مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: ماذا لو طبقنا كلام الشافعي هذا على الجهمية والقبورية ؟

ماذا لو طبقنا كلام الشافعي هذا على الجهمية والقبورية ؟



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :

قال الإمام الشافعي في الأم (7/265) :" ما كان الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ مَوْجُودَيْنِ فَالْعُذْرُ عَمَّنْ سَمِعَهُمَا مَقْطُوعٌ إلَّا بِاتِّبَاعِهِمَا"

وقال في الرسالة :" أما ما كان نصَّ كتاب بيِّن أو سنةٍ مجتمع عليها فيها مقطوع، ولا يسع الشكُّ في واحد منهما، ومن امتنعَ من قبوله استُتِيب"

والسؤال هنا : هل ينطبق هذا على عباد القبور ومن ذبح لغير الله أو نذر لغير

فإن هذه المسائل من أوضح مسائل بل حتى اليهود والنصارى يعلمون أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث بها كما قال ابن تيمية _ رحمه الله _

وهل ينطبق هذا على منكري العلو والأدلة على إثبات العلو تفوق الألف كما يقول ابن القيم ويدل على صفة العلو الفطرة والعقل ولم يخالف فيها حتى اليهود والنصارى والمجوس وعباد الأوثان؟

وقطع العذر يعني أنه لا عذر له ( لا تأويل ) و ( لا جهل ) لأنه لا يتصور في الواضحات البينات وأصول الأصول وقوع التأول أو حصول الجهل العاذر لأنها أوضح المسائل

وقد جعل الشافعي الحجة قائمة بمجرد السماع

وكلام الشافعي هذا ينطبق على من ينكر حد الردة ( فهي سنة مجمع عليها ) ومن ينكر تلبس الجني بالإنسي ، ومن ينكر الخبر في حرمة تولي المرأة المناصب العامة وغيرها من الأخبار التي ينكرها زنادقة الوقت

ومثل كلام الشافعي كلام ابن أبي زيد القيرواني في قوله في كتاب الجامع ص121: " ومن قول أهل السنة: أنه لا يعذر من أداه اجتهاده إلى بدعة لأن الخوارج اجتهدوا في التأويل فلم يعذروا "

وهنا لطيفة : وهي أن المشهور من مذهب الشافعي وأحمد أن من شرب النبيذ تأولاً يقام عليه الحد وتقبل شهادته

فإن قيل كيف هذا ؟

قيل : إنما أقيم عليه الحد حفاظاً على الشريعة العامة وإلا فهو متأول معذور وقد اختار هذا القول ابن تيمية

ولطيفة أخرى : جاء في المدونة :" قَالَ مَالِكٌ: مَنْ وَطِئَ جَارِيَةً هِيَ عِنْدَهُ رَهْنٌ إنَّهُ يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَا يُعْذَرُ فِي هَذَا أَحَدٌ ادَّعَى الْجَهَالَةَ. قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: حَدِيثُ الَّتِي قَالَتْ زَنَيْتُ بِمَرْعُوشٍ بِدِرْهَمَيْنِ إنَّهُ لَا يُؤْخَذُ بِهِ. وَقَالَ مَالِكٌ: أَرَى أَنْ يُقَامَ الْحَدُّ وَلَا يُعْذَرُ الْعَجَمُ بِالْجَهَالَةِ"

أقول : فإذا كان مالك لا يعذر بالجهل في مسألة كهذه وتأمل أنه لم يعذر الأعاجم فضلاً عن العرب ،  فكيف لو رأى من يعذر من يعذر عابد القبور التي سمع القرآن بل ويسميه مسلماً وينكر على من كفره ، ويثبت له الإسلام بتلفظ بالشهادتين لا يعرف معناه ولا مقتضاه

ولو رأى أيضاً من يعذر الجهمية الأشعرية منكري العلو وعامة الصفات بل ويجعلهم أئمة الإسلام ويجعل الطعن فيهم ولو بالتبديع فضلاً عن التكفير غلواً وضلالة 

فإن قيل : إنما لم يعذر مالك في ذلك حفاظاً على الشريعة العامة 

فيقال : إذا كان فتح باب العذر في مثل هذا في فقه مالك يؤدي إلى تضييع الشريعة وتهوين أمرها فكيف بالعذر في أوضح أبواب الدين بل في أصل الأصول ؟

أفرأيت ما حل بنا

قال الخلال في السنة 1786- أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ , قَالَ : قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ وَذَكَرَ الْجَهْمِيَّةَ وَمَا يَصْنَعُونَ , قَالَ : لَيْسَ بِالنَّاسِ حَيَاةٌ.

إي والله ما بالناس حياة يوالون من يحرف الدين في أعظم أبوابه في الإيمان والقدر والصفات ويؤذون الموحد !

يوالون من يطعن في الصحابة ويؤذون الموحد !

يوالون القبوري وصاحب البدعة الحسنة المعظم للجهمية والمخرفين ويبدعون الموحد !

غير أن هذا كله سيلقونه عند الله عز وجل ، وإن كان منهم من لفرط فجوره تشك في نفاقه إلا أننا مؤمنون بالله واليوم الآخر وعند الله تجتمع الخصوم

وهذا أبو حنيفة الذي يعظمونه ويردون كلام أئمة الجرح والتعديل فيه رداً صريحاً

جاء في الفقه الأكبر المنسوب له :" وَإِذا أشكل على الْإِنْسَان شَيْء من دقائق علم التَّوْحِيد فَإِنَّهُ يَنْبَغِي لَهُ ان يعْتَقد فِي الْحَال مَا هُوَ الصَّوَاب عِنْد الله تَعَالَى الى ان يجد عَالما فيسأله وَلَا يَسعهُ تاخير الطّلب وَلَا يعْذر بِالْوُقُوفِ فِيهِ وَيكفر إِن وقف"

فهنا يكفر الجاهل إذا قصر في طلب العلم في دقائق التوحيد ، فكيف بالمخالف للحق جلياً في واضحات التوحيد ويدعو للتجهم صريحاً

هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي