الحمد
لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما
بعد :
فبعد أن تقرر عند الكثيرين والحمد لله أن
العابد لغير الله لا يكون مسلماً بل هو مشرك وإن كان جاهلاً أو يتلفظ بالشهادتين
فهو لا يعرف معناهما ، وقع بعد ذلك البحث واللغط في مآل المشركين الأخروي إذا ماتوا على الشرك
فأطلق بعض الناس أننا ولو سميناهم مشركين
فإننا لا ندري ما مصيرهم في الآخرة ، وبعضهم يقول ( لعله تاب قبل موته ) وقد بينت
فساد هذا التعليل في مقال مستقل
ومن الناس من أطلق أن كل من سمي مشركاً
فهو من أهل النار بعينه على أي حال كانت ، وبعضهم يعلل بأن التوحيد معلوم بالفطرة
، وبهذا يلغي تماماً دلالة أخبار أهل الفترة وقوله تعالى ( وما كنا معذبين حتى
نبعث رسولاً )
والواقع أن المسألة تحتاج إلى مزيد إيضاح
وتبيين
فيقال : لا شك أن من المشركين من يجزم له
بالنار إذا مات على ذلك لخبر ( إذا مررت بقبر مشرك فبشره بالنار ) _ والراجح فيه الإرسال_ ، ولقول الصديق ( تشهدون
بأن قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار )
قال ابن القيم في زاد المعاد (3/594)
:" وَدَلِيلٌ عَلَى أَنّ مَنْ مَاتَ مُشْرِكًا فَهُوَ فِي النّارِ وَإِنْ
مَاتَ قَبْلَ الْبِعْثَةِ لِأَنّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا قَدْ غَيّرُوا
الْحَنِيفِيّةَ دِينَ إبْرَاهِيمَ وَاسْتَبْدَلُوا بِهَا الشّرْكَ وَارْتَكَبُوهُ
وَلَيْسَ مَعَهُمْ حُجّةٌ مِنْ اللّهِ بِهِ وَقُبْحُهُ وَالْوَعِيدُ عَلَيْهِ
بِالنّارِ لَمْ يَزَلْ مَعْلُومًا مِنْ دِينِ الرّسُلِ كُلّهِمْ مِنْ أَوّلِهِمْ
إلَى آخِرِهِمْ وَأَخْبَارُ عُقُوبَاتِ اللّهِ لِأَهْلِهِ مُتَدَاوَلَةٌ بَيْنَ
الْأُمَمِ قَرْنًا بَعْدَ قَرْنٍ فَلِلّهِ الْحُجّةُ الْبَالِغَةُ عَلَى
الْمُشْرِكِينَ فِي كُلّ وَقْتٍ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ إلّا مَا فَطَرَ عِبَادَهُ
عَلَيْهِ مِنْ تَوْحِيدِ رُبُوبِيّتِهِ الْمُسْتَلْزِمِ لِتَوْحِيدِ إلَهِيّتِهِ وَأَنّهُ
يَسْتَحِيلُ فِي كُلّ فِطْرَةٍ وَعَقْلٍ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ إلَهٌ آخَرُ وَإِنْ
كَانَ سُبْحَانَهُ لَا يُعَذّبُ بِمُقْتَضَى هَذِهِ الْفِطْرَةِ وَحْدَهَا فَلَمْ
تَزَلْ دَعْوَةُ الرّسُلِ إلَى التّوْحِيدِ فِي الْأَرْضِ مَعْلُومَةً لِأَهْلِهَا
فَالْمُشْرِكُ يَسْتَحِقّ الْعَذَابَ بِمُخَالَفَتِهِ دَعْوَةَ الرّسُلِ وَاَللّهُ
أَعْلَمُ"
وبعد هذا ينسب من لا يخاف الله له خلاف
ذلك
وقد بين ابن القيم أن المشرك يستحق
العقوبة في الآخرة بأحد أمرين
قيام الحجة
الإعراض بعد التمكن من العلم
ذكر ذلك في طريق الهجرتين وهذه خلاصة
تقريراته شيخه ابن تيمية ، وقد قسم العاجزين عن العلم إلى قسمين قسم متشوف للحق
وقسم مخلد للأرض وجعل الثاني ملحقاً بمن قامت عليه الحجة أو أعرض
فإن قيل : أيفهم من هذا الكلام أن هناك من
يسمى مشركاً في الدنيا ويكون ناجياً في الآخرة
فيقال : قد قال بهذا طوائف من أهل العلم
في فئة معينة من المشركين وهاك أدلتهم
قال عبد الرزاق في تفسيره عن معمر عن ابن
طاوس عن أبيه عن أبي هريرة قال إذا كان يوم القيامة جمع الله أهل الفترة والمعتوه
والأصم والأبكم والشيوخ الذين لم يدركوا الإسلام ثم أرسل إليهم رسولا أن ادخلوا
النار قال فيقولون كيف ولم يأتنا رسول قال وأيم الله لو دخلوها لكانت عليهم بردا
وسلاما ثم يرسل إليهم فيطيعه من كان يريد أن يطيعه قال ثم قال أبو هريرة اقرؤوا إن
شئتم وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا
وهذا إسناد صحيح وله حكم الرفع ورواه أئمة
وما استنكروا متنه ، وكذلك أطفال المشركين قال النبي ( فأبواه يهودانه ) فهو يهودي
كافر ومع ذلك له حكمه الأخروي المختلف ومع هذا أثر وقفات مهمة
الأولى : أن من الناس من غلا وجعل كل
المشركين حكمهم حكم هؤلاء أو توقف في حكمهم وتخصيص هذه الأصناف بالذكر يدل على عدم
دخول غيرها ، فغيرهم من المشركين هم من تشملهم نصوص التبشير والشهادة بالنار
ومن أدخل غير هؤلاء فيهم فقد خالف دلالة
النص والقياس الصحيح
الثانية : أنه فرق بين أهل الفترة والجنون
والأصم والأبكم فدل على أنهم أصناف متغايرة فيكون أهل الفترة أقوام عقلاء ليسوا
مجانين ولا صم ولا بكم ، ومع ذلك كانوا على الشرك ( ولو كانوا على التوحيد ما
اختبروا وما ثم إلا موحد أو مشرك ) غير أنهم ما عرفوا غيره ولا يلحق بهؤلاء البتة
من كان بعد النبوة وبلغته الدعوة أو تمكن منها وأعرض
الثالثة : في هذه الآية تفسير أبي هريرة
لآية ( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ) وفي هذا الدلالة على أن هذه الآية لا تنفي
تسمية عابد غير الله مشركاً فإن هذه الأصناف مشركون باتفاق إذا كانوا على الشرك ،
ومن رد هذا الأثر عن أبي هريرة أو عارض بنصوص أخرى فهو على طريقة أهل البدع
والأهواء من المعتزلة وأضرابهم ولا شك عندي أنه مبتدع وإن رغمت أنوف
ولا تنفي هذه الآية كون المشركين مذمومين
قبل الرسالة غير أن رب العالمين تفضل فلا يعذب إلا بعد إقامة الحجة وقيامهم يكون
بالبلوغ ومن أعرض بعد التمكن فهو كمن قامت عليه
وقد رأيت بعض الجهلة يضعف هذا الأثر بعبد الرزاق ! وإنا لله وإنا إليه راجعون
ولا أطيل في الرد على هرائه سوى ذكر متابعة لعبد الرزاق
قال ابن القيم في أحكام أهل الذمة نقلاً عن محمد بن نصر المروزي في رده على ابن قتيبة :" حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ زَنْجَوَيْهِ، ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: " «ثَلَاثَةٌ يُمْتَحَنُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: الْمَعْتُوهُ، وَالَّذِي هَلَكَ فِي الْفَتْرَةِ، وَالْأَصَمُّ» . . " فَذَكَرَ الْحَدِيثَ"
وقد يكون عبد الرحمن هذا عبد الرزاق تحرف ورواية ابن زنجوية وهو حافظ عنه يدل على أن هذه الرواية قبل التغير واحتجاج محمد بن نصر بالخبر تصحيح له
وقد رأيت بعض الجهلة يضعف هذا الأثر بعبد الرزاق ! وإنا لله وإنا إليه راجعون
ولا أطيل في الرد على هرائه سوى ذكر متابعة لعبد الرزاق
قال ابن القيم في أحكام أهل الذمة نقلاً عن محمد بن نصر المروزي في رده على ابن قتيبة :" حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ زَنْجَوَيْهِ، ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: " «ثَلَاثَةٌ يُمْتَحَنُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: الْمَعْتُوهُ، وَالَّذِي هَلَكَ فِي الْفَتْرَةِ، وَالْأَصَمُّ» . . " فَذَكَرَ الْحَدِيثَ"
وقد يكون عبد الرحمن هذا عبد الرزاق تحرف ورواية ابن زنجوية وهو حافظ عنه يدل على أن هذه الرواية قبل التغير واحتجاج محمد بن نصر بالخبر تصحيح له
فإن قيل : ما الدليل على أن أهل الفترة
يسمون كفاراً ؟
قيل للمعترض هذا إجماع والإسلام حقيقة من
اتصف بها كان مسلماً ومن لم يكن كذلك فهو كافر معاند أو كافر جاهل كما قال ابن
القيم في طريق الهجرتين
والقول بأن الكافر من الأوصاف التي لا
تطلق إلا على من علم كفره باطناً أو من هو مشهود عليه بالنار فهذه فلسفة باردة
قال ابن نصر المروزي في تعظيم قدر الصلاة (2/120)
:" والجهل بالله في كل حال كفر قبل الخبر وبعد الخبر"
وابن القيم ذكر أنهم ربما قيل ليسوا
كفاراً ولا مسلمين في أحكام أهل الذمة وأراد بذلك الحكم الأخروي بدليل أنه أقر
بأنهم في الدنيا حكمهم حكم الكفار ، وقد في الوجه الثاني أنهم كفار
والعجيب أن بعض من يقول أن التوحيد معلوم
بالفطرة لذلك لا يقاس على غيره من المكفرات فالواقع فيه مشهود عليه بالنار في كل
حال ، يتناقض فيحتج بخبر الصديق ( تشهدون بأن قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار ) مع
أن خبر الصديق في أناس ارتدوا بادعاء نبي مع النبي صلى الله عليه وسلم وارتدوا
بجحد الزكاة أو الامتناع عنها
وساب الرسول وساب الله مشهود عليه بالكفر
وإن مات على ذلك شهد عليه بالنار
فالخلاصة أن من بلغته الدعوة أو أعرض عنها
بعد البلوغ ومات على كفره فإنه لا يمتنع من الشهادة عليه بالنار وما منع من ذلك
أحد من السلف
قال ابن القيم في طريق الهجرتين :" الطبقة
السابعة عشرة: طبقة المقلدين وجهال الكفرة وأتباعهم وحميرهم الذين هم معهم تبعاً
لهم يقولون: إنا وجدنا آباءَنا على أُمة، ولنا أُسوة بهم. ومع هذا فهم متاركون
لأهل الإسلام غير محاربين لهم، كنساءِ المحاربين وخدمهم وأتباعهم الذين لم ينصبوا
أنفسهم لنا نصب له أُولئك أنفسهم من السعى فى إطفاءِ نور الله وهدم دينه وإخماد
كلماته، بل هم بمنزلة الدواب.
وقد اتفقت الأُمة على أن هذه الطبقة كفار
وإن كانوا جهالاً مقلدين لرؤسائهم وأئمتهم إلا ما يحكى عن بعض أهل البدع أنه لم
يحكم لهؤلاءِ بالنار وجعلهم بمنزلة من لم تبلغه الدعوة، وهذا مذهب لم يقل به أحد
من أئمة المسلمين لا الصحابة ولا التابعين ولا من بعدهم، وإنما يعرف عن بعض أهل
الكلام المحدث فى الإسلام"
فتأمل قوله (أنه لم يحكم لهؤلاءِ بالنار
وجعلهم بمنزلة من لم تبلغه الدعوة) فأهل البدع فقط من توقفوا في الحكم على
المشركين الذين بلغتهم الدعوة أنهم من أهل النار
وتأمل أن كلام ابن القيم على الجهلة
والمقلدين فكيف بالسادة والطواغيت ودعاة الكفر ؟
ثم إن أهل البدع هؤلاء لم يمتنعوا من
تسميتهم ( كفاراً ) و ( مشركين ) وإنما نازعوا في الحكم الأخروي
وأما اليوم فينازعون حتى في التسمية
الدنيوية
وقال ابن القيم في طريق الهجرتين :" فإن
الكافر من جحد توحيد الله وكذب رسوله إما عنادا أو جهلا وتقليدا لأهل العناد فهذا
وإن كان غايته أنه غير معاند فهو متبع لأهل العناد وقد أخبر الله في القرآن في غير
موضع بعذاب المقلدين لأسلافهم من الكفار وأن الأتباع مع متبوعهم وأنهم يتحاجون في
النار وأن الأتباع يقولون ربنا هؤلاء أضلونا فأتهم عذابا ضعفا من النار قال لكل
ضعف ولكن لا تعلمون وقال تعالى وإذ يتحاجون في النار فيقول الضعفاء للذين استكبروا
إنا كنا لكم تبعا فهل أنتم مغنون نا نصيبا من النار قال الذين استكبروا إنا كل
فيها إن الله قد حكم بين العباد وقال تعالى ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم
يرجع بعضهم إلى بعض القول يقول الذين استضعفوا للذين استكبروا لولا أنتم لكنا
مؤمنين قال الذين استكبروا للذين استضعفوا أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم بل
كنتم مجرمين وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا بل مكر الليل والنهار إذ تأمروننا
أن نكفر بالله ونجعل له أندادا فهذا إخبار من الله وتحذير بأن المتبوعين والتابعين
اشتركوا في العذاب ولم يغن عنهم تقليدهم شيئا
وأصرح من هذا قوله تعالى إذ تبرأ الذين
اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب وقال الذين اتبعوا لو أن
لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرءوا منا وصح عن النبي أنه قال من دعا إلى ضلالة كان
عليه من الإثم مثل أوزار من اتبعه لا ينقص من أوزارهم شيئا وهذا يدل على أن كفر من
اتبعهم إنما هو بمجرد اتباعهم وتقليدهم
نعم لا بد في هذا المقام من تفصيل به يزول
الإشكال وهو الفرق بين مقلد تمكن من العلم ومعرفة الحق فأعرض عنه ومقلد لم يتمكن
من ذلك بوجه والقسمان واقعان في الوجود فالمتمكن المعرض مفرط تارك للواجب عليه لا
عذر له عند الله وأما العاجز عن السؤال والعلم الذي لا يتمكن من العلم بوجه فهم
قسمان أيضا أحدهما مريد للهدى مؤثر له محب له غير قادر عليه ولا على طلبه لعدم من يرشده
فهذا حكمه حكم أرباب الفترات ومن لم تبلغه الدعوة الثاني معرض لا إرادة له ولا
يحدث نفسه بغير ما هو عليه فالأول يقول يا رب لو أعلم لك دينا خيرا مما أنا عليه
لدنت به وتركت ما أنا عليه ولكن لا أعرف سوى ما أنا عليه ولا أقدر على غيره فهو
غاية جهدي ونهاية معرفتي والثاني راض بما هو عليه لا يؤثر غيره عليه ولا تطلب نفسه
سواه ولا فرق عنده بين حال عجزه وقدرته وكلاهما عاجز وهذا لا يجب أن يلحق بالأول
لما بينهما من الفرق فالأول كمن طلب الدين في الفترة ولم يظفر به فعدل عنه بعد
استفراغ الوسع في طلبه عجزا وجهلا والثاني كمن لم يطلبه بل مات على شركه وإن كان
لو طلبه لعجز عنه ففرق بين عجز الطالب وعجز المعرض فتأمل هذا الموضع والله يقضي
بين عباده يوم القيامة بحكمه وعدله ولا يعذب إلا من قامت عليه حجته بالرسل فهبذا
مقطوع به في جملة الخلق وأما كون زيد بعينه وعمرو قامت عليه الحجة أم لا فذلك ما
لا يمكن الدخول بين الله وبين عباده فيه بل الواجب على العبد أن يعتقد أن كل من
دان بدين غير دين الإسلام فهو كافر وأن الله سبحانه وتعالى لا يعذب أحدا إلا بعد
قيام الحجة عليه بالرسول هذا في الجملة والتعيين موكول إلى علم الله وحكمه هذا في
أحكام الثواب والعقاب وأما في أحكام الدنيا فهي جارية على ظاهر الأمر فأطفال
الكفار ومجانينهم كفار في أحكام الدنيا لهم حكم أوليائهم "
فتأمل تكفيره لأطفال المشركين ومجانينهم
قال ابن تيمية في درء التعارض (4/295)
:" وأبو هريرة نفسه الذي روى هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه و سلم قد ثبت
عنه ما رواه غير واحد منهم عبد الرحمن بن أبي حاتم في تفسيره وغيره من حديث عبد
الرازق : أنبأ معمر عن ابن طاووس عن أبيه عن أبي هريرة قال : إذا كان يوم القيامة
جمع الله أهل الفترة والمعتوه والأصم والأبكم والشيوخ الذين لم يدركوا الإسلام ثم أرسل
إليهم رسولا : أن ادخلوا النار فيقولون : كيف ولم يأتنا رسل ؟ قال : وأيم الله لو
دخلوها لكانت عليهم بردا وسلاما ثم يرسل إليهم رسولا فيطيعه من كان يريد أن يطيعه
ثم قال أبو هريرة : اقرأوا إن شئتم : { وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا }
وروي هذا الأثر عن أبي هريرة : أبو جعفر محمد بن
جرير الطبري في تفسيره من رواية محمد بن الأعلى عن محمد بن ثور عن معمر ومن رواية
القاسم عن الحسين عن أبي سفيان عن معمر وقال فيه : ( والشيوخ الذين جاء الاسلام
وقد خرفوا ) فبين أبو هريرة أن الله لا يعذب أحدا حتى يبعث إليه رسولا وأنه في
الآخرة يمتحن من لم تبلغه الرسالة في الدنيا "
أقول : فمن بلغته فلا يمتحن
ثم قال ابن تيمية بعد كلام له وهو يتكلم
عن أطفال المشركين :" وهذا التفصيل يذهب الخصومات التي كره الخوض فيه لأجلها
من كرهه فإن من قطع لهم بالنار كلهم جاءت نصوص تدفع قوله ومن قطع لهم بالجنةكلهم
جاءت نصوص تدفع قوله ثم إذ قيل : هم مع آبائهم لزم تعذيب من لم يذنب انفتح باب
الخوض في الأمر والنهي والوعد والوعيد والقدر والشرع والمحبة والحكمة والرحمة
فلهذا كان أحمد يقول : هو أصل كل خصومه
فأما جواب النبي صلى الله عليه و سلم الذي أجاب
به أحمد آخرا وهو قوله [ الله أعلم بما كانوا عاملين ] فإنه فصل الخطاب في هذا
الباب وهذا العلم يظهر حكمه في الآخرة والله تعالى أعلم"
وخلاصة الباب ما قال ابن القيم في طريق
الهجرتين
:" بهذا التفصيل يزول الإشكال في
المسألة وهو مبني على أربعة أصول
أحدها أن الله سبحانه وتعالى لا يعذب أحدا إلا
بعد قيام الحجة عليه كما قال تعالى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا وقال
تعالى رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون
للناس على الله حجة بعد الرسل وقال تعالى كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم
يأتكم نذير قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء وقال تعالى
فاعترفوا بذنبهم فسحقا لأصحاب السعير وقال تعالى يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم
رسل منكم يقصون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا شهدنا على أنفسنا
وغرتهم الحياة الدنيا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين وهذا كثير في القرآن
يخبر أنه إنما يعذب من جاءه الرسول وقامت عليه الحجة وهو المذنب الذي يعترف بذنبه
وقال تعالى وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين والظالم من عرف ماجاء به الرسول أو
تمكن من معرفته بوجه وأما من لم يعرف ما جاء به الرسول وعجز عن ذلك فكيف يقال إنه
ظالم
الأصل الثاني أن العذاب يستحق بسببين أحدهما
الإعراض عن الحجة وعدم إرادتها والعمل بها وبموجبها الثاني العناد لها بعد قيامها
وترك إرادة موجبها فالأول كفر إعراض والثاني كفر عناد وأما كفر الجهل مع عدم قيام
الحجة وعدم التمكن من معرفتها فهذا الذي نفى الله التعذيب عنه حتى تقوم حجة الرسل"
وهنا تنبيه هام بعد هذا كله وهو أن طبقة
العاجزين عن العلم لا يكاد يتفق تعامل أهل التوحيد معهم ، وإنما التعامل دائماً مع
الطبقة المشركة النارية ، ونحن في الدنيا مأمورون بمعاملتهم جميعاً على أنهم أهل
إشراك
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه
وسلم