مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: تقويم المعاصرين ( الحلقة الرابعة )

تقويم المعاصرين ( الحلقة الرابعة )



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :



فهذه حلقة جديدة في سلسلة ( تقويم المعاصرين ) وهي تتعلق بباب النبوات ، وهذا الباب يقارن باب الصفات في كثرة الأخطاء ، غير أنه فيه دفع كثير للآثار وإزراء على السلف حتى أنك لو جمعت أفراد الآثار التي ذكرها السلف وسنذكر دفع كثير من المعاصرين لها واعتبارهم لها طعناً في الأنبياء لبلغت المائة أثر إذا اعتبرنا اختلاف المتكلم من التابعين أو الصحابة وإنا لله وإنا إليه راجعون

وقبل الشروع سأذكر مقدمة في دفع دعوى كثير من المتأخرين في أن آثار السلف التي تتابعوا عليها إسرائيليات خصوصاً ما ثبت عن الصحابة وهذه دعوى كثير منهم تلقاها عن ابن كثير وابن كثير خالف في هذا طريقة شيخه الذي كان يستبعد أن يصح الأثر عن الصحابي ويكون إسرائيلية لأن الإسرائيلية لا تصدق ولا تكذب فكيف يجزم بها الصحابي

فهنا أحب الإجابة على شبهة انتشرت في المعاصرين والمتأخرين ، وهي أنهم كلما رأوا صحابياً يتكلم في أمر غيبي قالوا [  هذه إسرائيلية ]  وأحسنهم طريقة من يقول [  قد تكون إسرائيلية ]  ، وكأن الصحابة والتابعين ما كان عندهم طريقة لمعرفة الأمور الغيبية إلا الأخبار الإسرائيلية ، والواقع أنه لا يوجد دليل ولا قرينة على صدق دعواهم أن هذه إسرائيلية ، بل الأدلة والقرائن كلها تدل على أن هذه الأخبار أخذت من أصول صحيحة وبيان ذلك من وجوه منها ما هو عام ومنها ما يتعلق بابن عباس وحده


الوجه الأول : أننا إذا قلنا أن الصحابة أخذوا عن بني إسرائيل وصاروا يحدثون عنهم بما لا أصل في شرعنا ، جازمين به موهمين الناس أنه حق فقد نسبنا الصحابة إلى تضليل الأمة

وقد نبه على هذا القاضي أبو يعلى في إبطال التأويلات  [ 1/ 222 ]  :

 فإن قيل: فقد قيل إن عبد الله بن عمرو وسقين يوم اليرموك، وكان فيها من كتب الأوائل مثل دانيال وغيره، فكانوا يقولون له إذا حدثهم: حَدَّثَنَا ما سمعت من رسول الله، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا تحدثنا من وسقيك يوم اليرموك، فيحتمل أن يكون هَذَا القول من جملة تِلْكَ الكتب فلا يجب قبوله.

 وكذلك كان وهب بن منبه يَقُول: إنما ضل من ضل بالتأويل، ويرون فِي كتب دانيال أنه لما علا إلى السماء السابعة فانتهوا إلى العرش رأى شخصا ذا وفرة فتأول أهل التشبيه عَلَى أن ذَلِكَ ربهم وإنما ذَلِكَ إبراهيم ؟ قيل: هَذَا غلط لوجوه:أحدهما أنه لا يجوز أن يظن به ذَلِكَ لأن فيه إلباس فِي شرعنا، وهو أنه يروي لهم ما يظنوه شرعا لنا، ويكون شرعا لغيرنا، ويجب أن ننزه الصحابة عن ذَلِكَ . اهــ

قلت : بل يجب تنزيه السلف كلهم عما ينسبه إليهم هؤلاء ، إذ يزعمون أنهم تتابعوا على قبول هذه الآثار الإسرائيلية المتعلقة بالله وملائكته وأنبيائه وأودعوها في كتب المعتقد والتفسير معتمدين لها بغير نكير ، مع نكارة متونها ( زعموا (


الوجه الثاني : أن الصحابة كانوا ينقدون ما يذكره أهل الكتاب لهم ولا يقبلونه مطلقاً ، وما سلم من نقد الصحابة أنى لنا أن نقف على موطن الخلل فيه .

قال المعلمي رحمه الله : قال معاوية لما ذكر له كعب الأحبار فقال : إن كان من أصدق هؤلاء المحدثين عن أهل الكتاب، وإن كنا من ذلك لنبلو عليه الكذب. وكان عند عبد الله بن عمرو بن العاص صحيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسميها [ الصادقة ] تميزاً لها عن صحف كانت عنده من كتب أهل الكتاب. وزعم كعب أن ساعة الإجابة إنما تكون في السنة مرة أو في الشهر مرة، فرد عليه أبو هريرة وعبد الله بن سلام بخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنها في كل يوم جمعة وبلغ حذيفة أن كعباً يقول: إن السماء تدورعلى قطب كقطب الرحي، فقال حذيفة  [ كذب كعب ... ] وبلغ ابن عباس أن نوفاً البكالي - وهو من أ صحاب كعب - يزعم أن موسى صاحب الخضر غير موسى بن عمران،فقال ابن عباس [  كذب عدو الله.. .]  ولذلك نظائر . اهــ وقال أبو جعفر بن جرير : حدثنا ابن بشار، حدثنا عبد الرحمن، حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن أبي وائل قال: جاء رجل إلى عبد الله -هو ابن مسعود-

فقال: من أين جئت؟

قال: من الشام. قال: مَنْ لقيت؟

 قال: لقيت كعبًا.

قال: ما حدثك كعب؟ قال: حدثني أن السموات تدور على مِنْكَب مَلَك. قال: أفصدقته أو كذبته ؟

قال: ما صدقته ولا كذبته. قال: لوددت أنك افتديت مَن رحلتك إليه براحلتك ورَحْلِها، كَذَب كعب.

إن الله تعالى يقول: { إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ }


قال شيخ الإسلام ابن تيمية في بيان تلبيس الجهمية [ 3/268]:

وهذا الأثر وإن كان في رواية كعب فيحتمل أن يكون من علوم أهل الكتاب ويحتمل أن يكون مما تلقاه عن الصحابة ورواية أهل الكتاب التي ليس عندنا شاهد هو لا دافعها لا يصدقها ولا يكذبها فهؤلاء الأئمة المذكورة في إسناده هم من أجل الأئمة وقد حدثوا به هم وغيرهم ولم ينكروا ما فيه من قوله :من ثقل الجبار فوقهن. فلو كان هذا القول منكرًا في دين الإسلام عندهم لم يحدثوا به على هذا الوجه . اهـ
 قال إبراهيم رجا  :فتأمل كيف احتج شيخ الإسلام بكون هذا ( المعنى ) غير منكر بتحديث الأئمة له وعدم إنكارهم لما فيه وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم خيرة الخلق وأفضلهم بعد الأنبياء والمرسلين فما قيل في أولئك الأئمة يقال فيهم من باب أولى رضي الله عنهم

وقال العلامة ابن القيم – [ كما في مختصر الصواعق- ص436 ]

 : وَرَوَى يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ كَعْبٍ قَالَ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي التَّوْرَاةِ

: أَنَا اللَّهُ فَوْقَ عِبَادِي، وَعَرْشِي فَوْقَ جَمِيعِ خَلْقِي، وَأَنَا عَلَى عَرْشِي أُدَبِّرُ أَمْرَ عِبَادِي، وَلَا يَخْفَى عَلَيَّ شَيْءٌ فِي السَّمَاءِ وَلَا فِي الْأَرْضِ.

 وَرَوَاهُ ابْنُ بَطَّةَ وَأَبُو الشَّيْخِ وَغَيْرُهُمَا بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ. وَهَبْ أَنَّ الْمُعَطِّلَ يُكَذِّبُ كَعْبًا وَيَرْمِيهِ بِالتَّجْسِيمِ، فَكَيْفَ حَدَّثَ بِهِ عَنْهُ هَؤُلَاءِ الْأَعْلَامُ مُثْبِتِينَ لَهُ غَيْرَ مُنْكِرِينَ ؟


الوجه الثالث : أن جزم الصحابي بما يقول يؤكد أنه ليس إسرائيلية ، لأن الاسرائيليات لا تصدق ولا تكذب ، فكيف يجزم بما لا يصدق ولا يكذب

وقد نبه على هذا المعنى شيخ الإسلام ابن تيمية

كما في مجموع الفتاوى [ 13/ 345] :

 وَمَا نُقِلَ فِي ذَلِكَ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ نَقْلًا صَحِيحًا فَالنَّفْسُ إلَيْهِ أَسْكَنُ مِمَّا نُقِلَ عَنْ بَعْضِ التَّابِعِينَ لِأَنَّ احْتِمَالَ أَنْ يَكُونَ سَمِعَهُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ مِنْ بَعْضِ مَنْ سَمِعَهُ مِنْهُ أَقْوَى ؛ وَلِأَنَّ نَقْلَ الصَّحَابَةِ عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أَقَلُّ مِنْ نَقْلِ التَّابِعِينَ وَمَعَ جَزْمِ الصَّاحِبِ فِيمَا يَقُولُهُ فَكَيْفَ يُقَالُ إنَّهُ أَخَذَهُ عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَقَدْ نُهُوا عَنْ تَصْدِيقِهِمْ؟ .اهـ


الوجه الرابع : أن الصحابة عموماً وابن عباس خصوصاً كانوا من أشد احترازاً من التفسير بالرأي ، لاحتماله الصواب والخطأ فكيف يفسرون القرآن بالاسرائيليات التي تحتمل الصواب والخطأ ، والتي تحمل في طياتها على زعم جماعة من المعاصرين اعتقاداً باطلاً !

قال أبو عبيد في فضائل القرآن [  689 ] :

 حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ، عن أيوب ، عن ابن أبي مليكة ، قال :

 سأل رجل ابن عباس عن يوم كان مقداره ألف سنة  ؟

فقال ابن عباس : فما يوم كان مقداره خمسين ألف سنة  ؟

قال الرجل : إنما سألتك لتحدثني .

فقال ابن عباس : هما يومان ذكرهما الله في كتابه ، الله أعلم بهما   . فكره أن يقول في كتاب الله ما لا يعلم .

أقول : فأين من ينسب ابن عباس إلى التفسير بالرأي والتوسع في ذلك  ؟


قال أبو عبيد القاسم بن سلام في فضائل القرآن [  690 ] :

 حدثنا محمد بن جعفر ، عن شعبة ، عن عمرو بن مرة ، قال : قال رجل لسعيد بن جبير :

 أما رأيت ابن عباس حين سئل عن هذه الآية والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم  فلم يقل فيها شيئا ، فقال سعيد : كان لا يعلمها

أقول : فأين من ينسب ابن عباس إلى التفسير بالرأي والتوسع في ذلك ، وأنه إمام مدرسة التفسير بالرأي !


الوجه الخامس : من يقول في بعض أخبار ابن عباس أنها إسرائيلية

من أين له أنه أخذه عن بني إسرائيل فقد يكون أخذه عن غيره من الصحابة ، أو عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وخصوصاً وأن ابن عباس روايته عن النبي صلى الله عليه وسلم وغيره من الصحابة أكثر بكثير من روايته عن كعب الأحبار فإنها قليلة جداً

فإن قيل : لو كان عن النبي صلى الله عليه وسلم لسماه ؟

فيقال : هذا الإيراد يسقطه وجود المرفوع حكماً ، وقد حكى العديد من الصحابة أخباراً غيبية ولا يعرفون بالأخذ عن بني إسرائيل فاعتبر ذلك العلماء مرفوعاً حكماً .


فعلى سبيل المثال لا الحصر قال ابن المبارك في الزهد [  425 ] :

 قال أنا سفيان عن منصور عن أبي الضحى عن مسروق عن ابن مسعود قال :

  جنات عدن بطنان الجنة  , يعني سرة الجنة.

فهذا له حكم الرفع من صحابي لا يعرف بالأخذ عن علماء أهل الكتاب ممن أسلم ، ولم يرفعه وله حكم الرفع

وهذا حذيفة يحكي قصة إهلاك قوم لوط كما في الكتاب العقوبات لابن أبي الدنيا

وهذا عثمان يحكي قصة ذاك الرجل الذي شرب الخمر فزنا وقتل كما في المصنف [   17060 ]

وغيرهم كثير ولا يعرفون بالأخذ عن بني إسرائيل ولا يشك أحد أنهم أخذوا ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم

وابن عباس تتلمذ على عمر بن الخطاب ، وكان من أهل مجلس شورته وحمل عنه علماً كثيراً ، وفي صحيح البخاري سأله عن المرأتين اللتين تظاهرتا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأجابه عمر

وتتلمذ على أبي بن كعب ، وعنه يروي قصة موسى والخضر التي في الصحيحين

وتتلمذ على زيد بن ثابت ، وأمر تلمذته عليه مشهور

فلو فرضنا أنه جاءنا أثر عن ابن عباس ولو نعلم هل هو إسرائيلية أخذها من كعب الأحبار أم هي خبر مرفوع عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أو عن عمر أو عن أبي بن كعب أو زيد بن ثابت أو غيرهما من الصحابة

لكانت القسمة العادلة تقتضي أن يكون احتمال كونه مأخوذاً عن النبي صلى الله عليه وسلم أو قراء صحابته 80% ، واحتمال كونه مأخوذاً من كعب الأحبار 20% أو أقل من ذلك

فما كان هذا شأنه كيف يجزم أنه إسرائيلية ، بل لو كان مرفوعاً حكماً وكذبنا به لكان هذا التكذيب كفراً ، فأيهما أحوط للدين أن نكذب بما لم نحط به علماً ، أم أن نعرف لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم قدرهم ونعتقد ما اعتقدوا .


الوجه السادس :   قال عبد الرزاق في تفسيره [  2596 ] :

 عَنْ إِسْرَائِيلُ , عَنْ فُرَاتٍ الْقَزَّازِ , عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , قَالَ:

 أَرْبَعُ آيَاتٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ لَمْ أَدْرِ مَا هُنَّ حَتَّى سَأَلْتُ عَنْهُنَّ كَعْبَ الْأَحْبَارِ:

قَوْمُ تُبَّعٍ فِي الْقُرْآنِ وَلَمْ يُذْكَرْ تُبَّعٌ , قَالَ: إِنَّ تُبَّعًا كَانَ مَلِكًا وَكَانَ قَوْمُهُ كُهَّانًا , وَكَانَ فِي قَوْمِهِ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَكَانَ الْكُهَّانُ يَبْغُونَ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ , وَيَقْتُلُونَ تَابِعَتَهُمْ .

 فَقَالَ أَصْحَابُ الْكِتَابِ لِتُبَّعٍ: إِنَّهُمْ يَكْذِبُونَ عَلَيْنَا .

 قَالَ: فَإِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فَقَرِّبُوا قُرْبَانًا فَأَيُّكُمْ كَانَ أَفْضَلَ أَكَلَتِ النَّارُ قُرْبَانَهُ , قَالَ: فَقَرَّبَ أَهْلُ الْكِتَابِ وَالْكُهَّانُ , فَنَزَلَتْ نَارٌ مِنَ السَّمَاءِ فَأَكَلَتْ قُرْبَانَ أَهْلِ الْكِتَابِ .

 قَالَ: فَتَبِعَهُمْ تُبَّعٌ فَأَسْلَمَ , فَلِهَذَا ذَكَرَ اللَّهُ قَوْمَهُ فِي الْقُرْآنِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ .

 وَسَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ {وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ}  قَالَ: «شَيْطَانٌ أَخَذَ خَاتَمَ سُلَيْمَانَ الَّذِي فِيهِ مُلْكُهُ فَقَذَفَ بِهِ فِي الْبَحْرِ فَوَقَعَ فِي بَطْنِ سَمَكَةٍ , فَانْطَلَقَ سُلَيْمَانُ يَطُوفُ إِذْ تُصُدِّقَ عَلَيْهِ بِتِلْكَ السَّمَكَةِ , فَاشْتَرَاهَا فَأَكَلَهَا , فَإِذَا فِيهَا خَاتَمُهُ فَرَجَعَ إِلَيْهِ مُلْكُهُ .

أقول : ظاهر هذا أن ابن عباس لم يتعلم من كعب إلا هذه الأمور الأربعة ، وأما بقية الآيات فكان عنده علمٌ من قبل كعب الأحبار فتنبه لهذا فإنه مهم ، ولم يذكر الآيتين الباقتين

وقد جاءت في خبر عكرمة

قال ابن أبي شيبة في المصنف [  35253] :

 حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ ، عَنْ زَائِدَةَ ، عَنْ مَيْسَرَةَ الأَشْجَعِيِّ ، عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ :

 قَالَ : سَأَلْتُ كَعْبًا : مَا سِدْرَةُ الْمُنْتَهَى ؟

فَقَالَ : سِدْرَةٌ يَنْتَهِي إِلَيْهَا عِلْمُ الْمَلاَئِكَةِ ، وَعِنْدَهَا يَجِدُونَ أَمْرَ اللهِ لاَ يُجَاوِزُهَا عِلْمُهُمْ .

 وَسَأَلْتُهُ عَنْ جَنَّةِ الْمَأْوَى ؟

 فَقَالَ : جَنَّةٌ فِيهَا طَيْرٌ خُضْرٌ ، تَرْتَقِي فِيهَا أَرْوَاحُ الشُّهَدَاءِ.

وقال أيضاً [ 32544]  :

 حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ ، عَنْ زَائِدَةَ ، عَنْ مَيْسَرَةَ الأَشْجَعِيِّ ، عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ :

 قَالَ : سَأَلْتُ كَعْبًا عَنْ رَفْعِ إدْرِيسَ مَكَانًا عَلِيًّا ؟ وذكر خبراً

فهذا يدل على أن بقية القرآن كله علمه ابن عباس من الصحابة من أمثال عمر بن الخطاب الذي ذكر كما في صحيح البخاري أنه أخبره بشأن المرأتين اللتين تظاهرتا ، وأبي بن كعب الذي روى عنه قصة موسى والخضر في الصحيح ، وزيد بن ثابت الذي تتلمذ عليه طويلاً وغيرهم من الصحابة

فإذا تأرجح بين كونه مأخوذاً عن كعب أو غيره ، كان الأصل أنه أخذه من غيره من الصحابة لأن هذا هو الأكثر الغالب ، وإذا كان متعلقاً بأمر القرآن فالمتعين أنه أخذه عن النبي صلى الله عليه وسلم أو الصحابة لأن مسائله عن كعب عدها لك عداً


الوجه السابع : أن ابن عباس كان من أشد الناس احترازاً من أباطيل أهل الكتاب

قال البخاري في صحيحه [  7363 ] :

 حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ أَخْبَرَنَا ابْنُ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ :

 كَيْفَ تَسْأَلُونَ أَهْلَ الْكِتَابِ عَنْ شَيْءٍ وَكِتَابُكُمْ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْدَثُ تَقْرَءُونَهُ مَحْضًا لَمْ يُشَبْ .

وَقَدْ حَدَّثَكُمْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ بَدَّلُوا كِتَابَ اللَّهِ وَغَيَّرُوهُ وَكَتَبُوا بِأَيْدِيهِمْ الْكِتَابَ وَقَالُوا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا .

أَلَا يَنْهَاكُمْ مَا جَاءَكُمْ مِنْ الْعِلْمِ عَنْ مَسْأَلَتِهِمْ لَا وَاللَّهِ مَا رَأَيْنَا مِنْهُمْ رَجُلًا يَسْأَلُكُمْ عَنْ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْكُمْ .

فيقال كيف يسأل كعباً بعد هذا ؟

فالجواب : أنه يتحدث عن أهل الكتاب الذين بقوا على كفرهم ، وأما كعب فقد أسلم وعرف صدقه  وأمانته ، ومع ذلك كان رواياته خاضعة لنقد الصحابة ، فلا تظن أنهم يحدثون عنه بشيء قد علموا بطلانه ، أو لا يجزمون بصحته ، وسؤال ابن عباس لا يعد إقراراً بالضرورة



وقد أحسن محمد بازمول حين قال في شرحه على مقدمة التفسير [ ص65 ] :

 قال شيخ الإسلام :  وَمَا نُقِلَ فِي ذَلِكَ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ نَقْلًا صَحِيحًا فَالنَّفْسُ إلَيْهِ أَسْكَنُ مِمَّا نُقِلَ عَنْ بَعْضِ التَّابِعِينَ ؛

لِأَنَّ احْتِمَالَ أَنْ يَكُونَ سَمِعَهُ مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَوْ مِنْ بَعْضِ مَنْ سَمِعَهُ مِنْهُ أَقْوَى.

وَلِأَنَّ نَقْلَ الصَّحَابَةِ عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أَقَلُّ مِنْ نَقْلِ التَّابِعِينَ.

وَمَعَ جَزْمِ الصَّاحِبِ فِيمَا يَقُولُهُ فَكَيْفَ يُقَالُ إنَّهُ أَخَذَهُ عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَقَدْ نُهُوا عَنْ تَصْدِيقِهِمْ؟

ثم علق في الحاشية بقوله :

 لدى بعض الناس جرأة غريبة ، إذا ما جاء نص عن الصحابي، في قضية مما لا يجدها في القرآن العظيم والسنة النبوية، فإنه يهجم على القول بأنها مما تلقاه ذلك الصحابي عن بني إسرائيل!

والحقيقة أن الأمر يحتاج إلى وقفة متأنية.

 فأقول: لا شك أن الصحابي الذي جاء في كلامه ما هو من قبيل كشف المبهم، لن يورد شيئاً عن أهل الكتاب يخالف ما في شرعنا، نجزم بذلك.

 إذا ما أورده الصحابي - على فرض أنه مما تلقاه عن أهل الكتاب - إمّا أن يكون مما يوافق شرعنا، وإما أن يكون مما لا يوافق و لا يخالف، ويدخل تحت عموم قوله - صلى الله عليه وسلم -: "حدثوا عن بني إسرائيل ولاحرج" [أحمد وأبو داود]، "وإذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم و لا تكذبوهم" [أحمد وأبو داود].

فالجرأة على رد ما جاء عن الصحابي بدعوى أنه من أخبار أهل الكتاب، لا يناسب علمهم وفضلهم رضي الله عنه، ويوضح هذا: أن الصحابي إذا جزم بشيء من هذه الأمور في تفسير آية فإنه يغلب على الظن أنه مما تلقاه عن الرسول - صلى الله عليه وسلم -، أو مما قام على ثبوته الدليل، وإلا كيف يجزم به في تفسير الآية، وهو يعلم أن غاية هذا الخبر أنه مما لا نصدقه أو نكذبه؟!

من ذلك ما جاء عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قال: (فُصِل القرآن الكريم من اللوح المحفوظ وأُنزِل في بيت العزة في السماء الدنيا، ثم نَزَل على محمد صلى الله عليه وسلم مُنَجَّمَاً في ثلاث وعشرين سنة) [الطبراني في الكبير: (12243)،والحاكم في المستدرك: (2932)،والبزارفي مسنده: (210/ 2)].

رأيتُ بعض المتأخرين يجزم بأن هذا من الإسرائيليات، وبأن هذا مما تلقاه ابن عباس عنهم، مع أن هناك قرائن في نفس الخبر تمنع هذا؛ منها:

أولاً: جَزْم ابن عباس به.

ثانياً: لا علاقة له بالتوراة والإنجيل لأنه يتكلم عن القرآن.

ثالثاً: هو يتكلم عن نزول القرآن على الرسول صلى الله عليه وسلم.

رابعاً: لا مخالف لابن عباس في هذا.

فهذا مما يجعل سند ابن عباس هذا - وإن كان موقوفاً سنداً - فهو مرفوع حكماً ومعنى، يعني أن له حكم الرفع.

وجاء عن ابن عباس نفسه أنه كان ينهى عن الأخذ عن أهل الكتاب، كما روى البخاري في صحيحه، فكيف نقول: إن هذا من الإسرائيليات.اهـ كلام الشيخ بازمول

وهذا كلامٌ غاية في التحرير جزى الله محمد بازمول خيراً عليه ، ولهذا تجد أن السلف أوردوا مثل هذه الآثار في كتب العقيدة ، ومحمد يركز في كلامه على التفسير لأنه يشرح مقدمةً في التفسير ، وإلا فمن باب أولى أن يقال أنه لا يليق بالصحابة أنهم يتكلمون في أمور العقيدة بأباطيل الإسرائيليات


الوجه الثامن : أن بعض الآثار الغيبية عن الصحابة أجمع أهل السنة على اعتقادها ولم يدفعها أحد بأنها اسرائيلية كأثر ابن عباس [  الكرسي موضع القدمين ] 


الوجه التاسع : أن الصحابة كان ينكرون على بعضهم في المسائل الفقهية إذا رأوا من أحدهم ما خالف دليلاً ، ولم يؤثر عن أحد منهم إنكار خبر غيبي حدث به ابن عباس ولا التابعين فدل على استقامة الأمر ودخوله في الإجماع السكوتي .


الوجه العاشر : أنني لم أجد - فيما أعلم - من السلف في القرون الثلاثة الأولى أنه رد أثراً ثابتاً عن صحابي بحجة أنه إسرائيلية ، وقد علم في علم الأصول ، أن الإجماع السكوتي إذا مر عليه عدة قرون دخل في حكم الإجماع القطعي

ذكر الزركشي في البحر المحيط (6/ 473) قيوداً لا بد منها في الإجماع السكوتي فقال :

 القيد الخامس : أن لا يتكرر مع طول الزمان وصرح بذلك التلمساني في شرح المعالم ، وأنه ليس محل خلاف .اهـ

يريد أنه إذا تكرر دخل في حكم الإجماع القطعي ، فكيف إذا كان هذا التكرر حصل في القرون الفاضلة .


الوجه الحادي عشر : قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى [ 28/ 125]  :

 وَلِهَذَا كَانَ إجْمَاعُ هَذِهِ الْأُمَّةِ حُجَّةً ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخْبَرَ أَنَّهُمْ يَأْمُرُونَ بِكُلِّ مَعْرُوفٍ وَيَنْهَوْنَ عَنْ كُلِّ مُنْكَرٍ ؛ فَلَوْ اتَّفَقُوا عَلَى إبَاحَةِ مُحَرَّمٍ أَوْ إسْقَاطِ وَاجِبٍ ؛ أَوْ تَحْرِيمِ حَلَالٍ أَوْ إخْبَارٍ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى ؛ أَوْ خَلْقِهِ بِبَاطِلِ : لَكَانُوا مُتَّصِفِينَ بِالْأَمْرِ بِمُنْكَرٍ وَالنَّهْيِ عَنْ مَعْرُوفٍ : مِنْ الْكَلِمِ الطَّيِّبِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ ؛ بَلْ الْآيَةُ تَقْتَضِي أَنَّ مَا لَمْ تَأْمُرْ بِهِ الْأُمَّةُ فَلَيْسَ مِنْ الْمَعْرُوفِ وَمَا لَمْ تَنْهَ عَنْهُ فَلَيْسَ مِنْ الْمُنْكَرِ .اهـ

وإذا علم يقيناً أن عامة الآثار المذكورة عن ابن عباس وغيره من الصحابة مما يزعم بعض المعاصرين والمتأخرين أنها إسرائيليات لم ينكرها أحد من الصحابة ولا التابعين ، ولو أنكرها تابعي واحد لم يكن ذلك حجة فكيف لو أنكره من تأخر عن الأزمنة الفاضلة بقرون


الوجه الثاني عشر : قال شيخ الإسلام في اقتضاء الصراط المستقيم [ 1/311]  :

 وأنت ترى عامة كلام أحمد إنما يثبت الرخصة بالأثر عن عمر ، أو بفعل خالد بن معدان ، ليثبت بذلك أن ذلك كان يفعل على عهد السلف ، ويقرون عليه ، فيكون من هدي المسلمين ، لا من هدي الأعاجم وأهل الكتاب ، فهذا هو وجه الحجة ، لا أن مجرد فعل خالد بن معدان حجة .اهـ

فنقل شيخ الإسلام عن الإمام أحمد الاحتجاج بفعل خالد بن معدان وهو تابعي ، وليس فعله حجةً في نفسه وإنما احتج بفعله مقروناً بسكوت البقية عليه ، فكيف بأثر صحيح عن صحابي يسكت عليه بقية الصحابة أليس ذلك بأولى بالاحتجاج ؟!


الوجه الرابع عشر : أن قول الصحابي إذا لم يعلم مخالف حجة في الأحكام عند كافة أهل السنة كما بسطه ابن القيم في إعلام الموقعين ، وأمر التفسير أعلى من أمر الأحكام ، إذ أن هناك من قال أن تفسير الصحابي له حكم الرفع ولم يقولوا ذلك في فتاويهم مع احتجاجهم بها


قال ابن القيم في إغاثة اللهفان [ 1/240] :

قال الحاكم أبو عبد الله في التفسير من كتاب المستدرك : ليعلم طالب هذا العلم أن تفسير الصحابي الذي شهد الوحي والتنزيل عند الشيخين : حديث مسند

 وقال في موضع آخر من كتابه : هو عندنا في حكم المرفوع

 وهذا وإن كان فيه نظر فلا ريب أنه أولى بالقبول من تفسير من بعدهم فهم أعلم الأمة بمراد الله عز و جل من كتابه فعليهم نزل وهم أول من خوطب به من الأمة وقد شاهدوا تفسيره من الرسولعلما وعملا وهم العرب الفصحاء على الحقيقة فلا يعدل عن تفسيرهم ما وجد إليه سبيل.اهـ

فكيف إذا كان التفسير في أمر غيبي ، ولم يخالفه أحد من بقية الصحابة

الوجه الخامس عشر : أن الذين يدفعون آثار الصحابة بحجة أنه من الاسرائيليات أو يحتمل أن تكون من الاسرائيليات ليس لهم قاعدة مطردة في ذلك بل عامتهم يتناقضون فيقبلون بعض الآثار دون بعض

فتجد عامتهم يقبلون أثر [  الكرسي موضع القدمين ]  ، ويردون الآثار الأخرى التي لم تقع من أنفسهم موقعاً حسناً ، مع أن الأمر فيها واحد

وليعلم أن المعتزلة لما نظروا إلى النصوص بغير عين التعظيم والتوقير ادعوا في كثير منها التعارض فانبرى لهم علماء أهل السنة وردوا عليهم .

 ومن أقدم ما ألف في هذا الباب كتاب ابن قتيبة [  تأويل مختلف الحديث ]  ، وإنني لأرى من اعتراضات بعض الإخوة على الآثار الثابتة عن الصحابة ما يشبه اعتراضات المعتزلة على الأحاديث الصحيحة .

والتي لو ردوها إلى أهل العلم لفهموا وجهها ، والسبب في ذلك أنهم وضعوا في أذهانهم أنها إسرائيليات ، وأن الصحابة يحدثون عن بني إسرائيل بالبواطيل دون بيان جازمين بها ، وما تفطنوا لما يلزم من ذلك من لوازم خطيرة .

 ثم نظروا لهذه النصوص بتلك العين الناقمة فصاروا يعترضون عليها في غير محل للاعتراض والله المستعان


الوجه السادس عشر : قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى [ 6/405]  :

 وهذا الذى أخبر به ابن مسعود أمر لا يعرفه الا نبي أو من أخذه عن نبي فيعلم بذلك أن ابن مسعود أخذه عن النبي ولا يجوز أن يكون أخذه عن أهل الكتاب لوجوه :

أحدها : أن الصحابة قد نهوا عن تصديق أهل الكتاب فيما يخبرونهم به فمن المحال أن يحدث ابن مسعود رضي الله عنه بما أخبر به اليهود على سبيل التعليم ويبني عليه حكماً

 الثاني أن ابن مسعود رضى الله عنه خصوصا كان من أشد الصحابة رضى الله عنهم انكارا لمن يأخذ من أحاديث أهل الكتاب.اهـ

وهذا ينطبق على بقية الصحابة

الوجه السابع عشر : قال الدارمي في الرد على المريسي [2/ 728] :

كَتَبَ إِلَيَّ عَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ أَنَّ وَكِيعًا سُئل عَنْ حَدِيثِ عبد الله ابْن عَمْرٍو:

الْجَنَّةُ مَطْوِيَّةٌ مُعَلَّقَةٌ بِقُرُونِ الشَّمْس.

  فَقَالَ وَكِيع: هَذَا حَدِيثٌ مَشْهُورٌ، قَدْ رُوِيَ فَهُوَ يُرْوَى.

فَإِنْ سَأَلُوا عَنْ تَفْسِيرِهِ لَمْ نُفَسِّرْ لَهُمْ، وَنَتَّهِمُ مَنْ يُنكره وينازع فِيهِ، والْجَهْمِيَّةُ تُنْكِرُهُ.اهـ


فهذا وكيع ينكر على من رد أثر موقوف على عبد الله بن عمرو ، ولم يقل هذه إسرائيلية فدل على أن هذا المسلك محدث

الوجه الثامن عشر : قال ابن الأثير في النهاية في غريب الحديث [ 1/ 225]  :
 وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَمْرٍو [ مِن أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يُقْرأ فِيمَا بيْنَهم بالمَثْنَاة، لَيْسَ أَحَدٌ يُغَيّرها. قِيلَ: وَمَا المَثْنَاة؟
 قَالَ: مَا اسْتُكْتب مِنْ غَيْرِ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى ]
 وَقِيلَ إنَّ المَثْنَاة هِيَ أنَّ أَحْبَارَ بَني إِسْرَائِيلَ بَعْد مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وضعوا كتابه فِيمَا بيْنهم عَلَى مَا أرَادُوا مِنْ غَيْرِ كتاب الله فَهُوَ المَثْنَاة.
 فَكَأَنَّ ابنَ عَمْرو كَره الْأَخْذَ عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ، وَقَدْ كَانَتْ عِنْدَهُ كُتُب وقَعَت إِلَيْهِ يَوْمَ اليَرْموك مِنْهُمْ ، فَقَالَ هَذَا لَمعْرِفَته بِمَا فِيهَا.انتهى
وهذا كلام حسن

الوجه التاسع عشر : قال ابن تيمية _ رحمه الله _ في بيان تلبيس الجهمية (6/448_ 451) :" وأيضاً فعلم ذلك لا يؤخذ بالرأي ، وإنما يقال توقيفاً ، ولا يجوز أن يكون مستند ابن عباس أخبار أهل الكتاب ، الذي هو أحد الناهين لنا عن سؤالهم ، ومع نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن تصديقهم ، أو تكذيبهم .

فعلم أن ابن عباس إنما قاله توقيفاً من النبي صلى الله عليه وسلم

ففي صحيح عن البخاري عن ابن شهاب  عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ كَيْفَ تَسْأَلُونَ أَهْلَ الْكِتَابِ وَكِتَابُكُمْ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْدَثُ الْأَخْبَارِ بِاللَّهِ تَقْرَءُونَهُ لَمْ يُشَبْ وَقَدْ حَدَّثَكُمْ اللَّهُ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ بَدَّلُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ وَغَيَّرُوا بِأَيْدِيهِمْ الْكِتَابَ فَقَالُوا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ {لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا} أَفَلَا يَنْهَاكُمْ مَا جَاءَكُمْ مِنْ الْعِلْمِ عَنْ مُسَاءَلَتِهِمْ وَلَا وَاللَّهِ مَا رَأَيْنَا مِنْهُمْ رَجُلًا قَطُّ يَسْأَلُكُمْ عَنْ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْكُمْ

وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة قال  عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ يَقْرَءُونَ التَّوْرَاةَ بِالْعِبْرَانِيَّةِ وَيُفَسِّرُونَهَا بِالْعَرَبِيَّةِ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُصَدِّقُوا أَهْلَ الْكِتَابِ وَلَا تُكَذِّبُوهُمْ وَقُولُوا { آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا } الْآيَةَ


فمعلوم مع هذا أن ابن عباس لا يكون مستنداً فيما يذكره من صفات الرب أنه يأخذ عن أهل الكتاب ، فلم يبق إلا أن يكون أخذ من الصحابة الذين أخذوا من النبي صلى الله عليه وسلم "

أقول : هذا الكلام النفيس يبطل ما فشى بين الناس من وصف تفاسير ابن عباس بالاسرائيليات ، وذلك كثير في تفسير ابن كثير تلميذ ابن تيمية

الوجه العشرون : قال ابن تيمية في بيان تلبيس الجهمية (6/445) :" وأيضاً فإن الله وصف هذه الأمة بأنها خير أمة أخرجت للناس ، وأنها تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر فمن الممتنع أن يكون في عصر التابعين يتكلم أئمة ذلك العصر بما هو كفر وضلال ولا ينكر عليهم أحد فلو كان قوله ( على صورة الرحمن ) باطلاً لكانوا كذلك "

أقول : وكذلك لا يجوز في عصر الصحابة والتابعين أن يتكلم أحد بما لا يليق بالأنبياء أو الملائكة ولا ينكر عليه أحد فإن ذلك ممتنع


ومن أحسن من تكلم في هذه المسألة من المعاصرين مساعد الطيار المشتغل بالتفسير ، وذلك لما رأى من من مسالك المتأخرين المحدثة التي تهدم عشرات الآثار التي توارد السلف على ذكرها دون نكير

والآن مع أخطاء المعاصرين في النبوات

الخطأ الأول : القول بأنه لا فرق بين النبي والرسول

وهذه قال بها عبيد الجابري وحده وذلك أنه لما رأى الاعتراضات على الفروقات التي عنده قال باستواء النبي والرسول والعجيب أن الألباني صحح حديثاً في التفريق

الخطأ الثاني : القول بأن الرسول لا يكون على شريعة من قبله أو لا يؤمر بتبليغ

الخطأ الثالث : اعتبار آدم رسولاً أو القول كل من ذكر في القرآن رسول

وهذه الأخطاء الثلاثة سردتها معاً لأنها كلها نقضها بابه واحد

فمن المشهور عند عامة الناس أن الأنبياء والرسل الذين ذكروا في القرآن 25 نفساً ، وأن آدم عليه الصلاة والسلام كان رسولاً


والصواب أن آدم عليه الصلاة والسلام كان نبياً ولم يأت دليل بين في أنه كان رسولاً


فإن قيل : هذا يقودنا إلى البحث في الفرق بين النبي والرسول


فيقال : أجمع ما قيل في الباب ما رجحه شيخ الإسلام ابن تيمية في النبوات من أن النبي هو من أوحي إليه بشرع وأمر بتبليغه ولم يرسل إلى قومٍ كافرين


وأما الرسول فمن أوحي إليه بشرع وأمر بتبليغه والفرق بينه وبين النبي أن الرسول أرسل إلى قومٍ كافرين ، ودعم شيخ الإسلام قوله بما ثبت في الصحيح من ان نوحاً هو أول الرسل إلى أهل الأرض ،




قال شيخ الإسلام في النبوات ص714 :" والمقصود هنا: الكلام على النبوة؛ فالنبي هو الذي ينبئه الله، وهو ينبىء بما أنبأ الله به؛ فإن أُرسل مع ذلك إلى من خالف أمر الله ليبلغه رسالة من الله إليه؛ فهو رسول، وأما إذا كان إنما يعمل بالشريعة قبله، ولم يُرسل هو إلى أحد [يبلغه] عن الله رسالة؛ فهو نبي، وليس برسول؛ قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ في أُمْنِيَّته}، وقوله: {مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيّ}؛ فذكر إرسالاً يعمّ النوعين، وقد خص أحدهما بأنّه رسول؛ فإنّ هذا هو الرسول المطلق الذي أمره بتبليغ رسالته إلى من خالف الله؛ كنوح.

وقد ثبت في الصحيح أنّه أول رسول بُعث إلى أهل الأرض

نوح إنما أرسل عند ظهور الشرك في الأرض قد كان قبله أنبياء؛ كشيث، وإدريس عليهما السلام، وقبلهما آدم كان نبيّاً مكلّماً. قال ابن عباس: كان بين آدم ونوح، عشرة قرون كلهم على الإسلام فأولئك الأنبياء يأتيهم وحي من الله بما يفعلونه ويأمرون به المؤمنين الذين عندهم؛ لكونهم مؤمنين بهم؛ كما يكون أهل الشريعة الواحدة يقبلون ما يبلّغه العلماء عن الرسول.

وكذلك أنبياء [بني] إسرائيل يأمرون بشريعة التوراة، وقد يُوحى إلى أحدهم وحي خاص في قصّة معينة، ولكن كانوا في شرع التوراة كالعالِم الذي يُفهِّمه الله في قضية معنى يطابق القرآن؛ كما فهَّم الله سليمان [حكم] القضية التي حكم فيها هو وداود

فالأنبياء ينبئهم الله؛ فيُخبرهم بأمره، ونهيه، وخبره. وهم يُنبئون المؤمنين بهم ما أنبأهم الله به من الخبر، والأمر، والنهي. فإن أُرسلوا إلى كفار يدعونهم إلى توحيد الله، وعبادته وحده لا شريك له، ولا بُدّ أن يكذّب الرسلَ قومٌ؛ قال تعالى: {كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُون}1، وقال: {مَا يُقَالُ لَكَ إِلاَّ مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ}؛ فإنّ الرسل تُرسَل إلى مخالفين؛ فيكذّبهم بعضهم.

وقال: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً يُوحَى إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ القُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُوا في الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيفَ كَانَ عَاقِبَة الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوا أَفَلا [تَعْقِلُونَ] حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُنْجِي مَنْ نَشَاءُ وَلا يُرَدُّ بأْسُنَا عَنِ القَوْمِ المُجْرِمِين}وقال:{إِنّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا والَّذِينَ آمَنُوا في الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ}.

فقوله: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ} دليلٌ على أن النبيّ مرسل، ولا يسمى رسولاً عند الإطلاق؛ لأنّه لم يرسل إلى قوم بما لا يعرفونه، بل كان يأمر المؤمنين بما يعرفونه أنّه حقّ؛ كالعالِم، ولهذا قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: "العلماء ورثة الأنبياء"


وقد ذكر بعض الناس فرقاً بين النبي والرسول ، وهو أن الرسول من أتى بشريعة جديدة والنبي هو من سار على شريعة رسول قبله وقد نقض شيخ الإسلام هذا القول حيث قال في النبوات في ص718 :" وليس من شرط الرسول أن يأتي بشريعة جديدة؛ فإنّ يوسف كان على ملة إبراهيم، وداود وسليمان كانا رسولين، وكانا على شريعة التوراة فهو رسول. فالرسل: من أُرسلوا إلى كفار يدعونهم إلى توحيد الله وعبادته وحده لا شريك له. ولا بُدّ أن يُكذّب الرسلَ قومٌ؛ قال تعالى: {كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ}، وقال تعالى: {مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ}؛ فإنّ الرسل ترسل إلى مخالفين، فيكذبهم بعضهم. والرسول يُسمّى رسولاً على الإطلاق؛ لأنّه يُرسل إلى قوم بما لا يعرفونه. وليس من شرط الرسول أن يأتي بشريعة جديدة؛ فإنّ يوسف عليه السلام كان رسولاً، وكان على ملة إبراهيم عليه السلام، وداود وسليمان عليهما السلام كانا رسولين، وكانا على شريعة التوراة قال تعالى عن مؤمن آل فرعون: {وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ في شَكّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولاً}، وقال تعالى: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورَاً وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى تَكْلِيمَاً}"


وعلى هذا التقرير من شيخ الإسلام لا يكون آدم رسولاً إذ أنه لم يرسل إلى قوم مكذبين ، وإنما هو نبي وهذا صريح في كلام شيخ الإسلام وحتى إدريس يرى شيخ الإسلام أنه نبي وليس رسولاً بناءً على القول بأنه كان بين آدم ونوح ، وقد ذهب بعض أهل العلم أنه من أنبياء بني إسرائيل ،وحتى على هذا القول قد لا يكون رسولاً


وتأويل حديث البخاري في أن نوح أول الرسل إلى أهل الأرض ، بأن المراد به أول الرسل إلى المشركين وأن آدم ان قبله رسولاً للمؤمنين ، تأويل فيه نظر إذ أننا لا نسلم أن الرسالة تكون للمؤمنين وإنما تكون لهم النبوة والرسول لا يكون رسولاً إلا إذا أرسل إلى قومٍ مكذبين

والقول بأن آدم رسول مخالف للحديث الثابت في أن نوحاً أول الرسل

وكذا إذا قلنا بأن إدريس هو بين آدم ونوح وهو قول عامة أهل العلم فهو نبي وليس رسولاً

وقوله تعالى (وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً) إنما يشمل نوحاً ومن جاء بعده كما يدل عليه سياق الآيات أصلاً

الخطأ الرابع : اشتراط المعجزة للرسول

وهذه وقع فيها محمد العريفي وخالد عبد الرحمن المصري

فجعل صدق الأنبياء موقوفاً على ما يسميه المتكلمون والنظار بالمعجزات هو قول الأشاعرة


وقد نقضه ابن تيمية رحمه الله في كتابه النبوات


قال ابن تيمية في النبوات ص238 :" الوجه الرابع: أن يقال: لِمَ قلتم أنّه لا دليل على صدقهم إلا المعجزات2، وما ذكرتم من الإجماع على ذلك لا يصحّ الاستدلال به لوجهين :

أحدهما: أنه لا إجماع في ذلك، بل كثيٌر من الطوائف يقولون: إنّ صدقهم بغير المعجزات.

الثاني: إنّه لا يصحّ الاحتجاج بالإجماع في ذلك؛ فإنّ الإجماع إنّما يثبت بعد ثبوت النبوة، والمقدمات التي يُعلم بها النبوة لا يُحتج عليها بالإجماع، وقولكم: لا دليل سوى المعجز: مقدمة ممنوعة.

وذُكر عن الأشعري أنّه ذَكَرَ جواباً آخر، فقال: وأيضاً فإنّ قول القائل: ما أنكرتم من جواز إظهار المعجزات على أيدي الكذابين: قولٌ متناقضٌ، والله على كل شيء قدير. ولكن ما طالب السائل بإجازته محالٌ، لا تصحّ القدرة عليه، ولا العجز عنه؛ لأنّه بمنزلة كونه أظهر المعجزات على أيديهم؛ فإنّه أوجب أنهم صادقون؛ لأنّ المعجز دليلٌ على الصدق، ومتضمنٌ له.

وقوله: مع ذلك أنهم كاذبون: نقضٌ لقوله: أنهم صادقون قد ظهرت المعجزات على أيديهم. فوجب إحالة هذه المطالبة، وصار هذا بمثابة قول

من قال: ما أنكرتم من صحة1 ظهور الأفعال المحكمة الدالّة على علم فاعلها، والمتضمّنة لذلك من جهة الدليل، من الجاهل بها في أنّه قولٌ باطلٌ متناقضٌ، فيجب إذا كان الأمر كذلك استحالة ظهور المعجزات على يد الكاذبين، واستحالة ثبوت قدرة قادر عليه. وكيف يصح على هذا الجواب أن يقال: ما أنكرتم [وزعمتم أنّه]2 من فعل المحال الذي لا يصحّ حدوثه، وتناول القدرة له [هو من قبيل الجائز]3 قياساً على صحّة خلق الكفر، وضروب الضلال التي يصحّ حدوثها، وتناول القدرة لها.

من أصول الأشاعرة تجويزهم على الله فعل كل ممكن وعدم تنزيهه عن شيء.. ويلزمهم على ذلك خلق المعجزة على يد الكذاب

قلت: هذا كلامٌ صحيحٌ إذا عُلم أنّها دليل الصدق، يستحيل وجوده بدون الصدق، والممتنع غير مقدور، فيمتنع أن يظهر على أيدي الكاذبين ما يدل على صدقهم. لكن المطالب يقول: كيف يستقيم على أصلكم [أن يكون]4 ذلك [دليل]5 الصدق، وهو أمرٌ حادثٌ مقدور، وكلّ مقدور يصح عندكم أن يفعله الله، ولو كان فيه من الفساد ما كان؛ فإنّه عندكم لا ينزه عن فعل ممكن، ولا يقبح منه فعل؛ فحينئذ إذا خلق على يد الكاذب مثل هذه الخوارق، لم يكن ممتنعاً على أصلكم، وهي لا تدلّ على الصدق البتة على أصلكم، ويلزمكم إذا لم يكن دليل إلهي، ألاَّ يكون في المقدور دليلٌ على صدق مدعي النبوّة، فيلزم أنّ الربّ سبحانه لا يصدق أحداً ادّعى النبوّة6


وإذا قلتم: هذا ممكنٌ، بل واقعٌ، ونحن نعلم صدق الصادق إذا ظهرت هذه الأعلام على يده ضرورةً1. قيل: فهذا يُوجب أنّ الربّ لا يجوز عليه إظهارها على يد كاذب. وهذا فعلٌ من الأفعال هو قادر عليه، وهو سبحانه لا يفعله، بل هو منزّه عنه. فأنتم بين أمرين: إن قلتم: لا يمكنه خلقها على يد الكاذب وكان ظهورها ممتنعاً، فقد قلتم: أنّه لا يقدر على إحداث حادثٍ قد فعل مثله، وهذا تصريحٌ بعجزه. وأنتم قلتم: فليست [بدليل، فلا]2 يلزم عجزه، فصارت دلالتها مستلزمةً لعجزه على أصلكم. وإن قلتم: يقدر، لكنّه لا يفعل، فهذا حقٌ، وهو ينقض أصلكم.

وحقيقة الأمر: أنّ نفس ما يدلّ على صدق [الصادق] بمجموعه، امتنع أن يحصل للكاذب، وحصوله له ممتنعٌ غير مقدور.

الله قادر على خلق الخوارق على يد الكذاب ولا يفعل لحكمة

وأمّا خلق مثل تلك الخارقة على يد الكاذب، فهو ممكنٌ، والله سبحانه وتعالى قادر عليه، لكنه لا يفعله لحكمته4؛ كما أنّه سبحانه يمتنع عليه أن يكذب، أو يظلم"


وخلاصة الكلام أن المعجزات من من الأدلة على صدق الأنبياء ولكن هناك براهين أخرى كسيرة النبي ومخالفتها لسيرة الشعراء والكهان وحقيقة ما يدعو إليه وموافقته للأنبياء من قبله


ولهذا صدقت خديجة وصدق هرقل ابتداءً دون النظر إلى معجزات


قال شيخ الإسلام في النبوات ص885 :" ومن تأمل معارف الناس وجد أكثرها من هذا الضرب؛ فقد يجيء المخبر إليهم بخبر، فيعرف كثير منهم صدقه أو كذبه بالضرورة، لأمور تقترن بخبره. وآخرون يشكّون في هذا. ثمّ قد [يتبين] لبعضهم بأدلة، وقد لا يتبيَّن.

كثير من الناس يعلم صدق النبي بلا آية

وكثيرٌ من الناس يعلم صدق المخبر بلا آية البتة، بل إذا أخبره، وهو


خبير بحاله، أو بحال ذلك [المخبَر به] ، أو بهما، علم بالضرورة: إمّا صدقه، وإمّا كذبه.

وموسى بن عمران لما جاء إلى مصر فقال لهارون وغيره: إنّ الله أرسلني، علموا صدقه، قبل أن يُظهر لهم الآيات. ولما قال لهارون: إن الله قد أمرك أن تؤازرني، صدَّقه هارون في هذا، لما يعلم من حاله قديماً، ولما رأى من تغير حاله الدليل على صدقه.

المسلك النوعي

وكذلك النبيّ صلى الله عليه وسلم لمَّا ذكر حاله لخديجة، وغيرها، وذهبت به إلى ورقة بن نوفل، وكان عالماً بالكتاب الأول، فذكر له النبيّ صلى الله عليه وسلم ما يأتيه، علم أنّه صادق، وقال: هذا هو النَّاموس الذي كان يأتي موسى، يا ليتني فيها جذعاً، يا ليتني أكون حيّاً حين يُخرجك قومك. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أو مخرجيّ هم؟". قال: نعم، لم يأت أحدٌ بمثل ما جئت به إلاَّ عودي، وإن يُدركني يومك أنصرك نصراً مؤزّراً.

وكذلك النجاشي: لمّا سمع القرآن، قال: إنّ هذا، والذي جاء به موسى، ليخرج من مشكاة واحدة.

المسلك الشخصي

وكذلك أبو بكر، وزيد بن حارثة، وغيرهما: علموا صدقه علماً ضرورياً


لمّا أخبرهم بما جاء به، وقرأ عليهم ما أُنزل عليه. وبقي القرآن الذي قرأه آية، وما يعرفون من صدقه وأمانته، مع غير ذلك من القرائن، يوجب علماً ضروريّاً بأنّه صادق.

وخبر الواحد المجهول من آحاد الناس، قد تقترن به قرائن، يُعرف بها صدقه بالضرورة"


وفي هذا الكلام نقض مبرم لعقيدة الأشاعرة الجهمية في المسألة والعجب من الأشاعرة حيث يزعمون أن أفعال الله لا تعلل ثم يشترطون لكل نبي معجزة فإذا سألتهم قالوا ( لكي يثبت صدقه ) فعللوا أفعال الله وأثبوا ما نفوه وتناقضوا


وصدق الله (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا)



وبعضهم يقول ( النبوة لا يلزم الإيمان بها إلا بمعجزة ) ويتناسى ذم الله عز وجل لأبي لهب تكذيبه للنبي صلى الله عليه وسلم ولما يرَ آيات بعد


وبقي التنبيه على أن مصطلح ( معجزة ) منتقد وإنما هي ( آيات )

والآية أشمل مما يسميه المتكلمون معجزة ويشترطون فيه التحدي


الخطأ الخامس : اشتراط التحدي في المعجزة

وهذا أمر وقع فيه وحيد عبد السلام بالي في كتابه الصارم البتار ، وكأن مساعداً الطيار سلم به في مقالاتهم عن الإعجاز العلمي

قال شيخ الإسلام في النبوات ص114 :" السابع أن آيات الأنبياء ليس من شرطها استدلال النبي بها ولا تحديه بالإتيان بمثلها بل هي دليل على نبوته وان خلت عن هذين القيدين وهذا كإخبار من تقدم بنبوة محمد فانه دليل على صدقه وان كان هو لم يعلم بما أخبروا به ولا يستدل به وأيضا فما كان يظهره الله على يديه من الآيات مثل تكثير الطعام والشراب مرات كنبع الماء من بين أصابعه غير مرة وتكثير الطعام القليل حتى كفى أضعاف من كان محتاجا اليه وغير ذلك كله من دلائل النبوة ولم يكن يظهرها للاستدلال بها ولا يتحدى بمثلها بل لحاجة المسلمين اليها وكذلك إلقاء الخليل في النار إنما كان بعد نبوته ودعائه لهم الى التوحيد "


وهذا ومصطلح معجزة انتقده شيخ الإسلام في الجواب الصحيح

قال ابن عثيمين في شرح السفارينية :" قال بعض الناس : إن معجزات السحرة لا تشتبه بآيات الأنبياء لأن آيات الأنبياء مقرونة بالتحدي ،

فنقول : هذا غير صحيح ،

لأن آيات الأنبياء تارةً تكون تحدياً وتارة تكون ابتداءاً بدون تحدي ،

فمجيء الصحابة إلى الرسول عليه الصلاة والسلام في غزوة الحديبية وقولهم : يا رسول الله ليس عندنا ماء فدعا بإناءٍ فوضع أصابعه عليه فجعل الماء يفور من بين أصابعه ،

هل في هذا تحدي ؟

أبداً ليس في هذا تحدي ما قالوا : ائتنا بآية ، شكوا إليه قلة الماء فجاءت هذه المعجزة ،

وآيات الرسول كثيراً ما تأتي بغير تحدي ،

لما جاءه رجل ادعوا الله أن يغيثنا فدعا فأُغيثوا من قبل أن ينزل من منبره وجاء في الجمعة الثانية وقال ادعوا الله أن يمسكها عنا فدعا فانفرجت السماء ،

هل في هذا تحدي ؟ لا "

وهذه المسألة حررها الوادعي في مقدمة الصحيح المسند من دلائل النبوة

الخطأ السادس : الطعن في نبوة أخوة يوسف

وهذه المسألة تلقاها المعاصرون عن ابن كثير وابن كثير تلقاها عن شيخه ابن تيمية ولابن تيمية بحث عجيب في المسألة لولا الآثار لقال المرء به

وهؤلاء جميعاً استدلوا بأحوالهم مع أخيهم على نفي ذلك


وأردت أن أبحث في المسألة حسب أقوال السلف ، فوجدت العامة من السلف على القول بنبوتهم .

 بل لم أقف على أحد يقول بنفي نبوتهم صراحةً


قال الله تعالى : ( قُولُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ )


قال ابن أبي حاتم في تفسيره 6313 : حدثنا عصام بن رواد ، ثنا آدم ، ثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية ، قال : ( والأسباط ) هو يوسف وإخوته بنو يعقوب اثنا عشر رجلا ، ولد كل رجل منهم أمة من الناس فسموا الأسباط وروي عن قتادة ، والربيع بن أنس نحو ذلك


وقال ابن أبي حاتم في تفسيره 1294 : حدثنا أبو زرعة ، ثنا عمرو بن حماد ، ثنا أسباط ، عن السدي :

 وأما الأسباط فهم بنو يعقوب ، يوسف وبنيامين ، ويهوذا ، وشمعون ، ولاوي ، وجان ، وفهاب .


وقال الطبري في تفسيره : ويعني بقوله:"ومَا أنزل إلى إبراهيم"، صدَّقنا أيضًا وآمنا بما أنزل إلى إبراهيم"وإسماعيلَ وإسحاقَ ويعقوبَ والأسباط"، وهم الأنبياء من ولد يَعقوب.


وظاهر هذا القول بنبوتهم وتأويله بأنهم أرادوا ذريتهم لا يظهر ، بل نصوا على أسمائهم


وقال الخرائظي في مكارم الأخلاق 346 : حدثنا إبراهيم بن الجنيد ، حدثنا داود بن رشيد ، حدثنا الوليد بن مسلم ، قال : قال يوسف بن يعقوب لإخوته الأسباط لما حضرته الوفاة : يا إخوتاه ، إني لم أنتصف لنفسي من مظلمة ظلمتها في الدنيا ، وإني كنت أظهر الحسنة وأدفن السيئة ، فذلك زادي من الدنيا ، يا إخوتي إني شاركت آبائي في صالح أعمالهم ، فأشركوني في قبورهم .


وهذا ظاهر في أنهم هم الأسباط الأنبياء


قال الطبري في تفسيره 18787: حدثني يونس ، قال، أخبرنا ابن وهب ، قال، قال ابن زيد ، في قوله :"يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبًا" الآية ، قال: أبواه وإخوته . قال: فنعاه إخوته، وكانوا أنبياء ، فقالوا: ما رضي أن يسجد له إخوته حتى سجد له أبواه! حين بلغهم.


قال الطبري في تفسيره 19949 : حدثني المثنى، قال: حدثنا الحارث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا جعفر بن سليمان، عن أبي عمران الجوني، قال: والله لو كان قتلُ يوسف مضى لأدخلهم الله النارَ كُلَّهم، ولكن الله جل ثناؤه أمسك نفس يوسف ليبلغ فيه أمره، ورحمة لهم. ثم يقول: والله ما قصَّ الله نبأهم يُعيّرهم بذلك إنهم لأنبياء من أهل الجنة، ولكن الله قصَّ علينا نبأهم لئلا يقنط عبده.


ابن زيد هو عبد الرحمن بن زيد بن أسلم والسند إليه قوي


والسلف أعلم الناس بسياق القرآن ، فمع شهرة القول بنبوتهم في زمن السلف ، ولم يوجد من ينكر ذلك ولو وجد لانتشر قوله وظهر


ولو توقف المرء لكان هيناً ، ولكن أن نجزم بنفي ما أثبته جماعة من السلف هذا ما ينبغي أن يتوقى ، وأجبن عنه جداً


فمن وقف على قول لأحد من السلف يجزم فيه بنفي النبوة عنهم فليذكره أكون شاكراً له


وما قيل من أحوالهم مع أخيهم يجاب عنه بأنه قبل النبوة


وأما حديث ( الكريم ابن الكريم ) ، فيقال في جواب الاستدلال عليه ، أن يوسف أكرمهم

الخطأ السابع : قولهم بأن ذكر جنس شجرة آدم من الفضول

قال ابن كثير في تفسيره (1/243) :" فقال السدي، عمن حدثه، عن ابن عباس: الشجرة التي نهي عنها آدم، عليه السلام، هي الكَرْم. وكذا قال سعيد بن جبير، والسدي، والشعبي، وجَعْدة بن هُبَيرة، ومحمد بن قيس.

وقال السدي -أيضا-في خبر ذكره، عن أبي مالك وعن أبي صالح، عن ابن عباس -وعن مرة، عن ابن مسعود، وعن ناس من الصحابة: { وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ } هي الكرم. وتزعم يهود أنها الحنطة.

وقال ابن جرير وابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن إسماعيل بن سمرة الأحمسي، حدثنا أبو يحيى الحِمَّاني، حدثنا النضر أبو عمر الخراز، عن عِكْرِمة، عن ابن عباس، قال: الشجرة التي نُهِي عنها آدم، عليه السلام، هي السنبلة.

وقال عبد الرزاق: أنبأنا ابن عيينة وابن المبارك، عن الحسن بن عمارة، عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: هي السنبلة.

وقال محمد بن إسحاق، عن رجل من أهل العلم، عن حجاج، عن مجاهد، عن ابن عباس، قال: هي البر.

وقال ابن جرير: وحدثني المثنى بن إبراهيم، حدثنا مسلم بن إبراهيم، حدثنا القاسم، حدثني رجل من بني تميم، أن ابن عباس كتب إلى أبي الجلد يسأله عن الشجرة التي أكل منها آدم، والشجرة التي تاب عندها آدم. فكتب إليه أبو الجلد: سألتني عن الشجرة التي نُهِي عنها آدم، عليه السلام، وهي السنبلة، وسألتني عن الشجرة التي تاب عندها آدم وهي الزيتونة .

وكذلك فسره الحسن البصري، ووهب بن مُنَبَّه، وعطية العَوفي، وأبو مالك، ومحارب بن دِثَار، وعبد الرحمن بن أبي ليلى.

وقال محمد بن إسحاق، عن بعض أهل اليمن، عن وهب بن منبه: أنه كان يقول: هي البُر، ولكن الحبة منها في الجنة ككُلَى البقر، ألين من الزبد وأحلى من العسل.

وقال سفيان الثوري، عن حصين، عن أبي مالك: { وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ } قال: النخلة.

وقال ابن جرير، عن مجاهد: { وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ } قال: تينة. وبه قال قتادة وابن جريج.

وقال أبو جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية: كانت الشجرة من أكل منها أحدث، ولا ينبغي أن يكون في الجنة حَدَثٌ، وقال عبد الرزاق: حدثنا عمر بن عبد الرحمن بن مُهْرِب قال: سمعت وهب بن منبه يقول: لما أسكن الله آدم وزوجته الجنة، ونهاه عن أكل الشجرة، وكانت شجرة غصونها متشعب بعضها من بعض، وكان لها ثمر تأكله الملائكة لخلدهم، وهي الثمرة التي نهى الله عنها آدم وزوجته.

فهذه أقوال ستة في تفسير هذه الشجرة"


وهذه الستة ليس فيها أنها التفاح ، وأقواها أن الكرم ( العنب ) لوروده عن ابن عباس وابن مسعود في تفسير السدي ، ولعل من فائدة ذلك أن خمر العنب في الدنيا من أشد أنواع الخمر حتى أن أهل الرأي لم ينازعوا في كون قليل نبيذ العنب المشتد وكثيره محرم فيكون ضررها مع حلاوتها على آدم وبنيه


وأجبن عن أن أقول في أمر تكلم فيه السلف ( لا فائدة منه )

وقد كان مالك يسخر من توسعات مقاتل غير أننا ما وجدنا من سخر من مثل هذا من المتقدمين

الخطأ الثامن : نفي نبوة شيث بن آدم

وهذا وقع فيه محمد بن عبد الله الريمي الملقب بالإمام

قال محمد بن عبد الله الريمي الملقب ب( الإمام ) في كتابه تحذير الأتقياء ص59 :" وشيث ليس بنبي "


هذا الجزم غلط فهذه مسألة غيبية عند عدم صحة الدليل الواجب التوقف


فإن محمداً الريمي ذكر أن شيثاً ذكروا أنه نبي في كتب أهل الكتاب


والواجب عدم التصديق أو التكذيب وقوله ( ليس بنبي ) تكذيب لا يجوز والصحيح في حال التوقف أن يقال لا يدرى هل هو نبي أم لا


قال البخاري في صحيحه 4485 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ يَقْرَءُونَ التَّوْرَاةَ بِالْعِبْرَانِيَّةِ وَيُفَسِّرُونَهَا بِالْعَرَبِيَّةِ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُصَدِّقُوا أَهْلَ الْكِتَابِ وَلَا تُكَذِّبُوهُمْ وَقُولُوا { آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا } الْآيَةَ



وقد ورد حديث منكر في صحيح ابن حبان أنه نبي


وقد ذكر الطبري وابن عبد البر وابن كثير وغيرهم كثير أنه نبي ولا أعلم لهم مخالفاً جزم بما جزم به الريمي ، وقد ذكروا جميعاً أنه ابن آدم المباشر


والخلاصة أن هذا النفي يحتاج إلى دليل وهو خلاف قاعدة أهل السنة والجماعة في الغيبيات والتعامل مع أخبار أهل الكتاب وهذا مسلك خطير فإنه يخشى على من دخل فيه أنه كذب بالصدق ، فكيف إذا هذا الأمر مما يصح أن يقال فيه تلقاه مؤرخي المسلمين بالقبول

الخطأ التاسع : التوقف في نبوة عزير

وقد رأيت جواباً لعرفات المحمدي يقول بأنه لا يوجد دليل على نبوته

والواقع أن آثار السلف لا تختلف في أنه نبي

قال الطبري في تفسيره 5959 - حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قال: بعين نبيّ الله صلى الله عليه وسلم = (1) .، يعني إنشازَ العظام = فقال: (أعلم أن الله على كل شيء قدير) .
5960 - حدثني موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسباط، عن السدي، قال: قال عزير عند ذلك -يعني عند معاينة إحياء الله حماره- (أعلم أنّ الله على كل شيء قدير) .

وقتادة الذي نص على النبوة هنا نص على أنه عزير في مكان آخر

وقال ابن أبي حاتم في تفسيره 2658 - حَدَّثَنِي عِصَامُ بْنُ رَوَّادٍ، ثنا آدَمُ، ثنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ نَاجِيَةَ بْنِ كَعْبٍ الأَسَدِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: خَرَجَ عُزَيْرٌ نَبِيُّ اللَّهِ مِنْ مَدِينَتِهِ، وَهُوَ شَابٌّ، فَمَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ خَرِبَةٍ ف َقَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ فَأَوَّلُ مَا خَلَقَ مِنْهُ عَيْنَاهُ، فَنَظَرَ إِلَى عِظَامِهِ يُنْصَبُ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ، ثُمَّ كُسِيَتْ لَحْمًا، ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ الرُّوحُ، فَقِيلَ لَهُ: كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ
قَالَ: فَأَتَى مَدِينَتَهُ، وَقَدْ تَرَكَ جَارًا لَهُ إِسْكَافًا شَابًّا، فَجَاءَ وَهُوَ شَيْخٌ.

وهذا أثر يحتمل في الموقوف وقد رواه الحاكم في المستدرك

الخطأ العاشر : رفض تسمية قابيل وهابيل لابني آدم

وهذه التسمية اتفق عليها المؤرخون وصحت عن أعيان مفسري السلف فدفعها تناكد ثقيل

قال الطبري في تفسيره 11707 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى قال، حدثنا ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله:"إذ قربا قربانًا"، قال: ابنا آدم، هابيل وقابيل، لصلب آدم. فقرّب أحدهما شاةً، وقرب الآخر بَقْلا فقبل من صاحب الشاة، فقتله صاحبه.
11708 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
11709 - حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد في قوله:"واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذْ قرّبا قربانًا" قال: هابيل وقابيل، فقرب هابيل عَنَاقًا من أحسن غَنَمه، (2) وقرب قابيل زرعًا من زرعه. قال: فأكلت النار العَناقَ، ولم تأكل الزرع، فقال: لأقتلنك! قال: إنما يتقبل الله من المتقين.

ووردت هذه التسمية في تفسير السدي عن الصحابة الذي يقويه الألباني وأحمد شاكر ووردت في تفسير قتادة وتفسير مقاتل

الخطأ الحادي عشر : إنكار القول بتكفير ولد آدم القاتل

وهذا وقع فيه المنكرون على يحيى الحجوي ممن يكتبون في شبكة الوحيين

والحق أن هذا القول مروي عن السلف بل روي عن ابن عباس بسند يحتمل في الموقوف بل من الناس من يمشيه حتى في المرفوع وهذا لا يجري على أصول الخوارج بل ابن آدم هذا قام في قلبه مكفر ولم يكفر مجرد القتل

فقد قال ابن سعد في الطبقات ط العلمية (1 / 28) : أَخْبَرَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَبُو سَلَمَةَ التَّبُوذَكِيُّ. أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خَيْثَمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ لآدم أربعة أولاد توأم. ذَكَرٌ وَأُنْثَى مِنْ بَطْنٍ. وَذَكَرٌ وَأُنْثَى مِنْ بَطْنٍ. فَكَانَتْ أُخْتُ صَاحِبِ الْحَرْثِ وَضِيئَةً. وَكَانَتْ أُخْتُ صَاحِبِ الْغَنَمِ قَبِيحَةً. فَقَالَ صَاحِبُ الْحَرْثِ: أنا أحق بها. وقال صاحب الْغَنَمِ: أَنَا أَحَقُّ بِهَا. فَقَالَ صَاحِبُ الْغَنَمِ: وَيْحَكَ! أَتُرِيدُ أَنْ تَسْتَأْثِرَ بِوَضَاءَتِهَا عَلَيَّ؟ تَعَالَ حَتَّى نُقَرِّبَ قُرْبَانًا. فَإِنْ تُقُبِّلَ قُرْبَانُكَ كُنْتَ أَحَقَّ بِهَا. وَإِنْ تُقُبِّلَ قُرْبَانِي كُنْتُ أَحَقَّ بِهَا. قَالَ: فَقَرَّبَا قُرْبَانَهُمَا. فَجَاءَ صَاحِبُ الْغَنَمِ بِكَبْشٍ أَعْيَنَ أَقْرَنَ أَبْيَضَ. وَجَاءَ صَاحِبُ الْحَرْثِ بِصُبْرَةٍ مِنْ طَعَامِهِ. فَقُبِلَ الْكَبْشُ. فَخَزَنَهُ اللَّهُ فِي الْجَنَّةِ أَرْبَعِينَ خَرِيفًا. وَهُوَ الْكَبْشُ الَّذِي ذَبَحَهُ إِبْرَاهِيمُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ صاحب الحرث: «لَأَقْتُلَنَّكَ» [المائدة: 27]. فَقَالَ صَاحِبُ الْغَنَمِ: «لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِباسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ» [المائدة: 28]. إِلَى قَوْلِهِ: «وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ» [المائدة: 29]. فَقَتَلَهُ فَوَلَدُ آدَمَ كُلُّهُمْ مِنْ ذَلِكَ الْكَافِرِ.

وهذا استفدته من مقال لأحد أنصار الحجوري وهذا في الحقيقة ما نجنيه من بعض هذه المهاترات فيوجد في داخل هذا الشر شيء من الخير

الخطأ الثاني عشر  : القول بأن قصة خروج ناقة صالح من الصخرة إسرائيلية


والحق أن هذا خبر صحيح ينبغي لكل مسلم أن يعتقده


قال عبد الرزاق في تفسيره 911 - عَنْ إِسْرَائِيلَ , عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ , عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ , قَالَ: " قَالَتَ ثَمُودُ يَا صَالِحُ: ائْتِنَا بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ , فَقَالَ لَهُمْ صَالِحٌ: اخْرُجُوا إِلَى هَضْبَةٍ مِنَ الْأَرْضِ , فَخَرَجُوا فَإِذَا هِيَ تَمَخَّضُ كَمَا تَمَخَّضُ الْحَامِلُ , ثُمَّ إِنَّهَا انْفَرَجَتْ فَخَرَجَ مِنْ وَسَطِهَا النَّاقَةُ , فَقَالَ لَهُمْ صَالِحٌ: {هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ , وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [الأعراف: 73] لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ , فَلَمَّا مَلُّوهَا عَقَرُوهَا , فَقَالَ لَهُمْ: {تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ} [هود: 65] قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ: وَحَدَّثَنِي رَجُلٌ آخَرُ " أَنَّ صَالِحًا , قَالَ لَهُمْ: إِنَّ آيَةَ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ أَنُ تُصْبِحُوا غَدًا حُمْرًا , وَالْيَوْمَ الثَّانِي صُفْرًا , وَالْيَوْمَ الثَّالِثِ سُودًا , قَالَ: فَصَبَّهُمُ الْعَذَابُ , فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ تَحَنَّطُوا وَاسْتَعَدُّوا "


وهذا إسناد قوي والهضبة هي ( الهَضْبَةُ كلُّ جَبَلٍ خُلِقَ من صخرةٍ واحدةٍ وقيل كلُّ صخرةٍ راسيةٍ صُلْبةٍ ضَخْمةٍ هَضْبةٌ) كما في لسان العرب


وأبو الطفيل صحابي من أصغر الصحابة وهو آخرهم موتاً وقد تتلمذ عند علي بن أبي طالب وله عنه أخبار في التفسير ، وهو وعلي لا يعرفان بالأخذ عن بني إسرائيل


ولم يكن صالح من أنبياء بني إسرائيل حتى يذكر بالتوراة ، التي تذكر بني إسرائيل ومن جاء قبلهم !


قال  ابن كثير في تفسيره (4/ 481) :"

وَفِيمَا قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ نَظَرٌ؛ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ خَبَرٌ مُسْتَأْنَفٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِهَذِهِ الأمة، فإنه قد قيل:

إِنَّ قِصَّةَ عَادٍ وَثَمُودَ لَيْسَتْ فِي التَّوْرَاةِ، فَلَوْ كَانَ هَذَا مِنْ كَلَامِ مُوسَى لِقَوْمِهِ وقَصَه عَلَيْهِمْ ذَلِكَ فَلَا شَكَّ أَنْ تَكُونَ هَاتَانِ الْقِصَّتَانِ فِي "التَّوْرَاةِ"، وَاللَّهُ أَعْلَمُ"


والتوراة التي بين أيدينا لا ذكر فيها لصالح أو هود عليهما الصلاة والسلام مما يؤيد ما ذكر ابن كثير ، ولو لم تجد هذه القرينة لكان الجزم بكون هذا الخبر إسرائيلية مجازفة لما وصفت من حال أبي الطفيل


وقد أنكر محمد رشيد رضا هذا الخبر فقال في تفسير المنار (8/ 447) :" وَلَا يَصِحُّ شَيْءٌ يُحْتَجُّ بِهِ فِي خَلْقِ النَّاقَةِ مِنَ الصَّخْرَةِ أَوْ مِنْ هَضْبَةٍ مِنَ الْأَرْضِ كَمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ "


فمع علمه بأنه مروي عن الصحابي وثابت عنه يجزم بعدم صحته ، فليحذر السني من متابعة هذا العقلاني على نهجه الخطير في التعامل مع الآثار


وقد نظرت في التفاسير فما وجدت أحداً سبق محمد رشيد رضا إلى إنكار هذا الأمر فحتى الزمخشري والرازي أوردا الأخبار في ذلك ولم يتعقباها بشيء وقد تابع هذا المعتزلي بعض خطباء المساجد عندنا من دكاترة العقيدة

الخطأ الثالث عشر : دعوى عصمة الأنبياء من الصغائر

وهذه قال بها الداني آل زهوي في تعليقه على الأخنائية وسمعت عبيداً الجابري يقول بها ولكنه خص نبينا بالذكر فلا أدري أراده هو وحده أم أراد جميع الأنبياء

قال الداني آل الزهوي في تعليقه على الأخنائية ص 80 :

" ذهب بعض العلماء إلى القول بأنه لا يجوز الوقوع من قبل الأنبياء في الكبائر والصغائر مطلقاً ، لا على جهة العمد ولا على جهة السهو".


حتى قال :" ولتفصيل المسألة ، انظر المحصول للرازي ( 3/ 225_ 228) ، والتحصيل من المحصول للأرموي (1/ 433_ 434) ، ونفائس الأصول في شرح المحصول للقرافي (5/ 2392_ 2397) ونهاية الوصول في دراية الأصول لصفي الدين الهندي (5/ 2113_2120) ونهاية الوصول إلى علم الأصول (2/641_ 643) ، والأحكام للآمدي (1/170) ".


أقول : غفر الله لك أبمثل هذا يعلق على كتب ابن تيمية ؟!

 الواجب ترك ذكر المتكلمين عند الكلام على مسألةٍ عقدية خطيرة مثل هذه ، والمسألة إجماعية قولك فيها ( اختلف العلماء ) ، قد يوهم القاريء اعتبار الخلاف في المسألة


قال ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى (4/ 319) :

" فَإِنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ مَعْصُومُونَ عَنْ الْكَبَائِرِ دُونَ الصَّغَائِرِ هُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ عُلَمَاءِ الْإِسْلَامِ وَجَمِيعِ الطَّوَائِفِ حَتَّى إنَّهُ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْكَلَامِ كَمَا ذَكَرَ " أَبُو الْحَسَنِ الآمدي " أَنَّ هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الْأَشْعَرِيَّةِ وَهُوَ أَيْضًا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ التَّفْسِيرِ وَالْحَدِيثِ وَالْفُقَهَاءِ بَلْ هُوَ لَمْ يَنْقُلْ عَنْ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ وَالصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَتَابِعِيهِمْ إلَّا مَا يُوَافِقُ هَذَا الْقَوْلَ".


وقال في منهاج السنة (2/400) :

" والذنوب إنما تضر أصحابها إذا لم يتوبوا منها والجمهور الذين يقولون بجواز الصغائر عليهم يقولون إنهم معصومون من الإقرار عليها" .


 وقال في الرد على البكري ص406 :

" الوجه الخامس أن يقال الناس لهم في جواز وقوع الذنب من الأنبياء قولان، فالسلف و الأكثرون يقولون بجواز ذلك وإن كانوا معصومين عن الإقرار عليه".


 وقال ابن قتيبة في تأويل مختلف الحديث ص 30 :

" والناس قد يظنون ويزلون ، وإذا كان هذا جائزاً على النبيين والمرسلين فهو على غيرهم أجوز ".


أقول : فإذا كانت المسألة إجماعية بين السلف ، فلا داعي لذكر كلام المتكلمين فيها ، والعزو إلى كتبهم التي يذكرون فيها الأقوال المحدثة والأقوال السلفية على حد سواء .

 وقد نقض ابن تيمية تأويل من أول قول الله عز وجل (ليَغفِرَ لَكَ اللهُ مَا تَقَدَمَ مِن ذنبك وَمَا تَأَخرَ ) بأن المتقدم ذنب آدم والمتأخر ذنب أمته.

 فقال كما في جامع المسائل (4/28) تحقيق محمد عزيز شمس :

" وهذا الدعاء الذي ذكرته عائشة بعد نزول قوله: (ليَغفِرَ لَكَ اللهُ مَا تَقَدَمَ مِن ذنبك وَمَا تَأَخرَ) ، فإنه قد ثبت في الصحيح أن سورة "إذا جاء نصر الله والفتح" آخر سورةٍ أُنزلتْ.

 وأيضًا فأبو موسى الأشعري وأبو هريرة إنما صَحِبَاه بعد نزول قوله: (لِيَغفِرَ لَكَ اللهُ مَا تَقَدَمَ مِن ذنبك وَمَا تَأَخَرَ) ، فإن هذه الآية قد ثبت في الصحيح أنها نزلتْ عامَ الحديبية لما بايعَه الصحابةُ بيعةَ الرضوان تحت الشجرة وانصرفَ.

 وقد خالط أصحابَه كآبةٌ وحُزنٌ لرجوعهم، ولم يتِمُّوا العمرةَ التي خرجوا لها، وقد صالحوا المشركين، لما أن في ظاهره غَضاضةً عليهم، حتى كرهَه كثيرٌ منهم، وجَرتْ فيه فصولٌ .

 فأنزل الله سورةَ الفتح بنُصرتِه من الحديبية ، وهو في الطريق قبلَ وصولهِ إلى المدينة، ثم إنه تَجهَّزَ من المدينةِ لفتح خيبر، وفي أواخر غَزاةِ خيبر قَدِمَ عليه أبو موسى والأشعريون، وفي تلك المدة أسلم أبو هريرة.

ولما أنزلَ اللهُ عليه هذه الآية (لِيَغفِرَ لَكَ اللهُ مَا تَقَدَمَ مِن ذنبك وَمَا تَأخَّرَ) قال له الناسِ: يا رسولَ الله! هذا لك، فما لنا؟

 فأنزل الله تعالى (هُوَ الذي أَنزلَ اَلسكينَةَ في قُلُوبِ المُؤْمِنِينَ لِيَزدَادواْ إِيمُانا مع إيمانهم) .


وفي هذا ردٌّ على طائفةٍ من الناس - كبعض المصنِّفين في السِّيَر وفي مسألة العصمة - يقولون في قوله (ليَغفِرَ لَكَ اللهُ مَا تَقَدَمَ مِن ذَنبك) : وهو ذنبُ آدم، (وَمَا تَأَخرَ) ذنبُ أمتِه، فإن هذا القولَ وإن كان لم يَقُلْه أحدٌ من الصحابة والتابعين ولا أئمة المسلمين، ولا يقولُه من يَعقِلُ ما يقول، فقد قاله طائفة من المتأخرين .

 ويَظُنُّ بعضُ الجهال أن هذا معنى شريف، وهو كذب على الله وتحريفُ الكَلِم عن مواضعه.

 فإنه قد ثبت في الصحاح في أحاديث الشفاعة أن الناسَ يومَ القيامة يأتون آدمَ يَطلبون منه الشفاعةَ، فيعتذِرُ إليهم ويقول: إني نُهِيْتُ عن الشجرة فأكلتُ منها، نفسي نفسي، ويأتون نبيًّا بعد نبي إلى أن يَأتوا المسيحَ، فيقول: ائْتُوا محمدًا فإنه عبد قد غفرَ اللهُ له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.

 فلو كانت "ما تقدم" هو ذنب آدم لم يعتذر آدم.


وأيضًا فلما نزلتِ الآية قالت الصحابةُ: هذا لكَ فما لنا؟ فأنزل الله: (هُوَ اَلَّذِي أَنزَلَ السكينَةَ في قُلُوبِ اَلمُؤْمِنِينَ) ، فلو كان "ما تأخر" مغفرة ذنوبهم لقال: هذه لكم.


وأيضًا فقد قال تعالى: (وَاَستَغْفِر لِذَنبِك وَلِلمُؤمِنِينَ وَالمؤمناتِ) ، ففرَّقَ بين ما أضاف إليه وما يُضاف إلى المؤمنين والمؤمنات.


وأيضًا فإضافةُ ذنبِ غيره إليه أمرٌ لا يَصْلُح في حق آحادِ الناس، فكيف في حقَه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ؟ حتى تُضَاف ذنوبُ الفُسَّاق من أمته إليه.

 ويُجعلَ ما جعلوه من الكبائر - كالزنا والسرقة وشرب الخمر - ذَنْبًا له - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، والله يقول في كتابه: (وَلَا تزِرُ وَازِرَةٌ وزرَ أخُرَى)

 ويقول في كتابه: (وَمَن يَعمَل مِنَ الصّالحاَتِ وَهُوَ مُؤمِن فَلَا يَخَافُ ظُلما ولَا هَضمًا (112) )

 قالوا : الظلم أن تُحْمَل عليه سيئات غيرِه، والهَضْم أن يُنْقَصَ هو من حسناتِه، وهو أفضلُ من عَمِلَ من الصالحات وهو مؤمن، فكيف تُحْمَلُ عليه سيئاتُ غيرِه وتُضَافُ إليه؟

 وأيُ فرقٍ بين ذنبِ آدمَ وذنب نوح والخليل وكلُّهم آباؤه؟

 وأيُّ فرق بين ذنب الإنسان وذنب غيرِه حتى يُضاف إليه هذا دونَ هذا؟

والله يقول : (أَم لَم يُنبّأ بما في صحف موسى (36) وإبراهيم الذي وفى (37) ألا تزر وازرة وزر أخرى (38) ) والنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول لرجل معه ابنه: "لا يَجْنِي عليك ولا تَجْنِي عليه" .


وأيضًا فقد قال الله في غيرِ موضع في القرآن إنه ليس عليه إلاّ البلاغُ المبين، وقال: (فَإِن تَوَلواْ فَإِنَّمَا عَلَيهِ مَا حمُلَ وَعَلَيكم مَّا حُمِّلتُم) .

 فإذا كان على أمتِه ما حُمِّلُوا وهو ليس عليه إلا البلاغ المبين كيف تكونُ ذنوبُ أمته ذنوبَه؟

ومثل هذا القول لا يخفى فسادُه على من له أدنى تدبُّرٍ ، وإن كان قالَه طوائفُ من المصنِّفين في العصمة، حتى يَرَى ذلك بعضُ مَن له في السنة والفقه والحديث قَدَمٌ .

 لكن الغُلوَّ أوجبَ اتباعَ الجهال الضُلاَّل، فإنّ مثلَ هذه التفاسير إنما يَصْدُر في الابتداء عن أهل التحريف لكتاب الله: إما من الزنادقة المنافقين، وإمّا من المبتدعة الضالّين.

وأولُ من دخلَ في الغُلوّ من أهل الأهواء هم الرافضة، فإنهم لما ادَّعَوا في علي وغيرِه أنهم معصومون حتى من الخطأ احتاجوا أن يثبِتوا ذلك للأنبياء بطريقِ الأولى والأحْرى، ولما نزَهُوا عليًّا ومن هو دون علي من أن يكون له ذنبٌ يُسْتَغفَر منه كان تنزيهُهم للرسلِ أولى وأَحْرى".انتهى


ثم تكلم بكلام فقال بعده :

" وهذا كلُه من شُعَب النصرانية الذين وَصفَهم الله بالغلو في القرآن، وذمَّهم عليه ونهَاهم فقال: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً (171) لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لله وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ"

فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً (172) ) الآية، وقال تعالى: (يأهلَ اَلكتاب لَا تَغلُواْ في دِينكم غير الحق و َلَا تَتبِعُوَاْ أَهواء قوم قد ضَلواْ مِن قَبلُ وَأَضلُواْ كثيرا وَضَلُواْ عَن سَواء السَّبِيلِ (77) ) .


وقد ثبت عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: "لا تُطْرُوني كما أَطْرَتِ النصارى عيسى بن مريم، فإنما أنا عبد فقولوا: عبد الله ورسوله"


حتى قال الشيخ في ( 4/40) :

" وقد اتفقوا أنه لا يُقَرُّ على خَطَأٍ في ذلك، وكذلك لا يُقَرُّ على الذنوب لا صغائرِها ولا كبائرِها.

 ولكن تنازعوا: هل يقع منهم بعضُ الصغائرِ مع التوبة منها أو لا يَقَعُ بحالٍ؟


فقال كثير من المتكلمين من الشيعة والمعتزلين وبعض متكلمي أهل الحديث: لا يَقَع منهم الصغيرةُ بحالٍ ، وزادت الشيعةُ حتى قالوا: لا يقع منهم لا خطأ ولا غيرُ خطأٍ .


وأما السلف وجمهور أهل الفقه والحديث والتفسير وجمهور متكلمي أهل الحديث من أصحابِ الأشعري وغيرهم فلم يَمنَعوا الوقوعَ إذا كانَ مع التوبة، كما دَلتْ عليه نصوصُ الكتابِ والسنة، فإن اللهَ يُحِبُّ التوَّابين ويُحِبُّ المتطهرين.

 وإذا ابْتَلَى بعضَ الأكابر بما يَتُوب منه فذاك لكمالِ النهاية، لا لنقصِ البدايةِ.

 كما قال بعضُهم: لو لم يكن التوبةُ أحبَّ الأشياءِ إليه لما ابتلَى بالذنب أكرمَ الخلق عليه.

وفي الأثر : "إنّ العبد لَيَعْمَل السيئةَ فيدخَلُ بها الجنةَ، وإنّ العبدَ لَيعملُ الحسنة فيدخلُ بها النارَ"، يعني أن السيئة يذكرُها ويتوبُ منها فيُدْخِلُه ذلك الجنةَ، والحسنةُ يُعْجَبُ بها ويَسْتكبرُ فيُدخِلُه ذلك النارَ.


وأيضًا فالحسنات والسيئات تَتنوَّعُ بحسبِ المقامات، كما يقال: "حسنات الأبرار سيئاتُ المقرَّبِين"، فمن فَهِمَ ما تَمحُوه التوبةُ وتَرفَعُ صاحبَها إليه من الدرجات وما يَتفاوتُ الناسُ فيه من الحسنات والسيئات زالتْ عنه الشبهةُ في هذا الباب، وأقرَّ الكتابَ والسنةَ على ما فيهما من الهدى والصواب.


فإنّ الغُلاةَ يتوهمون أن الذنبَ إذا صدرَ من العبد كان نقصًا في حقّه لا يَنْجبرُ، حتى يجعلوا من فضلِ بعضِ الناس أنه لم يَسجدْ لصَنَم قطُّ. وهذا جهلٌ منهم.

 فإن المهاجرين والأنصار والذين هم أفضل هذه الأمة هم أفضلُ من أولادِهم وغيرِ أولادِهم ممن وُلِدَ على الإسلام، وإن كانوا في أولِ الأمر كانوا كُفارًا يعبدون الأصنام.

 بل المنتقلُ من الضلال إلى الهدى ومن السيئات إلى الحسنات يُضاعَفُ له الثوابُ، كما قال تعالى: (إِلًا مَن تَابَ وَآمَن وَعَمِلَ عملا صالِحًا فَأُوْلَئك يبَدِّلُ الله سيئاتِهِم حَسَنَات وَكاَنَ اللهُ غَفُورا رَّحِيمًا (70) ) .


وقد ثبت في الصحيح أن الله يومَ القيامة يَظهر لعبدِه فيقول: "إني قد أبدلتك مكانَ كل سيئةٍ حسنةً"، فحينئذٍ يَطلبُ كبائرَ ذُنوبِه.

وقد ثبت في الصحاح من غير وجهٍ عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه أخبر أن الله أشدُ فَرَحًا بتوبةِ عبدِه من رجلٍ أضلَّ راحلتَه بأرضٍ دَوِّيَّةٍ مَهلَكةٍ عليها طعامُه وشرابُه، فطلبَها فلم يجدْها، فنامَ تحت شجرةٍ يَنتظِرُ الموتَ، فلما استفاقَ إذا بدابَّتِه عليها طعامُه وشرابُه، فالله أشدُّ فَرَحًا بتوبة عبدِه مِن هذا براحلتِه.


وهذا أمرٌ عظيمٌ إلى الغاية. فإذا كانت التوبةُ بهذه المنزلةِ كيف لا يكون صاحبُها مَعظَّمًا عند اللهِ؟

 وقد قال تعالى: (إِنَّا عَرَضنَا الأَمَانَةَ عَلَى السماوات والأرض والجِبَالِ فَأَبَين أَن يحمِلنَهَا وَأَشفَقنَ مِنهَا وَحَملَها الإنسانُ إِنَّه كانَ ظَلُوما جَهُولا (72) لِيَعُذبَ اللهُ اَلمُنافِقِينَ وَالمُناَفِقات وَالمشركين والمشركات ويتوب الله عَلَى اَلْمُؤمِنِينَ وَالمُؤمِنات وكَاَنَ الله غَفُورا رَّحيِما )

 فوصفَ الإنسانَ بالجهل والظلمِ، وجعلَ الفرقَ بين المؤمن والكافر والمنافق أن يتوبَ الله عليه، إذْ لم يكن له بُدٌّ من الجهل والظلم. ولهذا جاء في الحديث : "كل ابنِ آدمَ خَطَّاء ، وخيرُ الخطَّائين التوَّابُون".


واعلم أن كثيرًا من الناس يَسبقُ إلى ذهنه من ذكر الذنوب الزنا والسرقةُ ونحوُ ذلك.

 فيَسْتَعظمُ أن كريمًا يفَعل ذلك، ولا يعلم أن أكثر عُقَلاء بني آدم لا يَسرِقَون بل لا يزنون، حتى في جاهليتهم وكفرهم، فإن أبا بكر وغيره من الصحابة كانوا قبل الإسلام لا يَرْضَون أن يفعلوا مثلَ هذه الأعمال.

 ولما بايعَ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هندًا بنتَ عُتبةَ بن ربيعة أمَّ معاوية بيعةَ النساء على أن لا يَسرقن ولا يزنين، قالت: أوَ تَزني الحُرَّةُ؟

 فما كانوا في الجاهلية يعرفون الزنا إلاّ للإماء. ولهذا قولهم "حُرَّة" تُرادُ به العفيفة، لأن الحرائرَ كن عَفائِفَ.

وأما اللواط فأكثر الأمم لم يكن يَعرفُه، ولم يكن هذا يُعرَفُ في العرب قطُ.


ولكن الذنوب التي هي في باب الضلال في الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وما يدخل في ذلك من البدع التي هي من جنس العُلُوِّ في الأرض والفخر والخُيَلاَء والحسد والكبر والرياء ونحو ذلك، هي في الناس الذين هم متعفِّفُون عن الفواحش.

وكذلك الذنوب التي هي ترك الواجبات، فإنّ الإخلاص لله والتوكل على الله والمحبة له ورجاء رحمة الله وخوف عذاب الله والصبر على حكم الله والتسليم لأمر الله, كل هذا من الواجبات

 وكذلك الجهاد في سبيل الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونحو ذلك هو من فروض الكفايات ، وتحقيق ما يجب من المعارف والأعمال يطول تفصيلُه في هذا السؤال، حتى يفطن هذا ثم يفتح له الباب".انتهى


أقول : فإذا كانت أدلة الكتاب والسنة الإجماع قد فصلت في المسألة فما حاجتنا إلى النقل عن المتكلمين ، إذ لو لم يكن في المسألة نصوص لكان هجر كلام المتكلمين أولى فكيف مع تلك الأبحاث النفيسة لشيخ الإسلام ، وليت الأخ لما نقل ، نقل عن فضلاء المتكلمين بل تجده نقل عن الأرموي والرازي والآمدي وهم من أشد المتكلمين انحرافاً.


وقال عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب كما في مجموعة الرسائل والمسائل النجدية (1/ 205) :

" الوجه الثاني : أن الذي عليه المحققون من العلماء من الحنابلة والشافعية والمالكية والحنفية أن الأنبياء معصومون من الكبائر ، وأما الصغائر فقد تقع منهم ولكن لا يقرون عليها بل يتوبون منها ويحصل لهم بالتوبة أعظم مما كان قبل ذلك".


إلى أن قال :" فتبين مما ذكرنا وهم السائل وخطؤه رحمه الله في نقل الإجماع على أنهم معصومون من الكبائر والصغائر ولعله غره كلام بعض المتأخرين الذين يقولون بذلك أو يقلدون من يقوله من أئمة الكلام الذين لا يحققون مذهب أهل السنة والجماعة ولا يميزون بين الأقوال الصحيحة والضعيفة والباطلة

كيف والقرآن محشو من الدلائل وقوع الذنب منهم كقوله تعالى ( وعصى آدم به فغوى ) ، وقوله عن موسى عليه السلام ( رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي ) ، وقول يونس عليه السلام ( أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين )، وقول نوح عليه السلام ( وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين ) ، وقوله عن آدم عليه السلام ( ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين ) ، وقول إبراهيم عليه السلام والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين ) وقوله عن داود ( فاستغفر ربه ) الآية ، وقوله ( ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ) الآية ، وكذلك ثبت في الأحاديث الصحيحة أن رسول الله صلى الله عليه وسلن كان يدعو يقول ( يا رب اغفر لي ذنبي كله دِقَّهُ ، وَجِلَّهُ ، وَأَوَّلَهُ وَآخِرَهُ وَعَلاَنِيَتَهُ وَسِرَّهُ) وقوله (اللَّهُمَّ اغْفِرْ [لِي خَطِيئَتِي ]وَجَهْلِي ، وَإِسْرَافِي فِي أَمْرِي ، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي جِدِّي وَهَزْلِي ، وَخَطَئِي وَعَمْدِي ، وَكُلُّ ذَلِكَ عِنْدِي) ، وأشباه ذلك كثيرة عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم ".


أقول : وإنني لأخشى على من قرأ حاشية الداني آل الزهوي أن يغتر بهنبثة المتكلمين كما اغتر ذلك السائل ، والمتكلمون لو رجحوا القول الصواب فإنهم يميعون المسألة ، ولا يرجحونها بأدلة الكتاب والسنة.


والعجيب من الأخ الداني أنه لم يحل إلى شيء من كتب شيخ الإسلام للتوسع في المسألة ، مع أنه حررها في العديد من كتبه ، وعزى إلى مصادر كلها أشعرية ! .

 وهو الذي عرف عن نفسه في ص9 بقوله (أبو عبد الله العاملي السلفي)، فهل يليق هذا الصنيع بلقب (السلفي)

الخطأ الرابع عشر : القول بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان على ملة قومه

وهذا وقع فيها يحيى الحجوري وأحمد النجار الليبي


قال أحمد النجار في رسالته الإيمان بالرسل ص120 :" المسألة الثامنة : هل الرسل معصومون قبل النبوة .


إن الذي عليه أهل السنة والجماعة أن الأنبياء غير معصومين قبل النبوة ، وليس في هذا ما ينفر من القبول منهم .


فمن نشأ بين قوم مشركين لم يكن عليه نقص إذا كان على دينهم "


قال الخلال في السنة 213- أَخْبَرَنِي عِصْمَةُ بْنُ عِصَامٍ الْعُكْبَرِيُّ , قَالَ : حَدَّثَنَا حَنْبَلُ بْنُ إِسْحَاقَ , قَالَ : قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللَّهِ : مَنْ زَعَمَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ عَلَى دِينِ قَوْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُبْعَثَ ؟ فَقَالَ : هَذَا قَوْلُ سُوءٍ , يَنْبَغِي لِصَاحِبِ هَذِهِ الْمَقَالَةِ تَخَذُّرَ كَلاَمَهُ , وَلاَ يُجَالَسُ , قُلْتُ لَهُ : إِنَّ جَارَنَا النَّاقِدَ أَبُو الْعَبَّاسِ يَقُولُ هَذِهِ الْمَقَالَةُ ؟ فَقَالَ : قَاتَلَهُ اللَّهُ , أَيُّ شَيْءٍ أَبْقَى إِذَا زَعَمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ عَلَى دِينِ قَوْمِهِ وَهُمْ يَعْبُدُونَ الأَصْنَامَ , وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَبَشَّرَ بِهِ عِيسَى , فَقَالَ : اسْمُهُ أَحْمَدُ , قُلْتُ لَهُ : وَزَعَمَ أَنَّ خَدِيجَةَ كَانَتْ عَلَى ذَلِكَ حِينَ تَزَوَّجَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ , فَقَالَ : أَمَّا خَدِيجَةُ فَلاَ أَقُولُ شَيْئًا , قَدْ كَانَتْ أَوَّلَ مَنْ آمَنَ بِهِ مِنَ النِّسَاءِ , ثُمَّ مَاذَا يُحَدِّثُ النَّاسُ مِنَ الْكَلاَمِ , هَؤُلاَءِ أَصْحَابُ الْكَلاَمِ , مَنْ أَحَبَّ الْكَلاَمَ لَمْ يُفْلِحْ , سُبْحَانَ اللَّهِ , سُبْحَانَ اللَّهِ لِهَذَا الْقَوْلِ , وَاسَتْعَظَمَ ذَلِكَ وَاحْتَجَّ فِي ذَلِكَ بِكَلاَمٍ لَمْ أَحْفَظْهُ , وَذَكَرَ أُمَّهُ حَيْثُ وَلَدَتْ رَأَتْ نُورًا , أَفَلَيْسَ هَذَا عِنْدَمَا وَلَدَتْ رَأَتْ هَذَا وَقَبْلَ أَنْ يُبْعَثَ كَانَ طَاهِرًا مُطَهَّرًا مِنَ الأَوْثَانِ , أَوَ لَيْسَ كَانَ لاَ يَأْكُلُ مَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ , ثُمَّ قَالَ : احْذَرُوا أَصْحَابَ الْكَلاَمِ , لاَ يَئُولُ أَمْرُهُمْ إِلَى خَيْرٍ.



وقال ابن رجب في لطائف المعارف ص82 :" وفي الصحيحين عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مثلي ومثل الأنبياء كمثل رجل بنى دارا فأكملها وأحسنها إلا موضع لبنة فجعل الناس يدخلونها ويعجبون منها ويقولون لولا موضع اللبنة" زاد مسلم قال: "فجئت فختمت الأنبياء" وفيهما أيضا عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم معناه وفيه: "فجعل الناس يطوفون به ويقولون: هلا وضعت اللبنة؟ فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين".

وقد استدل الإمام أحمد بحديث العرباض بن سارية هذا على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزل على التوحيد منذ نشأ ورد بذلك على من زعم غير ذلك بل قد يستدل بهذا.

الحديث على أنه صلى الله عليه وسلم ولد نبيا فإن نبوته وجبت له من حين أخذ الميثاق منه حين استخرج من صلب آدم فكان نبيا من حينئذ لكن كانت مدة خروجه إلى الدنيا متأخرة عن ذلك وذلك لا يمنع كونه نبيا قبل خروجه كمن يولى ولاية ويؤمر بالتصرف فيها في زمن مستقبل فحكم الولاية ثابت له من حين ولايته وإن كان تصرفه يتأخر إلى حين مجيء الوقت قال حنبل: قلت لأبي عبد الله يعني أحمد: من زعم أن النبي كان على دين قومه قبل أن يبعث؟ قال: هذا قول سوء ينبغي لصاحب هذه المقالة أن يحذر كلامه ولا يجالس قلت له: إن جارنا الناقد أبا العباس يقول هذه المقالة؟ قال: قاتله الله وأي شيء أبقى إذا زعم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان على دين قومه وهم يعبدون الأصنام قال الله تعالى حاكيا عن عيسى عليه السلام: {وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} [الصف: 6] قلت له: وزعم أن خديجة كانت على ذلك حين تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم في الجاهلية قال: أما خديجة فلا أقول شيئا قد كانت أول من آمن به من النساء ثم قال: ماذا يحدث الناس من الكلام!! هؤلاء أصحاب الكلام لم يفلح ـ سبحان الله ـ لهذا القول واحتج في ذلك بكلام لم أحفظه.

وذكر أن أمه حين ولدت رأت نورا أضاء له قصور الشام أو ليس هذا عندما ولدت رأت هذا وقبل أن يبعث كان طاهرا مطهرا من الأوثان أوليس كان لا يأكل لما ذبح على النصب ثم قال: "احذروا الكلام فإن أصحاب الكلام أمرهم لا يؤول إلى خير" خرجه أبو بكر عبد العزيز بن جعفر في كتاب السنة ومراد الإمام أحمد الإستدلال بتقدم البشارة بنبوته من الأنبياء الذين قبله وبما شوهد عند ولادته من الآيات على أنه كان نبيا من قبل خروجه إلى الدنيا وولادته وهذا هو الذي يدل عليه حديث العرباض بن سارية هذا فإنه صلى الله عليه وسلم ذكر فيه أن نبوته كانت حاصلة من حين آدم منجدلا في طينته والمراد بالمنجدل: الطريح الملقى على الأرض قبل نفخ الروح فيه ويقال للقتيل: إنه منجدل لذلك"



ونص ابن تيمية على ذلك في المسودة وإنما وقع الخلاف هل كان متعبداً بشرع قبل النبوة أم لا




وممن لم يحسن الكلام في هذه المسألة يحيى الحجوري في كتابه الرد على جهالات أحمد نصر الله صبري فإن الشيخ مقبلاً أورد في الصحيح المسند حديثاً منكراً ظاهره أن النبي صلى الله عليه وسلم قرب لصنم ! فاعترض عليه الدكتور أحمد نصر الله صبري




فقال في رده على أحمد نصر الله صبري :"


قال الإمام الشوكاني في «إرشاد الفحول إلى تحقيق علم الأصول» ص (69): ذهب الأكثر من أهل العلم إلى عصمة الأنبياء بعد النبوة من الكبائر، وقد حكى القاضي أبو بكر: إجماع المسلمين على ذلك، وكذا حكاه ابن الحاجب وغيره من متأخري الأصوليين، وكذا حكوا الإجماع على عصمتهم بعد النبوة مما يزري بمناصبهم، كرذائل الأخلاق والدناءات، وسائر ما ينفر عنهم، وهي التي يقال لها صغائر الخسة، كسرقة لقمة، والتطفيف بحبة.. (إلى أن قال) (ص71): وأما قبل الرسالة فذهب الجمهور إلى أنه لا يمتنع من الأنبياء ذنب كبير، ولا صغير، وقالت الروافض: يمتنع قبل الرسالة منهم كل ذنب، وقالت المعتزلة: يمتنع الكبائر دون الصغائر، واستدل المانعون مطلقا أو مقيدا بالكبائر، بأن وقوع الذنب منهم قبل النبوة منفر عنهم، عند أن يرسلهم الله فيخل بالحكمة من بعثهم، وذلك قبيح عقلا، ويجاب عنه: بأنا لا نسلم ذلك. اهـ

نقل الآمدي في «الإحكام في أصول الأحكام» (1/224) عن أبي بكر القاضي أيضا، وعن أكثر أصحابهم إلى أنه لا يمتنع عليهم العصمة قبل النبوة من كبيرة كانت أو صغيرة، بل ولا يمتنع عقلا إرسال من أسلم، وآمن بعد كفره، وذهبت الروافض إلى امتناع ذلك كله منهم قبل النبوة؛ لأن ذلك مما يوجب هضمهم في النفوس، واحتقارهم، والنفرة عن اتباعهم، وهو خلاف مقتضى الحكمة من بعثة الرسل ووافقهم على ذلك أكثر المعتزلة إلا في الصغائر، والحق ما ذكره القاضي، لأنه لا سمع قبل البعثة يدل على عصمتهم عن ذلك، وأما بعد النبوة، فالاتفاق من أهل الشرائع قاطبة على عصمتهم عن تعمد كل ما يخل بصدقهم فيما دلت المعجزة القاطعة على صدقهم فيه، من دعوى الرسالة، والتبليغ عن الله تعالى. إلى آخر مبحث عصمة الأنبياء عن الكبائر.

وقال الشاطبي في «الموافقات» (4/13) بتحقيق الشيخ: مشهور بن حسن سلمان وفقه الله:

الأنبياء معصومون من الكبائر باتفاق أهل السنة، وعن الصغائر باختلاف. اهـ وصحح عصمتهم من الصغائر أيضا.

وصحح القاضي أبو بكر عدم عصمتهم منها، وقال: الآمدي في «الأحكام» (1/224): وهو الأشبه. اهـ

وهذا منقول عن الجمهور جواز وقوع الصغائر غير الذميمة منهم، ولكنهم لا يصرون فيكونون معصومين من الإصرار عليها، كما هو مضمون كلام شيخ الإسلام ابن تيمية.

وصوب القاضي عياض في كتاب «الشفاء» مع الشرح (4/147): عصمتهم قبل البعثة وبعدها، ونقله عنه الزركشي في «البحر المحيط» (3/241). طبعة دار الكتب العلمية،فقال:

أما قبل النبوة، فقال المازري: لا تشترط العصمة، ولكن لم يرد في السمع وقوعها، وقال القاضي عياض: والصواب عصمتهم قبل النبوة من الجهل بالله وصفاته، والتشكيك في شيء من ذلك، وقد تعاضدت الأخبار عن الأنبياء بتبرئتهم عن هذه النقيصة منذ ولدوا، ونشأتهم على التوحيد والإيمان.

ونقل ابن الحاجب عن الأكثرين عدم امتناعها عقلا....والأصح قول الأكثرين، ومنهم القاضي؛ لأن السمع -أي: القرآن والسنة- لا دلالة له على العصمة قبل البعثة. انتهى المراد من المبحث في العصمة"



وهذا الكلام منه ما كلام متكلمين لا يحتج به في العقيدة ، وقد تقدم أن الإمام أحمد رأى أن هذه مسائل المتكلمين المنكرة ، ومنه ما هو خارج محل النزاع فالبحث ليس في الكبائر والصغائر قبل النبوة وبعدها وإنما البحث في كون المرء على ملة قومه ، ومنها ما كان متعلقاً بالأنبياء الأخر لا بنبينا صلى الله عليه وسلم




والدكتور اعترض على الرواية بأنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قرب قرباناً للصنم وهذه باتفاق لم يفعلها النبي صلى الله عليه وسلم في حياته لا قبل البعثة ولا بعدها وما كان مشركاً طرفة عين




قال شيخ الإسلام في تفسير آيات أشكلت (1/199) :" ولعل أحمد قال أليس كان لا يعبد الأصنام فغلط الناقل عنه فإن هذا قد جاء في الآثار أنه كان لا يعبد الأصنام وأما كونه لا يأكل من ذبائحهم فهذا لا يعلم أنه جاء به أثر وأحمد من أعلم الناس بالآثار فكيف يطلق قولًا عن المنقولات لم يرد به نقل ولكن هذا قد يشتبه بهذا وشرك حرمه من حين أرسِل وأما تحريم ما ذبح على النصب فإنما ذكر في سورة المائدة وقد ذكر في السور المكية كالأنعام والنحل تحريم ما أهل به لغير الله.

فتحريم هذا إنما عرف من القرآن وقبل نزول القرآن لم يكن يعرف تحريم


هذا بخلاف الشرك وقد كان هو وأصحابه مقيمين بمكة بعد الإسلام يأكلون من ذبائحهم لكن فرق بين ما ذبحوه للحم وما ذبحوه للنصُب على جهة القربة للأوثان فهذا من جنس الشرك لا يباح قط في شريعة وهو من جنس عبادة الأوثان.

وأما ذبائح المشركين فقد ترد الشريعة بحلها كما كانوا يتزوجون المشركات أولًا.

والقول الثاني إطلاق القول بأنه صلى الله عليه وسلم كان على دين قومه وتفسير ذلك بما كانوا عليه من بقايا دين إبراهيم لا بالموافقة لهم على شركهم.

قال ابن قتيبة قد جاء الحديث بأنه كان على دين قومه أربعين سنة ومعناه أن العرب لم يزالوا على بقايا من دين أبيهم إبراهيم صلى الله عليه وسلم من ذلك حج البيت وزيارته والختان والنكاح وإيقاع الطلاق إذا كان ثلاثًا وأن للزوج الرجعة في الواحد والاثنتين ودية النفس مائة من الإبل والغسل من الجنابة وتحريم المحرمات بالقرابة والصهر.

فكان على ما كانوا عليه من الإيمان بالله والعمل بشرائعهم تلك وكان لا يقرب الأوثان بل كان يعيبها وكان لا يعرف شرائع الله التي شرعها لعباده على لسانه حتى أوحي إليه فذلك قوله {مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ} يعني القرآن {وَلَا الْإِيمَانُ} يعني شرائع الإيمان ولم يرد الإيمان الذي هو الإقرار بالله لأن آباءه الذين ماتوا على الشرك كانوا يؤمنون بالله ويحجون له مع شركهم.

قلت أما ما ذكره ابن قتيبة من أن العرب كانوا يحجون ويختتنون فهذا متواتر عنهم وهذا كان هو الحنيفية عندهم وكذلك تحريم الأقارب"



فتأمل نص شيخ الإسلام أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يقرب الأوثان ولا يحبها ، وأنه لو أكل مما ذبحت على النصب فليس هذا من الشرك بل كان مباحاً فترة من الزمن




وأنه حتى من قال أنه كان على دين قومه لم يرد أنه كان يعبد الأوثان بل أراد أنه كان على بقايا دين إبراهيم والبحث مع أحمد نصر الله صبري في إنكاره أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قرب ذبيحة لصنم قبل النبوة وهذا الانكار سليم مستقيم على كلام أحمد وابن رجب وشيخ الإسلام وهذا المتعين




فلفظ الحديث الذي أنكره أحمد نصر الله فيه ( خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مردفي إلى نصب من الأنصاب ، فذبحنا له شاة ووضعناها في التنور)



وهذه لفظة منكرة انفرد بها محمد بن عمرو بن علقمة وقد تكلموا فيه وأصل الخبر في الصحيح بدون هذه الزيادة المنكرة ، وأما القول بأنهم معصومون من الكبائر قبل النبوة فقول منكر






ونعود للنجار فأقول أن النجار قد أحسن في جمع المسائل المتعلقة في الإيمان بالرسل وتلخيص كلام شيخ الإسلام وبيان غلط المتكلمين وإنما وقعت له زلة في هذه المسألة

ولابن تيمية اختيار في أن جميع الأنبياء يجوز عليهم أن يكونوا على ملة قومهم إلا نبينا

ويستدل لذلك بظاهر القرآن

قال الشيخ كما في مجموع الفتاوى (15/29) :" قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: {قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ} {قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا} ظَاهِرُهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ شُعَيْبًا وَاَلَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ كَانُوا عَلَى مِلَّةِ قَوْمِهِمْ؛ لِقَوْلِهِمْ: {أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا} وَلِقَوْلِ شُعَيْبٍ: (أنَعُودُ فِيهَا {أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ} وَلِقَوْلِهِ: {قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ} فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا فِيهَا. وَلِقَوْلِهِ: {بَعْدَ إذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا} . فَدَلَّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ أَنْجَاهُمْ مِنْهَا بَعْدَ التَّلَوُّثِ بِهَا؛ وَلِقَوْلِهِ: {وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا} وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ عَائِدًا عَلَى قَوْمِهِ؛ لِأَنَّهُ صَرَّحَ فِيهِ بِقَوْلِهِ: {لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ} وَلِأَنَّهُ هُوَ الْمُحَاوِرُ لَهُ بِقَوْلِهِ: {أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ} إلَى آخِرِهَا وَهَذَا يَجِبُ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ الْمُتَكَلِّمُ وَمِثْلُ هَذَا فِي سُورَةِ إبْرَاهِيمَ {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ} الْآيَةُ"

وكلام الطبري في تفسيره يوافق كلام ابن تيمية غير أن بقية المفسرين عامتهم يؤول ظاهر الآية مع أن الباقلاني الأشعري كلامه ككلام ابن تيمية

وقد رأيت بعض من يكفر ابن باز وغيره من المعاصرين ثم هو يعظم سيد قطب وهذه أعجوبة ، يكتب مقالاً في هذه المسألة ويكاد يجهل قول ابن تيمية زندقة وينقل عن الجهمية الأشعرية ويحليهم ب( الإمام فلان بن فلان ) هذا وهو لا يعذر بالجهل !

والمدخلي في تعليقه على الشريعة للآجري خالف ابن تيمية في هذه المسألة وذكر كلام البغوي والبغوي أشعري على طريقة المتقدمين من الأشاعرة وكلام في القدر ككلامهم تماماً وكلامه في النبوات قريب من كلامهم وهو على طريقة الأشعري في مقالات الإسلاميين ولذا له بعض التأويلات

الخطأ الخامس عشر : إنكار خطيئة داود وهي النظر

وهذا يقع فيه عامتهم ويخلط بين أكاذيب اليهود التي تنسب الزنا لنبي الله وما دل عليه ظاهر القرآن

وقد وقع في ذلك محمد جميل زينو في تعقيبه على تفسير السعدي

قال  محمد جميل:"﴿إن هذا أخي له,تسع وتسعون نعجةً ولى نعجة واحدة فقال أكفلنيها وعزني في الخطاب﴾[ص:23].

قال الشيخ السعدي-رحمه الله-:"نعجة: أي زوجة.."!!

قلت: الصحيح أنها على ظاهرها نعاج من الغنم, وما ورد من ذكر النساء في فتنة داود - عليه السلام - مما يتنافى مع عصمة الأنبياء-صلوات الله عليهم جميعاً-كله من أكاذيب اليهود".


القول بأن المقصود بالنعجة الزوجة قد صح عن ابن مسعود وابن عباس وابن مسعود لا يعرف بالأخذ عن بني إسرائيل.


قال عبد الرزاق في تفسيره عن الثوري عن الأعمش عن مسلم عن مسروق قال قال عبد الله ما زاد داود على أن قال أكفلنيها أي انزل لي عنها.


عن الثوري عن عبدالرحمن بن عبد الله عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال ما زاد داود على أن قال أكفلنيها أي تحول لي عنها.


وهذا التفسير يبطل الروايات التي تدعي أن داود سعى في قتل الرجل ، أو أكاذيب اليهود الخبيثة في أنه زنا بالمرأة فنسبة هذا للنبي كفر أكبر ، وقد ورد عن جماعة من السلف أن داود ما تزوجها أو ما دخل بها بل اعتزل النساء جميعاً بعد عتاب ربه له وبقي يبكي على خطيئته بعد أن كتبها على يده وهذا أشبه بأحوال الأنبياء، فلا يحملنا أن كذب كاذب أن نكذب بالحق، وهذه الآثار يغلب على الظن أن مرجعها النبي صلى الله عليه وسلم بل هذا شبه اليقين فمن ردها فهو على خطر عظيم.

وقد قال سعيد بن جبير ( كانت خطيئة داود النظر )

والعجيب أن أبا الحسن الأموي وهو أشعري ينزه الأنبياء حتى عن الصغائر قبل هذا التفسير


فقال في كتابه تنزيه الأنبياء :" فَأَما قولة دَاوُود عَلَيْهِ السَّلَام {أكفلنيها} فَهَذَا بِمَعْنى أنزل لي عَنْهَا بِطَلَاق وأتزوجها بعْدك وَهَذَا من القَوْل الْمَأْذُون فِي فعله وَتَركه ومباح أَن يَقُول الرجل لِأَخِيهِ أَو صديقه انْزِلْ لي عَن زَوجك بإضمار إِن شِئْت وَهَذَا بِمَثَابَة من يَقُول لصَاحبه أَو أَخِيه بِعْ مني أمتك إِن شِئْت وَهَذَا قَول مُبَاح لَيْسَ بمحظور فِي الشَّرْع وَلَا مَكْرُوه وَمن ادّعى حظره أَو كَرَاهَته فِي الشَّرْع فَعَلَيهِ الدَّلِيل وَلَا دَلِيل لَهُ عَلَيْهِ كَيفَ وَقد جَاءَ فِي الصَّحِيح أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما واخى بَين سعد بن الرّبيع وَبَين عبد الرَّحْمَن بن عَوْف قَالَ لَهُ الْأنْصَارِيّ لي كَذَا وَكَذَا من المَال أشاطرك فِيهِ ولي زوجان أنزل لَك عَن إِحْدَاهمَا فَقَالَ لَهُ عبد الرَّحْمَن بَارك الله لَك فِي أهلك وَمَالك أَرِنِي طَرِيق السُّوق

وَوجه الِاسْتِدْلَال بِهَذَا الحَدِيث قَوْله بَين يَدي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنزل لَك عَن إِحْدَاهمَا فأقره النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على هَذَا القَوْل وَلم يُنكره عَلَيْهِ وَهُوَ لَا يقر على مُنكر وَهُوَ الْمعلم الْأَكْبَر صلوَات الله عَلَيْهِ وتسليمه فَلم يبْق إِلَّا الْإِبَاحَة لَكِن تَركهَا بِمَعْنى الأولى والأحرى فِي كَمَال منصب النُّبُوَّة كَانَ أولى وَأتم

وَأما قَوْله {وعزني فِي الْخطاب} أَي غلبني فَنزلت لَهُ عَنْهَا فَهُوَ غلب الحشمة لَا غلب الْقَهْر لعظم منزلَة السَّائِل فِي قلب المسؤول وَلَا غلب الْحس بالقهر الْمنْهِي عَنهُ فَإِنَّهُ ظلم مَنْهِيّ عَنهُ شرعا تتحاشى عَنهُ الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام كَمَا تقدم

فَإِن قيل كَانَ دَاوُود عَلَيْهِ السَّلَام خَليفَة وَصَاحب سيف وَالْمَطْلُوب مِنْهُ رعية وَمن شَأْن الرّعية هَيْبَة الْمُلُوك والمبادرة لقَضَاء حوائجهم لكَوْنهم قاهرين لَهُم فيقضون حوائجهم باللين خوفًا من العنف وَالْإِكْرَاه وَفِي سُؤال دَاوُود عَلَيْهِ السَّلَام حمل على المسؤول من هَذَا الْبَاب

قُلْنَا صَحِيح مَا اعترضت بِهِ إِلَّا أَن هَذَا الْحمل على المسؤول لَا يتَصَوَّر إِلَّا فِيمَن عهد مِنْهُ الظُّلم وَالْغَصْب من الْأُمَرَاء وَأما من عهد نه الْعدْل وَالْإِحْسَان كخلفاء الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ لَهُم بِإِحْسَان فَلَا يتَصَوَّر ذَلِك فِي حَقهم إِذا منعُوا الْمُبَاحَات وَإِذا لم يتَصَوَّر ذَلِك فِي حَقهم مَعَ عدم الْعِصْمَة فَمَا ظَنك بالمعصومين المنزهين عَن الْخَطَايَا تَنْزِيه الْوُجُوب كَمَا تقدم فَبَطل اعْتِرَاض هَذِه القولة فِي حق دَاوُود عَلَيْهِ السَّلَام فِي هَذَا الْبَاب"


والعجيب أنه قبل تفسير ( وألقينا على كرسيه جسداً ) الثابت عن السلف والذي دفعه غير واحد من المعاصرين منهم الألباني في الصحيحة وجميل زينو في رده السعدي وقبل حتى المناكير والله المستعان


الخطأ السادس عشر : إنكار قصة سليمان مع الجني الذي تشكل بصورته

وهذه أنكرها محمد رشيد رضا وتابعه الألباني

قال النسائي في الكبرى  10993 - أنا محمد بن العلاء أنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير عن بن عباس قال : كان الذي أصاب سليمان بن داود عليه السلام في سبب امرأة من أهله يقال لها جرادة وكانت أحب نسائه إليه وكان إذا أراد أن يأتي نساءه أو يدخل الخلاء أعطاها الخاتم فجاء أناس من أهل الجرادة يخاصمون قوما إلى سليمان بن داود عليه السلام فكان هوى سليمان أن يكون الحق لأهل الجرادة فيقضي لهم فعوقب حين لم يكن هواه فيهم واحدا فجاء حين أراد الله أن يبتليه فأعطاها الخاتم ودخل الخلاء ومثل الشيطان في صورة سليمان قال هاتي خاتمي فأعطته خاتمه فلبسه فلما لبسه دانت له الشياطين والإنس والجن وكل شيء جاءها سليمان قال هاتي خاتمي قالت اخرج لست بسليمان قال سليمان عليه السلام إن ذاك من أمر الله إنه بلاء أبتلى به فخرج فجعل إذا قال أنا سليمان رجموه حتى يدمون عقبه فخرج يحمل على شاطئ البحر ومكث هذا الشيطان فيهم مقيم ينكح نساءه ويقضي بينهم فلما أراد الله عز و جل أن يرد على سليمان ملكه انطلقت الشياطين وكتبوا كتبا فيها سحر وفيها كفر فدفنوها تحت كرسي سليمان عليه السلام ثم أثاروها وقالوا هذا كان يفتن الجن والإنس قال فأكفر الناس سليمان حتى بعث الله محمدا صلى الله عليه و سلم فأنزل الله عز و جل على محمد عليه السلام وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يقول الذي صنعوا فخرج سليمان يحمل على شاطئ البحر قال ولما أنكر الناس لما أراد الله أن يرد على سليمان ملكه أنكروا انطلقت الشياطين جاؤوا إلى نسائه فسألوهن فقلن إنه ليأتينا ونحن حيض وما كان يأتينا قبل ذلك فلما رأى الشيطان أنه حضر هلاكه هرب وأرسل به فألقاه في البحر وفي الحديث فتلقاه سمكه فأخذه وخرج الشيطان حتى لحق بجزيرة في البحر وخرج سليمان عليه السلام يحمل لرجل سمكا قال بكم تحمل قال بسمكة من هذا السمك فحمل معه حتى بلغ به أعطاه السمكة التي في بطنها الخاتم فلما أعطاه السمكة شق بطنها يريد يشويها فإذا الخاتم فلبسه فأقبل إليه الإنس والشياطين فأرسل في طلب الشيطان فجعلوا لا يطيقونه فقال احتالوا له فذهبوا فوجدوه نائما قد سكر فبنوا عليه بيتا من رصاص ثم جاؤوا ليأخذوه فوثب فجعل لا يثب في ناحية إلا أماط الرصاص معه فأخذوه فجاؤوا به إلى سليمان فأمر بحنت من رخام فنقر ثم أدخله في جوفه ثم سده بالنحاس ثم أمر به فطرح في البحر


أقول : هذا السند رجاله ثقات ، وقد استنكر عدد من المتأخرين هذا الخبر بسبب ما ذكر في الخبر من إتيان الشيطان لنساء سليمان وهن حيض


وهذه الفقرة تفرد بها محمد بن العلاء عن أبي معاوية وقد روى هذا الخبر عنه أربعة فلم يذكروا هذه الفقرة وهم


1_ أبو خيثمة


2_ إسحاق بن إسماعيل


3_ أبو هلال الأشعري


وحديثهم جميعاً عند ابن أبي الدنيا في العقوبات (192) ، ولم يذكروا تلك الزيادة المنكرة


4_ أبو السائب السوائي وحديثه عند الطبري في التفسير (1660) ، وهو بدون هذه الزيادة


وقد روى سفيان الثوري هذا الخبر عن الأعمش مختصراً ولم يذكر تلك الزيادة


قال الحاكم في المستدرك 3680 - حَدَّثَنَا أَبُو الطَّيِّبِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ ، ثنا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ ، ثنا سُفْيَانُ ، عَنْ الْأَعْمَشُ ، عَنِ الْمِنْهَالِ [بْنِ عَمْرٍو] ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: { وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا }  قَالَ: " هُوَ الشَّيْطَانُ الَّذِي كَانَ عَلَى كُرْسِيِّهِ يَقْضِي بَيْنَ النَّاسِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ، وَكَانَ لِسُلَيْمَانَ جَارِيَةٌ يُقَالَ لَهَا: جَرَادَةُ وَكَانَ بَيْنَ بَعْضِ أَهْلِهَا وَبَيْنَ قَوْمِهِ خُصُومَةٌ ، فَقَضَى بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ إِلَّا أَنَّهُ وَدَّ أَنَّ الْحَقَّ لِأَهْلِهَا ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنَّهُ سَيُصِيبُكَ بَلَاءٌ ، وَكَانَ لَا يَدْرِي يَأْتِيهِ مِنَ السَّمَاءِ أَوْ مِنَ الْأَرْضِ "


ومما يدل على نكارة هذه الزيادة أن مجاهداً ألصق تلاميذ ابن عباس أنكر أن يكون الشيطان ، تمكن من نساء سليمان عليه الصلاة والسلام


قال الطبري في تفسيره (21/ 199) : حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله( عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ) قال: شيطانا يقال له آصف، فقال له سليمان: كيف تفتنون الناس؟ قال: أرني خاتمك أخبرك. فلما أعطاه إياه نبذه آصف في البحر، فساح سليمان وذهب مُلكه، وقعد آصف على كرسيه، ومنعه الله نساء سليمان، فلم يقربهنّ، وأنكرنه; قال: فكان سليمان يستطعم فيقول: أتعرفوني أطعموني أنا سليمان، فيكذّبونه، حتى أعطته امرأة يوما حوتا يطيب بطنه، فوجد خاتمه في بطنه، فرجع إليه مُلكه، وفر آصف فدخل البحر فارّا.


وكذلك أنكر قتادة تسلط الشيطان على نساء سليمان كما روى الطبري (21/198) : حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله( وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ ) قال: حدثنا قتادة أن سلمان أمر ببناء بيت المقدس، فقيل له: ابنه ولا يسمع فيه صوت حديد، قال: فطلب ذلك فلم يقدر عليه، فقيل له: إن شيطانا في البحر يقال له صخر شبه المارد، قال: فطلبه، وكانت عين في البحر يردها في كلّ سبعة أيام مرّة، فنزح ماؤها وجعل فيها خمر، فجاء يوم وروده فإذا هو بالخمر، فقال: إنك لشراب طيب، إلا أنك تصبين الحليم، وتزيدين الجاهل جهلا قال: ثم رجع حتى عطش عطشا شديدا، ثم أتاها فقال: إنك لشراب طيب، إلا أنك تصبين الحليم، وتزيدين الجاهل جهلا قال: ثم شربها حتى غلبت على عقله، قال: فأري الخاتم أو ختم به بين كتفيه، فذلّ، قال: فكان مُلكه في خاتمه، فأتى به سليمان، فقال: إنا قد أمرنا ببناء هذا البيت. وقيل لنا: لا يسمعنّ فيه صوت حديد، قال: فأتى ببيض الهدهد، فجعل عليه زجاجة، فجاء الهدهد، فدار حولها، فجعل يرى بيضه ولا يقدر عليه، فذهب فجاء بالماس، فوضعه عليه، فقطعها به حتى أفضى إلى بيضه، فأخذ الماس، فجعلوا يقطعون به الحجارة، فكان سليمان إذا أراد أن يدخل الخلاء أو الحمام لم يدخلها بخاتمه; فانطلق يوما إلى الحمام، وذلك الشيطان صخر معه، وذلك عند مقارفة ذنب قارف فيه بعض نسائه، قال: فدخل الحمام، وأعطى الشيطان خاتمه، فألقاه في البحر، فالتقمته سمكة، ونزع مُلك سليمان منه، وألقي على الشيطان شبه سليمان; قال: فجاء فقعد على كرسيه وسريره، وسلِّط على ملك سليمان كله غير نسائه; قال: فجعل يقضي بينهم، وجعلوا ينكرون منه أشياء حتى قالوا: لقد فُتِن نبيّ الله; وكان فيهم رجل يشبهونه بعمر بن الخطَّاب في القوّة، فقال: والله لأجربنه; قال: فقال له: يا نبيّ الله، وهو يرى إلا أنه نبيّ الله، أحدنا تصيبه الجَنابة في الليلة الباردة، فيدع الغسل عمدا حتى تطلع الشمس، أترى عليه بأسا؟ قال: لا قال: فبينا هو كذلك أربعين ليلة حتى وجد نبي الله خاتمه في بطن سمكة، فأقبل فجعل لا يستقبله جنيّ ولا طير إلا سجد له، حتى انتهى إليهم( وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ) قال: هو الشيطان صخر.


فإذا كانت هذه الزيادة فقط محل إشكال فلتضعف هذه الزيادة ويحكم عليها بالشذوذ لعدم ذكر أكثر الرواة لها ،  ويصحح بقية الخبر


واعلم رحمك الله أن السلف أجمعوا على أن الجسد الذي ألقي على كرسي سليمان هو ذلك الشيطان ، ولم ينكر هذا أحد من السلف ، قد تقدم معك أثر ابن عباس وأثر مجاهد ، وأثر قتادة


قال الطبري في تفسيره (21/ 196) : حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله( وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ) قال: هو صخر الجنيّ تمثَّل على كرسيه جسدا.


هذا طريق صحيفة علي بن أبي طلحة عن ابن عباس وهي تتقوى بما ورد سابقاً من طريق سعيد بن جبير


قال الطبري في تفسيره (21/ 197) : حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو داود، قال: ثنا مبارك، عن الحسن( وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ) قال: شيطانا.


وقال الطبري في تفسيره (21/199) : حدثنا محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السديّ، في قوله( وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ ) قال: لقد ابتلينا( وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ) قال: الشيطان حين جلس على كرسيه أربعين يوما ، ثم ذكر قصةً طويلة


وقد اختار البخاري هذا القول في صحيحه حيث قال : {جَسَدًا} شَيْطَانًا


ولم ينقل عن السلف قولٌ آخر ، فلو فرضنا جدلاً أن أصله مأخوذ من كعب الأحبار ، فإنه حجة إذ لم يرد عن أحد من السلف ما يخالفه


إذا علمت هذا علمت سقوط قول أبي حيان الأندلسي في تفسيره  ( 7 / 397 ) :" إن هذه المقالة من أوضاع اليهود والزنادقة ، ولا ينبغي لعاقل أن يعتقد صحة ما فيها ، وكيف يجوز تمثل الشيطان بصورة نبي حتى يلتبس أمره على الناس ، ويعتقدوا أن ذلك المتصور هو النبي ؟ ! ولو أمكن وجود هذا لم يوثق بإرسال نبي ، نسأل الله سلامة ديننا وعقولنا"


وهكذا مقالة الزنادقة سرت على جميع السلف ، في القرون الفاضلة ثم جاء أبو حيان الأندلسي الأشعري بعقله الفذ وأنقذنا من هذه الخرافة ؟!


ولا يجوز اعتقاد ما قاله أبو حيان لمخالفته لإجماع السلف


وأيضاً يعلم سقوط الآلوسي  في " تفسيره " ( 23 / 198 ) :

" أظهر ما قيل في فتنته عليه السلام أنه قال : " لأطوفن الليلة على سبعين امرأة تأتي كل واحدة بفارس يجاهد في سبيل الله . ولم يقل : إن شاء الله . فطاف عليهن ، فلم تحمل إلا امرأة ، وجاءت بشق رجل " . رواه الشيخان عن أبي هريرة مَرْفُوعًا . فالمراد بالجسد ذلك الشق الذي ولد له ، ومعنى إلقائه على كرسيه : وضع القابلة له عليه ؛ لِيَرَاهُ " .



لا أعلم أحداً من السلف فسر الآية بما فسره به الآلوسي وهذا تفسير محدث مخترع ، ومما يدل على بطلان هذا التفسير أنه لم يرد في الرواية أن شق الرجل وضع على كرسي سليمان ، إنما هو أمرٌ زاده الآلوسي في الرواية إذ لم يقبل عقله المنقول عن السلف


قال ابن تيمية في مقدمة التفسير :" و فى الجملة من عدل عن مذاهب الصحابة والتابعين وتفسيرهم الى ما يخالف ذلك كان مخطئا فى ذلك بل مبتدعا وان كان مجتهدا مغفورا له خطؤه"


فاحذر هذا المسلك الوخيم ولا تغتر بمن سبق إليه

وكلام أبي حيان والآلوسي نقله الألباني والله المستعان

الخطأ السابع عشر : إنكار هم يوسف وما ذكر من حل السراويل

وهذا من أكثر المعاصرين إساءة للأدب مع السلف في هذا الباب محمد الأمين الشنقيطي صاحب التفسير

قال الأخ يوسف الدكالي :" فيوجد على (Youtube) مقطع للمدعو سعيد الكملي في تفسير قوله تعالى (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَن رَّأَىٰ بُرْهَانَ رَبِّهِ) – [يوسف 24].


و قد حط على السلف حطا عظيما و رد أقوالهم في الآية و اتهمهم بقلة الفهم و مخالفة النظم القرآني و سلبِ يوسف عليه السلام من مزاياه و ما خصه الله به و غيرها من الشطحات و تكلف لذلك تكلفا احمر فيه أنفه، و لو سلّم لقول السلف لارتاح و أراح.


قال الله عز و جل ( فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) – [البقرة 137]



يقول المدعو سعيد الكملي :
" حاصل قول أصحاب هذا المذهب، أن يوسف عليه السلام حصل منه الهم بما لا ينبغي، إلى أن زجره عنه زاجر و صرفه عنه صارف و هو رؤيته البرهان من ربه. و ذكروا روايات كثيرة عن طائفة من علماء السلف. حتى ذكروا أنها استلقت له و أنه حل سراويله و أنه قعد منها مقعد الرجل من أهله ثم رأى البرهان فانصرف عن ذلك. و الآثار في هذا مروية في تفسير الطبري و تفسير ابن أبي حاتم، و هي مذكورة عنه ابن المنذر و عند ابن أبي شيبة و عند عبد الرزاق و عند غيرهم، وهي كثيرة هذا حاصلها لا داعي من ذكرها. لا داعي أن نطيل مجلسنا بذكرها.
و نحن لا نميل إلى هذا الرأي و لا نراه مع إجلالنا من ذهب إليه من أئمة التفسير. و سنذكر سبب اختيارنا هذا ". اهـ


يقر بأنه قول طائفة من علماء السلف ثم يرده لشيء في قلبه. فنعوذ بالله من الضلال بعد العلم.


وكلامه هذا يذكر بما حصل من القرطبي في نفي علو الله. 
 حيث قال في كتابه " الأسنى شرح أسماء الله الحسنى 132 ":
" وأظهر هذه الأقوال وإن كنت لا أقول به ولا أختاره ما تظاهرت عليه الآي والأخبار أن الله سبحانه على عرشه كما أخبر في كتابه ، وعلى لسان نبيه بلا كيف ، بائن من جميع خلقه هذا جملة مذهب السلف الصالح فيما نقل عنهم الثقات حسب ما تقدم . " اهـ


و هذا من القبح بمكان.


و ردا على كلامه هذا أقول و بالله أستعين.

تفسير الهم بحل السراويل و أنه جلس منها مجلس الخاتن، صح عن عبد الله  بن عباس رضي الله عنه، و مجاهد و ابن أبي مليكة و سعيد بن جبير و ابن سيرين و الحسن و قتادة و غيرهم. و كان الأولى ذكر أسماء أصحاب هذا القول حتى يعرف الناس من المعنيون.


و سأحصر الكلام في تفسير ابن عباس للآية مع ذكر مقدمة عسى أن ينفع الله بها.

يقول سعيد بن منصور في " التفسير 44 ":
نا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنِ ابْنِ عَوْن، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرين، قَالَ: سَأَلْتُ عَبِيدَةَ عَنْ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَقَالَ: " عَلَيْكَ بِتَقْوَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، والسَّدَاد ، فَقَدْ ذَهَبَ الَّذِينَ كَانُوا يعلمون فِيمَ أُنْزِلَ القُرْآنُ ".


و ابن عباس رضي الله عنه من الذين يعلمون فيم أنزل القرآن:

يقول الطبري في " تفسيره 107 ":
حَدَّثنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا طَلْقُ بْن غِنَامٍ، عَنْ عُثْمَان المَكِّي، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ: رَأَيْتُ مُجَاهِدًا يَسْأَلُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ تَفْسِيرِ القُرْآنِ، وَمَعَهُ أَلْوَاحُهُ، فَيَقُولُ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: " اكْتُبْ "، قَالَ: حَتَّى سَأَلَهُ عَنِ التَّفْسِيرِ كُلِّهِ.

و قال " 89 ":
حَدَّثنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْن إِدْرِيس، قَالَ: سَمِعْتُ الأَعْمَشَ، عَنْ شَقِيقٍ، قَالَ: شَهِدْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ وَوَلِىَ المَوْسِمَ، فَقَرَأَ سُورَةَ النُّورِ عَلَى المِنْبَرِ، وَفَسَّرَهَا، لَوْ سَمِعَتِ الرُّومُ لَأَسْلَمَتْ.



بل ابن عباس من الذين يعلمون تأويل القرآن:

يقول الطبري في " تفسيره 6632 ":
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ عِيسَى عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ : أَنَا مِمَّنْ يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ.


و كان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يسميه ترجمان القرآن:

يقول الطبري في " تفسيره 104 ":
حَدَّثَنَا مُحَمَّد بَنْ بَشَّار، قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيع، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَان، عَنْ سُلَيْمَان، عَنْ مُسْلِم، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ: نِعْمَ تَرْجُمَانُ القُرْآنِ ابْنُ عَبَّاسٍ.


و هذه تزكية ما يعلم أنها حصلت لأحد غيره. و لا غرابة في ذلك:

فقد خرج البخاري في " صحيحه 3756 " قال: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ خَالِدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: ضَمَّنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى صَدْرِهِ وَقَالَ اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الْحِكْمَةَ.

و الحكمة إصابة الحق.




و بعد هذه التقدمة الموجزة في حق الحبر، أذكر كلام الكملي مع التعليق عليه:


قال في الدقيقة (3:03) :
" و نحن لا نميل إلى هذا الرأي و لا نراه ".

لو سلمنا أنه رأي لابن عباس لكان خيرا لنا من رأيك. فكيف و هو بخلاف ذاك

يقول الطبري في " تفسيره 98 ":
حَدَّثَنِي يَعْقُوب، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّة، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَة: أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ سُئِلَ عَنْ آيَةٍ لَوْ سُئِلَ عَنْهَا بَعْضُكُمْ لَقَالَ فِيهَا، فَأَبَى أَنْ يَقُولَ فِيهَا.

و قال أبو عبيد في " فضائل القرآن 690 ":
حَدَّثَنَا مُحَمَّد بَنْ جَعْفَر، عَنْ شُعْبَة، عَنْ عَمْرُو بَنْ مُرَّة، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِسَعِيد بَنْ جُبَيْر: أَمَا رَأَيْتَ ابْنَ عَبَّاسٍ حِينَ سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الآيَة (وَالمحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ) فَلَمْ يَقُلْ فِيهَا شَيْئًا، فَقَالَ سَعِيد: كَانَ لاَ يَعْلَمُهَا.

و في هذا تبرئة لابن عباس من القول برأيه في تفسير كلام ربه، و على هذا الهدي كان مجاهد و عكرمة و ابن جبير و غيرهم.



قوله في الدقيقة ( 3:38) :
" و هذا الذي صح سنده إلى من ذكر عنه لم يرفع منه إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم كثير و لا قليل. فالظاهر - و هو ما رجحه بعض الأئمة من أهل التفسير و هو الشيخ الأمير الشنقيطي رحمة الله عليه - أنه مما تلقي عن الإسرائيليات ". اهـ

و هذه الدعوى الباطلة و هي أشبه ما يكون بالخيال، قالها أيضا من حقق تفسير سعيد بن منصور:
1116 - حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: نا سُفْيَانُ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ (1) ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ (2) ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ء فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ} ء، قَالَ: حَلَّ الهِمْيان (3) وَجَلَسَ مِنْهَا مَجْلِسَ الخَاتِن (4) ، فَنُودِيَ: أَتَزْنِي يَا ابْنَ يَعْقُوبَ فَتَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الطَّائِرِ ذَهَبَ يَطِيرُ فَسَقَطَ رِيشُهُ؟

قال المحقق: 1116 - سنده صحيح إلى ابن عباس، ولكن قد يكون هذا مما تلقاه عن أهل الكتاب.


و ابن عباس بريء من هذا البهتان. فقد خرج البخاري في " صحيحه 7363 " قال:
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ أَخْبَرَنَا ابْنُ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَيْفَ تَسْأَلُونَ أَهْلَ الْكِتَابِ عَنْ شَيْءٍ وَكِتَابُكُمْ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْدَثُ تَقْرَءُونَهُ مَحْضًا لَمْ يُشَبْ. وَقَدْ حَدَّثَكُمْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ بَدَّلُوا كِتَابَ اللَّهِ وَغَيَّرُوهُ وَكَتَبُوا بِأَيْدِيهِمْ الْكِتَابَ وَقَالُوا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا. أَلَا يَنْهَاكُمْ مَا جَاءَكُمْ مِنْ الْعِلْمِ عَنْ مَسْأَلَتِهِمْ لَا وَاللَّهِ مَا رَأَيْنَا مِنْهُمْ رَجُلًا يَسْأَلُكُمْ عَنْ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْكُمْ ".اهـ

و هذا واضح في أن ابن عباس رضي الله عنه كان غنيا عن الأخذ منهم.



يقول ابن تيمية رحمه الله في " بيان تلبيس الجهمية 6/451 " :
" وأيضاً فعلم ذلك لا يؤخذ بالرأي ، وإنما يقال توقيفاً ، ولا يجوز أن يكون مستند ابن عباس أخبار أهل الكتاب ، الذي هو أحد الناهين لنا عن سؤالهم ، ومع نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن تصديقهم ، أو تكذيبهم .
فعلم أن ابن عباس إنما قاله توقيفاً من النبي صلى الله عليه وسلم
ففي صحيح عن البخاري عن ابن شهاب  عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ كَيْفَ تَسْأَلُونَ أَهْلَ الْكِتَابِ وَكِتَابُكُمْ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْدَثُ الْأَخْبَارِ بِاللَّهِ تَقْرَءُونَهُ لَمْ يُشَبْ وَقَدْ حَدَّثَكُمْ اللَّهُ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ بَدَّلُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ وَغَيَّرُوا بِأَيْدِيهِمْ الْكِتَابَ فَقَالُوا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ {لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا} أَفَلَا يَنْهَاكُمْ مَا جَاءَكُمْ مِنْ الْعِلْمِ عَنْ مُسَاءَلَتِهِمْ وَلَا وَاللَّهِ مَا رَأَيْنَا مِنْهُمْ رَجُلًا قَطُّ يَسْأَلُكُمْ عَنْ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْكُمْ.
وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة قال  عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ يَقْرَءُونَ التَّوْرَاةَ بِالْعِبْرَانِيَّةِ وَيُفَسِّرُونَهَا بِالْعَرَبِيَّةِ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُصَدِّقُوا أَهْلَ الْكِتَابِ وَلَا تُكَذِّبُوهُمْ وَقُولُوا { آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا } الْآيَةَ
فمعلوم مع هذا أن ابن عباس لا يكون مستنداً فيما يذكره من صفات الرب أنه يأخذ عن أهل الكتاب ، فلم يبق إلا أن يكون أخذ من الصحابة الذين أخذوا من النبي صلى الله عليه وسلم ".اهـ


و كذلك يقال أن تفسير ابن عباس " للهم " له حكم الرفع.




قوله في الدقيقة (4:07):
" الذي نراه، أن يوسف عليه السلام لم يحصل منه هم لما ينبغي البثة، و إنما الهم حصل منها هي أما هو فلا. و هذا الذي نفهمه من النظم القرآني ". اهـ

أقول و كذلك القول بأن إبليس من الملائكة يخالف النظم القرآني
و القول بأن هاروت و ماروت ملكين يخالف النظم القرآني
و تفسير الظالم لنفسه بالمنافق و أن قوله تعالى (ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا) لا يشمله، يخالف النظم القرآني
و تفسير قوله تعالى (فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ 190) يعني آدم و حواء، وأن الشرك كان في التسمية لا في العبادة، يخالف النظم القرآني


و غيرها من التفاسير كلها مخالفة للنظم القرآني حتى من الله علينا بكم بعد زمن طويل فجئتم بالتفاسير و الأقوال الموافقة للنظم القرآني. فإلى الله المشتكى.


يقول ابن بطة في " الإبانة  717 ":
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْر مُحَمَّد بَنْ بَكْر، قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَد بن حَنْبَلٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو المغِيرَة قَالَ حَدَّثَنَا صَفْوَان بَنْ عَمْرُو قَالَ حَدَّثَنِي يَزِيد بَنْ خمير الرّحْبِي قَالَ: سَأَلْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ بُسْرٍ صَاحِبَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ: كَيْفَ حَالُنَا مِنْ حَالَ مَنْ كَانَ قَبْلَنَا؟. قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ، لَوْ نُشِرُوا مِنَ القُبُورِ مَا عَرَفُوكُمْ إِلاَّ أَنْ يَجِدُوكُمْ قِيَامًا تُصَلُّونَ ". اهـ



وقال في الدقيقة (4:50):
" (ولقد همت به) وقف. (وهم بها لولا أن رأى برهان ربه) وقف. ما معنى هذا الكلام، الذي يفك لكم الإشكال هو قول ربنا " لولا ". ما هي لولا؟. يقول الديماني محمد باب : " لولا التي للإبتدى حرفا تفيد لتلو تلوها امتناعا لوجود ". اهـ


يريد بقوله هذا أن الهم ممتنع على يوسف لوجود البرهان.



و أقول للكملي، ابن عباس سيد أهل اللغة فقد كانوا يجلسون عنده يسئلونه

يقول المروزي في " زوائد الزهد 1162 ":
حَدَّثَنَا الهَيْثَمُ بن جَمِيلٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الجَبَّارِ بَنْ الوَرْدِ قَالَ: سَمِعْتُ عَطَاء بْنَ أَبِي رَبَاحٍ يَقُولُ: مَا رَأَيْتُ مَجْلِسًا قَطُّ أَكْرَمُ مِنْ مَجْلِسِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَكْثَرَ فِقْهًا، وَلاَ أَعْظَمَ جَفْنة، أَصْحَابُ القُرْآنِ عِنْدَهُ يَسْأَلُونَهُ، وَأَصْحَابُ العَرَبِيَّةِ عِنْدَهُ يَسْأَلُونَهُ، وَأَصْحَابُ الشِّعْرِ عِنْدَهُ يَسْأَلُونَهُ، فَكُلُّهُمْ يَصْدُرُ فِي رَأْيِ وَاسِعٍ ". اهـ


و قال الطبري في " تفسيره " معلقا:
وأما آخرون ممن خالف أقوال السلف وتأوَّلوا القرآن بآرائهم، فإنهم قالوا في ذلك أقوالا مختلفة.
* * *
وقال آخرون منهم: معنى الكلام: ولقد همت به، فتناهى الخبرُ عنها. ثم ابتدئ الخبر عن يوسف، فقيل: "وهم بها يوسف لولا أن رأى برهان ربه". كأنهم وجَّهوا معنى الكلام إلى أنَّ يوسف لم يهمّ بها، وأن الله إنما أخبر أنَّ يوسف لولا رؤيته برهان ربه لهمَّ بها، ولكنه رأى برهان ربه فلم يهمَّ بها، كما قيل: (وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلا قَلِيلا) ، [النساء: 83] .

قال أبو جعفر [الطبري]: ويفسد هذين القولين: أن العرب لا تقدم جواب "لولا" قبلها، لا تقول: "لقد قمت لولا زيد"، وهي تريد": لولا زيد لقد قمت"، هذا مع خلافهما جميع أهل العلم بتأويل القرآن، الذين عنهم يؤخذ تأويله ".اهـ



و قال النحاس في " معاني القرآن 3/415 ":
" وقد بينا قول من يرجع إلى قوله من أهل الحديث والروايات وأهل اللغة المحققون على قولهم. قال أبو إسحاق: يبعد أن يقال ضربتك لولا زيد وهممت بك لولا زيد، وإنما الكلام لولا زيد لهممت بك. فلو كان ولقد همت به ولهم بها لولا أن رأى برهان ربه لجاز على بعد، وإنما المعنى لولا أن رأى برهان ربه لأمضى ما هم به " اهـ



و مما يدل على أن الهم وقع قوله تعالى بعدها ( كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَ الفَحْشَاء )

فلو كان الله عصمه ابتداء لما حصل له الهم على فعل ما لا ينبغي لو كنتم تعقلون !


يقول ابن أبي حاتم في " تفسيره 11477 ":
حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ، ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (لَوْلا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ) قَالَ: مَثُلَ لَهُ يَعْقُوبُ فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى صَدْرِهِ، فَخَرَجَتْ شَهْوَتُهُ مِنْ أَنَامِلِهِ.

و قال " 11484 ":
حَدَّثَنَا الْمُنْذِرُ بْنُ شَاذَانَ، ثنا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَوْنٍ الْخُرَاسَانِيُّ قَالَ: سَأَلْتُ مُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ، عَنْ قَوْلِ اللَّهِ: لَوْلا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ قَالَ: مَثُلَ لَهُ يَعْقُوبُ عَاضًّا عَلَى أُصْبُعَيْهِ يَقُولُ: يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ الرَّحْمَنِ، اسْمُكَ فِي الأَنْبِيَاءِ، وَتَعْمَلُ عَمَلَ السُّفَهَاءِ.

و قال "11483 ":
حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ، ثنا صَفْوَانُ، ثنا الْوَلِيدُ، ثنا خُلَيْدٌ وَسَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: مَثُلَ لَهُ يَعْقُوبُ عَاضًّا عَلَى أُصْبُعَيْهِ وَهُوَ يَقُولُ لَهُ: أَيَا يُوسُف أَتتهم بِعَمَلِ السُّفَهَاءِ وَأَنْتَ مَكْتُوبٌ فِي الأَنْبِيَاءِ؟ فَذَلِكَ الْبُرْهَانُ، فَانْتَزَعَ اللَّهُ كُلَّ شَهْوَةٍ كَانَتْ فِي مَفَاصِلِهِ.



فقوله تعالى ( كذلك لنصرف عنه السوء و الفحشاء )  فيه أن الله سبحانه صرف عن يوسف عليه السلام أمرين اثنين: السوء و الفحشاء. فقولك أن يوسف لم يحصل منه هم مخالف للنظم القرآني. أليس كذلك ؟



قال النحاس في «معاني القرآن» (3/413) :
قال أبو عبيد القاسم بن سلام: ((وقد زعم بعض من يتكلم في القرآن برأيه أن يوسف صلى الله عليه وسلم لم يهم بها يذهب إلى أن الكلام انقطع عند قوله ولقد همت به قال ثم استأنف فقال وهم بها لولا ان رأى برهان ربه بمعنى لولا ان رأى برهان ربه لهم بها واحتج بقوله ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب وبقوله واستبقا الباب وقدت قميصه من دبر وابن عباس ومن دونه لا يختلفون في أنه هم بها وهم أعلم بالله وبتأويل كتابه وأشد تعظيما للأنبياء من أن يتكلموا فيهم بغير علم)).
قال أبو جعفر -أي: النحاس- وكلام أبي عبيد هذا كلام حسن بيّن لمن لم يَمِل إلى الهوى والذي ذكر من احتجاجهم بقول ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب لا يلزم لأنه لم يواقع المعصية. وأيضا فإنه قد صح في الحديث أن جبريل صلى الله عليه وسلم قال له حين قال ذلك ليعلم أني لم اخنه بالغيب وأن الله لا يهدي كيد الخائنين، ولا حين هممت فقال وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسو.ء وكذلك احتجاجهم بقوله واستبقا الباب وقدت قميصه من دبر لا يلزم لأنه يجوز ان يكون هذا بعد الهموم. وقال الحسن: إن الله جل وعز لم يذكر معاصي الأنبياء ليعيرهم بها ولكنه ذكرها لئلا تيأسوا من التوبة. وقيل معنى وهم أنه شئ يخطر على القلب كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: من هم بسيئة ثم لم يعملها لم تكتب عليه فهذا مما يخطر بالقلب ولو هم بها على أنه يواقعها لكان ذلك عظيما، وفي الحديث إني لأستغفر الله جل وعز في اليوم والليلة مائة مرة إلى آخر كلامه ".اهـ




وقال ابن قتيبة في "مشكل القرآن" :
" و كتأولهم في قوله سبحانه: وَ لَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَ هَمَّ بِها أنها همّت بالمعصية، و همّ بالفرار منها! و قال (بعضهم): و همّ بضربها! و اللّه تعالى يقول: لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ . أ فتراه أراد الفرار منها. أو الضرب لها، فلما رأى البرهان أقام
عندها و أمسك عن ضربها؟! هذا ما ليس به خفاء و لا يغلط متأوّله. و لكنها همّت منه بالمعصية همّ نيّة و اعتقاد، و همّ نبي اللّه صلّى اللّه عليه و سلم، همّا عارضا بعد طول المراودة، و عند حدوث الشهوة التي أتي أكثر الأنبياء في هفواتهم منها.
و قد روي في الحديث: أنه ليس من نبي إلا و قد أخطأ أو همّ بخطيئة غير يحيى بن زكريا، عليهما السلام، لأنّه كان حصورا لا يأتي النساء و لا يريدهنّ". اهـ


و قد صح هذا الذي ذكره ابن قتيبة عن الصحابي الجليل عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه.

يقول ابن عساكر في " تاريخ دمشق 70047 ":
وَحَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يَعْقُوبَ ، نا مُحَمَّدُ بْنُ الأَصْبَهَانِيِّ ، نا أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ : " مَا أَحَدٌ إِلا يَلْقَى اللَّهَ بِذَنْبٍ ، إِلا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا ، ثُمَّ تَلا : (وَسَيِّدًا وَحَصُورًا) سورة آل عمران آية 39 ، ثُمَّ رَفَعَ شَيْئًا مِنَ الأَرْضِ ، فَقَالَ : مَا كَانَ مَعَهُ إِلا مِثْلَ هَذَا ، ثُمَّ ذبح ذَبْحًا ".اهـ


و هنا تظهر الحكمة من ذِكر همّ يوسف عليه السلام. فلربما ظن ظان أن يوسف لم تكن عنده شهوة، أو أن امرآة العزيز لم تكن ذات حسن لذلك تركها مستبقا الباب. فلا هذا و لا هذا كان. بل اجتمعت عليه كل الأسباب المؤدية إلى الكبيرة فضلا عن الهم، من الشهوة و القوة و الحسن الذي أوتيه و الغربة وجمال المرأة و أنها هي الداعية له الملحة عليه و الخلوة و غيرها من الأسباب، مع كل هذا نجاه الله و صرف عنه السوء و الفحشاء .


و لكن القوم لا يفهمون، و يظنون أن في ذلك تنقيصا لهم و حطا لقدرهم.


و هذا على العكس مما فهمه الكملي - و كان يحرك يديه عند ذكر كلام السلف تنقيصا لهم -. فقد خرج أحمد في " مسنده 36 ":حَدَّثَنَا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ ، عَنْ سُفْيَانَ ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ : أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلاءً ؟ قَالَ :
" الأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الصَّالِحُونَ ثُمَّ الأَمْثَلُ فَالأَمْثَلُ مِنَ النَّاسِ " ، قَالَ : " يُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ فَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ صَلابَةٌ زِيدَ فِي بَلائِهِ ، وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ خُفِّفَ عَنْهُ ، فَلا يَزَالُ الْبَلاءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَمْشِيَ عَلَى الأَرْضِ وَمَا لَهُ خَطِيئَةٌ " . اهـ





و قال في الدقيقة ( 12:40):
" ( كذلك لنصرف عنه السوء و الفحشاء إنه من عبادنا المخلصين )، المصطفين، جرى عليه الإجتباء و الإصطفاء، فكيف يتطرق إليها ". اهـ


و هنا مسألة بخصوص عصمة الأنبياء من الصغائر:

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في " الفتاوى ":
" وإتفق علماء المسلمين على انه لا يكفر احد من علماء المسلمين المنازعين فى عصمة الأنبياء والذين قالوا انه يجوز عليهم الصغائر والخطأ ولا يقرون على ذلك لم يكفر أحد منهم باتفاق المسلمين فان هؤلاء يقولون إنهم معصومون من الاقرار على ذلك ".اهـ


و قال في جامع المسائل (4/28):
وفي هذا ردٌّ على طائفةٍ من الناس ء كبعض المصنِّفين في السِّيَر وفي مسألة العصمة ء يقولون في قوله (ليَغفِرَ لَكَ اللهُ مَا تَقَدَمَ مِن ذَنبك) : وهو ذنبُ آدم، (وَمَا تَأَخرَ) ذنبُ أمتِه، فإن هذا القولَ وإن كان لم يَقُلْه أحدٌ من الصحابة والتابعين ولا أئمة المسلمين، ولا يقولُه من يَعقِلُ ما يقول، فقد قاله طائفة من المتأخرين .
ويَظُنُّ بعضُ الجهال أن هذا معنى شريف، وهو كذب على الله وتحريفُ الكَلِم عن مواضعه.
فإنه قد ثبت في الصحاح في أحاديث الشفاعة أن الناسَ يومَ القيامة يأتون آدمَ يَطلبون منه الشفاعةَ، فيعتذِرُ إليهم ويقول: إني نُهِيْتُ عن الشجرة فأكلتُ منها، نفسي نفسي، ويأتون نبيًّا بعد نبي إلى أن يَأتوا المسيحَ، فيقول: ائْتُوا محمدًا فإنه عبد قد غفرَ اللهُ له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.
فلو كانت "ما تقدم" هو ذنب آدم لم يعتذر آدم.

وأيضًا فلما نزلتِ الآية قالت الصحابةُ: هذا لكَ فما لنا؟ فأنزل الله: (هُوَ اَلَّذِي أَنزَلَ السكينَةَ في قُلُوبِ اَلمُؤْمِنِينَ) ، فلو كان "ما تأخر" مغفرة ذنوبهم لقال: هذه لكم.

وأيضًا فقد قال تعالى: (وَاَستَغْفِر لِذَنبِك وَلِلمُؤمِنِينَ وَالمؤمناتِ) ، ففرَّقَ بين ما أضاف إليه وما يُضاف إلى المؤمنين والمؤمنات.

وأيضًا فإضافةُ ذنبِ غيره إليه أمرٌ لا يَصْلُح في حق آحادِ الناس، فكيف في حقَه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ حتى تُضَاف ذنوبُ الفُسَّاق من أمته إليه.  ويُجعلَ ما جعلوه من الكبائر كالزنا والسرقة وشرب الخمر ذَنْبًا له صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، والله يقول في كتابه: (وَلَا تزِرُ وَازِرَةٌ وزرَ أخُرَى) ".اهـ


و قال أيضا " ( 4/40):
وقد اتفقوا أنه لا يُقَرُّ على خَطَأٍ في ذلك، وكذلك لا يُقَرُّ على الذنوب لا صغائرِها ولا كبائرِها.
ولكن تنازعوا: هل يقع منهم بعضُ الصغائرِ مع التوبة منها أو لا يَقَعُ بحالٍ؟
فقال كثير من المتكلمين من الشيعة والمعتزلين وبعض متكلمي أهل الحديث: لا يَقَع منهم الصغيرةُ بحالٍ ، وزادت الشيعةُ حتى قالوا: لا يقع منهم لا خطأ ولا غيرُ خطأٍ .
وأما السلف وجمهور أهل الفقه والحديث والتفسير وجمهور متكلمي أهل الحديث من أصحابِ الأشعري وغيرهم فلم يَمنَعوا الوقوعَ إذا كانَ مع التوبة، كما دَلتْ عليه نصوصُ الكتابِ والسنة، فإن اللهَ يُحِبُّ التوَّابين ويُحِبُّ المتطهرين.
وإذا ابْتَلَى بعضَ الأكابر بما يَتُوب منه فذاك لكمالِ النهاية، لا لنقصِ البدايةِ.
كما قال بعضُهم: لو لم يكن التوبةُ أحبَّ الأشياءِ إليه لما ابتلَى بالذنب أكرمَ الخلق عليه.
وفي الأثر : "إنّ العبد لَيَعْمَل السيئةَ فيدخَلُ بها الجنةَ، وإنّ العبدَ لَيعملُ الحسنة فيدخلُ بها النارَ"، يعني أن السيئة يذكرُها ويتوبُ منها فيُدْخِلُه ذلك الجنةَ، والحسنةُ يُعْجَبُ بها ويَسْتكبرُ فيُدخِلُه ذلك النارَ.
وأيضًا فالحسنات والسيئات تَتنوَّعُ بحسبِ المقامات، كما يقال: "حسنات الأبرار سيئاتُ المقرَّبِين"، فمن فَهِمَ ما تَمحُوه التوبةُ وتَرفَعُ صاحبَها إليه من الدرجات وما يَتفاوتُ الناسُ فيه من الحسنات والسيئات زالتْ عنه الشبهةُ في هذا الباب، وأقرَّ الكتابَ والسنةَ على ما فيهما من الهدى والصواب.
فإنّ الغُلاةَ يتوهمون أن الذنبَ إذا صدرَ من العبد كان نقصًا في حقّه لا يَنْجبرُ، حتى يجعلوا من فضلِ بعضِ الناس أنه لم يَسجدْ لصَنَم قطُّ. وهذا جهلٌ منهم.
فإن المهاجرين والأنصار والذين هم أفضل هذه الأمة هم أفضلُ من أولادِهم وغيرِ أولادِهم ممن وُلِدَ على الإسلام، وإن كانوا في أولِ الأمر كانوا كُفارًا يعبدون الأصنام.
 بل المنتقلُ من الضلال إلى الهدى ومن السيئات إلى الحسنات يُضاعَفُ له الثوابُ، كما قال تعالى: (إِلًا مَن تَابَ وَآمَن وَعَمِلَ عملا صالِحًا فَأُوْلَئك يبَدِّلُ الله سيئاتِهِم حَسَنَات وَكاَنَ اللهُ غَفُورا رَّحِيمًا (70) ) .
وقد ثبت في الصحيح أن الله يومَ القيامة يَظهر لعبدِه فيقول: "إني قد أبدلتك مكانَ كل سيئةٍ حسنةً"، فحينئذٍ يَطلبُ كبائرَ ذُنوبِه.
وقد ثبت في الصحاح من غير وجهٍ عن النبي ء صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ء أنه أخبر أن الله أشدُ فَرَحًا بتوبةِ عبدِه من رجلٍ أضلَّ راحلتَه بأرضٍ دَوِّيَّةٍ مَهلَكةٍ عليها طعامُه وشرابُه، فطلبَها فلم يجدْها، فنامَ تحت شجرةٍ يَنتظِرُ الموتَ، فلما استفاقَ إذا بدابَّتِه عليها طعامُه وشرابُه، فالله أشدُّ فَرَحًا بتوبة عبدِه مِن هذا براحلتِه.
وهذا أمرٌ عظيمٌ إلى الغاية. فإذا كانت التوبةُ بهذه المنزلةِ كيف لا يكون صاحبُها مَعظَّمًا عند اللهِ؟
وقد قال تعالى: (إِنَّا عَرَضنَا الأَمَانَةَ عَلَى السماوات والأرض والجِبَالِ فَأَبَين أَن يحمِلنَهَا وَأَشفَقنَ مِنهَا وَحَملَها الإنسانُ إِنَّه كانَ ظَلُوما جَهُولا (72) لِيَعُذبَ اللهُ اَلمُنافِقِينَ وَالمُناَفِقات وَالمشركين والمشركات ويتوب الله عَلَى اَلْمُؤمِنِينَ وَالمُؤمِنات وكَاَنَ الله غَفُورا رَّحيِما )
فوصفَ الإنسانَ بالجهل والظلمِ، وجعلَ الفرقَ بين المؤمن والكافر والمنافق أن يتوبَ الله عليه، إذْ لم يكن له بُدٌّ من الجهل والظلم. ولهذا جاء في الحديث : "كل ابنِ آدمَ خَطَّاء ، وخيرُ الخطَّائين التوَّابُون ".اهـ


و لعل هذا - و الله أعلم - هو سبب رده لقول السلف في المسألة.



يقول أبو نعيم في الحلية:
حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ :ثَنَا عبد الله بن محمد قَالَ :ثَنَا ابن أبي عمر قَالَ :ثَنَا سفيان ، عَنِ ابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ ، عَنْ قتادة قَالَ :لَمْ يَتَمَنَّ الْمَوْتَ أَحَدٌ قَطُّ لَا نَبِيٌّ وَلَا غَيْرُهُ إِلَّا يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ؛ حِينَ تَكَامَلَتْ عَلَيْهِ النِّعَمُ ، وَجُمِعَ لَهُ الشَّمْلُ ، اشْتَاقَ إِلَى لِقَاءِ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ : ( رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ ) فَاشْتَاقَ إِلَى رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ .اهـ


خذها فائدة و إن كانت تخالف النظم القرآني !"


وهؤلاء لا يفهمون من عصمة الأنبياء إلا كما يفهم من عصمة الملائكة وهي خلوهم من الشهوة وهذا غلط فذكر الهم له فائدة وهو أن يوسف له شهوة وأن المرأة ممن يرغب بها ، وذكر برهان ربه وأنه رأى صورة أبيه ثبت عن السلف وكلام ابن القيم في هذا مدفوع ، وهذه آية لنبي لا تستبعد ثم إن يوسف استعصم في المرة الثانية أيضاً وهذا منتهى الكمال

الخطأ الثامن عشر : التشنيع على من قال بأن قوله تعالى ( وما أبريء نفسي إن النفس لأمارة بالسوء ) إنما هو يوسف

وهذا وقع فيه فالح الحربي


قال فالح الحربي في تسجيل صوتي له في التحذير من صالح المغامسي :" أيضاً سمعت له كلاماً سيئاً في تفسير سورة يوسف وأن الذي قال ( ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الخائنين وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ) أنه من قول يوسف

وقال هذا بجرأة وهذا باطل ليس هذا من قول يوسف وهذا كتبنا في هذا كتاباً موجود على الشبكة وهو ( رد المقال المجحف بنسبة ما لا يليق بني الله يوسف "


أقول : أما المغامسي فقد نفضنا أيدينا منه منذ زمن ، ولو أن فالحاً حكى قولين للمفسرين ورجح أحدهما لهان الأمر ، ولكنه يتهم مخالفه بأنه قال الباطل ، وأنه نسب الأنبياء إلى ما لا يليق


وهذا القول الذي وصفه فالح بكل تلك الأوصاف المنفرة هو قول عامة السلف !

 بل لم ينقل الطبري وابن أبي حاتم وعبد الرزاق عن السلف قولاً غيره وإليك البيان


قال ابن أبي حاتم في تفسيره 12547: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ فِيمَا كَتَبَ إِلَيَّ، ثنا أَبِي، ثنا عَمِّي، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:  ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيَدَ الْخَائِنِينَ " : هُوَ قَوْلُ يُوسُفَ لِمَلِيكِهِ، حِينَ أَرَادَ اللَّهُ عُذْرَهُ، فَذَكَرَ أَنَّهُ قَدْ هَمَّ بِهَا وَهَمَّتْ بِهِ".

12548: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، ثنا الْحُسَيْنُ، ثنا عَامِرٌ، عَنْ أَسْبَاطٍ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: "قَالَ يُوسُفُ: وَقَدْ جِيءَ بِهِ: " ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ " ، فِي أَهْلِهِ " وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيَدَ الْخَائِنِينَ " ".

12549: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ، ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَلَمَةَ، ثنا سَلَمَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ،"قَالَ يُوسُفُ: ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أُطَيْفِيرُ سَيِّدُهُ " أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ " ، أَيْ: لَمْ أَكُنْ لأُخَالِفَ إِلَى أَهْلِهِ مِنْ حَيْثِ لا يَعْلَمُ: " وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيَدَ الْخَائِنِينَ "


أما السند الأول عن ابن عباس فهو سند العوفيين وهو ضعيف


وأما الخبر إلى السدي وابن إسحاق فهو ثابت


قال ابن أبي حاتم في تفسيره 12550: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عِصَامٍ الأَنْصَارِيُّ، ثنا أَبُو أَحْمَدَ، ثنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: "هَذَا قَوْلُ يُوسُفَ: " ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ " ، فَغَمَزَهُ جِبْرِيلُ، فَقَالَ: وَلا حِينَ هَمَمْتَ ؟ فَقَالَ: " وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ "


وقال ابن أبي حاتم أيضاً 12552: حَدَّثَنَا أَبِي، ثنا أَبُو الْوَلِيدِ، ثنا السَّرِيُّ بْنُ يَحْيَى، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: " " ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ " ، قَالَ: خَشِيَ نَبِيُّ اللَّهِ أَنْ يَكُونَ زَكَّى نَفْسَهُ، فَقَالَ: " وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي " ".


وهذا سند صحيح


وقال الطبري في تفسيره (16/ 142) :" يقول يوسف صلوات الله عليه: وما أبرئ نفسي من الخطأ والزلل فأزكيها=(إن النفس لأمارة بالسوء)، يقول: إن النفوسَ نفوسَ العباد، تأمرهم بما تهواه، وإن كان هواها في غير ما فيه رضا الله=(إلا ما رحم ربي) يقول: إلا أن يرحم ربي من شاء من خلقه ، فينجيه من اتباع هواها وطاعتها فيما تأمرُه به من السوء "


ونقل الطبري هذا القول عن سعيد بن جبير وعكرمة وابن أبي الهذيل وأبي صالح وقتادة وغيرهم ولم ينقل سواه


وهو اختيار البغوي أيضاً


فهل كل هؤلاء يا فالح الحربي لا ينزهون الأنبياء وأهل جرأة ويتكلمون بالباطل ؟


فإن قيل قد قال ابن كثير في تفسيره (4/ 393) :" وهذا القول هو الأشهر والأليق والأنسب بسياق القصة ومعاني الكلام. وقد حكاه الماوردي في تفسيره، وانتدب لنصره الإمام العلامة أبو العباس ابن تَيميَّة، رحمه الله، فأفرده بتصنيف على حدة

وقد قيل: إن ذلك من كلام يوسف، عليه السلام، من قوله: { ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ } في زوجته { بِالْغَيْبِ } الآيتين أي: إنما رَدَدْتُ الرسول ليعلم الملك براءتي وليعلم العزيز { أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ } في زوجته { بِالْغَيْبِ } { وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأمَّارَةٌ بِالسُّوءِ } [الآية] وهذا القول هو الذي لم يحك ابن جرير ولا ابن أبي حاتم سواه.

وقال ابن جرير: حدثنا أبو كُرَيْب، حدثنا وَكِيع، عن إسرائيل، عن سِمَاك، عن عِكْرِمة، عن ابن عباس قال: لما جمع الملك النسوة فسألهن: هل راودتن يوسف عن نفسه؟ { قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ } قَالَ يُوسُفُ { ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ [وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ] } قال: فقال له جبريل، عليه السلام: ولا يوم هممت بما هممت به. فقال: { وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأمَّارَةٌ بِالسُّوءِ }

وهكذا قال مجاهد، وسعيد بن جُبَيْر، وعكرمة، وابن أبي الهُذَيل، والضحاك، والحسن، وقتادة، والسُّدي. والقول الأول أقوى وأظهر؛ لأن سياق الكلام كله من كلام امرأة العزيز بحضرة الملك، ولم يكن يوسف، عليه السلام، عندهم، بل بعد ذلك أحضره الملك"


فيقال ابن كثير غير فالح الحربي فابن كثير إنما رجح ولم يسفه الآخرين ، والصواب ترجيح ما عليه عامة السلف وهم أعلم بالسياق ، ومن كان موجوداً ممن لم يكن موجوداً ، وابن كثير _ رحمه الله _ لم ينسب هذا القول لمتقدم


وقد نظرت في رسالة فالح المذكورة ، فوجدته اعتمد على ابن العربي المالكي ، ولو كان ابن العربي سلفياً محضاً لما جاز تقديم كلامه على كلام السلف ، فكيف وهو عنده مشاكل كثيرة في العقيدة وأشعرية بينة ، وقد جعله شيخ الإسلام من طبقة ابن حزم في الانحراف عن السنة ، وصرح بأنه يوافق الجهمية في بعض أصولهم وأنه لم تكن له خبرة بمذاهب السلف


قال شيخ الإسلام في درء تعارض العقل والنقل (7/34) :" فإن قيل قلت إن أكثر أئمة النفاة من الجهمية والمعتزلة كانوا قليلي المعرفة بما جاء عن الرسول واقوال السلف في تفسير القرآن وأصول الدين وما بلغوه عن الرسول ففي النفاة كثير ممن له معرفة بذلك

قيل هؤلاء أنواع نوع ليس لهم خبرة بالعقليات بل هم يأخذون ما قاله النفاة عن الحكم والدليل ويعتقدونها براهين قطعية وليس لهم قوة على الاستقلال بها بل هم في الحقيقة مقلدون فيها وقد اعتقد أقوال أولئك فجميع ما يسمعونه من القرآن والحديث


وأقوال السلف لا يحملونه على ما يخالف ذلك بل إما أن يظنوه موافقا لهم وإما أن يعرضوا عنه مفوضين لمعناه

وهذه حال مثل أبي حاتم البستي وأبي سعد السمان المعتزلي ومثل أبي ذر الهروي وأبي بكر البيهقي والقاضي عياض وأبي الفرج ابن الجوزي وأبي الحسن علي بن المفضل المقدسي وأمثالهم

والثاني من يسلك في العقليات مسلك الاجتهاد ويغلط فيها كما غلط غيره فيشارك الجهمية في بعض أصولهم الفاسدة مع أنه لا

يكون له من الخبرة بكلام السلف والأئمة في هذا الباب ما كان لأئمة السنة وإن كان يعرف متون الصحيحين وغيرهما

وهذه حال أبي محمد بن حزم وأبي الوليد الباجي والقاضي أبي بكر بن العربي وأمثالهم

ومن هذا النوع بشر المريسي ومحمد بن شجاع الثلجي وأمثالهما "


بل ابن العربي يصرح بتقديم العقل على النقل ، وقد عاب على الجويني استدلاله بالسمع على نفي الآفات عن الله عز وجل ، وصرح أن المعول على العقل


قال ابن العربي في قانون التأويل 461 :" وتعجبوا من رأس المحققين _ يعني الجويني _ يعول في نفي الآفات على السمع ولا يجوز أن يكون السمع طريقاً إلى معرفة الباري ولا شيء من صفاته لأن السمع منه "


وهذه العبارة السيئة واضحة في أن النصوص لا يعتمد عليها في باب الصفات وهذا عين التجهم ، ويصف الجويني الأشعري بأنه رأس المحققين مما يدل على أنه على مذهبه ، والجويني والرازي لهما مذهب خبيث في أن العقل لا يدل على نفي النقائص عن الله عز وجل فيعولون في هذا الباب على السمع على غير عادتهم


وقد افترى ابن العربي في كتابه العواصم على القاضي أبي يعلى انه قال ( اعفوني من كل شيء إلا الحية والفرج ) ورد عليه شيخ الإسلام في درء التعارض ، وقد نقله ابن العربي عمن لا تعرف عدالته


وكذلك قوله ( الاستواء له خمسة عشر معنى ) رد عليه ابن القيم في الصواعق


وله اختيار غريب وهو أنك عند تكبيرة الإحرام تتذكر أدلة الحدوث ما يجوز على الله وما لا يجوز ، وقد انتقده بعض فقهاء المالكية


قال القرافي في الذخيرة :" مثل هذه الهفوة قول القاضي أبي بكر من أصحابنا أنه يلزمه عند الإحرام أن يذكر حدث العالم وأدلته وإثبات الأعراض واستحالة عرو الجواهر عنها وإبطال حوادث لا أول لها وأدلة العالم بالصانع وإثبات الصفات وما يجب له تعالى وما يستحيل وما يجوز وأدلة المعجزة وتصحيح الرسالة ثم الطرق التي بها وصل التكليف إليه قال وحكى المازري أردت اتباع كلام القاضي عند إحرامي فرأيت في منامي كأني أخوض في بحر من ظلام فقلت هذه والله الظلمة التي قالها القاضي أبو بكر"


والحربي إذا تكلم في مسألة السمع والطاعة قال (ابن حجر لا يؤخذ منه العقيدة ) فهلا قال هذا في ابن العربي والأشاعرة الذين ينزهون الأنبياء حتى عن الصغائر ، وقولهم هذا مخالف لقول السلف


وقد رأيت كتابة لسفيه من سفهاء الأثري يتعقبني في هذا المقال


وقد نقلت ترجيح شيخ الإسلام _ رحمه الله _ وأن قول السلف هو الأرجح وأن قول ابن تيمية لم أجد أحداً من السلف قال به وأنه لا ينبغي وصف التفسير الذي صح عن الصحابة والتابعين بأنه تعدي على الأنبياء


ومن تكثر بابن تيمية لمخالفه أن يتكثر بالصحابة والتابعين والطبري والبغوي


ثم إن الاعتماد على رجل أشعري أو رجل لا تعرف عقيدته ك ( السبتي الأموي ) جهل


وتسمية رجل عاش في الخمسمائة متقدماً تدل على جهل الرجل بمصطلحات أهل العلم فلو جاء في الثلاثمائة من خالف تفسير عامة التابعين لما كان لأحد أن يتبعه


فضلاً عن تسمية السلف ب( السفهاء ) و ( الأغبياء )


بل الأموي مصنف ( تنزيه الأنبياء عما نسب إليهم حثالة الأغبياء ) أشعري المعتقد


فقد قال في كتابه هذا :" فَمَا ظَنك بالمعصومين المنزهين عَن الْخَطَايَا تَنْزِيه الْوُجُوب"


وهذا عقد الأشاعرة


وقال في كتابه هذا أيضاً :" إِن بعض الْأَئِمَّة ذكرُوا أَن الْإِجْمَاع مُنْعَقد على عصمَة بواطنهم من كل خاطر وَقع فِيهِ النَّهْي"


وهذا لا يقول به ابن تيمية بل أنه قال :" لهذا وقع الفرق بين هم يوسف عليه السلام وهم امرأة العزيز كما قال الإمام أحمد: " الهم همان: هم خطرات، وهم إصرار، فيوسف عليه السلام هم هماً تركه لله

فأثيب عليه، وتلك همت هم إصرار ففعلت ما قدرت عليه من تحصيل مرادها وإن لم يحصل لها المطلوب "


وأما هذا فينزه حتى عن الخطرة في النفس ، والذي يخطر بباله شيء ولم تكن فيه شهوة لا يكون لاستعفافه ذلك الأثر ، وإنما العفة العفة التي تكون مع قوة الدواعي


والذي شنع على المخالف هو شيخكم الجاهل والذي جعل اختيار قول عامة السلف بل الذي لم يذكر الطبري وابن أبي حاتم والبغوي غيره سبباً في جرح الناس


فبدلاً من التعصب والانحياز للشيخ


قل لنفسك قبل أن تلزمني بالطعن في شيخ الإسلام :" هل يوصف بالجرأة والسفه والغباء كل من ابن عباس وعكرمة والحسن البصري والسدي والطبري والبغوي وابن أبي حاتم والضحاك وقتادة وغيرهم ؟"


وهل يجوز الإنكار على مسلم أخذ بكلام هؤلاء وجعل ذلك سبباً لجرحه ؟


هذا موطن البحث يا أخي


وهل يجوز أن نستدل بابن العربي وابن السبتي الأموي على تبديع أو تضليل أو التشنيع على من يأخذ بتفاسير هؤلاء ؟

الخطأ التاسع عشر : إنكار ما ورد عن السلف في تفسير الحصور

وهذا وقع فيه عدة متابعة لما نقله ابن كثير في تفسيره عن عياض

قال الطبري في تفسيره  6983 - حدثنا أحمد بن الوليد القرشي قال، حدثنا عمر بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب قال: قال ابن العاص - إما عبد الله، وإما أبوه -: ما أحد يلقى الله إلا وهو ذو ذنب، إلا يحيى بن زكريا. قال وقال سعيد بن المسيب:"وسيدًا وحصورًا"، قال: الحصور، الذي لا يغشى النساء، ولم يكن ما معه إلا مثل هُدْبة الثوب.

وقال الألباني في الصحيحة :" عبد الله بن عمرو بن العاص أو أبوه عمرو، يرويه
يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب عنه. أخرجه الطبري في " التفسير " (3 / 174)
والبزار (2360) وابن عساكر (18 / 82) من طرق عن يحيى به. بعضهم قال: عن
ابن عمرو، وبعضهم: عن عمرو، وأحدهم: عن ابن العاص، وبعضهم أوقفه، وكل
ذلك لا يضر، فإنه في حكم المرفوع، لاسيما وزيادة الثقة مقبولة، وسواء كان
المسند ابن عمرو أو أباه، فهو انتقال من صحابي إلى صحابي، وكلهم عدول،
والأرجح أنه عن ابن عمرو، فإن سعيدا معروف بالرواية عنه"

ثم إن الألباني تعقب عياضاً وابن كثير

والأثر الصواب فيه الوقف وليس فيه إساءة للنبي بل الله عز وجل خلقه هكذا لحكمة فكأنه سبحانه يشير إلى عظم فتنة النساء وأنه لما أراد إخلاص يحيى جرده منها حتى قال الشافعي ( ما أحد من بني آدم إلا أذنب أو هم إلا يحيى بن زكريا )

واختار أن الرجل إن لم يكن ذا شهوة قوية استحب له ترك النكاح للتفرغ للعبادة استدلالاً بحال يحيى بن زكريا واختيار الشافعي هذا مرجوح والله أعلم

الخطأ العشرون : إنكار ما ورد عن السلف في تفسير قوله تعالى ( فلما آتاهما صالحاً )

وهذا أمر مشهور بين المعاصرين وقد كتب عبد العزيز السدحان في ذلك كتابة سيئة وحتى السقاف الجهمي استغل هذا وصار يشنع على كتاب التوحيد لإيراد هذه القصة

والحق أن هذه القصة أوردها عامة السلف بل الطبري ادعى إجماعهم عليها ولم يعتد بخلاف السلف وهم أعلم يما يليق بالأنبياء وما لا يليق وقد أحسن أسامة عطايا في تعليقه على تيسير العزيز الحميد

قال أسامة عطايا في تعليقه على تيسير العزيز الحميد :":
رَوَاهُ الإمَامُ أحْمَدُ فِي المُسْنَد (5/11)، وَالتِّرْمِذِيُّ فِي سُنَنِهِ (رقم3077) وقَالَ: حَدِيْثٌ حَسَنٌ غَرِيْبٌ، وَالرُّويَانِيُّ فِي مُسْنَدِه (رقم816)، وَابنُ جَرِيْرٍ فِي تَفْسِيْرِهِ (9/146)، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الكَبِيْر (رقم6895)، وابنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي تَفْسِيْرِهِ (رقم8637)، وابنُ عَدِيٍّ فِي الكَامِلِ (5/43)، وَالحَاكِمُ فِي المُسْتَدْرَكِ عَلَى الصَّحِيْحَيْنِ (2/ 545) وَصَحَّحَهُ، وَفِي سَنَدِهِ عُمَرُ بن إِبْرَاهِيْمَ وَهُوَ صدوقٌ تُكُلِّمَ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ قَتَادَةَ خاصَّةً، وَقَالَ الذَّهَبِيُّ فِي المِيْزَانِ(4/99): «حَدِيْثٌ مُنْكَرُ»، وَلَكِنْ قَدْ حَسَّنَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا الحَدِيْثَ، وَصَحَّحَهُ الحَاكِمُ، وَالَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ الحَدِيْثَ حَسَنٌ، فَقَدْ تُوْبِعَ عُمَرُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ؛ تَابَعَهُ سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ عِنْدَ ابنِ مَرْدَوَيْهِ- كَمَا فِي تَفْسِيْر ابنِ كَثِيْرٍ (2/275)- وَلَهُ شَاهِدَانِ عَنْ أُبَيِّ بنُ كَعْبٍ، وَابنِ عَبَّاسٍ بِنَحْوِهِ. وَقَدْ حَكَى ابنُ جَرِيْرٍ الإجْمَاعَ عَلَى أَنَّ المُرَادَ بِالآيَةِ آدَمُ وَحَوَّاءُ حَيْثُ قَالَ فِي تَفْسِيْرِهِ (9/148): «وَأَوْلَى القَوْلَيْنِ بِالصَّوابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: عَنَى بِقَوْلِهِ:﴿ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮘﮙ﴾ فِي الاسْمِ لا فِي العِبَادَةِ، وَأَنَّ المَعْنِيَّ بِذَلِكَ آدَمُ وَحَوَّاءُ لإجْمَاعِ الحُجَّةِ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيْلِ عَلَى ذَلِكَ»"

وقال أيضاً :"
َوَى ابنُ جَرِيْرٍ الطَّبَرِيُّ عَنِ الْحَسَنِ: {جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا} قَالَ: «كَانَ هَذَا فِي بَعْضِ أَهْلِ الْمِلَلِ وَلَمْ يَكُنْ بِآدَمَ»،...

وَهَذَا الأَثَرُ الَّذِي رَوَاهُ ابنُ جَرِيْرٍ عَنْهُ فِي إِسْنَادِهِ سُفْيَانُ بنُ وَكِيْعٍ وَهُوَ مَتْرُوكٌ، وَلَكِنْ رَوَى ابنُ جَرِيْرٍ فِي تَفْسِيْرِهِ(9/148) بِسَنَدٍ صَحِيْحٍ عَنْ مَعْمَرٍ قَالَ: قَالَ الْحَسَنُ: عَنَى بِهَذَا ذُرِّيَّةَ آدَمَ مَنْ أَشْرَكَ مِنْهُمْ بَعْدَهُ، وَمَعْمَرٌ لَمْ يَسْمَعْ مِنَ الْحَسَنِ، لَكِنْ صَحَّ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ:«هُمْ اليَهُود والنَّصَارَى، رَزَقَهُمُ اللهُ أَوْلاداً فَهَوَّدُوا ونَصَّرُوا». انتهى

فلم يصح عن الحسن رحمه الله أنه نفى أن يكون المراد في الآية آدم عليه السلام.

وكون الآية تشمل اليهود والنصارى لا إشكال فيه أيضاً، ولا يتعارض مع أن المراد بالآية آدم عليه السلام لما عرف من طريقة السلف من التفسير بالمثال، ولا يقصدون بذلك الحصر..

وكيف نأخذ بالكلام الذي لا يصح سنده أو الذي ليس صريحاً في نفي كون المقصود به آدم عليه السلام ونترك تفاسير السلف بل قد ثبت الحديث بذلك ؟!

قال الشيخ سليمان بن الشيخ عبدالله بن شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب رحمهم الله في تيسر العزيز الحميد:

وَإِذَا تَأمَّلْتَ سِيَاقَ الكَلاَمِ مِنْ أَوَّلِهِ إلَى آخِرِهِ مَعَ مَا فَسَّرَهُ بِهِ السَّلَفُ تَبَيَّنَ قَطْعاً أَنَّ ذَلِكَ فِي آدَمَ وَحَوَّاءَ -عَلَيْهِمَا السَّلامُ-، فَإِنَّ فِيْهِ غَيْرَ مَوْضِعٍ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ.
وَالعَجَبُ مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِهَذِهِ القِصَّةِ، وَيَنْسَى مَا جَرَى أَوَّلَ مَرَّةٍ، وَيُكَابِرُ بِالتَّفَاسِيْرِ الْمُبْتَدَعَةِ، وَيَتْرُكُ تَفَاسِيْرَ السَّلَفِ وَأَقْوَالَهُمُ
وَلَيْسَ الْمَحْذُورُ فِي هَذِهِ القِصَّةِ بِأَعْظَمَ مِنَ الْمَحْذُورِ فِي الْمَرَّةِ الأُوْلَى. انتهى"

وقد وجدت مفسري الأشعرية كالعز وابن عطية يتابعون السلف على هذا

وقال سليمان بن عبد الله في توحيد الملك الخلاق رداً على من طعن في القصة :" فنقول هذا مما يؤيد ما قلناه في صاحب المقدمة من أنه يرد من تلقاء نفسه بلا تحقيق ولا تحقق فيما قاله الأئمة الأعلام من أولي العلم والفهم وما نقلته الرواة وتلقته بالقبول الجهابذة الثقات، فإنه قد فهم من معنى الشرك المذكور في هذه الآية شرك الألوهية في آدم وحواء عليهما الصلاة والسلام فلذلك أوجب نفي رجوع الضمير الذي في الآية عنهما جعل من لازم جواز ثبوته إليهما شركهما في الألوهية، ونسبنا إلى تكفير الأنبياء والصالحين وما ذاك إلاَّ لعدم فهمه ومعرفته معنى الشركة التي في الآية مع ما نقله السلف من صحة رجوع الضمير إليهما، بل في معرفة معنى الشرك من حيث هو وأقسامه والجهل فينا وفي عقيدتنا وفيما قلناه وعنينا وذلك من وجوه.

(الوجه الأول) ما رواه الإمام أحمد في مسنده عن سمرة بن جندب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لما ولدت حواء طاف بها إبليس وكان لا يعيش لها ولد فقال سميه عبد الحرث فعاش فكان ذلك من وحي الشيطان وأمره" وهكذا رواه ابن جرير عن محمد بن بشار عن عبد الصمد بن عبد الوارث ورواه الترمذي في تفسير هذه الآية عن محمد بن المثنى عن عبد الصمد مرفوعاً. وقال هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلاَّ من حديث عمر بن إبراهيم، ورواه بعضهم عن عبد الصمد ولم يرفعه، ورواه الحاكم في مستدركه من حديث عبد الصمد مرفوعاً، وقال هذا صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ورواه الحاكم أيضاً وصححه عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم بلفظه المتقدم، ورواه الإمام أبو محمد بن أبي حاتم في تفسيره عن هلال بن فياض عن عمر بن إبراهيم مرفوعاً، ورواه الحافظ أبو بكر بن مردويه في تفسيره من حديث هلال بن فياض قال الحافظ ابن كثير وشاذ لقب لهلال وعمر بن إبراهيم هو البصري قد وثقه ابن معين، وقال أبو حاتم الرازي لا يحتج به لكن رواه ابن مردويه من حديث المعتمر عن أبيه عن الحسن عن سمرة وقد روى الحديث عنه مرفوعاً وموقوفاً.
(الثاني) ما قاله أهل التفسير قاطبة عند قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} يعني آدم {وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا} يعني حواء ثم انتشر الناس منهما كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى} وقال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا ... } الآية فكلهم قد فسروا قوله تعالى هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها الآية بآدم وحواء عليهما الصلاة والسلام، وأسندوا بيان النفي الواحدة المخلوق منها سائر البشر وبيان الزوج المجعول منها إلى سائر الآيات المعني بها آدم وزوجته حواء والتثنية التي في قوله فلما آتاهما صالحاً جعلا له راجعة لهما.
(الثالث) ما أجمع عليه المفسرون وقالوا بعبارات متفقة المعنى مختلفة اللفظ عن ابن عباس من طريقين أو ثلاثة:
الأول منهما: ما قاله محمد ابن إسحاق بن يسار عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس قال كانت حواء تلد لآدم عليهما الصلاة والسلام أولاداً فيعبدهم لله نحو عبد الله وعبد الرحمن فيصيبهم الموت، فأتى إبليس آدم وحواء فقال إنكما لو تسميانه بغير الذي تسميانه أولاً لعاش فولدت له غلاماً فسمياه عبد الحرث ففيه أنزل الله هو الذي خلقكم من نفس واحدة.. إلى آخر الآية.
الثاني: ما قاله العوفي عن ابن عباس أيضاً في قوله تعالى هو الذي خلقكم من نفس واحدة إلى قوله فمرت به فشكت أحملت أم لا لخفته، فلما أثقلت دعوا الله ربهما لئن آتيتنا صالحاً لنكونن من الشاكرين، فأتاهما الشيطان فقال هل تدريان ما يكون بهيمة أم لا وزين لهما الباطل إنه غوي مبين وقد كانت قبل ذلك ولدت ولدين فماتا فقال لهما إنكما إن لم تسمياه عبد الحرث وكان اسم إبليس في الملائكة الحرث لم يخرج سوياً ومات كالأول فسمياه عبد الحرث فذلك قول الله: {فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا} .
الثالث: ما قاله عبد الله بن المبارك عن شريك عن خصيف عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى فلما آتاهما صالحاً جعلا له شركاء فيما آتاهما يعني آدم وحواء أتاهما إبليس وقد حملت حواء فقال إني صاحبكما الذي أخرجتكما من الجنة لتطيعاني أو لأجعلن له قرني ايل فيخرج من بطنك فيشقه أو لأفعلن وأفعلن فأبيا أن يطيعاه فخرج ميتاً، ثم حملت الثانية فأتاهما أيضاً فقال أنا صاحبكما الذي فعلت ما فعلت لتفعلن وتطيعاني أو لأفعلن يخوفهما فأبيا أن يطيعاه فخرج ميتاً، ثم حملت الثالثة فأتاها فذكر لهما ما قاله أولاً فأدركهما حب الولد فسمياه عبد الحرث فذلك قول الله فلما آتاهما صالحاً جعلا له شركاء فيما آتاهما. رواه ابن أبي حاتم في مستدركه.
وجاء في الحديث خدعهما إبليس مرتين مرة في الجنة ومرة في الأرض، وقد تلقى الأثر الوارد في خدع إبليس لآدم وحواء جماعة من السلف كمجاهد وعكرمة وسعيد ابن جبير، وسعيد بن المسيب، وقتادة، والسدي، وجماعة آخرون من السلف والخلف، ومن المفسرين المتأخرين جماعة لا تحصى كثرتهم إلاَّ ما ذهب إليه الحسن البصري رحمه الله تعالى من أنه ليس المراد من سياق الآية آدم وحواء بل المراد من ذلك المشركون من ذريتهما ولهذا قال تعالى {تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} وذكره تعالى آدم وحواء في أول الآية كالتوطئة لما بعدها من الوالدين وهو كالاسترداد من ذكر الشخص إلى الجنس كما قال تعالى: {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِلشَّيَاطِينِ} ومعلوم أن المصابيح وهي النجوم المزين بها ليست هي التي يرجم بها وإنما هو استطراد من شخص المصابيح أي جنسها وهذا له نظائر في القرآن كثيرة. قال الإمام أبو الحسين بن مسعود البغوي وهذا القول حسن لولا قول السلف مثل عبد الله بن عباس ومجاهد وسعيد بن المسيب وجماعة من المفسرين أنه آدم وحواء، ومعنى ما تأوله الحسن وعكرمة أي جعل أولادهما له شركاء فيما آتاهما بقرينة قوله أيشركون بالجمع فحذف الأولاد وأقامهما مقامهم كما أقام الأبناء مقام الآباء في إضافة الفعل إلى الأبناء والفاعل إنما هو الآباء كقوله تعالى مخاطباً اليهود الموجودين في زمن النبي صلى الله عليه وسلم: {ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْل} وقوله: {فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ} {وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً} وأمثال ذلك.
(الرابع) ما قاله ابن كيسان هم الكفار سموا أولادهم بعبد العزى وعبد مناف وعبد شمس وعبد اللات وعبد مناة.
(الخامس) قولنا وعقيدتنا ما قاله السلف واعتقدوه في قوله تعالى جعلا له شركاء فيما آتاهما يعني في طاعته ولم يكن شركهما في عبادته فإن كل اسم معبد لغير الله كعبد الحرث وعبد العزى وعبد هبل وعبد عمرو وعبد الكعبة وما أشبه ذلك حرام لا يجوز التسمية به باتفاق من يعتد به من أهل العلم، وتحرم طاعة الآمر بذلك فلا يحل التسمية بعبد علي ولا عبد الحسين ولا عبد الكعبة، فكيف بكلب علي وعبد الحرث الذي هو الشيطان، وقد روي ابن أبي شيبة من حديث هانىء بن شريح قال: "قدم على النبي صلى الله عليه وسلم قوم فسمعهم يسمون رجلاً عبد الحجر فقال: "ما اسمك" قال عبد الحجر فقال رسول الله إنما أنت عبد الله" وقد تقدم حديث عبد الصمد بن عبد الوارث وسمرة بن جندب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لما ولدت حواء طاف بها إبليس وكان لا يعيش لها ولد فقال سميه عبد الحرث فعاش فكان ذلك من وحي الشيطان وأمره" رواه الإمام أحمد في مسنده، ورواه الترمذي في تفسير الآية، ورواه الحاكم في مستدركه وصححه، ورواه ابن مردويه في تفسيره من حديث هلال بن فياض، والشرك في طاعته هو امتثال أمره وقبول قوله، وليس ذلك شركاً في العبادة كما قلناه وقررناه، ولكنهما زعما أن الحرث سبب نجاة الولد وسلامة أمه فلذلك أضافا ولدهما إليه، لا على جهة أن الحرث مالكه ومعبوده، وقد يطلق اسم العبد على من لا يراد به أنه مملوكه، كما يستعمل اسم الرب مضافاً إلى من لا يراد أنه معبوده، وكمن نزل به ضيف يسمي نفسه عبد الضيف على جهة الكرم والتواضع لا على أن الضيف ربه ومعبوده، قال يوسف صلى الله على محمد وعليه وسلم لعزيز مصر إنه ربي، ولم يرد أنه معبوده، فكذلك هنا ولكن المناسب لهما عدم طاعته وعدم قبول قوله وامتثال أمره إذ هو الذي قد غرهما وخدعهما فأخرجهما وفرق بينهما للعداوة الأزلية لهما ولذريتهما أبد الآبدين ودهر الداهرين وبعد يوم الدين.
واتفقوا على عصمة الأنبياء من تعمد الكبائر قبل الوحي وبعده، وتنازعوا هل تقع منهم بعض الصغائر مع التوبة منها أو لا تقع بحال، فقال كثير من المتكلمين من الشيعة والمعتزلة وبعض أهل الحديث من أهل السنة منهم ابن السبكي وغيره لا تقع منهم الصغيرة بحال ولا قبل النبوة ولا بعدها زادت الشيعة لا يمكن وقوعها منهم خطأ ولا عمداً، والصحيح عند السلف وجمهور أهل الفقه والحديث والتفسير لا تقع الصغائر منهم عمداً. واتفقوا على وقوعها منهم سهواً وخطأً. كما نقله السعد التفتازاني في حاشية الكشاف إلاَّ ما يدل على الخسة كسرقة لقمة والتطفيف بحبة فلا يجوز عليهم، واشترط جمع من المحققين أن ينبهوا على ما فعلوه سهواً فينتهوا عنه، وقال قوم من علماء أهل السنة من أهل الحديث من أصحاب الأشعري وغيرهم وقد دلت نصوص الكتاب والسنة على أن الأنبياء صلوات الله وسلامه علهم أجمعين تقع منهم بعض الصغائر مع التوبة منها والله يحب التوابين ويحب المتطهرين، وإذا ابتلي بعض الأكابر بما يتوب منه فذلك لكمال النهاية لا لنقص البداية، كما قال بعضهم لو لم تكن التوبة أحب الأشياء إليه لما ابتلى بالذنب أكرم الخلق عليه، وفي الأثر أن العبد ليعمل السيئة فيدخل بها الجنة، وأن العبد ليعمل الحسنة فيدخل بها النار، يعني أن السيئة يذكرها ويتوب منها فيدخله ذلك الجنة، والحسنة يعجب بها ويستكبر فيدخله ذلك النار.
وأيضاً فالحسنات والسيئات متنوع بحسب المقامات، كما يقال حسنات الأبرار سيئات المقربين، فمن فهم ما تمحوه التوبة وترفع صاجها إليه من الدرجات وما تفاوت الناس فيه من الحسنات والسيئات زالت عنهم الشبه في هذا الباب، وأقر الكتاب والسنة على ما فيهما من الهدى والصواب، وقد اتفق الأمة على أن من سوى الأنبياء ليس بمعصوم لا من الخطأ ولا من الصواب، سواء كان صديقاً أو لا، وعلى أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم معصوم فيما يبلغه عن الله تبارك وتعالى، فإن مقصود الرسالة لا يتم إلاَّ بذلك، وكل ما دل على أنه رسول الله من معجزة فهو يدل على ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فإني لا أكذب على الله" واتفقوا أيضاً على أنه لا يقر على الخطأ كما أنه لا ينطق عن الهوى وعلى أنه صلى الله عليه وسلم أخوف الأمة لمولاه وأشدهم خشية منه وتضرعاً إليه ورغبة فيما لديه. فقد ثبت في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم كان يدعو ربه ويعترف له بذنبه كما في قوله: "اللهم أنت الملك لا إله إلاَّ أنت أنت ربي وأنا عبدك ظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي ذنوبي جميعاً فإنه لا يغفر الذنوب إلاَّ أنت ... " الحديث وأمثاله إظهاراً للعبودية، وافتقاراً للصمدية، وتشريعاً للأمة، وبياناً لشكر النعمة، قال الأئمة كل يؤخذ من قوله ويترك إلاَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه الذي أوجب الله على أهل الأرض الإيمان به وطاعته بحيث يجب عليهم أن يصدقوه بكل ما أخبر ويطيعوه في كل ما أمر، فقد ذكر الله طاعته واتباعه في قريب من أربعين موضعاً في القرآن، قال عز من قائل: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} وقال: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ} وقال: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ... } الآية وقال: {لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً..} إلى قوله ... {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} وقال: {وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ} وقال: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} وقال: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُول} وقال: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ ... } الآية. وطاعة الله والرسول هي عبادة الله التي خلق لها الجن والإنس، فهي غايتهم التي يحبها الله ورسوله ويرضاها ويأمرهم بها، وإن كان قد شاهد من بعضهم ما هو خلاف ذلك وخلقهم له فتلك غاية شاءها وقدرها وهذه غاية يحبها ويأمر بها ويرضاها"

وهذا كلام لا مزيد عليه

ويراجع كلام عبد الرحمن بن حسن في فتح المجيد

والمشكلة ليست في الترجيح غير أن المشكلة في اتهام برواية ما لا يليق في الأنبياء والله المستعان واتهام الأمة بالتواطؤ على الباطل

الخطأ الحادي والعشرون : إنكار قصة الغرانيق واعتبارها طعناً في مقام النبوة

وهذا قام به كثيرون منهم الألباني

قال أبو موسى الروسي :" رأيت قبل الأيام فائدة نفيسة جدا عن شيخ الإسلام ابن تيمية في الاحتجاج بالأحاديث المرسلة فأردت أن أنقلها لإخواني تعميما للفائدة

قال شيخ الإسلام: وَالْمَرَاسِيلُ قَدْ تَنَازَعَ النَّاسُ فِي قَبُولِهَا وَرَدِّهَا، وَأَصَحُّ الْأَقْوَالِ أَنَّ مِنْهَا الْمَقْبُولَ، وَمِنْهَا الْمَرْدُودَ، وَمِنْهَا الْمَوْقُوفَ، فَمَنْ عُلِمَ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ لَا يُرْسِلُ إِلَّا عَنْ ثِقَةٍ قُبِلَ مُرْسَلُهُ، وَمَنْ عُرِفَ أَنَّهُ يُرْسِلُ عَنِ الثِّقَةِ وَغَيْرِ الثِّقَةِ كَانَ إِرْسَالُهُ رِوَايَةً عَمَّنْ لَا يُعْرَفُ حَالُهُ فَهَذَا مَوْقُوفٌ، وَمَا كَانَ مِنَ الْمَرَاسِيلِ مُخَالِفًا لِمَا رَوَاهُ الثِّقَاتُ كَانَ مَرْدُودًا.
وَإِذَا جَاءَ الْمُرْسَلُ مِنْ وَجْهَيْنِ : كُلٌّ مِنَ الرَّاوِيَيْنِ أَخَذَ الْعِلْمَ عَنْ غير شُيُوخِ الْآخَرِ فَهَذَا مِمَّا يَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِ، فَإِنَّ مِثْلَ ذَلِكَ لَا يُتَصَوَّرُ فِي الْعَادَةِ تَمَاثُلُ الْخَطَأِ فِيهِ وَتَعَمُّدُ الْكَذِبِ، كَانَ هَذَا مِمَّا يُعْلَمُ أَنَّهُ صِدْقٌ

انتهى النقل من منهاج السنة

قلت وهذا مثل قصة الغرانيق التي صححها الألباني عن الأربع من كبار مفسري التابعين الذين تباين مشايخ كثير منهم ثم حكم عليها بأنها هدم للقرآن والدين والنبوة والرسالة ووضع أعداء الملة ونقل أقوال الرازي وأمثاله!! وأن رواتها صاروا أعداء للإسلام لجهلهم! وأن الإمام محمد بن عبد الوهاب لم يسلك منهجا علميا وأوردها وهي تهدم القرآن كله! فسبحان الله أفكان السلف من علمائنا كفارا؟ والله المستعان

وقد تتبعت طرقها بما استطعت فرأيتها صحيحة عن ابن عباس عند بعض أهل العلم وأنها قد صحت عن 9 التابعيين! فضلا عن كون كل أصحاب التفاسير المسندة فسروا بها الآيات ولم يستنكروا فيها شيئا

وقد قرأت بعض ما كتب في الموضوع مما كتبه أسامة العتيبي هداه الله وغيره ووجدت عندي شيئا من الزيادة عليهم"

ثم قال :" قال الإمام الطبري: حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني يونس، عن ابن شهاب، أنه سئل عن قوله:( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ )... الآية، قال ابن شهاب: ثني أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث أن رسول الله .. فذكر القصة

سنده صحيح جل رواته أئمة كبار (يونس بن عبد الأعلى من كبار تلاميذ الشافعي في مصر وعبد الله بن وهب إمام كبير) فتأمل من صار أعداء للإسلام لجهلهم عند الألباني!

فهذا إمام الدنيا في كل شيء في وقته - ابن شهاب الزهري أمير المحدثين راوي سنن رسول رب العالمين - لما سئل عن تفسير هذه الآيات فسرها بهذه القصة

أفكان الإمام الزهري ينقل الكفر العظيم الذي يهدم القرآن كله ويفسر به كتاب الله؟"

ثم قال :" قال الإمام المحقق شيخ الإسلام بحق (!) ابن تيمية رحمه الله عن هذه المسألة:

فَفِيهِ قَوْلَانِ : " الْأَوَّلُ " أَنَّ الْإِلْقَاءَ هُوَ فِي سَمْعِ الْمُسْتَمِعِينَ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ بِهِ الرَّسُولُ وَهَذَا قَوْلُ مَنْ تَأَوَّلَ الْآيَةَ بِمَنْعِ جَوَازِ الْإِلْقَاءِ فِي كَلَامِهِ .

و " الثَّانِي " - وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ عَامَّةُ السَّلَفِ وَمَنْ اتَّبَعَهُمْ - أَنَّ الْإِلْقَاءَ فِي نَفْسِ التِّلَاوَةِ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْآيَةُ وَسِيَاقُهَا مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ كَمَا وَرَدَتْ بِهِ الْآثَارُ الْمُتَعَدِّدَةُ وَلَا مَحْذُورَ فِي ذَلِكَ إلَّا إذَا أَقَرَّ عَلَيْهِ فَأَمَّا إذَا نَسَخَ اللَّهُ مَا أَلْقَى الشَّيْطَانُ وَأَحْكَمَ آيَاتِهِ فَلَا مَحْذُورَ فِي ذَلِكَ وَلَيْسَ هُوَ خَطَأٌ وَغَلَطٌ فِي تَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ إلَّا إذَا أَقَرَّ عَلَيْهِ . وَلَا رَيْبَ أَنَّهُ مَعْصُومٌ فِي تَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ أَنْ يُقِرَّ عَلَى خَطَأٍ"

وكنت قديماً قد اتصلت بأسامة عطايا وتناقشت معه في هذه القصة وكنت أنكرها فاحتج علي بنقاط

الأولى : أنه لا يصح عن ابن خزيمة إنكارها ولو صح فلا وجه لأن كبار مفسري السلف لا يعقل أن يأخذوا تفسير القرآن عن زنادقة

الثانية : أن هذا كتفسير مجاهد في المقام المحمود تلقاه العلماء بالقبول وأن عامة المفسرين والمؤلفين في السيرة ذكروها

وأزيد نقطة من عندي أن كون النبي يسهو ويلقي الشيطان في أمنيته ثم يكشف الله ذلك ويبينه فهذا أمر لا يخالف العصمة بحال

بل هذا يقع أن النبي يشرع تشريعات ثم يأتي شياطين ويحرفونها ويزيدون فيها وينقصون ثم رب العالمين يقيض من أهل الحق من يعيد الأمر على ما كان

وهذه القصة فيها فوائد ذكرها الإمام المجدد

ولها فائدة في نفسي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان المشركون يتشوفون لموافقته لهم ولأدنى شيء يتفاعلون معه فلو كان النبي متنبياً كذاباً لمال معهم وأخذ من دنياهم وصار فيهم سيداً ومتبوعاً ولكنه نبي الله حقاً


قال الطوفي في الانتصارات الإسلامية :" أما قصة إلقاء الشيطان على لسانه. ما ذكر في سورة النجم فقد استفاض نقلها بين الأمة، ورواها الثقات «1» ويدل على صحتها ما رواه
البخاري  والترمذي وصححه  عن عكرمة عن ابن عباس قال:" سجد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في سورة النجم فسجد معه المسلمون والمشركون والجن والإنس".
قلت: فسجود المشركين كان السبب المذكور / لأنهم ظنوا أنه قد وافقهم بمدحه آلهتهم وصار الدين واحدا، أو أنهم سجدوا لآلهتهم إعظاما لما سمعوا من مدحها.
وأما الجن فلعلهم جاءوا يستمعون القرآن كما حكى عنهم فيه.
ولا محذور في هذه القضية بوجه من الوجوه لأن الأنبياء في الحقيقة بشر يجري عليهم الخطأ والنسيان ويتطرق عليهم الشيطان.
وقد اختلف العلماء في أنهم معصومون من المعاصي مطلقا أو من الكبائر فقط أو منها عمدا أو من الصغائر كذلك؟ وجوز بعض الناس عليهم الكفر بناء على أن مطلق المعصية جائز عليهم/ وهو كفر في خلاف كبير ، لكن اتفقوا على أنهم معصومون فيما يبلغونه عن الله من الوحي بحيث لا يلحقهم فيه خطأ وإن لحقهم فيه خطأ بسهو منهم أو تلبيس من شيطان إنسي أو جني نبهوا عليه، ولم يقروا عليه، وهكذا جرى في هذه القصة وأخبر الله أنه يحكم آياته وينسخ ما يلقي الشيطان.
وأما تشنيعه/ بقوله:" حاشى لله ومعاذ الله أن يتسلط الشيطان على الأنبياء بمثل هذا" فلعمري أن هذا ليس غيرة منه على الأنبياء ولا تعظيما لهم. فإن اضطرابه في هذا الكتاب بين الفلسفة والشرع يدل على أنه محلول الرابطة بالكلية أو مذبذب لا إلى هذا ولا إلى هذا. ولكن عنادا للإسلام كما قيل:
وما من حبه يحنو عليه ولكن بغض قوم آخرينا
ولعمري إن منصب الأنبياء محفوظ، ولكن هذا أمر جائز عليهم عقلا وشرعا، ولسنا نعطيهم ما ليس لهم ولا هم يرضون بذلك ولهذا قال نبينا صلّى الله عليه وسلّم: «لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم»  يعني حيث اتخذوه إلها، ولكل أحد رتبة لا يتجاوزها فرفعه عنها إفراط ووضعه عنها تفريط.
أما جواز ذلك عليهم عقلا فلأنه لا يلزم منه محال لذاته ولا لغيره.
وأما جوازه شرعا فثبت في شرعنا: أن إبليس سلط على آدم فأخرجه من الجنة  وما ذكر في التوراة من أن الحية أغوته لا ينافي ذلك. لأن إبليس دخل في فم الحية إلى الجنة فأغواه"
وأما تلك العبارات الفجة في أن هذه القصة فيها طعن في القرآن وهدم له فهذا من ضيق الأفق وضعف النفس في جواب الشبه والاستسلام لها

وكنت قد كلمت عماد فراج في إنكاره لهذه القصة وما أدري ما فعل

ويستحيل أن تكون القصة إسرائيلية لأن من السيرة

وإنني لأتعجب بعد كل هذه الآثار التي ينكرونها مع توارد السلف عليها تجد أحدهم تجد أحدهم يسمي نفسه ( أبو فلان الأثري ) و ( أبو فلان السلفي )

والسلف عنده يدخلون في أسماء الله ما ليس منها ويتوسعون في إثبات الصفات بغير النص وبثوا في الأمة الاسرائيليات التي لا تليق بالله وملائكته وفي جميع هذه الأبواب الجهمية أهدى منهم سبيلاً !

فكيف نستغرب بعد هذا أن يظهر كتاب مثل كتاب ( ما بعد السلفية )

هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي