مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: نقض مغالطات الصحفي عبد الله المالكي حول الجزية

نقض مغالطات الصحفي عبد الله المالكي حول الجزية



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :

فلو تكلم رجل غير طبيب في مسائل خطيرة بالطب وخرج بنتائج خطيرة مخالفة لما عليه الأطباء ، لاعتبر ذلك جريمة يعاقب عليها القانون وكذلك الأمر في كل تخصص

وفقط أمر الشريعة يتكلم فيه كل أحد

وليعلم أننا في هذا الزمان يخضع كثير من شباب المسلمين أو المنتسبين للإسلام لضغوط تتعلق بالنظام العالمي السائد وما يسمى بحقوق الإنسان ، وكثير منهم عند وقوع أي إرهاب له تجاه شريعة إسلامية وإيهامه أنها تخالف هذه المواثيق تجده يجتهد في تحريفها لكي تصير متوافقة مع هذا النظام الدولي الذي لا يدرى متى يزول

وهذا يتكرر باستمرار فلما ذر قرن الاشتراكية ولمعها الإعلام وكان لها دول تدعمها وظهرت بصورة النصير للفقراء حاول كثيرون التلفيق بينها وبين الإسلام دون النظر إلى سلبياتها ومخالفتها الصريحة للشرع

واليوم نحن مع مثال الجزية ومعاقبة من يتخلف عنها ، وهذا أمرٌ من الدين شاء المتسلقون أم أبوا ، والكفر جريمة لو شاء رب العالمين لعاقب عليها في الدنيا بأعظم من ذلك

وفي الأنظمة الغربية التي تتخذ مثالاً يحتذى به عند هؤلاء توجد ضرائب خصوصاً في الأنظمة الرأسمالية وهذه الضرائب تؤخذ من المرأة والرجل والشيخ والراهب ، بيد أن الجزية لا تؤخذ إلا من المقاتل فلا تؤخذ من المرأة ولا من الشيخ الفاني ولا الصبي ولا كل من ليس مقاتلاً ( هذا ظاهر كلام أحمد )

والجزية تؤخذ من حول إلى حول والضرائب منها ما يؤخذ شهرياً ، ومنها ما هو متعلق بالخدمات

والمتهرب من الضرائب يعاقب ، وعندهم أيضاً الفوائد الربوية الذي ربما سجن المرء بسبب عجزه عن سدادها

والربا والمكوس ( الضرائب ) محرمة في دين الله عز وجل ، فالذعر من أمر الجزية والعقوبة عليها ، والاسترواح للمكوس والربا والعقوبة عليها يدل على هزيمة نفسية عميقة

والآن مع كاتب اسمه عبد الله المالكي ادعى أن الجزية حكم متغير وتكلم في غير تخصصه وارتكب أكاذيب تاريخية

وأياً كان قولك تزويرك للتاريخ وكذبك أمرٌ يشينك

فمن ذلك قوله : (وورود الجزية في القرآن لا يعني أنها مطلقة، بل هي حكم مرتبط بواقع سياسي معين انقضى.. وإلا لما أسقطها الخليفة عمر على نصارى العرب (=بني تغلب)"

هذا كذب يدل على جهل عريض إذ أن عمر بن الخطاب لم يسقط الجزية عن نصارى بني تغلب بل ضاعفها عليهم ، لما أبوا تسميتها جزية وقالوا نقول ( صدقة )

وقد أخذ عليهم عمر العهد ألا ينصروا أبناءهم

والفقهاء على قولين:

القول الأول : خصصوا هذا الحكم في نصارى بني تغلب ، ولم يجوزوا أن يتعدى إلى غيرهم حتى ولو كانوا عرباً
القول الثاني : أنه يقاس على بني تغلب من كان في معناهم من العروبة والنكاية في العدو.


وأما طرد ذلك في كل الكفار كما هو مذهب القرضاوي فلم يقل به أحد.

قال ابن قدامة في المغني (21/ 230) :" ( 7672 ) فَصْلٌ : فَأَمَّا سَائِرُ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ النَّصَارَى وَالْيَهُودِ الْعَرَبِ وَغَيْرِهِمْ ، فَالْجِزْيَةُ مِنْهُمْ مَقْبُولَةٌ ، وَلَا يُؤْخَذُونَ بِمَا يُؤْخَذُ بِهِ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ.
نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى هَذَا وَرَوَاهُ عَنْ الزُّهْرِيِّ .
قَالَ : وَنَذْهَبُ إلَى أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَوَاشِي بَنِي تَغْلِبَ خَاصَّةً الصَّدَقَةَ ، وَنُضَعِّفُ عَلَيْهِمْ ، كَمَا فَعَلَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .
وَذَكَرَ الْقَاضِي وَأَبُو الْخَطَّابِ ، أَنَّ حُكْمَ مَنْ تَنَصَّرَ مِنْ تَنُوخِ وَبَهْرَاءَ ، أَوْ تَهَوَّدَ مِنْ كِنَانَةَ وَحِمْيَرَ ، أَوْ تَمَجَّسَ مِنْ تَمِيمٍ ، حُكْمُ بَنِي تَغْلِبَ ، سَوَاءً .
وَذُكِرَ ذَلِكَ عَنْ الشَّافِعِيِّ .
نَصَّ عَلَيْهِ ، فِي تَنُوخِ وَبَهْرَاءَ ؛ لِأَنَّهُمْ مِنْ الْعَرَبِ ، فَأَشْبَهُوا بَنِي تَغْلِبَ .
وَلَنَا عُمُومُ قَوْله تَعَالَى : ﴿حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾.
وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ مُعَاذًا إلَى الْيَمَنِ ، فَقَالَ : ﴿خُذْ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ دِينَارًا﴾.
وَهُمْ عَرَبٌ .
وَقَبِلَ الْجِزْيَةَ مِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ ، وَهُمْ مِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ .
قَالَ الزُّهْرِيُّ : أَوَّلُ مَنْ أَعْطَى الْجِزْيَةَ أَهْلُ نَجْرَانَ ، وَكَانُوا نَصَارَى .
وَأَخَذَ الْجِزْيَةَ مِنْ أُكَيْدِرَ دُومَةَ ، وَهُوَ عَرَبِيٌّ .
وَحُكْمُ الْجِزْيَةِ ثَابِتٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ، فِي كُلِّ كِتَابِيٍّ ، عَرَبِيًّا كَانَ أَوْ غَيْرَ عَرَبِيٍّ ، إلَّا مَا خُصَّ بِهِ بَنُو تَغْلِبَ ، لِمُصَالَحَةِ عُمَرَ إيَّاهُمْ ، فَفِي مَا عَدَاهُمْ يَبْقَى الْحُكْمُ عَلَى عُمُومِ الْكِتَابِ وَشَوَاهِدِ السُّنَّةِ ، وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَ غَيْرِ بَنِي تَغْلِبَ وَبَيْنَ أَحَدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ صُلْحٌ كَصُلْحِ بَنِي تَغْلِبَ ، فِيمَا بَلَغَنَا ، وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُ غَيْرِ بَنِي تَغْلِبَ عَلَيْهِمْ ؛ لِوُجُوهٍ ؛ أَحَدُهَا ، أَنَّ قِيَاسَ سَائِرِ الْعَرَبِ عَلَيْهِمْ يُخَالِفُ النُّصُوصَ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا ، وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ عَلَى مَا تَلْزَمُ مِنْهُ مُخَالَفَةُ النَّصِّ .
الثَّانِي ، أَنَّ الْعِلَّةَ فِي بَنِي تَغْلِبَ الصُّلْحُ ، وَلَمْ يُوجَدْ الصُّلْحُ مَعَ غَيْرِهِمْ ، وَلَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ مَعَ تَخَلُّفِ الْعِلَّةِ .
الثَّالِثُ ، أَنَّ بَنِي تَغْلِبَ كَانُوا ذَوِي قُوَّةٍ وَشَوْكَةٍ ، لَحِقُوا بِالرُّومِ ، وَخِيفَ مِنْهُمْ الضَّرَرُ إنْ لَمْ يُصَالَحُوا ، وَلَمْ يُوجَدْ هَذَا فِي غَيْرِهِمْ .
فَإِنْ وُجِدَ هَذَا فِي غَيْرِهِمْ ، فَامْتَنَعُوا مِنْ أَدَاءِ الْجِزْيَةِ ، وَخِيفَ الضَّرَرُ بِتَرْكِ مُصَالَحَتِهِمْ ، فَرَأَى الْإِمَامُ مُصَالَحَتَهُمْ عَلَى أَدَاءِ الْجِزْيَةِ بِاسْمِ الصَّدَقَةِ ، جَازَ ذَلِكَ ، إذَا كَانَ الْمَأْخُوذُ مِنْهُمْ بِقَدْرِ مَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنْ الْجِزْيَةِ أَوْ زِيَادَةً قَالَ عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ : سَمِعْت أَحْمَدَ يَقُولُ : أَهْلُ الْكِتَابِ لَيْسَ عَلَيْهِمْ فِي مَوَاشِيهمْ صَدَقَةٌ ، وَلَا فِي أَمْوَالِهِمْ ، إنَّمَا تُؤْخَذُ مِنْهُمْ الْجِزْيَةُ ، إلَّا أَنْ يَكُونُوا صُولِحُوا عَلَى أَنْ تُؤْخَذَ مِنْهُمْ ، كَمَا صَنَعَ عُمَرُ فِي نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ ، حِينَ أَضْعَفَ عَلَيْهِمْ الصَّدَقَةَ فِي صُلْحِهِ إيَّاهُمْ ، وَذَكَرَ هَذَا أَبُو إِسْحَاقَ صَاحِبُ الْمُهَذَّبِ ، فِي كِتَابِهِ .
وَالْحُجَّةُ فِي هَذَا قِصَّةُ بَنِي تَغْلِبَ ، وَقِيَاسُهُمْ عَلَيْهِمْ، إذَا كَانُوا فِي مَعْنَاهُمْ، أَمَّا قِيَاسُ مَنْ لَمْ يُصَالِحُ عَلَيْهِمْ ، فِي جَعْلِ جِزْيَتِهِمْ صَدَقَةً ، فَلَا يَصِحُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ".

فتأمل قول ابن قدامة (أَمَّا قِيَاسُ مَنْ لَمْ يُصَالِحُ عَلَيْهِمْ ، فِي جَعْلِ جِزْيَتِهِمْ صَدَقَةً ، فَلَا يَصِحُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ)
فلو فرضنا أنه إسقاط فليس إسقاطاً غير مشروط بشرط ودعوى سقوط الجزية عنهم كذب بل عكسه الثابت وهو التضعيف

وقال المالكي أيضاً :" كذلك لما أسقطها أبو عبيدة عن أهل السامرة بالأردن وفلسطين، ولما أسقطها معاوية عن أهل أرمينية، كذلك أسقطها الفاروق عن ملك شهر براز .."

وهذا استمرار في الكذب والتزوير مع علمي أن هذا الكاتب لم يراجع البحث من المصادر الأصلية وإنما بحثاً جاهزاً لبعضهم وصار يردده

فأما صنيع أبي عبيدة مع أهل السامرة

فقال البلاذري في فتوح البلدان 420 - حدثنى هشام بن عمار عن الوليد بن مسلم، عن صفوان بن عمرو أن أبا عبيدة بن الجراح صالح السامرة بالاردن وفلسطين، وكانوا عيونا وأدلاء للمسلمين، على جزية رؤوسهم وأطعمهم أرضهم

وهشام بن عمار كبر فصار يتلقن وهذا إسناد معضل وإسقاط الجزية ليس بلا شرط بل هو مقابل أن يصير هؤلاء عيوناً للمسلمين وأدلاء على غيرهم من أهل الكفر

وأما إسقاط الجزية عن أهل أرمينية فكذب تاريخي

قال ابن الجوزي في المنتظم :" وفي هذه السنة فتح الجزيرة أمر سعد بن أبي وقاص، فبعث عياض بن غنم إلى الجزيرة، فنزل بجنده على الرها، فصالحه أهلها على الجزية، وصالحت حران حين صالحت الرها، ثم بعث أبا موسى الأشعري إلى نصيبين، وسار سعد يتبعه إلى دارا فافتتحها. وفتح أبا موسى نصيبين. ثم وجه عثمان بن أبي العاص إلى أرمينية، فكان هناك قتال أصيب فيه صفوان بن المعطل واستشهد، ثم صالحه أهلها على كل أهل بيت دينار"

وأهل أرمينية حالهم أنهم كانوا مقهورين من المسلمين والروم معاً فكانوا يؤدون لهؤلاء وهؤلاء فعاهدهم حبيب بن مسلمة أن المسلمين إذا اشتغلوا عنهم وقهرهم عدوهم أنه لا جزية عليهم فهذا مشروط بشرط وهو زوال حكم المسلمين عنهم

جاء في الأموال لابن زنجوية :" وكان فيما كتب إليه إسماعيل بن عياش : « إن أهل قبرس أذلاء مقهورون تغلبهم الروم على أنفسهم ونسائهم ، فقد حق علينا أن نمنعهم ونحميهم ، وقد كتب حبيب بن مسلمة في عهده وأمانه لأهل أرمينية إنه إن عرض للمسلمين شغل عنكم ، وقد قهركم عدوكم ، فإنكم غير مأخوذين ، ولا ناقض ذلك عهدكم"

فمن قاس هذا على إسقاط الجزية بكل حال فهو كمن يقول إذا جازت صلاة المريض جالساً فقد جاز للصحيح أن يصلي جالساً أيضاً

وأما أمر عمر بن الخطاب مع شهر براز فالكاتب أخذ من محمد رشيد رضا وشاركه في سوء الفهم

فقد ذكر الطبري في تاريخه هذا :" بسم الله الرحمن الرحيم. هذا ما أعطى سراقة بن عمرو عامل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب شهربراز وسكان أرمينية والأرمن من الأمان، أعطاهم أماناً لأنفسهم وأموالهم وملّتهم ألاّ يضارّوا ولا ينتقضوا، وعلى أهل أرمينية والأبواب؛ الطرّاء منهم والتّنّاء ومن حولهم فدخل معهم أن ينفروا لكلّ غارة، وينفذوا لكلّ أمر ناب أولم ينب رآه الوالي صلاحاً؛ على أن توضع الجزاء عمّن أجاب إلى ذلك إلاّ الحشر، والحشر عوضٌ من جزائهم ومن استغنى عنه منهم وقعد فعليه مثل ما على أهل أذربيجان من الجزاء والدلالة والنّزل يوماً كاملاً، فإن حشروا وضع ذلك عنهم، وإن تركوا أخذوا به. شهد عبد الرحمن بن ربيعة، وسلمان بن ربيعة، وبكير بن عبد الله. وكتب مرضيّ بن مقرّن وشهد"

فهذا واضح في أنهم لا توضع عنهم الجزية إلا في مقابل ( الحشر ) وهو القتال للأعداء وأما إن لم يفعلوا فعليهم الجزية

وهذه الرواية من حديث سيف بن عمر التميمي الكذاب المتهم بالزندقة

والخلاصة أن ما ذكره الكاتب لا توجد فيه رواية صحيحة واحدة أو ضعيفة ضعفاً محتملاً فضلاً عن أنه ليس فيها ما يدل من جهة على أن الجزية توضع عن النصراني واليهودي مطلقاً ، فلا يوجد في هذه الروايات إلا وضع الجزية عنه في مقابل قتاله مع المسلمين أو خدمته لهم عكسرياً كأن يصير عيناً لهم أو نحو ذلك

ووصف من لا يأخذ بهذه الروايات بالتشدد أو التطرف هو في ذاته تشدد إذ يأتي إنسان يتكلم في غير فنه ويستدل بروايات لم يفهمها ولا تصلح للاستدلال بل يقتطعها من سياقاتها ، ثم هو لا يحترم المخالف ويسبه وينعته بالتشدد بصورة مقززة تنتشر في كثير من هؤلاء ممن يريد لنفسه ديناً على مقاس عقله الضيق 

ثم وجدت أن حسناً البنا _ إمام الإخوان _  يقول بأن الجزية تسقط عن النصراني الذي تحت حكم المسلمين  إذا شاركهم في القتال واستدل بهذه الأمور وقد بينا لك ما فيها
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي