مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: تواضع بقراط وحماقة بعض النفسانيين المعاصرين

تواضع بقراط وحماقة بعض النفسانيين المعاصرين



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :

قال ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى (19/32) :" وجماهير الأمم يقر بالجن ولهم معهم وقائع يطول وصفها ولم ينكر الجن الا شر ذمة قليلة من جهال المتفلسفة والأطباء ونحوهم وأما أكابر القوم فالمأثور عنهم اما الإقرار بها وأما أن لا يحكى عنهم فى ذلك قول ومن المعروف عن بقراط أنه قال فى بعض المياه انه ينفع من الصرع لست أعني الذى يعالجه أصحاب الهياكل وإنما أعنى الصرع الذى يعالجه الأطباء وأنه قال طبنا مع طب أهل الهياكل كطب العجائز مع طبنا
 وليس لمن أنكر ذلك حجة يعتمد عليها تدل على النفي وإنما معه عدم العلم إذ كانت صناعته ليس فيها ما يدل على ذلك كالطبيب الذى ينظر فى البدن من جهة صحته ومرضه الذى يتعلق بمزاجه وليس فى هذا تعرض لما يحصل من جهة النفس ولا من جهة الجن وان كان قد علم من غير طبه أن للنفس تأثيرا عظيما فى البدن أعظم من تأثير الأسباب الطبية وكذلك للجن تأثير فى ذلك"

كلام ابن تيمية هذا نفيس جداً

يذكر فيه أن بقراط الملقب ب( أبو الأطباء ) وهو فيلسوف كافر كان يقر بوجود المس ، وأن جهلة الأطباء المنكرين ليس معهم إلا عدم العلم بحسب معطيات صنعتهم

وكثير من هؤلاء البهائم الذين ابتلينا بهم ويسمون كل ما يجهلونه خرافة

فتجد منهم من كان يسخر بالتداوي بأبوال الإبل فلما ذكرت له دراسات غربية تذكر فائدة هذا الأمر خضع وخنع ولو قال له الغربيون أن البراز مفيد لفكر في أكله

ومنهم من كان يعارض حديث الذبابة ثم لما ظهرت دراسات طبية تحقق معنى الحديث

وبعضهم سخر من حديث الثلاثمائة والستين مفصلاً حتى إذا ظهرت دراسات حديثة تؤكد معنى الحديث

قال : أرسطو كان يقول هذا

يعني أرسطو قبل آلاف السنين كان متقدماً عنكم يا جهلة

ومثل هذا قول الغزالي السقا المصري لما أنكر المس ( لماذا لا يصيب المس إلا العرب )

فرد عليه أبو بكر الجزائري في كتابه ( الدفاع الغالي ) بإثبات عشرات الحالات في أوروبا وأمريكا والتي تعالج في الكنائس

فجمع بين الجهل الواقع والجهل الشرع

وأجهل الناس من يجعل عدم علمه علماً

وقد رأيت طبيبة لبنانية حائزة على الدكتوراة والزمالة في الولايات المتحدة الأمريكية وعندها جهاز تزعم أن من خلاله تستطيع أن تميز ما إذا كان في الإنسان جن أو لا من خلال رصد بعض الأمور التي لا تفسر طبياً بالمقاييس المعروفة

ثم تحيل إلى راق لا يأخذ مالاً ولو شاءت لكررت جلسات المريض وأخذت أموالاً طائلة بشهادتها 

 قال ابن القيم  في كتابه (زاد المعاد في هدي خير العباد) (4/ 66 - 69) ما نصه:
(الصرع صرعان: صرع من الأرواح الخبيثة الأرضية، وصرع من الأخلاط الرديئة، والثاني: هو الذي يتكلم فيه الأطباء في سببه وعلاجه.
وأما صرع الأرواح فأئمتهم وعقلاؤهم يعترفون به ولا يدفعونه، ويعترفون بأن علاجه بمقابلة الأرواح الشريفة الخيرة العلوية لتلك الأرواح الشريرة الخبيثة، فتدافع آثارها، وتعارض أفعالها وتبطلها، وقد نص على ذلك بقراط في بعض كتبه، فذكر بعض علاج الصرع وقال: (هذا إنما ينفع من الصرع الذي سببه الأخلاط والمادة، وأما الصرع الذي يكون من الأرواح فلا ينفع فيه هذا العلاج.
وأما جهلة الأطباء وسقطهم وسفلتهم ومن يعتقد بالزندقة فضيلة فأولئك ينكرون صرع الأرواح، ولا يقرون بأنها تؤثر في بدن المصروع، وليس معهم إلا الجهل، وإلا فليس في الصناعة الطبية ما يدفع ذلك، والحس والوجود شاهد به، وإحالتهم ذلك على غلبة بعض الأخلاط هو صادق في بعض أقسامه لا في كلها).
إلى أن قال: (وجاءت زنادقة الأطباء فلم يثبتوا إلا صرع الأخلاط وحده، ومن له عقل ومعرفة بهذه الأرواح وتأثيراتها يضحك من جهل هؤلاء وضعف عقولهم.
وعلاج هذا النوع يكون بأمرين: أمر من جهة المصروع، وأمر من جهة المعالج، فالذي من جهة المصروع: يكون بقوة نفسه وصدق توجهه إلى فاطر هذه الأرواح وبارئها، والتعوذ الصحيح الذي قد تواطأ عليه القلب واللسان، فإن هذا نوع محاربة، والمحارب لا يتم له الانتصاف من عدوه بالسلاح إلا بأمرين: أن يكون السلاح صحيحاً في نفسه جيداً، وأن يكون الساعد قوياً فمتى تخلف أحدهما لم يغن السلاح كثير طائل، فكيف إذا عدم الأمران جميعاً! ويكون القلب خراباً من التوحيد والتوكل والتقوى والتوجه، ولا سلاح له"



وقد أحسن ابن القيم في سخريته من هؤلاء الجهلة

وقد قال ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى (24/ 268) :" الثانى ان المضطر لا طريق له إلى إزالة ضرورته الا الأكل من هذه الأعيان وأما التداوي فلا يتعين تناول هذا الخبيث طريقا لشفائه فإن الأدوية أنواع كثيرة وقد يحصل الشفاء بغير الأدوية كالدعاء والرقية وهو أعظم نوعى الدواء حتى قال بقراط نسبة طبنا إلى طب أرباب الهياكل كنسبة طب العجائز إلى طبنا"

فهذا تواضع من بقراط وذلك أن نفع الرقية حسي معروف مشاهد ، وقد بلغ بالبعض في دعوى العقلانية إلى إنكار الحسيات كالمس والعين ، وهذه وإن كانت لا ترى إلا أن آثارها ظاهرة كآثار الكهرباء

ولو كان كل ما لا يرى ينكر وستنكر الجن لذلك بماذا يفسر تأثير السحرة على الناس وما يفعله أولئك السحرة الصوفية من إدخال السيوف إلى بطونهم ولعق النار ولا تفسير سوى التعامل مع الجن والسحر

وقد استدل ابن تيمية بأمر حسي على وجود المس

قال كما في مجموع الفتاوى (11/574) :" وهؤلاء الذين يدخلون النار مع خروجهم عن الشريعة هم من هذا النمط فان الشياطين تلابس أحدهم بحيث يسقط احساس بدنه حتى ان المصروع يضرب ضربا عظيما وهو لا يحس بذلك ولا  يؤثر فى جلده فكذلك هؤلاء تلبسهم الشياطين وتدخل بهم النار وقد تطير بهم فى الهواء وإنما يلبس أحدهم الشيطان مع تغيب عقله كما يلبس الشيطان المصروع"

وهذا مشاهد إلى اليوم ، والذي أريد قوله أن العقلانية المزعومة وصلت ببعض هؤلاء الجهلة إلى إنكار المحسوس ، وجعل الجهل علماً

وقد صنف الطبيب يعقوب بن إسحاق الكندي رسالة في الفرق بين الجنون العارض من مس الشياطين وبين ما يكون من فساد الأخلاط ، ويعقوب نفسه كان متهماً في دينه ولكنه كان رأساً في الطب حتى قال الذهبي ( لا يلحق شأوه في ذلك العلم المتروك )

والجهلة اليوم يحتاجون مثل هذه الرسالة غير أنها مفقودة والله المستعان
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي