مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: من أظهر دلائل النبوة وقل من يتفطن لها ...

من أظهر دلائل النبوة وقل من يتفطن لها ...



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :

قال البخاري في صحيحه 4069 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ السُّلَمِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَنِي سَالِمٌ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ مِنَ الرَّكْعَةِ الآخِرَةِ مِنَ الفَجْرِ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ العَنْ فُلاَنًا وَفُلاَنًا وَفُلاَنًا» بَعْدَ مَا يَقُولُ «سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبَّنَا وَلَكَ الحَمْدُ» فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ} [آل عمران: 128]- إِلَى قَوْلِهِ - {فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ} [آل عمران: 128]

4070 - وَعَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، سَمِعْتُ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " يَدْعُو عَلَى صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ، وَسُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو، وَالحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ فَنَزَلَتْ {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ} [آل عمران: 128]- إِلَى [ص:100] قَوْلِهِ - {فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ} [آل عمران: 128]

وقال أيضاً 4560 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ، وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَدْعُوَ عَلَى أَحَدٍ أَوْ يَدْعُوَ لِأَحَدٍ، قَنَتَ بَعْدَ الرُّكُوعِ، فَرُبَّمَا قَالَ: " إِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الحَمْدُ اللَّهُمَّ أَنْجِ الوَلِيدَ بْنَ الوَلِيدِ، وَسَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ، وَعَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ، اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ، وَاجْعَلْهَا سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ " يَجْهَرُ بِذَلِكَ، وَكَانَ يَقُولُ فِي بَعْضِ صَلاَتِهِ فِي صَلاَةِ الفَجْرِ: «اللَّهُمَّ العَنْ فُلاَنًا وَفُلاَنًا، لِأَحْيَاءٍ مِنَ العَرَبِ» حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ} [آل عمران: 128] الآيَةَ

وقال الطبري في تفسيره 7815- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة: أن رباعية النبي صلى الله عليه وسلم أصيبت يوم أحد، أصابها عتبة بن أبي وقاص، وشجه في وجهه. وكان سالم مولى أبي حذيفة يغسل عن النبي صلى الله عليه وسلم الدمَ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: كيف يفلح قوم صنعوا بنبيهم هذا!! فأنزل الله عز وجل:"ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون".

فخلاصة الروايات أن النبي صلى الله عليه وسلم غضب من قوم أو أيس منهم فدعا عليهم وبقي يقنت ، فنزلت عليه آية إما أن تحمل على أنها نهي له عن الاستمرار في ذلك ، أو إجابة دعاء وذكر لما سيؤول إليه حال هؤلاء

وهذا من أعظم دلائل النبوة إذ لا يتصور أن يكون القرآن من النبي صلى الله عليه وسلم وينزل عليه بإيقاف فعل فعله من غضب استحقه المغضوب عليهم بجرم فعلوه ، ثم يكون الحال أن يؤول أمرهم كما جاءت الآية فأسلم منهم من أسلم وتاب وقتل منهم وعذب في الدنيا من عذب وما نجا أحد من هذا المصير

ومن أعظم دلائل النبوة آيات العتاب التي أشرت إليها في مقال آنف ولكن أظهر منها وأظهر من حادثة موت ابنه إبراهيم وما حصل من الكسوف وقيامه للناس مع كل ما يقاسيه من ألم فقد الولد وإخباره إياهم أن الكسوف الذي حصل ليس من موت ولده إبراهيم

أظهر فيما أرى وقل من ينبه عليه قول الله تعالى ( يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلاً )

فقيام الليل أمرٌ شاق فالنفوس تميل إلى الراحة والدعة ، والمرء إذا كان مدعياً لنبوة كاذبة لا يأتي بأمر يشق عليه ويلزمه بأمر يخالف هوى النفوس

فهذا لا يكون إلا كلام الله عز وجل ، وقد قال كثير من أهل العلم أن قيام الليل كان واجباً على النبي صلى الله عليه وسلم

قال ابن كثير في الفصول :" وأما قيام الليل ـ وهو التهجد ـ فهو الوتر على الصحيح، لما رواه الإمام أحمد «عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الوتر ركعة من آخر الليل» وإسناده جيد.
وإذا تقرر ذلك فاعلم أنه قد قال جمهور الأصحاب: إن التهجد كان واجباً عليه، وتمسكوا بقول الله تعالى: {ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا} . قال عطية بن سعيد العوفي، عن ابن عباس في قوله تعالى: {نافلة لك} : يعني بالنافلة أنها للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة، أمر بقيام الليل فكتب عليه.
وقال عروة، «عن عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى قام حتى تتفطر قدماه، فقالت عائشة: يا رسول الله، تفعل هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: يا عائشة، أفلا أكون عبداً شكوراً؟» رواه مسلم عن هارون بن معروف، عن عبد الله بن وهب، عن أبي صخر، عن ابن قسيط، عن عروة به.
وأخرجاه من وجه آخر عن المغيرة بن شعبة.
وروى البيهقي «من حديث موسى بن عبد الرحمن الصنعاني، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاثة علي فريضة وهن سنة لكم: الوتر، والسواك، وقيام الليل» .
ثم قال: موسى بن عبد الرحمن هذا، ضعيف جداً، ولم يثبت في هذا إسناد، والله أعلم.
وحكى الشيخ أبو حامد رحمه الله تعالى، عن الإمام أبي عبد الله الشافعي رحمه الله تعالى: أن قيام الليل نسخ في حقه صلى الله عليه وسلم كما نسخ في حق الأمة، فإنه كان واجباً في ابتداء الإسلام على الأمة كافة.
قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح: وهذا هو الصحيح الذي تشهد له الأحاديث، منها حديث سعد بن هشام عن عائشة، وهو في الصحيح معروف"

إلى أن قال :" قلت: والحديث الذي أشار إليه رواه مسلم من حديث هشام بن سعد أنه دخل على عائشة أم المؤمنين فقال: يا أم المؤمنين، أنبئيني عن قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: ألست تقرأ بيا أيها المزمل؟ قلت: بلى.
قالت: فإن الله افترض القيام في أول هذه السورة، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حولاً، حتى انتفخت أقدامهم، وأمسك الله خاتمتها اثني عش شهراً في السماء، ثم أنزل الله التخفيف في آخر هذه السورة، فصار قيام الليل تطوعاً بعد فريضة.
وقد أشار الشافعي إلى الاحتجاج بهذا الحديث في النسخ، ومن قوله تعالى: {ومن الليل فتهجد به نافلة لك} قال: فأعلمه أن قيام الليل نافلة لا فريضة، والله سبحانه وتعالى أعلم"

وسواءاً كان فريضة أو نفلاً فلا شك أنه فرض مدة ، وامتثل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ثم إن شأنه مع قيام الليل معروف متواتر في كونه كان يقوم قياماً طويلاً في الصلاة وهذا من أظهر دلائل النبوة وكثير من قيامه إنما كان يشهده أزواجه فحسب لأنه يكون مختفياً عن الناس به ، ومن تأمل في هذه الصلاة واتصل حركة الجسد بالخضوع واللسان بالتعظيم فيها من أولها إلى آخرها علم ولا نظير لها في أديان أهل الأرض علم يقيناً أنه لا يمكن لأمي بلغ الأربعين بل الخمسين ولا يعرفها أن يأتي بها من تلقاء نفسه وكيف وهذا الأمي كان رجلاً نزيه الطبع عظيم الأمانة دمث الخلق حسن المعاشرة وما هذه بصفة كاذب ولا خوان

والأمران اللذان ذكرتهما نزل فيهما قرآن تلاه جميع الناس فلا مجال لإنكاره ، فزد على ذلك ما عرف من قلة مطعم النبي صلى الله عليه وسلم بل ووصاله في الصيام

واقرأ قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (28) وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا (29))

قال الطبري في تفسيره :" وذُكر أن هذه الآية نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم من أجل أن عائشة سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا من عرض الدنيا، إما زيادة في النفقة، أو غير ذلك، فاعتزل رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه شهرا، فيما ذكر، ثم أمره الله أن يخيرهنّ بين الصبر عليه، والرضا بما قسم لهنّ، والعمل بطاعة الله، وبين أن يمتِّعهنّ ويفارقهنّ إن لم يرضين بالذي يقسم لهن"

والوارد في الحديث في كل زوجات النبي صلى الله عليه وسلم لا خصوصية لعائشة

فكثير ممن يذكر تعدد زوجات النبي صلى الله عليه وسلم يغفل عن هذا الأمر في القرآن ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم مع كل ما ملكه الله وتكاثر أصحابه كان أزهد خلق الله عز وجل فلما أراد أزواجه مزيداً من التوسعة هجرهن لذلك شهراً كاملاً _ وهذا لا تختلف فيه الأخبار _ ثم خيرهن بين البقاء معه على ما أراد الله له من مفارقة أحوال الملوك ، أو أن يسرحهن ويمتعهن فكلهن اخترن الله ورسوله فكرمهن الله عز وجل بأن جعلهن أمهات للمؤمنين

وهنا وقفة : فهذا أعلم الخلق وأكرمهم على الله عز وجل وهذا مكان الدنيا منه أفعلمت الآن كم هي دنية ؟
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي