الحمد
لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما
بعد :
جاء في كتاب نظرات في كتاب الله وهو
تفسيرر مجموع لحسن البنا ص357 :" ومن أحسن ما قيل في التنزيه قول بعض
الصالحين : ( تنزه ربنا عن أحوال خلقه فليس له من خلقه مزاج ولا في فعله علاج
باينهم بقدمه كما باينوه بحدوثهم إن قلت متى فقد سبق الوقت كونه وإن قلت هو فالهاء
والواو خلقه وإن قلت أين تقدم المكان وجوده معرفته توحيده وتوحيده تمييزه من خلقه
ما تصور في الأوهام فهو بخلافه فالذي يظفر يظفر الوهم به يرتقي التصوير إليه لا
تماقله العيون ولا تقابله الظنون علوه من توقل ومجيئه من غير تنقل "
أقول : هذا الكلام على اختصاره فيه عدة
طوام جهمية
أولها : نفي السؤال عن الله بالأين
وهذا يخالف حديث الجارية الذي في صحيح
مسلم ، وهو في موطأ مالك وفي الأم للشافعي وكلهم احتج به واحتج به البخاري في
القراءة خلف الإمام واحتج به المرجئة على أحمد فما اعترض على صحته
وفي الباب حديث ( أين كان ربنا قبل أن
يخلق الخلق ) وهذا حديث رواه الأئمة وصححه الترمذي
ومن ضعفه إنما ضعفه لحال وكيع بن حدس
مدعياً جهالته وقد صحح له الترمذي وابن خزيمة الطبري وقال عند الجوزقاني ( صدوق
صالح الحديث ) وصحح له أبو عبيد القاسم بن سلام وأحاديثه مشهورة مخرجة وما
استنكرها أحد ، وحسن البنا نفسه احتج بحديث لوكيع بن حدس في ص 394
الثانية : نفي الرؤية في قوله ( لا تماقله
العيون )
ونصوص الرؤية متواترة معلومة
الثالثة : القول بخلق أسماء الله الحسنى
في قوله ( إن قلت هو فالهاء والواو من خلقه ) وهذه القاعدة تنطبق على الأسماء
الحسنى أيضاً وظاهر كلامه القول بخلق القرآن
قال الخلال في السنة 1804 - وَأَخْبَرَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: ثنا أَبُو بَكْرٍ الْأَثْرَمُ، قَالَ: أَتَيْنَا
أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَنَا وَالْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْعَظِيمِ، فَقَالَ لَنَا
الْعَبَّاسُ. وَأَخْبَرَنِي مُوسَى بْنُ [ص:138] سَهْلٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ
بْنُ أَحْمَدَ الْأَسَدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَارِثِ
الْعَبَّادِيُّ، قَالَ: قُمْتُ مِنْ عِنْدِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، فَأَتَيْتُ
عَبَّاسًا الْعَنْبَرِيَّ، فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا تَكَلَّمَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ
فِي أَمْرِ ابْنِ مَعْذَلٍ، فَسُرَّ بِهِ وَلَبِسَ ثِيَابَهُ، وَمَعَهُ أَبُو
بَكْرِ بْنُ هَانِي، فَدَخَلَ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، فَابْتَدَأَ عَبَّاسٌ،
فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، قَوْمٌ هَاهُنَا حَدَّثُوا، يَقُولُونَ: لَا
نَقُولُ مَخْلُوقٌ وَلَا غَيْرُ مَخْلُوقٍ. قَالَ: «هَؤُلَاءِ أَضَرُّ مِنَ
الْجَهْمِيَّةِ عَلَى النَّاسِ، وَيْلَكُمْ، فَإِنْ لَمْ تَقُولُوا لَيْسَ
بِمَخْلُوقٍ، فَقُولُوا مَخْلُوقٌ» ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: كَلَامُ سُوءٍ.
فَقَالَ الْعَبَّاسُ: مَا تَقُولُ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ؟ فَقَالَ: " الَّذِي
أَعْتَقِدُهُ وَأَذْهَبُ إِلَيْهِ، وَلَا أَشُكُّ فِيهِ، أَنَّ الْقُرْآنَ غَيْرُ
مَخْلُوقٍ. ثُمَّ قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَمَنْ يَشُكُّ فِي هَذَا؟ "،
ثُمَّ تَكَلَّمَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ اسْتِعْظَامًا لِلشَّكِّ فِي ذَلِكَ،
فَقَالَ: " سُبْحَانَ اللَّهِ، فِي هَذَا شَكٌّ؟ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:
{أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} [الأعراف: 54] ، فَفَرَّقَ بَيْنَ الْخَلْقِ
وَالْأَمْرِ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: فَالْقُرْآنُ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ،
أَلَا تَرَاهُ يَقُولُ: {عَلَّمَ الْقُرْآنَ} [الرحمن: 2] ، وَالْقُرْآنُ فِيهِ
أَسْمَاءُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، أَيَّ شَيْءٍ تَقُولُونَ؟ أَلَا تَقُولُونَ
إِنَّ أَسْمَاءَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ غَيْرُ مَخْلُوقَةٍ؟ مَنْ زَعَمَ أَنَّ
أَسْمَاءَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَخْلُوقَةٌ، فَقَدْ كَفَرَ، لَمْ يَزَلِ اللَّهُ
عَزَّ وَجَلَّ قَدِيرًا، عَلِيمًا، عَزِيزًا، حَكِيمًا، سَمِيعًا، بَصِيرًا،
لَسْنَا نَشُكُّ أَنَّ أَسْمَاءَ اللَّهِ لَيْسَتْ بِمَخْلُوقَةٍ، وَلَسْنَا
نَشُكُّ أَنَّ عِلْمَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَيْسَ بِمَخْلُوقٍ، وَهُوَ
كَلَامُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَمْ يَزَلِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ حَكِيمًا. ثُمَّ
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَأَيُّ كُفْرٍ أَبْيَنُ مِنْ هَذَا وَأَيُّ كُفْرٍ
أَكْفَرُ مِنْ هَذَا؟ إِذَا [ص:139] زَعَمُوا أَنَّ الْقُرْآنَ مَخْلُوقٌ، فَقَدْ
زَعَمُوا أَنَّ أَسْمَاءَ اللَّهِ مَخْلُوقَةٌ، وَأَنَّ عِلْمَ اللَّهِ مَخْلُوقٌ،
وَلَكِنَّ النَّاسَ يَتَهَاوَنُونَ بِهَذَا وَيَقُولُونَ: إِنَّمَا يَقُولُونَ
الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ، فَيَتَهَاوَنُونَ وَيَظُنُّونَ أَنَّهُ هَيِّنٌ وَلَا
يَدْرُونَ مَا فِيهِ مِنَ الْكُفْرِ. قَالَ: فَأَنَا أَكْرَهُ أَنْ أَبُوحَ
بِهَذَا لِكُلِّ أَحَدٍ، وَهُمْ يَسْأَلُونِي، فَأَقُولُ: إِنِّي أَكْرَهُ
الْكَلَامَ فِي هَذَا، فَبَلَغَنِي أَنَّهُمْ يَدَّعُونَ عَلَيَّ أَنِّي أَمْسِكُ ".
قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: فَمَنْ قَالَ الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ، فَقَالَ: «لَا
أَقُولُ أَسْمَاءُ اللَّهِ مَخْلُوقَةٌ، وَلَا عِلْمُهُ» ، وَلَمْ يَزِدْ عَلَى
هَذَا، أَقُولُ: هُوَ كَافِرٌ؟ فَقَالَ: «هَكَذَا هُوَ عِنْدَنَا» . قَالَ أَبُو
عَبْدِ اللَّهِ: «نَحْنُ نَحْتَاجُ أَنْ نَشُكَّ فِي هَذَا؟ الْقُرْآنُ عِنْدَنَا
فِيهِ أَسْمَاءُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَهُوَ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ، مَنْ قَالَ
مَخْلُوقٌ، فَهُوَ عِنْدَنَا كَافِرٌ» . ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: بَلَغَنِي
أَنَّ أَبَا خَالِدٍ، وَمُوسَى بْنَ مَنْصُورٍ وَغَيْرَهُمْ، يَجْلِسُونَ فِي
ذَلِكَ الْجَانِبِ، فَيَعِيبُونَ قَوْلَنَا، وَيَدْعُونَ إِلَى هَذَا الْقَوْلِ،
أَنْ لَا يُقَالَ: مَخْلُوقٌ وَلَا غَيْرُ مَخْلُوقٍ، وَيَعِيبُونَ مَنْ يَكْفُرْ،
وَيَزْعُمُونَ أَنَّا نَقُولُ بِقَوْلِ الْخَوَارِجُ ". ثُمَّ تَبَسَّمَ
أَبُو عَبْدِ اللَّهِ كَالْمُغْتَاظِ، ثُمَّ قَالَ: «هَؤُلَاءِ قَوْمُ سُوءٍ» ،
ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ لِلْعَبَّاسِ: " وَذَاكَ السِّجِسْتَانِيُّ
الَّذِي عِنْدَكُمْ بِالْبَصْرَةِ، ذَاكَ خَبِيثٌ، بَلَغَنِي أَنَّهُ قَدْ وَضَعَ
فِي هَذَا يَوْمًا، يَقُولُ: لَا أَقُولُ مَخْلُوقٌ وَلَا غَيْرُ مَخْلُوقٍ،
وَذَاكَ خَبِيثٌ، ذَاكَ الْأَحْوَلُ ". فَقَالَ الْعَبَّاسُ: كَانَ يَقُولُ
مَرَّةً بِقَوْلِ جَهْمٍ، ثُمَّ صَارَ إِلَى أَنْ يَقُولَ هَذَا الْقَوْلَ. فَقَالَ
أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: «مَا يَعْنِي أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ بِقَوْلِ جَهْمٍ إِلَّا
الشَّفَاعَةَ»
وكذا صح عن الشافعي التكفير بالقول بأن
أسماء الله مخلوقة فهذا حقيقته القول بأن الله مخلوق وأن أسماءه اتبكرها الخلق
وأنه يجوز عبادة غير الله لقوله تعالى ( ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها ) وقوله (
قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن ) فيكون الله أمرنا بعبادة غيره وخلق من خلقه
وهذه الضلالة أخذوها من أفلاطون الفيلسوف
الذي قال بأن العلة الأولى لا تسمى باسم ولا يشار إليها ( وهو متناقض إذ سماه
العلة الأولى ) فأخذ الجهمية بهذا القول وقالوا بأن أسماء الله مخلوقة بمعنى أن
الخلق أحدثوها من عندهم
الرابعة : نفيه حقيقة المجيء في قوله ( مجيئه
بغير تنقل )
قال الطبري في تفسيره حدثني موسى بن عبد
الرحمن المسروقيّ، قال: ثنا أبو أسامة، عن الأجلح، قال: سمعت الضحاك بن مزاحم، قال:
إذا كان يوم القيامة، أمر الله السماء الدنيا فتشقَّقت بأهلها، ونزل من فيها من
الملائكة، فأحاطوا بالأرض ومن عليها، ثم الثانية، ثم الثالثة، ثم الرابعة، ثم
الخامسة، ثم السادسة، ثم السابعة، فصفوا صفا دون صف، ثم ينزل الملك الأعلى على
مجنبته اليسرى جهنم، فإذا رآها أهل الأرض نَدُّوا فلا يأتون قطرا من أقطار الأرض
إلا وجدوا السبعة صفوف من الملائكة، فيرجعون إلى المكان الذي كانوا فيه، فذلك قول
الله: (إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ يَوْمَ تُوَلُّونَ
مُدْبِرِينَ) وذلك قوله: (وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا وَجِيءَ
يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ) وقوله: (يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإنْسِ إِنِ
اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ
فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلا بِسُلْطَانٍ) وذلك قوله: (وَانْشَقَّتِ
السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا)
وفي الباب أخبار كثيرة ولكنني آثرت هذا
لأنه كان على شرطي في مقالي ( براءة السلف من عقيدة التفويض ) وفاتني
الخامسة : نفي العلو بقوله ( علوه من غير
توقل ) والتوقل الصعود في اللغة واللطيف أن الفراء فسر استوى ب( صعد )
وما أحب الإطناب في هذا المقال إذ أن هذا
الكلام مخالفته عند طلبة العلم واضحة وهذه المسائل أطنب الكلام عليها كثيرون في
شروح كتب العقيدة
ولكنني هنا أردت أن ألفت ألفاتة ، كان
البنا يحرص على عدم الخوض في المسائل التي تثير نزاعات شديدة ، ولكن المرء لا
يمكنه أن يخفي عقيدته طويلا فكان يتكلم في هذه المواضيع من طرف خفي وبإشارات ، وهل
هذا النفي لأمور ثبتت بالنصوص وبالتفاسير وبالأحاديث يوافق التفويض والورع المزعوم
الذي ادعاه عصام تليمة
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه
وسلم