الحمد
لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما
بعد :
فإن كل من أعرض عن الحديث كانت عاقبته
وخيمة ، ومن حكمة الله تعالى ألا يحصل الهدى إلا عن طريق الرسول فلو حصل هدى وفلاح
بغير طريقه لكان ذلك فتنة للناس ومستوجباً عندهم للشك في ضرورة الرسالة
ولهذا هذه الأمة لما أعرضت عن الوحي سلط
الله عليها سفلة الخلق ، كما لبني إسرائيل حين سلط الله عليهم بختنصر ، وكانت
الحكمة أن يسلط عليهم كافراً فالمؤمن فيه رأفة ورحمة ونفسه نزاعة إلى التألف
والعفو في كثير من الأحيان
ومن الأمور التي كنا ولا زلنا نعاني منها
مسألة تقديس الشيوخ ، وللصوفية في ذلك اختصاص عظيم وإن كان غيرهم شركهم في هذا
ولكنهم اختصوا بأنهم أصل في الباب ولهم أحوال لا يشركهم بها غيرهم
ولست ممن يذهب إلى بعض شذاذ القوم وينسب
مقالاته لهم جميعاً وإن أنكروها فإن هذا ليس عدلاً ولا إنصافاً ولن أتكلم على
متأخريهم ابتداءاً بل إنك إذا أردت فهم بدعة وكيف فشت وانتشرت فعليك النظر في
أوائل من أحدثها
لذا سأتكلم عن القشيري أبي القاسم الذي
توفي عام 465 يعني قبل ما يقارب الألف عام وهو صاحب الرسالة القشيرية المعلومة عند
القوم
وقد جمع الكثير من كلام مشايخ الطريق حتى
المستقيمين منهم وخلط حقاً بباطل وقد كان جهمياً على طريقة الأشعري
وجمع لهم تفسيراً على إشارات القوم
وقد قال في تفسيره هذا :" وفي هذا
دليل على أن الشريعة غير معلّلة، وأنّ الأمر الشرعيّ إذا جاء بطل التعليل، وسكتت
الألسنة عن المطالبة ب «لم؟» وخطور الاعتراض أو الاستقباح خروج عن حدّ العرفان. والشيوخ.
قالوا: من قال لأستاذه وشيخه «1» : «لم؟» لا
يفلح. وكلّ مريد يكون لأمثال هذه الخواطر في قلبه جولان لا يجىء منه شىء. ومن لم
يتجرّد قلبه من طلب التعليل، ولم يباشر حسن الرضا بكلّ ما يجرى واستحسان ما يبدو
من الغيب لسرّه وقلبه- فليس من الله فى شىء"
هنا يأتي بعقيدة أشعرية خبيثة وهو نفي
الحكمة والتعليل ، واعجب فيمن يمر على القرآن كاملاً ثم ينفي التعليل ، وقد خلط
بين خفاء العلة وبين انعدامها
وما وقف عند هذا حتى قاس الشيوخ على رب
العالمين ( واعجب من قياس كهذا من رجل ينفي التعليل )
فقال أن الشيوخ أيضاً لا يقال لهم ( لم ) وأن
من قال لأستاذه ( لم ) لم يفلح
وهذا عجب فإن الشيخ إذا كان لا يفعل إلا
لأثر فلا يضر أن يسأل لم فعلت كذا فيجيب للحديث الفلاني أو الآية الفلانية كما
أجابت عائشة من سألتها عن قضاء النساء للصوم دون الصلاة إذا ما طهرن من الحيض
والسؤال على ضربين : سؤال عن الدليل
الشرعي ؟وهذا لا يمنع منه بحال
والثاني : سؤال عن الحكمة من الأمر الشرعي
وهذا على ضربين أيضاً
الأول : سؤال تعنت وتشكك فهذا يزجر السائل
كما فعل عمر مع صبيغ
والثاني : سؤال استرشاد وازدياد من العلم
ولو لم يعلم حكمة اتهم نفسه وسلم أمره للذي خلقه
قال مسلم في صحيحه 265 - (510) حَدَّثَنَا
أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ، ح
قَالَ: وَحَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ
إِبْرَاهِيمَ، عَنْ يُونُسَ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ
الصَّامِتِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّي، فَإِنَّهُ يَسْتُرُهُ إِذَا كَانَ
بَيْنَ يَدَيْهِ مِثْلُ آخِرَةِ الرَّحْلِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدَيْهِ
مِثْلُ آخِرَةِ الرَّحْلِ، فَإِنَّهُ يَقْطَعُ صَلَاتَهُ الْحِمَارُ،
وَالْمَرْأَةُ، وَالْكَلْبُ الْأَسْوَدُ» قُلْتُ: يَا أَبَا ذَرٍّ، مَا بَالُ
الْكَلْبِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْكَلْبِ الْأَحْمَرِ مِنَ الْكَلْبِ الْأَصْفَرِ؟
قَالَ: يَا ابْنَ أَخِي، سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
كَمَا سَأَلْتَنِي فَقَالَ: «الْكَلْبُ الْأَسْوَدُ شَيْطَانٌ»
فهنا الصحابة سألوا عن الحكمة وأجابهم
النبي صلى الله عليه وسلم ، وعلى تلك القاعدة الصوفية يكونون مستحقين لعدم الفلاح
وحاشاهم
وهذا هو بلاء كثير من المبتدعة يقيسون
القياس الفاسد ، فيقيسون ما منه حرج على ما ليس منه حرج ويدخلون في التعنت
والحماقة
وليس هذا من باب سد الذريعة فالذريعة
والمتذرع إليها بينهما مناسبة ولا مناسبة بين سؤال المتعلم وسؤال المتعنت بل هما
ضدان ، وما حرم سداً للذريعة يباح للحاجة
إن لم يكن منه بد
ثم قف هاهنا وقارن هذا التقديس للشيوخ بما
يلي
قال القشيري في تفسيره :" وسمعت الأستاذ
أبا على الدقاق- رحمه الله- يقول لما قال يوسف: «إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ»
أحال فى استحقاق الأجر على ما عمل من الصبر ... فأنطقهم الله حتى أجابوه بلسان
التوحيد فقالوا: «تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنا» يعنى ليس بصبرك يا
يوسف ولا بتقواك، وإنما هو بإيثار الله إياك علينا فبه تقدمت علينا بحمدك وتقواك. فقال
يوسف- على جهة الانقياد للحقّ: «لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ» فأسقط عنهم
اللوم، لأنه لمّا لم يرتقواه من نفسه حيث نبّهوه عليه نطق عن التوحيد، وأخبر عن
شهود التقدير"
الدقاق هذا شيخ للقشيري وشيخ للسلمي وبلغ
من تعظيم القشيري له أنه تساءل لو بعث الله نبياً هل سيوقره كما يوقر الدقاق
وانظر إلى سوء أدب الدقاق مع نبي الله
يوسف ففي هذا التفسير جعله راكناً لنفسه وأن أخوته نبهوه فأحرج فقال لا تثريب
عليكم
وهذا إلحاد في آيات الله والرد عليه من
الآية فيوسف قال ( من يتق ويصبر ) فإنما يتقي الله فكيف يكون غافلاً عن الله وهو
يذكر تقواه ، ولا شك أن نبي الله لا يظن أنه يثامن الله بحيث يكون الثواب ثمناً
للطاعة بل هو يذكر فضل الله وأنه شكور وأنه لا يضيع أجر المحسنين فالآية كلها
إقبال على الله ولكن بفهم الأنبياء السليم لا الفهم السقيم
وأما قول أخوة يوسف فهو توكيد لكلامه فكون
يوسف رزق التقوى والصبر ثم صارت له العاقبة فهذا من إيثار الله عز وجل له
فتأمل القشيري الذي يأبى الإعتراض على
الشيوخ ب( لم ) ثم ينقل اعتراض الدقاق على كلمة ليوسف وجعله إياها منافية للتفويض
لله عز وجل
وهذا منتهى العجب
وانظر إليه أيضاً هو نفسه وهو يقول : («وَاسْتَغْفِرْ
لِذَنْبِكَ» : اى إذا علمت أنك علمت فاستغفر لذنبك من هذا فإن الحقّ- على جلال
قدره- لا يعلمه غيره)
فتأمل كيف جعل النبي صلى الله عليه وسلم
مذنباً بالعلم مستغفراً من طاعة !
وأقبح من كلامه قول المحقق :( يذكرنا هذا
بقول رابعة بعد ليال قضتها في الصلاة والاستغفار: «إن صلاتنا في حاجة إلى صلاة،
واستغفارنا في حاجة إلى استغفار»)
فهذا استغفارنا وصلاتنا وليس استغفار
النبي صلى الله عليه وسلم يا بليد ولا علم النبي صلى الله عليه وسلم يا جاهل
والبدعة تبلغ أميالاً وفراسخ بعد أن تبدأ
شبراً ، فمن يرى عبادة كثير من الصوفية اليوم للشيوخ يفهم الأمر ، وهؤلاء يأتون
بمعان صحيحة كالزهد والورع وعدم انشغال القلب بالدنيا على جهة الكلف والإقبال على
الله ثم يزيدون في هذه المعاني غلواً عظيماً أو افراطاً وتضييعاً
فمع مدحهم للإرادة ومعاكسة هوى النفس تجد
كثيراً منهم مقبلين على السماع الذي هو الغناء وذلك لميل النفوس لمثل هذا الأمر
لما يحدث من النشوة والخفة وقد كان سبيل العلماء البعد عن مثل هذا والإقبال على
سماع القرآن والحديث وربما تغنوا في سفر أو أمر شاق أو جاء هذا عارضاً لبعضهم لا
عادة معتادة يحصل فيها الاجتماع وتجمع لها الفضائل
وتجده يقول مثل هذا الكلام عن ترك الاعتراض وهو يعترض على نصوص الصفات ويعطلها بالتحريف
وكثير من صور تقديس الشيوخ التي كانت عند الصوفية تسللت إلينا للأسف الشديد لذا تجد أكثر خلافات الناس اليوم في أشخاص
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه
وسلم