مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: التصديق بالكذب وتكذيب الصدق سبيل المفلسين

التصديق بالكذب وتكذيب الصدق سبيل المفلسين



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :

 
فعلى منهج تصديق رواية الكذابين وتكذيب الثقات قد يصير المرء رافضياً يكذب بالأخبار الصحيحة الواردة في فضل الصحابة ويصدق كل روى الكذابون في ثلبهم وتفضيل علي على عامتهم

وهذا المنهج يسير عليه المنافحون عن أهل الرأي الطاعنون على السلف المسفهين لهم والمتهمين لهم بظلم أهل الرأي وهذا حقيقة قولهم

فمن ذلك إيراد بعضهم لهذه الرواية المكذوبة في تاريخ بغداد

قال الخطيب في تاريخه (15/459) : أَخْبَرَنِي أَبُو بشر الوكيل، وأبو الفتح الضبي، قالا: حَدَّثَنَا عُمَر بن أَحْمَد الواعظ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَد بن مُحَمَّد بن عصمة الخراساني، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَد بن بسطام، قَالَ: حَدَّثَنَا الفضل بن عبد الجبار، قال: سمعت أبا عثمان حمدون بن أبي الطوسي، يقول: سمعت عبد الله بن المبارك، يقول: قدمت الشام على الأوزاعي فرأيته ببيروت، فقال لي: يا خراساني، من هذا المبتدع الذي خرج بالكوفة، يكنى: أبا حنيفة، فرجعت إلى بيتي فأقبلت على كتب أبي حنيفة، فأخرجت منها مسائل من جياد المسائل، وبقيت في ذلك ثلاثة أيام، فجئت يوم الثالث، وهو مؤذن مسجدهم وإمامهم، والكتاب في يدي، فقال لي: أي [ص:464] شيء هذا الكتاب؟ فناولته، فنظر في مسألة منها وقعت عليها، قال: النعمان بن ثابت، فما زال قائما بعد ما أذن حتى قرأ صدرا من الكتاب، ثم وضع الكتاب في كمه، ثم أقام وصلى، ثم أخرج الكتاب حتى أتى عليها، فقال لي: يا خراساني، من النعمان بن ثابت هذا؟ قلت: شيخ لقيته بالعراق، فقال: هذا نبيل من المشايخ، اذهب فاستكثر منه، قلت: هذا أَبُو حنيفة الذي نهيت عنه

وهذه الرواية المكذوبة إسنادها مجاهيل فأحمد بن محمد بن عصمة هو ابن رميح النسوي كذبه بعضهم وضعفه تلميذه الدارقطني وأثنى عليه آخرون  والفضل _ انفرد بتوثيقه ابن حبان _ والطوسي أبو عثمان كذلك ما وجدت فيه توثيقاً صريحا فمثل هذا لا يحتمل إن خالف ( وقد روى عنه البخاري خارج الصحيح وكتب عنه أبو حاتم وأما أبو زرعة فامتنع )

والعجيب أن الخطيب البغدادي نفسه نبه على أن ما ذكره من مدح الناس لأبي حنيفة لا يصح وإنما يصح عن الأئمة خلافه

قال الخطيب: "قد سقنا عن أيوب السختياني، وسفيان الثوري، وسفيان بن عيينة، وأبي بكر بن عياش، وغيرهم من الأئمة؛ أخباراً كثيرة تتضمن تقريظ أبي حنيفة، والمدح له، والثناء عليه. والمحفوظ عند نقلة الحديث عن الأئمة المتقدمين - وهؤلاء المذكورون منهم - في أبي حنيفة خلاف ذلك، وكلامهم فيه كثير؛ لأمور شنيعة حفظت عليه؛ متعلق بعضها بأصول الديانات، وبعضها بالفروع؛ نحن ذاكروها بمشيئة الله .. أخبرني محمد بن أحمد بن رزق، قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن جعفر بن محمد بن سلم الختلي، قال: أملى علينا أبو العباس أحمد بن علي بن مسلم الأبار في شهر جمادى الآخرة من سنة ثمان وثمانين ومائتين، قال: ذكر القوم الذين ردوا على أبي حنيفة: أيوب السختياني، وجرير بن حازم، وهمام بن يحيى، وحماد بن سلمة، وحماد بن زيد، وأبو عوانة، وعبدالوارث، وسوار العنبري القاضي، ويزيد بن زريع، وعلي بن عاصم، ومالك بن أنس، وجعفر بن محمد، وعمر بن قيس، وأبو عبدالرحمن المقرئ، وسعيد بن عبدالعزيز، والأوزاعي، وعبدالله بن المبارك، وأبو إسحاق الفزاري، ويوسف بن أسباط، ومحمد بن جابر، وسفيان الثوري، وسفيان بن عيينة، وحماد بن أبي سليمان، وابن أبي ليلى، وحفص بن غياث، وأبو بكر بن عياش، وشريك بن عبدالله، ووكيع بن الجراح، ورقبة بن مصقلة، والفضل بن موسى، وعيسى بن يونس، والحجاج بن أرطاة، ومالك بن مغول، والقاسم بن حبيب، وابن شبرمة"اهـ (تاريخ بغداد 15/502(

أفرأيت ما يصنع الهوى بأهله ؟!

قال عبد الله بن أحمد في السنة 194 - حدثني عبدة بن عبد الرحيم ، من أهل مرو قال دخلنا على عبد العزيز بن أبي رزمة نعوده أنا وأحمد بن شبويه وعلي بن يونس فقال لي عبد العزيز : يا أبا سعيد ، عندي سر كنت أطويه عنكم فأخبركم ، وأخرج بيده عن فراشه فقال سمعت ابن المبارك يقول : سمعت الأوزاعي يقول : « احتملنا عن أبي حنيفة كذا وعقد بأصبعه ، واحتملنا عنه كذا وعقد بأصبعه الثانية ، واحتملنا عنه كذا وعقد بأصبعه الثالثة العيوب حتى جاء السيف على أمة محمد صلى الله عليه وسلم فلما جاء السيف على أمة محمد صلى الله عليه وسلم لم نقدر أن نحتمله »

وهذا إسناد صحيح

وقال أيضاً 195 - حدثني منصور بن أبي مزاحم ، سمعت يزيد بن يوسف الحميري ، عن الأوزاعي ، أنه كان يعيب أبا حنيفة أشد العيب « سمعت أبي رحمه الله يقول : » وقد رأيت يزيد بن يوسف شيخا كبيرا ، وكان يقال : أنه سمع من ، حسان بن عطية ورأيت عليه إزارا أصفر «

وقال أيضاً 196 - حدثني أحمد بن إبراهيم الدورقي ، حدثني محمد بن كثير الصنعاني ، عن الأوزاعي ، أنه ذكر أبا حنيفة فقال لا أعلمه إلا قال ينقض عرى (1) الإسلام

وقال أيضاً 199 - حدثني الحسن بن عبد العزيز الجروي ، ثنا أبو حفص التنيسي ، عن الأوزاعي ، قال : « ما ولد في الإسلام مولد أشر من أبي حنيفة وأبي مسلم وما أحب أنه وقع في نفسي أني خير من أحد منهما وأن لي الدنيا وما فيها »

وقال أيضاً 200 - حدثني أبو بكر بن زنجويه ، ثنا أبو جعفر الحراني ، قال : سمعت عيسى بن يونس ، يقول : خرج الأوزاعي علي وعلى المعافى بن عمران وموسى بن أعين ونحن عنده ببيروه بكتاب السير وما رد على أبي حنيفة فقال : « لو كان هذا الخطأ في أمة محمد صلى الله عليه وسلم لأوسعهم خطأ ، ثم قال : ما ولد في الإسلام مولد أشأم عليهم من أبي حنيفة »

وقال أيضاً 202 - حدثني محمد بن هارون أبو نشيط ، ثنا أبو صالح الفراء ، سمعت الفزاري يعني أبا إسحاق ، قال : قال لي الأوزاعي « إنا لننقم على أبي حنيفة أنه كان يجيء الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فيخالفه إلى غيره »

وهذا صحيح

وقال أيضاً 203 - حدثني محمد بن هارون ، ثنا أبو صالح ، قال : سمعت الفزاري ، يقول : كان الأوزاعي وسفيان يقولان « ما ولد في الإسلام على هذه الأمة أشأم من أبي حنيفة »

وقال أيضاً 271 - حدثني إبراهيم بن سعيد ، ثنا أبو توبة ، عن سلمة بن كلثوم ، عن الأوزاعي ، أنه لما مات أبو حنيفة ، قال : « الحمد لله الذي أماته فإنه كان ينقض عرى (1) الإسلام عروة عروة »

وهذا صحيح وهذا معناه أنه ما تاب إلى الموت

وقال ابن عدي في الكامل (8/241) : سمعتُ ابْن أبي دَاوُد يَقُول الوقيعة فِي أبي حنيفة جماعة من العلماء لأَن إمام البصرة أيوب السختياني وقد تكلم فيه وإمام الكوفة الثَّوْريّ وقد تكلم فيه وإمام الحجاز مَالِك وقد تكلم فيه وإمام مصر اللَّيْث بْن سعد وقد تكلم فيه وإمام الشام الأَوْزاعِيّ وقد تكلم فيه وإمام خراسان عَبد اللَّه بْن المُبَارك وقد تكلم فيه فالوقيعة فيه إجماع من العلماء فِي جميع الأفاق أو كما قَالَ.

أقول : فليستح من الله من يحتج بكلام هؤلاء الأعلام في باب الصفات والسمع والطاعة وغيرها من الأبواب ثم يعارض كلامهم في أبي حنيفة

أئمة الجرح والتعديل ائتمنتهم الأمة على حديث نبيها فمن زكوه من الرواة قبل حديثه عن النبي صلى الله عليه وسلم ومن جرحوه دفعت روايته ، أفنرد عليهم كلامهم في رجل عاصروه ونحن نأتمنهم على حديث النبي صلى الله عليه وسلم

قال الإمام ابن تيمية كما في الفتاوى الكبرى نقلاً عن الهروي (6/649) :" كَمَا سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ عَمَّارٍ يَحْكُمُ بِهِ عَلَيْهِمْ، وَإِنْ كَانُوا مَوَّهُوهَا وَوَرَّوْا عَنْهَا وَاسْتَوْحَشُوا مِنْ تَصْرِيحِهَا، فَإِنَّ حَقَائِقَهَا لَازِمَةٌ لَهُمْ؛ وَأَبْطَلُوا التَّقْلِيدَ، فَكَفَّرُوا آبَاءَهُمْ وَأُمَّهَاتِهِمْ، وَعَوَامَّ الْمُسْلِمِينَ. وَأَوْجَبُوا النَّظَرَ فِي الْكَلَامِ وَاضْطَرُّوا إلَيْهِ الدِّينَ بِزَعْمِهِمْ، فَكَفَّرُوا السَّلَفَ وَسَمَّوْا الْإِثْبَاتَ تَشْبِيهًا، فَعَابُوا الْقُرْآنَ وَضَلَّلُوا رَسُولَ اللَّهِ"

والأشاعرة ما صرحوا بتكفير السلف ولكن لما كفروا من يقول بمقالة السلف كانوا مكفرين للسلف ، وكذلك من يبدع من يأخذ كلام السلف في أبي حنيفة هو يبدع السلف ونقول فيه ( بدع السلف ونصر الكوثرية )

وهنا لفتة إنصاف من رجل ما توقعت منه هذا وهو محمد الريمي الملقب بالإمام صاحب كتاب الإبانة !

قال محمد بن عبد الله  الريمي المعروف بالإمام في كتابه رافضة اليمن عبر الزمن :"       لقد اشتهرت الهادوية بأنها تأخذ بقول الحنفية في الفروع، وشهرة هذا تغني عن نقله، ومعلوم أن المذهب الحنفي أبعد المذاهب الأربعة عن السنة للآتي:
1-   وقوع أبي حنيفة في انحرافات علمية وعملية، كالقول بخلق القرآن، والإرجاء، والخروج على الحكام.
2-   اعتماده على الرأي حتى رد كثيراً من سنة رسول الله فقد ذكر ابن أبي شيبة مائة وخمسة وعشرين مسألة خالف فيها أبو حنيفة سنة رسول الله .
أبو حنيفة ليس متمكناً من علم الحديث، ولهذا كانت روايته قليلة مع كثرة الدغل فيها، وبسبب ما ذكرنا قدح علماء الحديث في أبي حنيفة، وقد قام والدنا العلامة مقبل بن هادي الوادعي بتأليف كتابه "نشر الصحيفة في ذكر الصحيح من أقوال أئمة الجرح والتعديل في أبي حنيفة" جمع فيه أقوال أئمة الجرح والتعديل ما يربو على سبعين عالماً، وقل أن يحصل هذا العدد في أحدٍ من المتكلم فيهم، ولما كان حال أبي حنيفة ما ذكر كان الغالب على أتباعه معتزلة كما قال بهذا غير واحد من العلماء، وقد ذكرنا شيئاً من ذلك في كتابنا "القول المبين في أصناف المبدلين" ولعل هذا هو السبب في تلقي الزيدية والهادوية الفروع عن الحنفية"

وأنا مستغن بكلام السلف غير أن هذا للإلزام ولإبطال إجماعات المعاصرين المزعومة

قال أبو يعلى في العدة (4/1108) :" فإن الصحابة إذا اختلفت على قولين، فقد أجمعت على تسويغ الخلاف في المسألة، والأخذ بكل واحد من القولين، فإذا أجمع التابعون على أحد القولين لم يجز رفع إجماع الصحابة بإجماعهم؛ لأن إجماع الصحابة أقوى من إجماعهم، كما لو أجمعت على قول واحد، ثم أجمع التابعون على خلافه، وهذه طريقة معتمدة"

وإجماع السلف من أئمة الجرح والتعديل أقوى من إجماع من بعدهم خصوصاً من ليس مثلهم فكيف إن لم يكن إلا إجماعات سلفية قديمة ! ولا يعارضها إلا توهم المتوهمين
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي