مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: نقض طعن سعود الفنيسان في الإمام البربهاري ...

نقض طعن سعود الفنيسان في الإمام البربهاري ...



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :

فقد بلغني طعن سعود الفنيسان في الإمام بحق أبي الحسن البربهاري رحمه الله الذي أجمعت أمة الإسلام على إمامته وعدالته

واقترن بالسنة شأنه شأن ابن بطة والخلال والآجري وحرب الكرماني وعبد الله بن أحمد وغيرهم من أئمة الهدى الذين صنفوا التصانيف التي فيها الفيصل بين السني والبدعي بل بين المسلم والكافر من المنتسبين للدين

وبلغني أن داعي ذلك الطعن هو نصوص السمع والطاعة التي في شرح السنة والبربهاري ما خرج عن النصوص والآثار ولا خصوصية له في شيء ذكره

وإليك الفقرات الواردة في شرح السنة في هذا الباب وبيان عواضدها

1_ [29] ومن خرج على إمام من أئمة المسلمين فهو خارجي، وقد شق عصا المسلمين، وخالف الآثار، وميتته ميتة جاهلية.
[30] ولا يحل قتال السلطان والخروج عليه وإن جاروا، وذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر: «اصبر، وإن كان عبدا حبشيا» .
وقوله للأنصار: «اصبروا حتى تلقوني على [الحوض] » .
وليس من السنة قتال السلطان؛ فإن فيه فساد الدين والدنيا.

أقول : هنا احتج بحديث مرفوع لا يرده إلا كلب من كلاب أهل النار

وقال الأثرم صاحب الإمام أحمد في ناسخ الحديث ومنسوخه :" ثم تواترت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فكثرت عنه، وعن الصحابة والأئمة بعدهم- رضي الله عنهم- يأمرون بالكف، ويكرهون الخروج، وينسبون من خالفهم في ذلك إلى فراق الجماعة، ومذهب الحرورية وترك السنة"

2_ [126] واعلم أن جور السلطان لا ينقص فريضة من فرائض الله عز وجل التي افترضها على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم؛ جوره على نفسه، وتطوعك وبرك معه تام لك إن شاء الله تعالى، يعني: [الجماعة و] الجمعة معهم، والجهاد معهم، وكل شيء من الطاعات فشارك فيه، فلك نيتك.

وهذا إجماع نقله عدد ممن صنف في الاعتقاد وعليه عمل الصحابة ولا يخالف فيه عاقل وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالصلاة مع الأئمة الذين يؤخرونها عن وقتها بشرط أن تصلي الصلاة في وقتها وتجعل صلاتك معهم سبحة

3_ [127] وإذا رأيت الرجل يدعو على السلطان فاعلم أنه صاحب هوى، وإذا رأيت الرجل يدعو للسلطان بالصلاح فاعلم أنه صاحب سنة إن شاء الله.
لقول فضيل: لو كانت لي دعوة ما جعلتها الا في السلطان.
أنا أحمد بن كامل قال: نا الحسين بن محمد الطبري، نا مردويه الصائغ، قال:: سمعت فضيلا يقول: لو أن لي دعوة مستجابة ما جعلتها إلا في السلطان.

قال أبو نعيم في الحلية (8/91) : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، ثنا أَبُو يَعْلَى , ثنا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ يَزِيدَ الْبَغْدَادِيُّ , وَلَقَّبَهُ مَنْ دَوَّنَهُ قَالَ: سَمِعْتُ الْفُضَيْلَ بْنَ عِيَاضٍ , يَقُولُ: " لَوْ أَنَّ لِيَ دَعْوَةً مُسْتَجَابَةً مَا صَيَّرْتُهَا إِلَّا فِي الْإِمَامِ قِيلَ لَهُ: وَكَيْفَ ذَلِكَ يَا أَبَا عَلِيٍّ؟ قَالَ: مَتَى مَا صَيَّرْتُهَا فِي نَفْسِي لَمْ تُجْزِنِي وَمَتَى صَيَّرْتُهَا فِي الْإِمَامِ فَصَلَاحُ الْإِمَامِ صَلَاحُ الْعِبَادِ وَالْبِلَادِ قِيلَ: وَكَيْفَ ذَلِكَ يَا أَبَا عَلِيٍّ فَسِّرْ لَنَا هَذَا قَالَ: أَمَّا صَلَاحُ الْبِلَادِ فَإِذَا أَمِنَ النَّاسُ  ظَلَمَ الْإِمَامِ عَمَّرُوا الْخَرَابَاتِ وَنَزَلُوا الْأَرْضَ وَأَمَّا الْعِبَادُ فَيَنْظُرُ إِلَى قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْجَهْلِ فَيَقُولُ: قَدْ شَغَلَهُمْ طَلَبُ الْمَعِيشَةَ عَنْ طَلَبِ مَا يَنْفَعُهُمْ مِنْ تَعَلُّمِ الْقُرْآنِ وَغَيْرِهِ فَيَجْمَعُهُمْ فِي دَارٍ خَمْسِينَ خَمْسِينَ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ يَقُولُ لِلرَّجُلِ: لَكَ مَا يُصْلِحُكَ وَعَلِّمْ هَؤُلَاءِ أَمْرَ دِينِهِمْ وَانْظُرْ مَا أَخْرَجَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ فِيهِمْ مِمَّا يُزَكِّي الْأَرْضَ فَرُدَّهُ عَلَيْهِمْ. قَالَ: فَكَانَ صَلَاحُ الْعِبَادِ وَالْبِلَادِ " فَقَبَّلَ ابْنُ الْمُبَارَكِ جَبْهَتَهُ , وَقَالَ: يَا مُعَلِّمَ الْخَيْرِ مَنْ يُحْسِنُ هَذَا غَيْرُكَ.

فابن المبارك يستحسن هذا وهو من أئمة السلف ، وتأمل تقييده الدعاء بالصلاح لا البقاء كما يفعل كثير من الناس اليوم ، وقد ذكر الصابوني في عقيدة أهل الحديث أنهم يدعون للسلطان بالصلاح

قال ابن أبي شيبة في المصنف 32706- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إدْرِيسَ , عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي أَيُّوبَ , عَنْ هِلاَلِ بْنِ أَبِي حُمَيْدٍ , قَالَ : قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُكَيْمٍ : لاَ أُعِينُ عَلَى قَتْلِ خَلِيفَةٍ بَعْدَ عُثْمَانَ أَبَدًا , قَالَ : فَقِيلَ لَهُ : وَأَعَنْت عَلَى دَمِهِ , قَالَ : إنِّي أَعُدُّ ذِكْرَ مَسَاوِئِهِ عَوْنًا عَلَى دَمِهِ.

وهذا الذي ذكره البربهاري من المنع من ثلبهم بالدعاء عليهم من هذا الباب ، وعدم ذكر مساوئه عند الغوغاء لا يعني الثناء عليه بما ليس فيه كقول بعضهم ( الملك الصالح ) و ( اختطف من عصر الصحابة ) و ( العادل ) في رجل يحكم القانون الوضعي وتشتهر بلده بالانحلال ويقول لا مانع من فصل الدين عن السياسة _ وهذا كفر _  ووصفه بالحكمة وهو يحكم بغير ما أنزل الله وتفشو الخمور ويفشو الزنا في بلده فإن مثل هذا مداهنة فاجرة لا تصدر من رجل يخاف الله فيما يقول وما كان هذا هدي السلف 

والنصوص في الطاعة في الحاكم المسلم وأما الكافر فباب التعامل معه المصلحة إن لم يقدر على إزالته 

والبربهاري رحمه الله قد آذاه السلطان في وقته وكان له شعبية عظيمة عند العامة حتى أن رجةً تحصل في الأفق إذا شمت عاطس في مجلسه  فلو كان من هؤلاء السفلة الذين نراهم اليوم لاستغل ذلك في التهييج على الحاكم ، ولكنه كان يتبع الآثار 

 وقال أبو الحسين بن الفراء: كان للبربهاري مجالدات ومقامات في الدين كبيرة، وكان المخالفون يغيظون قلب السلطان عليه. ففي سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة أرادوا حبسه، فاستتر وقبض على جماعة من كبار أصحابه، وحملوا إلى البصرة، فعاقب الله الوزير ابن مقلة وسخط عليه الخليفة وأحرق داره، ثم سملت عينا الخليفة في جمادى الآخرى سنة اثنتين وعشرين. وأعاد الله البربهاري إلى حشمته وزادت، حتى أنه لما حضر جنازة نفطويه النحوي تقدم في الصلاة عليه، وعظم جاهه، وكثر أصحابه، فبلغنا أنه اجتاز بالجانب الغربي، فعطس، فشمته أصحابه، فارتفعت صيحتهم حتى سمعها الخليفة وهو في روشن فسأل: ماذا؟ فأخبر بالحال، فاستهولها.
ثم لم تزل المبتدعة يوحشوا قلب الراضي بالله عليه إلى أن نودي في بغداد أن لا يجتمع من أصحاب البربهاري نفسان. فاختفى البربهاري إلى أن توفي مستتراً في رجب من هذه السنة، ودفن بدار أخت توزون مختفياً ( نقله الذهبي في تواريخه ) 

وهنا عدة تنبيهات

التنبيه الأول : قارن بين موقف الفنيسان من سيد قطب الجهمي صاحب وحدة الوجود ، وموقفه من البربهاري وأين ذهبت عبارة ( لحوم العلماء مسمومة ) التي ألحقت بالوحي عند القوم

والسلف وصفوا قول المرجئة الذين سووا بين الفاسق والطائع بين بأنه ترك الدين أرق من ثوب سابري وقال كثير منهم أنه شر من قول الخوارج

فكيف بمن يسوي بين الإمام في السنة وبين الجهمي الواقع في الكفر الأكبر

فكيف بمن يرفع الجهمي على السني

هذا إرجاء عميق ويشارك الفنيسان فيه عدد ممن رد عليه

التنبيه الثاني : قال أبو إسماعيل الهروي في ذم الكلام 825 : أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا الْأَصَمُّ حَدَّثَنَا الصَّغَانِيُّ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ قَالَ قَالَ أَبُو قِلَابَةَ :
 إِنَّ أَهْلَ الْأَهْوَاءِ أهل ضَلَالَة ولاأرى مَصِيرَهُمْ إِلَّا إِلَى النَّارِ
 فَجَرِّبْهُمْ فَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْهُمْ يَنْتَحِلُ رَأْيًا أَوْ قَالَ قَوْلًا فَيَتَنَاهَى بِهِ إِلَّا يَرَوْنَ السَّيْفَ
وَإِنَّ النِّفَاقَ كَانَ ضُرُوبًا ثُمَّ تَلَا {وَمِنْهُمْ من عَاهَدَ الله} {وَمِنْهُم الَّذين يُؤْذونَ النَّبِي} {وَمِنْهُم من يَلْمِزك} فَاخْتَلَفَ قَوْلُهُمْ وَاجْتَمَعُوا فِي الشَّكِّ وَالتَّكْذِيبِ وَإِنَّ هَؤُلَاءِ اخْتَلَفُوا وَاجْتَمَعُوا فِي السَّيْفِ

وفي "عقيدة السلف أصحاب الحديث" (109) لأبي عثمان الصابوني – بسنده- إلى أحمد بن سعيد الرِّباطيِّ، أنَّه قال: قال لي عبد الله بن طاهر: ( يا أحمد! أنّكم تبغضون هؤلاء القوم [ أي: المرجئة ] جهلاً !
 وأنا أبغضهم عن معرفة؛ إنّهم لا يرون للسلطان طاعة ...) ( مستفاد من أحد الإخوة )

وقال الآجري في الشريعة 1986 : وحدثنا الفريابي قال : حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا سعيد بن عامر قال : حدثنا سلام بن أبي مطيع قال :
 كان أيوب يسمي أصحاب البدع خوارج ، ويقول : إن الخوارج اختلفوا في الاسم واجتمعوا على السيف

نعم هناك مرجئة مع السلطان كأبي يوسف صاحب أبي حنيفة ومن يرى الطاعة حتى في المعصية ولكن المراد هنا التنبيه على أن القوم جمعوا بين الإرجاء والخروج معاً وأن تهييجهم لا ينفي كونهم مرجئة بل الداعي إلى السمع والطاعة بالمعروف أبعد عن مسالك المرجئة الأوائل

التنبيه الثالث : عدد ممن دافع عن البربهاري هو نفسه يخالف البربهاري في مسائل عديدة وبل ويخالف السلف

قال البربهاري في شرح السنة [41] ولا نخرج أحدا من أهل القبلة من الإسلام حتى يرد آية من كتاب الله، أو يرد شيئا من آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو يذبح لغير الله، أو يصلي لغير الله، فإذا فعل شيئا من ذلك فقد وجب عليك أن تخرجه من الإسلام، وإذا لم يفعل شيئا من ذلك فهو مؤمن مسلم بالاسم لا بالحقيقة.

فقوله (فقد وجب عليك أن تخرجه من الإسلام) يناقض كثيراً من التأصيلات التي يطلقونها اليوم كقوله ( التكفير للعلماء ) كذا مطلقاً دون تفريق بين البين الواضح والمشتبه الذي لا يعرفه إلا العلماء أو من اقتبس منهم

وقال البربهاري في شرح السنة [73] والإيمان بأن الله تبارك وتعالى هو الذي كلم موسى بن عمران يوم الطور وموسى يسمع من الله الكلام بصوت وقع في مسامعه منه لا من غيره، فمن قال غير هذا فقد كفر.

واليوم يأبون كل الإباء تكفير الأشاعرة النافين للحرف والصوت بل القائلين بإنكار العلو الذي هو أشنع من إنكار الصوت بل ويجعلون النافي لهذه الأمور إماماً من أئمة الإسلام ويقولون ( خدم الإسلام ) وكأن الدين كان سيهلك لولا أن جاء بعضهم ونشر تجهمه في الأمة مع بعض علوم السلف تغريراً وتزييناً

التنبيه الرابع : عدد من الحركيين تعودوا الانبراء للدفاع عن كل من يتكلم فيه من أصحابهم وتعودوا الكلام في النوازل فأين هم اليوم وقد مست كرامة إمام من كبار أئمة المسلمين نصوصه المشار إليه بقيت في الأمة أكثر من ألف عام ما اعترض عليها أحد حتى جاء هذا الظالم لنفسه

وأقول لمن يفتحون الباب على مصراعيه للطعن في أئمة السلف اليوم بدأ القوم بالبربهاري وسيأتي اليوم الذي ينال فيه من عبد الله بن أحمد والخلال وحرب الكرماني وعامة أئمة السلف لدفاعكم الغريب التافه عن أهل الرأي والجهمية الأشعرية

وأما اعتراض الفنيسان على بعض الفقرات وقوله أنه لا دليل عليها فقد يكون فيها آثار اطلع عليها الإمام فعقيدة أن اسرافيل نافخ الصور نقل غير واحد الإجماع عليها ولم أقف على أحاديث أو آثار في المسألة ولا بد أن هناك آثاراً فيها غير أن علمنا عجز عن ذلك ، ولنفرض أنه غلط في ذلك فإن هذا لا يسوغ دفع كل كلامه حتى ما قام عليه الدليل هذا أسلوب قذر في البحث لا يصدر إلا من رجل وضيع

والسفيه يسمي مخالفيه ( مرجئة العصر ) ثم يذكر أن لهم إماماً توفي قبل ألف ومائة عام فكيف يكونون مرجئة العصر والحال هذه ؟!

قال الذهبي في تاريخ الإسلام :"  قال ابن بطة: إذا رأيت الرجل البغدادي يحب أبا الحسن بن بشار، وأبا محمد بن البربهاري فاعلم أنه صاحب سنة"

فعلمنا بهذا حال الفنيسان وحال محبي البربهاري ( والمحب المتبع ) 

وقد ذكر ابن الجوزي في المنتظم كرامة عجيبة للبربهاري 

قال في المنتظم (6/323) :" قال شيخنا ابو الحسن ابن الزاغونى وكشف عن قبره بعد سنين وهو صحيح لم يرم وظهرت من قبره روائح الطيب حتى ملأت مدينة السلام "
فتباً لمن يعادي أولياء الله ويوبق نفسه
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي