مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: هل يشرع تكرار الاستخارة ؟

هل يشرع تكرار الاستخارة ؟



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :

قال الإمام مسلم في صحيحه 3224- [402-...] حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ ، أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ ، عَنْ عَطَاءٍ ، قَالَ : لَمَّا احْتَرَقَ الْبَيْتُ زَمَنَ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ ، حِينَ غَزَاهَا أَهْلُ الشَّامِ ، فَكَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا كَانَ ، تَرَكَهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ حَتَّى قَدِمَ النَّاسُ الْمَوْسِمَ يُرِيدُ أَنْ يُجَرِّئَهُمْ ، أَوْ يُحَرِّبَهُمْ ، عَلَى أَهْلِ الشَّامِ ، فَلَمَّا صَدَرَ النَّاسُ ، قَالَ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، أَشِيرُوا عَلَيَّ فِي الْكَعْبَةِ ، أَنْقُضُهَا ثُمَّ أَبْنِي بِنَاءَهَا ؟ ، أَوْ أُصْلِحُ مَا وَهَى مِنْهَا ؟ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : فَإِنِّي قَدْ فُرِقَ لِي رَأْيٌ فِيهَا ، أَرَى أَنْ تُصْلِحَ مَا وَهَى مِنْهَا ، وَتَدَعَ بَيْتًا أَسْلَمَ النَّاسُ عَلَيْهِ ، وَأَحْجَارًا أَسْلَمَ النَّاسُ عَلَيْهَا ، وَبُعِثَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ : لَوْ كَانَ أَحَدُكُمُ احْتَرَقَ بَيْتُهُ ، مَا رَضِيَ حَتَّى يُجِدَّهُ ، فَكَيْفَ بَيْتُ رَبِّكُمْ ؟ إِنِّي مُسْتَخِيرٌ رَبِّي ثَلاَثًا ، ثُمَّ عَازِمٌ عَلَى أَمْرِي ، فَلَمَّا مَضَى الثَّلاَثُ أَجْمَعَ رَأْيَهُ عَلَى أَنْ يَنْقُضَهَا ، فَتَحَامَاهُ النَّاسُ أَنْ يَنْزِلَ بِأَوَّلِ النَّاسِ يَصْعَدُ فِيهِ أَمْرٌ مِنَ السَّمَاءِ ، حَتَّى صَعِدَهُ رَجُلٌ ، فَأَلْقَى مِنْهُ حِجَارَةً ، فَلَمَّا لَمْ يَرَهُ النَّاسُ أَصَابَهُ شَيْءٌ تَتَابَعُوا فَنَقَضُوهُ حَتَّى بَلَغُوا بِهِ الأَرْضَ ، فَجَعَلَ ابْنُ الزُّبَيْرِ أَعْمِدَةً ، فَسَتَّرَ عَلَيْهَا السُّتُورَ حَتَّى ارْتَفَعَ بِنَاؤُهُ.

الشاهد قول ابن الزبير ( إني مستخير ربي ثلاثاً ) يعني أيام وهذا يعني أنه يكرر الاستخارة وهذا يدل على مشروعية هذا الفعل فهذا صحابي فعله بمحفل من الصحابة وخيرة التابعين فلم ينكروا عليه

وهل الاستخارة تكون دعاءً مجرداً أم لا بد فيه من صلاة ؟

الواقع أن الخبر الذي فيه الحث على الصلاة قبل الاستخارة الوارد في صحيح البخاري قد ضعفه الإمام أحمد ولذا اجتنبه مسلم
فقد انفرد به ابن أبي الموال عن ابن المنكدر عن جابر

وابن المنكدر كثير الأصحاب جداً ولم يرو عنه أحد هذا الخبر من أصحابه الثقات المعروفين فاستنكار أحمد له
وتأويل ابن حجر لكلام أحمد على أنه يعني الانفراد لا النكارة الاصطلاحية باطل ، لأن أحمد عقب قوله ب( أهل المدينة إذا غلطوا قالوا ابن المنكدر عن جابر ) فنص على وجود الغلط والمنكر عند الأئمة لا يعنون به إلا المنكر المعروف

وأما دفاع ابن عدي عن حديث ابن أبي الموال بأنه قد رواه غير واحد من الصحابة فالمتتبع للروايات الثابتة لا يجد ذكر الصلاة فيها والبخاري لم يورد في صحيحه في هذا الباب إلا حديث جابر وكذا تلميذه الترمذي الذي صحح الحديث متابعاً لشيخه ، والعجيب أن النسائي خرج الحديث في المجتبى فكأنه رآه محفوظاً وأما الدارقطني فأورد في أطراف الأفراد والغرائب


فالمسألة فيها أخذ ورد بين الجهابذة وما قاله الإمام أحمد أجرى على الأصول

وقد صح عن ابن مسعود تعليم الاستخارة بدون ذكر الصلاة

قال ابن أبي شيبة في المصنف 30015- حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ : قَالَ عَبْدُ اللهِ : إذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ الْحَاجَةَ فَلْيَقُلِ : اللَّهُمَّ إنِّي أَسْتَخِيرُك بِعِلْمِكَ وَأَسْتَقْدِرُك بِقُدْرَتِكَ وَأَسْأَلُك مِنْ فَضْلِكَ فَإِنَّك تَقْدِرُ ، وَلا أَقْدِرُ وَتَعْلَمُ ، وَلا أَعْلَمُ وَأَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا الأَمْرَ الَّذِي أَرَدْته خَيْرًا لِي فِي دِينِي وَمَعِيشَتِي وَخَيْرِ عَاقِبَتِي فَيَسِّرْهُ لِي وَبَارِكْ لِي فِيهِ ، وَإِنْ كَانَ غَيْرُ ذَلِكَ خَيْرًا فَقَدِّرْ لِي الْخَيْرَ حَيْثُمَا كَانَ ، ثُمَّ رَضِّنِي بِمَا قَضَيْت.

وهذا صحيح عن ابن مسعود

غير أنه مما يدل على مشروعية الصلاة للاستخارة ذهاب زينب بن جحش إلى مصلاها لتستخير في زواجها من النبي صلى الله عليه وسلم 
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي