مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: تقويم المعاصرين ( الحلقة الخامسة عشر )

تقويم المعاصرين ( الحلقة الخامسة عشر )



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :



فهذه حلقة جديدة من حلقات تقويم المعاصرين وهي حلقة تتعلق بمسائل السمع والطاعة وهي أكثر المسائل نزاعاً بين الشباب حتى أنها طغت على ما هو أهم منها وترى الإنكار والتمايز فيها أعظم من غيرها

فترى الشباب والمشايخ الذين عندهم أخطاء في الأبواب السابقة بل ضلالات بينة وكل همهم التنازع في هذه المسائل

بل تفريعاً على هذه المسائل يصير بعضهم يجمع على الآخر أخطاءه في العقيدة أو شذوذاته في الفقه

ولما كان بعض الناس ينزل حقوق ولي الأمر المسلم على العلماني والليبرالي ، عاكسهم أناس فصاروا ينكرون هذه الحقوق وهذه الأحكام حتى انتهوا إلى مقاربة قول الخوارج

وعاكسهم آخرون حتى انتهوا إلى تبرير بعض البلايا

وفي الحقيقة لا يوجد عصر كعصرنا هذا في التوسع في هذا الباب

وقد وجد في عصر بني أمية تجاوزات عظيمة بعد معاوية حتى أنه اشتهر عنهم عدم إسقاط الجزية عمن أسلم من اليهود والنصارى إلا في زمن عمر بن عبد العزيز وقد وقع من في زمن هشام بن عبد الملك وأحدث ذلك فتنة عظيمة

ولو وجد مثل هذا اليوم لوجدت من يكفر به ويخرج به خلفاء بني أمية من الملة ولا شك أنه ظلم عظيم وبلاء خطير ولكن المسألة تحتاج إلى ضبط

ففرق بين القوانين العلمانية والديمقراطية الكفرية وبين أمور يفعلها بعض الولاة بالرأي واتباعاً لسياسات جائرة وطمع نفوس

فهذه لم يخل عصر منها حتى أن الوليد بن عبد الملك وعبد الرحمن الداخل تسامحوا في ترك النصارى يبنون الكنائس وكثير من الولاة على مر التاريخ بل أكثرهم أهملوا الشروط العمرية

ولا تسأل عن أمر المكوس وفشوها وهي ظلم عظيم

غير أن العلماء ما كانوا يثنون على هؤلاء الخلفاء في نهي الخوارج عن الخروج عليهم وإنما كانوا يعظونهم بالنصوص وأكثر حروب الخوارج مع أئمة الجور اعتزلها علماء السلف

والآن مع الأخطاء التي فشت في هذا الباب

الخطأ الأول : التخليط بين التشهير بالولاة وذكر الذنوب التي يجاهرون بها

قال عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد 1666 - حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْجَرَوِيُّ، عَنْ ضَمْرَةَ، عَنِ ابْنِ شَوْذَبٍ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: " ثَلَاثَةٌ لَا غِيبَةَ لَهُمُ: الْإِمَامُ الْخَائِنُ، وَصَاحِبُ الْهَوَى الَّذِي يَدْعُو إِلَى هَوَاهُ، وَالْفَاسِقُ الْمُعْلِنُ فِسْقَهُ "


وقال البيهقي في الشعب 6374 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ الْعَدْلُ، نا زَكَرِيَّا بْنُ دَلَّوَيْهِ، نا عَلِيُّ بْنُ سَلَمَةَ اللبقيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُيَيْنَةَ، يَقُولُ: " ثَلَاثَةٌ لَيْسَتْ لَهُمْ غِيبَةٌ: الْإِمَامُ الْجَائِرُ، وَالْفَاسِقُ الْمُعْلِنُ بِفِسْقِهِ، وَالْمُبْتَدِعُ الَّذِي يَدْعُو النَّاسَ إِلَى بِدْعَتِهِ "

وجاء في الجعديات 1901 - قَالَ: وَسَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ يَقُولُ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ يَقُولُ: «إِنِّي لَأَدْعُو لِلسُّلْطَانِ، وَأَدْعُو لِأَصْحَابِ الْأَهْوَاءِ، وَلَكِنْ لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَذْكُرَ إِلَّا مَا فِيهِمْ»

وفي الحديث ( شرار أئمتكم الذين تلعوننهم ويلعوننكم )

فهذه آثار تدل على ذم أئمة الجور وهناك أحاديث وآثار أخرى في الباب قد يتوهم معارضتها لهذا

قال ابن أبي عاصم في السنة 1096 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ، حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ شُرَيْحِ بْنِ عُبَيْدٍ، قَالَ: قَالَ عِيَاضُ بْنُ غَنْمٍ لِهِشَامِ بْنِ حَكِيمٍ: أَلَمْ تَسْمَعْ بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْصَحَ لِذِي سُلْطَانٍ فَلَا يُبْدِهِ عَلَانِيَةً، وَلَكِنْ يَأْخُذُ بِيَدِهِ فَيَخْلُوا بِهِ، فَإِنْ قَبِلَ مِنْهُ فَذَاكَ، وَإِلَّا كَانَ قَدْ أَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ»

ولا فائدة من محاولة تضعيف الخبر بعد ذكر العلماء له في كتب السنة وعلته ليست الموجبة للضعف الشديد ومعناه لا يعارض مقاصد الشريعة العامة وفي الآثار ما يعضده

وقال ابن أبي شيبة في المصنف [38462 ] حَدَّثَنَا جَرِيرٌ ، عَنْ مُغِيرَةَ بْنِ إِسْحَاقَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، قَالَ :قَالَ رَجُلٌ لاِبْنِ عَبَّاسٍ : آمُرُ أَمِيرِي بِالْمَعْرُوفِ ، قَالَ : إِنْ خِفْت أَنْ يَقْتُلَك فَلاَ تُؤَنِّبَ الإِمَامَ ، فَإِنْ كُنْتَ لاَ بُدَّ فَاعِلاً فَفِيمَا بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ.

وقال أيضاً[38461] حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ ، قَالَ : حدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنِ ابْنِ طَاوُوس ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ :قُلْتُ : لاِبْنِ عَبَّاسٍ : أَنْهَى أَمِيرِي عَنْ مَعْصِيَةٍ ، قَالَ : لاَ تَكُونُ فِتْنَةٌ ، قَالَ : قُلْتُ : فَإِنْ أَمَرَنِي بِمَعْصِيَةٍ ، قَالَ : فَحِينَئِذٍ.
وقال الإمام أحمد في مسنده [19434] : ثنا أبو النضر ثنا الحشرج بن نباته العبسي كوفي حدثني سعيد بن جمهان قال :

أتيت عبد الله بن أبي أوفى وهو محجوب البصر فسلمت عليه قال لي من أنت فقلت أنا سعيد بن جمهان قال فما فعل والدك قال قلت قتلته الأزارقة قال لعن الله الأزارقة لعن الله الأزارقة حدثنا رسول الله صلى الله عليه و سلم إنهم كلاب النار قال قلت الأزارقة وحدهم أم الخوارج كلها قال بلى الخوارج كلها قال قلت فان السلطان يظلم الناس ويفعل بهم قال فتناول يدي فغمزها بيده غمزة شديدة ثم قال ويحك يا ابن جمهان عليك بالسواد الأعظم عليك بالسواد الأعظم إن كان السلطان يسمع منك فائته في بيته فأخبره بما تعلم فإن قبل منك وإلا فدعه فإنك لست بأعلم منه
وقال البخاري [3267 ] حَدَّثَنَا عَلِيٌّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ قِيلَ لِأُسَامَةَ :

لَوْ أَتَيْتَ فُلَانًا فَكَلَّمْتَهُ قَالَ إِنَّكُمْ لَتُرَوْنَ أَنِّي لَا أُكَلِّمُهُ إِلَّا أُسْمِعُكُمْ إِنِّي أُكَلِّمُهُ فِي السِّرِّ دُونَ أَنْ أَفْتَحَ بَابًا لَا أَكُونُ أَوَّلَ مَنْ فَتَحَهُ وَلَا أَقُولُ لِرَجُلٍ أَنْ كَانَ عَلَيَّ أَمِيرًا إِنَّهُ خَيْرُ النَّاسِ بَعْدَ شَيْءٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا وَمَا سَمِعْتَهُ يَقُولُ قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ يُجَاءُ بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُهُ فِي النَّارِ فَيَدُورُ كَمَا يَدُورُ الْحِمَارُ بِرَحَاهُ فَيَجْتَمِعُ أَهْلُ النَّارِ عَلَيْهِ فَيَقُولُونَ أَيْ فُلَانُ مَا شَأْنُكَ أَلَيْسَ كُنْتَ تَأْمُرُنَا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَانَا عَنْ الْمُنْكَرِ قَالَ كُنْتُ آمُرُكُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا آتِيهِ وَأَنْهَاكُمْ عَنْ الْمُنْكَرِ وَآتِيهِ .

وقال حميد بن زنجويه في الأموال [38 ]:

أنا عبد الله بن يوسف ، أنا عبد الله بن سالم الحمصي ، أنا سعيد الطائي ، قال : سمعت أبا إدريس الخولاني ، وهو يقص في زمان عبد الملك ، يقول :إياكم والطعن على الأئمة ؛ فإن الطعن عليهم هي الحالقة ، حالقة الدين ليس حالقة الشعر ، إلا أن الطعانين هم الخائبون ، وشرار الأشرار .

أقول : إسناده صحيح ، وأبو إدريس تابعي كبير فقيه ، وتأمل إيراد ابن زنجويه لهذا الأثر ، في كتاب الأموال ، لعلمه أن عامة ما ينقمه العامة على ولاتهم يتعلق بباب الأثرة
وكل فريق من الفرقاء المتنازعين يورد الآثار التي في جانبه والحق أن الآثار ليست متعارضة بل لكل مقام مقال

فالإنكار يختلف في سببه وفي الطرف المنكر عليه وفرق بين الإنكار وذكر المعصية

فليعلم أن ما يطعن فيه الناس على الولاة ينقسم إلى قسمين

قسم لا شك أنه معاص كإظهار الخمور أو المكوس أو استباحة البلد الحرام وغيرها

فمثل هذا إذا كان ظاهراً لا يخفى على أحد فذكره لمناسبة شرعية لا تشفياً  لا بأس به لأن هذا مجاهر

وقسم فيه اشتباه وخفاء كتولية بعض الناس دون بعض أو إعطاء بعض الناس دون بعض أو إخراج حكم ما عن سمته لقرائن  فمثل هذا طعن به ذو الخويصرة على رسول الله والسبئية على عثمان والخوارج على علي بن أبي طالب

فهذا أول باب الشر وهو المعني بكثير من الآثار

ثم إن إنكار العلماء يختلف عن إنكار العامة فكثير من العوام إنما يذمون الحكام حسداً لهم ولما يفوت من دنياهم فحسب وأما العلماء فيخافون على أديان الناس ، وأكثر طعن العوام اليوم من هذا الباب فهذا لا يجوز بحال بل تجد بعض الناس يأتي لعلماني ديمقراطي ولا ينقد عليه إلا هذا الأمر ويترك إفساده للأديان

فهذا الضرب من الناس ينبغي أن يخاطب في حرمة الغيبة لأن فعلهم عامته حسد وغيرة وتجد عندهم من الأحوال ما يشبه أحوال هؤلاء الولاة وإذا أعطاهم هؤلاء الولاة رضوا ومجدوا هؤلاء الولاة فلهم حظ من هذا الحديث

قال البخاري في صحيحه 2358 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا صَالِحٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ثَلاَثَةٌ لاَ يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَلاَ يُزَكِّيهِمْ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ، رَجُلٌ كَانَ لَهُ فَضْلُ مَاءٍ بِالطَّرِيقِ، فَمَنَعَهُ  مِنَ ابْنِ السَّبِيلِ، وَرَجُلٌ بَايَعَ إِمَامًا لاَ يُبَايِعُهُ إِلَّا لِدُنْيَا، فَإِنْ أَعْطَاهُ مِنْهَا رَضِيَ، وَإِنْ لَمْ يُعْطِهِ مِنْهَا سَخِطَ، وَرَجُلٌ أَقَامَ سِلْعَتَهُ بَعْدَ العَصْرِ، فَقَالَ: وَاللَّهِ الَّذِي لاَ إِلَهَ غَيْرُهُ لَقَدْ أَعْطَيْتُ بِهَا كَذَا وَكَذَا، فَصَدَّقَهُ رَجُلٌ " ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الآيَةَ: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} [آل عمران: 77].

وتنبه لقول أبي بكرة ( إن كان يقبل منك ) وقيد ابن عباس ( إن خفت أن يقتلك ) وما فيه من فقه الصحابة الدقيق

وإذا كان إنكار بعض الأمور يهيج الغوغاء درئت المفسدة الأعظم بترك هذه المصلحة ، وأما إن كان أمراً ظاهراً وتطلب إنكاره لئلا يفشو أو يعتقد الناس جوازه قام بذلك الخاصة من أهل العلم والتقى

فهذه القيود تضبط الباب وكل مسلم عرضه محترم وحتى العلماني لا يجوز الكذب عليه ولا الافتراء

ولا يجوز إشغال عوام لا يعرفون عقيدتهم الصحيحة بعيوب الولاة بل لا بد من مخاطبة العوام بعيوبهم قبل كل شيء

قال أبو نعيم في الحلية (2/377) : حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ بْنُ حَمْزَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ حُبَيْشٍ، قَالَا: ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى الْحُلْوَانِيُّ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ مُوسَى بْنِ خَلَفٍ، قَالَ: ثَنَا مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ، قَالَ:

" قَرَأْتُ فِي بَعْضِ الْحِكْمَةِ:  إِنِّي أَنَا اللهُ، مَالِكُ الْمُلُوكِ قُلُوبُ الْعِبَادِ بِيَدِي فَمَنْ أَطَاعَنِي جَعَلْتُهُمْ عَلَيْهِ رَحْمَةً وَمَنْ عَصَانِي جَعَلْتُهُمْ عَلَيْهِ نِقْمَةً لَا تَشَاغَلُوا بِسَبِّ الْمُلُوكِ وَلَكِنْ تُوبُوا إِلَيَّ أَعْطِفُهُمْ عَلَيْكُمْ.


وهذا إسناد قوي إلى مالك بن دينار وتأمل قوله ( لَا تَشَاغَلُوا بِسَبِّ الْمُلُوكِ

وَلَكِنْ تُوبُوا إِلَيَّ أَعْطِفُهُمْ عَلَيْكُمْ) وما فيه من النفاسة ، وهو ما يحتاجه الناس اليوم إذ أن أئمة الجور عقوبة من الله تزول بالتوبة


قال شيخ الإسلام في المنهاج (4/529) :

" وكان الحسن البصري يقول إن الحجاج عذاب الله فلا تدفعوا عذاب الله بأيديكم ولكن عليكم بالاستكانة والتضرع فإن الله تعالى يقول ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون وكان طلق بن حبيب يقول اتقوا الفتنة بالتقوى فقيل له أجمل لنا التقوى فقال أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو رحمة الله وأن تترك معصية الله على نور من الله تخاف عذاب الله رواه أحمد وابن أبي الدنيا "

الخطأ الثاني : تجويز منابذة الحاكم في أمر المال

ويحتج من يذهب لهذا المسلك بعبد الله بن عمرو بن العاص

قال مسلم في صحيحه 226 - (141) حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيُّ، وَإِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ - وَأَلْفَاظُهُمْ مُتَقَارِبَةٌ - قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا، وَقَالَ الْآخَرَانِ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ الْأَحْوَلُ أَنَّ ثَابِتًا مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَخْبَرَهُ، أَنَّهُ لَمَّا كَانَ بَيْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو وَبَيْنَ عَنْبَسَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ مَا كَانَ تَيَسَّرُوا لِلْقِتَالِ، فَرَكِبَ خَالِدُ بْنُ الْعَاصِ إِلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو فَوَعَظَهُ خَالِدٌ، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ». وَحَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، ح، وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ النَّوْفَلِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ كِلَاهُمَا عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ مِثْلَهُ

وقد اعتمد هذا عماد فراج ثم أساء أدبه مع الإمام أحمد وقال بأن النصوص تؤخذ بفهم السلف لا فهم أحمد

ولا يظن المسكين أن أحمد ما علم آثار السلف

الواقع أن الذي لا يجهله أحد أن الصحابي إذا خالفه غيره لم يكن قوله حجة فكيف إذا خالفه خليفة راشد

قال أبو عبيد القاسم بن سلام [ في كتاب الأموال 1202 ] : حدثنا حجاج ، عن شعبة ، عن قتادة ، قال : سمعت أبا الحكم ، يقول : أتى ابن عمر رجل ، فقال : أرأيت الزكاة ، إلى من أدفعها ؟ فقال : ادفعها إلى الأمراء وإن تمزعوا بها لحوم الكلاب على موائدهم .

أقول : فانظر كيف أمر ابن عمر بدفع الزكاة إلى أئمة الجور ، وإن علمت أنهم ينفقونها في غير مصارفها

وقد صرح في ذلك في عدد من الآثار الثابتة عنه فهاكها :


قال أبو عبيد [ 1203] : حدثنا معاذ ، عن حاتم بن أبي صغيرة ، عن رياح بن عبيدة ، عن قزعة ، قال : قلت لابن عمر : إن لي مالا ، فإلى من أدفع زكاته ؟ فقال : ادفعها إلى هؤلاء القوم . يعني الأمراء .

قلت : إذا يتخذون بها ثيابا وطيبا . فقال : وإن اتخذوا بها ثيابا وطيبا ، ولكن في مالك حق سوى الزكاة

وقال : [ 1201] : حدثنا حجاج ، عن ابن جريج ، عن عطاء ، عن ابن عمر ، قال : ادفعوا الزكاة إلى الأمراء . فقال له رجل : إنهم لا يضعونها مواضعها . فقال : وإن .

أقول : حجاج هو ابن محمد المصيصي ، وعطاء هو ابن أبي رباح

ولما لم ترق هذه الآثار الصحيحة لبعض الباحثين ، أخذ يزعم أن ابن عمر تراجع عن فتياه هذه

واحتج على دعواه بما روى أبو عبيد في الأموال [1197 ] قال : حدثنا معاذ ، عن ابن عون ، عن أنس بن سيرين ، قال : كنت عند ابن عمر ، فقال رجل : ندفع صدقات أموالنا إلى عمالنا ؟ فقال : نعم . فقال : إن عمالنا كفار . قال : وكان زياد يستعمل الكفار . فقال : لا تدفعوا صدقاتكم إلى الكفار .

أقول : وهذا خارج محل النزاع ، فإن فتيا ابن عمر الأولى في أئمة الجور من المسلمين ، وهذه في دفع الزكاة إلى الكفار .

واحتج أيضاً بما روى أبو عبيد في الأموال[ 1212 ] قال : حدثنا هشيم ، عن عبد الرحمن بن يحيى ، عن حبان بن أبي جبلة ، عن ابن عمر ، أنه رجع عن قوله في دفع الزكاة إلى السلطان ، وقال : ضعوها في مواضعها

أقول : وهذا الخبر هو حجة الخطيب البغدادي في دعوى تراجع ابن عمر عن مذهبه في دفع الزكاة إلى أئمة الجور ، والتي اعتمد عليها بعض الباحثين الحركيين .

ولا حجة في الخبر لأن في إسناده ضعفاً وذلك من وجهين :

الأول : عنعنة هشيم وقد كان مدلساً ، ذكره  ابن حجر في المرتبة الثالثة من مراتب المدلسين ، وإن كان الأمر عندي في عنعنته غير هذا إلا أنني ألزمهم بمنهجهم

الثاني : حبان - بفتح الحاء - مصر مصري وابن عمر مدني ، وحبان لم يسمع من أنس بدليل أنه يروي عنه بواسطة.

قال إبراهيم الحربي في غريب الحديث[ 942 ] : حدثنا أبو الوليد ، حدثنا حبان بن أبي جبلة ، حدثنا حميد ، عن أنس : أنه كان يكره أن يلقي النوى على الطبق الذي فيه التمر .

أقول : فإذا كان لم يسمع أنساً ، فهو لم يسمع ابن عمر فإن ابن عمر أقدم وفاةً من أنس ، والتباعد القطري يقوي دعوى الإرسال

ومما استدلوا به على رجوع ابن عمر – رضي الله عنهما - :

ما روى عبد الرزاق في مصنفه [ 6928 ] : عن محمد بن راشد قال : أخبرني أبان قال : دخلت على الحسن وهو متوار زمان الحجاج في بيت أبي خليفة فقال له رجل : سألت ابن عمر أدفع الزكاة إلى الأمراء ؟

فقال ابن عمر : ضعها في الفقراء والمساكين ، قال : فقال لي الحسن : ألم أقل لك : إن ابن عمر كان إذا أمن الرجل قال : ضعها في الفقراء والمساكين .

أقول : الراوي عن ابن عمر مبهم ، فلا يحتج بخبره ، وقول الحسن [ كان إذا أمن الرجل ] له مفهوم أي إذا لم يأمن فإنه يدفع الزكاة إلى أئمة الجور ، ولو وضعوها في غير مصارفها

ثم إن الحسن لم يسمع من ابن عمر .

قال العلائي في جامع التحصيل : وقال علي بن المديني رأى الحسن أم سلمة ولم يسمع منها ولا من أبي موسى الأشعري ولا من الأسود بن سريع ولا من الضحاك بن سفيان ولا من جابر ولا من أبي سعيد الخدري ولا من بن عباس ولا من عبد الله بن عمر. اهــ

وأثبت أبو حاتم سماع الحسن من ابن عمر ، ونفاه الحاكم .

أبان في هذا السند مهمل ، والذين رووا عن الحسن واسمهم أبان ثلاثة

1- أبان بن يزيد العطار وهو ثقة.

2- أبان بن أبي عياش وهو متروك .

3- أبان بن صالح وهو ثقة .

ولم يذكر محمد بن راشد الكحولي في تلاميذ أحدٍ منهم ، ويحتمل أن يكون هو المتروك .

وليس هذا مذهب ابن عمر وحده بل مذهب جمع من فقهاء الصحابة

قال أبو عبيد في الأموال [ 1194 ] : حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ، وأبو معاوية ، كلاهما عن سهيل بن أبي صالح ، عن أبيه ، قال : سألت سعد بن أبي وقاص ، وأبا هريرة ، وأبا سعيد الخدري ، وابن عمر ، فقلت :

إن هذا السلطان يصنع ما ترون ، أفأدفع زكاتي إليهم ؟ قال : فقالوا كلهم : ادفعها إليهم

أقول : فانظر إلى قوله [ يصنع ما ترون ] وما فيه من الدلالة على أن الحكام في زمنهم كانوا يجورون ويحكمون بغير ما أنزل الله ، ويضعون الزكاة في غير مواضعها

وهذا أخذ مال منهم بغير حق فأمر الصحابه بدفعه إلى الوالي درءاً للفتنة الأعظم

وقال الخلال في السنة 54 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: أَنْبَأَ وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى، عَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ، قَالَ: قَالَ لِي عُمَرُ: " يَا أَبَا أُمَيَّةَ، إِنِّي لَا أَدْرِي، لَعَلِّي لَا أَلْقَاكَ بَعْدَ عَامِي هَذَا، فَإِنْ أُمِّرَ عَلَيْكَ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ مُجَدَّعٌ فَاسْمَعْ لَهُ وَأَطِعْ، وَإِنْ ضَرَبَكَ فَاصْبِرْ، وَإِنْ حَرَمَكَ فَاصْبِرْ، وَإِنْ أَرَادَ أَمْرًا يُنْقِصُ دِينَكَ، فَقُلْ: سَمْعًا وَطَاعَةً، دَمِي دُونَ دِينِي، وَلَا تُفَارِقِ الْجَمَاعَةَ "

فهنا عمر ينص على الصبر عند الحرمان من الحق وهذا في معنى أخذ المال

ولهذا نظير في الشرع ففي قتال الفتنة أنت مأمور بترك القتال وإن أرادوا قتلك حتى  لا تكون شريكاً إلا إذا أريد النساء والأصل مدافعة المعتدي ولكن خرج عن هذا الأصل لمصلحة أرجح وهي وأد الفتنة وعدم المشاركة بها فإنك إن أظهرت المشاركة تشجع الناس وسفكت دماء أكثر

قال الصنعاني في سبل السلام (5/ 464) :" قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَاَلَّذِي عَلَيْهِ أَهْلُ الْعِلْمِ أَنَّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَدْفَعَ عَمَّا ذُكِرَ إذَا أُرِيدَ ظُلْمًا بِغَيْرِ تَفْصِيلٍ ، إلَّا أَنَّ كُلَّ مَنْ يُحْفَظُ عَنْهُ مِنْ عُلَمَاءِ الْحَدِيثِ كَالْمُجْمِعِينَ عَلَى اسْتِثْنَاءِ السُّلْطَانِ لِلْآثَارِ الْوَارِدَةِ بِالْأَمْرِ بِالصَّبْرِ عَلَى جَوْرِهِ وَتَرْكِ الْقِيَامِ عَلَيْهِ "، والسعي بالظفر ينافي الصبر على الجور ، ويؤدي مآلاً إلى المنازعة الظاهرة إذا انتشر هذا القول بين الناس.

وهؤلاء الذين أجمعوا لا يجهلون أثر عبد الله بن عمرو بن العاص ولكن قام عندهم معارض أقوى فصاروا إليه

وطريقة الظاهرية وأهل البدع عدم جمع الباب والتمسك بزلة العالم أو القول المرجوح من فاضل اتباعاً لأهواء النفوس

الخطأ الثالث : الخلط في مسألة الدخول على السلطان

وهذه المسألة يأتي بعضهم متأثراً بطريقة الشوكاني كعبد السلام البرجس ويجيزها مطلقاً بناءً على بعض أخبار الباب

ويأتي من يمنع مطلقاً لآثار السلف في الباب ولحديث ( من أتى أبواب السلطان افتتن ) وهو حديث محتمل

والفيصل أن السلطان لا يدخل عليه بغير مصلحة شرعية وكما قال أبو بكرة ( إن علمت أنه يسمع منك ) فإن كان جائراً لا يسمع النصح أو العالم لا يصبر على إغراءات الولاة فليبتعد وسفيان الثوري إمام في هذا الباب

وليقرأ كتاب أخبار الشيوخ وما فيه من آثار عظيمة في هذا الباب أذكر بعضاً منها

قال المروذي في أخبار الشيوخ 39 - وَحُدِّثْتُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي غَنِيَّةَ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ سُفْيَانَ فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ سُفْيَانُ، فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، أَمَا تَعْرِفُنِي؟ أَنَا جَلِيسُكَ، فَلَمْ يُكَلِّمْهُ، وَجَعَلَ يُعْرِضُ عَنْهُ، فَلَمَّا طَالَ بِالرَّجُلِ وَجَعَلَ لا يُكَلِّمُهُ وَيُعْرِضُ عَنْهُ انْصَرَفَ، فَقَالَ لَنَا سُفْيَانُ: تَدْرُونَ مَا قِصَّةُ هَذَا؟ هَذَا كَانَ لَنَا جَلِيسًا، وَكُنَّا نَوَدُّهُ وَنُقَرِّبُهُ، فَذَهَبَ فَدَاخَلَ السُّلْطَانَ، وَهُوَ يَرَى أَنَّا لَهُ عَلَى مَا كُنَّا لَهُ، مَا أَبْعَدَهُ مِنْ ذَلِكَ، وَنَحْوَ هَذَا.
41 - وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ: حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ عَدِيٍّ، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، قَالَ: قَعَدَ عَائِذُ بْنُ عَمْرٍو مَعَ أَبِي مُسْلِمٍ عَلَى مَائِدَةٍ، فَوَعَظَ عَائِذٌ أَبَا مُسْلِمٍ، قَالَ: فَأُخْبِرَ ابْنُ الْمُبَارَكِ، فَقَالَ: فِرَارُ سُفْيَانَ أَحَبُّ إِلَيْنَا مِنْ كَلامِ إِبْرَاهِيمَ الصَّايِغِ.

42 - سَمِعْتُ عَبَّاسًا الْعَنْبَرِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ بِشْرَ بْنَ الْحَارِثِ يَقُولُ: قَدْ فَعَلَ سُفْيَانُ فِعْلا صَارَ فِيهِ قُدْوَةً، هَرَبَهُ مِنَ السُّلْطَانِ.

وقال المروذي في أخبار الشيوخ 113 - وَسَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ، وَذَكَرَ أَصْحَابَ عَبْدِ اللَّهِ، فَقَالَ: كَانُوا مُتَعَبِّدِينَ لا يَأْتُونَ السُّلْطَانَ، وَذَكَرَ طَاوُسًا فَقَالَ: كَانَ شَدِيدًا عَلَيْهِمْ، لَقَدِ افْتَعَلَ ابْنُهُ كِتَابًا عَلَى لِسَانِهِ إِلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، فَأَعْطَاهُ ثَلاثَ مِائَةِ دِينَارٍ، فَبَلَغَ طَاوُسًا، فَبَاعَ ضَيْعَتَهُ، فَبَعَثَ بِهَا إِلَى عُمَرَ، فَأُرِيدَ طَاوُسٌ أَنْ يَدْخُلَ عَلَى ابْنِهِ فَأَبَى، أَوْ قَالَ: مَا دَخَلَ إِلا فِي وَقْتِ الْمَوْتِ.

وقال المروذي في أخبار 176 - وَسَمِعْتُ سُفْيَانَ بْنَ وَكِيعٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: قَالَتِ امْرَأَةُ مُحَمَّدِ بْنِ وَاسِعٍ لِمُحَمَّدٍ: لَوْ أَتَيْتَ السُّلْطَانَ: فَكَانَ يَعْرِفُ لَكَ شَرَفَكَ؟ فَقَالَ مَا دُمْتِ تَرَيْنَنِي أَصْبِرُ عَلَى الْخَلِّ وَالْبَقْلِ فَهَذَا شَيْءٌ لا تَرَيْنَهُ.

177 - حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا حِبَّانُ، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، قَالَ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ وَاسِعٍ: لأَكْلُ الْقَضْبِ وَسَفُّ التُّرَابِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنُوِّ مِنَ السُّلْطَانِ

وهؤلاء أعلم الناس بالآثار والأحاديث وهم يعلمون عظيم فتنة السلطان ولم يزل الأمر بعبد السلام البرجس وأضرابه حتى رأيناه يصور مع الرافضة

الخطأ الرابع : الخلط بين الدعوة للسمع والطاعة والدعوة للوطنية

فلو فرضنا إسلام حاكم ما وعدله فلا يجوز الدعوة للسمع والطاعة له باسم الوطنية فالوطنية دعوة جاهلية لا تختلف عن القومية والوحدة الوطنية وغيرها من العبارات إنما هي دعاوى جاهلية

قال الإمام أحمد في مسنده 17170 - حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا أَبُو خَلَفٍ مُوسَى بْنُ خَلَفٍ، كَانَ يُعَدُّ فِي الْبُدَلَاءِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ سَلَّامٍ، عَنْ جَدِّهِ مَمْطُورٍ، عَنِ الْحَارِثِ الْأَشْعَرِيِّ، أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَمَرَ يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا عَلَيْهِمَا السَّلَامُ بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ، أَنْ يَعْمَلَ بِهِنَّ، وَأَنْ يَأْمُرَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يَعْمَلُوا بِهِنَّ، وَكَادَ أَنْ يُبْطِئَ، فَقَالَ لَهُ عِيسَى: إِنَّكَ قَدْ أُمِرْتَ بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ أَنْ تَعْمَلَ بِهِنَّ، وَتَأْمُرَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يَعْمَلُوا بِهِنَّ، فَإِمَّا أَنْ تُبَلِّغَهُنَّ، وَإِمَّا أَنْ أُبَلِّغَهُنَّ. فَقَالَ: يَا أَخِي، إِنِّي أَخْشَى إِنْ سَبَقْتَنِي أَنْ أُعَذَّبَ أَوْ يُخْسَفَ بِي ". قَالَ: " فَجَمَعَ يَحْيَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ، حَتَّى امْتَلَأَ الْمَسْجِدُ، فَقُعِدَ عَلَى الشُّرَفِ، فَحَمِدَ اللَّهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَمَرَنِي بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ أَنْ أَعْمَلَ بِهِنَّ، وَآمُرَكُمْ أَنْ تَعْمَلُوا بِهِنَّ. أَوَّلُهُنَّ: أَنْ تَعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، فَإِنَّ مَثَلَ ذَلِكَ مَثَلُ [ص:405] رَجُلٍ اشْتَرَى عَبْدًا مِنْ خَالِصِ مَالِهِ بِوَرِقٍ أَوْ ذَهَبٍ، فَجَعَلَ يَعْمَلُ، وَيُؤَدِّي غَلَّتَهُ إِلَى غَيْرِ سَيِّدِهِ، فَأَيُّكُمْ سَرَّهُ أَنْ يَكُونَ عَبْدُهُ كَذَلِكَ، وَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ خَلَقَكُمْ وَرَزَقَكُمْ، فَاعْبُدُوهُ، وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا. وَآمُرُكُمْ بِالصَّلَاةِ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَنْصِبُ وَجْهَهُ لِوَجْهِ عَبْدِهِ مَا لَمْ يَلْتَفِتْ، فَإِذَا صَلَّيْتُمْ فَلَا تَلْتَفِتُوا. وَآمُرُكُمْ بِالصِّيَامِ، فَإِنَّ مَثَلَ ذَلِكَ كَمَثَلِ رَجُلٍ مَعَهُ صُرَّةٌ مِنْ مِسْكٍ فِي عِصَابَةٍ كُلُّهُمْ يَجِدُ رِيحَ الْمِسْكِ، وَإِنَّ خُلُوفَ فَمِ الصَّائِمِ عِنْدَ اللَّهِ أَطْيَبُ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ. وَآمُرُكُمْ بِالصَّدَقَةِ، فَإِنَّ مَثَلَ ذَلِكَ كَمَثَلِ رَجُلٍ أَسَرَهُ الْعَدُوُّ، فَشَدُّوا يَدَيْهِ إِلَى عُنُقِهِ، وَقَدَّمُوهُ لِيَضْرِبُوا عُنُقَهُ، فَقَالَ: هَلْ لَكُمْ أَنْ أَفْتَدِيَ نَفْسِي مِنْكُمْ؟ فَجَعَلَ يَفْتَدِي نَفْسَهُ مِنْهُمْ بِالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ حَتَّى فَكَّ نَفْسَهُ. وَآمُرُكُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ كَثِيرًا، وَإِنَّ مَثَلَ ذَلِكَ كَمَثَلِ رَجُلٍ طَلَبَهُ الْعَدُوُّ سِرَاعًا فِي أَثَرِهِ، فَأَتَى حِصْنًا حَصِينًا، فَتَحَصَّنَ فِيهِ، وَإِنَّ الْعَبْدَ أَحْصَنُ مَا يَكُونُ مِنَ الشَّيْطَانِ إِذَا كَانَ فِي ذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ " [ص:406] قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَأَنَا آمُرُكُمْ بِخَمْسٍ اللَّهُ أَمَرَنِي بِهِنَّ: بِالْجَمَاعَةِ، وَالسَّمْعِ، وَالطَّاعَةِ، وَالْهِجْرَةِ، وَالْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَإِنَّهُ مَنْ خَرَجَ مِنَ الْجَمَاعَةِ قِيدَ شِبْرٍ فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الْإِسْلَامِ مِنْ عُنُقِهِ إِلَّا أَنْ يَرْجِعَ، وَمَنْ دَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ، فَهُوَ مِنْ جُثَاءِ جَهَنَّمَ " قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَإِنْ صَامَ، وَإِنْ صَلَّى؟ قَالَ: «وَإِنْ صَامَ، وَإِنْ صَلَّى، وَزَعَمَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ، فَادْعُوا الْمُسْلِمِينَ بِأَسْمَائِهِمْ بِمَا سَمَّاهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْمُسْلِمِينَ الْمُؤْمِنِينَ عِبَادَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ»


موطن الشاهد آخر الحديث (وَمَنْ دَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ، فَهُوَ مِنْ جُثَاءِ جَهَنَّمَ " قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَإِنْ صَامَ، وَإِنْ صَلَّى؟ قَالَ: «وَإِنْ صَامَ، وَإِنْ صَلَّى، وَزَعَمَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ، فَادْعُوا الْمُسْلِمِينَ بِأَسْمَائِهِمْ بِمَا سَمَّاهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْمُسْلِمِينَ الْمُؤْمِنِينَ عِبَادَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ)


فإن قيل : ما هي دعوة الجاهلية التي حذر منها النبي صلى الله عليه وسلم


قلت : هي التفريق بين المسلمين والولاء والبراء الضيق على غير أساس شرعي ، كما قال في الحديث ( أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم ) لما قال القائل ( يا للمهاجرين ويا للأنصار )


مع أن اسم المهاجرين والأنصار من الأسماء الشرعية ولكنها لما استخدمت في مثل هذا السياق الذي يكون فيه الولاء على غير أساس التقوى وصفها النبي صلى الله عليه وسلم بأنها دعوى جاهلية


ومن أمثلة ذلك العصبية القبلية والثناء على أبناء القبيلة برهم وفاجرهم وأن يأبى أن تقال في أحد منهم كلمة الحق  وبذل الولاء لهم أكثر من غيرهم ولا شك أن هذا كله من أخلاق الجاهلية والواجب على أن المسلم أن يكون ولاؤه وبراؤه مرتبطاً بتقوى الله فالأعجمي التقي له من الولاء ما ليس لابن عمك الفاجر


قال ابن أبي شيبة في المصنف 38341- حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، عَنْ مِسْعَرٍ ، عَنْ سَهْلٍ أَبِي الأَسَدِ ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ ، قَالَ : مَنْ قَالَ يَا آلَ بَنِي فَُلاَنٍ ، فَإِنَّمَا يَدْعُو إِلَى جُثَا النَّارِ.


وقال ابن أبي شيبة في المصنف 38344- حَدَّثَنَا شَرِيكٌ ، عَنْ أَبِي حَصِينٍ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، أَنَّ رَجُلاً ، قَالَ : يَا لَضَبَّة ، قَالَ : فَكَتَبَ إِلَى عُمَرَ ، قَالَ فَكَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ أَنْ عَاقِبْهُ ، أَوَ قَالَ : أَدِّبْهُ ، فَإِنَّ ضَبَّةَ لَمْ تَدْفَعْ عَنْهُمْ سُوءًا قَطُّ وَلَمْ يَجُرَّ إلَيْهِمْ خَيْرًا قَطُّ.


والشعبي لم يدرك عمر غير أنه يحتمل في مثل هذا


ومن دعوى الجاهلية تحزب الناس في تشجيع فرق كرة القدم ، وهذا من أسخفها إذ أن هذا المشجع المبغض لمخالفه المتمني له الشر لا يناله فائدة دنيوية من هذا


وقد ظهر شيء من هذا في زمن ابن تيمية فاعتبره من التحزب المحرم


قال ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى (3/415) :" وكذلك التفريق بين الأمة وامتحانها بما لم يأمر الله به ولا رسوله مثل أن يقال للرجل أنت شكيلي أو قرفندي فإن هذه أسماء باطلة ما أنزل الله بها من سلطان وليس في كتاب الله ولا سنة رسوله صلى الله عليه و سلم ولا في الآثار المعروفة عن سلف الأئمة لا شكيلي ولا قرفندي والواجب على المسلم إذا سئل عن ذلك أن يقول لا أنا شكيلي ولا قرفندي بل أنا مسلم متبع لكتاب الله وسنة رسوله

 وقد روينا عن معاوية بن أبي سفيان أنه سأل عبدالله بن عباس رضي الله عنهما فقال انت على ملة علي أو ملة عثمان فقال لست على ملة علي ولا على ملة عثمان بل أنا على ملة رسول الله وكذلك كان كل من السلف يقولون كل هذه الاهواء في النار ويقول أحدهم ما أبالي أي النعمتين أعظم على أن هداني الله للإسلام أو أن جنبني هذه الأهواء والله تعالى قد سمانا في القرآن المسلمين المؤمنين عباد الله فلا نعدل عن الأسماء التي سمانا الله بها إلى أسماء أحدثها قوم وسموها هم وآباؤهم ما أنزل الله بها من سلطان "


ويضاعف البلاء في مثل هذا إذا كان تحزباً للكفار وللأندية التي تحفل بالصلبان وينفق ريعها للكنائس فإن هذا يجتمع فيه محظوران عظيمان


الأول : دعوى الجاهلية


الثاني : الولاء للكفار بل بغض المسلم ومعاداته من أجل سفيه كافر


ومن ذلك الدعوة إلى القومية العربية وإلى الوطنية التي انتشرت اليوم


وحقيقة الدعوة الخبيثة التي يسمونها ( الوحدة الوطنية ) أن توالي الرافضي من أهل بلدك أكثر من ولائك للمسلم أو السني في بلد آخر


وقد قال الله تعالى ( وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا )


ولم يقل  ( لتفاخروا )


ومثل ذلك الدعوة إلى الأحزاب السياسية فإن ذلك مع كونه من دعوى الجاهلية التي تحدث الفرقة بين المسلمين هي اقتتال على الملك فإذا كان ذلك تحت مظلة الديمقراطية فقد تم الخسران


وأقبح ذلك ما يسمى بتعدد الجماعات الدعوية وهي في حقيقتها تعدد للفرق الحزبية وهذه الدعوة جمعت بين كونها دعوى جاهلية وبين كونها بدعة وضلالة ما كان عليها السلف مع قيام داعيها


وليعلم أن دعوى الجاهلية إنما جاء لها هذا الذم العظيم لكونها تفرق بين المسلمين وتحدث الفتن ، والبدعة ينطبق عليها هذا مع كونها تحريف للدين فالبدعة دعوى جاهلية وزيادة


فهذا الحديث شاهد لحبوط أعمال أهل البدع الذي ذهب إليه الحسن وسفيان والفضيل بن عياض


فكيف إذا كانت البدعة في نفسها مكفرة كإنكار العلو


فهل يصلح بعد هذا أن يقال في الداعي إلى جهنم ( خدم الإسلام )!


وبقي أن نذكر حديثاً


قال البخاري في صحيحه 6882 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَبْغَضُ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ ثَلَاثَةٌ مُلْحِدٌ فِي الْحَرَمِ وَمُبْتَغٍ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ وَمُطَّلِبُ دَمِ امْرِئٍ بِغَيْرِ حَقٍّ لِيُهَرِيقَ دَمَهُ


فكل من دعا إلى شيء من الدعوات السابقة فهو من أبغض الناس إلى الله ومن الدعاة على أبواب جهنم فاحذروهم

فإن الدعوة إلى «الوطنية» وأخوة المواطنة لا تقل خطورةً عن الدعوة إلى القومية العربية، بل هي أخطر، لما فيها من مزيد تشتيت لجمع المسلمين وتحزيبهم، وقد قال الله تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾، ومما يستدل به دعاة هذا المذهب ، الحديث المنسوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم: «حب الوطن من الايمان»، وهذا الحديث لا أصل له، بل إن حب الوطن أمرٌ غريزي لا يترتب عليه حمدٌ ولا ذم حتى يرى مآل هذه المحبة.


قال الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة «1/110-ح:36»: «حب الوطن من الإيمان»؛ موضوع، كما قال الصغاني (ص 7) وغيره، ومعناه غير مستقيم إذ إن حب الوطن كحب النفس و المال و نحوه ، كل ذلك غريزي في الإنسان لا يمدح بحبه و لا هو من لوازم الإيمان، ألا ترى أن الناس كلهم مشتركون في هذا الحب لا فرق في ذلك بين مؤمنهم و كافرهم؟.ا.هـ.




وقال  ابن عثيمين «في شرح البيقونية ص70»: ومثله «حب الوطن من الإيمان» وهو مشهور عند العامة على أنه حديث صحيح، وهو حديث موضوع مكذوب، بل المعنى أيضاً غير صحيح بل حب الوطن من التعصب.ا.هـ.


أقول : يعني بقوله «من التعصب» إذا ترتب عليه ولاء وبراء غير شرعيين.


وقال محمد رشيد رضا  في مجلته المنار «2/391»: وذلك كحديث حب الوطن من الإيمان الذي لا يفهم منه بعد التأويل والتحليل إلا الحث على تفرق ( الجامعة الإسلامية ) التي تنشد ضالتها الآن ، فإنه يقضي بتفضيل مسلمي مصر مثلاً على من سواهم ، وأن من في الشام يفضِّل إخوته هناك على غيرهم ، وهكذا ، وهو الانحلال بعينه والتفرق المنهي عنه والله يقول: ﴿إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ ولم يقيد الأخوة بمكان ، ويقول: ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾ وأقل ما فيه تفويت فضيلة الايثار.ا.هـ.


أقول : ومحمد رشيد رضا مع عقلانيته الجامحة وانحرافه عن السنة إلا أنه هنا قد أجاد.


وقد ذكر ابن علان «في دليل أرباب الفالحين 4/498» أن جمعاً من العلماء حملوا حديث «حب الوطن من الإيمان» على الجنة، ولا حاجة إلى هذا التأويل مع ضعف الحديث.


وقال ابن عثيمين «في شرح رياض الصالحين 1/42»: وما يذكر من أن «حب الوطن من الإيمان» وأن ذلك حديث عن رسول الله صلي الله عليه وسلم كذب.…حب الوطن إن كان لأنه وطن إسلامي فهذا تحبه لأنه إسلامي , ولا فرق بين وطنك الذي هو مسقط رأسك ، أو الوطن البعيد من بلاد المسلمين ؛ كلها وطن الإسلام يجب أن نحميه.ا.هـ.


ويروى عن عمر أنه قال: «لولا حب الوطن لخرب بلد» ولم أقف عليه مسنداً ، ولو صح لما كان فيه حجة لهذا المذهب ، فغاية ما فيه ذكر فائدة هذا الحب الفطري، ويحتج أصحاب هذه الدعوة بقوله تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلا قَلِيلٌ مِنْهُمْ﴾، فقالوا : امتحنهم بالخروج من أوطانهم مما يدل على استحباب محبتها وأن ذلك من الإيمان.


والجواب : أن هذه المحبة فطرية ، وقد قرنت محبة الوطن هنا بمحبة النفس ، فهل من قائل أن حب النفس من الايمان؟


ولهذه الحزبية الوطنية مفاسد كثيرة يصعب حصرها.


منها: الولاء والبراء الضيق ، وذلك له مظاهر من أسوأها بغض السلفي للسلفي أو على الأقل نفرته منه من أجل أنه من بلد له مع بلده بعض المشاكل السياسية التي أوجبت نفرةً بين الشعبين ، وذلك كيرٌ ينفخ فيه الساسة القوميون ، وللأسف يؤثر ذلك على بعض أهل الاستقامة.


ومنها : تعطيل بعض الأوامر الشرعية ، مثل الهجرة من الديار التي لا يتمكن المرء من إقامة دينه فيها ، أو يفشو فيها البدع والمعاصي إلى بلد يسلم فيه المرء على دينه ، بحجة حب الوطن والولاء للأرض!


ومن مظاهر هذا الأمر دعوة بعضهم إلى ترك تسمية أهل البدع حفاظاً على الوحدة الوطنية! ودعوة بعضهم إلى إقرار بناء الكنائس حفاظاً على اللحمة الوطنية ! ودعوة بعضهم إلى تذويب الخلافات العقدية والفقهية حفاظاً على الوحدة الوطنية!


وقد قال الله تعالى: ﴿لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾.


ومنها: حرف مسار الجهاد في سبيل الله ، إلى الجهاد من أجل الأرض! وهذا كثيرٌ في أطروحات القوميين بل والحزبيين الاسلاميين -زعموا-.


قال ابن أبي شيبة في المصنف «35585» : حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ عُمَرُ الشَّامَ أَتَتْهُ الْجُنُودُ وَعَلَيْهِ إزَارٌ وَخُفَّانِ وَعِمَامَةٌ وَهُوَ آخِذٌ بِرَأْسِ بَعِيرِهِ يَخُوضُ الْمَاءَ ، فَقَالُوا : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، تَلْقَاك الْجُنُودُ وَبَطَارِقَةِ الشَّامِ وَأَنْتَ عَلَى هَذِه الْحَالِ ، قَالَ : فَقَالَ عُمَرُ : إنَّا قَوْمٌ أَعَزَّنَا اللَّهُ بِالإِسْلاَمِ فَلَنْ نَلْتَمِسَ الْعِزَّ بِغَيْرِهِ.


وقال محمد بن صالح العثيمين «في شرح رياض الصالحين 1/17»: قال أهل العلم: ويجب علي المسلمين أن يكون منهم جهاد في العام مرة واحدة ، يجاهد أعداء الله ؛ لتكون كلمة الله هي العليا ، لا لأجل أن يدافعوا عن الوطن من حيث إنه وطن، لأن الدفاع عن الوطن من حيث هو وطن يكون من المؤمن والكافر ، حتى الكفار يدافعون عن أوطانهم ، لكن المسلم يدافع عن دين الله ، فيدافع عن وطنه ؛ لا لأنه وطنه مثلاً ، ولكن لأنه بلد إسلامي ؛ فيدافع عنه حماية للإسلام الذي حل في هذه البلد.. .


ولذلك يجب علينا في مثل هذه الظروف التي نعيشها اليوم النبي صلي الله عليه وسلم يجب علينا أن نذكر جميع العامة بأن الدعوة إلي تحرير الوطن ، وما أشبه ذلك دعوة غير مناسبة ، وأنه يجب أن يعبأ الناس تعبئة دينية ، ويقال إننا ندافع عن ديننا قبل كل شيء ؛ لأن بلدنا بلد دين، بلد إسلام يحتاج إلي حماية ودفاع ، فلابد أن ندافع عنها بهذه النية.


أما الدفاع بنية الوطنية ، أو بنية القومية ، فهذا يكون من المؤمن والكافر ، ولا ينفع صاحبه يوم القيامة ، وإذا قتل وهو يدافع بهذه النية فليس بشهيد ؛ لأن الرسول صلي الله عليه وسلم سئل عن الرجل يقاتل حمية ، ويقاتل شجاعة ، ويقاتل ليري مكانه أي ذلك في سبيل الله ؟ فقال: «من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله».


انتبه إلي هذا القيد «من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا» لا لأنه وطنه وإذا كنت تقاتل لوطنك ؛ فأنت والكافر سواء ، لكن قلت لتكون كلمة الله هي العليا، ممثلة في بلدك؛ لأن بلدك بلد إسلام؛ ففي هذه الحال يكون القتال قتالاً في سبيل الله.ا.هـ.




وقال أيضاً «1/44» : ونرجو منكم أن تنبهوا على هذه المسألة ؛ لأننا نري في الجرائد والصحف: الوطن ! الوطن ! الوطن ! وليس فيها ذكر للإسلام ، هذا نقص عظيم، يجب أن توجه الأمة إلى النهج والمسلك الصحيح ، ونسأل الله لنا ولكم التوفيق لما يجب ويرضي.ا.هـ.


أقول : ومن هذا الذي حذر منه  ابن عثيمين، ما يحصل في قناة الرحمة لـ«محمد حسان» من وضع الأناشيد الوطنية التي تتضمن عبارات مثل «أفديك بروحي يا وطني» ، وهذا ضلالٌ مبين ، ولم يؤثر عن أحد من السلف أنه تلفظ بهذه العبارات ، بل هي دعوةٌ صارخة للميتة الجاهلية والله المستعان.


و«محمد حسان» نفسه كان يصيح في بعض كلماته «الله ثم وطننا ، ديننا ثم وطننا» ، وهذه العبارة لم تؤثر عن أحد من السلف بل لم يؤثر ما هو أعم منها كقوله: «الله ثم العرب» فهذه دعوةٌ للحزبية الوطنية الجاهلية.


وهل يجوز محمد ابن حسان أن يقول أحد «الله عز وجل ثم قبيلتي»؟ وحب القبيلة غريزي ، وأقوى من حب الوطن عند عموم الأعراب.


ولا أدري أين ذهبت قطبية «محمد حسان»، فسيد قطب كان يعتبر الدعوة إلى الوطنية من الدعوات إلى عبادة الأوثان!!


قال سيد في ظلاله «3/339»: على أننا نرى في زماننا هذا صنوفاً وألواناً من الشرك؛ ممن يزعمون أنهم يوحدون الله ويسلمون له ، ترسم لنا صورة من مدارج الشرك التي ترسمها هذه النصوص.


إن الناس يقيمون لهم اليوم آلهة يسمونها « القوم » ويسمونها «الوطن» ، ويسمونها «الشعب» . . إلى آخر ما يسمون . وهي لا تعدو أن تكون أصناماً غير مجسدة كالأصنام الساذجة التي كان يقيمها الوثنيون . ولا تعدو أن تكون آلهة تشارك الله - سبحانه - في خلقه ، وينذر لها الأبناء كما كانوا ينذرون للآلهة القديمة ! ويضحون لها كالذبائح التي كانت تقدم في المعابد على نطاق واسع!.ا.هـ.


أقول : فـ«محمد حسان» في ميزان سيد قطب كمن يقول :«الله ثم اللات والعزى»! فهو داعية وثنية في تصور سيد قطب ومن يقلده!


وهنا تلبيس شيطاني ، يلبس به على بعضهم ، وهو أنه يجد لبلده الذي يسكنه بعض الفضائل ، فيتعصب لهذا البلد تعصباً غير شرعي ، ويعلل ذلك بما ورد لبلده من الفضائل.


وهذا يقال له: أن الأمر إذا كان كذلك فينبغي أن تحب كل بلدٍ وردت له الفضائل، وكل قبيلة وتتعصب له أو لها.


فإن كنت شامياً ، فاعلم أن لمكة والمدينة واليمن أيضاً فضائل كثيرة، وإن كنت أنصارياً تحتح بفضائل قومك ، فاعلم أن لقريش فضائل كثيرة، وعليه فعليك أن تخص القرشي بمزيد موالاة ، إن لم يمنع من ذلك مانع «كابتداع أو فسق» وإن كان أعجمياً.


قال شيخ الاسلام في منهاج السنة «4/300» : ولا ريب أنه لآل محمد -صلى الله عليه وسلم - حقا على الأمة لا يشركهم فيه غيرهم ويستحقون من زيادة المحبة والموالاة مالا يستحقه سائر بطون قريش كما أن قريشا يستحقون من المحبة والمالاة مالا يستحقه غير قريش من القبائل كما أن جنس العرب يستحق من المحبة والموالاة مالا يستحقه سائر أجناس بني ادم وهذا على مذهب الجمهور الذين يرون فضل العرب على غيرهم وفضل قريش على سائر العرب وفضل بني هاشم على سائر قريش وهذا هو المنصوص عن الأئمة كأحمد وغيره.ا.هـ.


ثم إن ما ورد لبعض البلدان من الفضائل لا ينبغي أن يستدل به على فضل بعض ساكنيها ، إذا ورد منهم ما يخالف الشرع ، فإن مخالفتهم للشرع اختيارية ، وانتسابهم إلى بلدٍ ما في عامة أحواله لم يقع اختياراً ، من هذا تعلم سفه بعض يأتي بفضائل الشام مثلاً ، وينزلها على بعض أهل الإحداث من أهل هذا البلد!


والأرض المقدسة لا تقدس أحداً كما روي عن سلمان « ولا يصح لانقطاعه وهو عند مالك في الموطأ » ، فلا ينفعه كونه شامياً ، أو يمانياً إذا أحدث في دين عز وجل ، كما لا تنفع القرشي قرشيته إذا أحدث مع كل ما لقريش من الفضائل.


وأخيراً أقول : كل ما قاله أهل العلم في نقد الدعوة إلى القومية العربية ، ينبغي أن ينزل من باب على الدعوة إلى الوطنية ، فإن جنس العرب أفضل من جنس غيرهم باتفاق أهل السنة «نقله شيخ الاسلام في الاقتضاء (1/148)» ، ومع ذلك ذم العلماء الدعوة إلى القومية العربية، والدعوة إلى الوطنية أضيق وأبعد عن الشبهة.

وقد كان حمد العثمان قد أقام مؤتمراً بعنوان ( حب الكويت من الإيمان ) مخالفاً طريقة شيخه ابن عثيمين الذي يرى الخبر منكراً

وحمد العثمان من أوسع الناس علماً في الكويت على مروءة بينة فيه ظهرت في موقفه من قصف التحالف للعراق وسوريا ولكنه له أحوال غريبة أيضاً

وقد قلت في مقال لي : (فينتشر بين الناس أثر ينسبونه إلى المحدث الملهم عمر بن الخطاب وهو قوله ( لولا حب الوطن لخرب بلد السوء )


وهذا أثر لا أصل له عن عمر بن الخطاب وإنما ذكره صاحب تفسير حقي وهو متأخر جداً بلا إسناد


والأثر الذي لا أصل لا يكفي فيه (روي ) فإن ذلك يوهم أنه ضعيف فقط


وكذا يقرن بهذا الأثر أثر لا أصل له آخر


قال ابن الزبير: ليس الناس في شىء من أقسامهم، أقنع منهم بأوطانهم


وهذا لا أصل له وإنما ذكره المسعودي في مروج الذهب بلا إسناد وهو رافضي


ومعنى المتن ليس على إطلاقه فإن أهل الفجور يخربون بلدانهم بمعاصيهم وشركهم وإن كانوا يحبونها


قال الله تعالى : (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ)


فهؤلاء أضروا ببلدهم وإن كانوا يحبونها


قال الله تعالى : (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)


والبلد التي تصنف عالمياً في استهلاك الخمور بلد سوء ، والبلد التي يفشو فيها الزنا المنظم باسم السياحة بلد سوء


فكيف إذا كانت زيادة على ذلك تختضن المشركين من دعاة عبادة القبور وتقام الموالد فيها للنبي صلى الله عليه وسلم ولرئيس الدولة السابق !


لا يصف هذه البلد بالمباركة إلا من لم يراقب الله عز وجل فيما يقول


وحب الوطن غريزة وفطرة لا تحمد ولا تذم ولكن إن ترتب مفاسد ذمت هذه المفاسد كرفض بعضهم للهجرة الواجبة عليه حباً للوطن ، وكمحبة الفاسق المواطن أو حتى الكافر المواطن أكثر من الموحد غير المواطن فهذه حزبية بغيضة والولاية بدعة والبراءة بدعة كما قال السلف


وكنت قد تكلمت على هذه المسألة بإسهاب في مقالي ( نقد الدعوة إلى الوطنية ) ومقال ( خطورة عبارة أعيش لله والجزائر ) ومقال ( نقد عبارة الله الوطن الأمير )


ومن حارب الحزبية وسكت عن الوطنية فجهاده منقوص ونظرته عوراء ومشيته عرجاء


قال ابن عثيمين في شرح البيقونية :" ومثله "حب الوطن من الإيمان" وهو مشهور عند العامة على أنه حديث صحيح، وهو حديث موضوع مكذوب، بل المعنى أيضاً غير صحيح بل حب الوطن من التعصب"


وليس كلامه على إطلاقه وإنما يريد الوطنية المعاصرة التي نشأ عنها مفاسد كبيرة


قال ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى (10/122) :" وهكذا إذا اوذى المؤمن على إيمانه وطلب منه الكفر أو الفسوق أو العصيان وإن لم يفعل أوذى وعوقب فاختار الأذى والعقوبة على فراق دنيه اما الحبس واما الخروج من بلده كما جرى للمهاجرين حيث اختاروا فراق الأوطان على فراق الدين وكانوا يعذبون ويؤذون"


وقال شيخ الإسلام كما في قاعدة في المحبة :" ولهذا تجدهم كثيرا ما يجتمعون علي سماع الشعر والأصوات التي تهيج الحب المشترك الذي يجتمع فيه محب الرحمن ومحب الأوثان ومحب الصلبان ومحب الأخوان ومحب الأوطان ومحب المردان ومحب النسوان وهذا السماع هو سماع المشركين كما قال تعالي وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية "


وفي هذا عبرة لمن اتخذ الأناشيد الوطنية حرفة وجعلها جنباً إلى جنب مع ما يسمونه بالأناشيد الدينية


ولم يكن السلف يكثرون الكلام حول ( حب الوطن ) كإكثار أهل عصرنا فإنها مسألة فطرية كما أنك لا تحتاج إلى التنبيه إلى حب الوالدين وإنما تحتاج إلى بيان البر ووجوهه ومن أحب الله ورسوله كما ينبغي وفق لكل خير


وإنني لأعجب ممن يتنزه عن ذكر الأخبار الضعيفة ضعفاً محتملاً ولو ذكرها أهل العلم العارفون بالأسانيد ، وحتى وصل الأمر ببعضهم بالتنفير من كتب العقيدة المسندة بحجة أنك لا تعلم صحة كل ما فيها ، ثم هم يتداولون مثل هذه الآثار والله المستعان  )

الخطأ السادس : إقرار بدعة السلمية

الحاكم إما أن يكون مسلماً فهذا لا يجوز التشويش عليه وفتح باب الفتن بأمور مأخوذة من الغرب ومفاسدها تطغى على مصالحها

وإما أن يكون كافراً فلا يجوز تمكينه من رقاب المسلمين بأن يخرجوا عزلاً أمام بطش أسلحته

وهذه المسيرات انتكاسة حقيقية لكثير من الدعاة لأنها جمعتهم مع العلمانيين تحت مقاصد دنيوية وشعارات ديمقراطية فلو كانت السلمية تجوز فهذه السلميات لا تجوز

قال مسلم في صحيحه 1409- [238-648] حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ (ح) قَالَ : وَحَدَّثَنِي أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ ، وَأَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيُّ ، قَالاَ : حَدَّثَنَا حَمَّادٌ ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الصَّامِتِ ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ ، قَالَ : قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ : كَيْفَ أَنْتَ إِذَا كَانَتْ عَلَيْكَ أُمَرَاءُ يُؤَخِّرُونَ الصَّلاَةَ عَنْ وَقْتِهَا ؟ ، أَوْ ، يُمِيتُونَ الصَّلاَةَ عَنْ وَقْتِهَا ؟ قَالَ : قُلْتُ : فَمَا تَأْمُرُنِي ؟ قَالَ : صَلِّ الصَّلاَةَ لِوَقْتِهَا ، فَإِنْ أَدْرَكْتَهَا مَعَهُمْ ، فَصَلِّ ، فَإِنَّهَا لَكَ نَافِلَةٌ.

وَلَمْ يَذْكُرْ خَلَفٌ : عَنْ وَقْتِهَا.


قال النووي في شرح صحيح مسلم (2/443): "وَفِيهِ : الْحَثّ عَلَى مُوَافَقَة الْأُمَرَاء فِي غَيْر مَعْصِيَة لِئَلَّا تَتَفَرَّق الْكَلِمَة وَتَقَع الْفِتْنَة ، وَلِهَذَا قَالَ فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى : ((إِنَّ خَلِيلِي أَوْصَانِي أَنْ أَسْمَع وَأُطِيع وَإِنْ كَانَ عَبْدًا مُجَدَّع الْأَطْرَاف))".


فأمر بالصلاة خلف الأئمة الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها ، حفاظاً على وحدة الكلمة ، ولا شك أن ترك الصلاة خلف الأئمة يعتبر وسيلة اعتراض سلمية عند القوم !

 ومع ذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم بضدها من صلاتها معهم بمجرد إدراكها فإن فاتت لنوم أو بعد طريق فلا تثريب ، ولا شك أن التأليب على الولاة بذكر وسائهم والخروج فيما يسمى بمظاهرات سلمية أشد في تفريق الكلمة من ترك الصلاة خلفهم ، بل لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بإظهار جماعة أخرى تصلي في الوقت مع إمكانية ذلك ولم يفعل ذلك الصحابة رضي الله عنهم لما أدركوا هذا الأمر لأن ذلك يؤدي إلى شق الصف وتفريق الكلمة فتأمل هذا.


وبظاهر هذا الحديث أفتى الإمام أحمد كما في مسائل إسحاق الكوسج :" [133-] قلت: (لأحمد): إذا أخروا الصلاة فصلى رجل في بيته، ثم أدرك الصلاة معهم؟

قال: إذا صلوا في غير وقت صلى في بيته، ثم أتاهم، ولم يزعم أن تأخير الأمراء لها كان تأخيراً عن وقتها الفاضل ففي هذه الحال تصلى خلف الأئمة دون تكرار ، وتكون مصلحة متابعتهم راجحة على مصلحة صلاتها في وقتها ، ولهذا احتج شيخ الإسلام بهذا الخبر على من ان أخر الصلاة عن وقتها لا يكفر ( انظر الفتاوى (7/ 579).


وقال البربهاري في شرح السنة :" [118] ومن ترك [صلاة الجمعة] والجماعة في المسجد من غير عذر فهو مبتدع، والعذر كمرض لا طاقة له بالخروج إلى المسجد، أو خوف من سلطان ظالم، وما سوى ذلك فلا عذر له".


فقال (مبتدع) ولم يقل عاص لأنه يتكلم عن الخوارج يتدينون بهذا الأمر ، إظهاراً لشق العصا والمنازعة لولي الأمر.


وقال ابن بطال في شرح صحيح البخاري (9/ 75): "وقال المهلب: استدلال البخارى صحيح أن الجهاد ماض مع البر والفاجر إلى يوم القيامة. من أجل أنه أبقى - صلى الله عليه وسلم - الخير فى نواصى الخيل إلى يوم القيامة. وقد علم أن من أئمته أئمة جور لا يعدلون، ويستأثرون بالمغانم، فأوجب هذا الحديث الغزو معهم، ويقوى هذا المعنى أمره بالصلاة وراء كل بر وفاجر من السلاطين، وأمره بالسمع والطاعة ولو كان عبدًا حبشيا".


والنصوص في هذا كثيرة والأبحاث معروفة ولكنني أردت التنبيه إلى هذا المعنى المستفاد من هذا الحديث لقلة من نبه عليه.


ومن الإنكار السلمي الذي هو جهاد ومشروع باتفاق الأئمة هو كلمة الحق عند السطان الجائر وقد ذكر المروذي في كتاب أخبار الشيوخ وأخلاقهم طرفاً من أخبار السلف وشجاعتهم العظيمة في هذا الباب


 قال المروذي في كتابه المذكور سَمِعْتُ عَبَّاسًا الْعَنْبَرِيَّ، يَقُولُ : سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّزَّاقِ، يَقُولُ : سَمِعْتُ الثَّوْرِيَّ، يَقُولُ : دَخَلْتُ عَلَى ابْنِ أَبِي جَعْفَرٍ وَلَمْ أُسَلِّمْ عَلَيْهِ بِالإِمْرَةِ، قَالَ : قُلْتُ : السَّلامُ عَلَيْكُمْ، قُلْتُ : فَتَبَسَّمَ، وَقَالَ : ارْفَعْ حَاجَتَكَ، قَالَ : قُلْتُ : مَلأْتَ الأَرْضَ ظُلْمًا وَجَوْرًا، فَاتَّقِ اللَّهَ، وَلْيَكُنْ مِنْكَ فِي ذَلِكَ عِبَرٌ.قَالَ : كَيْفَ أَصْنَعُ؟ قَالَ : قُلْتُ : تَقْعُدُ فِي بَيْتِكَ وَتُوَلِّيهَا غَيْرُكَ، قَالَ : لا أَسْتَطِيعُ، وَقَالَ : ارْفَعْ حَاجَتَكَ، قَالَ : قُلْتُ أَبْنَاءُ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ عَلَى بَابِكَ ، قَدْ حُبِسُوا لِمَظَالِمِهِمْ فَاتَّقِ اللَّهَ، وَانْظُرْ فِي أُمُورِهِمْ، قَالَ : ثُمَّ قَعَدْتُ وَظَنَنْتُ أَنَّهُ لا يَكْرَهُ أَنْ أَقُومَ، قَالَ : ثُمَّ قُمْتُ، فَاتَّبَعَنِي أَبُو عُبَيْدِ اللَّهِ، فَقَالَ : ارْفَعْ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ حَاجَتَكَ، قُلْتُ : مَا لِي إِلَيْهِ حَاجَةٌ، قَدْ أَخْبَرْتُهُ بِحَاجَتِي.

الخطأ السابع : مدح بني الدنيا في حربهم لبعض أهل البدع

وهذا وقع من جماعة لا يحصون في مدحهم لبعض الحكومات في حربهم للإخوان المسلمين ، غير أننا نجد هذه الحكومات نفسها قد مكنت للصوفية والنصارى والعلمانيين مما يدل على أن هذا الإنكار على الإخوان ليس من باب التدين بل من باب مصلحة الدنيا

وقد كان الحجاج قد حارب الكثير من الخوارج فما رأينا أحداً من السلف مدحه بهذا

الخطأ الثامن : دعوى وجود خلاف في مسألة الخروج على أئمة الجور من أهل الإسلام تحججاً بأبي حنيفة !

وهذه طريقة الددو والشنقيطي وعدد من المصريين المتلاعبين الذين حاولوا شرعنة ثورتهم الديمقراطية ثورة 25 يناير والتي آلت إلى فساد عظيم وضياع في الأنفس والأموال والأولاد

وقد قلت في الرد على ممدوح جابر :" فقد كتب رجل مصري اسمه ممدوح جابر وقدم له محمد عبد المقصود عن الثورة المشئومة المعنونة بثورة 25 يناير ، والتي خبثت وسيلة ومقصداً فأما وسيلة فتلك السلمية التي يسفك فيها الدماء وتنتهك فيها الأعراض ويصرون على سلميتهم ! ، وأما الغاية فشعارات الديمقراطية التي كانت تجلجل في الأفق


وقد خرج فيها مشايخ السوء ولحى العمى العقدي


ثم اجتهدوا في تبرير هذه الثورة شرعياً وكان من أكثرهم اجتهادهم في هذا أحمد أبو العينين الذي أضله على علم وكان يتكلم عن ثورة مصر وكانت ما خرجت إلا لهدم الأوثان وتحكيم الشرع وإزالة المنكرات والواقع أن الاختلاط الذي كان يقع في الميادين لا يقره إلا ديوث


وممدوج جابر هذا أتى بعجيبة العجائب وصار يزعم أن مذهب جمهور السلف جواز الخروج على الحاكم الجائر


وتستر بأبي حنيفة إمام أهل الرأي


وها هي مغبة تمجيد أهل البدع فتحت لهذا وغيره باب التلبيس على المسلمين


فرحم الله من قال ( من وقر صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام )


وقد رد عليه محمد بن كمال الأسيوطي وفات الأسيوطي أمراً هاماً وهو أن السلف أنكروا على أبي حنيفة قوله بالسيف وجعلوها من أعظم المنكرات التي أتى بها، وقد أشار إلى ذلك إشارة ضعيفة ولكنهى للأسف حاول تبرئة أبي حنيفة بقوة راداً على السلف خبرهم وجرحهم


قال عبد الله في السنة 233 - حَدَّثَنِي أَبُو الْفَضْلِ الْخُرَاسَانِيُّ، حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ شَمَّاسِ السَّمَرْقَنْدِيُّ، قَالَ قَالَ رَجُلٌ لِابْنِ الْمُبَارَكِ وَنَحْنُ عِنْدَهُ «إِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ كَانَ مُرْجِئًا يَرَى السَّيْفَ»، فَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ ذَلِكَ ابْنُ الْمُبَارَكِ


وقال أيضاً 234 - حَدَّثَنِي أَبُو الْفَضْلِ الْخُرَاسَانِيُّ، ثنا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى الْأَشْيَبُ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا يُوسُفَ، يَقُولُ: «كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ يَرَى السَّيْفَ» قُلْتُ: فَأَنْتَ؟ قَالَ: «مَعَاذَ اللَّهِ»


وقال أيضاً 242 - حَدَّثَنِي عَبْدَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ، مِنْ أَهْلِ مَرْوَ قَالَ دَخَلْنَا عَلَى عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رِزْمَةَ نَعُودُهُ أَنَا وَأَحْمَدُ بْنُ شَبُّوَيْهِ وَعَلِيُّ بْنُ يُونُسَ فَقَالَ لِي عَبْدُ الْعَزِيزِ: يَا أَبَا سَعِيدٍ، عِنْدِي سِرٌّ كُنْتُ أَطْوِيهِ عَنْكُمْ فَأُخْبِرُكُمْ، وَأَخْرَجَ بِيَدِهِ عَنْ فِرَاشِهِ فَقَالَ سَمِعْتُ ابْنَ الْمُبَارَكِ يَقُولُ: سَمِعْتُ الْأَوْزَاعِيَّ يَقُولُ: «احْتَمَلْنَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ كَذَا وَعَقَدَ بِأُصْبُعِهِ، وَاحْتَمَلْنَا عَنْهُ كَذَا وَعَقَدَ بِأُصْبُعِهِ الثَّانِيَةِ، وَاحْتَمَلْنَا عَنْهُ كَذَا وَعَقَدَ بِأُصْبُعِهِ الثَّالِثَةِ الْعُيُوبَ حَتَّى جَاءَ السَّيْفُ عَلَى أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا جَاءَ السَّيْفُ عَلَى أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ نَقْدِرْ أَنْ نَحْتِمَلَهُ»


وقال أيضاً 250 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ شَبُّوَيْهِ، قَالَ: أَبِي يَقُولُ سَمِعْتُ عَبْدَ الْعَزِيزِ بْنَ أَبِي رِزْمَةَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْمُبَارَكِ، يَقُولُ: قُلْتُ لِلْأَوْزَاعِيِّ عِنْدَ الْوَدَاعِ أَوْصِنِي فَقَالَ: " كَانَ مِنْ رَأْيِي أَنْ أَفْعَلَهُ وَلَوْ لَمْ تَقُلْ إِنَّكَ أَطْرَيْتَ عِنْدِي رَجُلًا كَانَ يَرَى السَّيْفَ عَلَى الْأُمَّةِ فَقُلْتُ: أَفَلَا نَصَحْتَنِي قَالَ: كَانَ مِنْ رَأْيِي أَنْ أَفْعَلَهُ "


وقال أيضاً 322 - حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ، ثنا أَبُو تَوْبَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْفَزَارِيِّ، قَالَ " حَدَّثْتُ أَبَا حَنِيفَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَدِيثٍ فِي رَدِّ السَّيْفِ فَقَالَ: هَذَا حَدِيثُ خُرَافَةٍ "


وقال أيضاً 322 - حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ، ثنا أَبُو تَوْبَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْفَزَارِيِّ، قَالَ " حَدَّثْتُ أَبَا حَنِيفَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَدِيثٍ فِي رَدِّ السَّيْفِ فَقَالَ: هَذَا حَدِيثُ خُرَافَةٍ "


وهذه كلها أخبار صحيحة والعجب ممن يترك هذا كله ثم يتشبث بالطحاوي الذي لم يدرك أبا حنيفة !


وقال عبد الله أيضاً 363 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، ثنا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْفَزَارِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ، وَالْأَوْزَاعِيَّ، يَقُولَانِ: «إِنَّ قَوْلَ الْمُرْجِئَةِ يَخْرُجُ إِلَى السَّيْفِ»


وقال ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل  نا محمد بن أحمد بن أبي عون النسائي نا أحمد بن حكيم أبو عبد الرحمن المروزي نا أحمد بن سليمان نا الأصمعي عبد الملك بن قريب قال كنت عند هارون أمير المؤمنين وأبو يوسف بجنبه إذ دخل عليه أبو إسحاق الفزاري فأقيم من بعيد قال فنظر إليه هارون فقال إنا لله وإنا إليه راجعون وقع الشيخ موقع سوء، قال وإذا الرجل عزيم صريم قال فقال له هارون: أنت الذي تحرم لبس السواد؟ قال فقال (137 م) معاذ الله يا أمير المؤمنين أنا من أهل بيت سنة وجماعة ولقد خرجت مرة في بعض هذه الثغور وخرج أخي مع إبراهيم إلى البصرة فقال لي أستاذ هذا: لمخرج أخيك مع إبراهيم أحب إلي من مخرجك.

وهو يرى السيف فيكم، فلعل هذا الجالس بجنبك أخبرك بهذا، على هذا وعلى أستاذه لعنة الله وغضبه.


وأستاذ أبي يوسف الذي لعنه الفزاري الإمام هو أبو حنيفة


وجاء في مسائل ابن أبي شيبة عن شيوخه 82- وسمعت ابي يقول سالت ابا نعيم يا ابا نعيم من هؤلاء الذين تركتهم من اهل الكوفة كانو يرون السيف والخروج على السلطان فقال على رأسهم ابو حنيفة


وقال الخطيب في تاريخ بغداد أَخْبَرَنَا الحسن بن أبي بكر، قَالَ: أَخْبَرَنَا إبراهيم بن مُحَمَّد بن يحيى المزكي النيسابوري، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن المسيب، قال: سمعت عبد الله بن خبيق، قال: سمعت الهيثم بن جميل، يقول: سمعت أبا عوانة، يقول: كان أَبُو حنيفة مرجئا يرى السيف، فقيل له: فحماد بن أبي سليمان؟ قال: كان أستاذه في ذلك


بل أنكروا أمر السيف على رجل أجل من أبي حنيفة وهو الحسن بن صالح بن حيي


قال العقيلي في الضعفاء  حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ خَلَفٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: ذُكِرَ الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ عِنْدَ الثَّوْرِيِّ فَقَالَ: ذَاكَ رَجُلٌ يَرَى السَّيْفَ عَلَى أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.


ولو كان القول بالسيف هيناً أو مسألة خلافية لما جعلت جرحاً


ولما أنكر الناس حديثاً على نافع فجاء بعض الناس ورواه من طريق زيد بن أسلم


قَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: لَوْ كَانَ هَذَا عِنْدَ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ لَمَا أُولِعَ  النَّاسُ بِنَافِعٍ. وَهَذَا تَعْلِيلٌ مِنْهُ لِهَذَا الْحَدِيثِ.


وأقول على هذا السمت لو كان القول بالسيف قولاً لجماعة من كبار أئمة السلف لما أولع الناس بأبي حنيفة والحسن بن صالح


ونقول لممدوح جابر وشيخه الذي أقر بناء كنيسة :" نبدعك كما بدعوهم "


والخروج على الحاكم على أضرب


الخروج على الحاكم المسلم الفاسق فهذا لا يجوز بحال حتى تروا كفراً بواحاً


الخروج على الحاكم الكافر بدون قدرة وهذا إلقاء للنفس في التهلكة


وقولنا ( القدرة ) ليس معناه أن نخوض حرباً لا يموت فيها أحد فهذا لا كان ولا سيكون


والخروج على الحاكم الكافر طلباً للدنيا فهذا لا يجوز إذ لا يسفك المسلم دمه إلا في خير ولكن من أظهر السنة وتغيير المنكرات ولم يظهر طلباً للدنيا لا يجوز الطعن في نيته دون قرائن


والخروج على الحاكم الكافر إنكاراً لكفره ولنشر الكفر بين المسلمين وإعلاءً لكلمة الله مع وجود القدرة فهذا من الجهاد في سبيل الله


وبهذا يأتلف كلام السلف ولا يختلف فشيء يحمل عليه إنكار الحسن على من خرج على الحجاج وشيء يحمل عليه إنكار أحمد على من أراد الخروج على الواثق وشيء يحمل عليه إقرار بعضهم لبعض هذا


وأما الخروج العصري في ثورات الديمقراطية فهذا لا يجيزه أحد يعتد به"

والحجاج كفره جمع غفير من السلف لقوله بتحريف القرآن وأن ابن مسعود منافق وغيرها من البلايا فالذين خرجوا عليه ما كانوا خوارج

الخطأ التاسع : حصر اسم الخوارج في الذين يكفرون بالذنوب وإنكار وجود مرجئة في أمر السلطان بحجة أن المرجئة يرون السيف

أما حصر الخوارج في الذين يكفرون بالذنوب فهذا تقدم الكلام عليه عند التفريق بين البغاة والخوارج

وأما وجود مرجئة في الباب السلطان ولا يرون السيف فهذا ذكره ابن تيمية

قال شيخ الإسلام كما مجموع الفتاوى (28/508) :"  وهذه طريقة خيار هذه الأمة قديما وحديثا وهى واجبة على كل مكلف وهى متوسطة بين طريق الحرورية وأمثالهم ممن يسلك مسلك الورع الفاسد الناشىء عن قلة العلم وبين طريقة المرجئة وأمثالهم ممن يسلك مسلك طاعة الأمراء مطلقا وإن لم يكونوا أبرارا"


وهو يعني هنا من يطيعهم حتى في المعصية 

وقد قال ابن معين في بعض الرواة ( كان مرجئاً مع السلطان )

الخطأ العاشر : الدعاء للولاة بطول العمر وأن يحفظه الله وإن كان يحكم بالقانون الوضعي والتصريح بمحبتهم ووضع صورهم !


قال البربهاري في شرح السنة [127] وإذا رأيت الرجل يدعو على السلطان فاعلم أنه صاحب هوى، وإذا رأيت الرجل يدعو للسلطان بالصلاح فاعلم أنه صاحب سنة إن شاء الله.

لقول فضيل: لو كانت لي دعوة ما جعلتها الا في السلطان.

أنا أحمد بن كامل قال: نا الحسين بن محمد الطبري، نا مردويه الصائغ، قال:: سمعت فضيلا يقول: لو أن لي دعوة مستجابة ما جعلتها إلا في السلطان.

قيل له: يا أبا علي فسر لنا هذا.

قال: إذا جعلتها في نفسي لم تعدني، وإذا جعلتها في السلطان صلح، فصلح بصلاحه العباد والبلاد.

فأمرنا أن ندعو لهم [بالصلاح] ، ولم نؤمر أن ندعو عليهم وإن ظلموا، وإن جاروا؛ لأن ظلمهم وجورهم على أنفسهم، وصلاحهم لأنفسهم وللمسلمين.


وأحسن أبو سماعيل الصابوني في كتابه عقيدة السلف أصحاب الحديث [ ص ( 92 ) ] حيث قال : ( ويرون جهاد الكفرة معهم وإن كانوا جَوَرة فَجَرة ، ويرون الدعاء لهم بالإصلاح والتوفيق والصلاح وبسط العدل في الرعية )


فالدعاء لهم يكون بما فيه صلاح لهم وللرعية لا أن يدعى لهم بما لا يعلم أنه الأصلح كقول بعضهم ( أدام الله بقاءه ) فإن الدعوة بطول البقاء مكروهة عند كثير من أهل العلم إلا مع التقييد بالبقاء على الطاعة

 فإنه لو كان فاسقاً ظالماً فإن بقاءه فيه ازياد له من الشر ، وقد يكون من بعده خيرٌ منه فيكون مثل هذا الدعاء دعاء بتأخير الفرج عن المسلمين


وإنما يدعى بالأدعية الطيبة التي لا تحتمل إلا حقاً كقولنا ( جعله الله من نصرة الدين ) أو ( وفقه الله لما فيه طاعته ورضاه ) أو ( حماه الله من كيد أهل الشرك والبدع والفتن ) أو ( اللهم هيء له البطانة الصالحة التي تحثه على الخير )


وأما قول بعض الناس ( حفظه الله ) فهذا إن أريد به حفظه مما يضره من المعاصي والبدع والكفر فهذا حسن جداً

وقد يراد به ما يريده الداعي بقوله ( أطال الله بقاءه ) ، وهذا ما يريده الناس اليوم


وقد يكون الرجل صالحاً غير أنه في طول البقاء له فتنة لذا كان من الأدب النبوي أن يكون دعاء المرء ( اللهم أحييني ما علمت الحياة خيراً لي وتوفني ما علمت الوفاة خيراً لي )

ويخشى على من يدافع عن بعض صور الظلم أو الحكم بغير ما أنزل الله أن يكون داخلاً فيما روى ابن أبي عاصم في السنة 759: حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ ، حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ أَسْلَمَ الْعَدَوِيُّ ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلالٍ عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ عَنْ حُذَيْفَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ سَيَكُونُ بَعْدِي أُمَرَاءٌ يَكْذِبُونَ وَيَظْلِمُونَ فَمَنْ صَدَّقَهُمْ بِكَذِبِهِمْ وَمَنْ أَعَانَهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ فَلَيْسَ مِنِّي وَلَسْتُ مِنْهُ وَلا يَرِدُ عَلَيَّ الْحَوْضَ وَمَنْ لَمْ يُصَدِّقْهُمْ وَلَمْ يُعِنْهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ فَهُوَ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ وَيَرِدُ عَلَيَّ الْحَوْضَ


وبالمقابل يحسن الثناء عليهم فيما وافقوا فيه الشريعة وتشجيعهم كما كان الإمام أحمد يثني على مواظبة بني العباس على الصلاة في وقتها ، ويثني على إقامة الحدود

بل الحاكم الجائر غير العلماني بغضه واجب فكيف بالعلماني


قال ابن أبي عاصم في السنة 1015: حَدَّثَنَا هدية بن عبد الوهاب حَدَّثنا الفضل بن موسى حدثنا حسين ابن واقد عن قيس بن وهب عن أنس بن مالك قال نهانا كبراؤنا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تسبوا أمراءكم ولا تغشوهم ولا تبغضوهم واتقوا الله واصبروا فإن الأمر قريب


ولفظة ( ولا تبغضوهم ) تصحيف والصواب ( لا تعصوهم )


قال البيهقي في الشعب 7523 : أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو الحسن محمد بن عبد الله بن موسى السني بمرو أنا أبو الموجه محمد بن عمرو أنا عبدان بن عثمان عن أبي حمزة عن قيس بن وهب الهمداني عن أنس بن مالك قال : نهانا كبراؤنا من أصحاب محمد صلى الله عليه و سلم قال : لا تسبوا أمراءكم و لا تغشوهم و لا تعصوهم و اتقوا الله و اصبروا فإن الأمر إلى قريب


وقال قوام السنة في الترغيب والترهيب 2089: أخبرنا أبو عمرو، أنا والدي، أنا أبو عمرو: محمد بن أحمد بن عبد الرحمن الأشناني بسرخس، حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن مزيد السرخسي، حدثنا علي بن الحسن بن شقيق، حدثنا الحسين بن واقد، عن الأعمش، عن زيد بن وهب، عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال:

((نهانا كُبَرَاؤُنا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن لا تسبوا أمراءكم، ولا تغشوهم، ولا تعصوهم، واصبروا، واتقوا الله -عز وجل- فإن الأمر قريب)) .

وجعلها أبو نعيم ( لا تعيبوهم )



قال أبو نعيم في أخبار أصبهان 774 : حدث إسماعيل بن عباد ، ثنا أحمد بن محمد بن الحسين بن معاوية الرازي ، ثنا أحمد بن منصور زاج ، ثنا علي بن الحسن بن شقيق ، ثنا الحسين بن واقد ، أنا قيس بن وهب ، عن أنس بن مالك ، رضي الله عنه قال :

 نهانا كبراؤنا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا تسبوا أمراءكم ، ولا تعيبوهم ، واتقوا الله واصبروا ، فإن الأمر قريب

 رواه غيلان ، عن قيس الهمداني ، عن عبد الله بن موهب ، عن أنس بن مالك ، مثله .

 حدثناه محمد بن عبد الله ، ثنا الحضرمي ، ثنا ابن نمير ، ثنا يحيى بن يعلى ، ثنا أبي ، ثنا غيلان ، عن قيس ، حدثني عبد الله بن موهب ، أنه سمع أنس بن مالك ، يقول مثله


وإلا فولي الأمر ينطبق عليه ما ينطبق على كل مسلم في أبواب المحبة والبغض واعتبر ذلك بما إذا كان مبتدعاً

فإن هذا السني يبغضه ولا شك ومع ذلك لا يدعو للخروج عليه بل يدعو للسمع والطاعة في المنشط والمكره

ولا تظنن أن من نهوا عن الخروج على الحجاج والواثق كانوا يحبونهم

وهذا كله على التسليم بإسلام الحاكم

وأما عن وضع صورهم


قال ابن أبي الدنيا في كتاب العلم ( 73 ) حدثنا القاسم بن هاشم قال حدثني عمر بن حفص العسقلاني قال حدثني إبراهيم بن أدهم قال حدثنا أبو عيسى المرزوي قال سمعت سعيد بن المسيب في خلافة عبد الملك بن مروان يقول :

 لا تملاوا أعينكم من أئمة الجور وأعوانهم إلا بالانكار من قلوبكم لكي لا تحبط أعمالكم الصالحة .


( 74 ) حدثني محمد بن عباد بن موسى قال حدثنا كثير بن هشام قال :

 كان سفيان الثوري قاعد بالبصرة فقيل له هذا مساور بن سوار يمر وكان على شرطة محمد بن سليمان فوثب فدخل داره وقال أكره أن أرى من يعصي الله ولا أستطيع أن أغير عليه .


( 75 ) حدثني علي بن الحسن قال قال فضيل بن عياض :

 لا تنظروا إلى مراكبهم فإن النظر إليها يطفئ نور الانكار عليهم.


( 76 ) حدثنا يوسف بن موسى قال حدثنا الحسن بن الربيع عن يحيى بن يمان قال :

 كنت مع سفيان الثوري فرأى دارا فرفعت رأسي أنظر إليها فقال سفيان لا تنظر إليها فإنما بنيت لكي ينظر إليها مثلك


أقول : وأخبار سفيان صحيحة وقد قال الله تعالى : ( وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى)


ولكثرة النظر إلى المترفين والفساق من أهل الدنيا مفاسد


الأولى : أن المرء ربما سخط نعمة الله عليه ودخل في قلبه الحسد


قال مسلم في صحيحه 7540- [9-...] وحَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ (ح) وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ (ح) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، وَاللَّفْظُ لَهُ ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ ، وَوَكِيعٌ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : انْظُرُوا إِلَى مَنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ ، وَلاَ تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ ، فَهُوَ أَجْدَرُ أَنْ لاَ تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ.

قَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ ، عَلَيْكُمْ.


الثانية : دخول محبة أحوالهم في القلب وتمني مثلها وهذا يجعلك تشركهم في الإثم


قال أحمد في مسنده 18031 : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا عُبَادَةُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ خَبَّابٍ، عَنْ سَعِيدٍ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ الطَّائِيِّ، عَنْ أَبِي كَبْشَةَ الْأَنْمَارِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «ثَلَاثٌ أُقْسِمُ عَلَيْهِنَّ، وَأُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا فَاحْفَظُوهُ» ، قَالَ: " فَأَمَّا الثَّلَاثُ الَّتِي أُقْسِمُ عَلَيْهِنَّ: فَإِنَّهُ مَا نَقَّصَ مَالَ عَبْدٍ صَدَقَةٌ [ص:562]، وَلَا ظُلِمَ عَبْدٌ بِمَظْلَمَةٍ فَيَصْبِرُ عَلَيْهَا إِلَّا زَادَهُ اللَّهُ بِهَا عِزًّا، وَلَا يَفْتَحُ عَبْدٌ بَابَ مَسْأَلَةٍ إِلَّا فَتَحَ اللَّهُ لَهُ بَابَ فَقْرٍ، وَأَمَّا الَّذِي أُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا فَاحْفَظُوهُ "، فَإِنَّهُ قَالَ: " إِنَّمَا الدُّنْيَا لِأَرْبَعَةِ نَفَرٍ: عَبْدٌ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالًا وَعِلْمًا، فَهُوَ يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ، وَيَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ، وَيَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقَّهُ "، قَالَ: «فَهَذَا بِأَفْضَلِ الْمَنَازِلِ» قَالَ: «وَعَبْدٌ رَزَقَهُ اللَّهُ عِلْمًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ مَالًا؟» قَالَ: " فَهُوَ يَقُولُ: لَوْ كَانَ لِي مَالٌ عَمِلْتُ بِعَمَلِ فُلَانٍ " قَالَ: «فَأَجْرُهُمَا سَوَاءٌ» ، قَالَ: «وَعَبْدٌ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ عِلْمًا، فَهُوَ يَخْبِطُ فِي مَالِهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ، لَا يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ، وَلَا يَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ، وَلَا يَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقَّهُ، فَهَذَا بِأَخْبَثِ الْمَنَازِلِ» قَالَ: " وَعَبْدٌ لَمْ يَرْزُقْهُ اللَّهُ مَالًا، وَلَا عِلْمًا فَهُوَ يَقُولُ: لَوْ كَانَ لِي مَالٌ لَعَمِلْتُ بِعَمَلِ فُلَانٍ، قَالَ: هِيَ نِيَّتُهُ، فَوِزْرُهُمَا فِيهِ سَوَاءٌ "


وهذا الطاغي أو هذا الفاجر يستمتع بالدنيا وحسابه في الآخرة وأما أنت يا من تتمنى ما هو عليه فليس لك ملكه أو لك فجوره ثم إنك تشركه في الإثم فأي مغبون أنت


وليحذر الناس من تمني أحوال الفجار ، وقد ابتلي كثير من أبناء المسلمين بمتابعة الأفلام التي تصور الزنا وبعضهم أدمن ذلك ، وإذا تمنى هذه الحال فإنه يكون إثمه كإثم الزنا


بل إن مداومة النظر له أثر على النفس ربما كان أشد من الوقوع في الفاحشة


قال شيخ الإسلام في العبودية :" فإما من استعبد قلبه صورة محرمة امرأة أو صبي فهذا هو العذاب الذي لا ثوب فيه وهؤلاء من أقل الناس ثوابا وأعظمهم عذابا فإن العاشق لصورة إذا بقي متعلقا بها متعبدا بها اجتمع له من أنواع الشر والفساد ما لم يحصه إلا رب العباد ولو سلم من فعل الفاحشة الكبرى فداوم تعلق القلب بها بلا فعل الفاحشة أشد ضررا عليه ممن فعل ذنبا ثم يتوب منه ويزول أثره من قلبه وهؤلاء بالسكارى والمجانين كما قيل :

( سكران سكر هوى وسكر مدامة ومتى إفاقة من به سكران ) وقيل في آخر ( قالوا جننت بمن تهوى فقلت لهم ... العشق أعظم مما بالمجانين )"


وما أعظم غبنك يا أخي لا تقضي وطرك بالزنا ومع ذلك تأخذ إثمه


الثالثة : محبة هؤلاء والمرء مع من أحب


وهذا الحديث ( المرء مع من أحب ) من أعظم الوعد لمحب الصالحين ، ومن أعظم الوعيد لمحب الفجرة والمارقين


فضلاً عما ابتلي به كثير من أبناء المسلمين من محبة الكفار بفعل متابعة ما يسمى ب( الرياضة )


وعلى هذا المعنى يحمل قول بعض السلف ( النظر إلى الإمام العادل عبادة )


وذلك أن الإمام العادل من أولياء الله عز وجل والنظر إليه مفتاح للمحبة ، ومحبة الصالحين لصلاحهم عبادة بل من أعلى العبادات


وعليه يحمل قول بعض السلف ( النظر إلى المبتدع يحبط العمل ) وذلك أن النظر مفتاح المحبة .

 ومحبة المبتدع من قلة التقوى ومن قلة تعظيم الأمر والنهي في القلب فكيف تحب من يشرع مع الله عز وجل


واليوم الرائي ( التلفاز ) سبب لوقوع هذا البلاء من إدامة النظر إلى الفساق المجاهرين الأعلام على الفسق والمبتدعة


وهنا أنبه على أمر أخير ، وهو أن وضع صورة الشيخ في مواقع التواصل الاجتماعي ليس من هذا الباب ، بل هو أقرب إلى التشبه بالصوفية أصحاب ما يسمى بورد الرابطة وهو أن يغمض الصوفي عينيه ويتصور صورة الشيخ وهو يذكر الله ، والغلو في صور الصالحين كان مفتاح الشرك في الأمة وما قصة قوم نوح عن العاقل ببعيد

فكيف بوضع صور أئمة الجور والعلمانيين والمرء مع من أحب

الخطأ الحادي عشر : إنكار إمامة المتغلب

وهذا وقع فيه كثيرون وقد وقع فيه صالح اللحيدان في كلامه على القذافي فقال كلاماً ظاهره إنكار إمامة المتغلب ورد عليه محمد بن هادي المدخلي

قال ابن حجر في شرح البخاري :" قَالَ بن بَطَّالٍ فِي الْحَدِيثِ حُجَّةٌ فِي تَرْكِ الْخُرُوجِ عَلَى السُّلْطَانِ وَلَوْ جَارَ وَقَدْ أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى وُجُوبِ طَاعَةِ السُّلْطَانِ الْمُتَغَلِّبِ وَالْجِهَادِ مَعَهُ وَأَنَّ طَاعَتَهُ خَيْرٌ مِنَ الْخُرُوجِ عَلَيْهِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ حَقْنِ الدِّمَاءِ وَتَسْكِينِ الدَّهْمَاءِ وَحُجَّتُهُمْ هَذَا الْخَبَرُ وَغَيْرُهُ مِمَّا يُسَاعِدُهُ وَلَمْ يَسْتَثْنُوا مِنْ ذَلِكَ إِلَّا إِذَا وَقَعَ مِنَ السُّلْطَانِ الْكُفْرُ الصَّرِيحُ فَلَا تَجُوزُ طَاعَتُهُ فِي ذَلِكَ بَلْ تَجِبُ مُجَاهَدَتُهُ لِمَنْ قَدَرَ عَلَيْهَا كَمَا فِي الحَدِيث الَّذِي بعده الحَدِيث"

وللشيخ محمد بن عبد الوهاب كلاماً نحوه وهو قوي في دفع الكلام في حرمة تعدد البيعات الذي ذهب إليه الألباني ردحاً من الزمان ففي حال الاختيار توحد البيعة ولكن في حال الاضطرار تتعدد وتصح كما في زمن علي ومعاوية وكما في زمن المسلمين معظم مدة العباسيين

وللإمام أحمد كلام في إمامة المتغلب في أصول السنة

وإنني لأعجب ممن يصف الخلق بالخوارج لأدنى علة ثم ينكر إمامة المتغلب أو تعدد البيعات والتي حقيقتها تجويز الخروج على الحاكم الذي يحكم بالشريعة إذا كان متغلباً أو في حال تعدد بيعات لأن حكمه لم ينعقد وهذا أردأ من أقوال الخوارج

الخطأ الثاني عشر : التشغيب على خبر ( وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك ) حتى يصل الأمر إلى درجة السخرية وهذا كفر

ولا تصدق أن البحث بحث إسنادي فكم من حديث منكر فاش في الأمة لا يأبهون لبيانه وإنما هو بحث نفسي استنكار للمتن

فالجهمي حين يحدثك عن احتمال اللغة لئن يكون المراد باليد النعمة لا يقصد بحثاً لغوياً بل هو يرى استحالة أن يوصف الله عز وجل باليد

وحين يكلمك في بعض أخبار الصفات فبحثه ليس بريئاً بل لو ورد الخبر بسند صحيح لكرهه ولم يقل به

وهذا هو الحال في الأبحاث التي تذكر في حديث ( وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك ) فأنا أرى الإعلال قوياً ولكن المعنى ثابت في معاني أحاديث وآثار أخرى والتشغيب إنما هو لدواع ثورية

وهذا أمر معروف في المعاصرين تراه يحتج بالضعيف والواهي ثم إذا تعلق الأمر بخبر يحتج به خصمه تحول إلى إمام في العلل

ومن هذا هجوم الفنيسان والحدوشي على كتاب شرح السنة للبربهاري تقليداً لبعض الجهمية والسبب في ذلك ما في الكتاب من الكلام على السمع والطاعة فحسب وربما أغضب الحدوشي بعض نصوص التكفير

قال سلمان العودة في محاضرة له بعنوان ( الإنسان في القرآن ) :" إذاً من الخطأ الكبير أن أتكلم عن الحقوق على الإنسان، ولا أتكلم عن الحقوق التي للإنسان، فإن الإنسان -بمقتضى كونه إنساناً كرمه الله عز وجل- ينبغي أن يعرف ماذا عليه من الواجبات فيؤديها، وفي المقابل ينبغي أن يعرف ماذا له من الحقوق فيطالب بها في حالة تأخرها أو تخلفها، لأن المشكلة عندنا ليست مشكلة الإنسان بذاته كفرد، إنما المشكلة مشكلة أمة، عندما تتصور أن فرداً واحداً كما في الحديث الذي جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو حديث صحيح لما قال: { اسمع وأطع، وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك } هذا صحيح لا إشكال فيه، لكن لو تصورت أمة كاملة وتسلب حقوقها، تسلب كرامتها ومكانتها، تسلب ما أعطاها الله عز وجل إياه بنص الكتاب ونص السنة، فإن معنى ذلك أن هذه الأمة كلها قد فقدت معنى إنسانيتها، ومعنى كونها أمة كلفها الله عز وجل بواجبات وأشياء لا تستطيع أن تقوم بها، لأنها جُردت من إنسانيتها حين سلبت هذه الحقوق التي هي لها في أصل الشرع"انتهى


هنا سلمان العودة يحاول حمل حديث ( وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك ) على الحالة الفردية ، وأن الحديث لا ينطبق على الظلم العام ، وقد تابعه على هذا تلميذه الدكتور محمد العريفي


ويدفع هذا التحريف نصوص كثيرة


قال مسلم في صحيحه 4810- [49-1846] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ، قَالاَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ الْحَضْرَمِيِّ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : سَأَلَ سَلَمَةُ بْنُ يَزِيدَ الْجُعْفِيُّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : يَا نَبِيَّ اللهِ ، أَرَأَيْتَ إِنْ قَامَتْ عَلَيْنَا أُمَرَاءُ يَسْأَلُونَا حَقَّهُمْ وَيَمْنَعُونَا حَقَّنَا ، فَمَا تَأْمُرُنَا ؟ فَأَعْرَضَ عَنْهُ ، ثُمَّ سَأَلَهُ ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ ، ثُمَّ سَأَلَهُ فِي الثَّانِيَةِ ، أَوْ فِي الثَّالِثَةِ ، فَجَذَبَهُ الأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ ، وَقَالَ : اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا ، فَإِنَّمَا عَلَيْهِمْ مَا حُمِّلُوا ، وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ.

4811- [50-...] وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا شَبَابةُ ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ سِمَاكٍ ، بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَهُ.

وَقَالَ : فَجَذَبَهُ الأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا ، فَإِنَّمَا عَلَيْهِمْ مَا حُمِّلُوا وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ.


فقوله ( سْأَلُونَا حَقَّهُمْ وَيَمْنَعُونَا حَقَّنَا ، فَمَا تَأْمُرُنَا ؟ ) نصٌ في أنه ظلم عام لجميع الناس


قال البخاري في صحيحه 7055 : حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ عَنْ عَمْرٍو عَنْ بُكَيْرٍ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ جُنَادَةَ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ قَالَ:

 دَخَلْنَا عَلَى عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ وَهُوَ مَرِيضٌ قُلْنَا أَصْلَحَكَ اللَّهُ حَدِّثْ بِحَدِيثٍ يَنْفَعُكَ اللَّهُ بِهِ سَمِعْتَهُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ دَعَانَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَايَعْنَاهُ فَقَالَ فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا أَنْ بَايَعَنَا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا وَأَثَرَةً عَلَيْنَا وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا عِنْدَكُمْ مِنْ اللَّهِ فِيهِ بُرْهَانٌ


فقوله ( وأثرة علينا ) نص في الظلم العام ، وقوله ( إلا أن تروا كفراً بواحاً ) نص في أن الظلم لا يبيح الخروج ، ولا يبيحه إلا الكفر البواح


وقال مسلم في صحيحه 1128- [26-534] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ الْهَمْدَانِيُّ أَبُو كُرَيْبٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ ، عَنِ الأَسْوَدِ ، وَعَلْقَمَةَ ، قَالاَ : أَتَيْنَا عَبْدَ اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ فِي دَارِهِ ، فَقَالَ : أَصَلَّى هَؤُلاَءِ خَلْفَكُمْ ؟ فَقُلْنَا : لاَ ، قَالَ : فَقُومُوا فَصَلُّوا ، فَلَمْ يَأْمُرْنَا بِأَذَانٍ وَلاَ إِقَامَةٍ ، قَالَ وَذَهَبْنَا لِنَقُومَ خَلْفَهُ ، فَأَخَذَ بِأَيْدِينَا فَجَعَلَ أَحَدَنَا عَنْ يَمِينِهِ وَالآخَرَ عَنْ شِمَالِهِ ، قَالَ : فَلَمَّا رَكَعَ وَضَعْنَا أَيْدِيَنَا عَلَى رُكَبِنَا ، قَالَ : فَضَرَبَ أَيْدِيَنَا وَطَبَّقَ بَيْنَ كَفَّيْهِ ، ثُمَّ أَدْخَلَهُمَا بَيْنَ فَخِذَيْهِ ، قَالَ : فَلَمَّا صَلَّى ، قَالَ : إِنَّهُ سَتَكُونُ عَلَيْكُمْ أُمَرَاءُ يُؤَخِّرُونَ الصَّلاَةَ عَنْ مِيقَاتِهَا ، وَيَخْنُقُونَهَا إِلَى شَرَقِ الْمَوْتَى ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمْ قَدْ فَعَلُوا ذَلِكَ ، فَصَلُّوا الصَّلاَةَ لِمِيقَاتِهَا ، وَاجْعَلُوا صَلاَتَكُمْ مَعَهُمْ سُبْحَةً ، وَإِذَا كُنْتُمْ ثَلاَثَةً فَصَلُّوا جَمِيعًا ، وَإِذَا كُنْتُمْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ ، فَلْيَؤُمَّكُمْ أَحَدُكُمْ ، وَإِذَا رَكَعَ أَحَدُكُمْ فَلْيُفْرِشْ ذِرَاعَيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ ، وَلْيَجْنَأْ ، وَلْيُطَبِّقْ بَيْنَ كَفَّيْهِ ، فَلَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى اخْتِلاَفِ أَصَابِعِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَرَاهُمْ.


وتأخير الصلاة عن وقتها ، ظلمٌ عام للناس في أمور دينهم ، وذلك أعظم من أمور الأموال وما يسميه الناس اليوم ( الحريات ) .

 ومع ذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم بشهود الصلاة معهم


قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (22/ 66) :" وَأَمَّا الْأُمَرَاءُ الَّذِينَ كَانُوا يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا وَنَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قِتَالِهِمْ فَإِنْ قِيلَ : إنَّهُمْ كَانُوا يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ فَلَا كَلَامَ وَإِنْ قِيلَ - وَهُوَ الصَّحِيحُ - إنَّهُمْ كَانُوا يُفَوِّتُونَهَا فَقَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأُمَّةَ بِالصَّلَاةِ فِي الْوَقْتِ . وَقَالَ : { اجْعَلُوا صَلَاتَكُمْ مَعَهُمْ نَافِلَةً } وَنَهَى عَنْ قِتَالِهِمْ كَمَا نَهَى عَنْ قِتَالِ الْأَئِمَّةِ إذْ اسْتَأْثَرُوا وَظَلَمُوا النَّاسَ حُقُوقَهُمْ وَاعْتَدَوْا عَلَيْهِمْ وَإِنْ كَانَ يَقَعُ مِنْ الْكَبَائِرِ فِي أَثْنَاءِ ذَلِكَ مَا يَقَعُ . وَمُؤَخِّرُهَا عَنْ وَقْتِهَا فَاسِقٌ وَالْأَئِمَّةُ لَا يُقَاتِلُونَ بِمُجَرَّدِ الْفِسْقِ وَإِنْ كَانَ الْوَاحِدُ الْمَقْدُورُ قَدْ يُقْتَلُ لِبَعْضِ أَنْوَاعِ الْفِسْقِ : كَالزِّنَا وَغَيْرِهِ . فَلَيْسَ كُلُّ مَا جَازَ فِيهِ الْقَتْلُ جَازَ أَنْ يُقَاتَلَ الْأَئِمَّةُ لِفِعْلِهِمْ إيَّاهُ ؛ إذْ فَسَادُ الْقِتَالِ أَعْظَمُ مِنْ فَسَادِ كَبِيرَةٍ يَرْتَكِبُهَا وَلِيُّ الْأَمْرِ . وَلِهَذَا نَصَّ مَنْ نَصَّ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَد وَغَيْرِهِ عَلَى أَنَّ النَّافِلَةَ تُصَلَّى خَلْفَ الْفُسَّاقِ ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِالصَّلَاةِ خَلْفَ الْأُمَرَاءِ الَّذِينَ يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ حَتَّى يَخْرُجَ وَقْتُهَا وَهَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةُ فُسَّاقٌ وَقَدْ أَمَرَ بِفِعْلِهَا خَلْفَهُمْ نَافِلَةً "


وقال أبو عبيد القاسم بن سلام في الأموال 1791 : حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، وَأَبُو مُعَاوِيَةَ، كِلَاهُمَا عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَأَلْتُ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ، وَأَبَا هُرَيْرَةَ، وَأَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ، وَابْنَ عُمَرَ، فَقُلْتُ:  إِنَّ هَذَا السُّلْطَانَ يَصْنَعُ مَا تَرَوْنَ، أَفَأَدْفَعُ زَكَاتِي إِلَيْهِمْ؟

 قَالَ: فَقَالُوا كُلُّهُمْ:  ادْفَعْهَا إِلَيْهِمْ


فهذه فتيا الصحابة في دفع الزكاة إلى ائمة لا ينفقون الزكاة في مصارفها الصحيحة ، وهذا ظلمٌ عام


قال الخلال في السنة 89: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي هَارُونَ , وَمُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ , أَنَّ أَبَا الْحَارِثِ حَدَّثَهُمْ قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ فِي أَمْرٍ كَانَ حَدَثَ بِبَغْدَادَ , وَهَمَّ قَوْمٌ بِالْخُرُوجِ , فَقُلْتُ : يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ , مَا تَقُولُ فِي الْخُرُوجِ مَعَ هَؤُلاَءِ الْقَوْمِ ؟

 فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ , وَجَعَلَ يَقُولُ : سُبْحَانَ اللَّهِ , الدِّمَاءَ , الدِّمَاءَ , لاَ أَرَى ذَلِكَ , وَلاَ آمُرُ بِهِ , الصَّبْرُ عَلَى مَا نَحْنُ فِيهِ خَيْرٌ مِنَ الْفِتْنَةِ يُسْفَكُ فِيهَا الدِّمَاءُ , وَيُسْتَبَاحُ فِيهَا الأَمْوَالُ , وَيُنْتَهَكُ فِيهَا الْمَحَارِمُ , أَمَا عَلِمْتَ مَا كَانَ النَّاسُ فِيهِ , يَعْنِي أَيَّامَ الْفِتْنَةِ ؟

 قُلْتُ : وَالنَّاسُ الْيَوْمَ , أَلَيْسَ هُمْ فِي فِتْنَةٍ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ؟ قَالَ : وَإِنْ كَانَ , فَإِنَّمَا هِيَ فِتْنَةٌ خَاصَّةٌ , فَإِذَا وَقَعَ السَّيْفُ عَمَّتِ الْفِتْنَةُ , وَانْقَطَعَتِ السُّبُلُ , الصَّبْرَ عَلَى هَذَا , وَيَسْلَمُ لَكَ دِينُكَ خَيْرٌ لَكَ , وَرَأَيْتُهُ يُنْكِرُ الْخُرُوجَ عَلَى الأَئِمَّةِ , وَقَالَ : الدِّمَاءَ , لاَ أَرَى ذَلِكَ , وَلاَ آمُرُ بِهِ.

90: وَأَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ عِيسَى , قَالَ : سَمِعْتُ حَنْبَلاً يَقُولُ فِي وِلاَيَةِ الْوَاثِقِ : اجْتَمَعَ فُقَهَاءُ بَغْدَادَ إِلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ , أَبُو بَكْرِ بْنُ عُبَيْدٍ , وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ عَلِيٍّ الْمَطْبَخِيُّ , وَفَضْلُ بْنُ عَاصِمٍ , فَجَاؤُوا إِلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ , فَاسْتَأْذَنْتُ لَهُمْ , فَقَالُوا : يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ , هَذَا الأَمْرُ قَدْ تَفَاقَمَ وَفَشَا , يَعْنُونَ إِظْهَارَهُ لِخَلْقِ الْقُرْآنِ وَغَيْرِ ذَلِكَ , فَقَالَ لَهُمْ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : فَمَا تُرِيدُونَ ؟

 قَالُوا : أَنْ نُشَاوِرَكَ فِي أَنَّا لَسْنَا نَرْضَى بِإِمْرَتِهِ , وَلاَ سُلْطَانِهِ , فَنَاظَرَهُمْ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ سَاعَةً , وَقَالَ لَهُمْ : عَلَيْكُمْ بِالنَّكِرَةِ بِقُلُوبِكُمْ , وَلاَ تَخْلَعُوا يَدًا مِنْ طَاعَةٍ , وَلاَ تَشُقُّوا عَصَا الْمُسْلِمِينَ , وَلاَ تَسْفِكُوا دِمَاءَكُمْ


فهذه نصوص الإمام أحمد فيمن ظلم الناس ظلماً عاماً في أمر دينهم ودعاهم إلى القول بخلق القرآن ، فكيف بمن ظلمهم في أمر دنياهم وهو أهون

وهذا مصلحي وإلا فالقول بخلق القرآن كفر


وقال الخلال في السنة 54 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: أَنْبَأَ وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى، عَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ، قَالَ: قَالَ لِي عُمَرُ: " يَا أَبَا أُمَيَّةَ، إِنِّي لَا أَدْرِي، لَعَلِّي لَا أَلْقَاكَ بَعْدَ عَامِي هَذَا، فَإِنْ أُمِّرَ عَلَيْكَ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ مُجَدَّعٌ فَاسْمَعْ لَهُ وَأَطِعْ، وَإِنْ ضَرَبَكَ فَاصْبِرْ، وَإِنْ حَرَمَكَ فَاصْبِرْ، وَإِنْ أَرَادَ أَمْرًا يُنْقِصُ دِينَكَ، فَقُلْ: سَمْعًا وَطَاعَةً، دَمِي دُونَ دِينِي، وَلَا تُفَارِقِ الْجَمَاعَةَ "


وهذا معنى حديث ( وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك ) وقد بلغني أن خالداً الخايك حاول تضعيف هذا الأثر وهذا سخف فإن هذا الأثر موقوف وقد ذكره الإمام الخلال في السنة واعتمده الأئمة ورجاله ثقات ولكن الهوى يعمي ويصم

وهذه الأخبار لا يفقهها المساكين الذين يعارضون السنن بالرأي فإنك إذا أشعلت في قلوب العوام جذوة الخروج على الولاة لأي ظلم في دنياهم لم تقف الفتن وسفك الدماء وسيترتب على هذا من الظلم ما هو أعظم مما خرج لسببه ، بل لأوشك الناس أن يتوهموا ما ليس ظلماً على أنه ظلم ويخرجون كما حصل في زمن عثمان وعلي

الخطأ الثالث عشر : دعوى أن الصحابة مارسوا الانتخاب ودعوى أن الانتخابات ضرورة

وهذا ردي على الزغبي في هذه المسألة :" فإن مما ابتليت به الأمة في هذا العصر ما يسمى ب( الديمقراطية ) ، وهي نظام سياسي يعني حكم الشعب نفسه بنفسه دون النظر إلى أي شيء آخر ولو كان كتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم


وفي طريقة تعيين أعضاء مجلس الشعب أو البرلمان يتم تأليه الأغلبية عن طريق ما يسمى بالانتخابات فيجعل قولهم هو الصواب مطلقاً وهو ملزم للأقلية


قال الله تعالى : ( وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين )


وقال الله تعالى : ( وقليل من عبادي الشكور )


وفي عملية الانتخابات يتم التسوية بين صوت المسلم وصوت الكافر وبين صوت الرجل وصوت المرأة و بين صوت العدل وصوت الفاسق وبين صوت العالم وصوت الجاهل


ثم بعد أن يأتي مجلس بهذه الطريقة المسخ التي تخالف الشرع ، يكون هذا المجلس حاكماً في كل شيء ولو كان فيه نص فيتم التصويت على الثوابت الشرعية


قال الله تعالى : ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا)


والتحاكم عند التصويت على هذه الثوابت لكثرة الأصوات لا للنصوص


قال الله تعالى : ( فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)


ثم إذا تفضل أعضاء المجلس وصوتوا على موافقة الشريعة في هذا الحكم ، فإنه حكم مؤقت فلو جاء مجلس آخر وبدى له إعادة النظر في هذا الحكم الشرعي وإلغائه لكان له ذلك بشرط أن يتم ذلك وفق الآليات الديمقراطية !


أظن أخي المسلم قد استبان لك خطورة هذا النظام ومحادته لشرع الله عز وجل ، وما ظن أنه سيحصل للشرع من وراء هذا النظام إلا كظن من يحسب أنه سيجني من شجرة الحنظل العنب !


وما أحسن قال الشيخ أحمد شاكر في الرد على الذين يسوون بين الشورى والديمقراطية



قال في عمدة التفسير (5/89) عند حديثه عن قول الله عز وجل: {أفغير الله أبتغي حكما...} إلى قوله: {وهو أعلم بالمهتدين} : "هذه الآيات وما في معناها تدمغ بالبطلان نوع الحكم الذي يخدعون به الناس ويسمونه الديمقراطية إذ هي حكم الأكثرية الموسومة بالضلال هي حكم الدهماء والغوغاء"


وقال أيضاً في (1/ 383) من عمدة التفسير ط دار الوفاء :" وهذه الآية ( وشاورهم في الأمر ) ، والآية الأخرى ( وأمرهم شورى بينهم ) ، اتخذها اللاعبون بالدين في هذا العصر من العلماء وغيرهم عدتهم في التضليل بالتأويل ليواطئوا ، صنع الإفرنج في النظام الدستوري الذي يزعمونه ويخدعون الناس بتسميته ( النظام الديمقراطي ) ، فاصطنع هؤلاء اللاعبون شعاراً من هاتين الآيتين يخدعون به الشعوب الإسلامية أو المنتسبة للإسلام ، يقولون كلمة حق يراد بها الباطل ، يقولون : الإسلام يأمر بالشورى ، ونحو ذلك من الألفاظ ، وحقاً إن الإسلام يأمر بالشورى ، ولكن أي شورى يأمر بها الإسلام ؟



إن الله يقول لرسوله صلى الله عليه وسلم ( وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله ) ومعنى الآية واضحٌ صريح لا يحتاج إلى تفسير ، ولا يحتمل التأويل ، فهو أمرٌ للرسول صلى الله عليه وسلم ، ثم لمن يكون ولي الأمر من بعده ، أن يستعرض آراء أصحابه الذين يراهم موضع الرأي ، الذين هم أولو الأحلام والنهى في المسائل التي تكون موضع تبادل الآراء وموضع الاجتهاد في التطبيق ، ثم يختار من بينها ما يراه حقاً أو صواباً أو مصلحة فيعزم على إنفاذه غير متقيد برأي فريق معين ولا برأي عدد محدود ، لا برأي أكثرية ولا برأي أقلية ، فإذا عزم توكل على الله وأنفذ العزم على ما ارتآه

ومن المفهوم البديهي الذي لا يحتاج إلى دليل أن الذين أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بمشاروتهم _ ويأتسي به من يلي الأمر من بعده _ هم الرجال الصالحون القائمون على حدود الله المتقون المقيمون الصلاة ، المؤدون الزكاة المجاهدون في سبيل الله الذي قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ليلني منكم أولو الأحلام والنهى ) ، ليسوا هم الملحدين ولا المحاربين لدين الله ولا الفجار الذين لا يتورعون عن منكر ولا الذين يزعمون أن لهم أن يضعوا شرائع وقوانين تخالف دين الله وتهدم شريعة الإسلام وأولئك _ من بين كافر وفاسق _ موضعهم الصحيح تحت السيف أو السوط لا موضع الاستشارة وتبادل الآراء "


وإن البلاء أن يأتي منتسب للعلم ولا يكتفي أن يقول هذا أن النظام جائزٌ حالياً للضرورة وحسب بل ويزعم أن الصحابة قد مارسوا ذلك وذلك كالداعية محمد بن عبد الملك الزغبي الذي زعم أن الصحابة مارسوا الانتخاب مدعماً خيالاته بالاستدلال بحادثة تولية عثمان وأن من فعله عبد الرحمن بن عوف هو انتخابات ! .

 وأنه استفتى حتى النساء وجاء برواية افترعها من عقله زعم فيها أن عبد الرحمن بن عوف وقف على المنبر وقال للناس من تختارون


والجواب على هذا الاستدلال من وجوه


أولها : هل جعل عبد الرحمن بن عوف الأغلبية معياراً مطلقاً كأصحاب الديمقراطية ؟

الجواب : لا وإنما اعتبر إجماع أخيار الناس على عثمان


ثانيها : ما ورد أن عبد الرحمن بن عوف استشار النساء لا يصح وليس له أصل يعتمد عليه ولو صح فلا شك انه لم يستفت الفاسقات ولا قليلات العقل ، ثم إن الرواية فيها أنهن سألهن وهن في خدورهن وهذا يناقض ما يحصل اليوم في الانتخابات الديمقراطية من خروج النساء والمزاحمة للرجال


وقد نقل الجويني الإجماع على أن النساء لا مدخل لهن في اختيار الإمام


قال في (غياث الأمم من التياه الظلم : ص80-81) : « والآن نبدأ بتفصيل صفات أهل العقد والاختيار ، فليقع البداية بمحل الإجماع في صفة أهل الاختيار ، ثم ينعطف على مواضع الاجتهاد والظنون ، فما نعلمه قطعاً أنَّ النسوة لا مدخل لهن في تخير الإمام وعقد الإمامة ، فإنهن ما رُوجِعن قط ، ولو اسْتُشِير في هذا الأمر امرأة لكان أحرى النساء وأجدرهن بهذا الأمر فاطمة ـ رضي الله عنها ـ ، ثم نسوة رسول الله ص ، أمهات المؤمنين ، ونحن بابتداء الأذهان نعلم أنه ما كان لهن في هذا المجال مخاض في منقرض العصور ومَكَرّ الدهور »( مستفاد من بعض الأخوة )


فاعجب ممن ينتسب للعلم والفتيا ويعتمد على رواية منكرة تخالف الإجماع ، ولا ينجيه من الانتقاد أن ذكرها بعض أهل العلم فلم يستدلوا بها على ما استدل من الأحوال المخالفة للإجماع وهم يزعمون أنهم لا يقلدون


ثالثها : أن في الرواية الضعيفة أن عبد الرحمن بن عوف استشار حتى الصبيان في الكتاتيب فهل يرى الزغبي أن الصبيان لهم الحق في الانتخاب ؟!


أم أنه سيخالف رواية عبد الرحمن بن عوف ويوافق الديمقراطية


رابعها : أن هذه العملية التي حصلت في زمن الصحابة تناقض الديمقراطية مناقضة صريحة فإن عمر لم يفتح باب الترشيح لكل من أراد ذلك وإنما اختار جماعة بناءً على أن كلهم من قريش وأن النبي صلى الله عليه وسلم توفي وهو عنهم راض وهذا الحصر يناقض الديمقراطية ثم إنه ترك الأمر لعبد الرحمن بن عوف وما ألزمه باستشارة الناس ولو بدا له أن يخالف مشورة الناس لأمر رآه لفعل ذلك


خامسها : أن أمر الخلافة أمرٌ مختص بجميع المسلمين فلماذا يسأل عبد الرحمن بن عوف أهل المدينة فقط ، هذه قمة المناقضة للديمقراطية ، والسبب في ذلك أنه يرى أن أهل المدينة هم خير الناس وهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهم ينزلون الأمور منازلها فقد كان رضي الله عنه أنه ما ينبغي الكلام في أمر الخلافة أمام رعاع الناس والأعراب لأن في مخاطبتهم بذلك فتنة لهم


قال البخاري في صحيحه 6830 : حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ صَالِحٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كُنْتُ أُقْرِئُ رِجَالًا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ مِنْهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فَبَيْنَمَا أَنَا فِي مَنْزِلِهِ بِمِنًى وَهُوَ عِنْدَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي آخِرِ حَجَّةٍ حَجَّهَا إِذْ رَجَعَ إِلَيَّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَقَالَ لَوْ رَأَيْتَ رَجُلًا أَتَى أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ الْيَوْمَ فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ هَلْ لَكَ فِي فُلَانٍ يَقُولُ لَوْ قَدْ مَاتَ عُمَرُ لَقَدْ بَايَعْتُ فُلَانًا فَوَاللَّهِ مَا كَانَتْ بَيْعَةُ أَبِي بَكْرٍ إِلَّا فَلْتَةً فَتَمَّتْ فَغَضِبَ عُمَرُ ثُمَّ قَالَ إِنِّي إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَقَائِمٌ الْعَشِيَّةَ فِي النَّاسِ فَمُحَذِّرُهُمْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَغْصِبُوهُمْ أُمُورَهُمْ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَقُلْتُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَا تَفْعَلْ فَإِنَّ الْمَوْسِمَ يَجْمَعُ رَعَاعَ النَّاسِ وَغَوْغَاءَهُمْ فَإِنَّهُمْ هُمْ الَّذِينَ يَغْلِبُونَ عَلَى قُرْبِكَ حِينَ تَقُومُ فِي النَّاسِ وَأَنَا أَخْشَى أَنْ تَقُومَ فَتَقُولَ مَقَالَةً يُطَيِّرُهَا عَنْكَ كُلُّ مُطَيِّرٍ وَأَنْ لَا يَعُوهَا وَأَنْ لَا يَضَعُوهَا عَلَى مَوَاضِعِهَا فَأَمْهِلْ حَتَّى تَقْدَمَ الْمَدِينَةَ فَإِنَّهَا دَارُ الْهِجْرَةِ وَالسُّنَّةِ فَتَخْلُصَ بِأَهْلِ الْفِقْهِ وَأَشْرَافِ النَّاسِ فَتَقُولَ مَا قُلْتَ مُتَمَكِّنًا فَيَعِي أَهْلُ الْعِلْمِ مَقَالَتَكَ وَيَضَعُونَهَا عَلَى مَوَاضِعِهَا


فتأمل مشورته على عمر بألا يتكلم في أمر الخلافة في الموسم وأنه إنما ينبغي أن يتكلم في دار الخلافة بين فقهاء الناس بهذا الأمر فما أبعد عن هذا عن حكم الدهماء ( الديمقراطية )"

وقد قلت :" فإن الغلو في المصلحة صار سمة على عدد من الفتاوى المخالفة لنهج السلف ، وتوسع كثير من المفتين في أمر المصلحة أوقع الناس في حيص بيص ، وهنا إيقاظة حول ما قد ينتهي إليه الغلو في فقه المصلحة عن طريق سؤال علمي

وهو أن رجلاً تعرف على امرأة نصرانية أو من أي دين آخر وأقام معها على الفاحشة ثم بعد ذلك تعرفت على بعض أمور الإسلام من طريقه ثم أسلمت وتزوجت به وأنجبت منه أطفالاً يحفظون القرآن

والسؤال هنا : هل ما ترتب على تلك العلاقة من مصلحة إسلام المرأة يبرر تلك العلاقة المحرمة ، وهل يجوز لنا أن نحث أبناء المسلمين على إقامة العلاقات المحرمة مع الكافرات لتعريفهن بالإسلام ؟

الجواب القطعي من كل عاقل : لا يجوز هذا ومن استحله فقد استحل محرماً معلوم تحريمه من الدين بالضرورة

فيقال : وكذلك الانتخابات الديمقراطية هي أشنع من الزنا إذ أنها حكم بغير ما أنزل الله والتصويت على الشريعة بحد ذاته انتقاص عظيم للشرع ، على أن دخول كثير من الحركات الحزبية في الانتخابات لم يحقق المراد منذ خمسين عاماً وأكثر

وكذلك دعوة جماعة التبليغ البدعة لغير المسلمين فإذا لم يجز دعوة غير المسلمين بالمعاصي فلا يجوز دعوتهم بالبدع ، ولا نظر إلى المصالح المزعومة فإن هذه المصالح لا شك أنها كانت ستحصل بالوسائل الشرعية ومن اعتقد أن الدين لا ينصر إلا بالبدع أو بالديمقراطية فقد زعم أن محمداً صلى الله عليه وسلم لم يبين لأمته كيف تنشر دينها وكيف تنتصر وكيف تحكم الشرع

وكذلك بعض الفتاوى التي تبيح للمرأة أن تسافر إلى بلاد الكفر وتكشف عورتها المغلظة لطبيب كافر من أجل إنجاب الولد ، فمثل هذا ينبغي للمفتي به أن يتأمله جيداً فإن الله سائله عما يقول

ومثل هذا السؤال قد يغير فيقال : هل يجوز لمسلم أن يتزوج ملحدة أو وثنية أو نصرانية غير عفيفة لدعوتها للإسلام ؟

فلا شك أن الفقهاء متفقون على أنه لا يجوز الزواج بمن هذه حالها بحال

فأين ذهب فقه المصلحة ؟

ولا شك أن أمر المصلحة موجود في الشرع غير أنه في حدود ضيقة وفي أمور بينها الشرع في غالبها كأمر الضرورة ، والقواعد الفقهية هي تفسير للشرع وليست شرعاً جديداً يحل محل النصوص"

وقلت أيضاً :" فهذه مهمات علمية في الرد على من ادعى أن دخول الانتخابات أو التصويت فيها ضرورة
فهذه مهمات علمية في الرد على من ادعى أن دخول الانتخابات أو التصويت فيها ضرورة

 أو ارتكاب لأدنى الضررين


المهمة الأولى : الضرورة ما دفعت الضرر يقيناً .


وهذه المهمة يغفل عنها كثيرون ممن يدعي أن الانتخابات ضرورة ، مع اتفاقهم على أن الانتخابات لا تؤدي الغرض يقيناً بل قد يفشل الأمر وقد ينجح


قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى ( 24/ 268) :" وَاَلَّذِينَ جَوَّزُوا التَّدَاوِي بِالْمُحَرَّمِ قَاسُوا ذَلِكَ عَلَى إبَاحَةِ الْمُحَرَّمَاتِ: كَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ لِلْمُضْطَرِّ

وَهَذَا ضَعِيفٌ لِوُجُوهِ:

أحدها : أن المضطر يحصل مقصوده يقينا بتناول المحرمات فإنه إذا أكلها سدت رمقه وأزالت ضرورته وأما الخبائث بل وغيرها فلا يتيقن حصول الشفاء بها فما أكثر من يتداوى ولا يشفى"


وكذا الانتخابات فما أكثر من يدخلها ولا يتحقق له الغرض ، وكذلك الجامعات الاختلاطية ما أكثر من يخاطر بدينه ليدخلها ثم لا يجد وظيفة بعد ذلك أو يتوظف بغير شهادته !


قال ابن عثيمين :

(الضرورة تبيح المحظورة، لكن ذلك بشرطين:...

2- أن تندفع الضرورة به، فإن لم تندفع بقي على أصل الحرمة، وإن شككنا في دفعها به فإنه يبقى أيضا على التحريم، وذلك لأن ارتكاب المحظور مفسدة متيقَّنة، واندفاع الضرورة به مشكوك فيه، ولا يُنتهك المحرَّم المتيقَّن لأمر مشكوك فيه)

شرح منظومة القواعد الأصولية والفقهية[ ص68-69] .

وأمر الانتخابات مشكوك فيه بل يغلب على الظن عدم نجوعه


المهمة الثانية : لا تفتنوا العوام !


قال مسلم في مقدمة صحيحه 15:

وحَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ ، وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى ، قَالاَ : أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ ، قَالَ : أَخْبَرَنِي يُونُسُ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ ، قَالَ :

مَا أَنْتَ بِمُحَدِّثٍ قَوْمًا حَدِيثًا لاَ تَبْلُغُهُ عُقُولُهُمْ ، إِلاَّ كَانَ لِبَعْضِهِمْ فِتْنَةً.

عبيد الله لم يسمع ابن مسعود ولكن إيراد مسلم له يدل على صحة معناه عنده


وقال البخاري في صحيحه [ 127 ] : وَقَالَ عَلِيٌّ حَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُونَ أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّبَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ

حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ مَعْرُوفِ بْنِ خَرَّبُوذٍ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عَنْ عَلِيٍّ بِذَلِكَ .


ومخاطبة العوام ( باختر الأصلح ) فتنة للعوام ، فإن تعيين الأصلح أمرٌ لا يحسنه كثير من طلبة العلم فضلاً عن العوام ، بل هذا داخل في الجرح والتعديل الذي يزعم بعض الناس حصره في العلماء

فإن الذي سيختار الأصلح ينبغي أن يعلم الكفر ما هو ؟

والبدعة ما هي ؟

والكبائر ما هي ؟

وأن يعلم موقع كل واحدة من هذه عند تلبس المعين بها ، وما يعرض له من الأحوال المانعة من انطباق أوصافها عليه

ثم بعد ذلك يكون عالماً بالسياسة والاقتصاد ليميز الصادق من الكاذب في هذا الباب

ثم يعلم السياسة الشرعية ، وأحكام المعاملات ليعلم قرب أطروحات المرشحين من الشرع وبعدها

وهذه العملية الاجتهادية العظيمة كيف نخاطب بها عوام الناس ، ولو فرضنا أن بعضهم يحسنها .

من الذي يميز بين من يحسن ومن لا يحسن والعملية الديمقراطية فاتحة بذراعيها للجميع ؟!

ثم لو فرضنا أنهم يحسنونها فهل يجوز أن نشغلهم بهذه الأمور بدلاً من إشغالهم بتعلم أمور دينهم مع هذا الجهل العريض المنتشر بين المسلمين

ثم مَن مِن العوام تضمن ديانته في هذا العوام ، ولا يتأثر بعوامل خارجية كالرشى والقبلية والأمور الأخرى المعلومة

ولا يكفي أن تقول للعامي ( لا تصوت للمبتدع ولا العلماني )


فمن أين للعامي أن يميز بين المبتدع وغيره ، وكثير من العوام متلبس بالعديد من البدع


ومثل هذا من يخاطب العوام بقوله ( من حرم سداً للذريعة يباح للحاجة ) ويترك العامي هو يحدد الحاجة عند إفتائه في أمر الاختلاط أو قيادة المرأة للسيارة

ويتناسى أن تحديد المصلحة لا بد له من فقه في الدين وسلامة من الهوى ومعرفة بما يقترن بهذه المصلحة من مفاسد ربما رجحت عليها ، وهذا لا يترك للعامة .


ثم لماذا دائماً المصلحة تدعو إلى إخراج الحكم عن سمته ؟


فمن يقول مثلاً ( الهجر مرتبط بالمصلحة ) يجعل الأصل الخلطة حتى تظهر المصلحة في الهجر ، وهذا غلط ، ولا أدري لماذا لا تكون المصلحة في الهجر ولو لمرة واحدة !

هذه النقطة الأولى في مهمة : لا تفتنوا العوام


وأما النقطة الثانية : فكثير من الإخوة يقول ( العامي خير من الإخواني ) وهذا صحيح !


ولكن لماذا نفتن العامي وندخله مجلساً يشرع فيه مع الله عز وجل ، ويحمل حصانة تحميه من العقوبة ولو افترش امرأة في الشارع حتى يصوت المجلس على نزعها ، بل ما علم العامي المسكين بموافقة هذا القانون للشرع أو مخالفته وأكثرهم لا يحسن يصلي فلم نفتن العوام !


ولو أصر غيرنا على فتنتهم فلم نشارك نحن وقد قال الله عز وجل { وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}


المهمة الثالثة : الغاية لا تبرر الوسيلة ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق


يقول البعض : أن ولاة الأمر يدعون للانتخابات وأنتم دعاة سمع وطاعة فلم لا تشاركون ؟!


فيقال : الطاعة تكون بالمعروف وليس بالمعصية وهذا إجماع سني ، والأدلة عليه كثيرة ومن قال ( أنا أطيع ولي الأمر بهذه الوسيلة المأخوذة من الكفار )

فهذا كمن يقول ( الغاية تبرر الوسيلة ) ، والتعبد لله عز وجل بطاعة ولي الأمر في معصية بدعة وكل بدعة ضلالة


وشرعية ولاة الأمور إنما تثبت بالوسائل الشرعية لا بالتحاكم إلى الشعوب

قال الله تعالى { فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}

فمن ظن أنه يسعه التحاكم إلى غير الشرع في أمر تثبيت الولاية فهو على خطر عظيم


المهمة الرابعة : سد الذرائع يقوى في أزمنة الفتن

أن فقه سد الذريعة يصير أقوى في أزمنة الفتن ، التي يقوى فيها احتمال وقوع ما سد الشارع ذريعة التوصل إليه


قال الحكيم الترمذي في كتاب المنهيات :

فلما ابتعث الله رسوله الله صلى الله عليه وسلم بدين الإسلام ، أمرهم بالصبر والنزول على حكمه ، وأكرم الأمة ببعثه ، وبشرهم.

وبين لهم الثواب في الأجل - وزجر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النياحة ، وعن كل ما أشبه النياحة ، وكل سبب من أسبابها ؛ حتى نهى عن البكاء.

فقال في شأن ميت مات بحضرته: (إذا وجب فلا تبكين باكية).

أراد بذلك حسم هذا الباب على المسلمين لحداثة عهدهم بأمر الجاهلية، حتى بلغ من حسمه أن نهاهم عن زيارة القبور.

فكذلك كل أمر حرمه الله ، وكان لذلك الأمر أسباب ، حرم تلك الأسباب الداعية إلى ذلك الأمر.

منها تحريم الخمر ؛ فلما حرمت الخمر زجر عن كل شراب في دباء ، أو حنتم ، أو مزفت ، أو مقير ، أو نقير ؛ مخافة أن يشتد الشراب وهم لا يعلمون.

وإن كان في زق فاشتد انشق الزق.

فلما هدأت النفس ، ومرنت عن الانتهاء عما نهوا عنه ، أطلق لهم فقال : كنت نهيتكم عن النبيذ فاشربوا ، ولا تشربوا مسكراً ، وكنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها، فإن فيها معتبراً.

ثم قال : [ ولا تقولوا هجراً ] فبين عليه السلام علة النهى أنهم كانوا إذا زاروا القبور قالوا هجرا ، فصاروا إلى النياحة ، فلما تمسكوا وعقلوا الإسلام أطلق لهم الزيارة.

وحسم عليهم أبواب النياحة حتى إذا اهتدوا وفقهوا أطلق لهم من ذلك ما لم يكن به بأس.اهـ

أقول : والحكيم الترمذي على تصوفه إلى أن كلامه هنا غاية في القوة ، وقد سمعت الألباني يقول كلاماً نحوه في شرح الأدب المفرد .


وجاء في مجموع فتاوى نور على الدرب [14/ 463] لعبد العزيز ابن باز ما يلي :

297 : بيان صحة حديث تعليم النبي - صلى الله عليه وسلم - عائشة رضي الله عنها دعاء زيارة القبور

س: يستفسر السائل عن درجة الحديث الوارد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - عندما سألته عائشة رضي الله عنها أن يعلمها الدعاء الذي تقول حينما تزور القبور، فعلمها. هل هذا حديث صحيح، وهل يدل هذا على جواز زيارة القبور للنساء ؟

ج: الحديث صحيح، ولكن كان في وقت الإذن ، كان نهى الجميع ، ثم أذن للجميع ، ثم جاءت السنة الأخيرة بمنع النساء ، وأمر الرجال بالزيارة ، كان أول ما أسلم الناس نهاهم عن زيارة القبور ؛ لأنهم حديثو عهد بكفر، فصار هذا حماية لهم من الشرك ، وإبعادا لهم منه ، ثم أذن.اهــ

أقول : فخلاصة كلام المشايخ أن النهي عن زيارة القبور في أول الأمر ، كان لحداثة الصحابة بأمر الجاهلية ، فنهوا عن زيارة القبور سداً للذريعة ، ثم وقع الإذن بعد ذلك ، وكذلك الانتباذ في الأسقية كان لقرب عهدهم من الخمر

والناس اليوم مفتونون بالديمقراطية ، ودعاتها يسعون سعياً حثيثاً في نشرها ، حتى قامت ثورات من أجل الحصول عليها ، فالقول بإباحة أي صورة من صور الديمقراطية يعد توطيداً لهذه الفتنة العظيمة

وتكثير سوادهم من أعظم الإعانة لهم على هذه الفتنة


قال البخاري في صحيحه بَاب مَنْ كَرِهَ أَنْ يُكَثِّرَ سَوَادَ الْفِتَنِ وَالظُّلْمِ

7085 : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ حَدَّثَنَا حَيْوَةُ وَغَيْرُهُ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو الْأَسْوَدِ وَقَالَ اللَّيْثُ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ قَالَ :

قُطِعَ عَلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ بَعْثٌ فَاكْتُتِبْتُ فِيهِ فَلَقِيتُ عِكْرِمَةَ فَأَخْبَرْتُهُ فَنَهَانِي أَشَدَّ النَّهْيِ ثُمَّ قَالَ :

أَخْبَرَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ أُنَاسًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا مَعَ الْمُشْرِكِينَ يُكَثِّرُونَ سَوَادَ الْمُشْرِكِينَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَأْتِي السَّهْمُ فَيُرْمَى فَيُصِيبُ أَحَدَهُمْ فَيَقْتُلُهُ أَوْ يَضْرِبُهُ فَيَقْتُلُهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى { إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ }

والفتنة في الدين أعظم فتنة ، فلا نخاطر بأديان الناس بحجة ما نتوهمه مصلحة


المهمة الخامسة : تتبع زلات العلماء_ إن سلمنا أنهم علماء يستحقون الاتباع _  مسلك خلفي,ولا يحتج بالخلاف إلا جاهل,وقد يعذر العالم ولا تعذر أنت

قال ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله ص196:

الاختلاف ليس بحجة عند أحد علمته من فقهاء الأمة إلا من لا بصر له ولا معرفة عنده ولا حجة في قوله.اهـ

قال شيخ الإسلام كما في الفتاوى الكبرى (6/ 92) :

واعتبر ذلك بمناظرة الإمام عبدالله بن المبارك قال : كنا بالكوفة فناظروني في ذلك يعني النبيذ المختلف فيه .

فقلت لهم : تعالوا فليحتج المحتج منكم عن من يشاء من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم في بالرخصة فإن لم يتبين الرد عليه عن ذلك الرجل بشدة صحت عنه فاحتجوا .

فما جاؤوا عن أحد برخصة إلا جئناهم بشدة فلما لم يبق في يد أحد منهم إلا عبد الله بن مسعود وليس احتجاجهم عنه في شدة النبيذ بشيء يصح عنه إنما يصح عنه أنه لم ينبذ له في الجر إلا حذر .

قال ابن المبارك : فقلت للمحتج عنه في الرخصة : يا أحمق عد إن ابن مسعود لو كان ها هنا جالسا فقال هو لك حلال وما وصفنا عن النبي صلى الله عليه و سلم وأصحابه في الشدة كان ينبغي لك أن تحذر أو تجر أو تخشى .

فقال قائلهم يا أبا عبد الرحمن فالنخعي والشعبي وسمى عدة معهما كانوا يشربون الحرام ؟

فقلت لهم عدوا عند الاحتجاج تسمية الرجال قرب رجل في الإسلام مناقبه كذا وكذا وعسى أن يكون منه زلة أفلأحد أن يحتج بها .

فإن أبيتم فما قولكم في عطاء وطاوس وجابر بن زيد وسعيد بن جبير وعكرمة قالوا : كانوا خيارا .

قلت : فما قولكم في الدرهم بالدرهمين يدا بيد فقالوا : حرام .

فقال ابن المبارك إن هؤلاء رأوه حلالا فماتوا وهم يأكلون الحرام

فبقوا وانقطعت حجتهم .

قال ابن المبارك : ولقد أخبرني المعتمر بن سليمان قال : رآني أبي وأنا أنشد الشعر فقال لي يا بني لا تنشد الشعر.

فقلت له يا أبت كان الحسن ينشد وكان ابن سيرين ينشد .

فقال لي : أي بني إن أخذت بشر ما في الحسن وبشر ما في ابن سيرين اجتمع فيك الشر كله .

وهذا الذي ذكره ابن المبارك متفق عليه بين العلماء فإنه ما من أحد من أعيان الأمة من السابقين الأولين ومن بعدهم إلا لهم أقوال وأفعال خفي عليهم فيها السنة.

وهذا باب واسع لا يحصى مع أن ذلك لا يغض من أقدارهم ولا يسوغ إتباعهم فيها كما قال سبحانه : { فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول }

قال ابن مجاهد والحكم بن عتيبة ومالك وغيرهم ليس أحد من خلق الله إلا يؤخذ من قوله ويترك إلا النبي صلى الله عليه و سلم .

وقال سليمان التيمي إن أخذت برخصة كل عالم اجتمع فيك الشر كله.

قال ابن عبد البر هذا إجماع لا أعلم فيه خلافا وقد روي عن النبي صلى الله عليه و سلم وأصحابه .

في هذا المعنى ما ينبغي تأمله فروى كثير بن عبد الله بن عمر وابن عوف المزني عن أبيه عن جده قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : [ إني لأخاف على أمتي من بعدي من أعمال ثلاثة قالوا : وما هي يا رسول الله ؟ قال : أخاف عليهم من زلة العالم ومن حكم جائر ومن هوى متبع ]

وقال زياد بن حدير : قال عمر : ثلاث يهدمن الدين زلة العالم وجدال المنافق بالقرآن وأئمة مضلون.اهـ


قال الخلال في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 171 :

وأخبرنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، قال : سمعت أبي يقول : سمعت محمد بن يحيى القطان ، يقول :

لو أن رجلا ، عمل بكل رخصة : بقول أهل الكوفة في النبيذ ، وأهل المدينة في السماع - يعني الغناء - وأهل مكة في المتعة ، أو كما قال : لكان به فاسقا .

172 : قال أبو عبد الرحمن : ووجدت في كتاب أبي : ثنا أبو معاوية الغلابي ، قال : حدثني خالد بن الحارث ، قال : قال سليمان التيمي : لو أخذت برخصة كل عالم - أو زلة كل عالم اجتمع فيك الشر كله.


173 : أخبرنا أبو بكر المروذي ، قال : حدثنا أبو غسان ، حدثنا معتمر ، عن أبيه ، قال :

إذا أخذت برخصة العلماء كان فيك شر الخصال .


174 : أخبرنا يحيى بن طالب الأنطاكي ، حدثنا محمد بن مسعود ، حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر ، قال :

لو أن رجلا ، أخذ بقول أهل المدينة في السماع - يعني الغناء - وإتيان النساء في أدبارهن ، وبقول أهل مكة في المتعة والصرف ، وبقول أهل الكوفة في السكر ، كان شر عباد الله.


175 : أخبرني حرب بن إسماعيل ، حدثنا يحيى بن عثمان ، حدثنا ابن خمير ، حدثنا إبراهيم بن أدهم ، قال :

من حمل شاذ العلماء حمل شرا كبيرا .اهـ


عامة الأسانيد السابقة صحاح ، وهذا مثل صاحبٍ لنا صار يكتب الأناشيد للحزبيين ، التي يمثلونها بعد ذلك بـــ( الفيديو كليب ) ، ثم يلفق بعد ذلك متتبعاً لرخص العلماء

قال شيخ الإسلام في الاستقامة ص386 :

فهذا ونحوه هو الذي أشار إليه الأئمة كالشافعي في قوله خلفت ببغداد شيئا أحدثته الزنادقة يسمونه التغبير يصدون به الناس عن القرآن.

فيكون ذو النون هو أحد الذين حضروا التغبير الذي أنكره الأئمة وشيوخ السلف ويكون هو أحد المتأولين في ذلك .

وقوله فيه كقول شيوخ الكوفة وعلمائها في النبيذ الذين استحلوه مثل سفيان الثوري وشريك ابن عبد الله وأبي حنيفة ومسعر بن كدام ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى وغيرهم من أهل العلم.

وكقول علماء مكة وشيوخها فيما استحلوه من المتعة والصرف كقول عطاء بن أبي رباح وابن جريج وغيرهما .

وكقول طائفة من شيوخ المدينة وعلمائها فيما استحلوه من الحشوش .

وكقول طائفة من شيوخ الشاميين وعلمائها فيما كانوا استحلوه من القتال في الفتنة لعلي بن أبي طالب وأصحابه .

وكقول طوائف من أتباع الذين قاتلوا مع علي من أهل الحجاز والعراق وغيرهم في الفتنة إلى أمثال ذلك مما تنازعت فيه الأمة وكان في كل شق طائفة من أهل العلم والدين

فليس لأحد أن يحتج لأحد الطريقين بمجرد قول أصحابه وإن كانوا من أعظم الناس علما ودينا لان المنازعين لهم هم أهل العلم والدين

وقد قال الله تعالى { فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر } فالرد عند التنازع إنما يكون إلى كتاب الله وسنة رسوله.اهـ


وقال أيضاً في الاستقامة ص282 :

ومن احتج بفعل مثل عبد الله في الدين في مثل هذا لزمه أن يحتج بفعل معاوية في قتاله لعلى .

وبفعل ابن الزبير في قتاله في الفرقة وأمثال ذلك مما لايصلح لأهل العلم والدين أن يدخلوه في أدلة الدين والشرع.

لا سيما النساك والزهاد وأهل الحقائق لا يصلح لهم أن يتركوا سبيل المشهورين بالنسك والزهد بين الصحابة ويتبعوا سبيل غيرهم

وما أحسن ما قال حذيفة رضي الله عنه يا معشر القراء استقيموا وخذوا طريق من كان قبلكم فوالله لئن اتبعتموهم لقد سبقتم سبقا بعيدا ولئن أخذتم يمينا وشمالا لقد ضللتم ضلالا بعيدا.اهـ

وقال شيخ الإسلام في اقتضاء الصراط المستقيم (2/37) :

قد يكون متأولا في هذا الشرع فيغفر له لأجل تأويله ، إذا كان مجتهدا الاجتهاد الذي يعفى فيه عن المخطئ ويثاب أيضا على اجتهاده .

لكن لا يجوز اتباعه في ذلك كما لا يجوز اتباع سائر من قال أو عمل قولا أو عملا قد علم الصواب في خلافه .

وإن كان القائل أو الفاعل مأجورا أو معذورا ، وقد قال سبحانه { اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ }.اهـ

وقال ابن كثير في البداية والنهاية (11/ 100) :

وروى البيهقي: عن الحاكم، عن حسان بن محمد، عن ابن سريج القاضي إسماعيل بن إسحاق قال: دخلت يوما على المعتضد فدفع إلى كتابا فقرأته فإذا فيه الرخص من زلل العلماء قد جمعها بعض الناس - فقلت: يا أمير المؤمنين إنما جمع هذا زنديق.

فقال: كيف ؟

فقلت: إن من أباح المتعة لم يبح الغناء، ومن أباح الغناء لم يبح إضافته إلى آلات اللهو، ومن جمع زلل العلماء ثم أخذ بها ذهب دينه.

فأمر بتحريق ذلك الكتاب.اهـ


وقال ابن القيم في إعلام الموقعين (2/192) :

ومن المعلوم أن المخوف في زلة العالم تقليده فيها إذ لولا التقليد لم يخف من زلة العالم على غيره

فإذا عرف أنها زلة لم يجز له أن يتبعه فيها باتفاق المسلمين فإنه اتباع للخطأ على عمد ومن لم يعرف أنها زلة فهو أعذر منه وكلاهما مفرط فيما أمر به.اهـ


المهمة الأخيرة : ارتكاب أدنى الضررين بترك الانتخابات

وهنا نعكس على ما يزعمون أن ارتكاب أدنى الضررين بدخولها الاستدلال

وقال  محمد أمان بن علي الجامي :

إذا تبيّنّا أنه لا يجوز شرعا مضاهاة الله والتشبّه به في تشريعه بنصب رجال يُشرِّعون غير شرع الله.

كذلك لا يجوز استخدام أيّ وسيلة من الوسائل المؤدية إلى ذلك التشريع البشري الذي ينازع تشريع الله، كانتخاب رجال البرلمان أو مجلس الشعب، ليشرِّعوا مع الله أو من دون الله.

لأنه يُعتبر عند التحقيق: اختيار أرباب يُعبدون من دون الله، وهذا يتنافى مع لا إله إلا الله؛ لأن توحيد الحاكمية هو من توحيد العبادة؛ فليعلم جيّدا...

إلى أن قال: وأما شرك الطاعة والإتّباع: فهو التّمرّد على ربّ العالمين، والخروج على شريعته، وعدم قَبول حكمه وتحكيمه في الشؤون كلها أو بعضها....

وما يُسمى الانتخاب الحرّ وسيلة ظاهرة إلى هذا النوع من الشرك، وهو باطل كما ترى، وما يؤدِّي إلى الباطل ويكون وسيلة إليه فباطل، فالانتخاب الحرّ باطل إذن .

ويوضِّح هذه الحقيقة قولُه تعالى ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا للهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ ، تدبّر قوله تعالى ﴿ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ﴾ ، أي أن اتخاذ الله وحده حَكَماً في كل شيء، والاستغناء به عن غيره، وردّ الأمر كلّه إليه سبحانه: ذلك الدين القيّم.

ولا يرضى ربّ العالمين سوى الدين القيّم وإن جهله أكثر الناس؛ كما هو الواقع في كثير من المثقفين بالثقافة الغربيّة، ومن يقلِّدونهم دون علم وبصيرة، فإنهم لا يعلمون الدين القيّم.

لذلك كله: فإن ما يسمى الانتخاب الحر لا يصلح لنا، ولا يصلح في أرضنا، بل لا يصلح لشعوب المنطقة؛ لأن نتيجته تتنافى والإيمان على ما بيّنّا آنفا، ولا يجتمع الإيمان بالله وبشرعه والإيمان بالنظام الديمقراطي الذي يتوصل إليه بالانتخاب الحر وتعدد الأحزاب... [ شريط حقيقة الديمقراطية]

وقال أيضاً  :

فالمفتي الذي يفتي بجواز الاشتراك في تشريع يخالف شرع الله مع السخرية بشرع الله، كأنه يقول من حيث لا يشعر : يجوز للإنسان أن يكون شريكا لله ومشرّعا معه للمصلحة!! أو ليخدم المسلمين!!.[ شريط حقيقة الديمقراطية]


وهذا رفضٌ منه للقول بأن المسألة اجتهادية وتثريب على من أفتى بالجواز

وهو نظير موقف الوادعي

وأزيد على قول الجامي : كأنه يقول من حيث لا يشعر : يجوز للإنسان أن يكون شريكا لله ومشرّعا معه للمصلحة!! أو ليخدم المسلمين!!

أزيد عليه : أو تحقيقاً للسمع والطاعة !





والخلاصة أن الأمر دين ليس تزلفات ولا ردود أفعال ولا تحين معاكسة لتيارات معينة ولو كان ذلك على حساب الثوابت"

والعجيب أن كثيراً ممن يدندن على الحاكمية ويصف من يسميهم ب( الجامية ) بالإرجاء هو مرتكس بهذه العملية الطاغوتية وإن كان هناك من جمع الأمرين

وتسمية الديمقراطيين أهل حل وعقد عبث لأن هذه مسميات شرعية لا تتفق مع المسلك الديمقراطي بل في الديمقراطية الكل ولاة أمر فالصوت تشريع والمواطن مشرع

وقد سمعت كلاماً لصالح آل الشيخ يحاول أن يبرر فيه الانتخابات البلدية بأنه حق للحاكم أرجعه للشعب

وهذا كلام عجيب فهل يجوز لولي المرأة أن يعطيها هذا الحق وتصير تزوج نفسها فهذا عقد ولاية ! 

ولو فرضنا أن مثل هذا المثل جائز فهل يجوز إعطاؤه لشعب سيختار على أسس قبلية وعصبية

ثم لو فرضنا جوازه فهل جعل الأكثرية هي المقياس كما في النظم الديمقراطية هو الطريقة الأمثل

ثم إن اليوم في المجلس البلدي وغداً مجلس تشريعي

وهل يختار الناس أطباءهم ومهندسيهم ؟!

ثم إن أمور الناس تقاس بكلام أهل الخبرة منهم وبالقواعد الشرعية كارتكاب أدنى الضررين ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح فلا يقال ما ليس فيه نص تقام فيه الانتخابات ويصير صوت العدل كصوت الفاسق وصوت الخبير كصوت الجاهل هذا من أعظم الظلم





هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي