مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: ظاهرة الغرور المهلك ...

ظاهرة الغرور المهلك ...



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :

فقد سبق لي أن تكلمت عن ظاهرة اختزال الدين ، وأنها تحدث عند المرء اختلالاً في الموازين عند الحكم على الأشخاص أو المواقف

واليوم يخاف المرء من نقد الغلو لئلا يتخذه الجفاة سلماً لنقد الحق كما هو حاصل في كل مكان في الدنيا

ولكن لا بد من وقفة فقد رأيت بلاءً مبيناً ، وبعض الأمر لسخفه أو حماقة أهله لا يلتفت إليه كثيرون غير أن معظم النار من مستصغر الشرر

والقصة تبدأ مع شخص يقرأ في كلام السلف ما يجده عامة المعاصرين يخالفونه ، فيأخذه الحرص على الناس ومحبة الخير لهم على طرح ما وجد والبوح بنتيجة بحثه إلى بعض إخوانه على استحياء فيصادف بردة فعل عنيفة ملؤها التحقير والتصغير ، دون وجود حجة تدفع سوى الركون إلى التقليد

وقد بلغني في هذا السياق أن شاباً أجرى بحثاً في موضوع أبي حنيفة فانتهى إلى أن الرجل مبتدع جرحه أئمة السلف ، فثار عليه أصحاب له ووصل الأمر إلى الوشاية للمخابرات بأن هذا دسيسة يكيد للإسلام وأهله عن طريق الطعن في أئمته !

وكل ما في الأمر أنه شاب بحث مسألة لم يتوصل فيها إلى نتيجة مناقضة للإجماع القديم كما توصل إليه من يرى طهارة الدم والخمر ومن يرى عدم جواز الزيادة على أحد عشر ركعة في التراويح أو أن الاستمناء في نهار رمضان لا يفطر أو أن عروض التجارة لا زكاة فيها أو وجوب تحية المسجد وغيرها من الاختيارات الغريبة

بل هذا الشاب توصل إلى نتيجة قد سبق إليها من أئمة كبار بل ادعي الإجماع _ وهو إجماع صحيح _ على قوله

وبعد مثل هذه الحوادث ربما تكررت في مسائل أخرى ، وهنا نصل إلى الخطوة الثانية وهي أن مثل هذا الشاب إذا لم يتق الله عز وجل ويطلب الانتصار للنفس فإنه يصير له هوى في معاكسة من آذاه بالباطل

مع ما قد يكون تسلل إلى قلبه من غرور لكونه أصاب في مسألة غلط فيها كثير ممن يشار إليهم بالبنان ، أو ربما عامة المتأخرين ولا يدرك أن هذا محض توفيق ولو تفكر فيه لوجده كذلك بل ربما يكون أول من دله على طريق الصواب رجل سوء أو شخص خلفي وربما يكون الهداية للحق في هذه المسألة إنما كان بسبب أمر حسن وقر في قلب ذلك الشخص في يوم من الأيام فكافأه رب العالمين على هذا فيظنن أن الأمر من عند نفسه أو لذكائه أو شيء من ذلك

والصحابة الذين جابهوا الدنيا في الدعوة للإسلام يقولون ( والله لولا الله ما اهتدينا *** ولا تصدقنا ولا صلينا )

فتجد منهم من شغله الشاغل الرد على من آذاه فإذا كلمه بعض الناس قال ( أنا أنصر الحق والسنة ) وحقاً قد يكون فعلاً يتكلم بشيء كثير من الحق والسنة

ولكن هل الحق والسنة محصورٌ في الرد على من آذاك وفي هذا الزمن يوجد من البلاء الشيء العظيم

وربما يصل البغض في نفوس بعضهم على من آذاه حتى أنه لو سمع أنه أسلم على يده شخص ما سره ذلك أبداً

ثم إذا استحكم ذلك في القلب أدى إلى ما لا تحمد عقباه

وقد رأيت عجائب في هذا الباب ، منها شاب مشتغل بالشعر والأدب ويطلب العلم عند بعض الشيوخ الذين يردون الصاع صاعين لمن يؤذيهم ويشغل حياته في الرد عليهم ، وكان هذا الشاب قد حاز لقب ( عالم ) من شيخه

ثم تطور الأمر معه حتى صار يذكر من علامات الضلال النصح بكتب شيخ الإسلام ! ، ولما رأيت كلامه هذا ذهبت إلى مدونته فوجدت أنه قاريء عنيف للأدباء المعاصرين ! ومع ذلك يحذر من كتب ابن تيمية _ رحمه الله _

ورأيت له مدحاً لمرسي وهجاءً له !

ورأيت له حواراً مع بعض الفتيات وعلى الرغم من أن الحوار كان فكرياً إلا أنه بما عنده الذكاء واللغة العالية كان يتلاعب بها كالكرة وأحسب أنها لم تخرج من النقاش إلا وفي قلبها عاطفة تجاهه!

ورأيت له بحثاً فقهياً على طريقة أجلاف الظاهرية رجح فيه قولاً ما سبق إليه في أكثر الحيض

وكنت أتعجب من غروره وأنه كيف يجتمع هذا مع الهداية في باب العقيدة ولو إجمالاً

حتى شهدت اليوم انتكاسته وأنه صار ينصر طريقة التفويض

ويحتج بأثر عن أحمد يروى بطريق هو نفسه طريق رواية التأويل عن الإمام أحمد !

ويحتج برواية عن محمد بن الحسن الشيباني وما علم أنه جهمي كذاب عند السلف وكلامه لا يناقض المنهج السلفي حقيقة

ويحتج بما روي بأن الأخبار لا تفسر وينسى ما قاله عامة السلف في تفسير الاستواء وليقرأ ما قاله في تفسير قوله تعالى ( هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام )

وهل يلتقي تفويض هذا الأحمق مع الإشارة الحسية التي استخدمها النبي صلى الله عليه وسلم وهو يتكلم عن قبضة رب العالمين كما في صحيح مسلم

واستخدمها عند الكلام على السمع والبصر

وهل يلتقي التفويض مع قوله ( أضحك من ضحك رب العالمين )!

وقوله تعالى ( يحبهم ويحبونه )

ثم مع زعمه أنه يرجع للكتب العتيقة يقول بأنه لا يفضل بين الصحابة ، فيجنح لطريقة المعلمي ومحمود سعيد ممدوح ، وأين وجد هذا في الكتب العتيقة ؟!

كل كتب العقيدة المختصرة تنص على التفضيل

ويقول أنه يرى الخروج على الحاكم الذي لا يحكم بكتاب الله

وليخبرني من من السلف في الكتب العتيقة قال هذا بهذا الإطلاق

وقد ذهبت إلى موقع شيخ المذكور فرأيته منشغلاً بمعاركه والله المستعان

والمثال الثاني كتابة رأيتها لشخص أقرب للجنون في تكفير ابن تيمية ! وإثبات تجهمه !

وإذا كان ابن تيمية كافراً فهذا معناه في مذهب هذا الشخص أن الناس لقرون لم يكن فيهم مسلم لأن عامة الناس في المسائل العقدية الكبرى دون ابن تيمية في القرون المتأخرة

وعلى هذا الاعتبار من هو المبتدع ؟

مثل هذا الشخص الناس عنده مسلم وكافر فقط فإذا كان رجل سني كشيخ الإسلام كافراً فلا يوجد مسلم سواءً كان سنياً أو مبتدعاً 

وعما قريب مثل هذا سيسعى لتضعيف أخبار الفرقة الناجية والطائفة المنصورة ليثبت أن الأمة كان لقرون طويلة على الشرك دون أن يوجد فيها موحد معلوم فضلاً عن سني

ومثل هذا التقرير الذي أذكره يأخذه الجهلة ليبرروا تقليد بعض العلماء الذين كانوا على السنة في أمور أخطأوا فيها بحجة أنك إذا أنكرت علينا لزمك الإنكار عليهم وليس الأمر كذلك ، فأبو هريرة لم يكن يقول بالمسح على الخفين لعدم بلوغ الأحاديث له فهل يسع مسلم اليوم أن يقلده في هذا ، وهذا باب واسع تكلمت عليه مراراً

وهذا المكفر لابن تيمية يكتب لنفسه عقيدة ويقول ( ولا نثرب على من كفر يزيد بن معاوية )

ويا ليت شعري من من السلف ذكر مثل هذا الحرف في عقيدته وكل كتب العقيدة صنفت بعد وفاة يزيد بن معاوية فهذا عين الابتداع في الدين

ومثل هذا الجويهل يعمد إلى رجل كشيخ الإسلام جاء في زمن امتلأ بالشرك والبدع والخرافات وكان هو على نصيب منها حتى أنقذه الله عز وجل فحاربها حرباً لا هوادة فيها وأوذي لذلك أذية عظيمة ووقع له من الزلل ما لا يسلم منه بشر خصوصاً في الأعصار المتأخرة وحقق في بعض مسائل العلم تحقيقاً فاق فيه محمد بن نصر وابن قتيبة بل وابن جرير وكان مذهبه في التلاوة والمتلو أشبه بنصوص أحمد من مذهب الإمام البخاري نفسه

وما أحسن وصف ابن عبد الهادي له في العقود الدرية وكأنه يخاطب هذا الرجل :" وَفِي الْجُمْلَة أيدكم الله إِذا رَأَيْتُمْ طاعنا على صَاحبكُم فافتقدوه فِي عقله أَولا ثمَّ فِي فهمه ثمَّ فِي صدقه ثمَّ فِي سنه فَإِذا وجدْتُم الِاضْطِرَاب فِي عقله دلكم على جَهله بصاحبكم وَمَا يَقُول فِيهِ وَعنهُ وَمثله قلَّة الْفَهم وَمثله عدم الصدْق أَو قصوره لِأَن نُقْصَان الْفَهم يُؤَدِّي إِلَى نُقْصَان الصدْق بِحَسب مَا غَابَ عقله عَنهُ وَمثله الْعُلُوّ فِي السن فَإِنَّهُ يشيخ فِيهِ الرَّأْي وَالْعقل كَمَا تشيخ فِيهِ القوى الظَّاهِرَة الحسية فاتهموا مثل هَذَا الشَّخْص واحذروه وأعرضوا عَنهُ إِعْرَاض مداراة بِلَا جدل وَلَا خُصُومَة
وَصفَة الامتحان بِصِحَّة إِدْرَاك الشَّخْص وعقله وفهمه أَن تسألوه
عَن مَسْأَلَة سلوكية أَو علمية فَإِذا أجَاب عَنْهَا فأوردوا على الْجَواب إشْكَالًا مُتَوَجها بتوجيه صَحِيح فَإِن رَأَيْتُمْ الرجل يروح يَمِينا وَشمَالًا وَيخرج عَن ذَلِك الْمَعْنى إِلَى معَان خَارِجَة وحكايات لَيست فِي الْمَعْنى حَتَّى ينسى رب الْمَسْأَلَة سُؤَاله حَيْثُ توهه عَنهُ بِكَلَام لَا فَائِدَة فِيهِ فَمثل هَذَا لَا تعتمدوا على طعنه وَلَا على مدحه فَإِنَّهُ نَاقص الْفطْرَة كثير الخيال لَا يثبت على تحري المدارك العلمية وَلَا تنكروا مثل إِنْكَار هَذَا فَإِنَّهُ اشْتهر قيام ذِي الْخوَيْصِرَة التَّمِيمِي إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَوله لَهُ اعْدِلْ فَإنَّك لم تعدل إِن هَذِه قسْمَة لم يرد بهَا وَجه الله تَعَالَى أَو نَحْو ذَلِك
فوقوع هَذَا وَأَمْثَاله من بعض معجزات الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِنَّهُ قَالَ لتركبن سنَن من كَانَ قبلكُمْ حَذْو القذة بالقذة وَإِن كَانَ ذَلِك فِي الْيَهُود وَالنَّصَارَى لَكِن لما كَانُوا منحرفين عَن نهج الصَّوَاب فَكَذَلِك يكون فِي هَذِه الْأمة من يحذو حَذْو كل منحرف وجد فِي الْعَالم مُتَقَدما كَانَ أَو مُتَأَخِّرًا حَذْو القذة بالقذة حَتَّى لَو دخلُوا جُحر ضَب لدخلوه
يَا سُبْحَانَ الله الْعَظِيم أَيْن عقول هَؤُلَاءِ أعميت أَبْصَارهم وبصائرهم أَفلا يرَوْنَ مَا النَّاس فِيهِ من الْعَمى والحيرة فِي الزَّمَان المظلم المدلهم الَّذِي قد ملكت فِيهِ الْكفَّار مُعظم الدُّنْيَا وَقد بقيت هَذِه الخطة الضيقة

يشم الْمُؤْمِنُونَ فِيهَا رَائِحَة الْإِسْلَام وَفِي هَذِه الخطة الضيقة من الظُّلُمَات من عُلَمَاء السوء والدعاة إِلَى الْبَاطِل وإقامته ودحض الْحق وَأَهله مَالا يحصر فِي كتاب ثمَّ إِن الله تَعَالَى قد رحم هَذِه الْأمة بِإِقَامَة رجل قوي الهمة ضَعِيف التَّرْكِيب قد فرق نَفسه وهمه فِي مصَالح الْعَالم وَإِصْلَاح فسادهم وَالْقِيَام بمهماتهم وحوائجحهم ضمن مَا هُوَ قَائِم بصدد الْبدع والضلالات وَتَحْصِيل مواد الْعلم النَّبَوِيّ الَّذِي يصلح بِهِ فَسَاد الْعَالم ويردهم إِلَى الدّين الأول الْعَتِيق جهد إِمْكَانه وَإِلَّا فَأَيْنَ حَقِيقَة الدّين الْعَتِيق فَهُوَ مَعَ هَذَا كُله قَائِم بجملة ذَلِك وَحده وَهُوَ مُنْفَرد بَين أهل زَمَانه قَلِيل ناصره كثير خاذله وحاسده والشامت فِيهِ
فَمثل هَذَا الرجل فِي هَذَا الزَّمَان وقيامه بِهَذَا الْأَمر الْعَظِيم الخطير فِيهِ أيقال لَهُ لم يرد على الأحمدية لم لَا تعدل فِي الْقِسْمَة لم تدخل على الْأُمَرَاء لم تقرب زيدا وعمرا
أَفلا يستحيي العَبْد من الله يذكر مثل هَذِه الجزئيات فِي مُقَابلَة هَذَا العبء الثقيل وَلَو حوقق الرجل على هَذِه الجزئيات وجد عِنْده نُصُوص صَحِيحَة ومقاصد صَحِيحَة ونيات صَحِيحَة تغيب عَن الضُّعَفَاء الْعُقُول بل عَن الكمل مِنْهُم حَتَّى يسمعوها
أما رده على الطَّائِفَة الْفُلَانِيَّة أَيهَا المفرط التائه الَّذِي لَا يدْرِي
مَا يَقُول أفيقوم دين مُحَمَّد بن عبد الله الَّذِي أنزل من السَّمَاء إِلَّا بالطعن على هَؤُلَاءِ وَكَيف يظْهر الْحق إِن لم يخذل الْبَاطِل لَا يَقُول مثل هَذَا إِلَّا تائه أَو مسن أَو حَاسِد
وَكَذَا الْقِسْمَة للرجل فِي ذَلِك اجْتِهَاد صَحِيح وَنظر إِلَى مصَالح تترتب على إِعْطَاء قوم دون قوم كَمَا خص الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الطُّلَقَاء بِمِائَة من الْإِبِل وَحرم الْأَنْصَار حَتَّى قَالَ مِنْهُم أحداثهم شَيْئا فِي ذَلِك لاذووا أحلامهم وفيهَا قَامَ ذُو الْخوَيْصِرَة فَقَالَ مَا قَالَ وَأما دُخُوله على الْأُمَرَاء فَلَو لم يكن كَيفَ كَانَ شم الْأُمَرَاء رَائِحَة الدّين الْعَتِيق الْخَاص وَلَو فتش المفتش لوجد هَذِه الْكَيْفِيَّة الَّتِي عِنْدهم من رَائِحَة الدّين وَمَعْرِفَة الْمُنَافِقين إِنَّمَا اقتبسوها من صَاحبكُم
وَأما تقريب زيد وَعَمْرو فلمصلحة باطنة لَو فتش عَنْهَا مَعَ الْإِنْصَاف وجد هُنَالك مَا يرى أَن ذَلِك من الْمصلحَة ونفرض أَنَّك مُصِيب فِي ذَلِك إِذْ لَا نعتقد الْعِصْمَة إِلَّا فِي الْأَنْبِيَاء وَالْخَطَأ جَار على غَيرهم أيذكر مثل هَذَا الْخَطَأ فِي مُقَابلَة مَا تقدم من الْأُمُور الْعِظَام الجسام
لَا يذكر مثل هَذَا فِي كراسة ويعددها ثمَّ يَدُور بهَا على وَاحِد وَاحِد كَأَنَّهُ يَقُول شَيْئا إِلَّا رجل يسْأَل الله الْعَافِيَة فِي عقله"

ومثل هذا المتكلم يستغل الأحوال الحديثة حيث أن المرء لا يحاسب على كثير مما يسود في مواقع التواصل الاجتماعي وأما في زمن ابن تيمية فكانت كلمة الحق لها ثمن باهض

وأما مسألة الإعذار التي يصول بها بعض هؤلاء ويجول

فالشيخ رحمه الله حصل شبهة في التفريق بين الإطلاق والتعيين لما رأى من بعض آثار أحمد المروية عنه في شأن المعتصم، وما رآه من التفصيل في شأن الواقفة واللفظية ، وفي كتب الفقه الحنبلي يغلط على أحمد بما هو أعظم من ذلك حتى نسب بعضهم جواز تزويج الرافضي واختزل رواية ثابتة عنه من سياقها ونسبوه إليه التفريق بين الجهمي الداعية وغير الداعية

وإلا فالرجل يقرر الفرق بين المسائل الظاهرة والباطنة ولا أدل على ذلك من كلامه في آخر الصارم في كفر من يشك في كفر الرافضة الغلاة  ، ويقرر أيضاً الفرق بين المعرض المتمكن من العلم وبين الجاهل ، ويقرر استتابة الواقع في الشرك مطلقاً ، ويفرق بين الحكم الدنيوي والحكم الأخروي في بعض الصور

وقد رد على أبي يعلى ما تأثر به من إرجاء الجهمية

أفيجعل هذا مع من لا يفرق بين هذه الأمور كلها ويشترط إقامة الحجة مطلقاً في جميع صور الكفر إلا قليلاً منها ، ويأتي إلى الجهمي الواقع في الكفر الأكبر فيرفض الطعن فيه فضلاً عن تبديعه فضلاً عن تكفيره بل يجعله إماماً من أئمة المسلمين والطعن فيه علامة بدعة وضلال

ويأتي إلى الواقع في العديد من ضلالات الجهمية في القدر والصفات والإيمان والنبوات مع قبورية ظاهرة ويجعله في مصاف علماء الأمة بل في مصاف الصحابة الذين التعرض لهم علامة خيبة

ويجعل التكفير لمن وقع في ناقض من نواقض الإسلام بشكل قطعي محصوراً بأناس معينين والإقدام عليه حتى مع وجود الأدلة جرأة وتركه والشهادة للواقع بالناقض بالإسلام هو السلامة والخير

بل من بلاء بعض الناس جعلهم الكلام في منكر علو الله عز وجل ككثير من الأشعرية المتأخرين كالكلام في رجل قضى حياته في نصرة العقيدة السليمة كابن تيمية _ رحمه الله _

وبعضهم كلمني في مسألة فناء النار فلما رجعت إلى كلام الرجل وإذا به يعتمد على آثار للصحابة ويستدل على عدم نكارتها برواية عبد بن حميد وحماد بن سلمة لها ويستدل بالسياق الذي ذكره عبد بن حميد على أنه أراد معنى الفناء

فحتى محمد الأمين الشنقيطي وهو يرد عليه في هذه المسألة سلم أن بعض الصحابة ظاهر كلامه هذا

فغاية ما في هذه المسألة أن الرجل انقدحت عنده شبهة أثرية وليست شبهة كلامية فقال بقول ظن أن له فيه سلفاً

وانطلق يحقق أصله في أن الصحابة لا يمكن أن يقولوا شيئاً يناقض ظاهر القرآن 

وبعضهم لما سئل عن سلفه فيما يقول في ابن تيمية أحال على السبكي ! 

 عفواً نريد سلفاً نقول بإسلامه ! فلن تسمي أحداً مرضي الدين عندك إلا وهو معظم للشيخ فاتبع سبيل المؤمنين ودع عنك الغرور 

وبعضهم يستخدم هذا الإلزام مع بعض الأشعرية ويقول ( من تكلم فيهم )؟

وهذا غلط عظيم فالأشعرية فرقة منفصلة عن أهل السنة فالبحث في أحوال أفرادها واحداً واحداً محض عبث ، خصوصاً وأنهم واقعون في بدعة مكفرة من أخطر البدع المكفرة وقد وجد في الحنابلة قبل ابن تيمية وبعده من يكفر الأشاعرة مطلقاً فقبله عبد الغني والهروي وغيرهم وبعده ابن المبرد وأئمة الدعوة وغيرهم ، وعامة هؤلاء لا يفرقون بين الإطلاق والتعيين في شأن هؤلاء القوم 



والمثال الثالث في أقوام أخبروني عنهم أنهم ينسبون الشافعي للرأي والتوسع فيه !

ويا ليت شعري الشافعي الذي نكس رايات أهل الرأي وعدوه مجدداً لأنه كان من أعظم الرادين عليهم بل أظهر تناقضهم على أصولهم ، ومثله صنع ابن تيمية في المتكلمين حيث أظهر مناقضتهم لأصولهم قبل مناقضتهم للشرع

وما كان أحد أبغض إليه الرأي من أئمة السلف وكلهم نظر في كتب الشافعي فربما لم يعجب بعضهم كثرة كلامه كما صنع أحمد ولم يعجبه ذلك في مالك وسفيان ولكن أن يجرد الرجل من علمه وفضله ويصير هدفاً لسهام الجهلة فهذه سابقة عصرية خبيثة


فوالله نحن في زمن عجيب يسير بعض الأغرار على خطى الكرابيسي الذي ترك الناس كلهم وعمد إلى ركن من أركان الرواية وهو الأعمش وصار يحاول ثلبه فأنكر عليه أحمد ذلك

الأعمش شيعي نعم ! ، ولكن تشيع من يفضل علياً على عثمان وكان ذلك المذهب السائد في الكوفة في زمنه ومدار حديث ( لا تسبوا أصحابي ) في الصحيح على الأعمش

وبعض هؤلاء الأغرار أحسب أنه لو كان حاضراً في يوم صفين لكان من ضمن من انشق عن علي لقبوله الصلح ولاتهموه بالمداهنة

والعجيب أن جميع الأمثلة التي ذكرت تثلب أئمة الدعوة وهؤلاء الرجال أعني أئمة ليسوا معصومين وقد يتعقبهم المرء في بعض المسائل ولكن الناظر بعين الإنصاف يعلم أن هؤلاء لم يوجد في أمة الإسلام في الأعصار المتأخرة مثلهم حرقة على التوحيد ونصرة له حتى أنني لأزعم أنه لا يوجد موحد في وجه البسيطة إلا ولهم منة عليه وهم سبب وصول هذا الخير إليه فمثل هؤلاء يوضعون على الرؤوس وهم جميعاً يعلمون لابن تيمية وابن القيم فضلهم ولأن الإمام المجدد إنما تعلم التوحيد من كتب هذين الرجلين

والذي يقول ( التنظيم الفلاني أو العلاني نبتة سلفية )

يقال له الحقيقة اليقينية أن البلاد التي تعيش فيها وتتنعم بما يغبطك عليه عامة الناس في الدنيا هي من آثار جهاد من تسميهم أنت وأمثالك ب( الغلاة ) فهي حقاً ( نبتة سلفية ) وإذا أزمعتم أن تستغنوا عن هذه الدعوة فستزول هذه الدولة
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي