مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: التنبيه على تحريف في أثر ميمون بن مهران في تعريف الخوارج

التنبيه على تحريف في أثر ميمون بن مهران في تعريف الخوارج



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :

فينتشر هذه الأيام أثر عن ميمون بن مهران وينزل تنزيلاً عجيباً

فهذا الأثر : (قَالَ :ميمون بن مهران: أتدري مَا الحروري -الخارجي-الأزرقي، هُوَ الَّذِي إذا خالفت رأيه سماك كافراً واستحل دمك)

بهذا اللفظ نقله كل من عبد العزيز الموسى وخالد المصلح ومحمد السعيدان ، وهذا اللفظ في العقد الفريد ويبدو أنه غلط من المحقق

وهم يعزونه لفتح الباري لابن رجب واللفظ في فتح الباري مختلف تماماً وعزوه لابن رجب بهذا اللفظ غلط واضح

قال ابن رجب في فتح الباري :"  وخرج - أَيْضاً - بإسناده، عَن جَعْفَر بن برقان ن قَالَ: سألت ميمون بن مهران عَن الصلاة خلف من يذكر أَنَّهُ من الخوارج؟ فَقَالَ: إنك لا تصلي لَهُ، إنما تصلي لله، قَدْ كنا نصلي خلف الحجاج وَهُوَ حروري أزرقي. فنظرت إليه، فَقَالَ: أتدري مَا الحروري الأزرقي، هُوَ الَّذِي إذا خالفت آيةً سماك كافراً، واستحل دمك، وكان الحجاج كذلك"

فاللفظ ( إذا خالفت آية ) وليس ( خالفت رأيه )

وهذا حقيقة مذهب الخوارج لأنهم يكفرون بالكبيرة فالمخالفة المقصود منها هنا المخالفة بالفعل لا جحد الآية فهي كفر بإجماع أو الإستكبار عن حكمها، فالخوارج يكفرون الزاني واللوطي والقاذف والسارق لوقوعهم في الكبائر

فإن كان هذا معنى الأثر فما وجه تشبيه الحجاج بالخوارج

فيقال الحجاج كان أميراً وكان من خالف أمره قتله لا يفرق بين أمر وأمر ولا يفرق بين الخروج بالسيف ومجرد المخالفة 

قال ابن أبي شيبة في المصنف  7565 - حَدَّثَنَا كَثِيرُ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ، قَالَ: سَأَلْتُ مَيْمُونًا عَنْ رَجُلٍ، فَذَكَرَ أَنَّهُ مِنَ الْخَوَارِجِ، فَقَالَ: «أَنْتَ لَا تُصَلِّي لَهُ إِنَّمَا تُصَلِّي لِلَّهِ، قَدْ كُنَّا نُصَلِّي خَلْفَ الْحَجَّاجِ، وَكَانَ حَرُورِيًّا أَزْرَقِيًّا»

وهكذا اللفظ مختصراً عند ابن أبي شيبة ، وقد وجدته مختصراً في عامة المصادر القديمة فالله أعلم بتلك الزيادة 

ومما يدل على المعنى الذي ذكرت ما روي عن سعيد بن جبير 

جاء في مسائل صالح 1102 - حَدثنَا صَالح قَالَ حَدثنِي أبي قَالَ حَدثنَا سيار بن حَاتِم أَبُو سَلمَة الْعَنزي قَالَ حَدثنَا جَعْفَر قَالَ حَدثنَا مَالك بن دِينَار قَالَ سَأَلت سعيد بن جُبَير وَهُوَ فِي الْمَسْجِد الْحَرَام يَا أَبَا عبد الله مَا أميركم هَذَا قَالَ يُفَسر الْقُرْآن تَفْسِيرا أزرقيا فِي طَاعَة شامية يَعْنِي الْحجَّاج

ومما يقطع بالتفسير الذي ذكرت ما روى أبو داود في سننه 4643 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ، عَنْ عَاصِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ الْحَجَّاجَ، وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ: " اتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ لَيْسَ فِيهَا مَثْنَوِيَّةٌ، وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا لَيْسَ فِيهَا مَثْنَوِيَّةٌ، لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَاللَّهِ لَوْ أَمَرْتُ النَّاسَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنْ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ فَخَرَجُوا مِنْ بَابٍ آخَرَ لَحَلَّتْ لِي دِمَاؤُهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ، وَاللَّهِ لَوْ أَخَذْتُ رَبِيعَةَ بِمُضَرَ لَكَانَ ذَلِكَ لِي مِنَ اللَّهِ حَلَالًا، وَيَا عَذِيرِي مِنْ عَبْدِ هُذَيْلٍ يَزْعُمُ أَنَّ قِرَاءَتَهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَاللَّهِ مَا هِيَ إِلَّا رَجَزٌ مِنْ رَجَزِ الْأَعْرَابِ مَا أَنْزَلَهَا اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ عَلَيْهِ السَّلَام، وَعَذِيرِي مِنْ هَذِهِ الْحَمْرَاءِ يَزْعُمُ أَحَدُهُمْ أَنَّهُ يَرْمِي بِالْحَجَرِ فَيَقُولُ: إِلَى أَنْ يَقَعَ الْحَجَرُ قَدْ حَدَثَ أَمْرٌ، فَوَاللَّهِ لَأَدَعَنَّهُمْ كَالْأَمْسِ الدَّابِرِ " قَالَ: فَذَكَرْتُهُ لِلْأَعْمَشِ فَقَالَ: أَنَا وَاللَّهِ سَمِعْتُهُ مِنْهُ

فالحجاج ينص على أنه لو أمر رجلاً أمراً فخالفه فقد حل دمه وهذا وجه التشبيه

وليعلم أن التكفير حكم شرعي ليس مختصاً بالخوارج وإنما اختصاص الخوارج بالتكفير بما ليس بمكفر بغير شبهة علمية تجري على أصول أهل العلم

وهؤلاء الذين يضعون هذا الأثر باللفظ المحرف يريدون إذكاء ثقافة متأثرة بالليبرالية في ترك التكفير مطلقاً فكما مرتكب الكبيرة لا يكفر فكذلك في دينهم الجديد المستهزيء بالدين والليبراليون الذين يملأون الصحف ومواقع التواصل بالاستهزاء بالدين ونرى سكوتاً عجيباً عن تنزيل أحكام الكفر والردة عليهم في الوقت الذي يكفر فيه من يصنفونه خارجياً وإن خالف الخوارج الأولى في مسائل عظيمة وأصلية

وخلاصة البحث أن التكفير حكم شرعي لا يلغى بمجرد وجود بعض الغلاة ، وإذا رأيت الرجل يتكلم عن الغلو في التكفير ولا يتكلم عن الغلو في عدم التكفير فاعلم أنه صاحب دنيا وأضواء يسير مع أهواء الناس

وأهل البدع يبتدعون قولاً ثم يكفرون من خالفه وأما أهل السنة فيكفرون برد اتفاقات السلف والسنن الثابتة ، فمن كفرك لاستهزائك بالسنن أو مخالفتك القطعيات المجمع عليها فلا تقل ( كفرني لأنني خالفت رأيه ) فالدين اتباع لا رأي
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي