مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: نقض ما شوش به بعضهم على ما ذكره الإمام محمد بن عبد الوهاب عن الأعراب

نقض ما شوش به بعضهم على ما ذكره الإمام محمد بن عبد الوهاب عن الأعراب



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :

فقد بلغني أن هناك من يشوش ويزعم أن ما يذكره محمد بن عبد الوهاب من أحوال أهل البادية في عصره وبعدهم عن الدين ووقوعهم في الشرك أمر لا حقيقة له وإنما جعل للاستهلاك السياسي

وطارح هذه الشبهة فيه سفه إذ أن عامة أعداء الدعوة ما كانوا ينكرون على الشيخ دعاويه هذه وإنما كانوا ينكرون عليه التكفير والقتال

ولكنني سأجيب بنصوص عن غير الشيخ تشرح حال أهل البوادي في زمن الشيخ بل وقبله وحال أهل الحاضرة أيضاً

جاء في كتاب الفتح الرباني من فتاوى الشوكاني (9/4492) :" و (السؤال الثاني) حاصله: ما حكم الأعراب، سكان البادية الذين لا يفعلون شيئًا من الشرعيات إلا مجرد التكلم بالشهادة، هل هم: كفار أم لا؟ وهل يجب على المسلمين غزوهم أم لا؟
وأقول: من كان تاركًا لأركان الإسلام، وجميع فرائضه، ورافضًا لما يجب عليه من ذلك من الأقوال والأفعال، ولم يكن لديه إلا مجرد التكلم بالشهادتين فلا شك ولا ريب أن هذا كافر شديد الكفر، حلال الدم والمال، فإنه قد ثبت بالأحاديث المتواترة (1) أن عصمة الدماء والأموال إنما تكون بالقيام بأركان الإسلام، فالذي يجب على من يجاور هذا الكافر من المسلمين في المواطن والمساكن أن يدعوه إلى العمل بأحكام الإسلام، والقيام بما يجب عليه القيام به على التمام، ويبذل تعليمه ويلين له القول، ويسهل عليه الأمر، ويرغبه في الثواب، ويخوفه من العقاب، فإن قبل منه ورجع إليه وعول عليه وجب عليه أن يبذل نفسه لتعليمه، فإن ذلك من أهم الواجبات  وآكدها، أو يوصله إلى من هو أعلم منه بأحكام الإسلام [8]، وإن أصر ذلك الكافر على كفره وجب على من يبلغه أمره من المسلمين أن يقاتلوه حتى يعمل بأحكام الإسلام على التمام، فإن لم يعمل فهو حلال الدم والمال، حكمه حكم أهل الجاهلية"

والشوكاني رجل عاصر محمد بن عبد الوهاب 

وقال الآلوسي وهو صوفي في تفسيره روح المعاني :"  وقد يقال نظرا إلى مفهوم الآية: إنهم من يندرج فيهم كل من أقر بالله تعالى وخالقيته مثلا وكان مرتكبا ما يعد شركا كيفما كان، ومن أولئك عبدة القبور الناذرون لها المعتقدون للنفع والضر ممن الله تعالى أعلم بحاله فيها وهم اليوم أكثر من الدود"

والآلوسي قريب من الشيخ جداً 

وقال الشاه إسماعيل الدهلوي الهندي المتوفى سنة 1246 في كتابه تقوية الإيمان ص49 :" اعلم أن الشرك قد شاع في الناس في هذا الزمان وانتشر، وأصبح التوحيد الخالص غريبا، ولكن معظم الناس لا يعرفون معنى الشرك، ويدعون الإيمان مع أنهم قد تورطوا في الشرك وتلوثوا به، فمن المهم قبل كل شيء أن يفقه الناس معنى الشرك والتوحيد، ويعرفوا حكمهما في القرآن والحديث"

فهذا يحكي حال أهل الهند وما كان حالهم يختلف كثيراً عن حال البوادي من الأعراب ممن حاربهم الشيخ بل العلم في الهنود أفشى وأكثر

والصنعاني في قصيدته التي مدح بها الإمام ، ذكر انتشار الشرك 

بل قال الصنعاني نفسه في تطهير الاعتقاد معترفاً بانتشار الشرك في البلدان الإسلامية وهو معاصر لمحمد بن عبد الوهاب :" فأهلُ العراق والهند يَدعون عبد القادر الجيلي.
وأهل التهائم لهم في كلِّ بلد ميتٌ يهتفون باسمه، يقولون: يا زيلعي! يا ابن العجيل!
وأهلُ مكة وأهل الطائف: يا ابن العباس!
وأهل مصر: يا رفاعي! يا بدوي! والسادة البكرية!
وأهلُ الجبال: يا أبا طير!
وأهل اليمن: يا ابن علوان!
وفي كلِّ قرية أمواتٌ يهتفون بهم وينادونهم ويرجونهم لجلب الخير ودفع الضر، وهذا هو بعينه فعلُ المشركين في الأصنام، كما قلنا في الأبيات النجدية1:
أعادوا بها معنى سواع ومثله ... يغوث وود، بئس ذلك من وُدِّ
وقد هتفوا عند الشدائد باسمها ... كما يهتف المضطر بالصَّمد الفرد
وكم نحروا في سوحها من نحيرة ... أهلَّت لغير الله جهراً على عمد
وكم طائف حول القبور مقبِّلاً ... ويستلم الأركان منهنَّ باليد"


وقال محمد بن علي الشوكاني وكأنه يرد على المسعري وحسن فرحان وحسن الكتاني لعنهم الله جميعاً في الدر النضيد :" ومن أنكر حصول النداء للأموات والاستغاثة بهم استقلالاً فليخبرنا ما معنى ما سمه في الأقطار اليمنية من قولهم: يا ابن العجيلي، يا زيلعي، يا ابن علوان، يا فلان يا فلان؟ هل ينكر هذا منكر، ويشك فيه شاك؟ وما عدا ديار اليمن فالأمر فيها أطم وأعم، ففي كل قرية ميت يعتقده أهلها وينادونه وفي كل مدينة جماعة منهم، حتى أنهم في حرم الله ينادون: يا ابن عباس، يا محجوب، فما ظنك بغير ذلك؟ فلقد تلطف إبليس وجنوده أخزاهم الله تعالى لغالب أهل الملة الإسلامية بلطفة تزلزل الأقدام عن الإسلام، فإنا لله وإنا إليه راجعون"

ومما قاله الشوكاني في البدر الطالع :"  سعود بن عبد العزيز بن محمد بن سعود. ولد تقريباً سنة ألف ومائة وستين، أو قبلها بقليل، أو بعدها بقليل (1) ، في وطنه ووطن أهله القرية المعروفة "بالدرعية" من البلاد النجدية. وكان قائد جيوش أبيه عبد العزيز وكان جده محمد شيخاً لقريته التي هي فيها، فوصل إليه الشيخ العلامة محمد بن عبد الوهاب الداعي إلى الوحيد، المنكر على المعتقدين في الأموات. فأجابه وقام بنصره، وما زال يجاهد من يخالفه. وكانت تلك البلاد قد غلبت عليها أمور الجاهلية وصار الإسلام فيها غريباً، ثم مات محمد بن سعود، وقد دخل في الدين بعض البلاد النجدية وقام ولده العزيز مقامه فافتتح جميع الديار
النجدية والبلاد العارضية والأحساء والقطيف، وجاوزها إلى فتح كثير من البلاد الحجازية، ثم استولى على الطائف ومكة والمدينة وغالب جزيرة العرب وغالب هذه الفتوح على يد ولده سعود ثم قام بعده سعود فتكاثرت جنوده واتسعت فتوحه ووصلت جنوده إلى اليمن، بلاد أبي عريش وما يتصل بها، ثم تابعهم الشريف حمود بن محمد شريف أبي عريش - وقد تقدمت ترجمته - وأمدوه بالجنود ففتح البلاد التهامية كاللحية والحديدة وبيت الفقيه وزبيد وما يتصل بهذه البلاد. وما زال الوافدون من سعود يفدون إلينا، إلى صنعاء، إلى حضرة الإمام المنصور وإلى حضرة ولده الإمام المتوكل بمكاتيب إليهما بالدعوة إلى التوحيد، وهدم القباب المشيدة والقبور المرتفعة، ويكتب إلي أيضاً مع ما يصل من الكتب إلى الإمامين ثم وقع الهدم للقباب والقبور المشيدة في صنعاء وفي كثير من الأمكنة المجاورة لها، وفي جهة ذمار وما يتصل بها. ثم خرج باشة مصر إلى مكة بعد إرساله بجنود افتتحوا مكة والمدينة والطائف وغلبوا عليها. وهو الآن في مكة، والحرب بينه وبين سعود مستمر ومات سعود في هذه السنة سنة ألف ومائتين وتسع وعشرين وقام بالأمر ولده عبد الله بن سعود وقد أفردت هذه الحوادث العظيمة بمصنف مستقل، وسيأتي في ترجمة الشريف غالب شريف مكة إشارة إلى طرف من هذه الحوادث، انتهى.
ثم قال في ترجمة الشريف غالب - بعد ما ذكر من حروبه مع الإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود، وذكر فشله فيها وما لحقه من الهزائم والقتل. ناقماً على الشريف غالب تحرشه بقتال ابن سعود - قال: ولو ترك ذلك واشتغل بغيره لكان أولى له. فإن من حارب من لا يقوى لحربه جر إليه البلوى، فإن صاحب نجد تبلغنا عنه قوة عظيمة لا يقوم لمثلها صاحب الترجمة. فقد سمعنا أنه استولى على بلاد الحسا والقطيف وبلاد الدواسر وغالب بلاد الحجاز، ومن دخل تحت حوزته أقام الصلاة والزكاة والصيام، وسائر شعائر الإسلام. ودخل في طاعته من عرب الشام الساكنين ما بين الحجاز وصعدة غالبهم إما رغبة وإما رهبة. وصاروا مقيمين لفرائض الدين بعد أن كانوا لا يعرفون من الإسلام شيئاً، ولا يقومون بشيء من واجباته إلا مجرد التكلم بلفظ الشهادتين على ما في لفظهم بهما من عوج.
وبالجملة: فكانوا جاهلية جهلاء، كما تواترت بذلك الأخبار إلينا، ثم صاروا الآن يصلون الصلوات لأوقاتها، ويأتون بسائر الأركان الإسلامية على أبلغ صفاتها - إلى أن قال - فإن صاحب نجد وجميع أتباعه يعملون بما تعلموه من الشيخ محمد بن عبد الوهاب، كان حنبلياً، ثم طلب الحديث بالمدينة المشرفة، فعاد إلى نجد، وصار يعمل باجتهادات جماعة من متأخري الحنابلة، كابن تيمية وابن القيم وأضرابهما وهما من أشد الناس على معتقدي الأموات.
وقد رأيت كتاباً من صاحب نجد - الذي هو الآن صاحب تلك الجهات - أجاب به على بعض أهل العلم، وقد كاتبه وسأله بيان ما يعتقده. فرأيت جوابه مشتملاً على اعتقاد حسن، موافق للكتاب والسنة: فالله أعلم بحقيقة الحال.
وأما أهل مكة فصاروا يكفرونه ويطلقون عليه اسم الكافر. وبلغنا أنه وصل إلى مكة بعض علماء نجد لقصد المناظرة، فناظر علماء مكة بحضرة الشريف في مسائل تدل على ثبات قدمه وقدم صاحبه في الدين.
وفي سنة ألف ومائتين وخمسة عشر: وصل من صاحب نجد المذكور مجلدان لطيفان أرسل بهما إلى حضرة مولانا الإمام حفظه الله. أحدهما يشتمل على رسائل للشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله كلها في الإرشاد إلى إخلاص التوحيد والتنفير من الشرك الذي يفعله المعتقدون في القبور، وهي رسائل جيدة مشحونة بأدلة الكتاب والسنة، والمجلد الآخر يتضمن الرد على جماعة من المقصرين من فقهاء صنعاء وصعدة، ثم ذاكروه في مسائل متعلقة بأصول الدين وبجماعة من الصحابة رضي الله عنهم، فأجاب عليهم جوابات محررة مقررة محققة، تدل على أن المجيب من العلماء المحققين العارفين بالكتاب والسنة. وقد هدم عليهم جميع ما بنوه، وأبطل جميع ما دونوه لأنهم مقصرون متعصبون فصار ما فعلوه خزياً عليهم وعلى أهل صنعاء وصعدة. وهكذا من تصدر ولم يعرف مقدار نفسه. وأرسل صاحب نجد مع الكتابين المذكورين بمكاتبة منه إلى سيدي المولى الإمام فدفع حفظه الله جميع ذلك إلي. فأجبت عن كتابه الذي كتب إلى مولانا الإمام حفظه الله على لسانه بما معناه: إن الجماعة الذين أرسلوا إليه بالمذاكرة لا ندري من هم، وكلامهم يدل على أنهم جهال والأصل والجواب موجودان في مجموعي الأمير. انتهى."


تأمل ما ذكره من أحوال الأعراب وأنهم كانوا لا يعرفون من الإسلام شيئاً ثم تحول حالهم بعد دخولهم تحت ولاية الإمام المجدد

وقال الجبرتي المصري في تاريخه :"  "عجائب الآثار" وفي هذه الأيام - من سنة إحدى وعشرين ومائتين - (1) وصلت الأخبار من الديار الحجازية بمسالمة الشريف غالب للوهابيين. وذلك لشدة ما حصل من المضايقة الشديدة وقطع الجالب عنهم من كل ناحية حتى وصل ثمن الإردب من الأرز المصري خمسمائة ريال، والإردب من البر ثلاث مائة وعشرة قروش. وقس على ذلك السمن والعسل وغير ذلك. فلم يسع الشريف إلا مسالمتهم والدخول في طاعتهم وسلوك طريقتهم وأخذ العهد على دعاتهم وكبيرهم بداخل الكعبة. وأمر بمنع المنكرات والتجاهر بها وشرب الأراجيل بالتنباك في المسعى وبين الصفا والمروة، وبالملازمة على الصلوات في الجماعة، ودفع الزكاة وترك لبس الحرير والمقصبات، وأبطل المكوس والمظالم وكانوا خرجوا عن الحدود في ذلك حتى إن الميت يأخذون عليه خمسة فرانسة وعشرة بحسب حالته وإن لم يدفع أهله الذي يتقرر عليه فلا يقدر على رفعه ودفنه، ولا يتقرب إليه الغاسل ليغسله حتى يأتيه الإذن، وغير ذلك من البدع والمكوس والمظالم التي أحدثوها على المبيعات والمشتروات على البائع والمشتري، ومصادرة الناس في أموالهم ودورهم، فيكون الشخص من سائر الناس جالساً بداره فما يشعر على حين غفلة منها إلا والأعوان يأمرونه بإخلاء الدار وخروجه منها، ويقولون: إن سيد الجميع محتاج إليها فإما أن يخرج منها جملة وتصير من أملاك الشريف وإما أن يصالح عليها بمقدار ثمنها أو أقل أو أكثر. فعاهده على ترك ذلك كله واتباع ما أمر الله به في كتابه العزيز من إخلاص التوحيد لله وحده، واتباع سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وما كان عليه الخلفاء الراشدون والصحابة والتابعون والأئمة المجتهدون إلى آخر القرن الثالث، وترك ما حدث في الناس من الالتجاء لغير الله تعالى من المخلوقين الأحياء والأموات في الشدائد والمهمات، وما أحدثوه من بناء القباب على القبور والتصاوير والزخارف وتقبيل الأعتاب والخضوع والتذلل والمناداة والطواف والنذور والذبائح والقربان وعمل الأعياد والمواسم لها، واجتماع أصناف الخلائق واختلاط النساء بالرجال وباقي الأشياء التي فيها شركة المخلوقين مع الخالق في توحيد الألوهية التي بعثت الرسل إلى مقاتلة من خالفها ليكون الدين كله لله. فعاهده على منع ذلك كله وعلى هدم القباب المبنية على القبور والأضرحة لأنها من الأمور المحدثة التي لم تكن في عهده صلى الله عليه وسلم وذلك بعد المناظرة مع علماء تلك الناحية وإقامة الحجة عليهم بالأدلة القطعية التي لا تقبل التأويل من الكتاب والسنة، وإذعانهم لذلك. فعند ذلك أمنت السبل، وسلكت الطرق بين مكة والمدينة وبين مكة وجدة والطائف، وانحلت الأسعار وكثر وجود المطعومات وما يجلبه عربان الشرق إلى الحرمين من الغلال والأغنام والأسمان والأعسال، حتى بيع الإردب من الحنطة بأربعة ريالات واستمر الشريف غالب يأخذ العشور من التجار وإذا نوقش في ذلك يقول: هؤلاء مشركون، وأنا آخذ من المشركين لا الموحدين. انتهى.

وقال السهسواني  في صيانة الإنسان :" ولقد أخبرني بعض من ركب البحر أنه اضطرب اضطراباً شديداً، فسمع من أهل السفينة من الملاحين وغالب الراكبين معهم ينادون الأموات ويستغيثون بهم، ولم يسمعهم يذكرون الله قط، قال: ولقد خشيت في تلك الحال الغرق لما شاهدته من الشرك بالله.
وقد سمعنا عن جماعة من أهل البادية المتصلة بصنعاء أن كثيراً منهم إذا حدث له ولد جعل قسطاً من ماله لبعض الأموات المعتقدين ويقول إنه قد اشترى ولده من ذلك الميت الفلاني بكذا، فإذا عاش حتى بلغ سن الاستقلال دفع ذلك الجعل لمن يعتكف على قبر ذلك الميت من المحتالين لكسب الأموال"

وقال عبد الباسط الفاخوري اللبناني مفتي بيروت في كتابه تحفة الأنام :" وكما أنّ أكثر العوام من جهلة الإسلام قد تغالوا وأفرطوا وابتدعوا بدعاً تخالف المشروع من الدين القويم،فصاروا يعتمدون على الأولياء الأحياء منهم والأموات معتقدين أنّ لهم التصرف وبأيديهم النفع والضر،ويخاطبونهم بخطاب الربوبية،وهذا غلوّ في الدين القويم وخروج عن الصراط المستقيم"

فتأمل قوله ( أكثر العوام ) 

وقال ابن حجر البوطامي البنعلي القطري في كتابه  نقض كلام المفترين على الحنابلة السلفيين :" وكل ما في الأمر أن الشيخ محمد عبد الوهاب -رحمه الله- رأى أكثر أهل نجد وأهل الحجاز وأهل البصرة والعراق، كما سمع بالنقل المتواتر عن سائر الأقطار الأخرى أنهم يؤلهون قبور الأنبياء والأولياء والصالحين، بل وكثيرًا من الكهوف والغيران والأشجار، يعتقدون فيها الضر والنفع، ويطوفون حول قبورهم، وينذرون لتلك القبور وتلك الأشجار، ويقدمون لها القرابين، ويحلفون بالأنبياء والصالحين، ويستغيثون بهم في الشدائد والملمات لدفع الكربات، وكشف البليات وقضاء الحاجات. ورأى تهاون أهل نجد بالصلاة ودفع الزكاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، زيادة على بدعهم وضلالهم، كما رأى علماء الأقطار وسكوتهم على تلك الترهات والمنكرات إلا من قل وندر، فقويت عزيمته وإرادته بتوفيق من الله أن يدعو الناس إلى الطريق المستقيم"

فتأمل ذكره التواتر في هذا

وقال مبارك الميلي في رسالته الشرك ومظاهره :"  وقد كنت سنة أربع وأربعين مع فقيه ميلي بمقهى في قسنطينة، فقص علينا رجل مصيبة أيس من السلامة منها، ثم حصل له الفرج، فعبر عن خطورتها قائلًا: لوما الناس الصالحين ... فقال له صاحبي مرشداً أو منكتاً: وربي؟ فأجابه: ربي والناس الصالحين. فقال له: وربي وحده. فلم يجاره، وقال له: هكذا سمعنا الناس يقولون.
{رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران: 8]."


وقال أيضاً :"  ففي سنة سبع وأربعين قتل شيخنا محمد الميلي رحمه الله، فأتيت من الأغواط، وجاء للتعزية الشيخ عاشور صاحب " منار الأشراف " وملقب نفسه: كليب الهامل، والهامل قرية بالحضنة قرب أبي سعادة، بها زاوية كانت تمده بالمال، فحضرت مجلسه، ولم أشعره بحضوري؛ إذ كان قد اجتمع عليه العمى والصمم، وذلك لئلا يحترز في حديثه أو نقع في حديث غير مناسب للمقام.
سمعت في ذلك المجلس بأذني كليب الهامل يحكي مناقضاً لدعوة الإِصلاح التي اشتهرت يومئذ: أن شيخاً من شيوخ الطرق الصوفية كان مع مريديه في سفينة، فهاج بهم البحر، وعلت أمواجه، فلجؤوا جميعاً إلى الله يسألون الفرج والسلامة، وكان الشيخ منفرداً في غرفة يدعو، فلم تنفرج الأزمة، وعادته أن لا يبطأ عليه بالإِجابة، فوقع في روعه أنه أتي من قبل أتباعه، لا لنقص فيه يوجب هذا الإِعراض عنه، فخرج على أتباعه مغضباً، يقول: ماذا صنعتم في هذه الشدة؟ فقالوا: دعونا الله مخلصين له الدين بلسان المضطرين (إشارة لقوله تعالى: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ} [النمل: 62])، فنكر عليهم اللجوء إلى الله مباشرة، ووبخهم عليه، وعرفهم أن ذلك هو الحائل دون استجابة دعائه، وأنذرهم عاقبة استمرارهم على التوجه إلى ربهم، وأنه الغرق، وعلمهم أن واجبهم هو التوجه إليه وسؤاله، ثم هو وحده يتوجّه إلى الله، فتابوا من دعاء الموحدين، وامتثلوا تعليم الشيخ المخالف لتعليم رب العالمين، وعاد الشيخ إلى غرفته يدعو متوسطاً بين الله ومريديه، فانكشفت الغمة، وسلمت السفينة، وحمد الشيخ ثقته بنفسه وفقهه سر البطء عن استجابة دعائه وتفقيهه لأتباعه سر النجاة وصرفهم إلى الثقة به عن الثقة بالله.
هذا معنى ما سمعته من كليب الهامل، ولم أقيد الحكاية حين السماع حتى أؤديها بلفظها وأصورها بنصها، ولم يسعني وأنا في مقام التحذير من الشرك اجتناب إدراج ما ينافي غرض الحاكي في الحكاية حتى تتم ثم أعلق عليها؛ لئلا يعلق بذهن القارئ شيء من الشرك، ولو إلى حين، ولم أميز المدرج في الحكاية؛ لأنه لا يخفى على العارف بحال المعارضين لدعاة الإِصلاح الديني.
يستدل الشيخ عاشور وأشباهه بأمثال هذه الحكاية على لزوم التعلق بشيوخ الزوايا وتوسيطهم بين العباد وربهم ناسخين بها نصوص الشريعة الكثيرة المحكمة، وتتلقفها منهم العامة بقلوبها، وتتمسك بها في الاحتجاج لإِيثار دعاء غير الله، وتعتقد أن ذلك أليق بحالها من أن تخاطب بنفسها أرحم الراحمين؛ سنة المشركين من قديم كما تقدم عن الكلدانيين"


وقال أيضاً في الرسالة المذكورة :"  • كلاب ابن الحملاوي:
فقد تواتر أن كلاب عبد الرحمن بن الحملاوي هامت ذات سنة في عدة جهات، فكان الناس يكرمونها بالذبائح والضيافات، ولكنهم يؤلمونها بانتزاع شعورها تبركاً وزلفى."


وقال محمود شكري الآلوسي الشريف البغدادي بل مفتي بغداد في كتابه غاية الأماني :"  وحدثني سعد بن عبد الله بن سرور الهاشمي رحمه الله أن بعض المغاربة قدموا مصر يريدون الحج، فذهبوا إلى الضريح المنسوب إلى الحسين رضي الله عنه بالقاهرة، فاستقبلوا القبر وأحرموا، ووقفوا وركعوا وسجدوا لصاحب القبر، حتى أنكر عليهم سدنة المشهد وبعض الحاضرين، فقالوا: هذا محبة في سيدنا الحسين رضي الله تعالى عنه.
وذكر بعض المؤلفين من أهل اليمن أن مثل هذا وقع عندهم. وقد حدثني الشيخ خليل الرشيدي بالجامع الأزهر أن بعض أعيان المدرسين هناك قال: لا يدق وتد في القاهرة إلا بإذن السيد أحمد البدوي، قال فقلت له: هذا لا يكون إلا لله أو كلاماً نحو هذا. فقال: حبي في سيدي أحمد البدوي اقتضى هذا.
وحُكي أن رجلاً سأل الآخر: كيف رأيت الجمع عند زيارة الشيخ الفلاني؟ فقال: لم أر أكثر منه إلا في جبال عرفات، إلا أني لم أرهم سجدوا لله سجدة قط، ولا صلوا مدة الثلاثة أيام. فقال السائل: قد تحملها الشيخ! قال بعض الأفاضل: وباب تحمل الشيخ مصراعاه ما بين بصرى وعدن قد اتسع خرقه، وتتابع فتقه، ونال رشاش زقومه الزائر والمعتقد، وساكن البلد، انتهى.
وقد اشتهر ما يقع من السجود على أعتاب المشهد وقصد التبرك مع ما فيه لا يمنع حقيقة العبادة الصورية. ومن المعروف عنهم شراء الولدان من الولي بشيء معين، يبقى رسماً جارياً يؤدّى كل عام، وإن كانت امرأة فمهرها أو نصف مهرها، لأنها مشتراة منه، ولا يمانع هذا إلا مكابر، لأنه استفاض واشتهر فلا ينكره إلا مكابر في الحسيات، وإن فقد بعض أنواعه في بعض البلاد فكم له من نظائر، وهذا أشد، وأشنع مما ذكر جل ذكره عن جاهلية العرب بقوله: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيباً فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا} 1 الآية، وكذلك جعل السوائب باسم الولي لا يحمل عليها لا تذبح، وسوق الهدايا والقرابين إلى مشاهد الأولياء وذبحها حباً للشيخ وتقرباً إليه، وهذا وإن ذكر اسم الله عليه فهو أشد تحريماً مما ذبح اللحم وذكر عليه اسم غير الله كعيسى مثلاً الشرك في العبادة أكبر من الشرك بالاستعانة، ومن ذلك ترك الأشجار والكلأ والعشب إذا كان بقرب المشهد وجعله من ماله.
ومنها الحج إلى المشاهد في أوقات مخصوصة مضاهاة لبيت الله، فيطوفون حول الضريح، ويستغيثون، ويَهْدُون لصاحب القبر ويذبحون، وبعض مشائخهم يأمر الزائر بحلق رأسه إذا فرغ من الزيارة، كما يفعلون في بيت الله الحرام بعد الأداء، وقد صنف بعض غلاتهم كتاباً سماه "حج المشاهد" وهو متداول.
ومنها التعريف في بعض البلاد عند من يعتقدونه من أهل القبور، فيصلّون عشية عرفة عند القبر خاضعين سائلين.
والعراق فيه من ذلك الحظ الأكبر، والنصيب الأوفى الأوفر، بل فيه البحر الذي لا ساحل له، والمهامة التي لا ينجو سالكها ولا يكاد، ومن نحوه عرف الكفر وظهر الشرك والفساد، كما يعرف ذلك من له إلمام بالتواريخ ومبدأ الحوادث في الدين.
ومن شاهد ما يقع منهم عند مشهد الحسين ومشهد عليّ والكاظم عند رافضتهم، وعبد القادر والحسن البصري والزبير وأمثالهم عند سنتهم، من العبادات، وطلب العطايا والمواهب والتصرفات، وأنواع الموبقات؛ علم أنهم من أجهل الخلق وأضلهم، وأنهم في غاية من الكفر والشرك ما وصل إليها من قبلهم ممن ينتسب إلى الإسلام، والله المسؤول أن ينصر دينه، ويعلي كلمته بمحو هذه الأوثان، حتى يُعبَدَ وحده، فتسلم الوجوه له، وتعود البيضاء كما كانت ليلها كنهارها"


فهذه شهادة مفتي العراق عليها 

وقال محمود شكري أيضاً في غاية الأماني :"  إلى غير ذلك من الشعر الكثير في هذا الباب، ولو استوعبناه لطال به الكتاب. وهذا حال خواصهم، وقد سمعت غلوهم فكيف حال عوامهم؟.
وقد حكى العراقيون أن قبر عبد القادر قد غدا اليوم قبلة يطوفون عليه طواف الحجيج ببيت الله الحرام، وينذرون له النذور، ويوقدون السرج على رغم ما جاء به دين الإسلام، وقد اتخذ ذراري الشيخ ذلك غنيمة يرتعون فيها كما ترتع الأنعام، وبعض سفهاء العقول، وناقصوا الأحلام يتخذهم وسائل في الدنيا والآخرة، وحكى العراقيون أن الكيلانيين اليوم أشر أمة في العراق، وعائلتهم أصبحت بلاء على بغداد، ومن العجيب أن كبير تلك العائلة (النقيب) يدّعي أنه سلفيّ العقيدة، وهو من سدنة الأصنام، لم يزل يأكل النذور المحرمة من الهنديين وغيرهم، نسأله تعالى أن يطهر الأرض من أمثال هؤلاء المعادين لدين الله تعالى، والمضادين لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وما أحق هذا النقيب بقول القائل:
نزلوا بمكة في قبائل هاشم ... ونزلت في البيداء أبعد منزل
وقد سمعتُ أن بعض أدباء بلدته هجاه بقصائد كثيرة، منها قصيدة مطلعها:
أرجح بغداد وإني غريبها ... على جنة الفردوس لولا نقيبها
وإني أسأل الله تعالى أن يبصّر المسلمين من أهل الهند وغيرهم حتى لا تكون أموالهم غنيمة لهؤلاء السفهاء، ويصونهم من كيدهم، إنه على كل شيء قدير، ولولا ملاحظة أن يطول الكتاب لأتينا على مفصل أحوال هؤلاء السدنة وعباد الأصنام، وما ذكرناه كاف إن شاء الله تعالى في هذا المقام"

وقال شمس الأفغاني في كتابه جهود علماء الحنفية :" قال الإمام قاسم بن قطلوبغا (879هـ) وتبعه كثير من أئمة الحنفية المشاهير، كالإمام ابن نجيم، الملقب بأبي حنيفة الثاني (970هـ) ، والإمام خير الدين الرملي (993هـ) ، والإمام سراج الدين عمر بن نجيم (1005هـ) ، والإمام علاء الدين الحصكفي (1088هـ) ، وفقيه الحنفية الشامية ابن عابدين (1252هـ) ، والشيخ رشيد أحمد الجنجوهي، الإمام الثاني للديوبندية الملقب بالإمام الرباني (1323هـ) ، والعلامتان شكري الآلوسي (1342هـ) والخجندي (1379هـ) والشيخ علي محفوظ الحنفي المصري (1361هـ) وغيرهم، واللفظ للأول على ما نقله عنه الثاني ثم الآخرون:
(وأما النذر الذي ينذره أكثر العوام - على ما هو مشاهد - كأن يكون لإنسان، غائبٌ أو مريضٌ، أو له حاجة ضرورية، فيأتي بعض [قبور] الصلحاء، فيجعل ستره على رأسه فيقول: يا سيدي فلان! إن رد غائبي، أو عوفي مريضي أو قضيت حاجتي، فلك من الذهب كذا ومن الفضة كذا ومن الطعام كذا ومن الماء كذا ومن الشمع كذا ومن الزيت كذا، فهذا النذر باطل بالإجماع، لوجوه:
منها: أنه نذر مخلوق، والنذر للمخلوق لا يجوز، لأنه عبادة، والعبادة لا تكون للمخلوق.
ومنها: أن المنذور له ميت، والميت لا يملك.
ومنها: [أنه] إن ظن أن الميت يتصرف في الأمور دون الله تعالى واعتقاده ذلك كفر ... ) ، زاد الحصكفي: (وقد ابتلي الناس بذلك، ولا سيما في هذه الأعصار) .
وزاد ابن عابدين فيما حكاه عن النهر الفائق:
(ولا سيما في مولد البدوي) "

أقول : ما ينبغي وصف الجهمية من أهل الرأي بالإمامة ، وموطن الشاهد أن هؤلاء اعترفوا بأن أكثر العوام في أزمنتهم يفعلون هذا الأمر وهذا نحو مما كان يذكره الإمام عن العوام

وإذا كان ابن القيم يذكر في زاد المعاد أن الشرك في زمنه غلب على أكثر النفوس ، ويذكر ابن تيمية أنهم لما دخل التتر الشام صاروا يقولوا ( لوذوا بقبر أبي عمر ) فما عسى أن يقال في أهل البادية في أزمنة تأخرت والجهل كان فيهم فاش 

وقال الشيخ الهندي حامد بن محمد بن حسين بن محسن في كتابه فتح الله الحميد المجيد شرح كتاب التوحيد :"  وهذان الأمران، أورثا الشرك قديماً، وحديثاً، ولو لم يكن في هذا الزمان: كَثْرَةُ تِمثَالٍ تُعْبَد، فقد كثرت الشرفات من القبور المقببات المزخرفات التي جُعِلَ لها السَّدنة، والنذورات، والذبائح قربة إليها، فكم ساجد، وراكع حولها يستشفي بها، ويطلب منها الحاجات من كشف الكربات، ودفع الملمات، وقد عمت البلوى وأرجو أن الله تعالى ينصر دينه الذي بعث به محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم وهو التوحيد عبادة الله وحده لا شريك له وترك عبادة ما سواه"

وقال ابن المؤقت المراكشي في رحلته المراكشية :"  وقد قلت في شدة لرجل يوما يستغيث ببعض الأموات وينادي يا فلان أغثني: قل يا الله. فقد قال سبحانه: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} (1) فغضب، وبلغني أنه قال: إن فلانا منكر على الأولياء، وسمعت من بعضهم أنه قال: الولي أسرع إجابة من الله عز وجل، وهذا من الكفر بمكان. نسأل الله أن يعصمنا من الزيغ والطغيان"

وذكر في كتابه هذا مظاهر شركية كثيرة عن أهل المغرب وهذا الرجل توفي عام 1368

وقال محمد رشيد رضا في تعليقه على صيانة الإنسان :"  يشير بلقب الباز إلى الشيخ عبد القادر الجيلاني القطب الشهير الذي يعبده الملايين في العراق والهند وغيرهما، وهو مدفون في بغداد، ومن صور استغاثته المشهورة أن من كان له حاجة وصلى ركعتين في الليل ثم استقبل بغداد وتوجه إلى الشيخ عبد القادر واستغاثه بهذين البيتين:
أيدركني ضيم وأنت ذخيرتي؟ ... وأظلم في الدنيا وأنت نصيري؟
وعار على راعي الحمى وهو في الحمى
... إذا ضاع في الهجا عقال بعير
وناداه باسمه وذكر حاجته فإنها تقضى!"


وقال أيضاً :"  الأمر الواقع أنهم يقرون بهذه الألفاظ كلفظ الإله، ولكنهم يعتقدون أن للأولياء تأثيراً غيبياً في معانيها، إما بالذات وإما بالشفاعة أو الكرامة عند الله، ولذلك يدعونهم وحدهم أو مع الله في طلب الرزق وتدبير الأمور، فدعاؤهم شرك في الألوهية، وعقيدتهم شرك بالربوبية، بل منهم من يسند إليهم التصرف في الكون كله، ففي بعض كتب الرفاعية: إن أحمد الرفاعي كان يفقر ويغني، ويسعد ويشقي، ويميت ويحيى. وفيها: إن السموات السبع في رجله كالخلخال. وكتبه محمد رشيد رضا"

وقال سليمان بن سحمان في القول المجدي :"  ما يفعل الآن في الحرم المكي الشريف زاده الله تعالى رفعة وتشريفاً فهو يزيد على غيره وينيف، فيفعل في تلك البقاع المطهرة المكرمة، والمواضع المعظمة المحترمة، من الأمور المحظورة المحرمة ما يحق أن تسفح عند رؤيته العيون والأجفان، وتزال لأجله الدموع وللاتصان، وتلتهب في القلب لوعج الأحزان إذا أبصر الموحد ما يصدر من أولئك العربان من الفسوق والضلال والعصيان، وما عرى فيه الدين من الهوان، فلقد انتهكت فيه المحرمات والحدود، وكان لأهل الباطل فيه قيام وقعود كما هو الآن مشاهد موجود، أين قوله تعالى: {وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [الحج:26] ، ويشهد بذلك من رآه ممن كان له قلب سليم، {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الحج: من الآية25] ، ولقد تظاهر بذلك فيهم جمّ غفير، وتجاهر به بين أظهرهم جمع كثير، ولم يكن لأهل العلم إزالة ولا تغيير، بل تألبوا على مصادمة الحق الشهير، وراموا إطفاء مصباحه المنير، وإخماد ضيائه المستنير، وجادلوا تغيير محيّ الصواب، {وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ} [غافر: من الآية5] ، {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ} [فاطر: من الآية37] . فمن ذلك ما يفعل عند قبر المحجوب، وقبة أبي طالب، وهم يعلمون أنه شريف حاكم متعد غالب، كان يخرج إلى بلدان نجد ويضع عليهم من المال خراج ومطالب، فإن أعطى ما أراد انصرف وإلاّ أصبح لهم معادياً ومحارب، وكذلك عند قبر المحجوب، يطلبونه الشفاعة لغفران الذنوب؛ لأنه عندهم المقرب المحبوب، فلهذا كانوا من شره يحذرون، وإن دخل متعد أو سارق أو غاصب مال قبر أحدهما لم يتعرض له أحد من الرجال، ولا يخشى معاقبة ولا نكال ولا يتوصل إليه بما يكره ولا ينال، وإن تعلق جان ولو أقل جناية بالكعبة سحب منها بالأذيال، فهم في تعظيمها مفرطون، {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ، لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ} [يّس:74ـ75] ، ومن ذلك ما يفعل عند قبر ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها بسرف، وعند قبر خديجة رضي الله عنها في المعلى، مما لا يسوغ المسلم أن يطلق عليه إباحة وحلا، فضلا عن كونه يراه قربة يدرك بها أجرا وفضلا من اختلاط النساء بالرجال وفعل الفواحش والمنكرات، وارتفاع الأصوات عندهم بالدعوات وحصول الندب وشدة الاستغاثات، وعند قبر عبد الله بن عباس رضي الله عنهما في الطائف من الأمور التي تشمئز منها نفس الجاهل فكيف بالعارف فيقف عند قبره متضرعاً مستغيثاً كل مكروب وخائف، وينادي أكثر الباعة في الأسواق من غير نكير ولا زاجر على الإطلاق، ويقول بلهجة قلب واحتراق، كثير من أهل الشرك والإبلاس، وذوي الفقر والإفلاس، اليوم على الله وعليك يا ابن عباس، ويسألونه الحاجات ويسترزقون {أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلا يُنْقِذُونِ} [يّس:23] .
وأما يفعل عند قبره عليه الصلاة والسلام من الأمور المحرمة العظام من تعفير الخدور، والإنحناء بالخضوع والسجود واتخاذ ذلك القبر عيداً، وقد لعن عليه الصلاة والسلام فاعله وكفى بذلك زجراً ووعيداً ونهى عن ما يفعل عنده الآن غالب العلماء نهياً شديداً، وغلظوا في ذلك تغليظاً أكيداً، فهو مما لا يخفى ولا ينكر، وأعظم من أن يذكر، فهو في الشهرة والانتشار، كالشمس في رابعة النهار، ويكل اللسان عما يفعل عند قبر حمزة والبقيع وقباء من ذلك القبيل، ويعجز القلم عن بيانه على التفصيل، ولو لم يذكر منه إلا القليل.
شعر:
وليس يصح في الأذهان شيء ... إذا احتاج النهار إلى دليل
وأما ما يفعل في جدة فما عمت به البلوى فقد بلغ من الضلال والفحش الغاية القصوى، وعندهم قبر طوله ستون ذراعاً عليه قبة يزعمون أنه قبر حوّى، وضعه بعض الشياطين من قديم وهيئه وسوّى، يجبون عند السدنة من الأموال كل سنة ما لا يكاد يخطر على بالبال، ولا يدخل يسلم على أمه كل إنسان إلا مسلماً دراهم عاجلاً من غير توان، أيبخل أحد من اللئام، فضلا عن الكرامة ببذل الحطام، ويدع الدخول على أمّه والسّلام، وعندهم معبد يسمى العلوي بالغ في تعظيمه جميع الخلائق، وأربوا في الغلو على تلك الطرائق، فلو دخل قبره قاتل نفس أو غاصب أو سارق لم يتعرض بمكروه من مؤمن ولا فاسق، ولم يجسر أحد أن يكون مخرجاً له سائق، أو إلى المساعدة إليه مسارع مسابق، فمن استجار بتربته أجير، ولم يعرج عليه حاكم ولا وزير.
وأما ما في بلدان مصر وصعيدها، من الأمور التي ينزه اللسان عن ذكرها وتعديدها خصوصاً عند قبور الصلحاء والعباد من ساداتها وعبيدها كما ذكرها الثقات في نقل الأخبار وتوكيدها، فيأتون قبر أحمد البدوي، وكذا قبور غيره من العباد، وسائر ترب المشهورين بالخير والزهاد، فيستغيثون ويندبون ويعجلونهم بالإمداد، ويستحثونهم على زوال المصيبة عنهم والأنكاد، ويتداولون بينهم حكايات وينسبون عنهم قضيات، ويحكون في محافلهم ما جريات من أفحش المنكر والضلالات فيقولون فلان استغاث بفلان فأغيث فورا في ذلك الأوان، وفلان شكى لصاحب القبر حاله وأمره فأغاثه وكشف عنه ضره، وفلان شكى إليه حاجته فأزال عنه فقره، وأمثال هذا الهذيان الذي هو زور وبهتان، ويصدر هذا الكلام في تلك البلدان وهي مملوءة بالعلماء من أهل الزمان وذوي التحقيق والعرفان، ولا يزال ذلك المحظور، ولا يغار من صدور تلك الأمور، بل ربما تنشرح منهم له الصدور.
وأما ما يفعل في بلدان اليمن من الشرك والفتن قبل هذا الوقت وفي هذا الزمن فأكثر من أن يحسب أو يحصى، أو يعد ويستسقى، أو يدرك له أقصى، فمن ذلك ما يفعله أهل شرقي صنعاء بقبر عندهم يسمى الهادي والكل على دعوته والاستغاثة به رائح غادي، فتأتيه المرأة إذا تعسر عليها الحمل أو كانت عقيمة، فتقول عنده كلمة قبيحة عظيمة، فسبحان من لا يعاجل بالمعاقبة على الجريمة.
وأما أهل بلد برع فعندهم رجل يرحل إلى دعوته، كل ناء عن محله وبلدته، ويؤتي إليه من غير إشكال من مسيرة أيام وليال لطلب الإغاثة وشكاية الحال ويقيمون عند قبره للزيارة ويتقربون بالذبائح عنده كما حقق أخباره من شاهد حضرته واحتضاره.
وأما أهل الهجرية ومن حذا حذوهم فعندهم قبر يسمى ابن علوان، وقد أقبل عليه العامة في نوائب الزمان، واستغاث به منهم كل لهفان، فهم يلجؤون به في كل وقت وأوان ويسميه غوغاء هم منجي الغارقين كما حكاه بعض السامعين، وأغلب أهل البر منهم والبحر يطربون عند سماع ذكره، ويستغيثون به وإن لم يصلوا إلى قبره، وينذر له في البحر والبر، وعند أهل بلده من تعظيمه ما يزيد على الحصر، ويفعلون عند قبره السماعات والموالد ويجتمع عنده أنواع المعاصي والمفاسد، فليس في أقطار اليمن في هذا الزمن من يساويه في الاشتهار، بل ولا في سائر الأقطار ولهم في حضرته أمور يفعلونها دينا، ويتوخونها حينا فحينا يطعنون أنفسهم بالسكاكين والد بابيس، وقد جعلها لهم عبادة إبليس ويقولون وهم يرقصون، وبما يغنيه طبون قد ملأ الوجد منهم البابا وذهنا، يا سادتي قلبي بكم معنّا وأمّا أهل حضر موت والشحر ويافع وعدن، فقد ثوى فيهم الغي وقطن، وعندهم العيدروس يفعل عند قبره من السفه والضلال الوبيل ما يغني مجمله عن التفصيل، ويقول قائلهم شيء لله يا عيدروس شيء لله محي النفوس، ثم ذكر ما في بلدان الساحل وما يفعل أهل المخا عند قبر على بن عمر الشاذلي، وأهل الحديد عند قبر الشيخ صديق، وأهل اللحية عند قبر الزيلعي، وعند قبر رابعة، وما يفعل أهل نجران عند سيدهم، قال: وأمّا ما في حلب ودمشق وأقصى الشام وأدناه، فهو مما لم يوقف له على حد ولم يكن ضبط أقصاه ولا يعرف قدره ومنتهاه، ولو استفرغ الإنسان في ذلك قصاراه بحسب ما يحكيه من يشاهد ذلك ويراه من العكوف على عبادة القبور، وصرف القربان إليها والنذور والمجاهرة بالفسوق والفجور، وأخذ الأمكاس والدستور، ووضع الخراج على البغايا من تلك المهور.
وفي الموصل وبلدان الأكراد، وما يليها من سائر البلاد، وكذا في العراق خصوصاً المشهد وبغداد مما لا يحتاج إلى حصر وتعداد، فيفعل عند قبر الإمام أبي حنيفة ومعروف الكرخي والشيخ عبد القادر  من الدعاء والاستغاثة بهم ومنهم في سائر الأوقات والأزمان ما لا يعرف له صفة ولا شأن، وتسفح عندهم والخضوع، أعظم مما يصدر بين يدي الله في الصلاة في الحضور والخشوع، بل كثير ممن فعل ذلك مراراً وجرب هم لقضاء الحوائج ترياق مجرب، قال: وأما مشهد علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقد صيرته الرافضة وثنا يعبد ويدعى بخالص الدعاء دون من ذرأ الخلق وأوجد، ويصلي له في قبته ويركع ويسجد، وليس في صدور أولئك الضّلال وغيرهم من الجهّال، وذوي الفسق والضلال من التعظيم والهيبة والإجلال لذي الفضل والنوازل معشار ما فيها لعلي رضي الله عنه من غير إشكال والإسراف في المقال فتراهم يحلفون الأيمان الكاذبة بالله، ولا يخاف أحدهم مولاه، ولا يراقبه سرّاً ولا جهراً، ولا يخشاه، ولا يحلف بعلي كاذباً أبداً يعظم بذلك حماه فلا ينتهك ذلك ولا يتعداه، ويجزمون أن عنده مفاتح الغيب من غير شك قبحهم الله ولا ريب ولهذا يقولون إن زيارته أفضل من سبعين حجة وكفى بما ذكرناه في خروجهم عن الإسلام حجة، وإخراجهم عن واضح السنن والمحجة، ولقد غلوا فيه وأتوا من الشرك القبيح، أعظم مما يفعل النصارى في المسيح سوى دعوى الولدية فلم تصدر من هذه البرية، وساووهم وزادوا عليهم في غيرها من الخصال الرديّة، وزخرفوا على قبره الذي يدعونه قبة مذهبة وخالفوا هديه رضي الله عنه ومذهبه، ولقد كان في حياته حرق ممن غلا فيه أناس، فما أغناهم عن انتهاج منهج الضلال فيه والإبلاس، ومثل ذلك ما يفعل من الشرك والمكر والشين، عند مشهد الكاظم ومشهد الحسين، قال: وأما جميع قرى الشط والمجرة، فقد لبسوا ثياب الشرك والمضرة، بل كانوا أهله وأصله ومقره، وكذلك ما حول البصرة وما توسط فيها من تلك القبب والمشاهد التي أصبح كل إليها مقبلاً وقاصد لا سيما قبر الحسن البصري والزبير رضي الله عنهما، فقد طلبوا الفرج منهما، وصرفوا لهما من العبادة والاستغاثة عند الشدائد، وطلبوا منهما جميع الفوائد، وليس لها منكر ولا جاحد، سوى ما يصدر وما يشاهد في تلك البلدان من المنكرات والفواحش والمفاسد، ولا يجحد ذلك إلاّ مباهت معاند، وأما ما في القطيف والبحرين من البدع الرفضيّة، والأمور القبيحة الشركية، والمشاهد المعظمة الوثنية، وما يفعله أولئك الضلال والأنجاس من الضلال والغي والإبلاس وما يأتونه من الشرك والأرجاس فلا يكاد يخفى على أحد من الناس، ويقف دون ساحل إحصائه الإدراك ويقصر عن مقتضاه ونظمه في هذه الأسلاك، وما يجحد ذلك الأكل معتد أفاك، وهذا آخر ما أردنا من إيراد ما ذكره الشيخ أبو بكر حسين بن غنام رحمه الله قبل ظهور هذه الدعوة الإسلامية والطريقة المحمّدية التي سماها هذا الضال أصل الفساد الذي ملأ الأقطار وانتشر في البلاد والعباد، وذلك لجهله بدين الإسلام "


وما ذكره الشيخ من الأوثان في أرض نجد ومكة والمدينة والطائف تم إزالة عامتها بعد ظهور دعوة محمد بن عبد الوهاب 

وقال ابن سحمان في الضياء الشارق :"  فأما بلاد نجد.
فإنه قد بالغ الشيطان في كيدهم وجد، وكانوا ينتابون قبر زيد بن الخطاب، ويدعونه رغباً ورهباً بفصيح الخطاب، ويزعمون أنه يقضي لهم الحوائج، ويرونه من أكبر الوسائل والولائج.
وكذلك عند قبر يزعمون أنه قبر ضرار بن الأزور وذلك كذب ظاهر وبهتان مزور.
وكذلك عندهم نخل فحال ينتابه النساء والرجال، ويفعلون عنده أقبح الفعال، والمرأة إذا تأخر عنها الزواج، ولم ترغب فيها الأزواج، تذهب إليه وتضمه بيديها، وتدعوه برجاء وابتهال، وتقول: يا فحل الفحول، أريد زوجاً قبول الحول.
وشجرة عندهم تسمى الطريفية أغراهم الشيطان بها، وأوحى إليهم التعلق عليها، وأنها ترجب منها البركة، ويعلقون عليها الخرق لعل الولد يسلم من السوء.
وفي أسفل بلدة الدرعية مغارة في الجبل يزعمون أنها انفلقت من الجبل لامرأة تسمى بنت الأمير، أراد بعض الناس أن يظلمها ويضير، فانفلق الغار ولم يكن له عليها اقتدار، وكانوا يرسلون إلى هذا المكان من اللحم والخبز ما يقتات به جند الشيطان.
وفي بلدتهم رجل يدّعي الولاية، يسمى "تاج" يتبركون به، ويرجون منه العون والإفراج، وكانوا يأتون إليه، ويرغبون فيما عنده من المدد بزعمهم ولديه، فتخافه الحكام والظلمة، ويزعمون أن له تصرفاً وفتكاً بمن1 عصاه وملحمة، مع أنهم يحكون عنه الحكايات الشنيعة، التي تدل على انحلاله عن أحكام الملة والشريعة.
وهكذا سائر بلاد نجد، على ما وصفنا من الإعراض عن دين الله والجحد لأحكام الشريعة والرد.
ومن العجب أن هذه الاعتقادات الباطلة، والمذاهب الضالة، والعوائد الجائرة، والطرائق الخاسرة، قد فشت وظهرت، وعمت وطمت، حتى بلاد الحرمين الشريفين:
فمن ذلك ما يفعل عند قبر محجوب وقبة أبي طالب، فيأتون قبره بالسماعات والعلامات للاستغاقة عند نزول المصائب، وحلول النواكب، وكانوا له في غاية التعظيم، ولا ما يجب عند البيت الكريم، فلو دخل سارق، أو غاصب، أو ظالم قبر أحدهما لم يتعرض له أحد لما يرون له من وجوب التعظيم؛ والاحترام والمكارم.

ومن ذلك ما يفعل عند قبر ميمونة أم المؤمنين رضي الله عنها في سرف. وكذلك عند قبر خديجة رضي الله عنها، يفعل عند قبرها ما لا يسوغ السكوت عنه من مسلم يرجو الله والدار الآخرة، فضلاً عن كونه من المكاسب الدينية الفاخرة، وفيه من اختلاط النساء بالرجال، وفعل الفواحش والمنكرات، وسوء الأفعال، ما لا يقره أهل الإيمان والكمال، وكذلك سائر القبور المعظمة المشرفة في بلد الله الحرام مكة المشرفة.
وفي الطائف قبر ابن عباس رضي الله عنه يفعل عنده من الأمور الشركية التي تشمئز منها نفوس الموحدين، وتنكرها قلوب عباد الله المخلصين، وتردها الآيات القرآنية وما ثبت من النصوص عن سيد المرسلين، منها:
وقوف السائل عند القبر متضرعاً مستكينا
وإبداء الفاقة إلى معبودهم مستعينا
وصرف خالص المحبة التي هي محبة العبودية
والنذر والذبح لمن تحت ذاك المشهد والبَنِيَّة
وأكثر سوقتهم وعامتهم يلهجون بالأسواق اليوم: على الله وعليك يا ابن عباس، فيستمدون منه الرزق والغوث، وكشف الضر والبأس.
وذكر محمد بن حسين النعيمي الزبيدي رحمه الله: أن رجلاً رأى ما يفعل في الطائف من الشعب الشركية

والوظائف، فقال: أهل الطائف لا يعرفون الله إنما يعرفون ابن عباس، فقال له بعض من يترشح بالعلم: معرفتهم لابن عباس كافية، لأنه يعرف الله. فانظر إلى هذا الشرك الوخيم، والغلو الذميم، المجانب للصراط المستقيم، ووازن بينه وبين قوله: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة:186] الآية. وقوله جل ذكره: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً} [الجن:18] ، وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهود والنصارى باتخاذهم قبور أنبيائهم مساجد1 يعبد الله فيها، فكيف بمن عبد الصالحين ودعاهم مع الله؟! والنصوص في ذلك لا تخفى على أهل العلم.
وكذلك ما يفعل بالمدينة المشرفة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام هو من هذا القبيل، بالبعد عن منهاج الشريعة والسبيل"


ويقول  أبو الحسن الندوي مبينًا حالة جمهرة المنتسبين للإسلام في عهد  ابن تيمية (728هـ) رحمه الله:
كانت العقائد الشركية قد نالت رواجًا بين عامة المسلمين بسبب اختلاطهم مع أصناف من المشركين ونفوذ الدولة الفاطمية الباطنية الإسماعيلية وانتشار الصوفية.
فكانوا يحملون من العقائد الشركية في الأولياء والصالحين والمشايخ - ما كان يعتقده اليهود والنصارى والمشركون:
من الطواف حول القبور والاستغاثة بأصحابها، والحج إليها، وبناء المساجد الفخمة عليها وعقد المهرجانات عليها عاما مقامًا، والنذور إلى القبور، وقد عمت وطمت هذه العقائد إلى أن جعلوا الميت كالإله، والشيخ الحي كالنبي، وكانوا قد عزلوا الله تعالى عن أن يتخذوه إلهًا، وعزلوا النبي صلى الله عليه وسلم عن أن يكون رسولًا، وارتكبوا ما كان محض دين المشركين والنصارى، وقد وصلوا في عبادة القبور والسجود إليها ودعاء أصحابها وجعل القبور قبلة وكعبة - إلى حد كان هؤلاء القبوريون المشركون بالقبور - يجدون عند عبادة القبور من الرقة والخشوع والدعاء وحضور القلب ما لا يجده أحدهم في مساجد الله.
إلى أن كان الفسقة الفجرة أصحاب الكبائر من هؤلاء القبورية لا يتحاشون الكبائر.
ولكن إذا رأوا الميت أو الهلال فوق رأس قبة القبر المعبود خشوا من فعل الفواحش، فيخشون المدفون تحت الهلال ولا يخشون خالق الأكوان، وكانوا يحلفون بالله بالكذب ولا يحلفون بالميت كذبًا، فكانوا في الشرك كما كان قوم إبراهيم حيث قال لهم: {وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا} [الأنعام: 81] "
وجاء في مجموع الفتاوى لابن تيمية (24/165) :" كُنَّا نَسْمَعُ عَنْ أَهْلِ نَاحِيَتِكُمْ مِنْ الِاعْتِصَامِ بِالسُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ وَالْتِزَامِ شَرِيعَةِ اللَّهِ الَّتِي شَرَعَهَا عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ وَمُجَانَبَةِ مَا عَلَيْهِ كَثِيرٌ مِنْ الْأَعْرَابِ مِنْ الْجَاهِلِيَّةِ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قَبْلَ الْإِسْلَامِ؛ مِنْ سَفْكِ بَعْضِهِمْ دِمَاءَ بَعْضٍ وَنَهْبِ أَمْوَالِهِمْ وَقَطِيعَةِ الْأَرْحَامِ وَالِانْسِلَالِ عَنْ رِبْقَةِ الْإِسْلَامِ وَتَوْرِيثِ الذُّكُورِ دُونَ الْإِنَاثِ وَإِسْبَالِ الثِّيَابِ وَالتَّعَزِّي بِعَزَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ. وَهُوَ قَوْلُهُمْ: يَا لَبَنِي فُلَانٍ أَوْ يَا لَفُلَانٍ. وَالتَّعَصُّبِ لِلْقَبِيلَةِ بِالْبَاطِلِ وَتَرْكِ مَا فَرَضَهُ اللَّهُ فِي النِّكَاحِ مِنْ الْعِدَّةِ وَنَحْوِهَا ثُمَّ مَا زَيَّنَهُ الشَّيْطَانُ لِفَرِيقٍ مِنْهُمْ مِنْ الْأَهْوَاءِ الَّتِي بَايَنُوا بِهَا عَقَائِدَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ"

ما ذكره ابن تيمية من حال الأعراب في عصره هو عين حال الأعراب في زمن محمد بن عبد الوهاب مع زيادة في الكفر والجهل

جاء في الرسائل الشخصية لمحمد بن عبد الوهاب ص41 :" وما أشاعوا عنا من التكفير، وأني أفتيت بكفر البوادي الذين ينكرون البعث والجنة والنار، وينكرون ميراث النساء، مع علمهم أن كتاب الله عند الحضر، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم بُعث بالذي أنكروا، فلما أفتيت بكفرهم مع أنهم أكثر الناس في أرضنا، استنكر العوام ذلك، وخاصتهم الأعداء ممن يدعي العلم، وقالوا: من قال: "لا إله إلا الله" لا يكفر ولو أنكروا البعث وأنكروا الشرائع كلها"

ولا زال كثير من الجهلة في عدد من البلدان العربية لا يورثون النساء ولكن هذه القضية ليست في أولويات دعاة تحرير المرأة وأنصارها المزعومين فإن الأولوية مطروحة لكل ما يخالف الشرع خصوصاً إذا كان مقدمة للزنا 

وقد حطم ابن تيمية عموداً مخلقاً كان الناس يتبركون به ، فإذا كان هذا في عصره فما بالك في عصور تأخرت

وقد رأيت عدداً يحتجون بهذه الحادثة على المظاهرات لأن ابن تيمية اجتمع معه أناس كثيرون على هذا الفعل

ونسي المحتج أن ابن تيمية خرج في نصرة التوحيد وأراد دفع شر القبورية بأن يجمع معه أناساً ثم إن حشده لم يكن سلمياً بل انتهى بتحطيم الوثن فشتان بين هذا وبين الخروج في مظاهرات من أجل الديمقراطية وتعريض نساء المسلمين للفتك بإخراجهن في هذه المواطن المختلطة فلعنة الله على الدجاجلة 

 - جاء في البداية والنهاية: وفي هذا الشهر بعينه -أي رجب-، راح الشيخ تقي الدين ابن تيمية إلى مسجد التاريخ وأمر أصحابه ومعهم حجارون بقطع صخرة كانت بنهر قلوط تزار وينذر لها، فقطعها وأراح المسلمين منها ومن الشرك بها، فأزاح عن المسلمين شبهة كان شرها عظيما. وبهذا وأمثاله حسدوه وأبرزوا له العداوة وكذلك بكلامه في ابن عربي وأتباعه، فحسد على ذلك وعودي، ومع هذا لم تأخذه في الله لومة لائم ولا بالى، ولم يصلوا إليه بمكروه، وأكثر ما نالوا منه الحبس، مع أنه لم ينقطع في بحث لا بمصر ولا بالشام ولم يتوجه لهم عليه ما يشين وإنما أخذوه وحبسوه بالجاه.

وقال الطرطوشي في الحوادث والبدع :" فانظروا - رحمكم الله - أينما وجدتم سدرة أو شجرة يقصدها الناس ويعظمون من شأنها ويرجون البرء والشفاء من قبلها وينوطون بها المسامير والخرق؛ فهي ذات أنواط؛ فاقطعوها"

فهذا الطرطوشي الذي كان يسكن القيروان يذكر هذا من أحوال الناس ولولا وجوده لما ذكره وشدد عليه 

 قال أبو عبد الرحمن بن إسماعيل الشافعي المعروف بابن أبي شامة في كتاب البدع والحوادث: ((ومن هذا القسم أيضاً ما قد عم الابتلاء به من تزيين الشياطين للعامة تخليق الحيطان والعمد، وإسراج مواضع مخصوصة في كل بلد، يحكي لهم حاك أنه رأى في منامه بها أحداً ممن اشتهر بالصلاح والولاية فيفعلون ذلك ويحافظون عليه مع تضييعهم لفرائض الله وسننه، ويظنون أنهم مقربون بذلك، ثم يتجاوزون هذا إلى أن يعظم وقع تلك الأماكن في قلوبهم فيعظمونها، ويرجون الشفاء لمرضاهم وقضاء حوائجهم بالنذر لها، وهي من عيون وشجر وحائط وحجر، وفي مدينة دمشق مواضع متعددة كمدينة الحمى خارج باب ((توما)) ، والعمود المخلق داخل باب الصغير، والشجرة الملعونة، خارج باب النصر في نفس قارعة الطريق، سهل الله قطعها واجتثاثها من أصلها فما أشبهها بذات أنواط الواردة في الحديث)) انتهى

فتأمل ذكره أن هذا بلاء قد طم وأبو شامة نفسه أشعري صوفي  

 ولقد اعترف أحمد بن محمد الصديق الغماري أحد مشاهير القبورية بوجود الشرك الأكبر والكفر الصراح في القبورية مبينًا حالة القبورية المغربية، فقال:
(إن كثيرًا من العوام بالمغرب ينطقون بما هو كفر في حق الشيخ عبد القادر الجيلاني (561هـ) ، وكذلك نرى بعضهم يفعل ذلك مع من يعتقده من الأحياء، فيسجد له، ويقبل الأرض بين يديه في حال سجوده، ويطلب منه في تلك الحال الشفاء والغنى والذرية ونحو ذلك مما لا يطلب إلا من الله تعالى.
وإن عندنا بالمغرب من يقول في ابن مشيش (662هـ) : أنه الذي خلق الابن والدنيا.
ومنهم من قال - والمطر نازل بشدة -: يا مولانا عبد السلام! الطف بعبادك. فهذا كفر"

وقال ابن الجوزي في تلبيس إبليس :" قال ابن عقيل لما التكاليف على الجهال والضغام عدلوا عن أوضاع الشرع إلى تعظيم أوضاع وضعوها لأنفسهم فسهلت عليهم إذ لم يدخلوا بها تحت أمر غيرهم قال وهم كفار عندي بهذه الأوضاع مثل تعظيم القبور وإكرامها بما نهى الشرع عنه من إيقاد النيران وتقبيلها وتخليفها وخطاب الموتى بالألواح وكتب الرقاع فيها يا مولاي أفعل بي كذا وكذا وأخذ التراب تبركا وإفاضة الطيب على القبور وشد الرحال اليها وإلقاء الخرق على الشجر أقتداء بمن عبد اللات والعزى ولا تجد في هؤلاء من يحقق مسألة في زكاة فيسأل عن حكم يلزمه والويل عندهم لمن لم يقبل مشهد الكهف ولم يتمسح بآجرة مسجد المأمونية يوم الأربعاء ولم يقل الحمالون على جنازته أبو بكر الصديق أو محمد وعلي ولم يكن معها نياحة ولم يعقد على أبيه أزجا بالجص والآجر ولم يشق ثوبه إلى ذيله ولم يرق ماء الورد على القبر ويدفن معه ثيابه"

فإذا كان هذا الشرك قد ظهر في زمن ابن عقيل وقد توفي قبل أكثر من تسعة قرون وصرح بتكفير الفاعل فعلى محمد بن عبد الوهاب من لوم ومن الذي يستغرب من وجوده في زمنه

والعجب أنه بفضل الله ثم بفضل دعوة هذا الشيخ زالت هذه المظاهر الجاهلية في كثير من البلدان فزال الشرك وزال التواطؤ على عدم توريث النساء وزال التواطؤ على ترك الصلاة والزكاة والتقاتل على العصبية الجاهلية خصوصاً في الجزيرة العربية وزال من كثير منها تحكيم الطواغيت

ومع هذا لا يعرف لهذا الرجل فضله ولا جهاده والله المستعان ، ويعظم ما يسمى بالخلافة العثمانية مع كونها قائمة على الشرك بل لما ظهرت دعوة التوحيد حاربتها وتركت المنتسبين للملة يتسكعون في ظلمات الجهل والذي يصيب المسلمين اليوم من أثر ذلك البلاء الذي تركوه ينتشر ثم ضيعوا دولتهم وجعلوا المسلمين فريسة للكفار
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي