مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: الرد على عبد الإله العرفج في قياسه المولد على صلاة القيام ...

الرد على عبد الإله العرفج في قياسه المولد على صلاة القيام ...



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :

فقد كتب رجل اسمه عبد الإله العرفج كتابة ضعيفة في تأييد البدعة ونصرتها ، وتعقبه أحد الباحثين ببحث جيد

ولفت نظري أمر أردت التنبيه عليه

ولكن قبل التنبيه أود ذكر أمر هام وهو أن هؤلاء يهملون عشرات الآثار التي فيها السلف عبادات لها أصل في الشرع لكون كيفيتها محدثة كإنكار عمر على الرجبيين بل وإنكار بعض الأئمة لأمور ثبتت مشروعيتها كإنكار مالك للسجود على الحجر الأسود وإنكاره لسجود الشكر وغيرها ولولا أن الأصل عندهم المنع لما كان هذا ، ويخلط هؤلاء المستدلون بين ما الأصل فيه الإباحة بنص عام كالدعاء والذكر في الصلاة فكل دعاء مشروع ما لم يكن إثما أو قطيعة رحم وبين ما لا بد فيه من نص خاص كعبادة قام داعيها في زمن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة ولم يفعلوها

ولا يفرقون أيضاً بين ما ثبتت مشروعيته لفعل الصحابي وفعله حجة إن أقره الآخرون وفيه احتمالية التوقيف وما أحدثه الناس

مثال : قال البخاري في صحيحه 3293 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ سُمَيٍّ، مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " مَنْ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ، كَانَتْ لَهُ عَدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ، وَكُتِبَتْ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ، وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِائَةُ سَيِّئَةٍ، وَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنَ الشَّيْطَانِ يَوْمَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُمْسِيَ، وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ، إِلَّا أَحَدٌ عَمِلَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ "

فتأمل قوله ( أو أكثر من ذلك ) فهذا إذن بالزيادة وتحريها فكان أبو هريرة يسبح عدداً معيناً من التسبيحات كل يوم يزيد على هذا فعده الجهلة بدعة وليس بدعة لأنه فعل صحابي أقر وفيه احتمالية التوقيف ثم إنه سائر على الإذن النبوي وتحري العدد ليس دليلاً على أنه يمنع مما زاد بل هو ما قوي عليه

والأمر الذي أردت التنبيه عليه هو أن عبد الإله العرفج تنبه إلى أن صلاة القيام التي يتحراها الناس في العشر الأواخر ينطبق عليها تعريف البدعة ، وأراد أن يلزم من قال بمشروعيتها بالقول بمشروعية المولد ووضع جدولاً للمقارنة دلس فيه على القراء

وأردت التنبيه لأنني أنا أقول ببدعية صلاة القيام في العشر الأواخر وأنه ينبغي صلاتها أول الليل وذلك لعدة أمور

أولها : أن فيها اعتقاد أفضلية ونصوص عامة الفقهاء أن الصلاة أول الليل أفضل مطلقاً ، ومن قال بأفضليتها آخر الليل قال بذلك مطلقاً

ثانيها : أن في ذلك مشقة على الناس والأصل في الصلوات التي يجتمع فيها الناس تحري الأخف على الناس لذا صلاة العشاء تقدم مع أن الأفضل فيها التأخير في غير حال الاجتماع

وهناك أمور أخرى

ولكن هذا الأمر لا يقاس أبداً على المولد فالمولد أبعد

وقد ادعى عبد الإله العرفج أن الأصل في صلاة القيام حديث شد المئزر ، وأقول هذا سليم من وجهة نظر المستدلين بهذا الحديث على صلاة القيام ولكنهم زادوا لتخصيص الثلث الأخير من الليل بالصلاة حديث النزول الإلهي

فعندهم أصل يدل على أفضلية الوقت وأصل يدل على مشروعية الصلاة ككل  ، وإنما إنكارنا من الأوجه السابقة مع كون الأمر قام داعيه في زمن السلف فلم يفعلوه بل فعلوا خلافه ،  ولنأتي لهذا في أمر المولد

قال مسلم في صحيحه 197 - (1162) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، - وَاللَّفْظُ لِابْنِ الْمُثَنَّى - قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ غَيْلَانَ بْنِ جَرِيرٍ، سَمِعَ عَبْدَ اللهِ بْنَ مَعْبَدٍ الزِّمَّانِيَّ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ صَوْمِهِ؟ قَالَ: فَغَضِبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: رَضِينَا بِاللهِ رَبًّا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا، وَبِبَيْعَتِنَا بَيْعَةً. قَالَ: فَسُئِلَ عَنْ صِيَامِ الدَّهْرِ؟ فَقَالَ: «لَا صَامَ وَلَا أَفْطَرَ - أَوْ مَا صَامَ وَمَا أَفْطَرَ -» قَالَ: فَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمَيْنِ وَإِفْطَارِ يَوْمٍ؟ قَالَ: «وَمَنْ يُطِيقُ ذَلِكَ؟» قَالَ: وَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمٍ، وَإِفْطَارِ يَوْمَيْنِ؟ قَالَ: «لَيْتَ أَنَّ اللهَ قَوَّانَا لِذَلِكَ» قَالَ: وَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمٍ، وَإِفْطَارِ يَوْمٍ؟ قَالَ: «ذَاكَ صَوْمُ أَخِي دَاوُدَ - عَلَيْهِ السَّلَام -» قَالَ: وَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ؟ قَالَ: «ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ، وَيَوْمٌ بُعِثْتُ - أَوْ أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهِ -» قَالَ: فَقَالَ: «صَوْمُ ثَلَاثَةٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَرَمَضَانَ إِلَى رَمَضَانَ، صَوْمُ الدَّهْرِ» قَالَ: وَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ؟ فَقَالَ: «يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ وَالْبَاقِيَةَ» قَالَ: وَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ؟ فَقَالَ: «يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ» وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ رِوَايَةِ شُعْبَةَ قَالَ: وَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ؟ فَسَكَتْنَا عَنْ ذِكْرِ الْخَمِيسِ لَمَّا نُرَاهُ وَهْمًا

فهذا هو الأصل المعتمد في موضوع المولد

فأولاً النبي صلى الله عليه وسلم لم يجعل الفضل للتاريخ الهجري بل ليوم الاثنين نفسه

وثانياً : النبي صلى الله عليه وسلم لم يجعله عيداً يحتفل به بل فعل فيه ما لا يفعل بالأعياد وهو الصيام !

والذي يفعله أصحاب المولد أنهم يحتفلون بهذا اليوم بالتاريخ الهجري من ربيع الأول سواءً صادف الاثنين أم لم يصادفه ولا يوجد منهم من يصومه أصلاً

فأين هذا الاستدلال من الاستدلال بفضل القيام في الثلث الأخير من الليل وتحري ذلك بدليلين أحدهما يدل على فضل هذا الوقت وآخر يدل على فضل قيام الليل وإنما دخل على المستدل بتخصيصه لعشر ليال مخصوصات لهن فضل ولكن تخصيص القيام بهن في الثلث الأخير من الليل لم يفعله السلف مع قيام داعيه وقد أورث العامة اعتقاداً فاسداً وشق عليهم وغير ذلك مما قدمنا ذكره

فخلاصة البحث أن أن ثلث الليل الآخر له فضل ثابت وذلك التاريخ الهجري ليس له فضل في النص وإنما الفضل ليوم الاثنين

وأن صلاة الليل لها فضل عام وفضل في رمضان خاصة ، والاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم كما يحتفل بالأعياد لا فضل له أبداً ، وإنما ورد فضل الصيام

وإنما يتقاطعان في قيام داعيهما وعدم فعل السلف للأمرين بل فعل خلافه

ولو نظرنا إلى إنكار عمر فحسب على من تحروا رجباً بالصيام وهي عبادة مشروعة ثم قارنا هذا بالمولد لعلمنا أن إنكار المولد هو المسلك والجادة

ومثل ما قلناه في القيام يقال في الإطعام عن الميت والذي قاسه على المولد مع ورود النص صريحاً بفعل الإطعام عن الميت بالصدقة عنه ، غير أن التحري لذلك في ليلة معينة يحتاج إلى دليل وإلا صار محدثاً

قال أبو نعيم في الحلية حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ مَالِكٍ، ثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، ثنا أَبِي، ثنا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ، ثنا الْأَشْجَعِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: قَالَ طَاوُسٌ: «إِنَّ الْمَوْتَى يُفْتَنُونَ فِي قُبُورِهِمْ سَبْعًا، فَكَانُوا يَسْتَحِبُّونَ أَنْ يُطْعَمَ عَنْهُمْ تِلْكَ الْأَيَّامِ»

وطاوس تابعي فهو هنا يتكلم عن فعل الصحابة والتابعين الكبار وهذا أمر لا يعلمونه إلا بتوقيف وقد ورد عن عبيد بن عمير أنه الميت يفتن في السبعة الأولى من دفنه وعبيد تابعي كبير مخضرم وهذا يقوي الأمر وهذا أعلى ما وقفت عليه في الباب 

والعجيب أن القوم من فرط التناكد يقولون ببدعية تقسيم التوحيد مع إقرارهم ببدع كثيرة وأنها حسنة وهذا تقسيم علمي للتوضيح كتقسيم أفعال الصلاة والحج وهم أنفسهم يقسمون صفات الله إلى أقسام 

وتقسيم التوحيد معناه وارد في قوله تعالى ( وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ) فسرها السلف أن إيمانهم إقرارهم بالربوبية وشركهم هو عبادتهم غير الله 
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي