مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: تقويم المعاصرين ( الحلقة التاسعة ) [الجزء الأول ]

تقويم المعاصرين ( الحلقة التاسعة ) [الجزء الأول ]



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :



فلا زلت في حلقات تقويم المعاصرين وهذه حلقة من أثقل الحلقات نسأل الله عز وجل أن يعين وييسر

الخطأ الحادي والأربعون : اطراء أصحاب البدع المكفرة كالأشاعرة والماتردية ووقوع الشهادة لهم بالسنية والتزام وصفهم بالإمامة والترحم عليهم كلما ذكروا

ودعوى أنهم خدموا الأمة مع كل ما نشروه من الضلالات

وتناقض كثير من النجديين في تكفير القبوري مطلقاً ثم ثناؤهم على قبورية يستغيثون بالنبي ومعاملتهم معاملة أعيان المسلمين كابن حجر والنووي

وقول البعض في ضلالات جهمية ( لا تنقص من قدره ) في عدد من المتلبسين بكبارها وسأذكر التأصيل في المسألة ثم أتبع بذكر أمثلة

جاء في كتاب الفتاوى الجلية  لأحمد النجمي :" س36- متى يترحم على أهل البدع والأهواء، وهل يكون على سبيل الإطلاق أو يفصل فيما إذا كانت بدعته محدودة عليه، وليس بداعي إليها، فيترحم عليه، وما كان بعكسه فلايترحم عليه أفيدونا أثابكم الله ؟

ج36– البدعة تنقسم إلى قسمين:

1- بدعٌ مكفرة: كبدعة القول بخلق القرآن، وسب الصحابة بدًا بأبي بكر، وعمر، ورمي أزواج النَّبِي  ج وبالأخص عائشة رضي الله عنها المبرأة من فوق سبع سموات، فهؤلاء لايجوز الترحم عليهم.

2- لكن يترحم على أهل البدع المفسقة؛ الَّتِي لاتصل بفاعلها، ومعتقدها إلى الكفر"


نقلت كلام هذا الرجل من المعاصرين مع عدم موافقتي على ما أطلقه وقد شرحت ذلك في كلمتي ( لا تعينوا على هدم الإسلام ) ، لأنه من أمثل المعاصرين وهو نفسه يخالف ما أطلقه هنا


فهذا التقرير يقتضي عدم الترحم على الأشاعرة لاعتبارات


أولها : أن قولهم في القرآن أشنع من قول المعتزلة كما قاله ابن أبي العز بل قال ( أكفر من قول المعتزلة )


ثانيها : أن إنكار العلو بدعة مكفرة باتفاق وهي أشنع من إنكار الرؤية والقول بخلق القرآن  كما قال ابن تيمية في الاستقامة


ثالثها : أن عقائد الأشاعرة تنطوي على بدع مكفرة باتفاق كما شرحته في كتابي ( الإجماع على أن بدعة الأشاعرة مكفرة )


والاستغاثة بالنبي بدعة مكفرة وقد وقع فيها ابن حجر في ديوانه الشعري ، زيادة على أنه يروي البردة في معجمه المفهرس ويقر ما فيها من الشركيات


وهذا أمر عجيب ومتكرر في المعاصرين وقد أطلق النجمي نفسه أن أهل السنة يتحرزون من تكفير الأشاعرة ! مع إقراره أن أهل السنة منهم ( والصواب أنه إجماع ) كفروا اللفظية فكيف بمنكري العلو ؟!


قال شيخ الإسلام في بيان تلبيس الجهمية مخاطباً الرازي (4/292) :" فتبين أن الذي قلته أقبح من هذا الشرك ومن جعل الأنداد لله كما أن جحود فرعون الذي وافقتموه على أنه ليس فوق السموات رب العالمين إله موسى جحوده لرب العالمين ولأنه في السماء كان أعظم من شرك المشركين الذين كانوا يقرون بذلك ويعبدون معه آلهة"


قال شيخ الإسلام في بيان تلبيس الجهمية (2/45) :

" ولا يقدر أحد ان ينقل عن أحد من سلف الامة وأئمتها في القرون الثلاثة حرفا واحدا يخالف ذلك لم يقولوا شيئا من عبارات النافية أن الله ليس في السماء والله ليس فوق العرش ولا انه لا داخل العالم ولا خارجه ولا ان جميع الامكنة بالنسبة اليه سواء ولا انه في كل مكان او انه لا تجوز الاشارة الحسية اليه ولا نحو ذلك من العبارات التي تطلقها النفاة لان يكون فوق العرش لا نصا ولا ظاهرا بل هم مطبقون متفقون على أنه نفسه فوق العرش وعلى ذم من ينكر ذلك بأعظم مما يذم به غيره من أهل البدع مثل القدرية والخوارج والروافض ونحوهم

وإذا كان كذلك فليعلم ان الرازي ونحوه من الجاحدين لان يكون الله نفسه فوق العالم هم مخالفون لجميع سلف الأمة وأئمتها الذين لهم في الامة لسان صدق ومخالفون لعامة من يثبت الصفات من الفقهاء وأهل الحديث والصوفية والمتكلمين مثل الكرامية والكلابية والأشعرية الذين هم الأشعري وأئمة اصحابه ولكن الذين يوافقونه على ذلك هم المعتزلة والمتفلسفة المنكرون للصفات وطائفة من الأشعرية وهم في المتأخرين منهم اكثر منهم في المتقدمين وكذلك من اتبع هؤلاء من الفقهاء والصوفية وطائفة من أهل الحديث "


وقد قال شيخ الإسلام قبل كلامه السابق :" وسئل عبد الله بن ادريس عن الصلاة خلف اهل البدع فقال لم يزل في الناس اذا كان فيهم مرضي او عدل فصل خلفه قلت فالجهمية قال لا هذه من المقاتل هؤلاء لا يصلى خلفهم ولا يناكحون وعليهم التوبة قال وقال وكيع بن الجراح الرافضة شر من القدرية والحرورية شر منهما والجهمية شر هذه الاصناف قال البخاري وقال زهير السجستاني سمعت سلام بن ابي مطيع يقول الجهمية كفار

وكلام السلف والائمة في هذا الباب اعظم واكثر من ان يذكر هنا الا بعضه كلهم مطبقون على الذم والرد على من نفى ان يكون الله فوق العرش كلهم متفقون على وصفه بذلك وعلى ذم الجهمية الذين ينكرون ذلك"


وهذا كله ينزله شيخ الإسلام على الرازي الأشعري الذي وصفه ب( الجاحد )

قال البخاري في خلق أفعال العباد  70- وَحَدَّثَنِي أَبُو جَعْفَرٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ الْحَسَنَ بْنَ مُوسَى الأَشْيَبَ ، وَذَكَرَ الْجَهْمِيَّةَ فَنَالَ مِنْهُمْ ، ثُمَّ قَالَ : أُدْخِلَ رَأْسٌ مِنْ رُؤَسَاءِ الزَّنَادِقَةِ يُقَالُ لَهُ شَمْعَلَةُ عَلَى الْمَهْدِيِّ فَقَالَ : دُلَّنِي عَلَى أَصْحَابِكَ فَقَالَ : أَصْحَابِي أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ : دُلَّنِي عَلَيْهِمْ فَقَالَ : صِنْفَانِ مِمَّنْ يَنْتَحِلُ الْقِبْلَةَ ، الْجَهْمِيَّة وَالْقَدَرِيَّةُ ، الْجَهْمِيُّ إِذَا غَلاَ ، قَالَ : لَيْسَ ثَمَّ شَيْءٌ وَأَشَارَ الأَشْيَبُ إِلَى السَّمَاءِ وَالْقَدَرِيُّ إِذَا غَلاَ قَالَ : هُمَا اثْنَانِ خَالِقُ شَرٍّ ، وَخَالِقُ خَيْرٍ ، فَضَرَبَ عُنُقَهُ وَصَلَبَهُ.



فجعل إنكار العلو نهاية غلو الجهمي فمن يتورع عن تسمية منكر العلو جهمياً ، ويجعله من أهل السنة هذا مخالف لإجماع السلف وواقع فيما هو أشد من الإرجاء القديم


ونقل ابن تيمية الاتفاق على تكفير منكر العلو


هذا كله ذكرته لبيان تناقض عامة المعاصرين في هذا الباب إذ يقرر الرجل منهم أن إنكار العلو بدعة مكفرة ويقرر أيضاً عدم جواز الترحم على الواقع في البدعة المكفرة ثم تراه يترحم على منكر العلو !


وهذا كتناقضهم في قبولهم لأقوال أئمة الجرح والتعديل في كل الناس إلا في أبي حنيفة وأصحابه !


وقد كتب أحمد النجمي كتاباً جيداً أسماه ( تنزيه الشريعة عن إباحة الأغاني الخليعة ) جمع فيه جمعاً طيباً


غير أنك تعجب من قوله في ص76 :" ذكر من أفرد هذا الموضوع بالتأليف من العلماء الفطاحل "


ثم ذكر من هؤلاء الفطاحل ابن حجر الهيتمي


هذا المجرم الذي كان يكفر ابن تيمية بالتوحيد ويثني على ابن عربي ويجيز الاستغاثة بل هو مشرك حتى في الربوبية فهو يعنى بشكل كبير بقصائد البوصيري ويشرحها هذا مع كونه أشعرياً محضاً في أبواب الإيمان والقدر والنبوات


وقد رد عليه الآلوسي في كتاب ( جلاء العينين ) رداً قوياً عراه فيه على مآخذ على الرد


فاعجب أن يسمى هذا الرجل عالماً مع كونه إضافة إلى كل ما سبق لا يحسن التمييز بين صحيح الأخبار وسقيمها على طريقة السلف وهو في الفقه شافعي مقلد


ولا عجب فالغزالي الذي قضى حياته في التخبط وأفشى في الأمة عشرات الأخبار الموضوعة والتي لا أصل لها في إحيائه إذ لم يكن يفرق بين أصح الصحيح وأضعف الضعيف لا يذكر إلا بالإمامة


وكأن البربهاري كان يرد على هؤلاء حين قال ( ليس العلم بكثرة الكتب والرواية )


قال ابن عدي في الكامل سَمِعْتُ مُحَمد بْنَ عَبد اللَّهِ الشافعي يقول يخاطب المتعلمين لمذهب الشافعي ويقول لهم اعتبروا بهذين النفسين حسين الكرابيسي، وأَبُو ثور الحسين في علمه وحفظه، وأَبُو ثور لا يعشره في علمه فتكلم فيه أحمد بن حنبل في باب اللفظ فسقط وأثنى على أبي ثور فارتفع للزومه السنة.


واليوم يأتون إلى رجل موحد على عقيدة أهل السنة في الصفات والقدر والإيمان وهو موحد ويتحرى طريقة السلف في الفقه والحديث والتفسير فيذكر بكل نقيصة في الوقت الذي يعظم فيه أرباب الشرك والبدعة


وقريب من هذا في العجب كثرة الترحم والثناء على ابن حزم الذي ملأ الدنيا شذوذاً في العقيدة والفقه والحديث


وهو جهمي جلد ويرى أن هناك أربع قرآنات ثلاثة منها مخلوقة فهو يقول بخلق القرآن في النهاية ويؤول السمع والبصر على العلم


بل ينكر أن يقال لله إرادة ؟!


قال ابن حزم في الفصل :" وَهَذَا خطأ لبرهانين ضرورين أَحدهمَا أَن الله تَعَالَى لم ينص على أَنه مُرِيد وَلَا على أَن لَهُ إِرَادَة"


بل اعتبر وصف الله بأنه ( جواد سخي ) كفر !


قال ابن حزم في الفصل :" وَأما تَسْمِيَة الله عز وَجل جواداً سخياً أَو صفته تَعَالَى بِأَن لَهُ تَعَالَى جوداً وسخاءً فَلَا يحل ذَلِك الْبَتَّةَ وَلَو أَن الْمُعْتَزلَة المقدمين على تَسْمِيَة رَبهم جواداً يكون لَهُم علم بلغَة الْعَرَب أَو يحقيقة الْأَسْمَاء ووقوعها على المسميات أَو بمعاني الْأَسْمَاء وَالصِّفَات مَا أقدموا على هَذِه الْعَظِيمَة وَلَا وَقَعُوا فِي الائتساء بالكفار الْقَائِلين أَن عِلّة خلق الله تَعَالَى لما خلق إِنَّمَا هِيَ جودة حَتَّى أوقعهم ذَلِك فِي القَوْل بِأَن الْعَالم لم يزل وَلَكِن الْمُعْتَزلَة معذورون بِالْجَهْلِ عزرا يبعدهم عَن الْكفْر وَلَا يخرجهم عَن الْإِيمَان لَا عرزا يسْقط عَنْهُم الْمَلَامَة لِأَن التَّعَلُّم لَهُم معروض مُمكن وَلَكِن لَا هادي لمن أضلّ الله تَعَالَى ونعوذ الله من الخذلان"


هذا مع إنكاره لكرامات الأولياء وغيرها من الضلالات العقدية والفقهية


فهذا احتملتم من هؤلاء ما احتملتهم فهلا احتملتهم أهل السنة وأهل التوحيد


بل ترى عجباً من أكثر المعاصرين أنهم يترحمون على محمد رشيد رضا ويثنون عليه بالعلم


حتى أن عبد العزيز الريس في كتابته التي أسماها براءة دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب من الخوارج


ذكر أن من العلماء الذين أثنوا على دعوة الإمام المجدد محمد رشيد رضا !


ومحمد رشيد رضا ينكر الدجال ونزول المسيح ويأجوج ومأجوج والمهدي والرجم  ولا أريد سرد ضلالاته غير أنه أنكر عشرات الأحاديث الصحيحة مع معجزات النبي الحسية


وإنكار حديث صحيح واحد كفر فكيف بإنكار عدة أحاديث متواترة وأحكام وعقائد مجمع عليها


أما إن عامة الخوارج الذين قاتلوا الصحابة كانوا أحسن عقيدة من محمد رشيد رضا في الغيبيات والصفات


وهذا حمود عقلا الشعيبي يشرح شروط لا إله إلا الله بشرح جيد حقاً ولكنه يتكلف النقل عن سيد قطب الذي كان ينكر العلو ويقول بخلق القرآن وينكر معجزات النبي الحسية مع قرن ذلك بالترحم والتعظيم في كل مرة يذكره بها


بل لا يكتفى بجعل الجهمي منكر العلو عالماً أو إماماً أو فطحلاً حتى يجعل أيضاً شهيداً !


وهذا محمد قطب يترحم على من لا يكفر الشيوعيين !! وهذه بدعة مكفرة ولا شك فيتضايق لذلك أبو بصير


قال أبو بصير في بعض كتاباته وأظنها شرحه على شروط لا إله إلا الله :" ومما يُذكر في هذا المقام ما نقله الشيخ محمد قطب - حفظه الله - في كتابه القيم " لا إله إلا الله عقيدة وشريعة ومنهاج حياة " ص158، عن أحد هؤلاء حيث يقول: وإن كنت ما زلت أعجب لرجل - طيب مفرط في الطيبة رحمه الله - قال ذات يوم وهو في موضع قيادي من العمل الإسلامي: لا نكفر أحداً قال لا إله إلا الله ولو كان شيوعياً! رحم الله القائل وغفر له! اهـ.

فتأمل، فإذا كان هذا في موقع القيادة للعمل الإسلامي يقول مثل هذا القول الذي هو عين مذهب مرجئة الكرامية..فكيف بالأتباع والرعاع ممن يقلدونه من غير بصيرة أو دليل..؟!!

وإن كان لنا عتب فعتبنا على الشيخ - حفظه الله - كيف يكرر هذا الترحم الذي يُستفاد منه التهوين من خطأ وجرم ذاك المدعو والمعروف بأنه رجل قيادي في العمل الإسلامي الذي لا يكفر الملحد الشيوعي لكونه يُظهر - ولو لمرة واحدة في العمر - شهادة التوحيد..؟!!

وكان ينبغي للشيخ في أقل الأحوال أن يذكر مقولة الرجل الشنيعة لكن لا بمدح له ولا ذم، ولا دعاء له ولا دعاء عليه!!"


وأبو بصير يرى أن هذا الواقع في الكفر ينبغي أن ينقد قوله دون التعرض له بالذم ! ولو كان من الحكام لكان لأبي بصير معه شأن آخر


وقد رأيت كتاباً لرجل مغربي يرد على سعيد فودة في الدلالة العقلية على صفة العلو وقد أجاد في مواطن غير أنه يقول ( الأشعرية رحمهم الله ) وينكر المكان !


تنبيه : وقع مني الترحم على بعض منكري العلو قديماً وهو موجود في بعض موادي الصوتية وهنا أرجع عنه وقد نبهت على ذلك مراراً


هذا كتبته نصيحة وإن كانت تضيق به صدور فالدين النصيحة ولا عذر لأحد بترك طريقة السلف بعد إبصارها ، والتناقض قبيح باتفاق العقلاء فالزم طريقة السلف واترك التناقض


قال ابن تيمية في الجواب الصحيح :" فَكُلُّ كِتَابٍ لَيْسَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِيهِ تَنَاقُضٌ، وَمَا كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لَا يَتَنَاقَضُ، وَحِينَئِذٍ فَإِنْ كَانَ مُتَنَاقِضًا لَمْ يَجُزْ لَهُمُ الِاحْتِجَاجُ بِشَيْءٍ مِنْهُ ; فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَنَاقِضًا ثَبَتَ أَنَّ مَا فِيهِ مِنْ عُمُومِ رِسَالَتِهِ، وَأَنَّهُ رَسُولٌ إِلَيْهِمْ، فَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ يُنَاقِضُهُ، فَإِنَّ مَا جَاءَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لَا يَتَنَاقَضُ"


والله الموفق


تنبيه : وجدت كلاماً لناصر العقل نحواً من كلام النجمي فقد جاء في تعليقه على شرح السنة للبربهاري :" لسؤال  هل يترحم على من زلّت به قدمه بمثل هذه العقائد؟
الجواب  وكأنه يقصد ما مر في الكتاب كالجهمية والمعتزلة، فالمسلم الذي يقع في بدعة غير مغلظة يترحم عليه، والمسلم الذي يقع في بدعة كفرية مغلظة أو من كبائر البدع التي قد تؤدي إلى الكفر، أو كان من ضمن الفرق التي اتفق السلف على أنها خارجة عن السنة في أصول كفرية، وإن لم يكفّروها كالمعتزلة فهؤلاء الأولى ألا يترحم عليهم ولا يدعى عليهم، فتبقى المسألة تحت مشيئة الله عز وجل، لأن الترحم عليهم وهم أهل بدع ظاهرين نوع من تأييد البدعة والترويج لها، فيكون ترك الترحم نوع من أنواع الهجر للبدعة وأهلها وإن كانوا أمواتاً، وإلا فهم باقون على أصل حقوقهم في الإسلام؛ لأن الفرق التي لم تخرج عن الملة وهي من الثنتين والسبعين كالمعتزلة والمرجئة والقدرية لهم حقوقهم في الإسلام، مثل أن يدفنوا في مقابر المسلمين ويصلى عليهم كحقوق سائر المسلمين، لكن الداعية منهم، أو المبتدع الذي يمارس بدعة ظاهرة فالأولى عدم الترحم عليه لئلا يكون ذلك وسيلة إلى ترويج بدعته للناس، فهو من باب الهجر، والله أعلم."


وكلام العقل متناقض ولكنه حجة عليه وعلى غيره في دوام الترحم على منكر العلو وتلك بدعة كفرية


قد كان وقع من عبد الحميد الحجوري الترحم على الجاحظ في بعض محاضراته ، فاهتبلها فرصة وصار يرد عليه ويشنع عرفات المحمدي قد وقع منه التراجع


وقال أبو عائشة السلفي المشرف في منتدى الوحيين معرضاً بعبد الحميد الحجوري أثناء تعليقه على موضوع لعلي الحذيفي :" كما نحب أن نشكرك أيها الشيخ الفاضل على جهودك وما تنشره من مواضيع قيمة ومفيدة ومتزنة في المنتديات السلفية وهذا مما يفرح به السلفي الصادق ولا يغيظ إلا مرضى القلوب الذي أكل الحسد قلوبهم فجزاك الله خيرا ورفع قدرك .

وأن لم تكن سحاب الخير للعلماء الأفاضل كربيع أهل السنة والجابري وزيد المدخلي والسحيمي ومحمد بن هادي وعبدالله البخاري والوصابي والإمام والبرعي والذماري والسالمي والعدنيين وإخوانهم المشايخ الأفاضل آل بازمول وآل الظفيري والعتيبي والزهراني والحذيفي والمحمدي والعمري وغيرهم ممن فاتني ذكرهم من العلماء والمشايخ الأفاضل وطلاب العلم النجباء فلمن تكون ؟!!

للسفيه العمودي أم للمترحم على الجاحظ أم لمن جعل السلفيين ممن بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار أم لغيرهم من السفهاء ؟!"


المترحم على الجاحظ !


هكذا الترحم على جهمي معتزلي كالجاحظ صار سبة


والسؤال هنا : ما الفرق الجوهري بين محمد رشيد رضا الذي يترحم عليه الكثير من المعاصرين والجاحظ ؟


الواقع أن الجاحظ أكثر تعظيماً للنصوص من محمد رشيد رضا الذي أنكر الدجال ونزول المسيح وأحاديث المهدي ويأجوج ومأجوج وخروج الشمس من مغربها في آخر الزمان وكفر بالكبيرة وكان مفوضاً وأنكر الرجم ومعجزات ( آيات ) النبي صلى الله عليه وسلم وأنكر جهاد الطلب وقال بجواز التيمم بالسفر مع وجود الماء وقال بجواز جمع الصلاتين بدون عذر وقال بحل ربا الفضل والحمر الأهلية ونكاح الوثنيات وأنكر عشرات الأحاديث الصحيحة


وواحدة من هذه التي سبقت يخرج بها من ملة الإسلام فكيف بها مجتمعة ؟


وماذا عن الترحم على سيد قطب مع قوله بخلق القرآن وإنكار العلو ووحدة الوجود ؟


فإنكار الترحم على هؤلاء ينبغي أن يكون بمستوى إنكار الترحم على الجاحظ


والعجيب أن جماعة من المعاصرين ينصون على أن الواقع في بدعة مكفرة لا يصلى عليه ويناقضون هذا فيترحمون على الواقعين في البدع المكفرة كإنكار العلو


قال ابن تيمية كما في درء التعارض (7/27) :" ولهذا كان السلف مطبقين على تكفير من أنكر ذلك لأنه عندهم معلوم بالاضطرار من الدين والأمور المعلومة بالضرورة عند السلف والأئمة وعلماء الدين قد لا تكون معلومة لبعض الناس إما لإعراضه عن سماع ما في ذلك من المنقول فيكون حين انصرافه عن الاستماع والتدبر غير محصل لشرط العلم بل يكون ذلك الامتناع مانعا له من حصول العلم بذلك كما يعرض عن رؤية الهلال فلا يراه مع أن رؤيته ممكنة لكل من نظر إليه وكما يحصل لمن لا يصغي إلى استماع كلام غيره وتدبره لا سيما إذا قام عنده اعتقاد أن الرسول لا يقول مثل ذلك فيبقى قلبه غير متدبر ولا متأمل لما به يحصل له هذا العلم الضروري"


وقد قال لعلماء الأشاعرة في مصر كما في مقدمة التسعينية ( يا كفار يا مرتدين يا مبدلين )


وقد وقع مني في بعض الشروح الصوتية الترحم على بعض منكري العلو ، وهذا أمر غلطت فيه ولا سبيل لي على المواد الصوتية فأغير ما فيها أو المنشور في المدونة ، وهذا غلط بين فلو كان المرء يعتقد جواز الترحم على أهل البدع بإطلاق داعيتهم وعاميهم ومقلدهم ، لكان ينبغي له النظر في مسألة الترحم على الواقع في بدعة مكفرة خصوصاً في مسألة معلومة من الدين بالضرورة كمسألة العلو


وقد قال عبد الرحمن البراك كما موقع طريق الإسلام :" الحمد لله،


من يقرأ قول ابن قتيبة في كتابه "تأويل مختلف الحديث" (ص 142) عن الجاحظ، وما ذكره الذهبي عنه في "السير" (ج11 ص526)، فلن تطيب نفسه أن يخص الجاحظ بالترحم، فإن الدعاء[  ]  بالرحمة للشخص من جنس الصلاة عليه، وقد نص العلماء[  ]  على ترك الصلاة على أهل البدع[  ]  والفجور، هجراً لهم وزجراً عن حالهم وفعالهم، فكيف إذا كان رأساً في البدعة والفجور، فإنه أحق بالهجران، ومع ذلك فتخصيصه بالترحم عليه يشعر بالتعظيم والاحترام والرضا، ولن من كان صحيح الإيمان[  ]  لا منافقاً شمله الاستغفار[  ]  للمؤمنين والمؤمنات، ربنا اغفر لنا ولوالدينا وللمؤمنين والمؤمنات، والله أعلم"


أقول : فكيف إذا كان واقعاً في بدعة مكفرة ودون ذلك في كتبه ، وأنا هنا أنقل كلاماً لمعاصر من جهة الإلزام وإلا فالأمر معروف عند السلف وواضح في تصرفاتهم


وقال عبد الكريم الخضير في شرحه على اللامية :" هذا يقول: أراك يا شيخ متحاملاً على ابن حزم -رحمه الله تعالى- فلماذا؟ أولاً: ابن حزم -كما هو معروف- تحامل على الأئمة، ولا أعرف أني متحامل عليه في غير مسائل الاعتقاد التي دونها بقلمه وسطرها، حتى إنه تُرحم عليه في درس الشيخ ابن باز فأنكر ذلك الشيخ، أنكر ذلك، وعنده في مسائل الاعتقاد طوام، شابه الجهمية في بعض المسائل، فليس على المنهج الصحيح ولا الهدي السليم في مسائل الاعتقاد"


أقول : سواءً كان مأخذ الشيخ ابن باز أن بدعة ابن حزم مكفرة ، أو أنه وقع في بلايا عقدية فلا إشهار الترحم عليه لكي يغتر به العامة ويظنون تعظيمه ( كما أشير إليه في فتيا البراك ) أو أنه داعية بدعة ( كما يشير إليه كلام ابن تيمية_ رحمه الله _ في الاختيارات الفقهية ) ، فهذه المآخذ كلها تدل على أن هناك توسعاً غير مرضي في مسألة الترحم هذه ووجود مسلك حادث إذا أنكر اعتبر إنكاره بدعة وغلواً، ويكون منعه هنا هو الصواب وترحمه في مكان آخر خطأ ومجانب للصواب وسيرٌ على الإلف


بل إن ما يكال من الثناء والتوقير للكثير من أهل الأهواء والبدع المكفرة كالتجهم والقبورية أمر يضن به على عامة الموحدين بل على أخيار الأمة


فلا يقال عن عبيد بن عمير ورجاء بن حيوة ومحمد بن سيرين ومسروق والأسود ( الإمام ) و ( رحمه الله ) كلما ذكر بقدر ما يقال هذا في الأشاعرة منكري العلو والقبورية وغيرهم من الواقعين في الضلالات الكبرى من أصحاب التصانيف في التفسير وشروح الحديث والفقه والتي أقل جنايتهم فيها خلطهم كلام المتكلمين  بكلام أئمة الهدى وأعظم جنايتهم نصرتهم لمقالات بني جلدتهم وطرح الشبهات على الاعتقاد الصحيح والمنهج السليم


وليعلم أنه مما يؤخذ على الذهبي وابن الوزير هذه المسألة


قال ابن الوزير في إيثار الحق على الخلق :"  وَلما ذكر الذَّهَبِيّ فِي النبلاء تجويد الجاحظ فِي كتاب النبوات ترحم عَلَيْهِ وَقَالَ فَكَذَلِك فَلْيَكُن الْمُسلم مَعَ أَنه من خصومه وَهَذَا شَيْء يُعلمهُ الْعَاقِل من قَرَائِن أَحْوَال المتأولين "


وهذا إفراط في التميع


قال البغدادي الأشعري في الفرق بين الفرق :" ذكر الجاحظية مِنْهُم هَؤُلَاءِ اتِّبَاع عَمْرو بن يحيى الجاحظ وهم الَّذين اغتروا بِحسن بذله هَكَذَا الجاحظ فى كتبه الَّتِى لَهَا تَرْجَمَة تروق بِلَا معنى وَاسم يهول وَلَو عرفُوا جهالاته فى ضلالاته لاستغفروا لله تَعَالَى من تسميتهم اياه انسانا فضلا عَن ان ينسبوا اليه احسانا فَمن ضلالاته المنسوبة اليه مَا حَكَاهُ الكعبى عَنهُ فى مقالاته مَعَ افتخاره بِهِ من قَوْله ان المعارف كلهَا طباع وهى مَعَ ذَلِك فعل للعباد وَلَيْسَت بِاخْتِيَار لَهُم قَالُوا وَوَافَقَ ثُمَامَة فى ان لَا فعل للعباد الا الارادة وان سَائِر الافعال تنْسب الى الْعباد على معنى انها وَقعت مِنْهُم طباعا وانها وَجَبت بارادتهم قَالَ وَزعم ايضا انه لَا يجوز ان يبلغ اُحْدُ فَلَا يعرف الله تَعَالَى وَالْكفَّار عِنْده من معاند وَمن عَارِف قد استغرقه حبه لمذهبه فَهُوَ لَا يشْكر بِمَا عِنْده من الْمعرفَة بخالقه وبصدق رسله فان صدق الكعبى على الجاحظ فى أَن لَا فعل للانسان الا الارادة لزمَه ان لَا يكون الانسان مُصَليا وَلَا صَائِما وَلَا حَاجا وَلَا زَانيا وَلَا سَارِقا وَلَا قَاذِفا وَلَا قَاتلا لانه لم يفعل عِنْده صَلَاة وَلَا صوما وَلَا حجا وَلَا زنى وَلَا سَرقَة وَلَا قتلا وَلَا قذفا لَان هَذِه الافعال عِنْده غير الارادة واذا كَانَت هَذِه الافعال الَّتِى ذَكرنَاهَا عِنْده طباعا لَا كسبا لزمَه ان لَا يكون للانسان عَلَيْهَا ثَوَاب وَلَا عِقَاب لَان الانسان لَا يُثَاب وَلَا يُعَاقب على مَا لَا يكون كسبا لَهُ كَمَا لَا يُثَاب وَلَا يُعَاقب على لَونه وتركيب بدنه اذا لم يكن ذَلِك من كَسبه وَمن فضائح الجاحظ ايضا قَوْله باستحالة عدم الاجسام بعد حدوثها وَهَذَا يُوجب القَوْل بَان الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يقدر على خلق شىء وَلَا يقدر على افنائه وانه لَا يَصح بَقَاؤُهُ بعد ان خلق الْخلق مُنْفَردا كَمَا كَانَ مُنْفَردا قبل ان خلق الْخلق وَنحن وان قُلْنَا ان الله لَا يفنى الْجنَّة وَنَعِيمهَا وَالنَّار وعذابها ولسنا نجْعَل ذَلِك بَان الله عز وَجل قَادر على افناء ذَلِك كُله وانما نقُول بدوام الْجنَّة وَالنَّار بطرِيق الْخَبَر وَمن فضائح الجاحظ ايضا قَوْله بَان الله لَا يدْخل النَّار احدا وانما النَّار تجذب اهلها الى نَفسهَا بطبعها ثمَّ تمسكهم فى نَفسهَا على الخلود وَيلْزمهُ على هَذَا القَوْل ان يَقُول فى الْجنَّة انها تجذب اهلها الى نَفسهَا بطبعها وان الله لَا يدْخل احدا الْجنَّة فان قَالَ بذلك قطع الرَّغْبَة الى الله فى الثَّوَاب وابطل فَائِدَة الدُّعَاء وان قَالَ ان الله تَعَالَى هُوَ يدْخل اهل الْجنَّة الْجنَّة لزمَه القَوْل بَان يدْخل النَّار اهلها وَقد افتخر الكعبى بالجاحظ وَزعم انه من شُيُوخ الْمُعْتَزلَة وافتخر بتصانيفه الْكَثِيرَة وَزعم انه كنانى من بنى كنَانَة بن خُزَيْمَة بن مدركة بن الياس بن مُضر فَيُقَال لَهُ ان كَانَ كنانيا كَمَا زعمت فَلم صنفت كتاب مفاخر القحطانية على الكنانية وَسَائِر العدنانية وان كَانَ عَرَبيا فَلم صنف كتاب فضل الموالى على الْعَرَب وَقد ذكر فى كِتَابه المسى بمفاخر قحطان على عدنان اشعارا كَثِيرَة من هجاء القحطانية للعدنانية وَمن رضى بهجو آبَائِهِ كمن هجا أَبَاهُ وَقد أحسن جحظة فِي هجاء ابْن بسام الذى هجا اباه فَقَالَ من كَانَ يهجو أَبَاهُ فهجوه قد كَفاهُ لَو انه من أَبِيه مَا كَانَ يهجو اباه واما كتبه المزخرفة فاصناف مِنْهَا كِتَابَة فى حيل اللُّصُوص وَقد علم بهَا الفسقة وُجُوه السّرقَة وَمِنْهَا كِتَابه فى عشر الصناعات وَقد افسد بِهِ على التُّجَّار سلعهم وَمِنْهَا كِتَابه فى النواميس وَهُوَ ذَرِيعَة للمحتالين يجتلبون بهَا ودائع النَّاس واموالهم وَمِنْهَا كِتَابه فى الْفتيا وَهُوَ مشحون بطعن استاذه النظام على اعلام الصَّحَابَة وَمِنْهَا كتبه فى القحاب وَالْكلاب واللاطة وفى حيل المكدين ومعانى هَذِه الْكتب لائقة بِهِ وبصفته واسرته وَمِنْهَا كتاب طبائع الْحَيَوَان وَقد سلخ فِيهِ معانى كتاب الْحَيَوَان لارسطاطاليس وَضم اليه مَا ذكره المدائنى من حكم الْعَرَب وَأَشْعَارهَا فى مَنَافِع الْحَيَوَان ثمَّ انه شحن الْكتاب بمناظرة بَين الْكَلْب والديك والاشتغال بِمثل هَذِه المناظرة يضيع الْوَقْت بالغث وَمن افتخر بالجاحظ سلمناه اليه قَول اهل السّنة فى الجاحظ كَقَوْل الشَّاعِر فِيهِ ... لَو يمسخ الْخِنْزِير مسخا ثَانِيًامَا كَانَ الا دون قبح الجاحظ ... رجل يَتُوب عَن الْجَحِيم بِنَفسِهِوَهُوَ القذى فى كل طرف لاحظ ..."

قال القحطاني في نونيته


67- من قال فيه عبارة وحكاية ... فغدا يجرع من حميم آن

68- من قال إن حروفه مخلوقة ... فالعنه ثم اهجره كل أوان


هذا هو قول الأشاعرة في القرآن يوصي القحطاني بلعن كل من قال به وقد كفرهم بهذا القول كل من البربهاري واللالكائي والآجري وابن بطة وعبد الغني المقدسي


قال الأنصاري في ذم الكلام 1280 - وسمعت محمد بن العباس بن محمد يقول: كان أبو  علي الرفاء يقول:

((لعن الله الكلابية -وكان يشير بيده إلى دار فلان-. قال: ورأيته على المنبر طرف ردائه على رأسه)).

وأشك أنه سمع منه اللعنة أم لا


وقال أيضاً 1316 - سمعت الحسن بن أبي أسامة المكي يقول: سمعت أبي يقول:

((لعن الله أبا ذر؛ فإنه أول من حمل الكلام إلى الحرم، وأول من بثه في المغاربة)).


وقال أيضاً 1309 - سمعت أحمد بن أبي نصر يقول:

((رأينا محمد بن الحسين السلمي يلعن الكلابية)).


وقال أيضاً 1334 - وسمعت أبي يقول:

((سمعت أبا سعيد الطالقاني غير مرة في مجلسه يلعن الكلابية، ويصرح باسم رئيس فيهم، وينسب أبا سعد إلى المداهنة)).

أبو سعد الصغير.


وقال أيضاً 1337 - ((وسمعت أحمد بن الحسن الخاموشي الفقيه الرازي في داره بالري في محفل يلعن الأشعري، ويطري الحنابلة، وذلك سنة خرجنا مع الحاج)).


وقال الخلال في السنة 2116- أخبرنا سليمان بن الأشعث أبو داود السجستاني ، قال : ثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي .

وأخبرني أحمد بن محمد بن مطر ، قال : ثنا أبو طالب أنه سمع أبا عبد الله سأله يعقوب الدورقي .

وأخبرنا محمد بن علي ، قال : ثنا صالح ، قال سمعت أبي سألة يعقوب الدورقي .

وأنبأ محمد بن علي ، قال : ثنا محمد بن إسحاق ، قال : ثنا يعقوب الدورقي .

وأخبرنا عثمان بن صالح الأنطاكي ، قال ثنا الدورقي ، قال : قلت لأحمد بن حنبل المعنى قريب . ما تقول في من زعم أن لفظه بالقرآن مخلوق ؟ قال : فاستوى أحمد لي جالساً ثم قال : يا أبا عبد الله ، هؤلاء عندي أشر من الجهمية ، من زعم هذا فقد زعم أن جبريل هو المخلوق وأن النبي صلى الله عيله وسلم تكلم بمخلوق وإن جبريل جاء إلى نبينا بمخلوق ، هؤلاء عندي أشر من الجهمية ، لا تكلم هؤلاء ولا تكلم في شيء

من هذا ، القرآن كلام الله غير مخلوق على كل جهة وعلى كل وجه تصرف وعلى أي حال كان ، لا يكون مخلوقاً أبداً ، قال الله تبارك وتعالى : { وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللَّهِ } ولم يقل : حتى يسمع كلامك يا محمد ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم : (لا يصلح في الصلاة شيء من كلام الناس) وقال النبي عليه السلام : (حتى أبلغ كلام ربي) ، هذا قول جهم على من جاء بهذا غضب الله ، قلت له : إنما يريدون هؤلاء على الإبطال؟ قال : نعم ، عليهم لعنة الله .


فهنا أحمد على شدة ورعه يلعن اللفظية وهم خير من الأشعرية


وقد لعن عبد الله بن أبي أوفى الصحابي الأزارقة ولا شك أنهم خيرٌ من الأشاعرة فإنهم لا ينكرون العلو ولا يعطلون الصفات ولا ينفون الحكمة ولا غيرها من الضلالات الكبرى


بل أبلغ من هذا لعن الصحابة من آذى جاره وأين هذا ممن أنكر صفات الله وكفر أهل الهدى


قال أبو داود في سننه  5153 - حدثنا الربيع بن نافع أبو توبة ثنا سليمان بن حيان عن محمد بن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة قال

 : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه و سلم يشكو جاره فقال " اذهب فاصبر " فأتاه مرتين أو ثلاثا فقال " اذهب فاطرح متاعك في الطريق " فطرح متاعه في الطريق فجعل الناس يسألونه فيخبرهم خبره فجعل الناس يلعنونه فعل الله به وفعل وفعل فجاءه إليه جاره فقال له ارجع لا ترى مني شيئا تكرهه


وأما اليوم فهذا اللعن من فعله ينكر عليه ، بل استبدل بالترحم الراتب وكأن هذا الجهمي واحد من الصحابة


فقد جاء في عقيدة الرازيين :" ونترحم على جميع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا نسب أحدا منهم"


ولسان حال بعض الناس اليوم ( ونترحم على جميع منكري العلو من الأشاعرة ولا نجهم ولا نلعن أحداً منهم ونشنع على من فعل شيئاً من ذلك)


فكيف انقلب الأمر ؟


فصارت حرمة الصحابي وحرمة الجهمي واحدة ، بل كثير من الصحابة لا يعرفون ولا يترضى عنهم بقدر ما يترحم على الجهمية


وكيف يتكلم عن رجل واقع في بدعة مكفرة على أنه من أعمدة الدين وكأن الصحابة والتابعين ومن تبعهم لم يتركوا لنا ديناً حتى جاء هؤلاء الجهمية الأشعرية وشيدوا لنا ديننا والواقع أنهم حرفوه تحريفاً عظيماً وكلامهم في عامة العلوم فيه خطل وخلل وإزراء على السلف


ومن الممارسات العجيبة جعل معاملة خاصة لكل جهمي له سبب في علم الحديث


مع أن هذا أدعى لأن يغلظ فيه القول إذ أن الحجة قائمة عليه أكثر من غيره


قال عبد الله بن أحمد في العلل [ 4294 ] حدثني أبي قال حدثنا سفيان بن عيينة قال سمعته من فضيل بن عياض قال يغفر للجاهل سبعون ذنبا قبل أن يغفر للعالم ذنب واحد


وبعضهم يردد أن منهج أهل السنة أن الرجل لا يسقط ببدعة أو بدعتين ، وهذا مع بطلانه مفهومه أن الرجل يسقط بأكثر من ذلك ما بالكم لا تسقطون من حرف عامة الصفات وقال بالإرجاء والجبر وبقول قومه الجهمية في النبوات وكان قبورياً أو خرافياً


وبعضم يقول قاعدة ( من لم يبدع المبتدع فهو مبتدع ) إنما تنطبق على من كان ديدنه البدع ، فيا ليت شعري من إذا جمعت أخطاؤه العقدية في كتاب واحد قاربت المائة ألا يكون ديدنه البدعة ، فمن عطل عامة الصفات وقال بالتبرك والتوسل وشد الرحال وعقائد الأشاعرة ألا يقال ( ديدنه البدع ) هذا مع العلم أن هذا الشرط حادث


وبعضهم يقول ( هؤلاء لم يدعوا إلى بدعهم ) ويا ليت شعري هل بدعهم مفسقة حتى يقال هذا الكلام ، بل بدعهم مكفرة وهل يحصر أهل البدع في الدعاة فقط إلا جاهل ، وأي دعوة أبلغ من تخليد تأويلات بشر المريسي في الكتب وأي دعوة أبلغ من إيجاب البدع كما قال النووي في مقدمة المجموع أن من البدع الواجبة تعلم علم الكلام ، وأي دعوة أبلغ من الاحتجاج للمولد النبوي بالأحاديث النبوية مع الاعتراف أنه لم يسبقه إلى ذلك أحد كما فعل ابن حجر وأي دعوة أبلغ من كتاب دفع شبه التشبيه بأكف التنزيه لابن الجوزي الذي نصر فيه مذاهب المعطلة باباً باباً وشنع على المخالفين تشنيعاً عظيماً


وقال أبو محمد ابن أبي زيد القيرواني في كتاب الجامع ص121: " ومن قول أهل السنة: أنه لا يعذر من أداه اجتهاده إلى بدعة لأن الخوارج اجتهدوا في التأويل فلم يعذروا " ثم ذكر الخوارج مثالاً


وهذا قياس صحيح ومن قال في الجهمية أن قصدهم حسن وأرادوا الخير فليقل ذلك في الخوارج وليتعقب الأخبار النبوية وسيرة الصحابة فيهم !



وقال الدارمي في الرد على المريسي :" وَيْحَكَ! إِنَّ النَّاسَ لَمْ يَرْضَوْا مِنْ أَبِي حَنِيفَةَ إِذْ أَفْتَى بِخِلَافِ رِوَايَاتٍ رُوِيَتْ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم فِي البيعين بِالْخِيَارِ مالم يَتَفَرَّقَا وَفِي "الْوُضُوءِ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ" و "إِشْعَار البُدْن" وَفِي "إِسْهَامِ الْفَارِسِ وَالرَّاجِلِ"، وَفِي "لبس الْمحرم الْخُفَّيْنِ إذالم يَجِدِ النَّعْلَيْنِ" وَمَا أَشْبَهَهَا مِنَ الْأَحَادِيث حَتَّى نسبوا

أَبَا حَنِيفَةَ فِيهَا إِلَى رَدِّ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَنَاقَضُوهُ فِيهَا، وَوَضَعُوا عَلَيْه  فِيهَا الْكُتُبَ، فَكَيْفَ بِمَنْ نَاصَبَ اللَّهَ فِي صِفَاتِهِ الَّتِي يَنْطِقُ بنصِّها كِتَابُهُ، فَيَنْقُضُهَا عَلَى اللَّهِ صِفَةً بَعْدَ صِفَةٍ، وَشَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ بِعَمَايَاتٍ مِنَ الْحُجَجِ وَخُرَافَاتٍ مِنَ الْكَلَامِ خِلَافَ مَا عَنَى اللَّهُ، وَلَمْ يَأْتِ بِشَيْءٍ مِنْهَا الرِّوَايَاتُ، وَلَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ مِنْهَا عَن الْعلمَاء الثِّقَات بَلْ كُلُّهَا ضَحِكٌ وَخُرَافَاتٌ؟ فَإِنْ كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ اسْتَحَقَّ بِمَا أَفْتَى مِنْ خِلَافِ تِلْكَ الرِّوَايَاتِ أَنْ تُنْسَبَ إِلَى رَدِّ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، اسْتَحْقَقْتُمْ أَنْتُمْ أَنْ تُنْسَبُوا إِلَى رَدِّ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ، بَلْ أَنْتُمْ أَوْلَى بِالرَّدِّ مِنْ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَدْ وَافَقَهُ عَلَى بَعْضِ فُتْيَاهُ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ، وَلَمْ يُتَابِعْكُمْ عَلَى مَذَاهِبِكُمْ إِلَّا السُّفَهَاءُ وَأَهْلُ الْبِدَعِ والهواء، وَمَنْ لَا يَعْرِفُ لَهُ إِلَهًا فِي السَّمَاءِ"


وأما اليوم حيث انقلب الأمر فتركوا ما قال الناس في أبي حنيفة ، وما قال الناس في المريسية إذ جاءوا إلى أعظم أتباعه من الأشاعرة وأنكروا أن يغلظ فيهم القول كما غلظ في أسلافهم الجهمية


بل صار أهل الرأي أصلاً مقيساً عليه في إسقاط الجرح فعكسوا قياس الدارمي 


بل اليوم يتركون الذين تبعوا المريسي في تعطيله بل يقال عنهم ( أهل السنة ) و(أئمة إسلام ) ويؤتى إلى شخص غلطه أهون من غلطهم وتنزل عليه آثار السلف كلهم 

قال الإمام ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى (4/156) :" أما أن يكون انتحال السلف من شعائر أهل البدع فهذا باطل قطعا فإن ذلك غير ممكن إلا حيث يكثر الجهل ويقل العلم

 يوضح ذلك أن كثيرا من أصحاب أبي محمد من أتباع أبي الحسن الأشعري يصرحون بمخالفة السلف في مثل مسألة الإيمان ومسألة تأويل الآيات والأحاديث يقولون مذهب السلف أن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص وأما المتكلمون من أصحابنا فمذهبهم كيت وكيت وكذلك يقولون مذهب السلف أن هذه الآيات والأحاديث الواردة في الصفات لا تتأول والمتكلمون يريدون تأويلها إما وجوبا وإما جوازا ويذكرون الخلاف بين السلف وبين أصحابهم المتكلمين هذا منطوق ألسنتهم ومسطور كتبهم

 أفلا عاقل يعتبر ومغرور يزدجر أن السلف ثبت عنهم ذلك حتى بتصريح المخالف ثم يحدث مقالة تخرج عنهم أليس هذا صريحا أن السلف كانوا ضالين عن التوحيد والتنزيه وعلمه المتأخرون وهذا فاسد بضرورة العلم الصحيح والدين المتين "


وهذا الذي ذكره ابن تيمية وقع فيه كثيرون كالنووي وابن حجر والقرطبي وابن العربي وغيرهم


قال النووي في شرح صحيح مسلم (1/148) :" فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ مَذَاهِبِ السَّلَفِ وَأَئِمَّةِ الْخَلَفِ فَهِيَ مُتَظَاهِرَةٌ مُتَطَابِقَةٌ عَلَى كَوْنِ الْإِيمَانِ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ وَهَذَا مَذْهَبُ السَّلَفِ وَالْمُحَدِّثِينَ وَجَمَاعَةٍ مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ وَأَنْكَرَ أَكْثَرُ الْمُتَكَلِّمِينَ زِيَادَتَهُ وَنُقْصَانَهُ وَقَالُوا مَتَى قَبِلَ الزِّيَادَةَ كَانَ شَكًّا وَكُفْرًا قَالَ الْمُحَقِّقُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا الْمُتَكَلِّمِينَ نَفْسُ التَّصْدِيقِ لَا يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ وَالْإِيمَانُ الشَّرْعِيُّ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ بِزِيَادَةِ ثَمَرَاتِهِ وَهِيَ الْأَعْمَالُ وَنُقْصَانِهَا قَالُوا وَفِي هَذَا تَوْفِيقٌ بَيْنَ ظَوَاهِرِ النُّصُوصِ الَّتِي جَاءَتْ بِالزِّيَادَةِ وَأَقَاوِيلِ السَّلَفِ وَبَيْنَ أَصْلِ وَضْعِهِ فِي اللُّغَةِ وَمَا عَلَيْهِ الْمُتَكَلِّمُونَ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ هَؤُلَاءِ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا حَسَنًا فَالْأَظْهَرُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ نَفْسَ التَّصْدِيقِ يَزِيدُ بِكَثْرَةِ النَّظَرِ وَتَظَاهُرِ الْأَدِلَّةِ وَلِهَذَا يَكُونُ إِيمَانُ الصِّدِّيقِينَ أَقْوَى مِنْ إِيمَانِ غَيْرِهِمْ بِحَيْثُ لَا تَعْتَرِيهِمُ الشُّبَهُ وَلَا يَتَزَلْزَلُ إِيمَانُهُمْ بِعَارِضٍ بَلْ لَا تَزَالُ قُلُوبُهُمْ مُنْشَرِحَةً نَيِّرَةً وَإِنِ اخْتَلَفَتْ عَلَيْهِمُ"


فهنا النووي يشهد على أصحابه الأشاعرة بمخالفة السلف في الإيمان ومع ذلك هم أصحابه !


وقال في المجموع شرح المهذب (1/25) :" اخْتَلَفُوا فِي آيَاتِ الصِّفَاتِ وَأَخْبَارِهَا هَلْ يُخَاضُ فِيهَا بِالتَّأْوِيلِ أَمْ لَا فَقَالَ قَائِلُونَ تُتَأَوَّلُ عَلَى مَا يَلِيقُ بِهَا وَهَذَا أَشْهَرُ الْمَذْهَبَيْنِ لِلْمُتَكَلِّمِينَ: وَقَالَ آخَرُونَ لَا تُتَأَوَّلُ بَلْ يُمْسِكُ عَنْ الْكَلَامِ فِي مَعْنَاهَا وَيُوكَلُ عِلْمُهَا إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَيَعْتَقِدُ مَعَ ذَلِكَ تَنْزِيهَ اللَّهِ تَعَالَى وَانْتِفَاءَ صِفَاتِ الْحَادِثِ عَنْهُ: فَيُقَالُ مَثَلًا نُؤْمِنُ بِأَنَّ الرَّحْمَنَ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى وَلَا نَعْلَمُ حَقِيقَةَ مَعْنَى ذَلِكَ وَالْمُرَادَ بِهِ مَعَ أَنَّا نَعْتَقِدُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى (لَيْسَ كمثله شئ) وَأَنَّهُ مُنَزَّهٌ عَنْ الْحُلُولِ وَسِمَاتِ الْحُدُوثِ وَهَذِهِ طَرِيقَةُ السَّلَفِ أَوْ جَمَاهِيرِهِمْ وَهِيَ أَسْلَمُ إذْ لَا يُطَالَبُ الْإِنْسَانُ بِالْخَوْضِ فِي ذَلِكَ فَإِذَا اعْتَقَدَ التَّنْزِيهَ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْخَوْضِ فِي ذَلِكَ وَالْمُخَاطَرَةِ فِيمَا لَا ضَرُورَةَ بَلْ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ فَإِنْ دَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى التَّأْوِيلِ لِرَدِّ مُبْتَدِعٍ وَنَحْوِهِ تَأَوَّلُوا حِينَئِذٍ: وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ مَا جَاءَ عَنْ الْعُلَمَاءِ فِي هَذَا والله أعلم"


وبغض النظر عن كذبه على السلف ودعواه أنهم مفوضة ، فتأمل كيف صرح بأن أصحابه الذين أولوا النصوص خالفوا طريقة السلف في السكوت ، وهذه الطريقة سار عليها في شرحه على مسلم وحقيقة كلامه أنه لا يمكن الرد على أهل البدع إلا بالتأويل والسلف ما كانوا يتأولون إذن هم عاجزون عن الرد على أهل البدع


وأما ابن حجر فسجل عليه الإمام المجدد مخالفة السلف بعد ذكره لأقوالهم في الإيمان


قال الإمام المجدد في الدرر السنية (1/51) :" وهم معترفون أنهم لم يأخذوا أصولهم من الوحي، بل من عقولهم، ومعترفون أنهم مخالفون للسلف في ذلك، مثل ما ذكر في فتح الباري، في مسألة الإيمان، على قول البخاري: وهو قول وعمل، ويزيد وينقص; فذكر إجماع السلف على ذلك، وذكر عن الشافعي: أنه نقل الإجماع على ذلك، وكذلك ذكر أن البخاري نقله، ثم بعد ذلك حكى كلام المتأخرين، ولم يرده"


بل إنه صرح باعتقاد كلام المتأخرين


قال في شرح البخاري 8/187: "وتعقبه وابن المنيِّر بأن الإيمان لا يتبعض . وهو كما قال …"


وقال ابن حجر في شرح البخاري (4/132) :" وَقَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : حُكِيَ عَنْ الْمُبْتَدِعَة رَدّ هَذِهِ الْأَحَادِيث ، وَعَنْ السَّلَف إِمْرَارهَا ، وَعَنْ قَوْم تَأْوِيلهَا وَبِهِ أَقُول"


فهنا يصرح بشكل جلي بأنه على غير مذهب السلف ، وهذا الذي زار قبره قريباً الطريري


والقرطبي أيضاً له كلام في تفسيره يقطع فيه بأن السلف ما كانوا يؤولون الصفات ومع ذلك سار على خلافه


فهل هذه علامة إرادة هؤلاء القوم للحق ؟


أنهم ينقلون مذهب السلف ويخالفونه ، فتأمل قول ابن تيمية بعد أن قرأ كلام هؤلاء :" أفلا عاقل يعتبر ومغرور يزدجر أن السلف ثبت عنهم ذلك حتى بتصريح المخالف ثم يحدث مقالة تخرج عنهم أليس هذا صريحا أن السلف كانوا ضالين عن التوحيد والتنزيه وعلمه المتأخرون وهذا فاسد بضرورة العلم الصحيح والدين المتين"


وفي هذا عبرة لمن يدندن حول كلام ابن تيمية _ رحمه الله _ في إقامة الحجة وإقامة الحجة عنده شيء كعنقاء المغرب لا حقيقة له وهو يخالف ابن تيمية في عدة مسائل


أولها : أنه يمتنع عن إطلاق ( الجهمية ) على الأشاعرة ويحترز من ذلك أشد الاحتراز لأنه لو فعل لنزل عليهم كلام السلف وإجماعاتهم في تكفيرهم وأشنع مقالات الجهمية وهي إنكار العلو قالها عامة متأخري الأشاعرة


وخذ هذا النص الذي يقع كالصاعقة على اعتدالهم المزعوم


قال ابن تيمية في درء تعارض  (6/153) :"  ولهذا كان العامة من الجهمية إنما يعتقدون أنه في كل مكان وخاصتهم لا تظهر لعامتهم إلا هذا لأن العقول تنفر عن التعطيل أعظم من نفرتها عن الحلول وتنكر قول من يقول إنه لا داخل العالم ولا خارجه أعظم مما تنكر أنه في كل مكان فكان السلف يردون خير قوليهم وأقربهما إلى المعقول وذلك مستلزم فساد القول الآخر بطريق الأولى  ومن العجب أن الجهمية من المعتزلة وغيرهم ينسبون المثبتين للصفات إلى قول النصارى كما قد ذكر ذلك عنهم أحمد وغيره من العلماء  وبهذا السبب وضعوا على ابن كلاب حكاية راجت على بعض السبين إلى السنة فذكروها في مثالبه وهو أنه كان له أخت نصرانية وأنها هجرته لما أسلم وأنه قال لها أنا أظهرت الإسلام لأفسد على المسلمين دينهم فرضيت عنه لأجل ذلك  وهذه الحكاية إنما افتراها بعض الجهمية من المعتزلة ونحوهم لأن ابن كلاب خالف هؤلاء في إثبات الصفات وهم ينسبون مثبتة الصفات إلى مشابهة النصارى وهم أشبه بالنصارى لأنه يلزمهم أن يقولوا إنه في كل مكان وهذا أعظم من قول النصارى أو أن يقولوا ما ما هو شر من هذا وهو أنه لا داخل العالم ولا خارجه  ولهذا كان غير واحد من العلماء كعبد العزيز المكي وغيره يردون عليهم بمثل هذا ويقولون إذا كان المسلمون كفروا من يقول إنه حل في المسيح وحده فمن قال بالحلول في جميع الموجودات أعظم كفرا من النصارى بكثير"


فمن ينكر تكفير من يقول ( لا داخل العالم ولا خارجه ) فلينكر تكفير السلف لمن يقول أن الله في كل مكان ومعلوم أن من لم يكفر مثل هذا فهو كافر مثله والقوم اليوم ينكرون التكفير بالتعيين وبالعموم وينكرون حتى التبديع فالقوم في مأزق عظيم والله المستعان


ثانيها : أنه ينكر حتى التكفير المطلق مع أن ابن تيمية في كلامه فرق بين الإطلاق والتعيين في بعض الحالات ولا يمتنع ولا ينهى عن التكفير بالعموم أو الإطلاق فلو قيل " الأشاعرة جهمية والجهمية كفار " لكانت عبارة سلفية محضة لا ينكرها إلا جاهل بمقالات الناس


والصواب أن السلف كفروهم بأعيانهم كالرافضة


ثالثها : أن ابن تيمية يرى أن بلوغ أدلة القرآن والسنة كافية في إقامة الحجة وأما عندكم فمن خالف معلوماً من الدين بالضرورة كمنكري العلو ، وبلغته أدلة الكتاب والسنة وآثار السلف مع حسن قصده وتحريه للحق ! وبقي ضالاً وهذا طعن في الكتاب والسنة وأن القرآن ليس هدى ولا نور ولا تبيان إذ كيف يكون كذلك ولا يكفي لهداية العالم العاقل المتحري للحق في باب التوحيد ! وأن شبهات المتكلمين السخيفة كافية في قطع الطريق على المهتدي به المسترشد


رابعها : أن ابن تيمية ما نفى التبديع وإنما نفى التكفير عن بعض الأعيان الواقعين في بعض المقالات ، وأنتم تنفون التبديع عن الواقع في أشنع المقالات الجهمية


وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب لما استدلوا عليه بكلام ابن تيمية في إقامة الحجة كما في رسائله الشخصية ص177 :" وأما عبارة الشيخ التي لبسوا بها عليك، فهي أغلظ من هذا كله، ولو نقول بها لكفرنا كثيراً من المشاهير بأعيانهم؛ فإنه صرح فيها بأن المعين لا يكفر إلا إذا قامت عليه الحجة. فإذا كان المعين يكفر إذا قامت عليه الحجة، فمن المعلوم أن قيامها ليس معناه أن يفهم كلام الله ورسوله مثل فهم أبي بكر رضي الله عنه، بل إذا بلغه كلام الله ورسوله، وخلا من شيء يعذر به، فهو كافر، كما كان الكفار كلهم تقوم عليهم الحجة بالقرآن مع قول الله:{ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ }

 وقوله:{ إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ} 1. وإذا كان كلام الشيخ ليس في الشرك والردة، بل في المسائل الجزئيات، سواء كانت من الأصول أو الفروع، ومعلوم أنهم يذكرون في كتبهم في مسائل الصفات أو مسألة القرآن أو مسألة الاستواء أو غير ذلك مذهب السلف، ويذكرون أنه الذي أمر الله به ورسوله، والذي درج عليه هو وأصحابه، ثم يذكرون مذهب الأشعري أو غيره، ويرجحونه ويسبون من خالفه. فلو قدرنا أنها لم تقم الحجة على غالبهم، قامت على هذا المعين الذي يحكي المذهبين: مذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه، ثم يحكي مذهب الأشعري ومن معه؛ فكلام الشيخ في هذا النوع يقول: إن السلف كفّروا النوع، وأما المعين: فإن عرف الحق وخالف كفر بعينه، وإلا لم يكفّروا"


فمن هم هؤلاء المشاهير الذين عناهم الإمام المجدد


وكما أن مضمون قول الأشاعرة تضليل السلف وتجهيلهم فمضمون قول من يعدل أهل الرأي تجهيل السلف واتهامهم بالظلم ، ودعوى المصلحة في كتم السلف دعوى باطلة لأنها اقترن بها التكلم بنقيض كلام السلف فإذا كان من المصلحة ترك الكلام بالحق فهل من المصلحة التكلم بالباطل ؟


والتهويش بعدم وجود إجماع ليس بشيء


فإن الحجة ليست محصورة بالإجماع _ مع أن الإجماع هنا ثابت ثبوت الطود _


خذ مثلاً إبراهيم بن أبي يحيى الكذاب شيخ الشافعي كان الشافعي يعتمد روايته وجرحه الأئمة بالكذب فمن اعتمد روايته اليوم بعد كلام الأئمة فهو ضال صاحب هوى


ودعوى المصلحة إنما هي هروب من المباحثة العلمية وإعلان إفلاس


ولا أعلم أحداً يطلب من شخص السكوت عما يراه حقاً ، مع انتشار ما يراه باطلاً إلا بعض السفهاء اليوم


وبرهان الهوى أنهم لو وجدوا أي كلمة عن شخص يثني على أبي حنيفة فإنهم يذيعونها وينشرونها مع العلم أن هذا الشخص قد تكلم شيوخه وأقرانه ومن هم أعلم منه بجرح مفسر بل ربما ثبت عنه ما يخالف هذا


فدل على الهوى المترسخ وأن هذا الشخص لو كان تكلم بخلاف هذا الكلام لألقي كلامه عندهم في الحش


فإن إدراك علل الأمور يعين على القياس الصحيح مستوفي الشروط ، وفي هذا المقال سأحاول بيان حقيقة علمية يقررها كثيرون بألسنتهم ثم ينفونها في كثير من أظهر صورها مما يدل على بلادة وجمود عجيبين أو قلة توفيق أو ركون إلى التقليد


على أنني سأجهد في بيان هذه الحقيقة بطريقة سلسة يفهما عامة الناس


ويبدأ الأمر من سؤال يسير : لماذا كفر السلف الجهمية ؟


لعل الجواب حاضر عن كثير من القراء غير أنني سأنقل نصاً هاماً في المسألة ينقله شيخ الإسلام ابن تيمية في التسعينية هذا النص لطالما غيبته الأيدي الآثمة وربما إذا ظهر لا يعقلون خطورته على مذاهبهم


قال ابن تيمية في التسعينية (2/577_581) :" ولهذا لما قال له _ يعني للإمام أحمد _ الأثرم فمن قال : القرآن مخلوق وقال لا أقول أسماء الله مخلوقة ولا علمه ، لم يزد على هذا أقول : هو كافر ، فقال : هكذا هو عندنا ، ثم استفهم استفهام المنكر : فقال : نحن نحتاج إلى أن نشك في هذا ؟ القرآن عندنا فيه أسماء الله وهو من علم الله فمن قال مخلوق فهو عندنا كافر

فأجاب أحمد : بأنهم وإن لم يقولوا بخلق أسمائه وعلمه فقولهم يتضمن ذلك ، ونحن لا نشك في ذلك حتى نقف فيه ، فإن ذلك يتضمن خلق أسمائه وعلمه ، ولم يقبل أحمد قولهم ( القرآن مخلوق ) وإن لم يدخلوا فيه أسماء الله وعلمه ، لأن دخول ذلك فيه لا ريب فيه ، كما أنهم لما قالوا القرآن مخلوق ، خلقه الله في جسم ، لكن هو المتكلم به لا ذلك الجسم لم يقبل ذلك منهم ، لأنه من المعلوم أنه إنما كلام ذلك الجسم لا كلام الله ، كإنطاق الله لجوارح العبد وغيرها ، فإنه يفرق بين نطقه وبين إنطاقه لغيره "


أقول : لنقف مع النص وقفات متأنية سائلين المولى عز وجل أن يوفقنا لما فيه طاعته ورضاه


هنا حقيقة علمية : وهي أن الجهمية الذين كفرهم السلف كانوا يقولون أن الله متكلم بمعنى أنه يخلق الكلام في غيره فما كانوا إلا نافين لصفة الكلام وكفرهم السلف فكونك تثبت لفظاً وتثبت حقيقة أخرى غير المعروف من هذا اللفظ لغة وشرعاً فهذا محض عبث ولعب


والسؤال الدامغ على هذه الحقيقة : الأشاعرة الذين تحمر لهم الأنوف اليوم أليسوا أثبوا لله كلاماً نفسياً وليس هذا معنى الكلام المعروف في لغة العرب فإن الكلام هو ما كان بحرف وصوت مسموع ، ثم إنهم صرحوا بعد ذلك بأن القرآن الذي بين أيدينا عبارة أو حكاية عن كلام الله فهو مخلوق ؟


والجواب لن يكون إلا نعم وابن تيمية ما ذكر الكلام السابق إلا رداً عليهم وقد صرح ابن بطة وعبد الغني وابن قدامة واللالكائي بأن مذهبهم في القرآن مكفر ، فعلى هذا هم جهمية ينطبق عليهم ما ينطبق على الجهمية من التكفير بل الإجماع على ذلك


ثم أليس قولهم في صفة العلو أقبح من قولهم في القرآن ( وأعني بذلك متأخريهم ) ؟


وهنا نص نفيس آخر لابن تيمية


قال ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى (6/468) :" وَسَلَفُ الْأُمَّةِ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ مَنْ تَأَوَّلَ اسْتَوَى بِمَعْنَى اسْتَوْلَى أَوْ بِمَعْنًى آخَرَ يَنْفِي أَنْ يَكُونَ اللَّهُ فَوْقَ سَمَوَاتِهِ فَهُوَ جَهْمِيٌّ ضَالٌّ"


فإذا قلنا كل أشعري ينكر العلو جهمي والجهمي كافر كان عبارة صحيحة تماماً على هذا الإجماع


وقد أجمع السلف على أن من قال القرآن مخلوق فهو كافر


فمن أقر بهذا الإجماع ثم أنكر قولنا كل من ينكر العلو فهو كافر فهو أضل من حمار أهله


فلو حذفنا ( من ينكر العلو ) واستبدلناها ب( أشعري ) والأشاعرة منذ قرون كلهم ينكرون العلو هل ستكون العبارة مردودة ؟!


وقول الأثرم للإمام أحمد ( أقول هو كافر ) هو اسم إشارة يدل على معين فظاهر هذا أنهم يكفرون المعين ممن هذه حاله وهذا ظاهر جداً في نصوص أحمد حتى أنه يطلق عدم صحة الصلاة خلفهم ويأمر بالإعادة ، فعلى الأقل تكون هذه رواية في المذهب والواقع أنها هي المذهب ولا يعارضها شيء يسلم


والسلف عندما كانوا يقولون ( الجهمية كفار ) كانوا يعلمون أن منهم متأول ومنهم جاهل فلست أورع منهم ولا أدين


وقال ابن تيمية أيضاً كما في مجموع الفتاوى (3/219) :"  وهؤلاء يقولون لهم لا يستوى الله على العرش كقول اخوانهم ليس هو بسميع ولا بصير ولا متكلم لأن هذه الألفاظ عندهم مجاز فيأتون الى محض ما أخبرت به الرسل عن الله سبحانه يقابلونه بالنفى والرد كما يقابله المشركون بالتكذيب لكن هؤلاء لا ينفون اللفظ مطلقا "


فجعلهم إخوان الجهمية لأنهم جهمية وحكمهم واحد


الوقفة الثانية : قد اعتبر الإمام أحمد قول الجهمية في القرآن متضمناً للقول بخلق العلم وأسماء الله وإن يقولوا به


فلو قال قائل اليوم : قول الجهمية الأشعرية في إنكار العلو يتضمن إعدام الرب ولا وجود له في الحقيقة فالذي لا داخل العالم ولا خارجه ولا يجيء ويرى إلى غير جهة هو العدم فهل عليه من تثريب وهل يقال أنت تأخذ بلازم القول لتكفر الناس ؟


فالخلاصة : أن من فرق بين الجهمية والأشعرية حكماً وحالاً لم يفقه الأمر على وجهه بل لم يفهم عقيدة أهل السنة وعقيدة الجهمية في المسألة ولم يعرف الخلاف وللأسف بعضهم متخصص في العقيدة وبعضهم يتغنى بإجماع السلف على تكفير الجهمية ولا يدري أنه يتناول من يدعي الإجماع على عدم تكفيرهم ، وأن من قال ( فلان أشعري ) ثم غضب من قولك عن هذا الشخص نفسه ( جهمي ) فهو لا يدري شيئاً من قواعد السلف في الحكم على الجهمية


وما الفرق بين الواقفة الأولى وابن الصلاح والغزالي والنووي في بعض كتبه الذين توقفوا في مسألة الحرف والصوت ولم يتكلموا بما في الأدلة بل صرحوا أن إثبات الحرف والصوت لا يجوز كنفيهما فهؤلاء توقفوا في أن الله يتكلم كالواقفة الأولى تماماً الذين سماهم السلف شاكة وجهموهم بل قالوا أنهم شر من الجهمية


وقد اشتد نكير السلف على من لم يكفر الجهمية


قال عبد الله بن أحمد في السنة 19 - حدثني غياث بن جعفر ، قال : سمعت سفيان بن عيينة ، يقول : « القرآن كلام الله عز وجل ، من قال : مخلوق ، فهو كافر ، ومن شك في كفره فهو كافر »


وقد نقل حرب الإجماع على هذه المسألة فما بالك بمن يطلق القول بعدم تكفير منكر العلو والقائل بخلق القرآن عن طريق الكلام النفسي فيقول ( ليسوا كفار ) و ( مسلمون مؤمنون باتفاق ) و ( منهم أئمة )


وقد أطلق ابن أبي العز وابن القيم وابن تيمية أن مذهب الأشاعرة في القرآن أخبث من مذهب المعتزلة وقال ابن أبي العز ( أكفر ) فإذا جمعنا بين نص بين ابن عيينة وابن أبي العز كانت عندنا نتيجة خطيرة تستدعي من المرء أن يعيد النظر بما هو عليه


وهذا نفي إطلاقاً وتعييناً فمن فرق بين الإطلاق والتعيين فإنه لا يمنع من إطلاق ( الجهمية كفار ) واليوم يمنعون من إطلاق ( الأشاعرة كفار ) مع أنهم جهمية تشملهم كل نصوص السلف ، ثم إنك إذا منعت من إطلاق التكفير بحجة هذا التفريق فلماذا تطلق أنت القول بالإسلام وتحكم لأعيان علماء المذهب الكفري بالإسلام ؟


فلا شك أن هذا واقع تحت مطرقة نصوص السلف ، والعجيب أنك تجدهم تنازعون في مسائل السمع والطاعة أو بعض مسائل الإيمان مع اتفاقهم على هذه السقطة العظيمة


بل من أعجب ما رأيت قول حامد العلي عن تأويلات الصنعاني للصفات ( لا تنقص من قدره )


وهذه التأويلات يسميها السلف تجهماً كما تقدم في كلام ابن تيمية وبدعة الجهمية تكلم السلف في تكفير أهلها ما لم يتكلموا في تكفير فئة أخرى من أهل الأهواء كما نص عليه ابن تيمية في درء التعارض


فحقيقة قول حامد العلي ( لا ينقص قدر الصنعاني كفر الجهمية )


وهذا إرجاء لا نظير له في التاريخ ، ولو قالها في ضلالة مفسقة لكان قوله إرجاء لأنه إذا كانت الضلالة لا تنقص قدره فإصابة الحق لا يزيد منه وهذا إرجاء له قرون


وفقط ينقص قدره عند حامد العلي أن لا يكفر الحكام


وهذا الباقلاني الأشعري مع كونه يثبت العلو إلا أنه نصر مذهب جهم الكفري في الإيمان وفي القدر


فلو كانت ضلالات الأشاعرة المكفرة واحدة لهان الأمر ولكن قولهم في العلو وفي الكلام وفي الحكمة وفي الصفات الفعلية وفي القدر والإيمان كل منها مكفر على حدة


ومن نازع في بعضها لا يمكن أن ينازع فيها كلها


والواقع أن من درس العقيدة ولم يقطع بأن الأشاعرة جهمية ينطبق عليهم ما قاله السلف وأنهم أولى بالتجهيم من اللفظية والواقفة ، فهو بحاجة إلى إعادة دراسة العقيدة وهو أولى بذلك من التدريس


كما أن من درس الفقه ولم يفرق بين طريقة أهل الرأي وطريقة أهل الحديث وطريقة أهل الظاهر ، ولم يقطع بأن الهدى مع أهل الحديث وأن ما سواه لا يجوز لمسلم القول به من لم يقع له ذلك فهو لم يفهم الفقه وعليه إعادة دراسة هذا العلم


ومن درس الحديث ولم يعرف العلل ولم يحترم أحكام الأئمة ولم يدرك بعد نظرهم في مسألة سلوك الجادة وتفرد الصدوق وما اجتنبوا إخراجه مع كون رجاله ثقات فهذا أحوج إلى إعادة دراسة هذا العلم منه إلى التصنيف


وصدقني أخي القاريء كثير ممن يذمون الطواغيت هم في أنفسهم  طواغيت في أنفسهم تجاوزوا حدودهم وغيروا حكم الله ومنهم من صار رأساً في الضلالة ومن اتبعهم في مخالفتهم للسلف وتبديلهم لمذهبهم فهو يسير بخطى ثابتة إلى سواء الجحيم والحق أبلج والباطل لجلج

قال الأصبهاني في الحجة في بيان المحجة (1/424) :" وَقَالَ أَحْمَد بْن منيع: " من زعم أَنه مَخْلُوق فَهُوَ جهمي، وَمن وقف فِيهِ فَإِن كَانَ مِمَّن لَا يعقل مثل البقالين وَالنِّسَاء وَالصبيان سكت عَنهُ وَعلم، وَإِن كَانَ مِمَّن يفهم فَأَجره فِي وَادي الْجَهْمِية، وَمن قَالَ لَفْظِي بِالْقُرْآنِ مَخْلُوق فَهُوَ جهمي "


أقول : ابن منيع هنا يتكلم عن المعين بدليل ذكره ما يقترن بأوصاف الأعيان من الفهم وعدمه


وتأمل كيف أنه فرق بين اللفظي فحكم بجهميته مطلقاً والواقفي الذي يقف في القرآن فجعله إن كان يفهم ( يعني ليس عامياً ) جهمياً ولم يشترط لهذا شرطاً زائداً على ما ذكر


وهذا نص الإمام أحمد


قال الخلال في السنة 1788- وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ , قَالَ : سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ : مَنْ كَانَ فِي أَصْحَابِ الْحَدِيثِ أَوْ مِنْ أَصْحَابِ الْكَلاَمِ , فَأَمْسَكَ عَنْ أَنْ يَقُولَ : الْقُرْآنُ لَيْسَ بِمَخْلُوقٍ , فَهُوَ جَهْمِيٌّ.


يعني هو جهمي وإن كانت أصوله سلفية كما يقولون اليوم !


فهذا حكم الواقفي الذي لا يجزم بنفي الصفة فكيف بمن نفاها لا شك أنه جهمي قولاً واحداً من باب أولى والجهمية كفار عند السلف


فكيف بمن قال بمذهب الأشاعرة في القرآن الذي هو أكفر من مذهب المعتزلة ( كما قال شارح الطحاوية ) لا شك أنه أولى بالحكم أنه جهمي


فكيف بمن نفى صفة العلو التي الأدلة عليها أصرح وأقوى من صفة الكلام وكفر منكر العلو أظهر من كفر القائل بخلق القرآن ( كما قال شيخ الإسلام ) لا شك أنه جهمي من باب


بل لم يكن الجهمية الذين كفرهم السلف كلهم ينكرون العلو بل كان هذا قول غلاتهم


قال البخاري في خلق أفعال العباد 70- وَحَدَّثَنِي أَبُو جَعْفَرٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ الْحَسَنَ بْنَ مُوسَى الأَشْيَبَ ، وَذَكَرَ الْجَهْمِيَّةَ فَنَالَ مِنْهُمْ ، ثُمَّ قَالَ : أُدْخِلَ رَأْسٌ مِنْ رُؤَسَاءِ الزَّنَادِقَةِ يُقَالُ لَهُ شَمْعَلَةُ عَلَى الْمَهْدِيِّ فَقَالَ : دُلَّنِي عَلَى أَصْحَابِكَ فَقَالَ : أَصْحَابِي أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ : دُلَّنِي عَلَيْهِمْ فَقَالَ : صِنْفَانِ مِمَّنْ يَنْتَحِلُ الْقِبْلَةَ ، الْجَهْمِيَّة وَالْقَدَرِيَّةُ ، الْجَهْمِيُّ إِذَا غَلاَ ، قَالَ : لَيْسَ ثَمَّ شَيْءٌ وَأَشَارَ الأَشْيَبُ إِلَى السَّمَاءِ وَالْقَدَرِيُّ إِذَا غَلاَ قَالَ : هُمَا اثْنَانِ خَالِقُ شَرٍّ ، وَخَالِقُ خَيْرٍ ، فَضَرَبَ عُنُقَهُ وَصَلَبَهُ


فجعل إنكار العلو قول غلاة الجهمية


وقد صرح شيخ الإسلام أن السلف في كثير من كلامهم يكفرون اللفظية


قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (12/421) :" وَأَمَّا الْبِدْعَةُ الثَّانِيَةُ - الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْقُرْآنِ الْمُنَزَّلِ تِلَاوَةُ الْعِبَادِ لَهُ - وَهِيَ " مَسْأَلَةُ اللَّفْظِيَّةِ " فَقَدْ أَنْكَرَ بِدْعَةَ " اللَّفْظِيَّةِ " الَّذِينَ يَقُولُونَ: إنَّ تِلَاوَةَ الْقُرْآنِ وَقِرَاءَتَهُ وَاللَّفْظَ بِهِ مَخْلُوقٌ أَئِمَّةُ زَمَانِهِمْ جَعَلُوهُمْ مِنْ الْجَهْمِيَّة وَبَيَّنُوا أَنَّ قَوْلَهُمْ: يَقْتَضِي الْقَوْلَ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ وَفِي كَثِيرٍ مِنْ كَلَامِهِمْ تَكْفِيرُهُمْ. وَكَذَلِكَ مَنْ يَقُولُ: إنَّ هَذَا الْقُرْآنَ لَيْسَ هُوَ كَلَامُ اللَّهِ وَإِنَّمَا هُوَ حِكَايَةٌ عَنْهُ أَوْ عِبَارَةٌ عَنْهُ أَوْ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْمُصْحَفِ وَالصُّدُورِ إلَّا كَمَا أَنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فِي الْمَصَاحِفِ وَالصُّدُورِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَهَذَا مَحْفُوظٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَد وَإِسْحَاقَ وَأَبِي عُبَيْدٍ وَأَبِي مُصْعَبٍ الزُّهْرِيّ وَأَبِي ثَوْرٍ وَأَبِي الْوَلِيدِ الْجَارُودِيَّ وَمُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ وَيَعْقُوبَ بْنِ إبْرَاهِيمَ الدورقي وَمُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ أَبِي عَمْرٍو الْعَدَنِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الذهلي وَمُحَمَّدِ بْنِ أَسْلَمَ الطوسي وَعَدَدٍ كَثِيرٍ لَا يُحْصِيهِمْ إلَّا اللَّهُ مِنْ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ وَهُدَاتِهِ"


وقد صرح أيضاً أن اللفظية أحسن مذهباً من الأشاعرة في القرآن وأنهم لا ينكرون العلو


قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (12/379) :" وهذا فيه من زيادة البدع ما لم يكن فى قول اللفظية من أهل الحديث الذين أنكر عليهم أئمة السنة وقالوا هم جهمية إذ جعلوا الحروف من إحداث الرسول وليست مما تكلم الله به بحال وقالوا أنه ليس لله فى الأرض كلام"


فهنا يبين الفرق بين مذهبهم ومذهب الأشاعرة ومع ذلك السلف كفروا اللفظية وجهموهم


فكيف بمن مع إنكاره للعلو وصف قول أهل السنة بأنه قول المجسمة وأول النصوص التي يحتج بها أهل السنة وكابر الفطرة


لا شك أن هذا أولى بوصف التجهم من كل من سبق ذكره


فكيف بمن مع إنكاره للعلو قال بأن اليهودي إذا شهد الشهادتين مع إيمانه بالعلو لا يكون مسلماً ؟


لا شك أن هذا أولى بوصف التجهم من كل السابقين


فكيف بمن مع إنكاره العلو وقوله في القرآن بقول منكر قال بإنكار عامة الصفات تحريفاً وتفويضاً


لا شك أن هذا من أقحاح الجهمية وهو أعظم تجهماً من كل من سبق ذكرهم


فكيف إذا استيقنا أنه اطلع على النصوص التي تخالف مذهبه وكان من برهان انتكاس قلبه مخالفته لعقيدة أهل السنة في الإيمان والقدر والتحسين والتقبيح والنبوات ومسائل توحيد الألوهية ؟


فإن قلت : ما هو وادي الجهمية الذي عناه ابن منيع


قلت لك : هو التكفير ولا شك وهذا إجماع السلف


قال البخاري في خلق أفعال العباد 39- قَالَ زُهَيْرٌ السِّجِسْتَانِيُّ : سَمِعْتُ سَلاَّمَ بْنَ أَبِي مُطِيعٍ ، يَقُولُ : الْجَهْمِيَّةُ كُفَّارٌ.


وقال أيضاً



41- وَقَالَ وَكِيعٌ : أَحْدَثُوا هَؤُلاَءِ الْمُرْجِئَةُ هولاء الْجَهْمِيَّةُ - وَالْجَهْمِيَّةُ كُفَّارٌ - وَالْمَرِّيسِيُّ جَهْمِيٌّ ، وَعَلِمْتُمْ كَيْفَ كَفَرُوا ، قَالُوا : يَكْفِيكَ الْمَعْرِفَةُ ، وَهَذَا كُفْرٌ ، وَالْمُرْجِئَةُ يَقُولُونَ : الإِيمَانُ قَوْلٌ بِلاَ فِعْلٍ ، وَهَذَا بِدْعَةٌ ، فَمَنْ قَالَ : الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ فَهُوَ كَافِرٌ بِمَا أَنزَلَ الله عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسْتَتَابُ وَإِلاَّ ضُرِبَتْ عُنُقُهُ.


وقال ابن خزيمة في التوحيد :" وقول هؤلاء المعطلة يوجب أن كل من يقرأ كتاب الله ، ويؤمن به إقرارا باللسان وتصديقا بالقلب فهو مشبه ، لأن الله ما وصف نفسه في محكم تنزيله بزعم هذه الفرقة ومن وصف يد خالقه فهو : يشبه الخالق بالمخلوق ، فيجب على قود مقالتهم : أن يكفر بكل ما وصف الله به نفسه في كتابه ، وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وسلم عليهم لعائن الله ؛ إذ هم كفار منكرون لجميع ما وصف الله به نفسه في كتابه ، وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وسلم غير مقرين بشيء منه"


وقال عبد الله بن أحمد في السنة 1 - حدثني الحسن بن عيسى مولى عبد الله بن المبارك ، حدثنا حماد بن قيراط ، قال : سمعت إبراهيم بن طهمان ، يقول : « الجهمية كفار ، والقدرية كفار »


وقال أيضاً 463 - وقال أبي رحمه الله : « حديث ابن مسعود رضي الله عنه » إذا تكلم الله عز وجل سمع له صوت كجر السلسلة على الصفوان « قال أبي : وهذا الجهمية تنكره وقال أبي : هؤلاء كفار يريدون أن يموهوا على الناس ، من زعم أن الله عز وجل لم يتكلم فهو كافر ، ألا إنا نروي هذه الأحاديث كما جاءت


ونقل حرب واللالكائي وابن بطة والآجري وغيرهم الإجماع على تكفيرهم


بل الإجماع منعقد على أن من شك في كفر الجهمي فهو كافر


قال عبد الله بن أحمد في السنة 19 - حدثني غياث بن جعفر ، قال : سمعت سفيان بن عيينة ، يقول : « القرآن كلام الله عز وجل ، من قال : مخلوق ، فهو كافر ، ومن شك في كفره فهو كافر »


وجاء في عقيدة الرازيين التي نقلا عليها إجماع علماء الأمصار :" من زعم أن القرآن مخلوق فهو كافر بالله العظيم كفرا ينقل عن الملة . ومن شك في كفره ممن يفهم فهو كافر"


وكذا نقل حرب الإجماع على أن من لم يكفر الجهمية بأصنافهم أنه منهم


وقال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (12/507) :" وقال ابو عبيد القاسم بن سلام نظرت في كلام اليهود والمجوس فما رأيت قوما أضل في كفرهم منهم وانى لأستجهل من لا يكفرهم الا من لا يعرف كفرهم"


هذا نص كلام البخاري فلعل الأمر اختلط على الشيخ أو كان كلام أبي عبيدة وقال نظيره البخاري


فاعجب ممن يقر في هذه النصوص في الجهمية ثم يخالفها في غلاة الجهمية الذين ينكرون العلو ويقولون ليس في مكان وينكرون عامة الصفات وقسم منهم يبدع الموحدين وقسم يكفرهم


وسواءً حملنا هذا التكفير على العموم أو التعيين فإنكاره في الأشاعرة محض مكابرة توقع المرء تحت طائلة النصوص السابقة من السلف


وأعظم من هذا إنكار بعض الناس من المعاصرين القول بتكفير الجهمية الإناث بل ونقله الإجماع على خلافه


بل وتفضيله الجهمية الذين ينكرون الصفات على الموحدين


فتجده يقول في الجهمي ( إمام من أئمة أهل السنة ) أو ( سني ) أو ( من بدعه فهو مبتدع )


ويصف الموحد الذي يقر بجميع صفات الله ويعتقد عقيدة أهل السنة في الإيمان والقدر والنبوات بأنه ( غالي ) أو ( مبتدع ) أو ( متعجل ) أو غيرها من أوصاف التضليل أو التحقير


وقد قال سفيان الثوري فيمن يفضل علياً على الشيخين ( أخشى ألا يرفع له عمل )


فكيف بمن يفضل الجهمي على الموحد ؟


ويؤذي الموحد في الجهمي ؟


ومن الظاهرية الحمقاء أنك تجد بعضهم يقول في بعض الجهمية ( لم يبدعه أحد ) !


ويا ليت شعري إذا احتجنا في كل حادثة عين إلى نص مخصوص فما فائدة القواعد العامة ؟


وهذا نظير قول من يقول ( أريد نصاً من القرآن على تحريم الدخان ) ؟ فإذا أتيته بالعمومات التي يؤمن بها حتى الظاهرية قال ( أريد نصاً هكذا التدخين حرام ) !


ومن كان عندك بينه وبين الكفر قيام الحجة كيف يكون سنياً فضلاً عن الإمامة في السنة


هذا الجهمي يدخل في عموم نصوص السلف ( من قال كذا فهو جهمي ) بل يدخل فيها من باب قياس الأولى فقد جهم السلف من هو خيرٌ من هؤلاء الجهمية المتأخرين بمراحل فقد حكم أحمد على أبي ثور بأنه جهمي لقوله في حديث الصورة فقط


واعجب لمن يزعم أن لم يفهم أوضح المسائل وهي مسائل التوحيد والإيمان والقدر الأمة بحاجة إلى فهمه فيما هو أغمض من ذلك !


ويا ليت شعري من قال عنه ( سني مع نصرته لعقائد الأشاعرة )


وهذا القول بعدم تكفير الجهمية أخطر من القول بالخروج على الحاكم الفاسق فإن الخوارج مختلف في تكفيرهم غير أن الحاكمين بإسلام الجهمية لا تختلف كلمة السلف في الحكم بوقوعهم في الكفر إذا اتضح لهم كفر الجهمية ومعارضتهم لكل ما جاءت به الرسل


فكيف إذا أضفنا إلى هذا إنكار عدد من إجماعات السلف وآثارهم مع التنكر لموقفهم من أهل الرأي


قال ابن المبرد في جمع الجيوش والدساكر ص144 :" ثُمَّ أَخَذَ يَذْكُرُ مَوْلِدَ الأَشْعَرِيِّ وَوَفَاتَهُ، مِنْ طُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ بِأُمُورٍ مُطَوَّلَةٍ لَا طَائِلَ مِنْهَا، ثُمَّ ذَكَرَ بَابَ مَا ذُكِرَ مِنْ مُجَانَبَتِهِ لأَهْلِ الْبِدَعِ وَاجْتِهَادِهِ وَمَا ذُكِرَ مِنْ نَصِيحَتِهِ لِلأُمَّةِ وَصِحَّةِ اعْتِقَادِهِ، ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ زَاهِرِ بْنِ أَحْمَدَ، أَنَّهُ حَضَرَ الأَشْعَرِيَّ عِنْدَ الْمَوْتِ وَهُوَ يَلْعَنُ الْمُعْتَزِلَةَ، ثُمَّ ذَكَرَ عَنْهُ أَنَّهُ دَعَاهُ عِنْدَ الْمَوْتِ وَقَالَ لَهُ: إِنِّي لا أُكَفِّرُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الْقِبْلَةِ، لأَنَّ الْكُلَّ يُشِيرُونَ إِلَى مَعْبُودٍ وَاحِدٍ، وَإِنَّمَا هُوَ كُلُّهُ اخْتِلافُ الْعِبَارَاتِ، ذَكَرَ ابْنُ عَسَاكِرَ هَذَا مَنْقَبَةٌ، وَأَرَاهُ مَذَمَّةً لأَنَّهُ مَيْلٌ إِلَى عَدَمِ تَكْفِيرِ الْمُعْتَزِلَةِ، وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الأَهْوَاءِ"


إي والله هي مذمة لمخالفتها لإجماع السلف ومناط تكفير المعتزلة موجود في الأشاعرة


قال ابن القيم كما في مختصر الصواعق ص524 وهو يتكلم عن الأشاعرة :" فَتَأَمَّلْ هَذِهِ الْأُخُوَّةَ الَّتِي بَيْنَ هَؤُلَاءِ وَبَيْنَ هَؤُلَاءِ الْمُعْتَزِلَةِ الَّذِينَ اتَّفَقَ السَّلَفُ عَلَى تَكْفِيرِهِمْ، وَأَنَّهُمْ زَادُوا عَلَى الْمُعْتَزِلَةِ فِي التَّعْطِيلِ فَالْمُعْتَزِلَةُ قَالُوا: هَذَا الْكَلَامُ الْعَرَبِيُّ هُوَ الْقُرْآنُ حَقِيقَةً لَا عِبَارَةً عَنْهُ، وَهُوَ كَلَامُ اللَّهِ، وَإِنَّهُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ"


وقد تقدم لك كلام السلف في فيمن قال بقول المعتزلة وقولهم فيمن لم يكفره


وبعض الناس يقول :"  من وقع في بدعة ظاهرة فيجب تبديعه ومن لم يبدعه فهو مبتدع آثم أتى أمرا منكرا"


فماذا عمن ينكر العلو واليد والوجه والصفات الفعلية وتعليل أفعال الله ويقول بالتبرك والتوسل والاستغاثة ويقول بمقالات الأشاعرة في الإيمان والقدر والنبوات ويقول بالمولد ويستدل له ؟


لماذا الغضب له واحمرار الأنف شاهدين على أنفسكم بالبدعة ؟


إذا علمت هذا علمت غرور المغرورين الذين خدعهم الشيطان بتسليطهم على بعض أهل الباطل من الإخوان وغيرهم وظنهم أنهم بذلك فقط صاروا حماة للسنة وينزلون على أنفسهم آثار الغربة وحقيقة أمرهم أنهم إنما آمنوا ببعض اعتقاد السلف وضلوا عن البعض الآخر بدليل ضيق صدورهم بكثير من كلام السلف وإنكارهم على من ينشره وتصريحهم بدفعه في أحيان عديدة مستدلين بكلمات لبعض من مهما بلغ من الفضل لا يصلح أن يكون كلامه حاكماً على كلام السلف وهذا ( البعض ) هم أنفسهم يخالفونه في مسائل معلومة يصيرون القائل بقوله فيها من الغلاة الذين يجب هجرهم والتحذير منهم

قال ابن الجوزي في مناقب الإمام أحمد ص213 أنبأنا محمد بن أبي منصور, قال: أخبرنا المبارك بن عبد الجبار, قال: أخبرنا عُبيد الله بن عمر بن شاهين, قال: سمعت أبا الفتح محمد بن أحمد بن عبد الله بن عبد العزيز البغوي يقول: سمعت جدي يقول: سمعت ابن زنجويه, يقول: سمعت أحمد بن حنبل, يقول: علماء المعتزلة زنادقة.


وهذا إسناد قوي


وقد نزل ابن تيمية هذه الكلمة على علماء الأشعرية


قال ابن تيمية في النبوات ص807 :" ولهذا عدل الغزالي وغيره عن طريقهم في الاستدلال بالمعجزات؛ لكون المعجزات على أصلهم لا تدلّ على نبوة نبيّ. وليس عندهم في نفس الأمر معجزات، وإنما يقولون: المعجزات عِلمُ الصدق؛ لأنّها في نفس الأمر كذلك.

وهم صادقون في هذا، لكن على أصلهم ليست دليلاً على الصدق، ولا دليلَ على الصدق.

فآيات الأنبياء تدلّ على صدقهم دلالة معلومة بالضرورة تارةً، وبالنظر أخرى.

وهم قد يقولون: إنّه يحصل العلم الضروري بأنّ الله صدّقه بها؛ وهي الطريقة التي سلكها أبو المعالي، والرازي، وغيرهما؛ وهي طريقة صحيحة في نفسها، لكن [تناقض] 6 بعض أصولهم.

فالقدح ليس في آيات الأنبياء، لكن في الأقوال الفاسدة التي تناقض ما هو معلوم بالضرورة عقلاً، وما هو أصل الإيمان شرعاً. ومن عرف تناقضهم في الاستدلال يعرف أن الآفة في فساد قولهم، لا في جهة صحة الدلالة؛ فقد يظهر بلسانه ما ليس في قلبه؛ كالمنافقين الذين يقولون: {نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ المُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ}.

ولقد صدق الإمام أحمد في قوله: علماء الكلام زنادقة"


فتأمل ذكره لكلمة أحمد وهو ينقد كبار الأشعرية كأبي المعالي والغزالي والرازي


وقال ابن تيمية في بيان تلبيس الجهمية (8/485) :" وقد تبين في غير موضع أن هؤلاء المتكلمين الجهمية والمتفلسفة الدهرية ليس معهم أدلة عقلية تعارض القرآن وتقوم مقام القرآن فما سلكوه في إثبات الصانع وصفاته طرق فاسدة لا تغني عن أدلة القرآن العقلية الدالة على ذلك فضلاً عن أن تعارضها وهذا أحد ما يبين به فساد ما يذكرونه من تقديم مثل هذه الأدلة على دلالة القرآن عقليها وخبريها ولا ريب أن طريقهم فيه من النفاق والإلحاد والجهل ما يطول وصفه ولذلك قال الأئمة كأحمد بن حنبل وغيره علماء الكلام زنادقة وكان الذين يشيرون إليهم خيراً من هذا وأمثاله وكذلك قال الشافعي لأن يبتلى العبد بكل ذنب ما خلا الإشراك بالله خير له من أن يبتلى بالكلام في الأحداث وقال حكمي في أهل الكلام أن يضربوا بالجريد والنعال ويطاف بهم في العشائر والقبائل ويقال هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة والشافعي أشار إلى كلام حفص الفرد وأمثاله وكان على طريقة ضرار بن عمرو وأحمد أشار إلى كلام هذا وأمثاله فإنه كان أفضل من ناظر وأبو عيسى محمد بن عيسى برغوث وهو من أتباع حسين النجار وكلام أولئك خير من كلام هؤلاء الذين جمعوا إلى تعطيل أولئك إلحاد الفلاسفة مع أن أولئك لم يظهروا كل ما في قلوبهم للأئمة فالجهمية لم تكن تظهر لهم لا داخل العالم ولا خارجه"


فتأمل قول ابن تيمية الذين زندقهم أحمد خير من الرازي وأمثاله فهذا ظاهر في قوله (وكان الذين يشيرون إليهم خيراً من هذا وأمثاله)


وتأمل تفضيله للمعتزلة الأوائل كحفص الفرد على الرازي وأمثاله


وقال في درء تعارض العقل والنقل وهو يرد على الرازي (1/178) :" ولهذا تجد من تعود معارضة الشرع بالرأي لا يستقر في قلبه الإيمان، بل يكون كما قال الأئمة: إن علماء الكلام زنادقة، وقالوا: قل أحد نظر في الكلام إلا كان في قلبه غل علي أهل الإسلام، ومرادهم بأهل الكلام من تكلم في الله بما يخالف الكتاب والسنة"


وقال أيضاً في معرض رده على الرازي في الدرء (2/206) :" وإذا أنعم النظر تبين له أنه كلما ازداد تصديقاً لمثل هذا الكلام ازداد نفاقاً ورداً لما جاء به الرسول، وكلما ازداد معرفة بحقيقة هذا الكلام وفساده ازداد إيماناً وعلماً بحقيقة ما جاء به الرسول، ولهذا قال من قال من الأئمة: (قل أحد نظر في الكلام إلا تزندق وكان في قلبه غل على أهل الإسلام) بل قالوا: (علماء الكلام زنادقة) .

ولهذا قيل: إن حقيقة ما صنفه هؤلاء في كتبهم من الكلام الباطل المحدث المخالف للشرع والعقل هو: ترتيب الأصول في تكذيب الرسول، ومخالفة صريح المعقول وصحيح المنقول، ولولا أن هؤلاء القوم جعلوا هذا علماً مقولاً وديناً مقبولاً، يردون به نصوص الكتاب والسنة، ويقولون: إن هذا هو الحق الذي يجب قبوله، دون ما عارضه من النصوص الإلهية والأخبار النبوية، ويتبعهم على ذلك من طوائف أهل العلم والدين ما لا يحصيه إلا الله: لاعتقادهم أن هؤلاء أحذق منهم وأعظم تحقيقاً، لميكمن بنا حاجة إلى كشف هذه المقالات، مع أن الكلام هنا لا يحتمل إلا الاختصار.


ومقصودنا بحكاية هذا الكلام: أن يعلم أن ما ذكره الرازي في هذه المسألة قد استوعب فيه جميع حجج النفاة، وبين فسادها"


وقال في شرح الأصبهانية :" ولولا أن هذا الجواب إنما كان القصد به الكلام على هذه العقيدة المختصرة لكان البسط لي في هذا الموضع أولى من ذلك، فإن هذه المقامات تحتمل بسطا عظيما لكن نبهنا على مقدمات نافعة فإن أكثر أهل الكلام مقصرون في حجج الاستدلال على تقرير ما يجب تقريره من التوحيد والنبوة تقصيرا كثيرا جدّا، كما أنهم كثيرا ما يخطئون فيما يذكرونه من المسائل، ومن لا يعرف الحقائق يظن أن ما ذكروه هو الغاية في أصول الدين، والنهاية في دلائله ومسائله فيورثه ذلك مخالفة الكتاب والسنة بل وصريح العقل في مواضع، ويورثه استضعافا لكثير من أصولهم وشكّا فيما ذكروه من أصول الدين استرابة بل قد يروثه ترجيحا لأقوال من يخالف الرسل من متفلسفة وصابئين ومشركين ونحوهم حتى يبقى في الباطن منافقا زنديقا وفي الظاهر متكلما يذب عن النبوات.

ولهذا قال أحمد وغيره ممن قال من السلف: علماء الكلام زنادقة، وما ارتدى أحد بالكلام إلا كان في قلبه غل على أهل الإسلام لأنهم بنوا أمرهم على أصول فاسدة أوقعتهم في الضلال، وليس هذا موضع بسط هذا، وقد بسطناه في غير هذا الموضع"


وقال أيضاً كما في مجموع الفتاوى (4/96) :" وَإِذَا تَدَبَّرَ الْعَاقِلُ وَجَدَ الطَّوَائِفَ كُلَّهَا كُلَّمَا كَانَتْ الطَّائِفَةُ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ أَقْرَبَ كَانَتْ بِالْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ أَعْرَفَ وَأَعْظَمَ عِنَايَةً وَإِذَا كَانَتْ عَنْ اللَّهِ وَعَنْ رَسُولِهِ أَبْعَدَ كَانَتْ عَنْهُمَا أَنْأَى حَتَّى تَجِدَ فِي أَئِمَّةِ عُلَمَاءِ هَؤُلَاءِ مَنْ لَا يُمَيِّزُ بَيْنَ الْقُرْآنِ وَغَيْرِهِ بَلْ رُبَّمَا ذُكِرَتْ عِنْدَهُ آيَةٌ فَقَالَ: لَا نُسَلِّمُ صِحَّةَ الْحَدِيثِ وَرُبَّمَا قَالَ: لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَذَا وَتَكُونُ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ. وَقَدْ بَلَغَنَا مِنْ ذَلِكَ عَجَائِبُ وَمَا لَمْ يَبْلُغْنَا أَكْثَرُ. وَحَدَّثَنِي: ثِقَةٌ أَنَّهُ تَوَلَّى مَدْرَسَةَ مَشْهَدِ الْحُسَيْنِ بِمِصْرِ بَعْضُ أَئِمَّةِ الْمُتَكَلِّمِينَ رَجُلٌ يُسَمَّى شَمْسَ الدِّينِ الأصبهاني شَيْخَ الأيكي فَأَعْطَوْهُ جُزْءًا مِنْ الرَّبْعَةِ فَقَرَأَ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {المص} حَتَّى قِيلَ لَهُ: أَلِفٌ لَامٌ مِيمٌ صَادٌ.

فَتَأَمَّلْ هَذِهِ الْحُكُومَةَ الْعَادِلَةَ لِيَتَبَيَّنَ لَك أَنَّ الَّذِينَ يَعِيبُونَ أَهْلَ الْحَدِيثِ وَيَعْدِلُونَ عَنْ مَذْهَبِهِمْ جَهَلَةٌ زَنَادِقَةٌ مُنَافِقُونَ بِلَا رَيْبٍ"


وهو هنا يعني الأشاعرة بدليل ذكره للأصبهاني الشمس وهو أشعري معاصر لابن تيمية وتأمل جمعه بين وصفهم بالزندقة ووصفهم بالجهل مما يدل على أن الجهل ليس عذراً عنده بإطلاق


وليعلم أن ابن تيمية قرر بأن المعتزلة خير من الأشاعرة في باب الإيمان وفي باب القدر


قال ابن تيمية  كما الفتاوى الكبرى (6/ 639) :" وَأَيْضًا فَأَنْتُمْ فِي مَسَائِلِ الْأَسْمَاءِ وَالْأَحْكَامِ قَابَلْتُمْ الْمُعْتَزِلَةَ تَقَابُلَ التَّضَادِّ حَتَّى رَدَدْتُمْ بِدْعَتَهُمْ بِبِدَعٍ تَكَادُ أَنْ تَكُونَ مِثْلَهَا، بَلْ هِيَ مِنْ وَجْهٍ مِنْهَا وَمِنْ وَجْهٍ دُونَهَا، فَإِنَّ الْمُعْتَزِلَةَ جَعَلُوا الْإِيمَانَ اسْمًا مُتَنَاوِلًا لِجَمِيعِ الطَّاعَاتِ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا قَوْلُ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ. وَقَالُوا: إنَّ الْفَاسِقَ الْمِلِّيَّ لَا يُسَمَّى مُؤْمِنًا وَلَا كَافِرًا، وَقَالُوا: إنَّ الْفُسَّاقَ مُخَلَّدُونَ فِي النَّارِ لَا يَخْرُجُونَ مِنْهَا بِشَفَاعَةٍ وَلَا غَيْرِهِ، وَهُمْ فِي هَذَا الْقَوْلِ مُخَالِفُونَ لِلسَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ، فَخِلَافُهُمْ فِي الْحُكْمِ لِلسَّلَفِ، وَأَنْتُمْ وَافَقْتُمْ الْجَهْمِيَّةَ فِي الْإِرْجَاءِ وَالْجَبْرِ فَقُلْتُمْ: الْإِيمَانُ مُجَرَّدُ تَصْدِيقِ الْقَلْبِ، وَإِنْ لَمْ يَتَكَلَّمْ بِلِسَانِهِ، وَهَذَا عِنْدَ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّة شَرٌّ مِنْ قَوْلِ الْمُعْتَزِلَةِ. ثُمَّ إنَّكُمْ قُلْتُمْ: إنَّا لَا نَعْلَمُ هَلْ يَدْخُلُ أَحَدٌ مِنْهُمْ النَّارَ أَوْ لَا يَدْخُلُهَا أَحَدٌ مِنْهُمْ فَوَقَفْتُمْ وَشَكَكْتُمْ فِي نُفُوذِ الْوَعِيدِ فِي أَهْلِ الْقِبْلَةِ جُمْلَةً، وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا مِنْ أَعْظَمِ الْبِدَعِ عِنْدَ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ فَإِنَّهُمْ لَا يَتَنَازَعُونَ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَدْخُلَهَا مَنْ يَدْخُلُهَا مِنْ أَهْلِ الْكَبَائِرِ فَأُولَئِكَ قَالُوا: لَا بُدَّ أَنْ يَدْخُلَهَا كُلُّ فَاسِقٍ، وَأَنْتُمْ قُلْتُمْ: لَا نَعْلَمُ هَلْ يَدْخُلُهَا فَاسِقٌ أَمْ لَا، فَتَقَابَلْتُمْ فِي هَذِهِ الْبِدْعَةِ، وَقَوْلُكُمْ أَعْظَمُ بِدْعَةً مِنْ قَوْلِهِمْ، وَأَعْظَمُ مُخَالَفَةً لِلسَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ "


وصرح ابن تيمية بأن متأخري الأشاعرة لا يختلفون على المعتزلة


قال في شرح الأصبهانية :" فإن كثير من متأخري أصحاب الأشعري خرجوا عن قوله إلى قول المعتزلة أو الجهمية أو الفلاسفة إذ صاروا واقفين في ذلك كما سننبه عليه «1».

وما في هذا الاعتقاد المشروح هو موافق لقول الواقفة الذين لا يقولون بقول الأشعري وغيره من متكلمة أهل الإثبات وأهل السنة والحديث والسلف بل يثبتون ما وافقه عليه المعتزلة البصريون فإن المعتزلة البصريين يثبتون ما في هذا الاعتقاد ولكن الأشعري وسائر متكلمة أهل الإثبات مع أئمة السنة والجماعة يثبتون الرؤية ويقولون: القرآن غير مخلوق ويقولون: إن الله حي بحياة عالم بعلم، قادر بقدرة، وليس في هذا الاعتقاد شيء من هذا الإثبات.

وقد رأيت اعتقادا مختصرا لصاحب مصنف هذا الاعتقاد المشروح وهو مشهور بالعلم والحديث، وهو في الظاهر أشعري عند الناس ورأيت اعتقاده على هذا النمط ذكر فيه أن الله متكلم آمر ناه كما يوافق عليه المعتزلة، ولم يذكر أن القرآن غير مخلوق، ولا أثبت الرؤية بل جعلها ممّا تأول وكان يميل إلى الجهمية الذين ناظروا أحمد بن حنبل وسائر أئمة السنة في القرآن ويرجح جانبهم، وحكى عنهم ذم وسب لأحمد بن حنبل وهو بنى اعتقاده وركبه من قول الجهمية ومن قول الفلاسفة القائلين بقدم العقول والنفوس وهو من جنس القول المضاف إلى ديمقراطيس"


وصاحب الأصبهاني المشهور بالعلم والحديث هو ابن دقيق العيد الذي يصدعون رؤوسنا بإمامته وقد صرح به الشيخ في موضع آخر فقال ( القشيري ) والقشيري الذي تتلمذ على الأصبهاني وكان معروفاً بالحديث هو ابن دقيق العيد

قال ابن تيمية في درء تعارض العقل والنقل (7/237) :" وأن الأصل الذي بنت عليه المعتزلة كلامهم في أصول الدين، هو هذا الأصل الذي ذكره الأشعري، لكنه مخالف لهم في كثير من لوازم ذلك وفروعه، وجاء كثير من أتباع المتأخرين، كأتباع صاحب الإرشاد فأعطوا الأصول - التي سلمها للمعتزلة - حقها من اللوازم، فوافقوا المعتزلة على موجبها، وخالفوا شيخهم أبا الحسن وأئمة أصحابه، فنفوا الصفات الخبرية، ونفوا العلو، وفسروا الرؤية بمزيد علم لا ينازعهم فيه المعتزلة، وقالوا: ليس بيننا وبين المعتزلة خلاف في المعنى، وإنما خلافهم مع المجسمة، وكذلك قالوا في القرآن: إن القرآن، الذي قالت به المعتزلة: إنه مخلوق، نحن نوافقهم على خلقه، ولكن ندعي ثبوت معنى آخر وأنه واحد قديم

والمعتزلة تنكر تصور هذا بالكلية، وصارت المعتزلة والفلاسفة - مع جمهور العقلاء، يشنعون عليهم بمخالفتهم لصريح العقل، ومكابرتهم للضروريات"


هنا يثبت ابن تيمية أن الجويني ومتأخري الأشاعرة وافقوا المعتزلة في أخطر ثلاث مسائل من مسائل الصفات


وهي مسألة القرآن ومسألة العلو ومسألة الرؤية


وقد نقل ابن القيم في مختصر الصواعق اتفاق السلف على تكفير المعتزلة


وعامة نصوص السلف في تكفير الجهمية إنما تكون مقرونة بذكر أحد هذه الصفات الثلاثة _ العلو والرؤية والكلام _


فالمقصود هنا نفي الفارق المؤثر في الحكم لا مطلق الفارق ، فمن فرق بين المعتزلة والأشاعرة في الحكم فكفر المعتزلة متابعةً للسلف ولإجماعهم على هذا الأمر ، ونفى التكفير عن الأشاعرة_ خصوصاً متأخريهم _  فنص ابن تيمية هذا يدمغه


خصوصاً مع ما قاله في آخر كلامه من أن قول الأشاعرة أبعد عن المعقول من قول المعتزلة وأن قولهم فيه مكابرة للضروريات


ويفضل المعتزلة على الأشاعرة المتأخرين بأنهم قدرية في باب القدر وأما الأشاعرة فجبرية ومذهب القدرية خير من مذهب الجبرية كما نص على ذلك ابن تيمية


وكذلك المعتزلة وعيدية والأشاعرة مرجئة غالية ومذهب المعتزلة خير من مذهب الأشاعرة في هذا نص على ذلك ابن تيمية ونقلت نصه في ردي على حاتم العوني


وفي المناظرة على الواسطية اعترف الأشاعرة بأن الجويني يقول بخلق القرآن ، ونص ابن تيمية في شرح الأصبهانية أن عقيدة الأصبهاني الأشعري لا تخرج عن عقيدة المعتزلة البصريين


وقد تواتر عن السلف أن من شك في كفر الجهمية فهو مثلهم


فكيف بمن يجزم بإسلامهم مع مخالفتهم للبراهين القاطعة في عشرات مسائل الصفات والقدر والإيمان مع بلوغ الأدلة لهم بل مع مخالفتهم لأئمتهم الأشاعرة وقد اعترف الجويني في الإرشاد بأن متقدمي أصحابه يثبتون الصفات الخبرية الذاتية


واعترف النووي في شرح مسلم والسبكي في طبقات الشافعية الكبرى بأن الأشعري يخالف اعتقاد السلف في مسائل الإيمان


وقال القرطبي في كتابه الأسنى شرح أسماء الله الحسنى 2/132 بعد أن ذكر أقوال العلماء في استواء الله على عرشه :( وأظهر هذه الأقوال ـ وإن كنت لا أقول به ولا أختاره ـ ماتظاهرت عليه الآي والأخبار أن الله سبحانه على عرشه كما أخبر في كتابه

وعلى لسان نبيه بلا كيف ،بائن من جميع خلقه هذا جملة مذهب السلف الصالح فيما نقل عنهم الثقات حسب ماتقدم)


فتأمل قوله ( لا أقول به ) مع اعترافه بأنه الحق الذي تظاهرت عليه الأدلة فهذا برهان على الهوى


وله في التفسير تصريح بأن السلف قاطبة أثبوا العلو


فهذا كيف يقال بأنه لم تقم عليه الحجة ؟


ويفضل عليهم المعتزلة أيضاً بأنهم ليسوا قبورية


وقد صرح ابن تيمية في الدرء أن الرازي الأشعري المعتزلة أكثر تعظيماً للنصوص منه


وقول ابن تيمية أنهم أقرب الطوائف إلى أن أهل السنة إنما أراد في بعض أبواب الصفات وسياق كلامه يدل على ذلك


وقد صرح ابن تيمية بتسمية الجويني ومن معه ( معتزلة )


قال في الصفدية (2/34) :" وقالت معتزلة الصفاتية الذين ينفون الصفات الخبرية كصاحب الإرشاد وأتباعه"


وأتباعه هم كل من جاء بعده من الأشاعرة


وقال في النبوات :" وادّعى أبو المعالي أنّ إنكار محبّته من أسرار التوحيد. وهو من أسرار توحيد الجهميّة المعطّلة المبدّلة"


وبعد أن علمت أنه لا فرق بينهم وبين المعتزلة الذين كفرهم السلف لزم ألا يكون منهم إمام ولا أحد يترحم عليه ولا يعظم كما نصنع مع المعتزلة سواءً بسواء


ولما قيل للإمام أحمد أن اللفظية والواقفة والجهمية شيء واحد سر بذلك ، فكيف لو رأى هذه الأخوة بين المعتزلة الجهمية والأشعرية الجهمية ، ثم من يأتي ويفرق بيهم


قال ابن أبي حاتم في تفسيره 3644 - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ، ثنا مُوسَى بْنُ مُحْكَمٍ، ثنا أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ، ثنا عَبَّادُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ: سَأَلْتُ الْحَسَنَ عَنْ قَوْلِهِ: هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَقَالَ: يُعْذَرُ مَنْ حَاجَّ بِعِلْمٍ، وَلا يُعْذَرُ مَنْ حَاجَّ بِالْجَهْلِ.


فنص الحسن البصري الإمام التابعي المعروف أن من حاج بالجهل لا يعذر وهذا ينطبق على أهل الكلام وعلى رأسهم المعتزلة والأشاعرة فإنهم يردون دلالات النصوص القاطعة بعقولهم ويسفهون من يأخذ بها


فلهم حظ من قوله تعالى : (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آَمِنُوا كَمَا آَمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آَمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ)


وقال الآجري في الشريعة 47 - وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ الْبُخَارِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مَخْلَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي زُمَيْلٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْمَلِيحِ الرَّقِّيُّ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي نَشِيطٍ، عَنِ الْحَسَنِ: وَذَكَرَ الْخَوَارِجَ فَقَالَ: «حَيَارَى سَكَارَى، لَيْسَ  بِيَهُودٍ وَلَا نَصَارَى، وَلَا مَجُوسٍ فَيُعْذَرُونَ»


فالحسن البصري يرى أن اليهود والنصارى والمجوس الذين لم تبلغهم الدعوة أقرب إلى العذر من الخوارج وهذا ينطبق على الجهمية وفروعها _ أشعرية ومعتزلة _ من باب أول


فكيف إذا أضافوا إلى هذا الإرجاء والقبورية والجبر وتكفير أهل السنة أو تضليلهم


قال الله تعالى :( كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)


فإن قيل : ما داعي التركيز على هذه المسألة


فيقال : لأن كثيراً من الناس واقعون في ورطتين


الأولى : الحكم بإسلام الجهمية المنكرين للعلو وعامة الصفات مع بلوغ الأدلة لهم ويحكمون بالإسلام لهم جملة فيقولون ( الأشاعرة مسلمون ) وتفصيلاً فيأتون لأعيانهم واحداً واحداً ويترحمون عليهم ويشهدون لهم بالإمامة


فحتى مع التفريق بين الحكم بالعموم وحكم الأعيان لا يجوز هذا الجزم بإسلامهم جملة وتفصيلاً


وقد قال الرازيان في عقيدتهما :" وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ الْقُرْآنَ مَخْلُوقٌ فَهُوَ كَافِرٌ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ كُفْرًا يَنْقُلُ عَنِ الْمِلَّةِ. وَمَنْ شَكَّ فِي كُفْرِهِ مِمَّنْ يَفْهَمُ فَهُوَ كَافِرٌ"


فكيف بمن أضاف إلى هذا إنكار العلو وإنكار الرؤية وإنكار الحكمة وبلاياً أخر وإنكار العلو وحده كفر أظهر من القول بخلق القرآن


وهذا كلامهم فيمن شك في كفره فكيف بمن جزم بإسلامه وأنكر إنكاراً عظيماً على من كفره ، بل بعضهم ينكر حتى على من يبدعه مع اعتراضه بقوله بمقالة القوم في مسائل عظيمة خطيرة


وإذا كنا سنحكم بإسلام من وقع في بدعة مكفرة مع كونه داعية وبلغته ، وسنحكم بإسلام القوم جملة وتعييناً فما الفرق بينهم وبين أصحاب البدع المفسقة ؟


وقال ابن تيمية في بيان تلبيس الجهمية (2/73) :" فلهذا كان السلف والأئمة مطبقين على تكفير الجهمية حين كان ظهور مخالفتهم للرسول صلى الله عليه وسلم مشهورًا معلومًا بالاضطرار لعموم المسلمين حتى قبل العلم بالإيمان فيما بعد وصار يشتبه بعض ذلك على كثير ممن ليس بزنديق"


فمقالة الجهمية فسادها لا يحتاج إلى كبير علم حتى يعرف لمخالفتها للفطرة


وقال في درء التعارض (5/257) :" ولهذا كان السلف والأئمة يتكلمون في تكفير الجهمية النفاة بما لا يتكلمون به في تكفير غيرهم من أهل الأهواء والبدع، وذلك لأن الإيمان إيمان بالله وإيمان للرسول، فإن الرسول أخبر عن الله بما أخبر به عن أسماء الله وصفاته، ففي الإيمان خبر ومخبر به فالإيمان للرسول تصديق خبره، والإيمان بما أخبر به والإقرار بذلك والتصديق به.

ولهذا كان من الناس من يجعل الكفر بإزاء المخبر به كجحد الخالق وصفاته، ومنهم من يجعله بإزاء الخبر، وهو تكذيب الرسول.

وكلا الأمرين حق، فإن الإيمان والكفر يتعلق بهذا وبهذا، وكلام

الجهمية نفاة الصفات مناقض لخبر الرسول الصادق، ونفي لما هو ثابت لله من صفات كماله.

ومما يوضح الأمر في ذلك أنك لا تجد من سلك هذه السبيل وجوز على الأدلة السمعية أن يعارضها معقول صريح ينافيها إلا وعنده ريب في جنس خبر الله ورسوله، وليس لكلام الله ورسوله في قلبه من الحرمة ما يوجب تحقيق مضمون ذلك، فعلم أن هذا طريق إلحاد ونفاق، لا طريق علم وإيمان.

ونحن نبين فساد طريق هؤلاء بالطرق الإيمانية والقرآنية تارة، وبالأدلة التي يمكن أن يعقلها من لا يستدل بالقرآن والإيمان"


والطامة الكبرى أن ينفى حتى التبديع عن هؤلاء الجهمية فيقال في بعضهم ( ليس مبتدعاً ومن أهل السنة ومن بدعه فهو مبتدع ) مع كونه يقول بنفي العلو أشنع مقالات الجهمية على الإطلاق ، وبعضهم غاية أمره أن ينفي دخولهم في أهل السنة


وقد رأيت منهم يصف نعت بعض الناس للأشاعرة ب( الزناقة ) بالشطط ومع علم المسكين أن الإمام أحمد وصف اللفظية والواقفة ( وكلاهما خير من الأشعرية ) بالزنادقة العتق


والورطة الأخرى تعظيم هؤلاء الجهمية تعظيماً يضن به على كثير من أهل السنة


وقد أدى هذا إلى تنفس الأشاعرة الصعداء وبهذه الحجة يصولون ويجولون ( منا فلان ومنا فلان الذين تعظمونهم )


وبعضهم يطلق أنه لا عذر في الأصول الكبار ثم يتناقض ويعذر منكري العلو وينفي عنهم البدعة فضلاً عن الكفر


وكثير ممن هو واقع في هذه الورطات يتنازع مع غيره ممن هو متلبس في الورطات نفسها في مسائل هي دون هذه ويكثرون التنازع وكل ينزل على نفسه أحاديث الغربة وأحاديث الفرقة الناجية والطائفة المنصورة وهذا ينعت هذا بالخروج وهذا ينعت هذا بالإرجاء


وما علموا أن موالاة الجهمية أمر تنزه عنه عتاة الخوارج وعتاة المرجئة وأنه من أعظم هوادم الدين في أعظم أبوابه العقدية


بل بعضهم يتهكم بأهل السنة  ويقول ( هذا خدم الإسلام فماذا قدمت للإسلام أنت )؟


وأقول جواباً على هذا : حسبي أنني لم أنشر شيئاً من عقائد الجهم في الأمة والسلامة لا يعدلها شيء، وأنني أعتقد عقيدة الفرقة الناجية والطائفة المنصورة في الصفات والقدر والإيمان والنبوات وتوحيد الألوهية ولا يمكنك إلا أن تشهد بسلامة عقيدتي في هذه الأبواب وفساد عقيدة معظمك في هذه الأبواب كلها أو بعضها  ، ولو كان مجرد خدمة الدين ولو دون سلامة معتقد تجعل المرء فاضلاً لكان أبو طالب الذي حمى الرسول خيراً من كثير من المسلمين اليوم


على أنهم لو نظرت في هذا الذي يسمونه خدمة للإسلام لرأيت كثيراً منه مدخول ويختلط فيه كلام أهل الحديث بكلام المتكلمين ، وباب علم الحديث عدد ممن يتسمى ب( الحافظ ) أحكامه على الأخبار سطحية ولم يحكم علم علل الحديث الذي هو لب الفن


وشرح جنايتهم على علوم الإسلام يحتاج إلى بسط أكثر عسى أن ييسره الله مستقبلاً


وقد حكم عبد الله بن عمر على القدرية بأنه لن ينفعهم لو أنفق أحدهم مثل أحد ذهباً حتى يؤمن بالقدر


فما الفرق بين نفي العلو ونفي القدر سوى أن نفي العلو أشنع ؟


وإنفاق مثل أحد ذهباً في سبيل لا شك أنه خدمة عظيمة للإسلام


وأئمة الإسلام الذين إليهم المرجع في الفقه والحديث والتفسير ويتشرف هؤلاء الجهمية بالانتساب إليهم في الفقه وجمع كلامهم في الحديث والتفسير مطبقون على إكفار الجهمية


وخدمة علم الحديث والفقه والتفسير _ إن سلمنا أنها خدمة وليست تشويهاً في كثير من أحوالها _ إن اقترن بها نشر العقائد الفاسدة فذلك بمنزلة صدقة اقترن بها من وأذى


وقد قال الله تعالى : (   قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ (263) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ)

والآن مع بعض الأمثلة

1_ ابن العربي الأشعري

وهذا شهد له بالسنية والإمامة الجامي ومحب الدين الخطيب والفوزان ( فيما أظن )

وهو جهمي غال يقول بأن النصوص لا مدخل لا لها في باب الصفات كما في كتابه قانون التأويل

قال شيخ الإسلام في درء تعارض العقل والنقل (7/34) :" فإن قيل قلت إن أكثر أئمة النفاة من الجهمية والمعتزلة كانوا قليلي المعرفة بما جاء عن الرسول واقوال السلف في تفسير القرآن وأصول الدين وما بلغوه عن الرسول ففي النفاة كثير ممن له معرفة بذلك

قيل هؤلاء أنواع نوع ليس لهم خبرة بالعقليات بل هم يأخذون ما قاله النفاة عن الحكم والدليل ويعتقدونها براهين قطعية وليس لهم قوة على الاستقلال بها بل هم في الحقيقة مقلدون فيها وقد اعتقد أقوال أولئك فجميع ما يسمعونه من القرآن والحديث


وأقوال السلف لا يحملونه على ما يخالف ذلك بل إما أن يظنوه موافقا لهم وإما أن يعرضوا عنه مفوضين لمعناه

وهذه حال مثل أبي حاتم البستي وأبي سعد السمان المعتزلي ومثل أبي ذر الهروي وأبي بكر البيهقي والقاضي عياض وأبي الفرج ابن الجوزي وأبي الحسن علي بن المفضل المقدسي وأمثالهم

والثاني من يسلك في العقليات مسلك الاجتهاد ويغلط فيها كما غلط غيره فيشارك الجهمية في بعض أصولهم الفاسدة مع أنه لا

يكون له من الخبرة بكلام السلف والأئمة في هذا الباب ما كان لأئمة السنة وإن كان يعرف متون الصحيحين وغيرهما

وهذه حال أبي محمد بن حزم وأبي الوليد الباجي والقاضي أبي بكر بن العربي وأمثالهم

ومن هذا النوع بشر المريسي ومحمد بن شجاع الثلجي وأمثالهما "


بل ابن العربي يصرح بتقديم العقل على النقل ، وقد عاب على الجويني استدلاله بالسمع على نفي الآفات عن الله عز وجل ، وصرح أن المعول على العقل


قال ابن العربي في قانون التأويل 461 :" وتعجبوا من رأس المحققين _ يعني الجويني _ يعول في نفي الآفات على السمع ولا يجوز أن يكون السمع طريقاً إلى معرفة الباري ولا شيء من صفاته لأن السمع منه "


وهذه العبارة السيئة واضحة في أن النصوص لا يعتمد عليها في باب الصفات وهذا عين التجهم ، ويصف الجويني الأشعري بأنه رأس المحققين مما يدل على أنه على مذهبه ، والجويني والرازي لهما مذهب خبيث في أن العقل لا يدل على نفي النقائص عن الله عز وجل فيعولون في هذا الباب على السمع على غير عادتهم


وقد افترى ابن العربي في كتابه العواصم على القاضي أبي يعلى انه قال ( اعفوني من كل شيء إلا الحية والفرج ) ورد عليه شيخ الإسلام في درء التعارض ، وقد نقله ابن العربي عمن لا تعرف عدالته


وكذلك قوله ( الاستواء له خمسة عشر معنى ) رد عليه ابن القيم في الصواعق


وله اختيار غريب وهو أنك عند تكبيرة الإحرام تتذكر أدلة الحدوث ما يجوز على الله وما لا يجوز ، وقد انتقده بعض فقهاء المالكية


قال القرافي في الذخيرة :" مثل هذه الهفوة قول القاضي أبي بكر من أصحابنا أنه يلزمه عند الإحرام أن يذكر حدث العالم وأدلته وإثبات الأعراض واستحالة عرو الجواهر عنها وإبطال حوادث لا أول لها وأدلة العالم بالصانع وإثبات الصفات وما يجب له تعالى وما يستحيل وما يجوز وأدلة المعجزة وتصحيح الرسالة ثم الطرق التي بها وصل التكليف إليه قال وحكى المازري أردت اتباع كلام القاضي عند إحرامي فرأيت في منامي كأني أخوض في بحر من ظلام فقلت هذه والله الظلمة التي قالها القاضي أبو بكر"

2_ الجويني أبو المعالي

وهذا ادعى الجامي رجوعه ولم يرجع في الحقيقة

فمن المشهور عند طلبة العلم أن أبا المعالي الجويني الملقب بإمام الحرمين قد رجع عن تأويل الصفات، وقد ظن كثيرون أنه رجع إلى المعتقد السلفي وليس الأمر كذلك بل إنه رجع إلى التفويض


 قال شيخ الإسلام في درء التعارض (5/249) :" وأبو المعالي وأتباعه نفوا هذه الصفات موافقة للمعتزلة والجهمية ثم لهم قولان أحدهما تأويل نصوصها وهو أول قولي أبي المعالي كما ذكره في الإرشاد والثاني تفويض معانيها إلى الرب وهو آخر قولي أبي المعالي كما ذكره في الرسالة النظامية وذكر ما يدل على أن السلف كانوا مجمعين على أن التأويل ليس بسائغ ولا واجب، ثم هؤلاء منهم من ينفيها ويقول إن العقل الصريح نفى هذه الصفات ومنهم من يقف ويقول ليس لنا دليل سمعي ولا عقلي لا على إثباتها ولا على نفيها وهي طريقة الرازي والآمدي".


فنص على أن طريقته التفويض في الرسالة النظامية التي هي رسالة توبته من التأويل.


وقال شيخ الإسلام في جامع المسائل (5/79) :" وأما أصحاب الأشعري فهم ثلاثة أصناف:

صنف يُحرم تأويل الصفات السمعية المذكورة في القرآن كالوجه واليد والعين، ويُبطِل ذلك. وهذا هو الذي ذكره الأشعري في "الإبانة"، حكاه عن أهل السنة جميعهم، وهو الذي ذكره أبو بكر ابن الباقلاني أفضلُ أصحابه، وأبو علي ابن شاذان، وذكره أبو بكر ابن فورك في اليد وغيرها، وعليه الأشعرية المتمسكون بالقول الثاني.

وصنف يُحرِّم التأويل، ولا يتكلم في صحته ولا فسادِه. وهذا الذي ذكره أبو المعالي الجويني في رسالته "النظامية"  ، وهو قولُ أكثرِ المفوِّضة من المتكلمين.

وصنف يُبيحه للعلماء عند الحاجة، ومنهم من يُبيحه مطلقًا".


وقول الجويني في رسالته النظامية يقتضي تبديع متأخري الأشاعرة الذين يؤلون وأنه مخالفون لإجماع السلف، وهذا لازم كل المفوضة فإنهم إذا اعتبروا نصوص الصفات من المتشابه فالمؤولة هم الذين يتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله، بل إنه في الرسالة النظامية أنكر أن يلتذ العبد بالنظر إلى ربه وذلك في الرسالة النظامية ص39.


وقال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (10/695): "والمقصود هنا أن مثبتة الرؤية منهم من أنكر أن يكون المؤمن ينعم بنفس رؤيته ربه قالوا لأنه لا مناسبة بين المحدث والقديم كما ذكر ذلك الأستاذ أبوالمعالى الجوينى فى الرسالة النظامية وكما ذكره أبوالوفاء بن عقيل فى بعض كتبه ونقلوا عن إبن عقيل أنه سمع رجلا يقول اسألك لذة النظر إلى وجهك فقال يا هذا هب أن له وجها اله وجه يتلذذ بالنظر إليه".


وهذا القول يخالف الحديث الواضح (أسألك لذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك)، وقد وقع في الرسالة النظامية نفي صفة المحبة ونفي الصفات الاختيارية وغيرها من المصائب.


وقال الجويني في الرسالة النظامية:

"اختلف مسالك العلماء في هذه الظواهر، فرأى بعضهم تأويلها، والتزم ذلك في [آي] الكتاب وما يصح من السنن، وذهب أئمة السلف إلى الانكفاف عن التأويل، وإجراء الظواهر على مواردها، وتفويض معانيها إلى الرب عز وجل.

والذي نرتضيه رأياً، وندين الله به عقيدةً، اتباع سلف الأمة، والدليل القاطع السمعي في ذلك أن إجماع الأمة حجة متبعة، فلو كان تأويل هذه الظواهر مسوغاً أو محتوماً، لأوشك أن يكون اهتمامهم بها فوق اهتمامهم بفروع الشرع، وإذا انصرم عصر الصحابة والتابعين على الإضراب عن التأويل، كان ذلك هو الوجه المتبع".


فهنا الجويني يشهد على إخوانه الأشاعرة المؤولة بأنهم مخالفون لإجماع الصحابة القطعي ، ومن خالف إجماع الصحابة لا يكون إلا مبتدعاً، والأشاعرة دائماً يتكثرون ويقولون ( منا فلان ومنا فلان ) ولكنك لو تأملت وجدت أن هؤلاء ليسوا على عقيدة واحدة فعقيدة الباقلاني والبيهقي في الصفات الذاتية غير عقيدة الجويني ومن بعده.



يقول الجويني في الإرشاد: "ذهب بعض أئمتنا إلى أن اليدين والعينين والوجه صفات ثابتة للرب تعالى، والسبيل إلى إثباتها السمع دون قضية العقل، والذي يصح عندنا حمل اليدين على القدرة، وحمل العينين على البصر، وحمل الوجه على الوجود".


فمن يتبع الأشاعرة ؟


ومن الإمام لهم حقاً ؟


تنبيه : قال سعود بن عبد العزيز الخلف في رسالته أصول مسائل العقيدة (2/31) :" ثانيا: التفويض:يقصد به: اعتقاد عدم صحة دلالة ظاهر النص على الصفة وتفويض علم معنى النص إلى الله عز وجل. مثال ذلك:اليد والوجه والقدم ونحوها من الصفات فهي ألفاظ ليس لها معنى معلوم عندهم، وإنما الله تبارك وتعالى هو الذي يعلم مراده منها، مع الحذر من اعتقاد أنها تتضمن إثبات صفة اليد أو الوجه أو القدم، ويضيفون أيضاً أن هذا هو مذهب السلف.وهذا الذي رجع إليه الجويني في كتابه "العقيدة النظامية" وأوجبه, مع أنه في كتابه "الإرشاد إلى قواطع الأدلة" يوجب تأويل الصفات حذراً من اللبس ووقوع الشبهات في الدين"


فتوصل إلى النتيجة نفسها التي توصلت إليها

ثم إن فيه ميلاً إلى مقالة الخوارج

قال الدارمي في مسنده  99 - أخبرنا مسلم بن إبراهيم ثنا وهيب ثنا أيوب عن أبي قلابة قال : ما ابتدع رجل بدعة ألا استحل السيف.


وهذا إسناد صحيح إلى أبي قلابة


قال النووي في شرح مسلم (1/131) :" قَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ رَحِمَهُ اللَّه : وَيَسُوغ لِآحَادِ الرَّعِيَّة أَنْ يَصُدَّ مُرْتَكِبَ الْكَبِيرَة وَإِنْ لَمْ يَنْدَفِع عَنْهَا بِقَوْلِهِ مَا لَمْ يَنْتَهِ الْأَمْر إِلَى نَصْبِ قِتَال وَشَهْر سِلَاح . فَإِنْ اِنْتَهَى الْأَمْر إِلَى ذَلِكَ رَبَطَ الْأَمْر بِالسُّلْطَانِ قَالَ : وَإِذَا جَارَ وَالِي الْوَقْت ، وَظَهَرَ ظُلْمُهُ وَغَشْمُهُ ، وَلَمْ يَنْزَجِر حِين زُجِرَ عَنْ سُوء صَنِيعه بِالْقَوْلِ ، فَلِأَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْد التَّوَاطُؤ عَلَى خَلْعه وَلَوْ بِشَهْرِ الْأَسْلِحَة وَنَصْبِ الْحُرُوب"


ما قاله الجويني من خلع أهل الحل والعقد للحاكم المسلم الظالم بشهر الأسلحة تقرير خارجي يخالف الأحاديث والآثار الناصة على أنه لا يخرج إلا على الحاكم الكافر


قال البخاري في صحيحه 7055 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ عَنْ عَمْرٍو عَنْ بُكَيْرٍ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ جُنَادَةَ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ قَالَ دَخَلْنَا عَلَى عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ وَهُوَ مَرِيضٌ قُلْنَا أَصْلَحَكَ اللَّهُ حَدِّثْ بِحَدِيثٍ يَنْفَعُكَ اللَّهُ بِهِ سَمِعْتَهُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ دَعَانَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَايَعْنَاهُ فَقَالَ فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا أَنْ بَايَعَنَا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا وَأَثَرَةً عَلَيْنَا وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا عِنْدَكُمْ مِنْ اللَّهِ فِيهِ بُرْهَانٌ


قال مسلم في صحيحه 4810- [49-1846] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ، قَالاَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ الْحَضْرَمِيِّ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : سَأَلَ سَلَمَةُ بْنُ يَزِيدَ الْجُعْفِيُّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : يَا نَبِيَّ اللهِ ، أَرَأَيْتَ إِنْ قَامَتْ عَلَيْنَا أُمَرَاءُ يَسْأَلُونَا حَقَّهُمْ وَيَمْنَعُونَا حَقَّنَا ، فَمَا تَأْمُرُنَا ؟ فَأَعْرَضَ عَنْهُ ، ثُمَّ سَأَلَهُ ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ ، ثُمَّ سَأَلَهُ فِي الثَّانِيَةِ ، أَوْ فِي الثَّالِثَةِ ، فَجَذَبَهُ الأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ ، وَقَالَ : اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا ، فَإِنَّمَا عَلَيْهِمْ مَا حُمِّلُوا ، وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ.

4811- [50-...] وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا شَبَابةُ ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ سِمَاكٍ ، بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَهُ.

وَقَالَ : فَجَذَبَهُ الأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا ، فَإِنَّمَا عَلَيْهِمْ مَا حُمِّلُوا وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ.


قال مسلم في صحيحه 4828- [62-1854] حَدَّثَنَا هَدَّابُ بْنُ خَالِدٍ الأَزْدِيُّ ، حَدَّثَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ ، عَنِ الْحَسَنِ ، عَنْ ضَبَّةَ بْنِ مِحْصَنٍ ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : سَتَكُونُ أُمَرَاءُ فَتَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ ، فَمَنْ عَرَفَ بَرِئَ ، وَمَنْ أَنْكَرَ سَلِمَ ، وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ قَالُوا : أَفَلاَ نُقَاتِلُهُمْ ؟ قَالَ : لاَ ، مَا صَلَّوْا.


قال مسلم في صحيحه 4829- [63-...] وحَدَّثَنِي أَبُو غَسَّانَ الْمِسْمَعِيُّ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ، جَمِيعًا عَنْ مُعَاذٍ ، وَاللَّفْظُ لأَبِي غَسَّانَ ، حَدَّثَنَا مُعَاذٌ ، وَهُوَ ابْنُ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيُّ ، حَدَّثَنِي أَبِي ، عَنْ قَتَادَةَ ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ ، عَنْ ضَبَّةَ بْنِ مِحْصَنٍ الْعَنَزِيِّ ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ ، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : إِنَّهُ يُسْتَعْمَلُ عَلَيْكُمْ أُمَرَاءُ ، فَتَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ ، فَمَنْ كَرِهَ فَقَدْ بَرِئَ ، وَمَنْ أَنْكَرَ فَقَدْ سَلِمَ ، وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللهِ ، أَلاَ نُقَاتِلُهُمْ ؟ قَالَ : لاَ ، مَا صَلَّوْا.

أَيْ مَنْ كَرِهَ بِقَلْبِهِ وَأَنْكَرَ بِقَلْبِهِ.

4830- [64-...] وحَدَّثَنِي أَبُو الرَّبِيعِ الْعَتَكِيُّ ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ ، يَعْنِي ابْنَ زَيْدٍ ، حَدَّثَنَا الْمُعَلَّى بْنُ زِيَادٍ ، وَهِشَامٌ ، عَنِ الْحَسَنِ ، عَنْ ضَبَّةَ بْنِ مِحْصَنٍ ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ ، قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِ ذَلِكَ ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ : فَمَنْ أَنْكَرَ فَقَدْ بَرِئَ ، وَمَنْ كَرِهَ فَقَدْ سَلِمَ.


فلا يجوز الخروج ( وأعلى ذلك الخروج بالسلاح) على الحاكم المسلم وإن جار


وقد تعقب الجويني النووي بكلام فيه إقرار للخروج على الحاكم المسلم بضابط المصلحة


قال النووي :" وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مِنْ خَلْعه غَرِيب ، وَمَعَ هَذَا فَهُوَ مَحْمُول عَلَى مَا إِذَا لَمْ يُخَفْ مِنْهُ إِثَارَة مَفْسَدَة أَعْظَم مِنْهُ"


الله المستعان الخروج على الحاكم المسلم لا يجوز خصوصا بالسلاح سواءً ترتبت مفسدة أعظم أم لم تترتب إنما محل الكلام على المصلحة في عزل الحاكم الكافر


وما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الخروج على الحاكم الفاسق وإن ظلم وجار إلا لأن المفسدة في الخروج عليه أعظم


والجويني إمام الأشعرية الذي انحرف بهم إلى مزيد من التجهم بسبب نظره في كتب الجبائيين وقلة معرفته بالآثار فاخترع مذهب إثبات الصفات السبعة ( وليس إثباتاً سنياً وبعضه ليس إثباتاً في الأصل )


تنبيه : رأيت بعضهم أخذ من مقالي هذا النقل المذكور ليثبت خارجية الأشاعرة ! ، وفاته إقرار النووي لكلام الجويني بضابط المصلحة وهذه عادتهم يفرقون بين الجويني والنووي ولا فرق في حقيقة الأمر في باب العقيدة سوى أن الجويني هو المتبوع والنووي هو التابع والوفاق في كلامهما أعظم بكثير من الخلاف اليسير الذي هو في دائرة الخلاف الأشعري الأشعري 

3_ الباقلاني

وهذا في فتيا للجنة الدائمة يشهد له بالسنية

قال ابن حزم في الفصل (2/48) :" من طوامهم ما حكاه السمناني عن الباقلاني أنه قال واختلفوا في وجوب كون النبي صلى الله عليه وسلم أفضل أهل وقته في حال الرسالة وما بعدها إلى حين موته فأوجب ذلك قائلون وأسقطه آخرون و قال الباقلاني وهذا هو الصحيح وبه نقول.

قال أبو محمد: وهذا والله الكفر الذي لا خفاء به إذ جوز أن يكون أحد ممن في عصر النبي صلى الله عليه وسلم فما بعده أفضل من رسول الله صلى الله عليه وسلم وما أنكرنا على أحمد بن خابط الدون هذا إذ قال أن أب ذر كان أزهد من النبي صلى الله عليه وسلم هذا مع قول هذا المستخف الباقلاني الذي ذكره عنه السمناني في كتابه الكبير في كتاب الإمامة منه أن من شرط الإمامة أن يكون الإمام أفضل أهل زمانه.

قال أبو محمد: يا للعيارة بالدين يجوز عنه هذا الكافر أن يكون في الناس غير الرسل أفضل من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يجوز عنده أن يلي الإمامة أحد يوجد في الناس أفضل منه ثم حمقه أيضاً في هذا حمق عتيق لأنه تكليف ما لا يطاق"


وهذا تكفير من ابن حزم للباقلاني بعينه لقوله بأنه يجوز أن يكون في الأمة من هو أفضل من النبي صلى الله عليه وسلم


وأيضاً كفره هو وابن فورك بقولهم بوقوع الأنبياء في الكبائر والصغائر ، وقد نقد هذا القول ابن تيمية في النبوات وصحح نسبته للباقلاني


وكفره أيضاً لقوله بالصرفة في إعجاز القرآن _ وهذا ثابت عنه وقال به الكثير من الأشاعرة  _ وفاته قوله بإيمان فرعون 


وقوله الذي نقله عنه ابن تيمية في إرجاء الواقفة وهو القول بأنه قد لا يدخل أحد من الموحدين النار مطلقاً


وقول ابن تيمية عنه أنه أفضل الأشاعرة المنتسبين للأشعري هذا في سياق مقارنة مع بقية الجهمية الأشعرية لا مدح مطلق وفعلاً قد يكون أفضلهم وكلهم جهمية جبرية مرجئة وبعضهم يترك بعض الإرجاء أو بعض الجبر والتجهم الذي لا يسلم منه أحد منهم


وكفر ابن حزم ابنَ فورك ولعنه لقوله بأن النبي صلى الله عليه وسلم ليس نبياً الآن


وقد نقلت هذا النص عن ابن حزم على تجهمه لبيان عدة أمور


أولها : أن كثيراً ممن يطلق القول بالإعذار بالجهل بدون قيود أو ضوابط يحتج بكلام ابن حزم فهذا ابن حزم يكفر أعيان لمقالات قبيحة ما أطاقها وما تصور أن مسلماً يتكلم بها :


ثانيها : أنه من طريقة عدد من المشتغلين هذه الأيام نقض إجماعات السلف الأخيار بشذوذات ابن حزم فيقول بعضهم ( لا إجماع على نجاسة القيء فقد خالف ابن حزم ) و ( لا إجماع على زكاة عروض التجارة فقد خالف ابن حزم ) ، و( لا إجماع على أن الاستمناء في نهار رمضان ينقض الصيام فقد خالف ابن حزم ) ولا أدري كيف يستقيم في عقولهم أن يغلط السلف جميعاً ويصيب رجل جهمي


غير أن المدعين للإجماع على إسلام الأشاعرة يلزمهم نقض الإجماع إن كانت هذه طريقتهم في البحث ، وقد بينت الإجماع على أن بدعة الأشاعرة مكفرة في كتاب مستقل


وكلام ابن حزم هنا ليس شذوذاً فهو حقيقة كلام الأنصاري في ذم الكلام ومن معه في تكفير الأشاعرة وعدم حل ذبائحهم ، وحقيقة كلام السجزي الذي كفر الأشاعرة ثم لما سمى أئمة الضلالة سمى الباقلاني وابن فورك


ثالثها : أن ابن حزم مع هذه الشدة التي يرفضها بعضهم إمام وسني عند كثير من الناس !!


والباقلاني يثبت الكثير من الصفات الذاتية على طريقة الكلابية منها صفة العلو ، لذا هو خير من عامة الأشاعرة المتأخرين النافين لعامة الصفات الذاتية ( أصحاب شروح كتب الحديث والكثير من التفاسير )


فإذا كان ابن حزم مع تكفيره للباقلاني ليس مبتدعاً عندكم ! ، أفيكون مبتدعاً سني قال في فيمن هو شر من الباقلاني ما هو أخف من قولة ابن حزم فيه


سبحان الله الذي قسم العقول


وابن حزم كان يقول بأن أسماء الله أعلام وليست نعوت وينفي عامة الصفات وينكر كرامات الأولياء ويقول بنبوة النساء وينكر أن تكون أفعال الله معللة ويقول بعصمة الأنبياء من الصغائر ويرى السيف ( كعادة أهل الأهواء ويدعي الإجماع عليه ) ويطعن في أبي الطفيل وينكر أن يكون للسحر حقيقة بل يكفر أهل السنة القائلين بأن له حقيقة ويحصر أسماء الله في تسعة وتسعين ويكفر من يزعم أنها أكثر من ذلك وينكر القياس ، واخترع مذهباً باطلاً في التفضيل بين الصحابة فادعى بأن نساء النبي صلى الله عليه وسلم أفضل من كل الصحابة ، وقوله بالصرفة في إعجاز القرآن


فاعجب ممن يحتمل من ابن حزم كل هذه الضلالات ويحمر أنفه إذا قيل ابن حزم جهمي


وله شذوذات معروفة في الفقه والحديث ونقولات لمذاهب الناس ينفرد بها في كتبه حتى ادعى أن الشافعي لا يقول أن الله عليم بعلم ، وادعى أن الإمام أحمد يقول بأن الاسم هو المسمى


وقد قال فيه ابن عبد الهادي ( جهمي جلد )


والنووي على ما عنده في العقيدة كان ينفر عن كتب ابن حزم ولا ينقل عنها كما نقل ذلك عنه السخاوي في المنهل العذب الروي وابن كثير في البداية والنهاية


قال ابن حجر في لسان الميزان :" وقال مؤرخ الأندلس أبو مروان بن حبان: كان بن حزم حامل فنون من حديثه وفقه ونسب وأدب مع المشاركة في أنواع التعاليم القديمة وكان لا يخلو في فنونه من غلط لجرأته في السوال على كل فن ومال أولاً إلى قول الشافعي وناضل عنه حتى نسب إلى الشذوذ واستهدف لكثير من فقهاء عصره ثم عدل إلى الظاهر فجادل عنه ولم يكن يلطف في صدعه بما عنده بتعريض ولا تدريج بل يصك به معارضه صك الجندل وينسفه في أنفه انساف الخردل فتمالا عليه فقهاء عصره وأجمعوا على تضليله وشنعوا عليه وحذروا أكبارهم من قبيله ونهوا عوامهم عن الاقتراب منه فطفقوا يعصونه وهو مصر على طريقته حتى كمل له من تصانيفه وقر بعير لم يتجاوز أكثرها عتبة بابه لزهد العلماء فيها حتى لقد احرق بعضها بإشبيلية ومزقت علانية ولم يكن مع ذلك سالماً من اضطراب رأيه"


وهذا الإجماع على تضليله مصيره عند أهل العناد الذين يمتحنون الناس به الحش كما فعلوا في الإجماعات على جرح أهل الرأي وإمامهم أبي حنيفة


وهكذا كلما ظهر في الأمة جهمي يرى السيف ويستحدث طريقة في الفقه يكلف به الحمقى ويؤذون عباد الله الموحدين به ويجعلونه محنة كأنه الحسن أو ابن سيرين أو الثوري أو أحمد ابن حنبل


وهذا داود الظاهري وهو خير من ابن حزم يدعو عليه أحمد ويقول ( دود الله قبره )


ولابن تيمية نقد متين لطريقة ابن حزم في الفقه في التسعينية


وقال حمود التويجري في كتابه الرد الجميل على أخطاء ابن عقيل :" الوجه الثاني أن ابن حزم صرح في كتابه طوق الحمامة بما يلزم منه القدح فيه وذلك في قصتين إحداهما ذكر أنه عشق جارية نشأت في دارهم لبعض من في دارهم من النساء "


أقول : وقد ذكر ابن حزم حضوره لمجالس غنائها


وعلق التويجري بقوله :" وفي هذا الكلام عدة أمور كل واحد منها يكفي للقدح في العدالة منها تعرضه للمرأة الأجنبية وطلبه الوصال منها "


وذكر عنه قصة أخرى هي أشد دلالة على المقصود من هذه القصة التي ما ذكرتها بأكملها


وقد ذكر التويجري أن مذهب ابن حزم في القرآن أنه خمسة قرآنات أربعة مخلوقة وواحد غير مخلوق وقد نقد ابن القيم مذهبه في الكافية الشافية وهذا يؤكد تجهمه


وما أحسن ما قال التويجري في رده على ابن عقيل لما قال ابن عقيل أن لحوم العلماء المسمومة فأجابه التويجري بأن ابن حزم من أكثر الناس نهشاً للحوم العلماء الأموات أفيحل له ذلك ويحرم على غيره


وهذا يذكرني بابن عساكر الذي وصفه ابن الجوزي بأنه متعصب للأشعري صاحب عبارة ( لحوم العلماء مسمومة ) وهو الذي صنف جزءً في تضعيف حديث الأطيط والرد على المجسمة


يسمي أئمة أهل السنة مجسمة كعبد الله بن أحمد والدارمي وغيرهم فهؤلاء لحومهم غير مسمومة عنده


وقال ياقوت الحموي في معجم البلدان (1/262)  :"قال: وسمعت أبا عليّ ابن أبي سعيد يقول: إنه ليبلغ بهم فرط المحبة في إكرام الضيف أن يؤمر الصبي الجليل الأب والأصل الخطير في نفسه وماله بمضاجعة الضيف ليقضي منه وطره، ويرون ذلك كرما والإباء عنه عارا ونقصا، ولهم من هذا فضائح، ذكر بعضها إمام أهل المغرب أبو محمد عليّ بن أحمد بن حزم الأندلسي في كتاب له سماه الفضائح فيه تصديق لقول ابن حوقل، وقد ذكرت ذلك في كتابي الذي رسمته بأخبار أهل الملل وقصص أهل النحل في مقالات أهل الإسلام "


فهل من خلق أهل العلم التصنيف في فضائح بعض القبائل وقذفها عن بكرة أبيها


وعادة أهل عصرنا انتقاد الشدة ولو في محلها ، ومع ذلك يحفلون برجل شدته تتجاوز الحد كابن حزم والله المستعان

4_ ابن حزم وقد تكلمت عليه فيما مضى والوادعي يقرنه بالإمام أحمد وإنا لله وإنا إليه راجعون

5_ ابن الصلاح وهذا يشهد كثيرون له بالسلفية منهم المدخلي

6_ الحاكم

وهذا الآخر شهد له عدة بسلامة العقيدة في باب الصفات

فإن عقيدة الحاكم أبي عبد الله النيسابوري صاحب المستدرك في الصفات محل غموض


ومن الناس من يشهد بسلفيته في باب الأسماء والصفات


قال الحاكم في معرفة علوم الحديث 161 : سمعت محمد بن صالح بن هانئ يقول : سمعت أبا بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة يقول : من لم يقر بأن الله تعالى على عرشه قد استوى فوق سبع سماواته ، فهو كافر بربه يستتاب ، فإن تاب ، وإلا ضربت عنقه ، وألقي على بعض المزابل حيث لا يتأذى المسلمون ، والمعاهدون بنتن ريح جيفته  ، وكان ماله فيئا لا يرثه أحد من المسلمين ، إذ المسلم لا يرث الكافر كما قال صلى الله عليه وسلم .


والاستدلال بهذا لا يتم فإن الكلابية ومتقدمي الأشاعرة يثبتون العلو وقد ادعى ابن عساكر وتبعه السبكي في طبقات الشافعية الكبرى أنه أشعري


وقد وجدت ما يؤيد ميله إلى الكلابية


قال ابن الصلاح في طبقات فقهاء الشافعية ص136 :" ابْن فورك، أَبُو بكر ابْن فرك الْأَصْبَهَانِيّ، نزيل نيسابور.

ذكره الْحَاكِم فِي " تَارِيخه " فَقَالَ: الأديب، الْمُتَكَلّم، الأصولي، الْوَاعِظ، النَّحْوِيّ، أَقَامَ أَولا بالعراق إِلَى أَن درس بهَا على مَذْهَب الْأَشْعَرِيّ، ثمَّ لما ورد الرّيّ قصدته المبتدعة، فعقد عبد الله بن مُحَمَّد الثَّقَفِيّ مَجْلِسا، وَجمع أهل السّنة، وتقدمنا إِلَى الْأَمِير نَاصِر الدولة أبي الْحسن مُحَمَّد بن الْحسن، والتمسنا مِنْهُ المراسلة فِي تَوْجِيهه إِلَى نيسابور، فَفعل، وَورد نيسابور، فَبنى لَهُ الدَّار والمدرسة، فأحيى الله بِهِ فِي بلدنا أنواعا من الْعُلُوم، وَظَهَرت بركته"


أقول : ابن فورك من كبار أئمة الأشعرية وقد وصفه السجزي بأنه إمام ضلالة وقد كان حقاً كذلك


قال السجزي في الرد على من أنكر الحرف والصوت :" كل هؤلاء دعاة إلى الضلالة.

ثم بلي أهل السنة بعد هؤلاء بقوم يدعون أنهم من أهل الاتباع. وضررهم أكثر من ضرر (المعتزلة) وغيرهم، وهم: أبو محمد بن كلاب،

وأبو العباس القلانسي، وأبو الحسن الأشعري.

وبعدهم: (محمد بن أبي تريد بسجستان وأبو عبد الله بن مجاهد بالبصرة.

وفي وقتنا: أبو بكر بن الباقلاني ببغداد، وأبو إسحاق الاسفرائيني


وأبو بكر بن فورك بخراسان فهؤلاء يردون على (المعتزلة) بعض أقاويلهم. ويردون على أهل الأثر أكثر مما ردّوه على المعتزلة

وظهر بعد هؤلاء: الكرامية، والسالمية فأتوا بمنكرات من القول

وكلهم أئمة ضلالة يدعون الناس إلى مخالفة السنة وترك الحديث وإذا خاطبهم من له هيبة وحشمة من أهل الاتباع قالوا: الاعتقاد ما تقولونه وإنما نتعلم الكلام لمناظرة الخصوم"


وقد ذكر ابن تيمية أن الحاكم كان مع ابن خزيمة مخالفاً للثقفي ولكن ظاهر هذا النقل عنه أنه كان على طريقة الثقفي وقد كان الثقفي كلابياً كما ذكر ابن تيمية في غير موضع واحتفاؤه بابن فورك يدل على أنه لم يرجع


وقد كان أبو حاتم البستي ابن حبان على طريقة ابن كلاب أيضاً كما ذكر ابن تيمية في غير موضع


ولعل مما يؤكد ميل الحاكم إلى طريقة المعطلة أنه لم يفرد كتاباً في إثبات الصفات في مستدركه كما فعل البخاري في كتاب التوحيد من صحيحه وكما فعل مسلم في الإيمان من صحيحه وكما فعل أبو داود في كتاب السنة من سننه وكما فعل النسائي في كتاب النعوت من سننه الكبرى وكما فعل ابن ماجه في مقدمة سننه حيث بوب فيما أنكرت الجهمية وأما الترمذي فله كلام منثور في جامعه في المسألة


ولعل من آثار انحراف الحاكم  عن السنة حمله على ابن قتيبة


قال الذهبي في سير أعلام النبلاء (13/ 299) :" وَقَالَ مَسْعُوْدٌ السِّجْزِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ الحَاكِمُ يَقُوْلُ: أَجْمَعَتِ الأُمَّةُ عَلَى أَنَّ القُتَبِيَّ كَذَّابٌ.

قُلْتُ: هَذِهِ مُجَازَفَةٌ وَقِلَّةُ وَرَعٍ، فَمَا عَلِمْتُ أَحَداً اتَّهَمَهُ بِالكَذِبِ قَبْلَ هَذِهِ القَوْلَة، بَلْ قَالَ الخَطِيْبُ: إِنَّهُ ثِقَةٌ"


ابن قتيبة كان سنياً وحمل الحاكم عليه كما وصفه الذهبي ، ومن ذلك نقل الحاكم الإجماع على أن علياً أول من أسلم كما في كتابه في معرفة علوم الحديث ، وهذه مجازفة أيضاً وقلة ورع ، وليس الخطب في هاتين المسألتين في أنه أخطأ أو اختار اختياراً مرجوحاً بل البلاء في أنه يغلط على عامة أهل العلم وينسب لهم ما ليس من مذاهبهم


والعجب أنه يكذب ابن قتيبة مع توثيقه لأبي عبد الرحمن السلمي محمد بن الحسين الذي كان يضع الحديث للصوفية ، وتوثيقه موجود في سؤالات السجزي له


بل الأعجب من ذلك كله تلك الأحاديث الباطلة والمنكرة التي استدرك بها على الشيخين فلو ذكرها في كتاب مجرد لكان ذلك عيباً فيه فكيف وهو يذكرها في كتاب صحيح ! بل ومستدرك على الصحيحين



قال ابن عبد الهادي في طبقات علماء الحديث (3/242) :" لو لم يصنف الحاكم المستدرك كان خيراً له ، فإنه غلط فيه غلطاً فاحشاً بذكره أحاديث ضعيفة وأحاديث موضوعة لا يخفى بطلانها على من له أدنى معرفة وتوثيقه جماعة ضعفهم في موضع آخر وذكر أنه تبين له جرحهم بالدليل "


وبعض الناس يعتذر له بأنه سود الكتاب واخترمته المنية قبل أن يبيض وهذا عذر غير قائم أبداً فإن الأحاديث الباطلة والمنكرة لا تذكر في الاستدراك على الصحيحين حتى في حال التسويد وإنما يذكر ما له علة خفية وفي حال التبييض يكتشف العلة


وهو حافظ فهو يعرف علل الأخبار من رأسه لا يحتاج في ذلك إلى كبير مراجع


وقد قال الحاكم نفسه في كتابه معرفة علوم الحديث ص96 :" وهذا حديث تداوله الثقات هكذا ، وهو في الأصل معلول واه ، ففي هذه الأحاديث الثلاثة قياس على ثلاث مائة أو ثلاثة آلاف أو أكثر من ذلك ، إن الصحيح لا يعرف بروايته فقط ، وإنما يعرف بالفهم والحفظ وكثرة السماع ، وليس لهذا النوع من العلم عون أكثر من مذاكرة أهل الفهم والمعرفة ليظهر ما يخفى من علة الحديث ، فإذا وجد مثل هذه الأحاديث بالأسانيد الصحيحة غير مخرجة في كتابي الإمامين البخاري ومسلم لزم صاحب الحديث التنقير ، عن علته ، ومذاكرة أهل المعرفة به لتظهر علته"


فهو هنا يقرر أن الحديث الذي رجاله رجال الصحيح ويكون خارج الصحيحين لا بد أن تكون له علة خفية علمها من علمها وجهلها من جهلها فأين كان علمه هذا عندما صنف المستدرك ؟


فالأمر كما قال الذهبي في بعض المناسبات وهو يتعقب الحاكم ( فما أجهلك على سعة معرفتك )


وقد ذكر الخطيب البغدادي أن أهل العلم رفضوا مستدرك الحاكم لذكره حديث الطير فيه


وقد كان الحاكم منحرفاً عن معاوية وذويه يصرح بذلك ولا يكتمه كما قال ابن الصلاح ، ومما يدل على تجلده في بغض معاوية أنه مع تصحيحه لكل تلك الأحاديث الباطلة والمنكرة لم يصحح حديثاً واحداً في فضل معاوية مع أن الأسانيد التي رويت بها تلك الأحاديث خير من كثير من أسانيد المستدرك التي اعتمدها الحاكم


فإن قال قائل : كيف يكون من يثبت العلو جهمياً ؟


فيقال : نعم يكون جهمياً فهذا الإمام أحمد حكم على أبي ثور بأنه جهمي مع كونه يخالف الجهمية في العلو والكلام وعامة الصفات ، وقد ذكر ابن تيمية أن اللفظية والواقفة يثبتون العلو وغيرها من الصفات ، ولو كانوا ينكرون العلو لما كلف الناس بهم من أجل اللفظ ولذكروا العلو مع اللفظ


وقال ابن تيمية في النبوات ص268 :" وكان سبب ذلك أنّهم كانوا كلابيّة يقولون: إنّه لا يتكلّم بمشيئته وقدرته، بل كلامه المعيّن لازمٌ لذاته أزلاً وأبداً ، كان ابن خزيمة وغيره على القول المعروف للمسلمين وأهل السنّة: أنّ الله يتكلّم بمشيئته وقدرته، وكان قد بلغه عن الإمام أحمد أنّه كان يذمّ الكلابيّة، وأنّه أمر بهجر الحارث المحاسبي لما بلغه أنه على قول ابن كلاب. وكان يقول: حذروا عن حارث الفقير؛ فإنّه جهميّ. واشتهر هذا عن أحمد "


فهذا بين في أن الإمام أحمد يحكم على الكلابية بأنهم جهمية


وابن كلاب كان يثبت العلو والصفات الذاتية وكان ينكر الصفات الفعلية وكذا كان الأشعري بل إن الأشعري لا ينقل عنه قولان في الصفات الذاتية فهو يثتبتها منذ ترك المعتزلة ، وظهر الخلاف بينه وبين ابن كلاب في القدر فالأشعري جبري .

وفي الإيمان الأشعري على مذهب جهم وابن كلاب على مذهب أهل الرأي


وليعلم أن طريقة الكلابية في الإثبات محدثة فإنهم يقولون ( يد ليست بجارحة ) و ( عين ليست بحدقة )


وسار على طريقة ابن كلاب في الصفات الباقلاني وابن فورك غير أن ابن فورك أحدث أمراً جديداً فقال أن الصفات الذاتية التي ثبتت في الأحاديث الآحادية التي لا أصل لها في القرآن لا يقال بها وتبعه على ذلك البيهقي


وهؤلاء جميعاً يثبتون العلو ، وتأثر بطريقتهم أبو يعلى الحنبلي وابن عقيل


ثم جاء أبو المعالي الجويني فاقترب بالقوم إلى المعتزلة فأنكر كل الصفات إلا سبعة مع اعترافه بأن من تقدمه يثبتون الوجه واليدين والعينين ( ونقل نصه ابن تيمية في التسعينية )


وقد كان الجويني يسفه من قول الأشعري في القدر ويقول أنه لا يرتضيه عاقل لنفسه ( وقد نقل الزركشي نصه في البحر المحيط ) ، وسبب انفصاله إلى ذلك تأثره بمقالة الجبائيين ، مع قلة معرفته بالآثار


وقد قال بأن المعول على العقل فقط في مسائل الأصول ، وتبعه على ذلك ابن العربي والباجي غير أنه تناقض وقال بأن تنزيه الله عن النقائص معلوم من جهة السمع وسجل عليه هذا التناقض ابن العربي في قانون التأويل ، ومثله تناقض متأخري الأشاعرة في إثباتهم السمع والبصر من جهة السمع إذ لا يوجد دليل عقلي على أصولهم يثبت هاتين الصفتين لذا اقترح القرضاوي عليهم موافقة المعتزلة في تأويلها بالعلم !


ثم ظهر الغزالي وأدخل المنطق على علم الكلام وأدخل القبورية والتصوف وسبب ذلك أنه نظر في كتب الفلاسفة ، وقد كان تلميذه ابن العربي يذمه لذلك بل هجاه بقصيدة قاسية ذكرها ابن تيمية في التسعينية


ثم ظهر الرازي وقال بأن الأدلة السمعية لا تفيد القطع بحال بل اشترط لذلك شروطاً لا تتوفر في نص فجنح إلى طريقة طريقة المعتزلة أعظم توقيراً للنصوص منها ، وأعظم السفسطة جداً في التشغيب على أهل الحق ، واختار الانتصار لمذهبه بطريقة فلسفية محضة لا تمت بصلة للأخبار ولا حتى لأصول المتكلمين القدماء


وعامة الأشاعرة المتأخرين كأمثال ابن دقيق العيد والنووي والسيوطي وابن حجر مائلون إلى طريقة الجويني والغزالي والرازي الذين هم غلاة الأشعرية وهم مفارقون لطريقة الباقلاني وابن فورك والأشعري نفسه مع ميل ابن حجر أحياناً لطريقة متقدمي الأشعرية


وليس في هؤلاء من خالف عقد الأشعري في القدر كما فعل الجويني


وفي هذا الزمان صار يقال عن غلاة الأشعرية ( فيه أشعرية ) ولو نظرت في عقيدته لوجدت عقيدة ابن كلاب أحسن من عقيدته


وقد حكم الإمام أحمد على الحارث المحاسبي الذي هو خيرٌ من هؤلاء جميعاً بأنه جهمي بل حكم بهذا الحكم على أبي ثور فأين اتباع السلف الذي يدعون ؟


وقال حرب الكرماني في مسائله (3/ 1125) : حدثنا إبراهيم بن الحارث، قال: سألتُ أبا عبد الله أحمد بن حنبل قلت: يا أبا عبد الله يكون من أهل السنّة من قال: لا أقول القرآن مخلوق، ولا أقول: ليس بمخلوق؟ قال: ولا، لا كرامة، لا يكون من أهل السنّة، قد بلغني عن ذاك الخبيث ابن معول أنه يقول بهذا القول، وقد فتن به ومن كثير من أهل البصرة.


فهنا أحمد يصرح بإخراج الواقفي من السنة فكيف بمن ينكر الصفات إنكاراً صريحاً حتى يتعدى إنكاره إلى صفة الكلام وصفة العلو وصفة النزول وغيرها من الصفات التي تواترت النصوص بها


وأولئك أحسن أحوالهم التفويض فهذا قول أحمد فيمن فوض صفة واحدةً فكيف بمن كان منهجه التفويض في كل الصفات ؟!


والأشاعرة يريدون خداع الناس في زعمهم أن متقدميهم ومتأخريهم على عقيدة واحدة والحق أن المتقدمين مجسمة عند المتأخرين والمتأخرين معتزلة جهمية عند المتقدمين وقد صرح ابن تيمية في شرح الأصبهانية أن اعتقاد الأصبهاني لا يختلف عن اعتقاد المعتزلة البصريين

ولهذا لما أخلص السقاف في اتباع المتأخرين صار يقول ( الباقلاني المجسم ) و ( البيهقي المجسم )


فإن قلت : ذكرت عقيدة الحاكم نقلاً عن كتاب ابن الصلاح فما عقيدة ابن الصلاح ؟


أقول : الذي يظهر ميله إلى الأشعرية والتصوف وما نقله شيخ الإسلام عنه من ذم الآمدي يبدو أنه محمول على غلو الآمدي في علم الكلام بما لا يعجب ابن الصلاح



قال ابن الصلاح في كتابه طبقات الفقهاء الشافعية ص254 :" وَغير خَافَ اسْتغْنَاء الْعلمَاء والعقلاء - قبل وَاضع الْمنطق أرسطاطاليس وَبعده - ومعارفهم الجمة عَن تعلم الْمنطق، وَإِنَّمَا الْمنطق عِنْدهم - بزعمهم - آلَة صناعية تعصم الذِّهْن من الْخَطَأ، وكل ذِي ذهن صَحِيح منطقي بالطبع، فَكيف غفل الْغَزالِيّ عَن حَال شَيْخه إِمَام الْحَرَمَيْنِ فَمن قبله من كل إِمَام هُوَ لَهُ مقدم، ولمحله فِي تَحْقِيق الْحَقَائِق رَافع لَهُ ومعظم، ثمَّ لم يرفع أحد مِنْهُم بالْمَنْطق رَأْسا، وَلَا بنى عَلَيْهِ فِي شَيْء من تَصَرُّفَاته أسا، وَلَقَد أَتَى بخلطه الْمنطق بأصول الْفِقْه بِدعَة عظم شؤمها على المتفقهة حَتَّى كثر - بعد ذَلِك - فيهم المتفلسفة، وَالله الْمُسْتَعَان"


فهو هنا يثني على إمام الحرمين في الإمامة في باب الاعتقاد ويأسف على الغزالي إذ لم يتبع شيخه !


قال شيخ الإسلام كما في الفتاوى الكبرى (6/617) :" ولا ريب أن سبب هذا كله ضعف العلم بالآثار النبوية والآثار السلفية وإلا فلو كان لأبي المعالي وأمثاله بذلك علم راسخ وكانوا قد عضوا عليه بضرس قاطع لكانوا ملحقين بأئمة المسلمين لما كان فيهم من الاستعداد لأسباب الاجتهاد ولكن اتبع أهل الكلام المحدث والرأي الضعيف للظن وما تهوى الأنفس الذي ينقض صاحبه إلى حيث جعله الله مستحقا لذلك وإن كان له من الاجتهاد في تلك الطريقة ما ليس لغيره فليس الفضل بكثرة الاجتهاد ولكن بالهدى والسداد كما جاء في الأثر : « ما ازداد مبتدع اجتهادا إلا ازداد من الله بعدا » وقد قال النبي صلى الله عليه و سلم في الخوارج : [ يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم وقراءته مع قراءتهم يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية ]"


وهذا كلام حسن وهو واضح في أن أبا المعالي لا يعد في أئمة المسلمين بل تصريح بتنزيل آثار السلف في المبتدعة عليه


ومع ذم ابن الصلاح لبعض صنيع الغزالي فقد أثنى عليه وأطراه إطراء عظيماً


قال ابن الصلاح في كتابه المذكور ص261 :" وَأخذ فِي تصنيف تصانيفه الَّتِي لم يسْبق إِلَيْهَا، ك: " إحْيَاء عُلُوم الدّين "، والكتب المختصرة مِنْهَا، ك: " الْأَرْبَعين "، وَغَيرهَا من الرسائل، وَشرع فِي مجاهدة النَّفس، وتهذيب الْأَخْلَاق، فَأَدْبَرَ شَيْطَان الرعونة والرئاسة، وتبدلت الْأَخْلَاق الذميمة بالأخلاق الحميدة، وَسُكُون النَّفس، وكرم الْخلق، والتخلي من التزينات والرسوم، وَقصر الأمل، ووقف الْوَقْت على هِدَايَة الْخلق، والاستعداد للرحيل، والانتباه لكل من تشم مِنْهُ رَائِحَة الْمعرفَة، والاستضاءة بِشَيْء من أنوار الْمُشَاهدَة، ومرن على ذَلِك وَاسْتمرّ رَحمَه الله، ثمَّ إِنَّه عَاد إِلَى وَطنه، فلازم بَيته وَمكث كَذَلِك مُدَّة، وَظَهَرت تصانيفه، وفشت تآليفه، وَلَا أحد يعْتَرض عَلَيْهِ فِيمَا هُوَ فِيهِ أَو يناقضه حَتَّى انْتَهَت نوبَة الوزارة إِلَى فَخر الْملك بن نظام الْملك رَحمَه الله من تَرْتِيب خُرَاسَان بدولته، وَقد سمع بمَكَان الْغَزالِيّ، وَكَمَال فَضله، ونقاء سَرِيرَته، فحضره متبركا بِهِ، وَسمع كَلَامه، فَسَأَلَهُ أَن لَا يدع أنفاسه عقيمة، لَا يتْرك فَوَائده لَا اقتباس من أنوارها، وألح عَلَيْهِ كل الإلحاح، فَأَجَابَهُ إِلَى الْخُرُوج إِلَى نيسابور، فَقَدمهَا وألي التدريس بِالْمَدْرَسَةِ النظامية بهَا، فَلم يجد بدا من الإذعان للولاة، فَفعل وَنوى بِهِ الْهِدَايَة والإفادة دون العودة إِلَى مَا انخلع عَنهُ وتحرر من رقّه من طلب الجاه، ومكايدة المعاندين، ثمَّ إِنَّه قصد، وتصدى للوقوع فِيهِ والطعن فِيمَا يَأْتِي ويذر، وَتعرض للسعاية بِهِ والتشنيع عَلَيْهِ فَمَا تأثر بذلك، وَلَا أظهر لَهُم استيحاشا لغميزة المخلطين"


حتى  قال :" توفّي رَحمَه الله بطوس صَبِيحَة يَوْم الِاثْنَيْنِ، التَّاسِع عشر من جُمَادَى الْآخِرَة، سنة خمس وَخمْس مئة، رَضِي الله عَنهُ وأرضاه، وَجعل الْجنَّة مَأْوَاه بِمُحَمد وَآله"


فهنا يترحم عليه ويترضى مع ما في كتابه الإحياء من وحدة وجود وقبورية وبلاء عظيم ويتوسل ابن الصلاح بالنبي صلى الله عليه وسلم وآله !


وقال ابن الصلاح في كتابه المذكور ص357:" وعَلى الشَّيْخ أبي حَامِد تَأَول بعض الْعلمَاء حَدِيث أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " إِن الله عز وَجل يبْعَث لهَذِهِ الْأمة على رَأس كل مئة سنة من يجدد لَهَا دينهَا ".

وَكَانَ على رَأس المئة الأولى عمر بن عبد الْعَزِيز، وَفِي الثَّانِيَة الشَّافِعِي، قَالَ هَذَا الْقَائِل: وَفِي رَأس الثَّالِثَة أَبُو الْعَبَّاس ابْن سُرَيج، وَفِي رَأس الرَّابِعَة أَبُو حَامِد الإِسْفِرَايِينِيّ"


فهو يعده مجدداً أيضاً ويعد الاسفراييني الذي ينكر كرامات الأولياء معه !


 قال ابن الصلاح فتاويه ص130 :" عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَنه روى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن الله عز وَجل يبْعَث لهَذِهِ الْأمة على رَأس كل مائَة سنة من يجدد لَهَا دينهَارَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سنَنه ثمَّ ذكر بِإِسْنَادِهِ عَن الإِمَام أَحْمد بن حَنْبَل رَحمَه الله وَغَيره أَنه كَانَ فِي الْمِائَة الأولى عمر بن عبد الْعَزِيز وَفِي الثَّانِيَة الإِمَام الشَّافِعِي رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ وَعَن غير أَحْمد وَكَانَ على رَأس الْمِائَة الثَّالِثَة أَبُو الْحسن الْأَشْعَرِيّ وَقَالَ بَعضهم بل هُوَ أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن عمر بن شُرَيْح الْفَقِيه وَكَانَ على رَأس الْمِائَة الرَّابِعَة ابْن الباقلاني القَاضِي أَبُو بكر وَقيل أَبُو الطّيب سهل بن مُحَمَّد الصعلوكي وَكَانَ على رَأس الْمِائَة الْخَامِسَة أَمِير الْمُؤمنِينَ المسترشد بِاللَّه قَالَ الْحَافِظ بن عَسَاكِر رَحمَه الله وَعِنْدِي أَن الَّذِي كَانَ على رَأس الْخمس مائَةالإِمَام أَبُو حَامِد مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد الْغَزالِيّ الطوسي الْفَقِيه لِأَنَّهُ كَانَ عَالما فَقِيها فَاضلا أصوليا كَامِلا مصنفا عَاقِلا انْتَشَر ذكره بِالْعلمِ فِي الْآفَاق وبرز على من عاصره بخراسان وَالشَّام وَالْعراق"


وهذا يؤكد أشعريته بيقين


وقال ابن الصلاح في ترجمة أبي القاسم القشيري :" 211 - عبد الْكَرِيم بن هوَازن [376 - 465]

ابْن عبد الْملك بن طَلْحَة بن مُحَمَّد، الْأُسْتَاذ أَبُو الْقَاسِم الْقشيرِي.

الْفَقِيه الصُّوفِي، المفتن فِي الْعُلُوم، صَاحب " الرسَالَة إِلَى الصُّوفِيَّة " السائرة فِي أقطار الأَرْض.

ذكر أَبُو الْحسن عبد الغافر بن إِسْمَاعِيل الْفَارِسِي الْخَطِيب الأديب، ثمَّ غَيره، من خَبره مَا اختصاره، أَنه كَانَ إِمَامًا، فَقِيها، متكلماً، أصولياً، مُفَسرًا، مُحدثا، أديباً، نحوياً، كتابا، شَاعِرًا، وَكَانَ لِسَان عصره، وَسيد وقته، شيخ الْمَشَايِخ، وأستاذ الْجَمَاعَة، ومقصود سالكي الطَّرِيقَة، بنْدَار الْحَقِيقَة، وقطب السَّادة، حَقِيقَة الملاحة، جمع بَين عُلُوم الشَّرِيعَة والحقيقة، وَشرح أحسن الشَّرْح أصُول الطَّرِيقَة.

أَصله من أستوا من عمل نيسابور"


القشيري هذا هو صاحب الرسالة القشيرية التي نقضها شيخ الإسلام في الاستقامة ورسالته هذه فيها بلايا وطوام من تحسين للسماع المحدث وصحبة المردان وتقرير لاعتقاد الجهمية في الصفات مخالفة لمشايخ الطريق الذين بنى رسالته على أقوالهم ، وتحسين لترك الأسباب وتحسين لحب رؤية الناس على المعاصي واعتقاد الجبرية ،


يقول القشيري في بيان ما يجب على المريد: "وأن لا يخالف شيخه في كل ما يشير عليه لأن الخلاف للمريد في ابتداء حاله دليل على جميع عمره" (القشيرية ص182)

ويقول أيضاً:

"ومن شروطه أن لا يكون بقلبه اعتراض على شيخه" (القشيرية ص182).


ويقول القشيري أيضاً:

"وكل مريد بقي في قلبه شيء من عروض الدنيا مقدار وخطر فاسم الإرادة له مجاز وإذا بقي في قلبه اختيار فيما يخرج عنه من معلومه فيريد أن يخص به نوعاً من أنواع البر أو شخصاً دون شخص فهو متكلف في حاله وبالخطر أن يعود سريعاً إلى الدنيا لأن قصد المريد في حذف العلائق الخروج منها لا السعي في أعمال البر وقبيح بالمريد أن يخرج من معلومه من رأس ماله وقنيته ثم يكون أسير حرفة وينبغي أن يستوي عنده وجود ذلك وعدمه حتى لا ينافر لأجله فقيراً ولا يضايق به أحداً ولو مجوسياً" انتهى (القشيرية ص184).


ومن حماقة القشيري اعتماده على أبي عبد الرحمن السلمي محمد بن الحسين مع أن السلمي كان منافراً للأشعرية وكان يلعنهم والقشيري أشعري جهمي جلد ، وقد ألزمه ابن تيمية بنحو من هذا في الاستقامة ، بل ما نقله الكلاباذي من اعتقاد مشايخ الطريق ينافر كل المنافرة اعتقاد الجهمية الأشعرية


ومع كل هذه الضلالات من القشيري يطريه المعلمي في رسالته العبادة ويصفه بأنه من أئمة أهل السنة الجامعين بين الفقه والحديث والله المستعان في أمور أخرى في تلك الرسالة سكت عليها الشبراوي المحقق وعبد الله السعد المقدم والله المستعان



ومما يؤكد ميل ابن الصلاح إلى طريقة الصوفية المنحرفين


قوله في كتابه الطبقات  :" سَمِعت الشَّيْخ أَبَا نصر عبد السَّيِّد بن مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد ابْن الصّباغ الْفَقِيه يَقُول: حضرت عِنْد الْقزْوِينِي يَوْمًا، فَدخل عَلَيْهِ أَبُو بكر ابْن الرَّحبِي فَقَالَ لَهُ: أَيهَا الشَّيْخ، أَي شَيْء أَمرتنِي نَفسِي أخالفها؟ فَقَالَ لَهُ: إِن كنت مرِيدا فَنعم، وَإِن كنت عَارِفًا فَلَا. فَلَمَّا انكفأت من عِنْده فَكرت فِي قَوْله، وكأنني لم أصوبه أَو كَيفَ قَالَ هَذَا، فَرَأَيْت تِلْكَ اللَّيْلَة فِي مَنَامِي شَيْئا أزعجني، وَكَأن قَائِلا يَقُول لي: هَذَا بِسَبَب ابْن الْقزْوِينِي، يَعْنِي لما أخذت فِي نَفسك عَلَيْهِ، أَو كَمَا قَالَ.

قَالَ الشَّيْخ رَحمَه الله: ذَلِك لِأَن الْعَارِف ملك نَفسه فأمن عَلَيْهَا من أَن تَدعُوهُ إِلَى مَحْذُور، بِخِلَاف المريد، فَإِن نَفسه بِحَالِهَا أَمارَة بالسوء، فليخالفها كَذَلِك، وَالله أعلم"


فانظر إلى استخدامه لمصطلحات ( المريد ) و ( العارف ) كما سبق ذكر استخدامه لمصطلح ( الحقيقة ) و ( الشريعة )


وفي القرآن الكريم قول يوسف (وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ)


وعامة السلف على أن يوسف هو قائل هذه الكلمة ، فهل نفس هذا العارف أعلى من نفس نبي الله عليه الصلاة والسلام ؟


ويبدو أن ابن الصلاح كان يثبت العلو فإنه نقل كلام الخطابي في إثبات العلو وسكت عليه وليعلم أن كتاب ابن الصلاح كتبه النووي وله عليه إلحاقات ، غير أنه نقل كلاماً سيئاً للخطابي في تأويل صفة الحقو ودعوى الإجماع على ذلك


قال ابن أبي حاتم في العلل 2118- وسألتُ أبي عن تفسير حديث النبي صلى الله عليه وسلم الرحم شجنة من الرحمان وأنها آخذة بحقو الرحمان.

فقال : قال الزهري على رسول الله البلاغ ومنا التسليم.

قال أمروا حديث رسول الله على ما جاء وحدثت عن مُعْتمر بن سليمان ، عن أَبيه أَنه قال كانوا يكرهون تفسير حديث رسول الله بآرائهم كما يكرهون تفسير القرآن برأيهم.

وقال الهيثم بن خارجة سمعت الوليد بن مسلم يقول سألتُ.

الاوزاعي وسفيان الثوري ومالك بن أنس والليث بن سعد عن هذه الاحاديث التي فيها الصفة والرؤية والقرآن فقال أمروها كما جاءت بلا كيف.


فهذا يجعل إجماع الخطابي وابن الصلاح رماداً


ومما يؤخذ على ابن الصلاح قوله في كتابه المذكور ص239 :" قَالَ أَبُو سعد: أذكر أَنا فِي شهر رَمَضَان سنة ثَلَاثِينَ، حملنَا محفته على رقابنا إِلَى قبر مُسلم بن الْحجَّاج بنصراباذ لإتمام " الصَّحِيح " عِنْد قبر المُصَنّف، فَبعد أَن فرغ الْقَارئ من قِرَاءَة الْكتاب بَكَى، ودعا، وأبكى الْحَاضِرين، وَقَالَ: لَعَلَّ هَذَا الْكتاب لَا يقْرَأ عَليّ بعد هَذَا، قَالَ: وَمَا قرئَ عَلَيْهِ بعد ذَلِك كَمَا جرى على لِسَانه رَحمَه الله تَعَالَى"


وتحري ختم الكتاب عند قبر المصنف بدعة قبيحة


وهناك أمور أخرى تؤخذ على هذا الكتاب في غير باب العقيدة


فمن ذلك حشره لزمرة من المجتهدين في طبقات الشافعية كذكره ابن مهدي واللطيف أن المالكية يدعون ابن مهدي أيضاً وذكره أبا ثور ومعلوم أنه له مذهب خاص ، وذكره ابن جرير الطبري ومعلوم أنه له مذهب خاص والمنتسب إليه ( جريري )


وذكر الجنيد في الشافعية ومعلوم أن الجنيد كان يفتي على مذهب أبي ثور ، وذكر أبا تراب النخشبي في الشافعية ومعلوم أن النخشبي لم يكن له اشتغال بالفقه أبداً حتى يكون من فقهاء مذهب معين


وذكر ابن خزيمة وابن حبان في الشافعية وطريقتهما في الفقه الاجتهاد كما هو ظاهر من كتابيهما وميلهما إلى الشافعية في عدد من المقالات التي اختلف فيها أهل الرأي وأهل الحديث هو دأب الناس آنذاك ، وظاهر كلام ابن حبان مخالفة الشافعي في الجهر بالبسملة وفي القنوت في الفجر وهذان القولان من أضعف ما وقع للشافعي فما تابعه عليهما علم أنه يقلده


وأهمل ابن الصلاح ذكر القاسم بن سلام وذكره في الشافعية أولى من ذكر أبي ثور والطبري فهو أقل مخالفة للشافعي منهما بل أخذوا كثرة نقله من كتب الشافعي في مصنفاته


وقد ذكر ابن القيم في الوابل تأويل ابن الصلاح لصفة الاستطابة ورد عليه


ثم وقفت على نصين لابن الصلاح ظاهرهما اعتقاده لاعتقاد المفوضة الذين هم من شر أهل الإلحاد كما قال شيخ الإسلام


    جاء فى كتاب فتاوى ابن الصلاح

    مَسْأَلَة رجلَانِ تشاجرا فِي قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ينزل ربكُم فِي كل لَيْلَة إِلَى سَمَاء الدُّنْيَا الحَدِيث بِتَمَامِهِ
    فَقَالَ أَحدهمَا ينزل وَكَذَا فِي جَمِيع الصِّفَات وَجَمِيع الْآيَات وَالْأَخْبَار لَا تتأول وكل وَاحِد يَدعِي الصِّحَّة فِي قَوْله
    أجَاب     الَّذِي عَلَيْهِ الصالحون من السّلف وَالْخلف رَضِي الله عَنهُ الِاقْتِصَار فِي ذَلِك وَأَمْثَاله على الْإِيمَان الْجملِي بهَا والإعراض عَن الْخَوْض فِي مَعَانِيهَا مَعَ اعْتِقَاد التَّقْدِيس الْمُطلق وانه لَيْسَ مَعْنَاهَا مَا يفهم من مثلهَا فِي حق الْمَخْلُوق وَالله أعلم

تصريحه بعدم الخوض في المعاني تفويض بين وإنما يترك الخوض في الكيفية
    وجاء ايضا فى فتاوى  ابن الصلاح
    مَسْأَلَة طَائِفَة يَعْتَقِدُونَ أَن الْحُرُوف الَّتِي فِي الْمُصحف قديمَة وَالصَّوْت الَّذِي يظْهر من الْآدَمِيّ حَالَة الْقِرَاءَة قديم كَيفَ يحل هَذَا وَمذهب السّلف بِخِلَاف هَذَا وَمذهب أَرْبَاب التَّأْوِيل يُخَالف هَذَا وَالْمرَاد أَن يفرق الانسان بَين الصّفة الْقَدِيمَة وَالصّفة المحدثة حَتَّى لَا يتَطَرَّق إِلَى النَّفس وَالْعقل بِسَبَبِهِ أَن يفض إِلَى الضلال أعاذنا الله من ذَلِك    بينوا لنا هَذَا بِالدَّلِيلِ الْعقلِيّ وَالدَّلِيل الشَّرْعِيّ

    أجَاب الَّذِي يدين بِهِ من يَقْتَدِي بِهِ من السالفين والخالفين وَاخْتَارَهُ عباد الله الصالحون أَن لَا يخاض فِي صِفَات الله تَعَالَى بالتكييف وَمن ذَلِك الْقُرْآن الْعَزِيز فَلَا يُقَال تكلم بِكَذَا وَكَذَا بل يقْتَصر فِيهِ على مَا اقْتصر عَلَيْهِ السّلف رَضِي الله عَنْهُم    الْقُرْآن كَلَام الله منزل غير مَخْلُوق وَيَقُولُونَ فِي كل مَا جَاءَ من المتشابهات آمنا بِهِ مقتصرين عَليّ الْإِيمَان جملَة من غير تَفْضِيل وتكييف ويعتقدون على الْجُمْلَة أَن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَهُ فِي كل ذَلِك مَا هُوَ الْكَمَال الْمُطلق من كل وَجه ويعرضون على الْخَوْض خوفًا من أَن تزل قدم بعد ثُبُوتهَا فبهم فاقتدوا تسلموا
    وَإِلَى هَذِه الطَّرِيق رَجَعَ كثير من كبار الْمُتَكَلِّمين المصنفين بعد أَن امتعضوا مِمَّا نالهم من آفَات الْخَوْض فمهما ورد عَلَيْكُم شَيْء من هَذِه الْمسَائِل فقد اعْتقد فِيهَا لله تَعَالَى مَا هُوَ الْكَمَال الْمُطلق والتنزيه الْمُطلق وَلَا أخوض فِيمَا وَرَاءه يجزيني الْإِيمَان الْمُرْسل والتصديق الْمُجْمل وَالله أعلم
وهذا ظاهر في توقفه في مسألة الحرف والصوت وهذا ما مال إليه الغزالي بآخره

فقوله ( فَلَا يُقَال تكلم بِكَذَا وَكَذَا ) يعني لا يقال ( تكلم بحرف وصوت ) كما قال السلف



قال عبد الله في السنة 462 - حدثني أبي رحمه الله ، نا سريج بن النعمان ، نا عبد الله بن نافع ، قال : كان مالك بن أنس يقول : « الإيمان قول وعمل ، ويقول : كلم الله موسى ، وقال مالك : الله في السماء وعلمه في كل مكان لا يخلو منه شيء » « سألت أبي رحمه الله عن قوم ، يقولون : لما كلم الله عز وجل موسى لم يتكلم بصوت فقال أبي : » بلى إن ربك عز وجل تكلم بصوت هذه الأحاديث نرويها كما جاءت «


وقد صح عن أحمد تجهيم وتكفير من قال بإنكار الصوت



وما ذكرته عن عقيدة الحاكم وابن الصلاح يبين أمراً مهماً وهو أنه لا ينبغي التسرع بالشهادة للناس بالسلفية لمجرد أنك رأيت له كلاماً حسناً في بعض المواطن أو ثناءً لبعض المؤرخين عليه فهم يثنون على أكثر الناس


بل الأمر كما قال البربهاري من أنه لا ينبغي أن تشهد لأحد بالسنة حتى تجتمع فيه خصال السنة


فهذا أبو إسماعيل الهروي من نظر في كتابه ذم الكلام جزم بأنه من أئمة الإسلام ، ولكنك إذا نظرت في منازل السائرين ظننت أن الرجل غير الرجل


قال الذهبي في تاريخ الإسلام (7/ 358) :" خرّج أبو إسماعيل خلقاً كثيراً بهراة، وفسر القرآن زماناً، وفضائله كثيرة. وله في السّوق كتاب " منازل السّائرين " وهو كتاب نفيس في التصّويف، ورأيت الاتّحادية تعظّم هذا الكتاب وتنتحله، وتزعم أنّه على تصوفهم الفلسفيّ.

وقد كان شيخنا ابن تيمية بعد تعظيمه لشيخ الإسلام يحطّ عليه ويرميه بالعظائم سبب ما في هذا الكتاب. نسأل اللّه العفو"


ومن العظائم التي رماه بها قوله عنه بأنه من غلاة الجبرية وأن له كلاماً في إسقاط الأمر والنهي ، وأنه في كلامه الفناء البدعي بل قول الاتحادية


وقد كان بعض الناس يعتذر لسيد قطب ويقيسه على الهروي ( وشتان بين الرجلين ) ، فبعد موقف شيخ الإسلام هذا يفسد القياس من أساسه


وإنني لأعجب من هذا السخاء في الحكم لأهل البدع بالسنة حتى صار الصوفي الخرافي وصاحب الرأي المرجيء الذي يرى السيف ويتجهم من أهل الحديث ومن يخالفهم في كل هذا وينصر مقالة أهل السنة مبتدعاً !

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي