أما
بعد :
فإن
كثيراً ما يتباكى أهل البدع والزنادقة على قتلاهم كالجعد بن درهم والحلاج
وبعضهم
لو كان الجعد حيا لكفره وأفتى بقتله !
ولكن
الأمر الذي لا يعلمه كثيرون أنه في ظل حكم الجهمية وأهل الرأي كان الزنادقة كثيراً
ما يتركون ويعذب أهل السنة ويهانون ويقتل منهم بسبب إظهار اتباع السلف
كما
سجن في مسائل عديدة ابن تيمية
وكما
فعل في ابن القيم وعدد من أصحابه
وكما
فعل بعبد الغني المقدسي وفعل بالنخشبي لما ذكر كلام السلف في أبي حنيفة
وما
حصل في محنة القول بخلق القرآن وما حصل من
العبيديين لا يخفى على أحد
والآن
سأذكر عدة زنادقة والملفت للنظر أنه لا يذكر في تراجمهم أي استتابة أو سجن كالذي حصل
لعدد من أئمة أهل السنة على مر العصور
فأولهم
ابن عربي الطائي
قال
الذهبي في السير :" العَلاَّمَةُ، صَاحِبُ التَّوَالِيفِ الكَثِيْرَةِ، مُحْيِي
الدِّيْنِ، أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ الطَّائِيُّ،
الحَاتِمِيُّ، المُرْسِيُّ، ابْنُ العَرَبِيِّ، نَزِيْلُ دِمَشْقَ.
ذَكَرَ
أَنَّهُ سَمِعَ مِنِ: ابْنِ بَشْكُوَالَ، وَابْنِ صَافٍ.
وَسَمِعَ
بِمَكَّةَ مِنْ: زَاهِرِ ابْنِ رُسْتُمٍ، وَبِدِمَشْقَ مِنِ: ابْنِ الحَرَسْتَانِيّ،
وَبِبَغْدَادَ.
وَسكنَ
الرُّوْمَ مُدَّةً، وَكَانَ ذَكِيّاً، كَثِيْرَ العِلْمِ، كَتَبَ الإِنشَاءَ لبَعْضِ
الأُمَرَاءِ بِالمَغْرِبِ، ثُمَّ تَزَهَّدَ وَتَفَرَّدَ، وَتَعَبَّدَ وَتَوَحَّدَ،
وَسَافَرَ وَتَجَرَّدَ، وَأَتْهَمَ وَأَنْجَدَ، وَعَمِلَ الخَلَوَاتِ، وَعلَّقَ شَيْئاً
كَثِيْراً فِي تَصَوُّفِ أَهْلِ الوحدَةِ.
وَمِنْ
أَرْدَإِ تَوَالِيفِهِ كِتَابُ (الفُصُوْصِ) ، فَإِنْ كَانَ لاَ كُفْرَ فِيْهِ، فَمَا
فِي الدُّنْيَا كُفْرٌ، نَسْأَلُ اللهَ العَفْوَ وَالنَّجَاةَ، فَوَاغَوْثَاهُ بِاللهِ!
وَقَدْ
عَظَّمَهُ جَمَاعَةٌ، وَتَكَلَّفُوا لِمَا صَدَرَ مِنْهُ بِبَعيدِ الاحْتِمَالاَتِ،
وَقَدْ حَكَى العَلاَّمَةُ ابْنُ دَقِيقِ العِيْدِ شَيْخُنَا، أَنَّهُ سَمِعَ الشَّيْخَ
عِزَّ الدِّيْنِ ابْنَ عَبْدِ السَّلاَمِ يَقُوْلُ عَنِ ابْنِ العَرَبِيِّ: شَيْخُ
سُوءٍ، كَذَّابٌ، يَقُوْلُ بِقِدَمِ العَالِمِ، وَلاَ يُحَرِّمُ فَرْجاً.
قُلْتُ:
إِنْ كَانَ مُحْيِي الدِّيْنِ رَجَعَ عَنْ مَقَالاَتِهِ تِلْكَ قَبْلَ المَوْتِ، فَقَدْ
فَازَ، وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيْزٍ.
تُوُفِّيَ:
فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ (1) ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
وَقَدْ
أَوْرَدْتُ عَنْهُ فِي (التَّارِيْخِ الكَبِيْرِ (2)) .
وَلَهُ
شِعْرٌ رَائِقٌ، وَعِلمٌ وَاسِعٌ، وَذهنٌ وَقَّادٌ، وَلاَ رَيْبَ أَنَّ كَثِيْراً مِنْ
عِبَارَاتِهِ لَهُ تَأْوِيْلٌ إِلاَّ كِتَابَ (الفُصُوْصِ) !
وَقَرَأْتُ
بِخَطِّ ابْنَ رَافِعٍ: أَنَّهُ رَأَى بِخَطِّ فَتحِ الدِّيْنِ اليَعْمُرِي: أَنَّهُ
سَمِعَ ابْنَ دَقِيقِ العِيْدِ يَقُوْلُ:
سَمِعْتُ
الشَّيْخ عِزَّ الدِّيْنِ، وَجَرَى ذِكْرُ ابْنِ العَرَبِيِّ الطَّائِيِّ فَقَالَ:
هُوَ
شَيْخُ سُوءٍ مَقْبُوْحٌ كَذَّابٌ"
فالذهبي
على تساهله المعهود ما احتمل ومع ذلك هذا الرجل ما سجن ولا عذب ولا حصل له أي شيء
ومثله
ابن سبعين :" عبد الحق ابن سبعين
عبد
الحق بن إبراهيم بن محمد بن نصر بن محمد بن نصر بن محمد بن سبعين، الشيخ قطب الدين
أبو محمد المرسي الصوفي، كان صوفياً على قواعد الفلاسفة، وله كلام كثير في العرفان
وتصانيف، وله أتباع ومريدون يعرفون بالسبعينية.
قال
الشيخ شمس الدين الذهبي: ذكر شيخنا قاضي القضاة تقي الدين ابن دقيق العيد قال: جلست
مع ابن سبعين من ضحوة إلى قريب الظهر وهو يسرد كلاماً تعقل مفرادته ولا تعقل مركباته.
قال
الشيخ شمس الدين: واشتهر عنه أنه قال: لقد تحجر ابن آمنة واسعاً بقوله لا نبي بعدي،
فإن كان ابن سبعين قال هذا فقد خرج به من الإسلام، مع أن هذا الكلام هو أخف وأهون من
قوله في رب العالمين: إنه حقيقة الموجودات، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.
وحدثني
فقير صالح أنه صحب فقراء (1) من السبعينية، وكانوا يهونون له ترك الصلاة وغير ذلك،
قال: وسمعت عن ابن سبعين أنه فصد يديه، وترك الدم يخرج حتى تصفى، ومات بمكة في ثامن
عشرين شوال سنة ثمان وستين وستمائة، وله من العمر خمس وخمسون سنة.
قال
الشيخ صفي الدين الهندي: حججت سنة ست وستين، وبحثت مع ابن سبعين في الفلسفة، فقال لي:
لا ينبغي لك المقام بمكة، فقال له: فكيف تقيم أنت بها؟ قال: انحصرت القسمة في قعودي
بها، فإن الملك الظاهر يطلبني بسبب انتمائي إلى أشراف مكة، واليمن صاحبها له (2) في
عقيدة ولكن وزيره حشوي يكرهني.
قال
صفي الدين: وكان ابن سبعين قد داوى صاحب مكة من مرض كان به فبرىء، فصارت له عنده مكانة،
يقال: إنه نفي من المغرب بسبب كلمة كفر صدرت عنه وهي قوله: لقد حجر ابن آمنة كما مر
في ترجمته. ويقال: إنه كان يعرف السيمياء (3) والكيمياء، وإن أهل مكة كانوا يقولون
إنه أنفق فيهم ثمانين ألف دينار، وإنه (4) كان لا ينام كل ليلة حتى يكرر على ثلاثين
سطراً من كلام غيره، فإنه لما خرج من وطنه كان ابن ثلاثين سنة، وخرج معه جماعة من الطلبة
والأتباع فيهم الشيوخ "
فهذا
الرجل مع تكرر كفره لم يحصل له شيء غير النفي
وهناك
موسى بن ميمون القرطبي اليهودي أسلم ثم ارتد وما أقيم عليه حد الردة بل كان طبيباً
في البلاط الأيوبي
وهناك
الرفيع الفيلسوف الدهري
قال
الذهبي: وقال سبط الجوزي: حدثني جماعة أعيان أن الرفيع كان فاسد العقيدة دهريا يجيئ
إلى الجمعة سكران، وأن داره مثل الحانة. وحكى لي جماعة أن الوزير السامري بعث به في
الليل على بغل بأكاف إلى قلعة بعلبك ونفذ به إلى مغارة أفقه فأهلكه بها، وترك أياما
بلا أكل، وأشهد على نفسه ببيع أملاكه للسامري، وأنه لما عاين الموت قال: دعوني أصل،
فصلى فرفسه داود من رأس شقيف فما وصل حتى تقطع، وقيل: بل تعلق ذيله بسن الجبل، فضربوه
بالحجارة حتى مات. وقال رئيس النيرب: سلم الرفيع إلي وإلى سيف النقمة داود، فوصلنا
به إلى شقيف فيه عين ماء فقال: دعوني أغتسل، فاغتسل وصلى ودعا فدفعه داود فما وصل إلا
وقد تلف، وذلك في أول سنة اثنتين وأربعين وستمائة
وهناك
ابن الفارض
قال
الذهبي في السير :" 232 - ابْنُ الفَارِضِ عُمَرُ بنُ عَلِيِّ بنِ مُرْشِدٍ الحَمَوِيُّ
*
شَاعِرُ
الوَقْتِ، شَرَفُ الدِّيْنِ عُمَرُ بنُ عَلِيِّ بنِ مُرْشِدٍ الحَمَوِيُّ، ثُمَّ المِصْرِيُّ،
صَاحِب الاتِّحَادِ (1) الَّذِي قَدْ مَلأَ بِهِ التَّائِيَّةَ (2) .
تُوُفِّيَ:
سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ، وَلَهُ سِتٌّ وَخَمْسُوْنَ سَنَةً.
رَوَى
عَنِ: القَاسِمِ ابْن عَسَاكِرَ.
حَدَّثَ
عَنْهُ: المُنْذِرِيّ.
فَإِنْ
لَمْ يَكُنْ فِي تِلْكَ القصيدَة (3) صرِيح الاتِّحَاد الَّذِي لاَ حِيْلَة فِي وُجُوْدِه،
فَمَا فِي العَالِمِ زَنْدَقَةٌ وَلاَ ضَلاَلٌ، اللَّهُمَّ أَلْهِمْنَا التَّقْوَى،
وَأَعِذْنَا مِنَ الهَوَى، فَيَا أَئِمَّةَ الدِّيْنِ أَلاَ تَغضبُوْنَ للهِ؟! فَلاَ
حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ"
وأيضاً
العفيف التلمساني صاحب وحدة الوجود الذي يسميه ابن تيمية الفاجر التلمساني مات من نفسه
وما قتله وما عذبه أحد وما سجنه أحد، وأتباع ابن عربي وابن سبعين في زمن ابن تيمية ما سمعت أنه فعل بهم ما فعل بابن تيمية وأصحابه ، وكذا ابن حابط المعتزلي الذي طعن على النبي في كثرة النكاح وسبحان الله في زمن أحمد ما كانوا يسجنون من يقول بفناء الجنة والنار ويسجنون من يقول كلام الله غير مخلوق ويقتلونه أو يعذبونه
وكذا
الفارابي وابن سينا كلامهم في الميل للفلاسفة والحط على المتكلمين وأهل الحديث على
حد سواء كثير واتهامهم للجميع بالتشبيه والتجسيم حتى اتهم ابن سينا المعتزلة بذلك وصرح
أن الله لا يعلم الجزئيات وأن علم الله للجزئيات كعلمنا بحركة الكواكب دون معرفة بحركتها
الجزئية
وهؤلاء
عاشوا في رغد بسبب معرفتهم بالطب
وكم
أذل وأهين أهل العلم بالسنة بسبب إثبات الصفات أو إظهار مخالفة الأشعرية كما حصل لعبد
الغني وابن تيمية وابن القيم والمقريزي وغيرهم
وحتى
ابن أبي العز منع من التوسل فعزروه ، وكذا كان من يمنع من شد الرحال يعزر ويفعل به
الأفاعيل
والنماذج
في الفكرة التي تدور في رأسي كثيرة وإنما هنا إيقاظة لبيان دجل بعض البشر ولكي لا يروعك
بعضهم بذكر مثال أو مثالين قتلوا بسيف الحق وهو يسكت عن عشرات قتلوا بسيف الباطل مع
الخمول عن الكافر المصرح بالكفر العظيم الواضح ، وهذا أمرنرى منه طرفاً فكم من ليبرالي تجرأ على القرآن والسنة فلم ينله من العقوبة شيء وكم من شخص يحبس ظلماً كمن يحبس على تدينه الظاهر في عدد من البلدان أو حتى يحبس على جرم ولكن يعذب بطريقة لا ترتضيها الملة فلا يتكلم الزنادقة إلا محاماة عن بعضهم البعض
هذا وصل اللهم على محمد
وعلى آله وصحبه وسلم