مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: تنبيه هام حول عورة الأمة ...

تنبيه هام حول عورة الأمة ...



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :

فيظن بعض الجهلة لما قرأ كلام الفقهاء في عورة الأمة وأن كعورة الرجل _ من السرة إلى الركبة _  ، ظن الجاهل أن الأمة في الإسلام يجوز لها أن تخرج كاشفة ثدييها أو منكبيها ، وهذا جهل عظيم ولم يقل أحد بجواز ذلك وكلام الفقهاء في عورة الأمة إنما هو في عورة الصلاة يعني ما يجوز لها أن تكشفه أثناء الصلاة وأما عورة الخروج فأمر آخر( في قول من قال من السرة إلى الركبة )

وإنما رخص لها بوضع الخمار تمييزاً لها عن الحرائر وفي هذا حكمة ونفوس الناس راغبة عن الإماء

قال عبد الرزاق في المصنف 5061 - عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ عُمَرَ، رَأَى جَارِيَةً خَرَجَتْ مِنْ بَيْتِ حَفْصَةَ مُتَزَيِّنَةً عَلَيْهَا جِلْبَابٌ، أَوْ مِنْ بَيْتِ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَخَلَ عُمَرُ الْبَيْتَ فَقَالَ: مَنْ هَذِهِ الْجَارِيَةُ؟ فَقَالُوا: أَمَةٌ لَنَا، أَوْ قَالُوا: أَمَةٌ لِآلِ فُلَانٍ فَتغَيَّظَ عَلَيْهِمْ، وَقَالَ: «أَتُخْرِجُونَ إِمَاءَكُمْ بِزِينَتِهَا تَفْتِنُونَ النَّاسَ»

فهنا عمر يغضب على أمة خرجت متزينة واعتبر ذلك فتنة للناس، وقد صرح الراوي بأنها مجلببة يعني لم تكشف شيئاً من جسمها وإنما الزينة في شيء آخر فكيف إذا كشفت ؟

وقال الطبراني في الكبير 309 - حدثنا يوسف القاضي ثنا عمرو بن مرزوق ثنا شعبة عن سعد بن إبراهيم عن سعيد بن المسيب قال خرجت جارية لسعد يقال لها زيرا وعليها قميص جديد فكشفتها الريح فشد عليها عمر رضي الله عنه بالدرة وجاء سعد ليمنعه فتناوله بالدرة فذهب سعد يدعو على عمر فناوله عمر الدرة وقال : اقتص فعفا عن عمر رضي الله عنهما.

وهذا إسنادٌ حسن للخلاف في عمرو بن مرزوق، وهو صريح في الدلالة على المقصود ، فإن عمر أراد معاقبة تلك الجارية لما رأى أنها تكشفت مما يعرض المسلمين للفتنة .
وقال ابن تيمية في شرح عمدة الفقه :" وهو أشبه بكلام أحمد واصح لأن عليا رضي الله عنه قال تصلي الأمة كما تخرج ومعلوم أنها لا تخرج عارية الصدر والظهر ولأن الفرق بين الحرة والأمة إنما هو في القناع ونحوه كما دلت عليه الآثار ولأنهن كن قبل أن ينزل الحجاب مستويات في ستر الأبدان فلما أمر الحرائر بالاحتجاب والتجلبب بقي الإماء على ما كن عليه"

ويقول أيضاً في حكمة الفرق بين عورة الأمة وعورة الحرة :" ولأن الأصل أن عورة الأمة كعورة الحرة كما أن عورة العبد كعورة الحر لكن لما كانت مظنة المهنة والخدمة وحرمتها تنقص عن حرمة الحرة رخص لها في إبداء ما تحتاج إلى إبدائه وقطع شبهها بالحرة وتمييز الحرة عليها وذلك يحصل بكشف ضواحيها من رأسها وأطرافها الأربعة فأما الظهر والصدر فباق على الأصل"

وهذه المصلحة تطغى على مفسدة كشفها رأسها مع كونهن على حال من المهنة يرغب الناس عنهن في الغالب ، وهذا مشاهد في كثير من الخدم اليوم فضلاً عن الإماء

وقال في المغني :" (840) فَصْلٌ: لَمْ يَذْكُرْ الْخِرَقِيِّ، رَحِمَهُ اللَّهُ، عَنْهُ سِوَى كَشْفِ الرَّأْسِ، وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ، فَقَالَ: وَإِنْ صَلَّتْ الْأَمَةُ مَكْشُوفَةَ الرَّأْسِ فَلَا بَأْسَ، وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيمَا عَدَا ذَلِكَ، فَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ عَوْرَتُهَا كَعَوْرَةِ الرَّجُلِ، وَقَدْ لَوَّحَ إلَيْهِ، - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ: إنْ انْكَشَفَ مِنْهَا فِي الصَّلَاةِ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ فَالصَّلَاةُ بَاطِلَةٌ، وَإِنْ انْكَشَفَ مَا عَدَا ذَلِكَ فَالصَّلَاةُ صَحِيحَةٌ، وَقَالَ فِي الْجَامِعِ: عَوْرَةُ الْأَمَةِ مَا عَدَا الرَّأْسَ وَالْيَدَيْنِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ، وَالرِّجْلَيْنِ إلَى الرُّكْبَتَيْنِ.
وَاحْتَجَّ عَلَيْهِ بِقَوْلِ أَحْمَدَ: لَا بَأْسَ أَنْ يُقَلِّبَ الرَّجُلُ الْجَارِيَةَ إذَا أَرَادَ الشِّرَاءَ مِنْ فَوْقِ الثَّوْبِ، وَيَكْشِفَ الذِّرَاعَيْنِ وَالسَّاقَيْنِ. وَلِأَنَّ هَذَا يَظْهَرُ عَادَةً عِنْدَ الْخِدْمَةِ، وَالتَّقْلِيبِ لِلشِّرَاءِ، فَلَمْ يَكُنْ عَوْرَةً كَالرَّأْسِ، وَمَا سِوَاهُ لَا يَظْهَرُ عَادَةً وَلَا تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَى كَشْفِهِ، وَهَذَا قَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، وَالْأَظْهَرُ عَنْهُمْ مِثْلُ قَوْلِ ابْنِ حَامِدٍ لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي مُوسَى، أَنَّهُ قَالَ عَلَى الْمِنْبَرِ: أَلَا لَا أَعْرِفُ أَحَدًا أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَ جَارِيَةً، فَيَنْظُرَ إلَى مَا فَوْقَ الرُّكْبَةِ أَوْ دُونَ السُّرَّةِ، لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ أَحَدٌ إلَّا عَاقَبْتُهُ"

فانظر كيف صرح الإمام يجواز كشف ما ينكشف في العادة عند المهنة  ولم يرخص بكشف الظهر ولا الفخذين ولا الثديين ، بل ولا حتى المنكبين لأنهما لا ينكشفان في العادة عند المهنة ، وتأمل أثر أبي موسى في معاقبة من يعري الجارية عند شرائها 

وجاء في الفروع لابن مفلح :" وَنَقَلَ حَنْبَلٌ : إنْ لَمْ تَخْتَمِرْ الْأَمَةُ فَلَا بَأْسَ ، وَقِيلَ : الْأَمَةُ وَالْقَبِيحَةُ كَالْحُرَّةِ وَالْجَمِيلَةِ ، نَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ : لَا يَنْظُرُ إلَى الْمَمْلُوكَةِ ، كَمْ مِنْ نَظْرَةٍ أَلْقَتْ فِي قَلْبِ صَاحِبِهَا الْبَلَابِلَ ، وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ : لَا تَنْتَقِبُ الْأَمَةُ ، وَنَقَلَ أَيْضًا : تَنْتَقِبُ الْجَمِيلَةُ ، وَكَذَا نَقَلَ ابْنُ حَامِدٍ الْخِفَافَ ، قَالَ الْقَاضِي : يُمْكِنُ حَمْلُ مَا أَطْلَقَهُ عَلَى مَا قَيَّدَهُ "

إذن الأمة الجميلة لها حكم خاص في فقه الإمام أحمد وهذا مأخوذ من أثر عمر السابق في فتنة الأمة

ومذهب مالك أن الأمة كالحرة في العورة حاشا شعرها ونقل عمل أهل الحجاز على ذلك ، وإنما يجوز للرجل عند الشراء النظر إلى ما ذكر أحمد لأنه إذا اشتراها وصارت ملك يمينه جاز له إن أراد أن يتسرى بها وتكون فراشاً له وأما لأولاده وأما إذا زوجها فلا يجوز له النظر إلى عورتها لأنها تكون حرمت عليه والحال هذه وإن كانت مملوكة له فذلك ملك خدمة لا ملك فراش 

ومما يؤكد ما قال الإمام مالك ويبين لك الحكم البالغة في التفريق بين الأمة والحرة 

قول الله تعالى : (  يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا)

قال الطبري في تفسيره :" يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين: لا يتشبهن بالإماء في لباسهن إذا هن خرجن من بيوتهن لحاجتهن، فكشفن شعورهن ووجوههن. ولكن ليدنين عليهن من جلابيبهنّ؛ لئلا يعرض لهن فاسق، إذا علم أنهن حرائر، بأذى من قول"

وإدناء الجلباب المذكور في الآية متعلق بالرأس باتفاق المفسرين ، فدلت الآية على أن نساء المؤمنين والإماء قبل نزول الآية لم يكن يظهر منهن النحر حتى وإنما كانت ربما ظهرت الرؤوس أو شيء منها

والحكمة هنا ظاهرة فالمنافق أو الزاني لا يجسر على الحرة جسارته على الأمة لعلمه أن غيرة الناس على أعراضهم من الحرائر أعظم من غيرتهم على الإماء 

فإن قيل : فلم لا تلبس الإماء كما تلبس الحرائر فلا يعرضون لهن خوفاً من أن يكن حرائر 

فيقال : قد ذكر الطبري أن من نساء المؤمنين الحرائر من كانت تظهر بهيئة رثة لفقر أو غيره ، فكان المنافقون أو الزناة يعرضون لهن ظناً منهم أنهن إماء ، فيقال لهذا جعل الله عز وجل علامةً فارقة تقطع الخرص والتخمين ، مع حرمة أذية النساء حرائر وإماء مطلقاً ولكن هذا التشريع لقطع الطريق على أهل الفساد فيجيء الجهلة ويعسكوا الموضوع
 

والجاهل لا يجوز له الكلام فيما لا يعلم وهؤلاء الزنادقة الذين يثيرون مثل هذه الأمور يسكتون على كل شر يرونه في بلاد الكفر ، ثم يبحثون في الشريعة عما تستقبحه عقولهم النتنة

حتى رأيت بعض جهلتهم يزعم أن الملحدين يتصدقون أكثر من المسلمين ثم يأتي بأناس نصارى ويهود وبعضهم يذهب بصدقاته إلى الكنيسة ثم يسميهم ( ملحدين ) تضليلاً وكذباً ونسي الجاهل الأحمق أن الصدقة في الإسلام الأفضل فيها الإسرار _ هذا الأصل إلا في حالات معينة _ فأثرياء المسلمين الصلحاء يفضلون ألا تعلم وسائل الإعلام بأعمالهم الخيرية لأنهم يعملونها لله لا للشهرة ومن عملها للشهرة فيقال ( ذاك رجل أراد شيئاً وحصله )

قال الله تعالى : (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ (15) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)


وقال الله تعالى  : (مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآَخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ)

وقال مسلم في صحيحه 7191- [56-2808] حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ، وَاللَّفْظُ لِزُهَيْرٍ ، قَالاَ : حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ، أَخْبَرَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مُؤْمِنًا حَسَنَةً ، يُعْطَى بِهَا فِي الدُّنْيَا وَيُجْزَى بِهَا فِي الآخِرَةِ ، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيُطْعَمُ بِحَسَنَاتِ مَا عَمِلَ بِهَا لِلَّهِ فِي الدُّنْيَا ، حَتَّى إِذَا أَفْضَى إِلَى الآخِرَةِ ، لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَةٌ يُجْزَى بِهَا.
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي