مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: كلام جيد للقرطبي في الرد على محسني البدع ...

كلام جيد للقرطبي في الرد على محسني البدع ...



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :

قال القرطبي في كتابه الإعلام بما في دين النصارى من الأوهام ص426 :" وَلَو فَرضنَا عَبْدَيْنِ أَمرهمَا سيدهما بالإقتداء بِهِ وبإتباع سنته فَأخذ الْوَاحِد مِنْهُمَا يقفو أثر سَيّده فِي أَفعاله فَلَا يزِيد فِيهَا وَلَا ينقص مِنْهَا بل هُوَ مواظب عَلَيْهَا غير خَارج عَنْهَا وَلَا زَائِد فِيهَا وَهُوَ مَعَ ذَلِك مُعْتَقد لتعظيمه محب لَهُ وَأخذ الآخر يزِيد تَارَة فِي حكم وَينْقص تَارَة من حكم وَهُوَ مَعَ ذَلِك مُعظم لسَيِّده فَلَو فَرضنَا أَن السَّيِّد قَالَ للْأولِ مَا صنعت فِيمَا أَمرتك فَقَالَ لَهُ لم أَزْد على مَا رَأَيْتُك تفعل وَلَا نقصت لِأَنِّي خفتك وَأَيْضًا فَإِنِّي أحبك وأعظمك فأحببتك وأحببت فعلك الَّذِي رَأَيْتُك تَفْعَلهُ فَلَا شكّ أَن الْعُقَلَاء يستحسنون هَذَا الْفِعْل ويرون أَن هَذَا العَبْد فِي أَعلَى دَرَجَات الْعقل وَالطَّاعَة لسَيِّده والمحبة لَهُ والتعظيم وَإِن مثل هَذَا يَنْبَغِي للسَّيِّد أَن يعتقهُ ويثبه
وَأما الثَّانِي فَإِذا قَالَ لَهُ سَيّده مَا فعلت فِيمَا أَمرتك فَيَقُول فعلت مَا رَأَيْتُك تفعل وَمَا أَمرتنِي بِهِ إِلَّا أَنِّي زِدْت أفعالا لم تَأْمُرنِي بهَا ونقصت أَيْضا فَإِنِّي تركت أفعالا رَأَيْتُك تفعلها فَيَقُول لَهُ لأي شَيْء زِدْت مَا لم آمُرك بِهِ ونقصت مِمَّا رَأَيْتنِي فعلت فَلَا يَصح لَهُ أَن يَقُول لِأَنِّي عظمتك وأحببتك فَإِن هَذَا لَا يُنَاسب تَعْظِيمه وَلَا محبته بل يُنَاسب بغضه وإهانته فَلَا شكّ أَن الْعُقَلَاء يحكمون أَن مثل هَذَا العَبْد لم يطع سَيّده فِي جَمِيع مَا أمره بِهِ وَأَنه كَاذِب فِي تَعْظِيمه ومحبته وَأَنه مستوجب لنكال سَيّده
وَهَذَا الْمِثَال الْأَخير هُوَ مثالكم مَعَ الْمَسِيح فَإِنَّكُم تدعون تَعْظِيمه وتخالفونه فِي أَفعاله وتزيدون عَلَيْهِ فِي أَحْكَامه فَأنْتم مستحقون لتوبيخه وعقاب مرسله ومتجمعكم مَعَ من شرع لكم هَذِه الْأَحْكَام نَار حامية تسمى الهاوية"

أقول : وهذا الكلام جيد يصلح في الرد على مستحسني البدع

والقرطبي أشعري وهو معظم عندهم

والأشاعرة دائماً أثناء ردودهم على النصارى والفلاسفة والرافضة والمعتزلة يقولون كلاماً يصلح للرد عليهم فيما ضلوا فيه

والقرطبي في كتابه هذا ظاهر أنه يرى التحسين والتقبيح العقليين وكلامه في هذا هنا واضح وطوال الكتاب وقد أثبت النبوة بطريقة قريبة من الطريقة السنية فلم يحصر الأمر بالمعجزة بل استدل بأحوال النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً على صحة النبوة

ولا أدري هل هذا مذهبه باطراد أم أنه يتناقض فليس لي كبير نظر في تفسيره

وليعلم أن من الأشاعرة من هو حرب على البدع العملية كالشاطبي والطرطوشي هذا مع تلبسهم بالبدع الكلامية وهذا تناقض عجيب

ومنهم من ينكر البدع العملية بالجملة ثم يستحسن بعضها بلا بينة كأبي شامة الذي يرى بدعية الاجتماع للدعاء في ليلة الختم في رمضان ويستحسن المولد !

ومنهم من هو متوسع في البدع مستحسن لكثير منها كالعز بن عبد السلام ومثله النووي وابن حجر ومن أسوأهم في الباب السيوطي

ومع ذلك نجد العز ينكر صلاة الرغائب ويشتد في ذلك

ولا يوجد في متقدمي الأشاعرة ومتأخريهم من يتوسع في الابتداع والإحداث في الدين توسع الصوفية المعاصرين

فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " وشر الأمور محدثاتها وكل محدثةٍ بدعة وكل بدعة ضلالة ".

قلت : وهذا النص قاصمٌ لظهر القائلين بتحسين البدع
 إذ أن العموم في قوله : " كل بدعة ضلالة " إما أن يكون كلياً يشمل جميع الأفراد أو أغلبياً يشمل غالبها .

والقوم يقولون بالثاني ولكنهم يتناقضون فمعظم البدع عندهم حسنة فغالبهم من الأشاعرة الذين عندهم من البدع العقدية الشيء الكثير

وإذا كانت البدع العقدية حسنة فما السيء إذن ؟!!

وعامتهم من الصوفية وعند الصوفية من البدع الشيء الكثير ولا ينكرون إلا القليل منها _ ما إذا قورن بما يصنعون _ فيكونون قد خالفوا النص بالفهمين.

والفهم الأول هو المتعين لأنه عضد بعمومٍ آخر وهو قوله صلى الله عليه وسلم : " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد "

وقد قال ابن عمر : " كل بدعة ضلالة إن رآها الناس حسنة " رواه البيهقي في المدخل بسندٍ صحيح
 فإذا علمت هذا فاعلم أن البدعة أشر من المعصية مطلقاً لقوله صلى الله عليه وسلم : " وشر الأمور محدثاتها ".

وقال الشاطبي في الإعتصام (1/130) : " حكى عياض عن مالك من رواية ابن نافع عنه قال لو ان العبد ارتكب الكبائر كلها دون الاشراك بالله شيئا ثم نجا من هذه الاهواء لرجوت ان يكون في اعلى جنات الفردوس لان كل كبيرة بين العبد وربه هو منها على رجاء وكل هوى ليس هو منه على رجاء انما يهوى بصاحبه في نار جهنم.

وأما البراءة منه ففي قوله (إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء) وفي الحديث انا برئ منهم وهم براء مني
وقال ابن عمر رضي الله عنه في اهل القدر اذا لقيت أولئك فأخبرهم اني برئ منهم وانهم براء مني.

وجاء عن الحسن لا تجالس صاحب بدعة فإنه يمرض قلبك، وعن سفيان الثوري من جالس صاحب بدعة لم يسلم من احدى ثلاث اما أن يكون فتنة لغيره واما ان يقع بقلبه شيء يزل به فيدخله النار واما ان يقول والله لا ابالي ما تكلموا به واني واثق بنفسي فمن يأمن بغير الله طرفة عين على دينه سلبه اياه"
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي