مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: باب فيما أثبته الجهمية من العقائد بأخبار آحاد أو آثار

باب فيما أثبته الجهمية من العقائد بأخبار آحاد أو آثار



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :

فمعلوم دعوى الزنادقة من الجهمية عدم الأخذ بأخبار الآحاد في مسائل الاعتقاد ، وهذه في الواقع دعوى غير صحيحة فعامتهم يثبت لله أسماء بأخبار آحادية ويثبتون عقائد عديدة بأخبار آحادية وإنما يستخدمون هذه القاعدة في مقابل بعض أخبار الصفات وهذه الأخبار لا تختلف أبداً عما في القرآن من نصوص الصفات

وإمعاناً في الرد عليهم وبيان تناقضهم أذكر لك عقائد أثبتوها بلا أدلة أو بأدلة مختلف في صحتها أو آثار أو أخبار آحادية

قال السيوطي في كتابه الحبائك ص275 :" مسألة:
ذكر الإمام أبو منصور الماتريدي في عقيدته: أن الرسل أوحى إليهم بجبريل، والأنبياء أوحى إليهم بملك آخر"

أقول : ولا دليل على هذه العقيدة البتة

وقال الغزنوي في رسالته في أصول الدين وهو ماتردي :" اخْتلف النَّاس فِي عدد الْحفظَة
قَالَ بَعضهم أَرْبَعَة اثْنَان بِالنَّهَارِ وَاثْنَانِ فِي اللَّيْل وَهُوَ الصَّحِيح"

وهذا الباب فيه أثر مروي عن بعض السلف فحسب

قال الغزالي في الأسنى :" بل كل قَطْرَة من مَاء فمعها ملك حَافظ يحفظها عَن الْهَوَاء المضاد لَهَا فَإِن المَاء إِذا جعل فِي إِنَاء وَترك مُدَّة اسْتَحَالَ هَوَاء وسلب الْهَوَاء المضاد لَهُ صفة المائية عَنهُ وَلَو غمست الإصبع فِي مَاء ورفعتها ونكستها تدلت مِنْهَا قَطْرَة مَاء تبقى منكسة لَا تنفصل مَعَ أَن من شَأْنهَا الْهَوِي إِلَى أَسْفَل وَلكنهَا لَو انفصلت وَهِي صَغِيرَة استولى الْهَوَاء عَلَيْهَا وأحالها وَلَا تزَال تمكث متدلية حَتَّى يجْتَمع إِلَيْهَا بَقِيَّة البلل فتكبر القطرة فتستجري على خرق الْهَوَاء بِسُرْعَة وَلَا يستولي الْهَوَاء على إحالتها وَلَيْسَ ذَلِك حفظا مِنْهَا لنَفسهَا عَن معرفَة بضعفها وَقُوَّة ضدها وحاجة استمدادها من بَقِيَّة البلل وَإِنَّمَا ذَلِك حفظ من ملك مُوكل بهَا بِوَاسِطَة معنى مُتَمَكن من ذَاتهَا وَقد ورد فِي الْخَبَر أَنه لَا تنزل قَطْرَة من الْمَطَر إِلَّا وَمَعَهَا ملك يحفظها إِلَى أَن تصل إِلَى مستقرها من الأَرْض وَذَلِكَ حق والمشاهدة الْبَاطِنَة لأرباب البصائر قد دلّت عَلَيْهِ وأرشدت إِلَيْهِ فآمنوا بالْخبر لَا عَن تَقْلِيد بل عَن بَصِيرَة"

وهذه العقيدة ذكرها البربهاري أيضاً في شرح السنة وعمدتها على الآثار الموقوفة على بعض التابعين

وقال الغزالي في المقصد الأسنى :" وَإِذا قوي فهمك على إِدْرَاك حكمته فَاعْلَم أَن الشَّمْس أَيْضا لم يخلقها فِي السَّمَاء الرَّابِعَة وَهِي وَاسِطَة السَّمَوَات السَّبع هزلا"

فهذا حجة إسلامهم يعتقد أن الله خلق الشمس في السماء الرابعة ولا دليل على هذا البتة فيما أعلم

وقال الجاحظ في كتاب الحيوان له :" وقد جاء في الخبر أنّ من الملائكة من هو في صورة الرّجال، ومنهم من هو في صورة الثّيران، ومنهم من هو في صورة النسور. ويدلّ على ذلك تصديق النبى صلّى الله عليه وسلّم لأميّة بن أبي الصّلت، حين أنشد [1] : [من الكامل]
رجل وثور تحت رجل يمينه ... والنّسر للأخرى وليث مرصد
قالوا: فإذ قد استقام أن تختلف صورهم وأخلاط أبدانهم، وتتفق عقولهم وبيانهم واستطاعتهم، جاز أيضا أن يكون إبليس والشّيطان والغول أن يتبدلوا في الصّور من غير أن يتبدلوا في العقل والبيان والاستطاعة.
قالوا: وقد حوّل الله تعالى جعفر بن أبي طالب طائرا، حتى سماه المسلمون الطّيّار [2] ، ولم يخرجه ذلك من أن نراه غدا في الجنة، وله مثل عقل أخيه علي رضي الله عنهما، ومثل عقل عمه حمزة رضي الله تعالى عنه، مع المساواة بالبيان والخلق"

واعتقاد أن حملة العرش منهم من على صورة ثور ومنهم من على صورة أسد ومنهم من على صورة نسر ومنهم من على صورة رجل ، والذي أثبته الجاحظ وارد في حديث مرفوع انفرد به ابن إسحاق وذكروا عامة المفسرين حتى الجهمية منهم دون نكير وقد صح هذا القول عن هشام بن عروة

وليس معنى هذا أنهم ثور ونسر حقاً بل هم ملائكة يشبهون هذه المخلوقات

قال الطبري في تفسيره :" والمعنى عندنا: كالجذوع، لأنه لم يرد أن يجعل للجذوع مَثَلا ثمّ يشبه القتلى به. قال: ومثله قول أمية:
زُحَلٌ وَثَوْرٌ تَحْتَ رِجْلِ يَمِينِهِ ... وَالنَّسْرُ لِلأخْرَى وَلَيْثٌ مُرْصِدُ"

وقال الكلاباذي وهو صوفي من أهل الرأي في كتابه بحر الفوائد :" مَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَامِدٍ الْقَوَارِيرِيُّ قَالَ: ح حَامِدُ بْنُ سَهْلٍ قَالَ: ح هَنَّادُ بْنُ السَّرِيُّ قَالَ: ح عَبْدَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ [ص:361]، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: صَدَّقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَيَّةَ بْنَ أَبِي الصَّلْتِ فِي بَيْتَيْنِ مِنْ شَعْرِهِ قَالَ:
[البحر الطويل]
زُحَلٌ وَثَوْرٌ تَحْتَ رِجْلِ يَمِينِهِ ... وَالنَّسْرُ لِلْأُخْرَى وَلَيْثٌ مَرْصَدُ
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صَدَقَ» قَالَ، وَقَالَ:
وَالشَّمْسُ تَطْلُعُ كُلَّ آخِرِ لَيْلَةٍ ... حَمْرَاءَ يُصْبِحُ لَوْنُهَا يَتَوَرَّدُ
فَقَالَ قَائِلٌ:
تَأْبَى فَمَا تَطْلُعُ لَنَا فِي رِسْلِهَا ... إِلَّا مُعَذَّبَةً وَإِلَّا تُجْلَدُ
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صَدَقَ» . فَلَمَّا كَانَتِ الصُّورَةُ صُورَةَ أَسَدٍ، وَثَوْرٍ، وَنَسْرٍ، وَإِنْسَانٍ، وَهُوَ مَلَكٌ بَانَ أَنَّ الْمَلَكَ لَمْ يَكُنْ مَلَكًا لِلصُّورَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ مَلَكٌ بِخَاصِّيَّةِ الَّذِي هُوَ خَاصِّيَّةٌ، وَالْإِنْسَانُ إِنْسَانٌ بِخَاصِيَّتِهِ وَصُورَتِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يَأْتِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى صُورَةِ دِحْيَةَ الْكَلْبِيِّ، وَهُوَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصُورَتِهِ الَّتِي هِيَ صُورَتُهُ كَمَا شَاءَ مِنْ عِظَمِ خَلْقِهِ، وَعَجَبِ صُورَتِهِ"

وقال البيهقي الأشعري في الأسماء والصفات :" فَهَذَا حَدِيثٌ يَتَفَرَّدُ بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ بِإِسْنَادِهِ هَذَا، وَإِنَّمَا أُرِيدَ بِهِ مَا جَاءَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الْكُرْسِيَّ يَحْمِلُهُ أَرْبَعَةُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، مَلَكٌ فِي صُورَةِ رَجُلٍ، وَمَلَكٌ فِي صُورَةِ أَسَدٍ، وَمَلَكٌ فِي [ص:208] صُورَةِ ثَوْرٍ، وَمَلَكٌ فِي صُورَةِ نَسْرٍ، فَكَأَنَّهُ ـ إِنْ صَحَّ ـ بَيَّنَ أَنَّ الْمَلَكَ الَّذِي فِي صُورَةِ رَجُلٍ وَالْمَلَكَ الَّذِي فِي صُورَةِ ثَوْرٍ يَحْمِلَانِ مِنَ الْكُرْسِيِّ مَوْضِعَ الرِّجْلِ الْيُمْنَى، وَالْمَلَكُ الَّذِي فِي صُورَةِ النَّسْرِ وَالَّذِي فِي صُورَةِ الْأَسَدِ وَهُوَ اللَّيْثُ يَحْمِلَانِ مِنَ الْكُرْسِيِّ مَوْضِعَ الرِّجْلِ الْأُخْرَى، أَنْ لَوَ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ ذَا رِجْلَيْنِ"

وقد صحح ابن فورك هذا الخبر وتأوله في كتابه مشكل الحديث

وقد صحح هذا الحديث بدر الدين العيني الماتردي في كتابه نخب الأفكار

متابعاً للطحاوي الذي ثبته وكم شنع الضلال على ابن تيمية تضعيفه لحديث رد الشمس على علي بعد تصحيح الطحاوي له فما عساهم يقولون في هذا الآن

وقال بدر الدين العيني في كتابه المذكور :" فقوائمه الأربعة علي كواهل الأربعة من الملائكة بهذه الصورة"

وقال ولي الله الدهلوي في حجة الله البالغة :" وَتَحْقِيق هَذَا أَن أهل الْجَاهِلِيَّة كَانُوا يَزْعمُونَ أَن حَملَة الْعَرْش أَرْبَعَة أَمْلَاك، أحدهم فِي صُورَة الْإِنْسَان، وَهُوَ شَفِيع بني آدم عِنْد الله، وَالثَّانِي فِي صُورَة الثور، وَهُوَ شَفِيع الْبَهَائِم، وَالثَّالِث فِي صُورَة النسْر، وَهُوَ شَفِيع الطُّيُور، وَالرَّابِع فِي صُورَة الْأسد، وَهُوَ شَفِيع السبَاع، فقد ورد الشَّرْع
بقريب من ذَلِك إِلَّا أَنه سماهم جَمِيعهم وعولا، وَذَلِكَ بِحَسب مَا يظْهر فِي عَالم الْمِثَال من صورهم، فَهَذَا كُله كَانَ مَعْلُوما عِنْدهم مَعَ مَا دخل فِيهِ من قِيَاس الْغَائِب على الشَّاهِد وخلط المألوف بالأمور العلمية ... ، وَإِن كنت فِي ريب مِمَّا ذكرنَا، فَانْظُر فِيمَا قصّ الله تَعَالَى فِي الْقُرْآن الْعَظِيم وَاحْتج عَلَيْهِم بِمَا عِنْدهم من بَقِيَّة الْعلم، وكشف مَا أدخلوه فِيهِ من الشّبَه والشكوك لَا سِيمَا قَوْله تَعَالَى: لما أَنْكَرُوا نزُول الْقُرْآن {قل من أنزل الْكتاب الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى} .
وَلما قَالُوا.
{مَال هَذَا الرَّسُول يَأْكُل الطَّعَام وَيَمْشي فِي الْأَسْوَاق} .
أنزل قَوْله تَعَالَى:
{قل مَا كنت بدعا من الرُّسُل} "
وهذه أمثلة فقط وإلا فتتبع الباب يطول 
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي