الحمد
لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما
بعد :
قال الماوردي في الحاوي الكبير (13/269)
:" وَرُوِيَ أَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ أُتَي بِلُصُوصٍ
فَقَطَعَهُمْ حَتَّى بَقِيَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ فَقُدِّمَ لِيُقْطَعَ فَقَالَ:
(يَمِينِي أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ
أُعِيذُهَا ... بِعَفْوِكَ أَنْ تَلْقَى مَكَانًا يَشِينُهَا)
(يَدَيَّ كَانَتِ الْحَسْنَاءُ لو تم
سبرها ... ولن تعدم الحسناء عاباً يَشِينُهَا)
(فَلَا خَيْرَ فِي الدُّنْيَا وَكَانَتْ
حَبِيبَةً ... إِذَا مَا شِمَالِي فَارَقَتْهَا يَمِينُهَا)
فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: كَيْفَ أَصْنَعُ
بِكَ، وَقَدْ قَطَعْتُ أَصْحَابَكَ، فَقَالَتْ أم السارق: يا أمير المؤمنين اجعلها
من ذُنُوبِكَ الَّتِي تَتُوبُ مِنْهَا، فَخَلَّى سَبِيلَهُ فَكَانَ أول حد يترك
فِي الْإِسْلَامِ"
وكرر الماوردي هذه القصة في أحكامه
السلطانية وفي تفسيره النكت والعيون
وبسبب ذكر الماوردي لهذه القصة ذكرها عدد
من فقهاء الشافعية في كتبهم
فإنك تجد هذه القصة في حاشية البجيرمي وفي
إعانة الطالبين وفي النجم الوهاج وفي كفاية النبيه وفي بحر المذهب !
كل هؤلاء ذكروا هذه القصة التي فيها طعن
ظاهر في معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما
بل الأدهى من ذلك والأمر ذكر ابن كثير
لهذه القصة في البداية والنهاية عن الماوردي دون تعليق
وما تنبه واحد من هؤلاء المقلدين للماوردي
المتبعين له لأمرين
الأول : أن الماوردي كان متهماً بالاعتزال
وقد حذر ابن الصلاح من تفسيره لذلك الداعي
الثاني : أن القصة بلا إسناد وأن فيها
طعناً في معاوية
وعامة من ذكرتهم من الشافعية لا ألومهم
كثيراً فهم جهلة بالحديث والنقل ، ولكن العتب الشديد على رجل كابن كثير
والقصة ليس لها إسناد
بل قال البلاذري في أنساب الأشراف 353- حَدَّثَنِي
حَفْصٌ عَنِ الْهَيْثَمِ وَغَيْرِهِ
قَالُوا: أُتِيَ مُعَاوِيَةُ بِشَابٍّ قَدْ سَرَقَ فَأَمَرَ بقطع يده فقال : يَدِي
يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أُعِيذُهَا ... بِعَفْوِكَ أَنْ تَلْقَى مَكَانًا
يَشِينُهَا
وَلا خَيْرَ فِي الدُّنْيَا وَكَانَتْ
حَبِيبَةً «3» ... إِذَا مَا شِمَالٌ «4» فَارَقَتْهَا يَمِينُهَا
وَلَوْ قَدْ أَتَى الأَخْبَارَ قَوْمِي
لَقُلِّصَتْ ... إِلَيْكَ الْمَطَايَا وَهِيَ خُوصٌ عُيُونُهَا
وَدَنَتْ أُمُّهُ وَهِيَ تَبْكِي
فَقَالَتْ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، وَاحِدِي «5» اعْفُ عنه، عف اللَّهُ
عَنْكَ، فَقَالَ: وَيْحَكِ إِنَّ هَذَا حَدٌّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ، فَقَالَتْ: اجْعَلْ
تَرْكَهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ ذُنُوبِكَ الَّتِي تَسْتَغْفِرُ اللَّهَ
مِنْهَا، فَخَلَّى سَبِيلَهُ وَتَصَدَّقَ بِمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ.
والهيثم هذا هو ابن عدي كذاب معروف وبينه
وبين معاوية مفاوز فهو من طبقة متأخرة
ومن لطائف ما جاء في ترجمته ما قال عباس
الدوري: حدثنا بعض أصحابنا، قال: قالت جارية الهيثم بن عدي: كان مولاى يقوم عامة
الليل يصلى، فإذا أصبح جلس يكذب.
ثم تأمل أن القصة فيها صدقة معاوية بمائة
ألف درهم تكفيراً عما بدر منه فحذف هذا الماوردي وحذفه أيضاً الزمخشري
ثم إن هذه القصة نسبت لخلفاء غير معاوية
قال ابن الجوزي في الأذكياء :" قَالَ
الْأَصْمَعِي أُتِي الْمَنْصُور بسارق فَأمر بِقطع يَده فانشأ يَقُول
(يَدي يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أُعِيذهَا ...
بحقويك من عَار عَلَيْهَا يشينها)
(فَلَا خير فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي
نعيمها ... إِذا مَا شمال فارقتها يَمِينهَا)
فَقَالَ يَا غُلَام اقْطَعْ هَذَا حد من
حُدُود الله وَحقّ من حُقُوقه لَا سَبِيل إِلَى تعطيله قَالَت أم الْغُلَام واحدي
وكادي وكاسبي قَالَ بئس الْوَاحِد واحدك وَبئسَ الكاد كادك وَبئسَ الكاسب كاسبك
يَا غُلَام اقْطَعْ فَقَالَت أم السَّارِق يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أما لَك ذنُوب
تستغفر الله مِنْهَا قَالَ بلَى قَالَت هبه لي وَاجعَل هَذَا من ذنوبك الَّتِي
تستغفر الله مِنْهَا"
والأصمعي أعلى طبقة من الهيثم وأصدق ولا
ندري بسند ابن الجوزي للأصمعي
وقصة الأبيات مختلفة تماماً ولا علاقة
لمعاوية بها
قال ابن عساكر في تاريخ دمشق 2994 - طهمان
بن عمرو أحد شعراء العرب وفد على عبد الملك بن مروان ذكر أبو الطيب محمد بن إسحاق
بن يحيى الوشاء أخبرني الحسن بن الحسين الأزدي أخبرني محمد بن حبيب عن يحيى بن
بيهس ويعقوب بن إسحاق عن الكلاس قالوا أخذ نجدة الحروري طهمان بن عمرو وكان لصا
فقطعه فلما استقام الأمر لعبد الملك أتاه طهمان فأنشده * يدي يا أمير المؤمنين
أعيذها * بحقويك أن تلقى بملقى يهينها فقد كانت الحسناء لو تم شبرها * ولا تعدم
الحسناء بابا يشينها تشد حبال الرحال في كل منزل * إلى شمال لا يمين يعينها دعت
لبني مروان بالنصر والهدى * شمال كريم رابلتها يمينها وإن شمالا زايلتها يمينها * لباق
عليها في الحياة حنينها وإنك مسؤول بحكمك في يدي * على حالة من ربنا ستكونها ولو
قد أتى الأنباء قومي لقلصت * إليك والمطايا وهي خوص عيونها * فجعل له عبد الملك
إيمان مائة من بني حنيفة فمات قبل أن يصل إليها وقال أبو الطيب أخبرني أحمد بن
عبيد أخبرني الأصمعي عن ابن أبي طرفة قال قدم إلي عبد الملك لص فأمر بقطعه فصاح
الرجل قال وأخبرنيه محمد بن يزيد قال كان يقال له حمزة وقدم إلى مروان فقال ح قال
وأخبرنيه أبو سعيد الأزدي عن أبي محكم الشاعر قال هو طهمان بن عمرو وقدم إلى
الوليد بن عبد الملك فقال * يدي يا أمير المؤمنين أعيذها * بحقويك من غار عليها
يشينها ولا خير في الدنيا ولا في نعيمها * إذا ما شمالي فارقتها يمينها * فقال هذا
حد من حدود الله ولا بد من إقامته اقطع فقامت إليه امرأة عجوز كبيرة فقالت يا أمير
المؤمنين ولدي كادي وكاسبي قال بئس الولد ولدك وبئس الكاد كادك وبئس الكاسب كاسبك
هذا حد من حدود الله لا بد من إقامته قالت يا أمير المؤمنين اجعله بعض ذنوبك التي
تستغفر الله منها فعفا عنه وأمر بتخليته
فهذه القصة وهذا اسم الشاعر والأمر حصل مع
عبد الملك بن مروان وهذا الإسناد
وبعضهم رواها بإسناده عن عمر بن عبد
العزيز ولا أحسبها تصح
وقد نسبها ابن قتيبة في عيون الأخبار لعبد
الملك بن مروان وكذا ابن عبد ربه في العقد الفريد والتنوخي في الفرج بعد الشدة
نقلاً عن الأصمعي فيبدو أن ما ورد في كتاب الأذكياء أن الأصمعي نسب ذلك للمنصور من
أوهام ابن الجوزي فابن عساكر والتنوخي نقلا عن الأصمعي أنها مع عبد الملك بن مروان
وأيضاً نسبها لعبد الملك بن مروان محمد بن داود الأصبهاني الظاهري ابن الظاهري في
كتابه الزهرة ، ومن حماقة الرافضة أنهم يكذبون بفضائل الصحابة الثابتة بأسانيد
جليلة ويعضدها ظاهر القرآن ويحتجون بمثل هذا، والقصة على كذبها فيها أن معاوية كان الأصل فيه إقامة الحدود وأنه تصدق بمال عظيم لهذا الذنب وهذا خلاف ما يظهرونه عنه
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه
وسلم