مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: من نفائس ابن تيمية : سبب ترك الصوفية للجهاد

من نفائس ابن تيمية : سبب ترك الصوفية للجهاد



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :

كثيراً ما يتكلم بعض الناس عن إنصاف ابن تيمية ويضع بعض عباراته في فم من يزعم أنهم غلاة ، وينسى أنه هو نفسه لا يطبق إنصاف ابن تيمية مع من يسميهم غلاةً فتجده يسب من يتكلم فيه وإن كان موحداً مسبة يضن بها على الجهمي والقبوري خصوصاً إذا كان ميتاً وممن خدم الإسلام في زعمه

واليوم صار تفضيل الشيوعي والنصراني على المسلم من أجل موقف سياسي لغة سائدة ومنتشرة

وهنا كلام لابن تيمية يشرح فيه سبب كون الصوفية من أقل الناس جهاداً ، وهو يعني صوفية عصره

قال ابن تيمية في الاستقامة ص268 :" وأما الجهاد في سبيل الله فالغالب عليهم أنهم ابعد عنه من غيرهم حتى نجد في عوام المؤمنين من الحب للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والمحبة والتعظيم لأمر الله والغضب والغيرة لمحارم الله وقوة المحبة والموالاة لأولياء الله وقوة البغض والعداوة لأعداء الله ما لا يوجد فيهم بل يوجد فيهم ضد ذلك
 ومعلوم أن أهل الإيمان والصلاح منهم لا يفقدون هذا بالكلية لكن هذا السماع المحدث هو وتوابعه سبب ومظنة لضد الجهاد في سبيل الله حتى ان كثيرا منهم يعدون ذلك نقصا في طريق الله وعيبا ومنافيا للسلوك الكامل إلى الله
 ومن السبب الذي ضل به هؤلاء وغووا ما وجدوه في كثير ممن ينتسب  إلى الشريعة من الداعين إلى الجهاد من ضعف حقيقة الإيمان وسوء النيات والمقاصد وبعدهم عن النيات الخالصة لله وصلاح قلوبهم وسرائرهم وعن أن يقصدوا بالجهاد أن تكون كلمة الله هي العليا وأن يكون الدين كله لله كما وجدوه في كثير ممن يذم السماع المحدث من قسوة القلب والبعد عن مكارم الأخلاق وذوق حقيقة الإيمان
 فهذا التفريط في حقوق الله والعدوان على حدوده الذي وجد في هؤلاء وأمثالهم ممن لا يتدين بالسماع المحدث بل يتدين ببعض هذه الأمور صار شبهة لأولئك كما أن التفريط والعدوان الموجود في أهل السماع المحدث صار شبهة لأولئك في ترك كثير مما عليه كثير منهم من حقائق الإيمان وطاعة الله ورسوله
 ولهذا تفرق هؤلاء في الدين وصارت كل طائفة مبتدعة لدين لم يشرعه االله ومنكرة لما مع الطائفة الأخرى من دين الله وصار فيهم شبه الأمم قبلهم"

خلاصة كلام ابن تيمية _ رحمه الله _ أن كثيراً من الصوفية أصحاب السماع المحدث العوام أشد حماساً منهم للجهاد بل بعضهم يرى هذا نقصاً في الطريق وسبب ذلك أنهم رأوا أن كثيراً من الداعين إلى الجهاد فيهم سوء نيات ( يعني تطلع للسلطة وغيرها ) وضعف في حقيقة الإيمان ( وابن تيمية يقر بذلك في مجاهدي تلك الأزمان )

فنفر أولئك المتصوفة من أمر الجهاد بكل أحواله لحال هؤلاء الداعين إلى الجهاد

وتأمل قوله : (فهذا التفريط في حقوق الله والعدوان على حدوده الذي وجد في هؤلاء وأمثالهم ممن لا يتدين بالسماع المحدث بل يتدين ببعض هذه الأمور صار شبهة لأولئك كما أن التفريط والعدوان الموجود في أهل السماع المحدث صار شبهة لأولئك في ترك كثير مما عليه كثير منهم من حقائق الإيمان وطاعة الله ورسوله)

وأنا لا أريد الإسقاط على بعض الحالات اليوم كما يفعل بعضهم

فلا بد أن يكون الجهاد شرعياً ولغاية شرعية وهي إعلاء كلمة الله عز وجل ، وإلا فدفع الظلم أمر يشترك فيه المسلم والكافر لذا قد تجد بعض الكفار يتعاطف مع المسلم إذا أراد دفع الظلم عن نفسه ، ولكن إذا جاهد لتكون كلمة الله هي العليا وليخرج الناس من عبادة العباد لعبادة رب العباد فلن يرضوا عنك حتى تتبع ملتهم

بل العجيب أن معظم المذابح العصرية تفعل في حق المنتسبين للإسلام في بورما ونيجيريا وتركستان وفلسطين وغيرها من البلدان ، ومع ذلك تجد اسم الإرهاب مرتبطاً بالإسلام في عامة البلدان الغربية

والذي أريد قوله من هذا النقل أن كون المرء يرى الجهاد الفلاني جهاداً شرعياً فليس معناه أن كل من خالفك منافق أو عميل لدول الكفر تنزل عليه نصوص النفاق كلها فمن يجالس قاذفي عائشة وعباد القبور ويثني عليهم أولى بأن ينزل عليه آيات المنافقين

وإنما قد تكون عنده شبهة سببها ذلك الداعي للجهاد نفسه أو حتى أنت 

دعك من الليبرالي النجس فهؤلاء حالهم مع الغرب كحال رجل اغتصب امرأة ثم وقعت في غرامه وصارت تأتيه كل يوم من طوع نفسها ، وتسعى لنشر هذا في الناس وهو يوهمها بأنه يراها على شيء وهو في نفسه يراها أحقر امرأة في الدنيا  

ولكن بحثنا فيمن رأى تسامحاً مع أهل البدع بل الرافضة والجهمية بل اليهود والنصارى ، ودعوة للسكوت على ضلالات الفرق الحركية التي تسمى ب( أخطاء الجماعات الإسلامية ) بحجة وجود العلمانيين واليهود وهؤلاء لن يقرضوا بين يوم وليلة فمتى يتنسى تصحيح أخطاء هؤلاء ، بل الواقع أن كثيراً من الضلالات هي سبب تسلط القوم علينا، فإذا رأى هذا كله ، فهو يستصحبه في مواقفه من هذا الإنسان 

ويصدر منه لا يحسن ولا يوافق عليه أبداً غير أن دافعه في ذلك ليس النفاق وليس البغض للمسلمين أو حب انتصار الكافر المعتدي 

والأمر نفسه يقال للطرف الآخر تناقضاتك وعدم اتساقك في أصولك هي من أعظم الفتنة لمخالفك ، حتى إذا دعوته لجهاد أهل البدع ورأى تنكبك عن طريق السلف في أبواب معلومة ومن أهمها باب أهل الرأي غلب على ظنه أن الأمر ليس لله وأن وراءه ما وراءه

فكثيرون هم الذين اشتد غضبهم على سيد قطب بسبب كلامه في معاوية وعمرو بن العاص ، حتى إذا ذكر لهم كلام الشوكاني في معاوية وأنه كان طالب دنيا بين أقوام طغام لا يعرفون معروفاً ولا ينكرون منكراً ( كلامه هذا في رسالته وبل الغمام )

لم يحرك ذلك فيهم ساكناً

فأين ذهبت الحمية لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ؟

ولما تكلم محمد آل الشيخ _ رزقه الله الإيمان _  في حديث شرب أبوال الإبل ، انتفض كثيرون وقالوا فيه قولاً ينشرح له الصدر

غير أن محمد رشيد رضا أنكر عشرات الأحاديث الصحيحة وهي أشهر من هذا الحديث فكان ماذا ؟

وأبو حنيفة صح عنه إنكار ما هو أشهر وأقوى من هذه الأحاديث ووصفها ب( الخرافة ) بل صح عنه الاستهزاء بها فكان ماذا ؟

ويضحكني كثيراً استشهاد بعضهم بأثر النضر بن شميل ( المرجئة دين تحبه الملوك )

ومن كان المرجئة في زمن النضر ؟

أليسوا أصحاب أبي حنيفة ، أليسوا أتباع فقهاء الملة ! الذين ذكرهم الطحاوي في مقدمة عقيدته ؟

يذكرون هذا الأثر يلمزون به معاصراً يقول بأن الإيمان يزيد وينقص وقول وعمل ويستثني في الإيمان

ثم يصفون رجلاً كان يقول ( إيمان إبليس وإيمان أبي بكر سواء ) بالإمام

وقد قال الطحاوي في عقيدته :" 61 - وَلَا يَخْرُجُ الْعَبْدُ مِنَ الْإِيمَانِ إِلَّا بِجُحُودِ ما أدخله فيه"

فعلق الشيخ البراك :" أي: لا يصير كافرا مرتدا بعد أن صار مسلما مؤمنا إلا بجحود ما أدخله فيه، وهذه الجملة خطيرة جدا؛ لأن الإنسان يدخل الإسلام بالشهادتين: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فالكافر إذا شهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، ظاهرا وباطنا، صار مسلما؛ فإن شهد بها بلسانه فقط فهو منافق، وإن شهد بها في باطنه دون ظاهره فهو جاحد، قال تعالى: ((فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ)) [الأنعام: 33]، وقال تعالى: ((وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمَاً وَعُلُوَّاً)) [النمل: 14] فلا بد أن يشهد الشهادتين ظاهرا وباطنا، عن علم وانقياد وإقرار، بذلك يدخل في الإسلام حقيقة.
فقوله: (إلا بجحود ما أدخله فيه) معنى ذلك أن ينكر تفرد الله بالإلهية، فيصير بها مشركا، أو ينكر رسالة الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى جميع الناس، فيصير مُكذبا للرسول - صلى الله عليه وسلم -، هذا معنى هذه الجملة.
فإذا كان يخرج عن الإسلام بجحود التوحيد أو جحود الرسالة، فلأن يخرج عن الإسلام بالتكذيب أو الشك أولى، وعلى هذا فلا يخرج عن الإسلام إلا بالتكذيب، أو الشك في الباطن، أو بالجحود سواءً مع تكذيب وشك أو مع تصديق.
ويمكن أن يقال: إن هذه العبارة تقتضي أنه لا يكفر بأي فعل بعد ذلك إذا لم يجحد، وهذا لا يستقيم؛ بل من تكلم بما هو كفر؛ فإنه
يكفر ولو لم يجحد؛ كمن يستهزئ بالرسول - صلى الله عليه وسلم - مع إقراره برسالته؛ فهل يقال: إنه جحد الرسالة؟ لا، ومن ذبح لغير الله؛ فإنه يكفر، ولو قال: لا إله إلا الله وأن الله هو الإله الحق الذي لا يستحق العبادة سواه، فهذا غير جاحد، فكفره بالفعل، وقد سبق أن الكفر يكون قولا وفعلا واعتقادا، فهذه العبارة لا تصح على هذا الإطلاق؛ فإنه حصر الحكم بالكفر بالجحود، وهي تساوي قولك: لا يكفر المسلم إلا بالجحود. والله أعلم"

إذن الطحاوي يحصر الكفر بالتكذيب

وقد أفتت اللجنة الدائمة بأن هذا هو مذهب المرجئة الغلاة ( يعني الجهمية )

ومع هذا هذا الرجل إمام بل بعضهم ينص على أنه من أهل السنة ، ويعتنى بكتابه أكثر من العناية بعقيدة حرب الكرماني ومن قال الإيمان قول وعمل يزيد وينقص والكفر ستة أنواع وهو ظاهر وباطن ولم يكفر محكم القوانين فهو مرجيء حذاء للسلطان

عفواً شيء من الإنصاف هداكم الله

وفي الطرف المقابل ابن حزم وأبو حنيفة يريان السيف على الفاسق الظالم ومثلهما  ومع ذلك هما إمامان وعالمان ومثلهما الصنعاني والطعن فيما أمارة سوء ، ومن يحرم الخروج بالسيف على الحاكم الفاسق ويجيز المظاهرات فقط خارجي رجل سوء

عفواً شيء من الإنصاف هداكم الله

وآخر محكم القوانين الوضعية ومظاهر المشركين كافر عنده وبلا شك وهو طاغوت ، ومنكر العلو والقبوري ( الإمام فلان بن فلان رحمه الله ) بل أحمد ولد الكوري الشنقيطي في رسالته في الديمقراطية وصف السبكي داعية القبورية والتجهم ب( شيخ الإسلام )

وسبب تمسك كل شخص بما هو عليه إبصاره لتناقضات خصومه دون نظره إلى ما هو عليه هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي