مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: تقويم المعاصرين ( الحلقة الثالثة عشر )

تقويم المعاصرين ( الحلقة الثالثة عشر )



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :

 
هذه حلقة جديدة من حلقات تقويم المعاصرين ولا زلنا في مسائل الكفر والإيمان والموقف من المخالف وأخطاء المعاصرين في هذا الباب حصرها متعذر غير أنني أحاول ذكر الأهم فالأهم

الخطأ الحادي والسبعون : الخلط في الكلام على الصوفية بين الزنادقة الأقحاح أصحاب وحدة الوجود أو الاتحاد وبين صوفية عندهم بدع عملية أو أناس أحوالهم مستقيمة وعندهم زهد في الدنيا مع قلة في العلم

وهذه طريقة الكثير من الباحثين كخالد كبير علال وإحسان إلهي ظهير وعبد الرحمن عبد الخالق وعبد الرحمن الوكيل ومحمد حامد الفقي  حتى أنك لتظن أنه لا فرق  بين الجنيد والسري السقطي والداراني وابراهيم بن أدهم لا فرق بين هؤلاء وبين ابن عربي والحلاج وغيرهم أو أمثال القشيري والحكيم الترمذي

أو حتى أمثال البسطامي _ وإن كان هناك تردد من جهة الصحة فيما ينقل عنه _

والبحث في هؤلاء ألا يوثق فيما تذكره كتب الصوفية المتأخرين عنهم

بل يبحث في حال كل واحد منهم على حدة وسأذكر لك مثالاً في دراسة إحسان إلهي ظهير عن التصوف وكلامه العجيب عن إبراهيم بن أدهم يقرب لك المعنى الذي أريد

يقول إحسان إلهي ظهير في ص51 من كتابه الصوفية والتصوف :" وننقل هذه القصة من تذكرة صوفية قديمة (تذكرة الأولياء) لفريد اليدن العطار , مقتبسين ترجمتها العربية من صادق نشأت:

(إن إبراهيم بن أدهم كان ملكا لبلخ , وتحت إمرته عالم , وكانوا يحملون أربعين سيفا من الذهب وأربعين عمودا من الذهب من أمامه ومن خلفه , وكان نائما ذات ليلة على السرير , فتحرك سقف البيت ليلا , كأنما يمشي أحد على السطح , فنادى: من هذا .. ؟ فقال: صديق فقدت بعيرا أبحث عنه على هذا السقف , فقال: أيها الجاهل , أتبحث عن البعير فوق السطح ... ؟ فقال له: وأنت أيها الغافل تطلب الوصول إلى الله في ثياب حريرية وأنت نائم على سرير من ذهب ... ؟ فوقعت الهيبة في نفسه من هذا الكلام , واندلعت في قلبه نار , فلم يستطع النوم حتى الصباح , وعندما أشرق الصبح ذهب إلى الإيوان وجلس على السرير متحيرا مفكرا حزينا , ووقف أركان الدولة كل في مكانه واصطف الغلمان وأذنوا إذنا عاما , فدخل رجل مهيب من الباب بحيث لم يكن لأي أحد من الخدم أو الحشم الجرأة على أن يقول له من أنت , ولم ينبسوا ببنت شفه , وتقدم الرجل حتى واجه سرير إبراهيم , فقال له: ماذا تريد .. ؟ قال: أنزل في هذا الرباط , قال: ليس هذا برباط , إنما هو قصري , وإنك لمجنون , فقال: لمن كان هذا القصر قبل هذا؟ قال: كان لأبي , قال وقبل ذلك , قال: كان ملكا لجدي ... وقبل ذلك؟ قال: ملكا لفلان , قال: أو ليس الرباط هو ما يحل به أحد ويغادره الآخر .. ؟ قال هذا واختفى , وكان هو الخضر عليه السلام , فازدادت حرقة روح إبراهيم ولوعته , وازداد ألمه حدة نتيجة لهذه الحال , وازدادت هذه الحال من واحد إلى مائة ضعف , إذ أنه رأى أنه قد اجتمع ما شاهده نهارا مع ما وقع ليلا ولم يعرف مما سمع , ولم يعلم ماذا رأى اليوم , فقال: أسرجوا الجواد لأني أريد الذهاب للصيد , فقد حدث لي اليوم شيء لست أدري ما هو , فيا إلهي إلى أين تنتهي هذه الحال ... ؟ فأسرجوا له جوادا , وتوجه للصيد , فكان يتجول في البرية دهشا بحيث لم يعرف ماذا يفعل , فأنفصل عن جيشه وهو في تلك الحال من الدهش , فسمع صوتا في الطريق يقول له: انتبه , فانتبه , ولم يصغ إليه , وذهب وجاءه هذا النداء للمرة ثانية , فلم يعره سمعا للمرة الثالثة نفس ذلك النداء , فأبعد نفسه عنه , وسمع للمرة الرابعة من يقول: (انتبه قبل أن تنبه) ففقد صوابه تماما وفجأة ظهرت غزالة فشغل نفسه بها , فأخذت الغزالة تخاطبه قائلة: إنهم بعثوني لصيدك , وإنك لن تستطيع صيدي , ألهذا خلقت؟ أو بهذا أمرت؟ إنك خلقت للذي للذي تعمله وليس لك عمل آخر , فقال إبراهيم: ترى ما هذه الحال .... ؟

وأشاح بوجهه عن الغزالة , فأرتفع نفس ذلك الصوت الذي قد سمعه من الغزالة من قربوس السرج , فوقر في نفسه الخوف والفزع وأزداد كشفا , وحيث أن الحق تعالى أراد أن يتم الأمر ارتفع ذلك الصوت ثلاث مرات أخر من حلقة جيبه , وبلغ ذلك الكشف هنا حد الكمال , وأنفتح عليه الملكوت ونزل , وحصل له اليقين , فابتلت الملابس والجواد من ماء عينيه , وتاب توبة نصوحا , وانتحى ناحية من الطريق , فرأى راعيا يرتدي لبادا , وقد وضع قلنسوة من اللباد على رأسه , وأمامه الأغنام وأخذ منه اللباد ولبسه ووضع قلنسوة اللباد على رأسه وطفق يسير راجلا في الجبال والبراري هائما على وجهه ينوح من ذنوبه , ثم غادر المكان إلى أن بلغ نيسابور , فأخذ يبحث عن زاوية خالية يتعبد فيها حتى وصل إلى ذلك الغار المعروف واعتكف فيه تسعة أعوام.


ومن ذا الذي يعلم ما كان يفعله هناك في الليل والنهار , إنه ينبغي أن يكون رجلا عظيما ذا مادة واسعة حتى يستطيع الإقامة في مثل ذلك المكان , وصعد إبراهيم يوم خميس إلى ظاهر الغار وجمع حزمة حطب واتجه في الصباح إلى نيسابور حيث باعها , وصلى الجمعة واشترى بثمن الحطب خبزا , وأعطى نصفه لفقير وتناول النصف الآخر , وأتخذ منه إفطاره وداوم صيامه حتى الأسبوع التالي , وبعد أن وقف الناس على شأنه هرب من الغار وتوجه إلى مكة , وقيل أنه بقي أربعة عشر عاما يطوي البادية حيث كان يصلي ويتضرع طوال الطريق حتى أشرف على مكة , وروي أنه كان له طفل رضيع عند مغادرته بلخ , ولما أيفع طلب من أمه أباه , فقصت له الأم الحال قائلة: إن أباك قد تاه , ونقل عنه أنه قال: عندما كنت أسير في البادية متوكلا , ولم أتناول شيئا مدة ثلاثة أيام جاءني إبليس وقال: أنت ملك , وتركت هذه النعمة لتذهب جائعا إلى الحج ... ؟ لقد كان بمقدورك الحج بعز وجلال حتى لا يصيبك كل هذا الأذى , قال: عندما سمعت هذا الكلام منه رفعت صوتي وقلت: إلهي ‍‍!! سلطت العدو على الصديق حتى يحرقني فأغثني حتى أستطيع قطع هذه البادية بعونك , فسمعت صوتا يقول: يا إبراهيم ‍! ألق ما في جيبك حتى تكشف ما هو في الغيب فمددت يدي إلى جيبي فوجدت أربعة دوانيق فضية كانت قد بقيت منسية , ولما رميتها جفل إبليس مني وظهرت قوة من الغيب) (1).


وورد ذكره وحكايته أيضا في (طبقات الصوفية) للسلمي (2) ... .

وفي (حلية الأولياء) للأصبهاني (3).

وفي (الرسالة) للقشيري (4).

وفي (جمهرة الأولياء) للمنوفي الحسيني (5).

وفي (نفحات الأنس) للجامي (6).

وفي (طبقات الأولياء) لابن الملقن المتوفى 804 هـ (7).

وفي (الطبقات الكبرى) للشعراني (8).


فهذه هي قصة إبراهيم بن أدهم , وفيها ما فيها من ترك الأهل والزوج والولد بدون جريمة إرتكبوها , وإثم اقترفوه , خلافا لأوامر القرآن وإرشادات الرسول صلى الله عليه وسلم , المشهورة المعروفة شبها ببوذا , وهاهي خلاصة قصته:


(وكانت قبيلة ساكياس تقطن في شمال بنارس , وهي التي ولد فيها أواسط القرن السادس قبل الميلاد , وقد مات في سنة 478 قبل الميلاد بعد أن عمر ثمانين عاما. وتزوج بوذا في سن التاسعة عشرة ابنة عمه , وكان في رغد وسعادة. وبينما كان يسير يوما إلى الصيد وهو في التاسعة والعشرين شاهد رجلا قد بلغ من كبر سنه منتهى الضعف والعجز , ورأى في وقت آخر شخصا مبتلى بمرض استعصى علاجه ويحتمل الآلام وبعد مدة أخرى تأثر واشمأز لرؤية منظرا كريها لجثة في حالة من الفساد , وكان خادمه وصاحبه الوفي المسمى (جانا) يذكره وينبهه في كل هذه الحالات ويقول له: (هذا هو مصير حياة البشر) وشاهد بوذا أحد النساك يمر عليه وهو في منتهى الراحة والأبهة والكرامة فسأل جانا ما حال هذا الرجل .. ؟ فحكى له جانا تفصيلا عن أخلاق الزهاد الذين أعرضوا عن كل شيء وعن أحوالهم , وقال له: إن هؤلاء الجماعة في سير وأرتحال دائم وهم يعلمون الناس أثناء سياحتهم ورحلاتهم تعاليم هامة بالقول والعمل.

والخلاصة أنه برغم إختلاف الروايات لا شك في أن ذهن هذا الأمير الشاب قد أخذ يضطرب تدريجيا وينفر من الحياة وضوضائها.


ووفد عليه رسول يوما في أثناء أزماعه العودة من النزهة وبشره بميلاد ولد هو أول مولود له , فقال بوذا لنفسه في تلك الحالة النفسية المضطربه دون أن يشعر: (ما هي ذي رابطة جديدة تربطني بالدنيا). والخلاصة أنه عاد إلى المدينة بينما كان المطربون يلتفون حوله. فطرب ورقص في تلك الليلة أقاربه وذوو رحمه فرحا بالمولود الجديد. لكن بوذا كان من الامتعاض والاضطراب بحيث لم يكترث بتلك الأوضاع أبدا. وأخيرا نهض من فراشه في آخر الليل كمن التهمت النار داره وأوعز إلى جانا أن يحضر له الفرس ومد رأسه في هذه الأثناء إلى غرفة زوجته وولده الوحيد من غير أن يوقظهما وعلى العتبة أخذ على نفسه عهدا ألا يعود إلى داره ما لم يصبح (بوذا) أي (حكيما مستنيرا) وقال:

(أذهب لأعود إليكم معلما وهاديا لا زوجا ووالدا) والخلاصة أنه خرج مع جانا وهام في البراري , وفي هذه اللحظة ظهر في السماء (مارا) أي الوسواس الكبير (إبليس أو النفس الأمارة) ووعده بالملك والعز في الدنيا بأسرها لكي يرجع عن عزمه لكنه لم يقع في شرك الوسوسة. فسار بوذا قليلا في تلك الليلة على شاطئ النهر ثم وهب لجانا جوهره وملابسه الفاخره وأعاده ومكث سبعة أيام بلياليها في غابة ثم التحق إلتحق بخدمة برهمي يدعى (الارا) كان في تلك البقعة وأختار بعد ذلك صحبة برهمي آخر يسمى (أودراكا) وتعلم من هذين الرجلين حكمة وعلوم الهند كلها , ولكن قلبه لم يستقر بعد فذهب إلى غابة كانت في أحد الجبال , وهناك صحب خمسة من التلاميذ الذين كانوا يحيطون به ومارس التوبة والرياضات الشاقة ست سنين حتى اشتهر في تلك الناحية , فاعتزم لهذا أن يهجر ذلك المكان ولما قام ليذهب سقط على الأرض لشدة ضعفه وعجزه , وغاب عن وعيه بحيث ظن تلاميذه أنه فارق الحياة , ولكنه عاد إلى رشده فترك الرياضات الشاقة منذ ذلك الحين وأخذ يأكل طعامه بانتظام , ولما رأى التلاميذ الخمسة الذين كانوا في صحبته أنه مل من الرياضة نفضوا أيديهم من إحترامه وتركوه وذهبوا بنارس.


أما بوذا فإنه ترك ملذات الدنيا وثروتها والمقام فيها حتى ينال الضمير والطمأنينة عن طريق التعلم والفلسفة وحكمة الآخرين فلم يستطع أن ينال بتلك الرياضة والتوبة طمأنينة القلب التي كان يصبوا إليها والحاصل أنه بقي حيران في أمره ذاهلا وفي نفس ذلك اليوم الذي تفرق فيه عن تلامذته مكث بوذا تحت شجرة يتأمل ويفكر في نفسه , ماذا يعمل ... ؟ وأي طريق يتبع .. ؟ وهاجمته وساوس كثيرة وتاقت نفسه إلى الزوجة والولد والجاه والثروة والترف والنعيم , واستمر هذا الكفاح والجهاد مع النفس حتى غروب الشمس. ونتيجة لهذا الكفاح اتصل (بنير فانا) وتأكد لديه أنه أصبح (بوذا) أي أنه نال الإشراق واستنار , وحينئذ نال بوذا ما كان يصبو إليه من الراحة والطمأنينة. لذلك عزم أن يمارس الإرشاد. وأن يعرض رغبته على الآخرين , وكان بوذا وقتئذ في الخامسة والثلاثين من عمره فقصد في بادئ الأمر أستاذيه (الارا) و (أودراكا) ولكنه علم بعد , بأنهما قد توفيا , فذهب إلى تلامذته الخمسة من بنارس وأرشدهم وجعلهم من أتباعه , وآمن به أبوه وأمه وزوجته كذلك , ثم أمر زمرة من خواص مريديه أن يقوموا بإرشاد الناس) (1) ... .


فهذه هي خلاصة قصة بوذا , وهي عين ما ذكره الصوفية عن إبراهيم بن أدهم ابن الأمير البلخي الذي طلق الدنيا وتزيّا بزيّ الدراويش , وبلغ درجة أكابر الصوفية برياضته الطويلة , وتلك صورة طبق لأصل لما كانوا قد سمعوه عن حياة بوذا (2).


ثم علّق عليه الدكتور قاسم غني الباحث الإيراني بقوله: (وحدس (جولدزيهر) يمكن أن يكون صحيحا وهو من الأحتمالات القريبة من الواقع , وقد شوهدت لها نظائر كثيرة - إلى أن قال -: وإذا ما قارن أحد بين قصة بوذا كما وردت في مدونات البوذيين بقصة إبراهيم بن أدهم ذات الطابع الأسطوري , الواردة في كتب تراجم العارفين مثل (حلية الأولياء) للأصفهاني , و (تذكرة الأولياء) للشيخ العطار وجد شبها عجيبا بين تلك القصتين يستلف نظرة).


هذا وهناك أقوال لإبراهيم بن أدهم وغيره من كبار الصوفية وأقطابهم في الزواج والأولاد تخبر بجلاء عن مواردها ومنابعها , فها هي تلك الأقوال من أهم كتب الصوفية:

ينقل الطوسي والعطار عن إبراهيم بن أدهم أنه قال:

(إذا تزوج الفقير فمثله مثل رجل قد ركب السفينة , فإذا ولد له ولد قد غرق)


ونقل السهروردي عنه أنه قال: (من تعود أفخاذ النساء لا يفلح)"


أقول : هذا الفصل فيه أكاذيب عديدة وقع فيها إحسان إلهي ظهير بسبب تقليده للمستشرق الكذاب جولتسيهر


فهذا الفصل خلاصته أن إبراهيم بن أدهم كان ملكاً وكانت رحلة توبته مقسمة على رؤيا رآها ثم دخول الخضر عليه ثم مخاطبة غزالة له وانتهى به الأمر إلى اعتكف في مغارة تسع سنوات !!


ثم إن الشيخ إحسان عفا الله عنه ادعى وجود هذه القصة في حلية الأولياء لأبي نعيم وطبقات الصوفية للسلمي ! والرسالة القشيرية !


وهذا كذب ورب الكعبة !


فلا وجود لهذه القصة في هذه الكتب الثلاثة وما أعلم عن البقية وإليك قصة إبراهيم بن أدهم في حلية الأولياء لأبي نعيم


قال أبو نعيم في الحلية (7/368) : حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ إِسْحَاقَ السَّرَّاجُ، قَالَ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ بْنَ بَشَّارٍ، - وَهُوَ خَادِمُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَدْهَمَ يَقُولُ: قُلْتُ: " يَا أَبَا إِسْحَاقَ، كَيْفَ كَانَ أَوَائِلُ أَمْرِكَ حَتَّى صِرْتَ إِلَى مَا صِرْتَ إِلَيْهِ , قَالَ: غَيْرُ ذَا أَوْلَى بِكَ , فَقُلْتُ لَهُ: هُوَ كَمَا تَقُولُ رَحِمَكَ اللهُ , وَلَكِنْ أَخْبَرَنِي لَعَلَّ اللهَ أَنْ يَنْفَعَنَا بِهِ يَوْمًا , فَسَأَلْتُهُ الثَّانِيَةَ فَقَالَ: وَيْحَكَ اشْتَغِلْ بِاللهِ , فَسَأَلْتُهُ الثَّالِثَةَ فَقُلْتُ: يَا أَبَا إِسْحَاقَ , إِنْ رَأَيْتَ قَالَ: كَانَ أَبِي مِنْ أَهْلِ بَلْخٍ , وَكَانَ مِنْ مُلُوكِ خُرَاسَانَ , وَكَانَ مِنَ الْمَيَاسِرِ , وَحُبِّبَ إِلَيْنَا الصَّيْدُ , فَخَرَجْتُ رَاكِبًا فَرَسِي , وَكَلْبِيَ مَعِي , فَبَيْنَمَا أَنَا كَذَلِكَ فَثَارَ أَرْنَبٌ أَوْ ثَعْلَبٌ , فَحَرَّكْتُ فَرَسِي , فَسَمِعْتُ نِدَاءً مِنْ وَرَائِي: لَيْسَ لِذَا خُلِقْتَ , وَلَا بِذَا أُمِرْتَ , فَوَقَفْتُ أَنْظُرُ يَمْنَةً وَيَسْرَةً فَلَمْ أَرَ أَحَدًا , فَقُلْتُ: لَعَنَ اللهُ إِبْلِيسَ , ثُمَّ حَرَّكْتُ فَرَسِي , فَأَسْمَعُ نِدَاءً أَجْهَرَ مِنْ ذَلِكَ: يَا إِبْرَاهِيمُ , لَيْسَ لِذَا خُلِقْتَ , وَلَا بِذَا أُمِرْتَ , فَوَقَفْتُ أَنْظُرُ يَمْنَةً وَيَسْرَةً فَلَا أَرَى أَحَدًا , فَقُلْتُ: لَعَنَ اللهُ إِبْلِيسَ , ثُمَّ حَرَّكْتُ فَرَسِي , فَأَسْمَعُ نِدَاءً مِنْ قُرْبُوسِ سَرْجِي: يَا إِبْرَاهِيمُ , مَا لِذَا خُلِقْتَ , وَلَا بِذَا أُمِرْتَ , فَوَقَفْتُ فَقُلْتُ: أَنَبْتُ , أَنَبْتُ , جَاءَنِي نَذِيرٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ , وَاللهِ لَا عَصَيْتُ اللهَ بَعْدَ يَوْمِي ذَا , مَا عَصَمَنِي رَبِّي , فَرَجَعْتُ إِلَى أَهْلِي فَخَلَّيْتُ عَنْ فَرَسِي، ثُمَّ جِئْتُ إِلَى رُعَاةٍ لِأَبِي , فَأَخَذْتُ مِنْهُمْ جُبَّةً، وَكِسَاءً , وَأَلْقَيْتُ ثِيَابِي إِلَيْهِ , ثُمَّ أَقْبَلْتُ إِلَى الْعِرَاقِ , أَرْضٌ تَرْفَعُنِي , وَأَرْضٌ تَضَعُنِي , حَتَّى وَصَلْتُ إِلَى الْعِرَاقِ , فَعَمِلْتُ بِهَا أَيَّامًا , فَلَمْ يَصْفُ لِي مِنْهَا شَيْءٌ مِنَ الْحَلَالِ , فَسَأَلْتُ بَعْضَ الْمَشَايخِ عَنِ الْحَلَالِ , فَقَالُوا لِي: إِذَا أَرَدْتَ الْحَلَالَ فَعَلَيْكَ بِبِلَادِ الشَّامِ , فَصِرْتُ إِلَى بِلَادِ الشَّامِ , فَصِرْتُ إِلَى مَدِينَةٍ يُقَالُ لَهَا الْمَنْصُورَةُ - وَهِيَ الْمِصِّيصَةُ - فَعَمِلْتُ بِهَا أَيَّامًا , فَلَمْ يَصْفُ لِي شَيْءٌ مِنَ الْحَلَالِ , فَسَأَلْتُ بَعْضَ الْمَشَايخِ فَقَالُوا لِي: إِنْ أَرَدْتَ الْحَلَالَ الصَّافِيَ فَعَلَيْكَ بِطَرَسُوسَ , فَإِنَّ فِيهَا الْمُبَاحَاتِ وَالْعَمَلَ الْكَثِيرَ , فَتَوَجَّهْتُ إِلَى طَرَسُوسَ , فَعَمِلْتُ بِهَا أَيَّامًا أَنْظُرُ الْبَسَاتِينَ , وَأَحْصِدُ الْحَصَادَ , فَبَيْنَا أَنَا قَاعِدٌ عَلَى بَابِ الْبَحْرِ إِذْ جَاءَنِي رَجُلٌ فَاكْتَرَانِي أَنْظُرُ لَهُ بُسْتَانَهُ , فَكُنْتُ فِي بَسَاتِينَ كَثِيرَةٍ , فَإِذَا أَنَا بِخَادِمٍ قَدْ أَقْبَلَ وَمَعَهُ أَصْحَابُهُ , فَقَعَدَ فِي مَجْلِسِهِ ثُمَّ صَاحَ: يَا نَاظُورُ , فَقُلْتُ: هُوَ ذَا أَنَا , قَالَ: اذْهَبْ فَأْتِنَا بِأَكْبَرِ رُمَّانٍ تَقْدِرُ عَلَيْهِ [ص:369] وَأَطْيَبِهِ , فَذَهَبْتُ فَأَتَيْتُهُ بِأَكْبَرِ رُمَّانٍ , فَأَخَذَ الْخَادِمُ رُمَّانَةً فَكَسَرَهَا فَوَجَدَهَا حَامِضَةً , فَقَالَ لِي: يَا نَاظُورُ أَنْتَ فِي بُسْتَانِنَا مُنْذُ كَذَا، تَأْكُلُ فَاكِهَتِنَا , وَتَأْكُلُ رُمَّانَنَا لَا تَعْرِفُ الْحُلْوَ مِنَ الْحَامِضِ؟ قَالَ إِبْرَاهِيمُ: قُلْتُ: وَاللهِ مَا أَكَلْتُ مِنْ فَاكِهَتِكُمْ شَيْئًا , وَمَا أَعْرِفُ الْحُلْوَ مِنَ الْحَامِضِ , فَأَشَارَ الْخَادِمُ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: أَمَا تَسْمَعُونَ كَلَامَ هَذَا؟ ثُمَّ قَالَ: أَتُرَاكَ لَوْ أَنَّكَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَدْهَمَ مَا زَادَ عَلَى هَذَا , فَانْصَرَفَ , فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ ذَكَرَ صِفَتِي فِي الْمَسْجِدِ , فَعَرَفَنِي بَعْضُ النَّاسِ , فَجَاءَ الْخَادِمُ وَمَعَهُ عُنُقٌ مِنَ النَّاسِ , فَلَمَّا رَأَيْتُهُ قَدْ أَقْبَلَ مَعَ أَصْحَابِهِ اخْتَفَيْتُ خَلْفَ الشَّجَرِ , وَالنَّاسُ دَاخِلُونَ , فَاخْتَلَطْتُ مَعَهُمْ وَهُمْ دَاخِلُونَ وَأَنَا هَارِبٌ، فَهَذَا كَانَ أَوَائِلَ أَمْرِي وَخُرُوجِي مِنْ طَرَسُوسَ إِلَى بِلَادِ الرِّمَالِ.


أقول : فهذه القصة تختلف عن القصة الآنفة بعدة أمور


أولها : أن فيها أن إبراهيم كان ابن ملك وليس ملكاً


ثانياً : لا وجود لذكر أبهة الملك ولا الخضر ولا مخاطبة الغزالة له


ثالثاً : لا وجود لأمر الاعتزال في الغار بل فيها أنه كان يعمل ويطلب المال الحلال


رابعاً : لا وجود لذكر هجره لزوجته وولده أو أنه كان له زوجة وولد أصلاً


خامساً : لا وجود لذكر خطابه مع إبليس


وهذه القصة ذكر نحواً منها السلمي في الطبقات والقشيري في الرسالة


فإذا علمت هذا علمت بطلان المقارنة بين بوذا وإبراهيم بن أدهم فشتان بين الرجلين


وقد ظلم إحسان إلهي ظهير إبراهيم بن أدهم في أمر الزواج فالرجل لم يكن يدعو للتبتل بل كان يثني على من عنده ولد ينفق عليه


قال أبو نعيم في الحلية (8/21) : حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ يَزِيدَ , ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حُمْرَانَ النَّيْسَابُورِيُّ , ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الشَّامِيُّ , قَالَ: سَمِعْتُ بَقِيَّةَ , يُحَدِّثُ فِي مَسْجِدِ حِمْصٍ , قَالَ: جَلَسَ إِلَيَّ إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَدْهَمَ , فَقُلْتُ: أَلَا تَتَزَوَّجُ قَالَ: " مَا تَقُولُ فِي رَجُلٍ غَرَّ امْرَأَةً مَسْلِمَةً وَخَدَعَهَا , قُلْتُ: مَا يَنْبَغِي هَذَا قَالَ: فَجَعَلْتُ أُثْنِي عَلَيْهِ فَقَالَ: أَلَكَ عِيَالٌ؟ قُلْتُ: بَلَى , قَالَ: رَوْعَةٌ تُرَوَّعُكَ عِيَالُكَ أَفْضَلُ مِمَّا أَنَا فِيهِ "


حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْمُنْعِمِ بْنِ عُمَرَ , ثنا أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ , ثنا عَبَّاسٌ الدُّورِيُّ، ثنا أَبُو إِبْرَاهِيمَ التَّرْجُمَانِيُّ , ثنا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ , قَالَ: صَحِبْتُ إِبْرَاهِيمَ بْنَ أَدْهَمَ فِي بَعْضِ كُوَرِ الشَّامِ وَهُوَ يَمْشِي وَمَعَهُ رَفِيقَهُ فَانْتَهَى إِلَى مَوْضِعِ فِيهِ مَاءٌ وَحَشِيشٌ فَقَالَ لِرَفِيقِهِ: أَتَرَى مَعَكَ فِي الْمِخْلَاةِ شَيْءً , قَالَ: مَعِي فِيهَا كِسَرٌ فَنَثَرَهَا فَجَعَلَ إِبْرَاهِيمُ يَأْكُلُ , فَقَالَ لِي: يَا بَقِيَّةُ ادْنُ فَكُلْ قَالَ: فَرَغِبْتُ فِي طَعَامِ إِبْرَاهِيمَ فَجَعَلْتُ آكُلُ مَعَهُ , قَالَ: ثُمَّ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ تَمَدَّدَ فِي كِسَائِهِ فَقَالَ: يَا بَقِيَّةُ مَا أَغَفْلَ أَهْلُ الدُّنْيَا عَنَّا مَا فِي الدُّنْيَا أَنْعَمَ عَيْشًا مِنَّا , مَا أَهْتَمُّ بِشَيْءٍ إِلَّا لِأَمْرِ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيَّ فَقَالَ: يَا بَقِيَّةُ لَكَ عِيَالٌ قُلْتُ: إِي وَاللهِ يَا أَبَا إِسْحَاقَ إِنَّ لَنَا لَعِيَالًا قَالَ: فَكَأَنَّهُ لَمْ يَعْبَأْ بِي فَلَمَّا رَأَى مَا بِوَجْهِي , قَالَ: وَلَعَلَّ رَوْعَةَ صَاحِبِ عِيَالٍ أَفْضَلَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ " حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَيَّانَ، ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ، ثنا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ عَنْ بَقِيَّةَ نَحْوَهُ مُخْتَصَرًا


وقال ابن أبي الدنيا في العيال 29 - حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ زِيَادٍ الْبَاهِلِيُّ، حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ، قَالَ: لَقِيتُ إِبْرَاهِيمَ بْنَ أَدْهَمَ فَقَالَ: مَا جَاءَ بِكَ؟ قُلْتُ: الْحَدِيثُ قَالَ: مَتَى عَهْدُكَ بِي فَإِنِّي أُحِبُّ الْحَدِيثَ؟ قُلْتُ: زَوِّدْنِي حَدِيثًا وَاحِدًا لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَنْفَعَنِي بِهِ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو ثَابِتٍ وَلَوْ رَأَيْتَ أَبَا ثَابِتٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «حَسْبِي خَالِقِي مِنْ خَلْقِهِ حَسْبِي دِينِي مِنْ دُنْيَايَ» ثُمَّ قَالَ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، لَكَ عِيَالٌ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ ، قَالَ: لَرَوْعَةٌ تُرَوِّعُكَ ابْنَتُكَ أَوْ زَوْجَتُكَ تَقُولُ الْخُبْزُ وَالْخُبْزُ فِي السَّلَّةِ إِلَى أَنْ تَأْخُذَهُ فَتَنَاوَلَهَا إِيَّاهُ أَنْتَ فِيهِ أَعْظَمُ أَجْرًا مِمَّا تَرَانِي فِيهِ قُلْتُ: فَمَا يَمْنَعُكَ قَالَ: الضَّعْفُ.


فها هو يحث الناس على الزواج والإنجاب ويرى نفسه ضعيفاً عن هذا الأمر ويثني على المنفق على ولده بأنه خير منه


وأما الخبر الذي ذكره في مسألة تزوج الفقير عن إبراهيم فهذا قول سفيان الثوري في عموم الرجال وله توجيه


قال الخطيب في الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع 66 - نا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، أنا أَحْمَدُ بْنُ سَلْمَانَ بْنِ الْحَسَنِ النَّجَّادُ، نا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْوَاسِطِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مَنْصُورٍ الْحَارِثَ بْنَ مَنْصُورٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ، يَقُولُ: «إِذَا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ رَكِبَ الْبَحْرَ، فَإِذَا وُلِدَ لَهُ كُسِرَ بِهِ»


67 - وأنا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ الْوَاعِظُ، أنا دَعْلَجُ بْنُ أَحْمَدَ الْمُعَدَّلُ، نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سُلَيْمَانَ، نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ خُبَيْقٍ، نا يُوسُفُ بْنُ أَسْبَاطٍ، قَالَ: قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَدْهَمَ: " كَانَ يُقَالُ: مَنْ تَزَوَّجَ فَقَدْ رَكِبَ الْبَحْرَ، فَإِذَا وُلِدَ لَهُ فَقَدْ كُسِرَ بِهِ "


وسفيان نفسه كان متزوجاً وعنده أولاد وكان يحث على النفقة على الأولاد ويقول ( الكسب الحلال عمل الأبطال )


وإنما مثل هذا الأثر توجيهه حكاية أحوال الناس وأن أحدهم لا يصبر على طلب العلم وتحصيل المعالي مع وجود الزوجة والأولاد وهذا حال أغلب الناس ، فهذا ليس ذماً للزواج وإنما ذم لحال الناس مع الزواج وفرق بين الأمرين


ومثل هذا آثار السلف في ذم القضاء بل ورد حديث مرفوع ( من ولي القضاء فقد ذبح بغير سكين ) وهذا ذم باعتبار الأكثر من أحوال الناس وإلا لا بد للناس من قاض ولكن ما أندر العدل على الناس


ومثل هذا في الأثر الوارد في تعود أفخاذ النساء فهذه كناية عن الإقبال الكلي على أمر الشهوة وحقاً من كان كذلك لا يفلح وإنما الفلاح بالاقتصاد وهذا كذم الإكثار من الطعام والشراب  ولهذا كان كثير من المحدثين يروون هذه الآثار ولا يستشكلونها


ولا يختلف علماء السلف في الثناء على إبراهيم بن أدهم


قال ابن معين : عابد ثقة .

و قال ابن نمير و العجلى : ثقة .

و قال ابن حبان فى " الثقات " : كان صابرا على الجهد و الفقر ( فى الأصل : الفقه ، والتصويب من " الثقات " ) و الورع الدائم و السخاء الوافر إلى أن مات فى بلاد الروم سنة إحدى و ستين .

ثم روى عن أبى الأحوص قال : رأيت من بكر بن وائل خمسة ما رأيت مثلهم فذكره فيهم .

و قال أحمد فى " الزهد " : سمعت سفيان بن عيينة يقول : رحم الله أبا إسحاق يعنى إبراهيم بن أدهم قد يكون الرجل عالما بالله ليس يفقه أمر الله . اه

قال النسائى : ثقة مأمون أحد الزهاد .

و قال أبو عبد الرحمن السلمى النيسابورى : سألت الدارقطنى عنه ، فقال : إذا روى عنه ثقة ، فهو صحيح الحديث .

و قال عباس الدورى عن يحيى بن معين : إبراهيم بن أدهم ، رجل من العرب من بنى عجل .

و قال البخارى : قال لى قتيبة : هو تميمى كان بالكوفة ، و يقال له : العجلى كان بالشام .

و قال المفضل بن غسان الغلابى : أخبرنى أبو محمد اليمامى : أن إبراهيم بن أدهم خرج مع جهضم من خراسان ، هرب من أبى مسلم . فنزل الثغور و هو رجل من بنى عجل .

و قال يعقوب بن سفيان : إبراهيم بن أدهم عربى كان ينزل خراسان ، فتحول إلى الشام ، و هو من الخيار الأفاضل .

و قال أبو زرعة الدمشقى فى ذكر نفر أهل فضل و زهد : منهم إبراهيم بن أدهم .

و قال أبو عبد الله بن مندة الحافظ : إبراهيم بن أدهم بن منصور بن يزيد بن جابر بن ثعلبة بن سعد بن حلام بن غزية بن أسامة بن ربيعة بن ضبيعة بن عجل بن لجيم . نسبه إبراهيم بن يعقوب عن محمد بن كناسة .

و روى عن إبراهيم بن شماس قال : سمعت الفضل بن موسى يقول : حج أدهم أبو إبراهيم بأم إبراهيم بن أدهم و كانت به حبلى ، فولدت إبراهيم بمكة ، فجعلت تطوف به على الخلق فى المسجد و تقول : ادعوا لابنى أن يجعله الله رجلا صالحا .


وما يذكر عنه في كتب متأخري الصوفية لا ينبغي أن يكون معياراً في الحكم على الرجل لأن عامته لا يصح إن انفرد عن كتب الأوائل


وأما ما يذكر عنه أنه قال :" إِنْ كُنْتَ تُحِبُّ أَنْ تَكُونَ لِلَّهِ وَلِيًّا وَهُوَ لَكَ مُحِبًّا فَدَعِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ وَلَا تَرْغَبَنَّ فِيهِمَا وَفَرِّغْ نَفْسَكَ مِنْهُمَا وَأَقْبِلْ بِوَجْهِكَ عَلَى اللَّهِ يُقْبِلِ اللَّهُ بِوَجْهِهِ عَلَيْكَ وَيَلْطُفْ بِكَ"


فهذا في سنده السلمي المتهم بالكذب وفي سنده مبهم


والعجيب أن هذه الكلمة التي لا يتكلم بها رجل صالح لأن فيها دعوة لترك الآخرة ! ذكرها عبد الكريم بن صالح الحميد مقراً لها ! في كتابه منازل الحور العين ! ص82 وينبغي عليه التوبة من هذا الأمر


والعجيب أن إبراهيم بن أدهم مع اتفاق الأوائل على الثناء على زهده يتحاذق المتأخرون عليه ويتحاملون وأما أبو حنيفة صاحب الرأي الذي جرحه الأوائل وتكلموا في فقهه وحديثه وعقيدته فهو محل تعظيم خارج عن الحد فسبحان الله




ونظير هذا جرأتهم على كعب الأحبار وجرأتهم على بعض الصحابة الذين نسب إليهم كذباً المشاركة في قتل عثمان كعمرو بن الحمق الخزاعي كما فعل محب الدين الخطيب في تعليقه على العواصم


والمأخذ العظيم على رسالة إحسان أنه صدق ما ينقل متأخري الصوفية عن رجال صالحين ثم أطلق لسانه في أولئك الصالحين وهذا غلط 


وبعض ما ينقل صحيح عن أقوام فجرة والصوفية يخلطون بين الصالح والطالح إذا ذكروا متبوعيهم كما يفعل أهل الكلام والصالحون بريئون منهم جميعاً 


كما أن إحسان استسلم لأكاذيب المستشرقين استسلاماً مذلاً


فقال إحسان :"  ثم وبعد ذكر هذه العبارات كتب نيكلسون ما خلاصته: (أن ذا النون كان كثير العكوف على دراسة النقوش البصرية المكتوبة على المعابد وحل رموزها , كما كانت مصر القديمة في نظر المسلمين مهد علوم الكيمياء والسحر وعلوم الأسرار , وكان هو من أصحاب الكيمياء والسحر مع أن الإسلام حرم السحر , ولذلك ستره بلباس الكرامات , ومن هنا بدا تأثير السحر في التصوف , ويؤيد ذلك استخدام ذي النون الأدعية السحرية واستعماله البخور لذلك كما ذكره القشيري في رسالته"


وهذا كذب بارد لا أمارة عليه من الحق


ومما يذكر لإبراهيم بن أدهم أنه كان يكره لبس الصوف


قال أبو نعيم في الحلية (7/380) :  حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، ثنا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ، ثنا ضَمْرَةُ، قَالَ: " كُنَّا مَعَ إِبْرَاهِيمَ، بِصُورَ فِي بَيْتِهِ , قَالَ: وَكَانَ يَحْصُدُ , وَكَانَ سُلَيْمَانُ أَبُو إِلْيَاسَ جَالِسًا عَلَى الْبَابِ عَلَيْهِ جُبَّةُ صُوفٍ , فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: يَا سُلَيْمَانُ , ادْخُلْ ادْخُلْ لَا يَمُرُّ بِكَ إِنْسَانٌ فَيَظُنُّ أَنَّكَ سَائِلٌ فَيُعْطِيَكَ شَيْئًا "


وما أسوأ المواطن لإحسان إلهي ظهير قوله في دراسته الثانية عن التصوف والذي قدم لها اللحيدان :"  هذا ويذكر الدريني عن صوفي مشهور ملقب بمسروق أنه حج فما نام قط إلا ساجدا (2). أهذه مفخرة أم زيادة على اكتاب والسنة؟"


مسروق هذا ليس صوفياً وإنما هو تابعي مخضرم كان مولى لعائشة وهو من كبار فقهاء التابعين وفعله هذا رواه الأئمة على جهة الإعجاب وقد كان يفعله والصحابة متوافرون


قال ابن أبي شيبة في المصنف 34866 - عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: «حَجَّ مَسْرُوقٌ فَمَا نَامَ إِلَّا سَاجِدًا»


وهذا من شدة تعلقه بالصلاة فكان يقوم الليل في حجة مستفيداً من أفضلية المكان وتطلب نفسه النوم ولكنه يلتذ بالصلاة فما يشعر إلا وهو نائم في الصلاة ، نعم ورد الخبر في النهي عن صلاة الرجل وهو نعسان حتى يعقل ما يقول وفعل مسروق يحمل على أنه كان يعقل ولكنه يطيل في السجود حتى يدركه النعاس وقد كان نشيطاً في القيام.

وقد أكثر محمد حامد الفقي من هذا المسلك في تعليقه على مدارج السالكين فكتب عبد الكريم الحميد عليه رداً قرأته قديماً

الخطأ الثاني والسبعون : الدعوة إلى ترك تكفير من يستحق التكفير بحجة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكفر المنافقين

وهذه الكلمة سمعتها من سليمان الرحيلي

وقد أوردت هذه الشبهة على الشيخ محمد بن عبد الوهاب فأجاب بقوله :" أما استدلالك بترك النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن بعده، تكفير المنافقين وقتلهم، فقد صرح الخاص والعام، ببديهة العقل، لو يظهرون كلمة واحدة، أو فعلاً واحدًا من عبادة الأوثان، أو مسبة التوحيد الذي جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم -، أنهم يقتلون أشر قتلة"

الخطأ الثالث والسبعون : إنكار تكرار الكلام في أهل البدع

والكلام في أهل البدع على ضربين

ضرب في وصفك لمذهبهم فهذا لا يعد غيبة بحال مع ذكر الحكم الشرعي في هذه البدعة

وضرب هو ذم لهم بوصف في أشخاصهم أو دعاء عليهم أو نحو ذلك فهذا الذي يقع فيه الإشكال وهو الذي قال فيه بعض السلف ( أكره أن تعود لسانك ) مع جواز الفعل وذلك أن الكلام فيهم لا بد أن يكون بعلم وعدل ونية

وهذا مقال لي قديم في دفع إنكار تكرار الكلام في أهل البدع مطلقاً

:" فينشر أهل التخذيل تأصيلاً عجيباً ما سمعت به من أهل العلم ، وهو أن تكرار التحذير من المبتدع لا أجر فيه ، وأن صاحبه ربما أثم ، هكذا مطلقاً دون تفصيل ، فإن التكرار ربما يكون لتوكيد المعلومة لئلا ينساها الناس .

 أو للتذكير للربط بمناسبة ما


وهذا التأصيل مخالفٌ للأدلة الشرعية ولهدي السلف الصالح


قال عبد الله بن أحمد في السنة 1414 : حدثني أبو خيثمة زهير بن حرب ، نا عمر بن يونس الحنفي ، نا عكرمة بن عمار ، نا شداد بن عبد الله ، قال : وقف أبو أمامة وأنا معه على رءوس الحرورية بالشام عند باب مسجد حمص أو دمشق فقال لهم :   كلاب النار  مرتين أو ثلاثا  شر قتلى تظل السماء وخير قتلى من قتلوهم   ودمعت عينا أبي أمامة قال رجل : أرأيت قولك لهؤلاء القوم شر قتلى تظل السماء وخير قتلى من قتلوهم أشيء من قبل رأيك أم شيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : من قبل رأيي ؟ إني إذا لجريء ، لو لم أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا مرة أو مرتين حتى عد سبع مرات ما حدثتكم . فقال له رجل : رأيتك دمعت عيناك فقال : رحمة رحمتهم كانوا مؤمنين فكفروا بعد إيمانهم ثم قرأ هذه الآية ( ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم )


فتأمل قوله (، لو لم أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا مرة أو مرتين حتى عد سبع مرات ما حدثتكم)


فهذا دليل أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكرر التحذير من الخوارج


وقال عبد الله بن أحمد في السنة 1412 : حدثني أبي ، نا عبد الرزاق ، نا معمر ، قال : سمعت أبا غالب ، يقول : لما أتي برءوس الأزارقة فنصبت على درج دمشق جاء أبو أمامة رضي الله عنه فلما رآهم دمعت عيناه قال :

 كلاب النار . كلاب النار . كلاب النار ، ثلاث مرات ، هؤلاء شر قتلى قتلوا تحت أديم السماء وخير قتلى تحت أديم السماء الذين قتلهم هؤلاء   قلت : فما شأنك دمعت عيناك ؟

 قال : رحمة لهم ، لأنهم كانوا من أهل الإسلام . قلت : أبرأيك قلت هم كلاب النار أو شيئا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : إني إذا لجريء . بل سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم غير مرة ولا مرتين ولا ثلاثا . قال : فعد مرارا ثم تلا هذه الآية ( يوم تبيض وجوه وتسود وجوه) حتى بلغ ( هم فيها خالدون ) ثم ذكر الحديث إلى آخره


وهذا في الدلالة كالأول


ثم إن أهل البدع لا حرمة لهم ولا غيبة


قال ابن أبي الدنيا في الصمت 231 : حدثني محمد بن عباد بن موسى ، حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث ، عن همام ، عن قتادة ، قال : قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه :   ليس لفاجر حرمة 

 وكان رجل قد خرج مع يزيد بن المهلب فكان الحسن إذا ذكره هرته

وقوله (فكان الحسن إذا ذكره هرته) يدل على استمرار هذا الحال من التحذير وتكرره


قال الهروي في ذم الكلام وأهله :  لَيْسَ لِأَهْلِ الْبِدَعِ غَيْبَةٌ

684 :  وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ بْنِ أَبِي حَاتِمٍ أَخْبَرَنَا أَبِي أَخْبَرَنَا أَبُو حَاتِمٍ التَّمِيمِيُّ حَدَّثَنَا شكّرُ حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ سَمِعْتُ أَبَا مُسْهَرٍ

يُسْأَلُ عَنِ الرجل يغلظ وَيَهِمْ وَيُصَحِّفُ فَقَالَ بَيِّنْ أَمْرَهُ وَقُلْتُ لَهُ أَتَرَى ذَلِكَ مِنَ الْغَيْبَة قَالَ لَا.


وقد رواه ابن حبان في مقدمة المجروحين وهو أبو حاتم التميمي الذي في السند


وقال الذهبي في الميزان :" 4232 : عبد الله بن أبي بكر المقدمي، أخو محمد.

يروى عن جعفر بن سليمان، وحماد.

قال ابن عدي: ضعيف، حدثناه عنه الحسن بن سفيان، وأبو يعلى، وكان أبو يعلى كلما ذكره ضعفه"


فتأمل قوله ( كلما ذكره ) وما فيه من الدلالة على التكرار


وقال العقيلي في الضعفاء (2076) يعقوب بن الوليد المديني أبو يوسف حدثنا عبد الله بن أحمد قال سمعت أبي يقول يعقوب بن الوليد أبو يوسف من أهل المدينة وكان من الكذابين الكبار يحد ث عن أبي حازم عن سهل بن سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأكل البطيخ بالر ب وسمعت أبي مرة أخرى وذكره فقال كتبت عنه وخرقت حديثه منذ دهر كان يضع الحديث عن هشام بن عروة وأبي حازم وابن أبي ذئب وسمعت أبي غير مرة فذكره فقال كذاب يضع الحديث"


فتأمل قوله ( غير مرة ) وما فيه من الدلالة على التكرار ، وما يذكره أهل التخذيل محض تهويل فإن أهل السنة لا يتكلمون في أهل البدع إلا لداعي شرعي ، والكلام لداعي الرياء في أهل البدع مذمومٌ ابتداءً أو تكراراً


ولا يترك العمل المشروع خوفاً من الرياء


قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (23/ 174_ 175) :

" ومن نهى عن أمر مشروع بمجرد زعمه أن ذلك رياء فنهيه مردود عليه من وجوه

أحدها :

 أن الأعمال المشروعة لا ينهى عنها خوفا من الرياء بل يؤمر بها وبالاخلاص فيها ونحن اذا رأينا من يفعلها أقررناه وان جرمنا أنه يفعلها رياء فالمنافقون الذين قال الله فيهم :"ان المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم " "واذا قاموا الى الصلاة قاموا كسالى يراؤون الناس ولا يذكرون الله الا قليلا" فهؤلاء كان النبى صلى الله عليه وسلم والمسلمون يقرونهم على ما يظهرونه من الدين وان كانوا مرائين ولا ينهونهم عن الظاهر لأن الفساد فى ترك اظهار المشروع أعظم من الفساد فى اظهاره رياء كما أن فساد ترك اظهار الايمان والصلوات أعظم من الفساد فى اظهار ذلك رياء ولان الانكار انما يقع على الفساد فى اظهار ذلك رئاء الناس


الثانى :

 لأن الانكار انما يقع على ما أنكرته الشريعة وقد قال رسول الله :"انى لم أومر أن انقب عن قلوب الناس ولا أن أشق بطونهم " وقد قال عمر بن الخطاب :"من أظهر لنا خيرا أحببناه وواليناه عليه وان كانت سريرته بخلاف ذلك ومن أظهر لنا شرا أبغضناه عليه وان زعم أن سريرته صالحة "


الثالث:

أن تسويغ مثل هذا يفضى الى أن أهل الشرك والفساد ينكرون على أهل الخير والدين اذا رأوا من يظهر أمرا مشروعاً مسنوناً قالوا هذا مراء فيترك أهل الصدق والاخلاص اظهار الأمور المشروعة حذرا من لمزهم وذمهم فيتعطل الخير ويبقى لأهل الشرك شوكة يظهرون الشر ولا أحد ينكر عليهم وهذا من أعظم المفاسد


الرابع :

أن مثل هذا من شعائر المنافقين وهو يطعن على من يظهر الأعمال المشروعة قال الله تعالى:" الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين فى الصدقات والذين لا يجدون الا جهدهم فيسخرون منهم سخر الله منهم ولهم عذاب أليم " فان النبى لما حض على الانفاق عام تبوك جاء بعض الصحابة بصرة كادت يده تعجز من حملها فقالوا هذا مراء وجاء بعضهم بصاع فقالوا لقد كان الله غنيا عن صاع فلان فلمزوا هذا وهذا فأنزل الله ذلك وصار عبرة فيمن يلمز المؤمنين المطيعين لله ورسوله والله أعلم "

ومن هذا الباب ذكر بعضهم لقول السخاوي في أنه لا يجرح الرجل بأكثر من سبب وهذا كلام فارغ يكفيك للرد عليه النظر في تراجم أبي حنيفة وإبراهيم الأسلمي 

الخطأ الرابع والسبعون : إنكار تقسيم التوحيد بدعوى أنه يقتضي القول بأن المشركين عندهم شيء من التوحيد

وهذا ردده رجل مصري فيه خسة يدعي أن أهل السنة يهربون من الشهرة وصوره تملأ صفحته ويدعي لنفسه التجديد ويدعي أن الأزهر درسوا المنطق بسبب ابن تيمية وكأنهم على عقيدته ابتداءً ويقول بأن النووي خير من الذهبي وابن حجر من الألباني إمعاناً في معاكسة الناس وعناداً قذراً  يتكثر بأبحاث أخذها من هنا وهناك ولو كان يجوز لحرمت هذه الفئة بالذات الأخذ من المقالات

وهذه الكلمة في الاعتراض على تقسيم التوحيد هي كلمة حسن السقاف

وهذه من الحقائق الخفية في أمر هؤلاء

فيأتي بعض أهل الأهواء وينشر كذباً على أئمة الدعوة أنهم يعذرون بالجهل فيصدقهم ويهاجم أئمة الدعوة لأجل هذا

ويأتي بعض أهل الأهواء وينشر كلام الذهبي في ابن تيمية في زغل العلم فينشره ويحتج به حقداً على ابن تيمية وهو يعلم منزلة الذهبي وأنه لا يقارن بابن تيمية بحال خصوصاً في باب المعتقد والاتباع فضلاً عن الذكاء العام والتمكن في العلوم وإنما باب الذهبي الحديث

وكذا يأتي بعض الناس ويصور أن كتاب ( رفع الملام ) فتح لباب العذر مطلقاً لكي مخطيء مع أن ذكر أسباب معينة يدفع اعتبار غيرها فيأتي هؤلاء ويقلدونه

وهكذا في أمثلة عديدة

وهنا مثالنا هذا

والرد عليه يسير في قوله تعالى ( وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون )

قال الطبري في تفسيره 19958 -.... قال: حدثنا ابن نمير، عن نضر، عن عكرمة: (وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون) ، قال: من إيمانهم إذا قيل لهم: من خلق السماوات؟ قالوا: الله. وإذا سئلوا: من خلقهم؟ قالوا: الله. وهم يشركون به بَعْدُ.
19959 -.... قال: حدثنا أبو نعيم، عن الفضل بن يزيد الثمالي، عن عكرمة، قال: هو قول الله: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ) [سورة لقمان: 25/ سورة الزمر:38] . فإذا سئلوا عن الله وعن صفته، وصفوه بغير صفته، وجعلوا له ولدًا، وأشركوا به. (1)
19960 - حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا شبابة، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون) ، إيمانهم قولهم: الله خالقُنا، ويرزقنا ويميتنا.
عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون) قال: إيمانهم قولهم: الله خالقنا ويرزقنا ويميتنا

فليعترض الجهول على السلف بأنهم قالوا بأن المشركين إيماناً ولكن لا ينفعهم وهذا من جنس ما اعترض عليه في أمر تقسيم التوحيد بل هو هو

وأمر التقسيمات العلمية لا يدخل في التوقيف إن كان يوضح المقاصد الشرعية ولا يناقضها

فلا أحد اعترض على تقسيم على تقسيم أفعال الصلاة إلى واجبات وأركان ومستحباب أو أفعال الحج وغيرها

الخطأ الخامس والسبعون : عذر ناقص العقل في ارتكاب ناقض من النواقض

فقد صدر شريط بعنوان «أقوال العلماء في عبد العزيز الريس داعية الإرجاء»

وفيه نقد لكلام الريس في اشتراط توفر الشروط وانتفاء الموانع في جميع المكفرات

غير أن هذا الشريط ورد فيه قول المباركي  "العلماء يتساهلون في كل شيء إلا الذات الإلهية لكن يعذرون إذا كان ناقص عقل إذا كان مريض عنده عضو يعذر به أما إذا كان صحيحاً ومسلم وفي ديار الإسلام فلا يعذرونه".


فظاهر كلامه أن ساب الله في ديار الكفر لا يكفر وهذا الإطلاق باطل وغير صحيح .

 بل هو حقيقة القول الذي ينتقده مسجل الشريط في توفر الشروط وانتفاء الموانع .

 وقوله (ناقص عقل) تعبير ليس علمياً بل الواجب أن يقال (مجنون) وأما ناقص العقل فهو محاسب ما دام في دائرة التكليف ، فهذا التفصيل من المباركي يلتقي مع كلام الريس في توفر الشروط وانتفاء الموانع فها هو يضع قيوداً وشروطاً.


ولعله يقصد من يطلق عبارةً لا يدري أنها سب أصلاً ، وهذا قد يقع من الجهلة في بلاد الإسلام فبعضهم يقول (الله يظلم من ظلمني) وهو لا يدري أنه سب ونسبة ظلم لله عز وجل فهذا قد يقال أنه يبين له


أما العبارة التي لا تحتمل إلا السب والتي إذا أردت إيذاء رجل من بني آدم قلتها له ، فهذا يكفر الساب فيها ولا شك سواءً كان في ديار إسلام أو ديار كفر فحتى الكفار لا يسبون معبوداتهم.

والتفريق بين ساب الله في بلاد الكفر وسابه في بلاد الإسلام قول محدث وغلط عظيم وقد رأيت كلاماً لمحمد بن هادي يقول به

السادس والسبعون : تنزيل عبارة لحوم العلماء مسمومة على كل منتسب للعلم ولو كان مبتدعاً وكذا تنزيل أحاديث النهي عن سب الموتى عليهم

وهذه طريقة محمد إسماعيل المقدم وعثمان الخميس

قال يوسف بن حسن ابن عبد الهادي في جمع الجيوش والدساكر ص122 :

" ثُمَّ أَخَذَ يَذْكُرُ أَنَّ لُحُومَ الْعُلَمَاءِ مَسْمُومَةٌ، وَأَنَّ الْوُقُوعَ فِيهِمْ أَمْرٌ عَظِيمٌ، وَالتَّطَاوُلَ لأَعْرَاضِهِمْ بِالزُّورِ وَالافْتِرَاءِ مَرْتَع وَخِيمٌ، وَالاخْتِلافَ عَلَى مَنِ اخْتَارَهُ اللَّهُ مِنْهُمْ لَنَقْشِ الْعِلْم خُلُقٌ ذَمِيمٌ، وَقَدْ صَدَقَ فِي ذَلِكَ هَذَا لِلْعُلَمَاءِ.

 وَأَمَّا مَنْ فِيهِ أَمْرًا وَبِدْعَةً، فَبَيَانُ أَمْرِهِ وَإِظْهَارُهُ أَفْضَلُ، كَمَا قَدْ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الأَئِمَّةُ.

 وَأَمَّا مَا ذُكِرَ مِنْ نَهْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الاغْتِيَابِ، فَهَذَا لَيْسَ هُوَ مِنَ الاغْتِيَابِ وَأَنَّمَا هَذَا مِنَ الدِّينِ , الْكَلامُ فِي الْمُبْتَدَعِ، وَإِظْهَارُ بِدْعَتِهِ، وَالْكَذَّابِ وَبَيَانِ كَذِبِهِ مِنَ الدِّينِ الْمُتَعَيَّنِ.

 وَأَمَّا مَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ سَبِّ الأَمْوَاتِ، فَإِنَّ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ التَّحْذِيرِ مِنْ أَنْ يَتَّبِعَ غَيْرَ مُمْتَنِعٍ، وَالانْتِصَارُ لأَهْلِ الْبِدَعِ أَمْرٌ مَذْمُومٍ، أَذَمُّ مِنَ السَّبِّ.

 ثُمَّ جَاءَ وَقَصَدَ الإِطَالَةَ وَالشَّقَاشِقَ بِأَمْرٍ خَارِجٍ فَسَاقَ أَحَادِيثَ فِي لَعْنِ آخِرِ هَذِهِ الأُمَّةِ أَوَّلَهَا، وَفِيمَنْ كَتَمَ عِلْمًا ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: فَالإِقْدَامِ عَلَى الْغِيبَةِ مَعَ الْعِلْمِ بِتَحْرِيمِهَا أَمْرٌ كَبِيرٌ، وَمَا وَرَدَ فِي النَّهْيِ عَنْهَا، وَعَنْ سَبِّ الأَمْوَاتِ كَثِير، وَإِنَّمَا الْغِيبَةُ الْمُحَرَّمَةُ كَمَا قُلْنَا، فَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ، أَوِ الْكَذِبِ، فَلَيْسَ ذَلِكَ فِيهِ بَمُحَرَّمٍ، ثُمَّ ذَكَرَ أَمْرَ الْغِيبَةِ، وَحَدِيثَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا تَتَّبِعُوا عوَرَاتِ الْمُسْلِمِينَ، وَلا عَثَرَاتِهِمْ  .

وَحَدِيثَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  لا تَسُبُّوا الأَمْوَاتَ , وَهَذِهِ الأَحَادِيثُ أَمْرُهَا مَشْهُورٌ، وَكَلامُ الأَئِمَّةِ فِيهَا مَعْلُومٌ، وَإِنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا مُحَرَّمٌ فِي أَهْلِ الْخَيْرِ، دُونَ أَهْلِ الشَّرِّ.انتهى


أقول : تأمل كيف أن ابن عساكر كان يأتي بالنصوص العامة في تحريم الغيبة ، وتحريم سب الأموات وينزلها على أئمة أهل الكلام ، لئلا يقع فيهم أحد ، على طريقة المتحزبة اليوم


قال البخاري في صحيحه 1367: حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ مَرُّوا بِجَنَازَةٍ فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا خَيْرًا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَبَتْ ثُمَّ مَرُّوا بِأُخْرَى فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا شَرًّا فَقَالَ وَجَبَتْ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَا وَجَبَتْ قَالَ هَذَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ خَيْرًا فَوَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ وَهَذَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ شَرًّا فَوَجَبَتْ لَهُ النَّارُ أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ


أقول : فهذا ذمه الصحابة بعد وفاته وأقرهم النبي صلى الله عليه وسلم

قال ابن حجر معلقًا على قوله صلى الله عليه وسلم في البخاري : " لاتسبوا الأموات " : ( وأصح ما قيل في ذلك أن أموات الكفار والفساق يجوز ذكر مساويهم للتحذير منهم والتنفير عنهم . وقد أجمع العلماء على جرح المجروحين من الرواة أحياء وأمواتًا ) . ( الفتح 3/305) .


بل أجمعوا على وجوب هذا


قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (28/ 231) :" وَمِثْلُ أَئِمَّةِ الْبِدَعِ مِنْ أَهْلِ الْمَقَالَاتِ الْمُخَالِفَةِ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَوْ الْعِبَادَاتِ الْمُخَالِفَةِ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ؛ فَإِنَّ بَيَانَ حَالِهِمْ وَتَحْذِيرَ الْأُمَّةِ مِنْهُمْ وَاجِبٌ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى قِيلَ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ: الرَّجُلُ يَصُومُ وَيُصَلِّي وَيَعْتَكِفُ أَحَبُّ إلَيْك أَوْ يَتَكَلَّمُ فِي أَهْلِ الْبِدَعِ؟ فَقَالَ: إذَا قَامَ وَصَلَّى وَاعْتَكَفَ فَإِنَّمَا هُوَ لِنَفْسِهِ وَإِذَا تَكَلَّمَ فِي أَهْلِ الْبِدَعِ فَإِنَّمَا هُوَ لِلْمُسْلِمِينَ هَذَا أَفْضَلُ"

الخطأ السابع والسبعون : كراهية الكلام في أهل البدع في حال الصيام


قال ابن أبي الدنيا في كتاب الصمت 235 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ زَائِدَةَ بْنِ قُدَامَةَ قَالَ: قُلْتُ لِمَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ: إِذَا كُنْتُ صَائِمًا أَنَالُ مِنَ السُّلْطَانِ؟ قَالَ: «لَا» . قُلْتُ: فَأَنَالُ مِنْ أَصْحَابِ الْأَهْوَاءِ؟ قَالَ: «نَعَمْ»


وقال المروذي في روايته للعلل عن أحمد 143 - سَأَلته عَن بشر بن حَرْب فَقَالَ نَحن صِيَام وَضَعفه

فاستثقل أحمد الكلام وهو صائم ومع ذلك

غير أن الكلام يجب أن يكون بعلم وعدل دون تشفي خصوصاً إذا كان بينك وبين صاحب الهوى شيء شخصي وقد نال منك

قال الخلال في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ السِّمْسَارُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُهَنَّا، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنِ الْأَمْرِ، بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَنِ الْمُنْكَرِ، كَيْفَ يَنْبَغِي أَنْ يُؤْمَرَ؟ قَالَ: " يَأْمُرُ بِالرِّفْقِ وَالْخُضُوعِ، ثُمَّ قَالَ: إِنْ أَسْمَعُوهُ مَا يَكْرَهُ لَا يَغْضَبُ فَيَكُونُ يُرِيدُ يَنْتَصِرُ لِنَفْسِهِ "

هذا هو الأصل في غير المجاهر غير أنك دائماً ينبغي ألا تنتصر نفسك وتلبس هذا لبوس التدين

وقال الخلال في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْمَرُّوذِيُّ، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الرَّبِيعِ الصُّوفِيِّ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى سُفْيَانَ بِالْبَصْرَةِ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، إِنِّي أَكُونُ مَعَ هَؤُلَاءِ الْمُحْتَسِبَةِ فَنَدْخُلُ عَلَى هَؤُلَاءِ الْخَبِيثِينَ، وَنَتَسَلَّقُ عَلَى الْحِيطَانِ؟ قَالَ: أَلَيْسَ لَهُمْ أَبْوَابٌ؟ قُلْتُ: بَلَى، وَلَكِنْ نَدْخُلُ عَلَيْهِمْ لِكَيْلَا يَفِرُّوا، فَأَنْكَرَ ذَلِكَ إِنْكَارًا شَدِيدًا، وَعَابَ فِعَالَنَا، فَقَالَ رَجُلٌ: مَنْ أَدْخَلَ ذَا؟ قُلْتُ: إِنَّمَا دَخَلْتُ إِلَى الطَّبِيبِ لِأُخْبِرَهُ بِدَائِي، فَانْتَفَضَ سُفْيَانُ وَقَالَ: " إِنَّمَا أَهْلَكَنَا أَنَّا نَحْنُ سَقْمَى، وَنُسَمَّى أَطِبَّاءً. . ثُمَّ قَالَ: لَا يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَلَا يَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ إِلَّا مَنْ كَانَ فِيهِ خِصَالٌ ثَلَاثٌ: رَفِيقٌ بِمَا يَأْمُرُ، رَفِيقٌ بِمَا يَنْهَى، عَدْلٌ بِمَا يَأْمُرُ، عَدْلٌ بِمَا يَنْهَى، عَالِمٌ بِمَا يَأْمُرُ، عَالِمٌ بِمَا يَنْهَى "

ولا بأس من الشدة في وقتها لله عز وجل لا انتصاراً للنفس 

الخطأ الثامن والسبعون : قولهم ( إن الله لن يسألك لم لم تكفر فلاناً أو تبدع فلاناً )

وليعلم أن الناس متفاوتون في التكليف فالعالم عليه مسئولية أكبر من العامي والعارف بأسباب الجرح والتعديل عليه مسئولية أكبر ، ثم إن هناك من الكفر والبدعة ما لا يعذر أحد من الحكم على أهله بما يستحقون لأن ذلك ظاهر جداً في الشرع 

 قال العجلي في الثقات:

"1145- عفان بن مسلم الصفار" يكنى "أبا عثمان": "بصري"، ثبت، صاحب سنة، وكان على مسائل معاذ بن معاذ، فجعل له عشرة آلاف دينار على أن يقف على تعديل رجل فلا يقول عدلا ولا غير عدل، قالوا له: قف، لا تقل فيه شيئًا

 فأبى، فقال: لا أبطل حقًّا من الحقوق".

أقول : الله أكبر عشرة آلاف دينار على أن يسكت عن الجرح فلا يقبل ، وهذا في حق من حقوق العباد

 فكيف بأمر دين الله عز وجل، فأين هذا من قاعدة (إذا حكمت حوكمت وإذا دعوت أجرت)؟

وأين هذا من قاعدة ( إن الله لن يسألك لم لم تتكلم في فلان )؟


فأولئك سكتوا ديانة وتكلموا ديانة ، وأما اليوم فكثيرون يسكتون جبناً وإيثاراً للدعة ويقولون ( نحن ورعون ونحن نقدر المصلحة ) ، وإذا تكلموا تكلموا بهوى وما كان على كلامهم من نور ولا هدى.


قال ابن أبي حاتم في مقدمة الجرح والتعديل ص180 :

نا صالح بن أحمد نا علي - يعني ابن المديني - قال سمعت عبد الرحمن بن مهدي نا حماد بن زيد قال :

 كلمنا شعبة وعباد بن عباد وجرير بن حازم في رجل - قلنا : لو كففت عنه ، قال فكأنه لان وأجابنا

قال فذهبت يوما أريد الرجعة فإذا شعبة ينادي من خلفي فقال : ذاك الذي قلتم لي فيه لا اراه يسعني


أقول : هذا إسنادٌ صحيح مسلسل بالأئمة فانظر كيف رأى الإمام شعبة بن الحجاج أن كلامه في الرواة واجب ولا يسعه تركه

 فأين هذا الفقه من قول من يقول ( إن الله لن يسألك عن الكلام في فلان أو فلان ) ؟


وقريب من هذا ما روى أبو إسماعيل الأنصاري في ذم الكلام 1076 :

 أخبرنا عبد الواحد بن أحمد، ثنا البيع، سمعت أحمد بن كامل، سمعت أبا سعد يحيى بن أبي منصور الهروي يذكر عن أبي بكر بن خلاد؛ قال:

:قلت ليحيى بن سعيد: أما تخشى أن يكون هؤلاء الذين تركت حديثهم خصماؤك عند الله يوم القيامة؟!

 قال: لأن يكون هؤلاء خصمائي أحب إلي من أن يكون خصمي رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: لم حدثت عني حديثاً ترى أنه كذب؟!.


أقول : فتأمل كيف رأى أن سكوته عن أهل الباطل سيكون سبباً في مخاصمة النبي صلى الله عليه وسلم له ، فمثله من يتكلم في أهل البدع يقول : لأن يكون هؤلاء خصمائي يوم القيامة أحب إلي من أن يكون خصمي رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لمَ لم تنف التحريف عن ديني .


وأئمة الجرح والتعديل من أمثال شعبة والقطان وابن مهدي كانوا مثالاً يحتذى في الزهد والورع وما حملهم على الكلام بالناس إلا خوفهم من الله عز وجل


قال الدوري في تاريخه 4181 : سَمِعت يحيى يَقُول قَالَ يحيى بن سعيد :

مَا دخلت كنيفا قطّ إِلَّا وَمَعِي امْرَأَة قَالَ يحيى كَانَ رجلا ضَعِيف الْقلب


أقول : ومع ضعف قلبه في أموره الطبعية ، كان أسداً هصوراً إذا تعلق الأمر بسنة النبي صلى الله عليه وسلم ، حتى صار لاسم يحيى بن سعيد القطان هيبته في كتب الرجال ، وبذل غاية الجهد في الذب عن سنة محمد صلى الله عليه وسلم حتى أعلى الله ذكره


وقال الدوري في تاريخه 4552 : سَمِعت يحيى يَقُول :

رَأَيْت يحيى بن سعيد يبكى وَقَالَ لَهُ شيخ من جِيرَانه إِنَّك لَا أصل لَك

 فَجِئْته وَهُوَ يبكي وَيَقُول أجل وَالله مَالِي أصل وَلَا فصل وَمَا أَنا وَمن أَنا

قَالَ يحيى وَكَانَ يحيى بن سعيد أَحول


أقول : فانظر إلى تنازله لما تعلق الأمر بشخصه ، ولكنهم في دين الله عز وجل لا يداهنون

 بخلاف أدعياء الورع اليوم الذين يقولون ( إن الله لن يسألك عن تكفير أو فلان أو تبديع فلان ) ، فتظن بهم الورع حتى إذا تكلم فيهم أحد تلاشى كل هذا الورع

 وذهب تأصيلات ( الرفق ) و ( اللين ) و ( السلامة ) ، وهاجم من تكلم فيه هجوماً قسورياً

 كان يضن به على أهل البدع ، ولكن الكلام فيه خطيئة تسقط العدالة والحرمة عنده ، فشتان بين أهل الورع البارد وبين أئمة السلف


قال البخاري في صحيحه 6467- [151-2485] حَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، وَابْنُ أَبِي عُمَرَ ، كُلُّهُمْ عَنْ سُفْيَانَ ، قَالَ عَمْرٌو ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ سَعِيدٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ عُمَرَ ، مَرَّ بِحَسَّانَ وَهُوَ يُنْشِدُ الشِّعْرَ فِي الْمَسْجِدِ ، فَلَحَظَ إِلَيْهِ ، فَقَالَ : قَدْ كُنْتُ أُنْشِدُ ، وَفِيهِ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْكَ ، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ ، فَقَالَ : أَنْشُدُكَ اللَّهَ أَسَمِعْتَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : أَجِبْ عَنِّي ، اللَّهُمَّ أَيِّدْهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ ؟ قَالَ : اللَّهُمَّ نَعَمْ.


قال ابن حبان في كتاب في المجروحين (1/ 31) :

" في هذا الخبر كالدليل على الأمر بجرح الضعفاء  لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لحسان بن ثابت : " أجب عني "

 وإنما أمر أن يذب عنه ما كان يقول عليه المشركون فإذا كان في تقول المشركين على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأمر أن يذب عنه ، وإن لم يضر كذبهم المسلمين ، ولا أحلوا به الحرام ، ولا حرموا به الحلال ، كان من كذب على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من المسلمين الذي يحل الحرام ، ويحرم الحلال بروايتهم أحرى أن يؤمر بذب ذلك الكذب عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وأرجو أن الله تبارك وتعالى يؤيد من فعل ذلك بروح القدس

 كما دعا لحسان بذب الكذب عنه ، وقال : " اللهم أيده بروح القدس " ولم يكن هذا العلم في زمان قط تعلمه أوجب منه في زماننا هذا ، لذهاب من كان يحسن هذا الشأن وقلة اشتغال طلبة العلم به

 لأنهم اشتغلوا في العلم في زماننا هذا ، وصاروا حزبين : فمنهم طلبة الأخبار الذين يرحلون فيها إلى الأمصار ، وأكثر همتهم الكتابة ، والجمع دون الحفظ ، والعلم به وتمييز الصحيح من السقيم ، حتى سماهم العوام الحشوية والحزب الآخر المتفقهة الذين جعلوا جل اشتغالهم بحفظ الآراء والجدل ، وأغضوا عن حفظ السنن ومعانيها ، وكيفية قبولها وتمييز الصحيح من السقيم منها مع نبذهم السنن قاطبة وراء ظهورهم"


أقول : ومثل الضعفاء أهل البدع ، فإنهم أيضاً أهل تحريف لدين الله عز وجل

 فكشف حالهم ذبٌ عن الشريعة لأنهم ينسبون للشريعة ما ليس منها ، فكانوا كالكذابين الذين ينسبون للنبي صلى الله عليه وسلم ما لم يقل من هذا الوجه


وتأمل قول ابن حبان (ولم يكن هذا العلم في زمان قط تعلمه أوجب منه في زماننا هذا )

 فكيف بزماننا بل قالها قبله الإمام أحمد ابن حنبل


قال قوام السنة الأصبهاني في الترغيب والترهيب 490: أخبرنا عبد الرزاق بن عبد الكريم، أنبأ أحمد بن موسى الحافظ، أنبأ عثمان بن محمد العثماني، ثنا أبو بكر الجواربي الواسطي، ثنا الحسن بن ثواب البغدادي قال: قال لي أحمد بن حنبل: ما أعلم الناس في زمان أحوج منهم إلى طلب الحديث من هذا الزمان. قلت: ولم؟

 قال: ظهرت بدع فلو لم يكن عنده حديث وقع فيها.


وقال الخطيب البغدادي في شرف أصحاب الحديث ص225 :" طلب الحديث في هذا الزمان أفضل من سائر أنواع التطوع لأجل دروس السنن وخمولها ، وظهور البدع واستعلاء أهلها "



وقال الله تعالى : (وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آَثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ )


وكتمان الشهادة إنما يترتب عليها ضياع حقوق الناس في الدنيا ، فكيف بالسكوت عن جرح المجروحين الذي يترتب عليه الاغترار بأهل البدع ،وبالتالي انتشار بدعهم بين الناس وضياع السنن ؟


قال ابن حبان في مقدمة كتابه المجروحين (1/ 39) :" أجمع الجمع على أن الشاهدين لو شهدا عند الحاكم على شيء من حطام هذه الدنيا ، ولم يعرفهما الحاكم بعدالة أن عليه أن يسأل المعدل عنهما ، فإن كتم المعدل عيباً أو جرحاً علمه فيهما أثم بل الواجب ، أن يخبر الحاكم بما يعلم عنهما"


أقول : فكيف بأمر الدين ، فأين هذا التأصيل المتين من قول من يقول ( إن الله لن يسألك عن جرح المجروحين ) ، فكيف لا يسأله عن الواجب عليه ؟


وقال أبو نعيم الأصبهاني في مقدمة حلية الأولياء ص4 :

" وذلك لما بلغك من بسط لساننا ولسان أهل الفقه والآثار في كل الأقطار والأمصار في المنتسبين إليهم من الفسقة الفجار والمباحية والحلولية الكفار وليس ما حل بالكذبة من الوقيعة والإنكار بقادح في منقبة البررة الأخيار وواضع من درجة الصفوة الأبرار بل في إظهار البراءة من الكذابين والنكير على الخونة البطالين نزاهة للصادقين ورفعة للمتحققين ولو لم نكشف عن مخازي المبطلين ومساويهم ديانة للزمنا إبانتها وإشاعتها حمية وصيانة"


أقول : يريد أنه لو لم يكن لجرح الفساق وأهل البدع فائدة ، سوى تحقيق براءة أئمة أهل الإسلام المتقدمين منهم ، والتمييز بينهم وبين أهل السنة الأخيار لكفى به فائدة .


وقال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (28/ 205) :" وَهَذَا حَقِيقَةُ قَوْلِ مَنْ قَالَ مِنْ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ: إنَّ الدُّعَاةَ إلَى الْبِدَعِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ وَلَا يُصَلَّى خَلْفَهُمْ وَلَا يُؤْخَذُ عَنْهُمْ الْعِلْمُ وَلَا يُنَاكَحُونَ. فَهَذِهِ عُقُوبَةٌ لَهُمْ حَتَّى يَنْتَهُوا؛ وَلِهَذَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الدَّاعِيَةِ وَغَيْرِ الدَّاعِيَةِ؛ لِأَنَّ الدَّاعِيَةَ أَظْهَرَ الْمُنْكَرَاتِ فَاسْتَحَقَّ الْعُقُوبَةَ بِخِلَافِ الْكَاتِمِ "


أقول : وفي السكوت عن أهل البدع ، تضييع لهذه العقوبة وفوائدها العظيمة، وتسويةٌ بين مستحق العقوبة وغير المستحق 

وهنا تنبيه وهو أنه لا يجوز أن يبدع سني بمجرد السكوت على بعض أعيان المخالفين إذا كان تقريره للعقيدة صحيحاً ولم يثرب على من تكلم بعلم وعدل فالناظر في عامة تراجم السلف يجد أن المتكلمين بأهل الأهواء فئة من الأئمة لا كلهم بل بعضهم له كلام كثير في الجرح والتعديل لأنه بابه وكلامه في أهل الأهواء أقل بكثير كشعبة 

غير أن هناك من الأهواء ما تجد أن الأكثرية الكاثرة من السلف تكلموا فيه لعظيم خطورته كالتجهم والرأي 

الخطأ التاسع والسبعون : إنكار مخاطبة العوام بمسائل الجرح والتعديل مطلقاً 

وهذا مقال لي قديم في المسألة 

فقد انتشر بين بعض الإخوة قاعدة ( لا يخاطب العوام بمسائل الجرح والتعديل ) كذا بهذا الإطلاق دونما شروط أو قيود ويزعمون أن ذلك من باب تكليف مالا يطاق ، ثم يأتي من يقسم الناس إلى علماء وعوام فقط فيحصر الكلام في الجرح والتعديل تبعاً واستقلالاً بالعلماء ، فجمعت جمعاً بينت فيه بطلان هذا التقعيد فهاكه - أيها السني - حباً وكرامةً وأداءً لواجب النصيحة ...


1- قال الخلال في السنة [1783] أخبرني محمد بن أبي هارون ، أن إسحاق بن إبراهيم حدثهم أنه حضر العيد مع أبي عبد الله ، قال : فإذا بقاص يقول : على ابن أبي دؤاد لعنة الله حشا الله قبر ابن أبي دؤاد مائة ألف عمود من نار ، وجعل يلعن ، فقال أبو عبد الله : « ما أنفعهم للعامة »


أقول : وهذا الأثر عن أحمد موجودٌ في مسائل ابن هانيء ونسخة المسائل ليست حاضرةً عندي حتى أوثقه وللأثر تتمة هناك وهو قول أحمد :" وإن كان عامة ما يحدثون به كذباً "

وهذه حكاية للحال وليست اقراراً


ووجه الدلالة من هذا الأثر أن هذا القاص خاطب العامة بجرح ابن أبي دؤاد فأثنى أحمد على صنيعه ولم يعنفه ولم يقل له أنت تخاطب العامة بما لا يطيقون ومعلومٌ أن من يحضر للقصاص هم العوام وقد نص أحمد على نفعه للعامة ، وما هو النفع ؟


الجواب : جرح أهل الأهواء !


2- قال الإمام ابن القيم في الكافية الشافية في الإنتصار للفرقة الناجية الشهيرة بالنونية


ولأجل ذا ضحى بجعد خالد الــــــــ *** ـقسري يوم ذبائح القربان

اذ قال ابراهيم ليس خليله *** كلا ولا موسى الكليم الداني

شكر الضحية كل صاحب سنة *** لله درك من أخي قربان


أقول : هنا يثني الإمام ابن القيم على صنيع خالد القسري بالجعد بن درهم وما الذي صنعه القسري ؟

الجواب :

 قال الدارمي في الرد على الجهمية 1:

 حدثنا القاسم بن محمد البغدادي ، ثنا عبد الرحمن بن محمد بن حبيب بن أبي حبيب ، عن أبيه ، عن جده ، حبيب بن أبي حبيب قال :

 خطبنا خالد بن عبد الله القسري بواسط يوم الأضحى ، فقال : « أيها الناس ارجعوا فضحوا ، تقبل الله منا ومنكم ؛ فإني مضح بالجعد بن درهم ، إنه زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلا ، ولم يكلم موسى تكليما ، وتعالى الله عما يقول الجعد بن درهم علوا كبيرا , ثم نزل فذبحه »


أقول : ووجه الدلالة من هذا الأثر أنه جرح الجعد في خطبة العيد أمام الناس عاميهم وعالمهم ، وقد يقول قائل أن القصة قد تكلم البعض في ثبوتها


والجواب : أن من صححها من أهل العلم كابن القيم وغيره أثنى على صنيع القسري ، ولم يثرب عليه مخاطبة العامة بجرح أهل الأهواء


3- قال الإمام مسلم في مقدمة صحيحه [35 ] وَقَالَ مُحَمَّدٌ سَمِعْتُ عَلِىَّ بْنَ شَقِيقٍ يَقُولُ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْمُبَارَكِ يَقُولُ عَلَى رُؤوسِ النَّاسِ دَعُوا حَدِيثَ عَمْرِو بْنِ ثَابِتٍ فَإِنَّهُ كَانَ يَسُبُّ السَّلَفَ.


أقول : تأمل قوله ( على رؤوس الناس ) ولا شك أن في الناس من ليس من العلماء ، وهنا ابن المبارك أسقطه بخطأٍ واحد خلافاً لمن اشترط تعدد الأخطاء أو تكرارها ، دون النظر إلى حقيقة الخطأ وكنهه .

ال الآجري في آخر كتاب الشريعة :

"ينبغي لكل من تمسك بما رسمناه في كتابنا هذا وهو كتاب الشريعة أن يهجر جميع أهل الأهواء من الخوارج والقدرية والمرجئة والجهمية ، وكل من ينسب إلى المعتزلة ، وجميع الروافض ، وجميع النواصب

 وكل من نسبه أئمة المسلمين أنه مبتدع بدعة ضلالة ، وصح عنه ذلك ، فلا ينبغي أن يكلم ولا يسلم عليه

 ولا يجالس ولا يصلى خلفه ، ولا يزوج ولا يتزوج إليه من عرفه ، ولا يشاركه ولا يعامله ولا يناظره ولا يجادله ، بل يذله بالهوان له ، وإذا لقيته في طريق أخذت في غيرها إن أمكنك"


أقول : فأوجب تطبيق هذا المنهج المتفرع عن جرح أهل الأهواء على كل من نظر في كتابه

 ومن هذا تعلم بطلان الفصل بين المسائل الشرعية ومسائل الجرح والتعديل فإن كثيراً من مسائل الأحكام تتصل اتصالاً بيناً بمسائل الجرح والتعديل ، كإمامة المبتدع والفاسق في الصلاة والكفاءة في النكاح وغيرها من الأحكام حتى أنهم تكلموا في كراهية استرضاع الفاسقة ولا يمكن للعامي أن يطبق هذه الأحكام حتى تبين له من هو الفاسق ومن هو المبتدع .


ومن حماية العامة من أهل البدع ألا يمكن المبتدع من تدريس العامة فإذا لم يجد السني عالماً سنياً يأخذ عنه في بلده وأمكنه الهجرة تعينت عليه الهجرة في طلب العلم من أهله .


قال القرطبي في تفسيره (5/347) عند تفسير قوله تعالى ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيراً وسعة ) :" قال مالك : هذه الآية دالة على أنه ليس لأحد المقام بأرض يسب فيها السلف ويعمل فيها بغير الحق "


وهذا من الإمام مالك حماية لهذا المرء من البدع ، فأين هذا ممن يأمر الناس الذين يزعم أنهم عوام بالدراسة عند أهل البدع بحجة أنه لا يوجد في البلد غيرهم ، وما علم أنه بذلك كالمستجير من الرمضاء بالنار فإن المبتدع غير مؤتمن أن يدخل على الناس ما شاء من بدعه عند تعليمه لهم

وقال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى ( 28/ 205) :" وهذا حقيقة قول من قال من السلف والأئمة أن الدعاة إلى البدع لا تقبل شهادتهم ولا يصلى خلفهم ولا يؤخذ عنهم العلم ولا يناكحون فهذه عقوبة لهم حتى ينتهوا "

ومن يقرر هذا التقرير الفاسد لا يمانع أن يخاطب بالتعديل فتقول له ( هذا الشيخ جيد ) و ( هذا قوي في الأصول ) وغيرها من عبارات الثناء ، فما بال الجرح فقط لا يخاطب به العامة ؟!


بل هو لا يمانع من مخاطبة العامة بــ( الجرح ) العام كالكلام في الروافض والخوارج عموماً وربما لم يمانع في تسمية أعيانهم ، وإنما يريدون بهذا التقعيد الفضفاض حماية بعض الأشخاص أو تبرير بعض المواقف منهم ، فتفضحهم شواهد الإمتحان ويظهر منهم مناقضة التأصيلات التي يؤصلونها .


وأسوأ من هذا التقعيد قول القائل ( لا يخاطب العامة بمسائل الأسماء والأحكام ) ومسائل الأسماء و الأحكام مصطلح واسع يشمل مسائل الإيمان كمسألة الفاسق الملي والإستثناء في الإيمان وزيادة الإيمان ونقصانه وتكفير الكافر الأصلي والكافر المرتد فماذا يريد من يؤصل هذا التأصيل أيريد منا ألا ندرس العقيدة ؟!


وأحسب أنه ما أراد إلا ما أراده من قال :" لا يخاطب العامة بمسائل الجرح والتعديل " ولكنه أخطأ التعبير فاستخدم هذا المصطلح الواسع ، وكلا التأصيلين باطلٌ فاسدٌ ، وأصحابه متناقضون
غير أن هناك ممارسات غريبة في الباب فبعض الناس يأتي إلى عامي لا يعرف العقيدة ولا التوحيد بشكل جيد وكثير منهم مقيم على كبائر عظيمة بل بعضهم تارك للصلاة ولا يخاطبه بنصحه بما فيه من خلل بل يخاطبه ببعض مسائل الجرح والتعديل وهذا غلط وبعضهم يجرح بناءً على تحزباته مع تعديله وثنائه على أناس هم أعظم بدعة ممن يحذر منهم بل هو نفسه تجده عند من البدع ما عنده وهذا من بلايا هذا الزمان والله والمستعان

وهذا آخر ما أكتبه في هذا الباب
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي