مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: براءة الخليفة العباسي أبي الفضل جعفر المتوكل من تهمة النصب ...

براءة الخليفة العباسي أبي الفضل جعفر المتوكل من تهمة النصب ...



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :

فإن مما لا يخفى ما من الله عز وجل به على أن أهل السنة في عصر الإمام أحمد من رفع المحنة عنهم على يد الخليفة جعفر المتوكل ، وقد حدثني بعض إخواني بأن المتوكل قد ورد في ترجمته أموراً مشينة ، فحدثت نفسي بأن ذلك قد يكون من دس أهل البدع انتقاماً لما حصل لهم في عصره من اندثار واندحار ، ونظرت في ترجمته فأشد ما وقفت عليه اتهامه بالنصب

قال الذهبي في سير أعلام النبلاء (9/446) :" وفِي سَنَةِ سِتٍّ وَثَلاَثِيْنَ: هَدَمَ المُتَوَكِّلُ قَبْرَ الحُسَيْنِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فَقَالَ البَسَّامِيُّ أَبْيَاتاً منها: أسفوا على أن لا يَكُوْنُوا شَارَكُوا ... فِي قَتْلِهِ فَتَتَّبعُوهُ رَمِيْمَا
وَكَانَ المُتَوَكِّلُ فِيْهِ نَصْبٌ وَانْحِرَافٌ فَهَدَم هَذَا المَكَانَ وَمَا حَوْلَهُ مِنَ الدُّوْرِ، وَأَمَرَ أَنْ يُزْرَعَ، وَمَنَعَ النَّاسَ مِنْ انْتِيَابِهِ.
قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ: هَكَذَا قَالَهُ أَرْبَابُ التَّوَارِيْخِ"

أقول : أرباب التواريخ لم أرَ أحداً منهم ذكر هذا إلا ابن خلكان نفسه ، وهؤلاء قد يكون مدار خبرهم على رافضي أو معتزلي أو متهم ، وهذا الفعل من المتوكل حمله على النصب ليس إنصافاً

فهدمه لقبر الحسين المراد منه هدم البنية التي عليه ، وإلا فالقبر الذي على السنة لا يمكن هدمه

وهذا فعلٌ سني يشكر عليه




قال مسلم في صحيحه 2203- [93-969] حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ، قَالَ يَحْيَى : أَخْبَرَنَا ، وَقَالَ الآخَرَانِ : حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، عَنْ سُفْيَانَ ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ ، عَنْ أَبِي الْهَيَّاجِ الأَسَدِيِّ ، قَالَ : قَالَ لِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ : أَلاَ أَبْعَثُكَ عَلَى مَا بَعَثَنِي عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ أَنْ لاَ تَدَعَ تِمْثَالاً إِلاَّ طَمَسْتَهُ وَلاَ قَبْرًا مُشْرِفًا إِلاَّ سَوَّيْتَهُ.

وأما منعه الناس من زيارته ، فلعله لما رأى من افتتانهم به وعبادتهم له من دون الله عز وجل

قال يونس بن بكير في زوائده على سيرة ابن إسحاق ص66 عن أبي خلدة خالد بن دينار قال:
نا أبو العالية قال: لما فتحنا تستر، وجدنا في بيت مال الهرمزان سريراً عليه رجل ميت، عند رأسه مصحف له، فأخذنا المصحف فحملناه إلى عمر بن الخطاب، فدعا له كعباً، فنسخه بالعربية، فأنا أول رجل من العرب قرأه، قرأته مثلما أقرأ القرآن هذا، فقلت لأبي العالية: ما كان فيه؟ فقال: سيرتكم وأموركم، ولحون كلامكم، وما هو كائن بعد، قلت: فما صنعتم بالرجل؟ قال:
حفرنا بالنهار ثلاثة عشر قبراً متفرقة، فلما كان الليل دفناه، وسوينا القبور كلها، لنعميه على الناس، لا ينبشونه، قلت: وما يرجون منه؟ قال: كانت السماء إذا حبست عليهم، برزوا بسريره فيمطرون، قلت: من كنتم تظنون الرجل؟ قال: رجل يقال له دانيال، فقلت: منذ كم وجدتموه مات؟ قال:
منذ ثلاثمائة سنة ، قلت: ما كان تغير بشيء؟ قال: لا، إلا شعيرات من قفاه، إن لحوم الأنبياء لا تبليها الأرض، ولا تأكلها السباع.

فها أنت ترى أن الصحابة عموا قبر دانيال لما خشوا من افتتان الناس به


وقال ابن أبي شيبة في المصنف 7632- حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، عَنِ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْد ، قَالَ : خَرَجْنَا مَعَ عُمَرَ فِي حَجَّةٍ حَجَّهَا فَقَرَأَ بِنَا فِي الْفَجْرِ : {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ} ، وَ{لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ} فَلَمَّا قَضَى حَجَّهُ وَرَجَعَ وَالنَّاسُ يَبْتَدِرُونَ ، فَقَالَ : مَا هَذَا ؟ فَقَالُوا : مَسْجِدٌ صَلَّى فِيهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ : هَكَذَا هَلَكَ أَهْلُ الْكِتَابِ اتَّخَذُوا آثَارَ أَنْبِيَائِهِمْ بِيَعًا مَنْ عَرَضَتْ لَهُ مِنْكُمْ فِيهِ الصَّلاَة فَلْيُصَلِّ وَمَنْ لَمْ تَعْرِضْ لَهُ مِنْكُمْ فِيهِ الصَّلاَة فَلاَ يُصَلِّ.

قال ابن وضاح في البدع والنهي عنها ص49 سمعت عيسى بن يونس مفتي أهل طرسوس يقول: أمر عمر بن الخطاب بقطع الشجرة التي بويع تحتها النبي صلى الله عليه وسلم فقطعها لأن الناس كانوا يذهبون فيصلون تحتها فخاف عليهم الفتن.

وقال البخاري في صحيحه 869 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ لَوْ أَدْرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَحْدَثَ النِّسَاءُ لَمَنَعَهُنَّ كَمَا مُنِعَتْ نِسَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ قُلْتُ لِعَمْرَةَ أَوَمُنِعْنَ قَالَتْ نَعَمْ

فهذه عائشة ترى منع النساء من الخروج إلى المساجد لما أحدثن من الأمور من باب سد الذريعة ، مع أن أصل ذهاب المرأة للمسجد مباح ، فيكون منع المتوكل من زيارة قبر الحسين _ إن صح _ من هذا الباب ، وهو باب سد الذريعة لما رأى ن افتتان الناس بقبره

وقد ذكر الإمام أحمد أن الناس يفعلون المحدثات عند قبر الحسين فهذا يدل على صواب فعل المتوكل 

قال ابن رجب في فتح الباري :"  وفي رواية ابن القاسم: أن أحمد ذكر قبر الحسين، وما يفعل الناس عنده - يعني: من الأمور المكروهة المحدثة.
وهذا فيه إشارة إلى أن الإفراط في تتبع مثل هذه الآثار يخشى منه الفتنة، كما كره اتخاذ قبور الأنبياء مساجد، وقد زاد الأمر في ذلك عند الناس حتى وقفوا عنده، واعتقدوا أنه كاف لهم، واطرحوا ما لا ينجيهم غيره، وهو طاعة الله ورسوله"


وأما هجاء من هجا من الشعراء ، فهذا _ إن صح _ فهذه الأمور توزن بميزان الشرع لا بشعر الشعراء

والخلاصة أن فعل المتوكل هذا _ إن صح عنه _ فهو محمول على حماية جناب التوحيد لما علم من حسن معتقد الرجل وإنصافه لأهل الحديث

وأما جلده لابن أبي داود لأنه روى حديثاً مكذوباً في فضل علي يسلتزم تفضيل من يحب علياً على الصحابة فهذا أيضاً فعل سني يشكر عليه 

وقال الذهبي في السير :"  وَيُرْوَى أَنَّ المُتَوَكِّلَ نَظَرَ إِلَى ابْنَيْهِ؛ المُعْتَزِّ وَالمُؤَيِّدِ، فَقَالَ لاِبْنِ السِّكِّيْتِ: مَنْ أَحَبُّ إِلَيْكَ: هُمَا, أَوِ الحَسَنُ وَالحُسَيْنُ? فَقَالَ: بَلْ قَنْبَر. فَأَمَرَ الأَتْرَاكَ فَدَاسُوا بَطْنَهُ، فَمَاتَ بَعْدَ يَوْمٍ.
وَقِيْلَ: حُمِلَ مَيْتاً فِي بِسَاطٍ. وَكَانَ فِي المُتَوَكِّلِ نَصْبٌ, نَسْأَلُ اللهَ العَفْوَ. مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ"


وهذا خبر بلا إسناد ولا أصل له في الكتب القديمة وقد ترجم الخطيب في تاريخ بغداد لابن السكيت وما ذكر هذا

وقال ابن الأثير في كامله :"  وَكَانَ الْمُتَوَكِّلُ شَدِيدَ الْبُغْضِ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَلِأَهْلِ بَيْتِهِ، وَكَانَ يَقْصِدُ مَنْ يَبْلُغُهُ عَنْهُ أَنَّهُ يَتَوَلَّى عَلِيًّا وَأَهْلَهُ بِأَخْذِ الْمَالِ وَالدَّمِ، وَكَانَ مِنْ جُمْلَةِ نُدَمَائِهِ عُبَادَةُ الْمُخَنَّثُ، وَكَانَ يَشُدُّ عَلَى بَطْنِهِ، تَحْتَ ثِيَابِهِ، مِخَدَّةً، وَيَكْشِفُ رَأْسَهُ، وَهُوَ أَصْلَعُ، وَيَرْقُصُ بَيْنَ يَدَيِ الْمُتَوَكِّلِ، وَالْمُغْنُونَ يُغَنُّونَ: قَدْ أَقْبَلَ الْأَصْلَعُ الْبَطِينُ، خَلِيفَةُ الْمُسْلِمِينَ، يَحْكِي بِذَلِكَ عَلِيًّا، عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَالْمُتَوَكِّلُ يَشْرَبُ، وَيَضْحَكُ، فَفَعَلَ ذَلِكَ يَوْمًا، وَالْمُنْتَصِرُ حَاضِرٌ، فَأَوْمَأَ إِلَى عُبَادَةَ يَتَهَدَّدُهُ، فَسَكَتَ خَوْفًا مِنْهُ، فَقَالَ الْمُتَوَكِّلُ: مَا حَالُكَ؟ فَقَامَ، وَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ الْمُنْتَصِرُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ الَّذِي يَحْكِيهِ هَذَا الْكَاتِبُ، وَيَضْحَكُ مِنْهُ النَّاسُ، هُوَ ابْنُ عَمِّكَ، وَشَيْخُ أَهْلِ بَيْتِكَ، وَبِهِ فَخْرُكَ، فَكُلْ أَنْتَ لَحْمَهُ، إِذَا شِئْتَ، وَلَا تُطْعِمْ هَذَا الْكَلْبَ وَأَمْثَالَهُ مِنْهُ! فَقَالَ الْمُتَوَكِّلُ لِلْمُغَنِّينَ: غَنُّوا جَمِيعًا:
غَارَ الْفَتَى لِابْنِ عَمِّهْ رَأْسُ الْفَتَى فِي حِرِ أُمِّهِ فَكَانَ هَذَا مِنَ الْأَسْبَابِ الَّتِي اسْتَحَلَّ بِهَا الْمُنْتَصِرُ قَتْلَ الْمُتَوَكِّلِ"


وهذه قصة مكذوبة بلا إسناد لا خطام لها ولا زمام وابن الأثير متجهم متشيع فبغضه للمتوكل مبرر
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي