٌ مُشْرِكُونَ مِنْ أَرْضِ الْعَدُوِّ يُرِيدُونَ بِلَادَ الْإِسْلَامِ، لَمْ يَعْرِضُوا لَهُمْ، وَلَمْ يُقَاتِلُوهُمْ، وَكُلُّ مَنْ دَخَلَ بِلَادَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ بِتِجَارَةٍ، بُويِعَ، وَلَمْ يُسْأَلْ عَنْ شَيْءٍ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَعَهُ تِجَارَةٌ"

فلاحظ في التاجر أنه لا يشترط الأمان

والفرع الثامن : ألا يقام على أهل الذمة حد إلا فيما يحرمونه

قال البهوتي في شرح منتهى الإيرادات :" (يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ أَخْذُهُمْ بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ فِي نَفْسٍ وَمَالٍ وَعِرْضٍ وَ) فِي (إقَامَةِ حَدٍّ فِيمَا يُحَرِّمُونَهُ) أَيْ يَعْتَقِدُونَ تَحْرِيمَهُ (كَزِنًا) فَمَنْ قَتَلَ وَقَطَعَ طَرَفًا أَوْ تَعَدَّى عَلَى مَالٍ، أَوْ قَذَفَ أَوَسَبَّ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا أَخَذَ بِذَلِكَ. وَكَذَا لَوْ سَرَقَ أُقِيمَ عَلَيْهِ حَدُّهُ بِشَرْطِهِ.
لِحَدِيثِ أَنَسٍ «أَنَّ يَهُودِيًّا قَتَلَ جَارِيَةً عَلَى أَوْضَاحٍ لَهُ فَقَتَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِيَهُودِيَّيْنِ قَدْ فَجَرَا بَعْدَ إحْصَانِهِمَا فَرَجَمَهُمَا» ، وَقِيسَ الْبَاقِي ; وَلِأَنَّهُمْ الْتَزَمُوا حُكْمَ الْإِسْلَامِ، وَهَذِهِ أَحْكَامُهُ. وَ (لَا) يُحَدُّونَ (فِيمَا يُحِلُّونَهُ) أَيْ يَعْتَقِدُونَ حِلَّهُ (كَخَمْرٍ) وَأَكْلِ خِنْزِيرٍ وَنِكَاحِ ذَاتِ مَحْرَمٍ، لِأَنَّهُمْ يُقَرُّونَ عَلَى كُفْرِهِمْ وَهُوَ أَعْظَمُ جُرْمًا وَإِثْمًا مِنْ ذَلِكَ إلَّا أَنَّهُمْ يُمْنَعُونَ مِنْ إظْهَارِهِ كَمَا يَأْتِي لِتَأَذِّينَا بِهِ"

قارن هذا كله بما حصل في الحروب الصليبية ومحاكم التفتيش بل بما يحصل اليوم وما نراه في بورما وافريقيا الوسطي والعراق وسوريا وغيرها

بل عدد من الدول الأوروبية تفرض على المقيمين فيها من أهل الإسلام مخالفة قيمهم الدينية المتعلقة بلباس النساء مع موافقتها حتى لكتبهم المقدسة

ونحن نعبد الله ونسير مع إرادته ولا نستبدل عبادته بعبادة الرجل الأبيض

وهنا عدة أسئلة

السؤال الأول : هل كان المسلمون قادرون في حال قوتهم أن يقتلوا جميع أهل الكتاب والمجوس ويأخذوا أموالهم أو يأخذوا الأموال كلها ويأخذوا النساء وكانوا قادرين على أن يجعلوا الجزية أكبر وكانوا قادرين على أخذها من كل الناس نساءاً وأطفالاً وشيوخاً وإلزام الرجل أن يدفع جزية بقدر عدد عائلته وكانوا قادرين على أن يأخذوا محصول الأرض على الأقل مناصفة وكانوا قادرين على ألا يلزموا أنفسهم بأن يجعلوا لأهل الذمة قيمة في أن تكون أموالهم وأعراضهم ودماؤهم مصانة وكانوا قادرين على ألا يوجبوا على أنفسهم افتداءهم وأن يحتفظوا بالمال لهم وكانوا قادرين على ألا يلتزموا بالعهود خصوصاً وأن اليهود والنصارى في كل تاريخهم مع المسلمين لم يتعاملوا مع المسلمين بهذه النفسية فما الذي حملهم على كل هذا ؟

السؤال الثاني : لماذا تغيب هذه الفروع عن واجهة الإعلام ويجهلها أكثر المسلمين ؟

السؤال الثالث : لعل حتى الملحد استحسن بعض هذه الأحكام ولكن لماذا نستحسنها ولا يوجد لهذا الاستحسان تفسير مادي فما الفائدة المادية المرجوة من مراعاة أهل الذمة

محبتنا للعديد من الأفعال التي ليس فيها مصلحة مادية تدل على فطرة أودعها الله في قلوبنا لا يمكن أن تفسر بأي نظرية علمية وما أودع الله فيك هذه الفطرة ليتركك هملاً بلا حساب ولا عقاب ولا ثواب

السؤال الأخير : لماذا لا تذكر هذه الأمور في الخطاب العلماني حتى مع نقد غيرها ؟

ونجدهم حين الكلام على الغرب يتناسون كيف قامت هذه الدول وتاريخها الاستعماري وما فعلوه بالسكان الأصليين للبلدان التي احتلوها

وحتى بلايا التاريخ الحديث يتم اجتنابها تماماً ولا تذكر إلا المحاسن التي يرونها

وهناك فروع أخرى أتركها اختصاراً من أهمها أن الجزية لا تؤخذ من النساء والأطفال اتفاقاً

قال أبو عبيد القاسم بن سلام في كتابه الأموال 119 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، عَنْ جِسْرٍ أَبِي جَعْفَرٍ [ص:57]، قَالَ: شَهِدْتُ كِتَابَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى عَدِيِّ بْنِ أَرْطَاةَ، قُرِئَ عَلَيْنَا بِالْبَصْرَةِ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ إِنَّمَا أَمَرَ أَنْ تُؤْخَذَ الْجِزْيَةُ مِمَّنْ رَغِبَ عَنِ الْإِسْلَامِ وَاخْتَارَ الْكُفْرَ عِتِيًّا وَخُسْرَانًا مُبِينًا، فَضَعِ الْجِزْيَةَ عَلَى مَنْ أَطَاقَ حَمْلَهَا وَخَلِّ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ عِمَارَةِ الْأَرْضِ، فَإِنَّ فِي ذَلِكَ صَلَاحًا لِمَعَاشِ الْمُسْلِمِينَ وَقُوَّةً عَلَى عَدُوِّهِمْ، وَانْظُرْ مِنْ قِبَلِكَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ قَدْ كَبِرَتْ سِنُّهُ، وَضَعُفَتْ قُوَّتُهُ، وَوَلَّتْ عَنْهُ الْمَكَاسِبُ، فَأَجْرِ عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ مَا يُصْلِحُهُ، فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ كَانَ لَهُ مَمْلُوكٌ كَبِرَتْ سِنُّهُ وَضَعُفَتْ قُوَّتُهُ وَوَلَّتْ عَنْهُ الْمَكَاسِبُ كَانَ مِنَ الْحَقِّ عَلَيْهِ أَنْ يَقُوتَهُ حَتَّى يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا مَوْتٌ أَوْ عِتْقٌ، وَذَلِكَ أَنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ مَرَّ بِشَيْخٍ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ يَسْأَلُ عَلَى أَبْوَابِ النَّاسِ، فَقَالَ: «مَا أَنْصَفْنَاكَ، أَنْ كُنَّا أَخَذْنَا مِنْكَ الْجِزْيَةَ فِي شَبِيبَتِكَ ثُمَّ ضَيَّعْنَاكَ فِي كِبَرِكَ،» قَالَ: ثُمَّ أَجْرَى عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ مَا يُصْلِحُهُ.
تأمل هذه الرواية المؤثرة عن عمر بن عبد العزيز يوصي عامله بألا يفرض الجزية على الشيخ الكبير الفقير بل ويوصيه أن يعطيه من بيت مال المسلمين ويحتج بفعل عمر الأول عمر بن الخطاب ، فهذا نظام عالمي عادل يضمن فيه الخير للجميع ويهدى به الناس لمعرفة التوحيد ولكنه واقعي فالشر لا يقابل بالخطابات الإنسانية والنظام الذي يحكمنا الآن والذي قسم بلداننا وكان مشرفاً على تنحية الشريعة واستبدالها بالقوانين جاءنا بأبشع الطرق الوحشية ثم لما انتهوا مما أرادوا صاروا يتكلمون عن الإنسانية ومن الحين والآخر يقفز ذلك المستعمر من قلوبهم على المشهد ثم يعود ليختفي قليلاً وشتان بين هذه المعاملة التي في الأثر وبين محاكم التفتيش أو ما فعلوه في الاستعمارات الحديثة أو غيرها مما نعرف

قال ابن القيم في أحكام أهل الذمة :" 6 - فَصْلٌ
وَلَا يَحِلُّ تَكْلِيفُهُمْ مَا لَا يَقْدِرُونَ عَلَيْهِ، وَلَا تَعْذِيبُهُمْ عَلَى أَدَائِهَا وَلَا حَبْسُهُمْ وَضَرْبُهُمْ
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ، «وَعَنْ هِشَامِ بْنِ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ أَنَّهُ مَرَّ عَلَى قَوْمٍ يُعَذَّبُونَ فِي الْجِزْيَةِ بِفِلَسْطِينَ، فَقَالَ هِشَامٌ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: " إِنَّ اللَّهَ يُعَذِّبُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الَّذِينَ يُعَذِّبُونَ النَّاسَ فِي الدُّنْيَا» ".
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ «عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ: إِنَّ عِيَاضَ بْنَ غَنْمٍ رَأَى نَبَطًا يُشَمَّسُونَ فِي الْجِزْيَةِ فَقَالَ لِصَاحِبِهِمْ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: " إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يُعَذِّبُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الَّذِينَ يُعَذِّبُونَ النَّاسَ فِي الدُّنْيَا» "
وساق ابن القيم في ذلك أدلة كثيرة

وذهب الإمام أحمد إلى أن الفلاحين الذين لا يحسنون القتال لا تؤخذ منهم جزية أيضاً
قال ابن القيم في أحكام أهل الذمة :" وَأَمَّا الْفَلَّاحُونَ الَّذِينَ لَا يُقَاتِلُونَ وَالْحَرَّاثُونَ فَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنْ تُؤْخَذَ مِنْهُمُ الْجِزْيَةُ ; لِأَنَّهُمْ لَمْ يَسْتَثْنُوهُمْ مَعَ مَنِ اسْتُثْنِيَ، وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ لَا جِزْيَةَ عَلَيْهِمْ فَإِنَّهُ قَالَ: مَنْ أَطْبَقَ بَابَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَلَمْ يُقَاتِلْ لَمْ يُقْتَلْ وَلَا جِزْيَةَ عَلَيْهِ.
وَقَالَ فِي " الْمُغْنِي ": فَأَمَّا الْفَلَّاحُ الَّذِي لَا يُقَاتِلُ فَيَنْبَغِي أَلَّا يُقْتَلَ لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: اتَّقُوا اللَّهَ فِي الْفَلَّاحِينَ الَّذِينَ لَا يَنْصِبُونَ لَكُمْ فِي الْحَرْبِ.
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: لَا يُقْتَلُ الْحَرَّاثُ إِذَا عُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنَ الْمُقَاتِلَةِ"

أقول : ورجح ابن قدامة في المغني أنه لا جزية عليهم وتأمل قول عمر في أنه لا ينبغي التعرض لهم لأنهم لا ينصبون لكم الحرب
وأما الرهبان فالمعتزلون منهم لا يكلفون الجزية وأما الذين يخالطون الناس ويتخذون التجارة والصناعة فعليهم الجزية
وأما مقدار الجزية فقال ابن القيم في أحكام أهل الذمة :" وَقَدِ اخْتَلَفَ أَئِمَّةُ الْإِسْلَامِ فِي تَقْدِيرِ الْجِزْيَةِ، فَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَيُجْعَلُ عَلَى الْفَقِيرِ الْمُعْتَمِلِ دِينَارٌ، وَعَلَى الْمُتَوَسِّطِ دِينَارَانِ وَعَلَى الْغَنِيِّ أَرْبَعَةُ دَنَانِيرَ.
وَأَقَلُّ مَا يُؤْخَذُ دِينَارٌ وَأَكْثَرُهُ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ التَّرَاضِي، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ دِينَارٍ.
وَقَالَ أَصْحَابُ مَالِكٍ: أَكْثَرُ الْجِزْيَةِ أَرْبَعَةُ دَنَانِيرَ عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ، وَأَرْبَعُونَ دِرْهَمًا عَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ وَلَا يُزَادُ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ مِنْهُمْ ضَعِيفٌ خُفِّفَ عَنْهُ بِقَدْرِ مَا يَرَاهُ الْإِمَامُ.
وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يَنْقُصُ مِنْ فَرْضِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِمُعْسِرٍ وَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ لِغَنِيٍّ.
وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ: لَا حَدَّ لِأَقِلِّهَا قَالَ: وَقِيلَ أَقَلُّهَا دِينَارٌ أَوْ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ وَقَالَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى: يُوضَعُ عَلَى الْغَنِيِّ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ دِرْهَمًا، وَعَلَى الْمُتَوَسِّطِ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ، وَعَلَى الْفَقِيرِ اثْنَا عَشَرَ.
ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي حَدِّ الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ وَالْمُتَوَسِّطِ.
قَالُوا: وَالْمُخْتَارُ أَنْ يُنْظَرَ فِي كُلِّ بَلَدٍ إِلَى حَالِ أَهْلِهِ وَمَا يَعْتَبِرُونَهُ فِي ذَلِكَ فَإِنَّ عَادَةَ الْبِلَادِ فِي ذَلِكَ مُخْتَلِفَةٌ.
وَأَمَّا الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَقَدِ اخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ عَنْهُ، فَنَقَلَ أَكْثَرُ أَصْحَابِهِ عَنْهُ أَنَّهَا مُقَدَّرَةُ الْأَقَلِّ وَالْأَكْثَرِ، فَيُؤْخَذُ مِنَ الْفَقِيرِ الْمُعْتَمِلِ اثْنَا عَشَرَ دِرْهَمًا، وَمِنَ الْمُتَوَسِّطِ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ، وَمِنَ الْمُوسِرِ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ.
قَالَ حَرْبٌ فِي " مَسَائِلِهِ ": سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ قُلْتُ: خَرَاجُ الرُّءُوسِ إِذَا كَانَ الذِّمِّيُّ غَنِيًّا؟ قَالَ: ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ دِرْهَمًا، قُلْتُ: فَإِنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ؟ قَالَ: أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ، قُلْتُ: فَإِنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ؟ قَالَ: اثْنَا عَشَرَ، قُلْتُ: فَلَيْسَ دُونَ اثْنَيْ عَشَرَ شَيْءٌ؟ قَالَ: لَا"

ولا ننكر أن هناك فروعاً فيها إظهار عزة المسلم على الكافر وهذا حق ولا بد من وجوده إذ لا يستوي المسلم والكافر ولكنني أردت بيان هذا المغيب

وحتى السبي الذي تكثر الهذرة حوله يغفلون أنه مشروع في الإسلام واليهودية والنصرانية ، وأن عامة المذاهب الفقهية تمنع من التسري بغير الكتابيات حتى نقله بعضهم إجماعاً _ إلا المرتدات اللواتي دخلن في حكم الإسلام وأقررن بأحكامه _ وأن الاتفاق منعقد على أنها لو أسلمت لم يجز سبيها وأن لا توطأ إذا كانت حاملاً ولا بد من استبراء رحمها بحيضة لكي لا تختلط الأنساب وتصير كالزنا وأنه لا يجوز ضربها على وجهها

فالذين يتكلمون عن السبي الإسلامي لا يفهمونه ويقيسونه على ما يرون من الاغتصابات العظيمة التي يفعلها الملاحدة والعلمانيون وعديمي الدين إذا تسلطوا على نساء عزل

وحال الكفار اليوم أسوأ بكثير جداً من أن تصير هذه القضية محل بحث فهل ترون حال النساء وحال الاتجار بهن وضعف عفتهن فلو قدر الله وغزونا بلاد الكفار أيظن شخص في رأسه عقل أن رجلاً لو أخذ سبية من هؤلاء التي تصادق هذا اليوم وذاك غداً أن تسليمها نفسها له سيكون أمراً شاقاً ومكلفاً له وضعف العفة فيهن لا ينكره أحد سكن تلك الديار فكيف بأمر شرعي لا يشين وله تفاصيله وبحثه الفقهي المعروف ومن يطعن في الدين لهذا السبب إن كان يهودياً أو نصرانياً فليقرأ كتبه وإن كان بلا دين فمن لا يؤمن باليوم الآخر ولا برب يحاسب ما الذي سيمنعه من الاغتصاب إن تسلط على امرأة ضعيفة وإن فعل فلا رب يحاسب ولا يوم قيامة على اعتقادك فتركه لفعل ما يجعله يشعر باللذة حماقة على مذهبك

وقد قال بعض الباحثين :"  خلاصة الرؤية التي خرج بها دوكينز في الحياة (كملحد) وعالم (تطوري) : هي أن المجتمع هو الذي يُشكل تصرفات (البشر) بصورة آلية مهما كانت - ولو حتى الاغتصاب !! ولا وجود هنا لمعاني الخير والشر الفطري أبدا لتحكم على ذلك

فعندما سأله جاستن بيرلي Justin Brierley إبان مناظرته مع عالم الرياضيات وفلسفة العلم جون لينوكس John Lennox عن الاغتصاب ؟ فحاول ريتشارد دوكينز التهرب من الإجابة التطورية المعروفة له (كملحد) وحتى لا تنكشف الصورة (الهمجية) أو (الوحشية) للإلحاد - فقال له بيرلي أخيرا بعد عدة محاولات :

" في نهاية المطاف : إيمانك بأن الاغتصاب خطأ هو مثل القول بأنه تطور لنا 5 أصابع بدلا من 6 " ؟ - يقصد أن التطور لو اعتبره صوابا فسيكون صوابا - !!
فرد دوكينز : " نعم .. يمكنك قول ذلك "

Ultimately, your belief that rape is wrong is as arbitrary as the fact that we've evolved five fingers rather than six.

You could say that, yeah."

وهل أفضل أن يتركن كلأ مباحاً لكل أحد أم يأخذهن رجال يعفونهن ويصونهن ويعلمونهن الدين والفضائل على أن السبي ليس حتماً فقد يعفو الإمام وقد يفادي وأهل الكتاب الذين يصح سبي نسائهم والتسري بهن يخيرون بين الإسلام والجزية والقتال باتفاق الناس وفي كتابهم المقدس يسوع يأمرهم بدفع الجزية لقيصر، والذي أن المشركين الحاليين أسوأ بكثير من المشركين الذين جاهدهم النبي صلى الله عليه وسلم بل ما حالات الإجهاض الكارثية بسبب الزنا الفاشي إلا صورة قبيحة من صور الوأد ويموت مئات الآلاف من الأطفال سنوياً من هذا الوأد
قال ابن حجر في المطالب العالية :4623 - وقال أبو يعلى ، حدثنا محمد بن عبد الله بن عمار ، حدثنا المعافى ، حدثنا ابن لهيعة ، حدثني حميد بن هانئ ، عن شفي عن عبد الله بن عمرو قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « ليأتين على الناس زمان قلوبهم قلوب الأعاجم » . قيل : وما قلوب الأعاجم ؟ قال : « حب الدنيا ، سنتهم سنة الأعراب ، ما آتاهم الله من رزق جعلوه في الحيوان ، يرون الجهاد ضرارا ، والصدقة مغرما » وقال الحارث ، حدثني المقرئ حدثنا سعيد بن أبي أيوب ، حدثني ابن هانئ ، حدثني شفي ، عن عبد الله بن عمرو قوله بهذا . قلت : هذا أصح.

وقال أبو داود في سننه 3462 - حدَّثنا سليمانُ بن داودَ المَهْريُّ، أخبرنا ابنُ وهبِ، أخبرني حَيوةُ ابن شُريحِ. وحدَّثنا جعفرُ بن مُسافِرِ التِّنِّيسيُّ، حدَّثنا عبدُ الله بنُ يحيى البُرُلُّسِيُّ، أخبرنا حَيوة بنُ شُريح، عن إسحاق أبي عبد الرحمن -قال سليمان بن داود أبو الربيع-: عن أبي عبدِ الرحمنِ الخُراسانيِّ، أن عطاءً الخراسانيَّ حدَّثه، أن نافعاً حدَّثه
عن ابن عمر، قال: سمعتُ رسولَ الله -صلَّى الله عليه وسلم- يقول: "إذا تبايعتُم بالعِينَةِ، وأخذتم أذنابَ البقرِ، ورضيتُم بالزَّرْع، وتركتُم الجهادَ، سَلَّط اللهُ عليكم ذُلاًّ لا ينزِعُه حتى تَرجِعُوا إلى دينكم"

وهذا الحال اليوم والله المستعان 

 " كان هناك على الأقل أحد الإيجابيات ونتيجة في غاية الأهمية جاءت من الحروب الصليبية ، وهو إرث لا يزال يصاحبنا حتى الآن ، لم أكن لأصبح أستاذاً جامعياً بدونه ، ولذلك هو بالتأكيد جيد ! .
بفضل الحروب الصليبية ، منحنا الإسلام نظام الجامعات ، وجهة عملي جامعة إكسفورد كانت واحدة من أوائل تلك الجامعات .
الملابس الأكاديمية ، وكراسي الأستاذية ، المحاضرات ، والدرجات العلمية ، نفسها لم تكن أفكاراً غربية .
لقد نسخت بتفاصيلها الدقيقة ، من المدارس الإسلامية للتعليم العالي في القرون الوسطى ."

(تاريخ المسيحية ، BBC ،2009، ح 2 : قيام روما .)


هذا كلام أحد الأكاديميين الأجانب أدرك فائدة الحروب الصليبية فكيف بجهادنا وهو أسمى ألف مرة 
 

 هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي