مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: مخلوقات لا تعرفها : السكينة والروح !

مخلوقات لا تعرفها : السكينة والروح !



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :

فعامة الناس يعرفون أن الله عز وجل خلق الجن والإنس والملائكة والحيوانات والجمادات والبر والبحر

غير أن هناك مخلوقات أخرى خلقها الله لا يعرفها عامة الناس والعجيب أنها مذكورة في القرآن !

قال الله تعالى : (وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آَيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آَلُ مُوسَى وَآَلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)

قال ابن أبي حاتم في تفسيره 2513 - حدثنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ ، ثنا سفيان ، عن مسعر ، عن سلمة بن كهيل ، عن أبي الأحوص ، عن علي ، قال : السكينة لها وجه كوجه الإنسان ، وهي بعد ريح هفافة

وهذا إسناد صحيح إلى علي وأبو الأحوص عوف سمع من عبد الله بن مسعود فالظاهر ثبوت سماعه من علي لأن ابن مسعود مات قبل علي وكلاهما كوفي

وقد اتفق سفيان الثوري ومسعر على ذكره في السند فقولهما مقدم على من أسقطه أو بدله بغيره

وقال الطبري في تفسيره 5669- حدثنا هناد بن السري قال، حدثنا أبو الأحوص، عن سماك بن حرب، عن خالد بن عرعرة قال، قال علي: السكينة ريح خجوج، ولها رأسان.

خالد بن عرعرة وثقه العجلي وابن حبان وروى عنه ثقتان فربما احتمل في هذا وهو يروي خبراً موقوفاً اعتضد بعضه بغيره

وقال ابن أبي حاتم في تفسيره 2514 - حدثنا أبو زرعة ، ثنا منجاب ، أبنا بشر ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس ، قوله ( أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم ) قال : السكينة دابة قدر الهر لها عينان ، لهما شعاع ، وكان إذا التقى الجمعان أخرجت يديها ونظرت إليهم ، فيهزم الجيش من ذلك ، من الرعب

الضحاك لم يسمع ابن عباس غير أنه يقال أنه أخذ تفسير ابن عباس من سعيد بن جبير

جاء في جزء مؤمل بن إهاب ص133 سئل المؤمل عن الضحاك هل سمع من ابن عباس فقال قد أدركه وما سمع منه وإنما أحاديثه المسندات عن سعيد ابن جبير عن ابن عباس


ومما يقوي هذا ثبوت هذا عن ابن عباس ثبوت بعض هذا المعنى عن تلميذه الملازم مجاهد بن جبر

قال ابن أبي حاتم في تفسيره 2515 - حدثنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ ، ثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : السكينة لها وجه كوجه الهر وجناحان ، وروي عن أبي مالك في إحدى الروايات ، نحو هذا

وقد قال سفيان إذا جاءك التفسير عن مجاهد فهو حسبك

وقد وقع تفسير السكينة في كلام غيرهم بغير هذا غير أن هذا القول أبعدها عن الرأي وأعلاها سنداً فشبهة التوقيف فيه أقوى وإذا صح الخبر عن علي فهو مرفوع حكماً ولا شك

وأما المخلوق الثاني فقال الله تعالى : (يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا)

قال الطبري في تفسيره (24/ 176) : حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو عامر، قال: ثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: (الرُّوحُ) خَلْق على صورة بني آدم يأكلون ويشربون.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن مسلم، عن مجاهد، قال: (الرُّوحُ) : خلق لهم أيد وأرجل، وأراه قال: ورءوس يأكلون الطعام، ليسوا ملائكة.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو عامر، قال: ثنا سفيان، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح، قال: يشبهون الناس وليسوا بالناس.
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا ابن أبي عديّ، عن شعبة، عن سليمان، عن مجاهد، قال: (الرُّوحُ) خلق كخلق آدم.

وهذا ثابت عن مجاهد وأبي صالح مولى أم هانيء

وقال الطبري في تفسيره  حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن عُلَية، قال: أخبرنا منصور بن عبد الرحمن، عن الشعبيّ، في قوله: (يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ) قال: هما سِمَاطان (1) لربّ العالمين يوم القيامة؛ سِماط من الروح، وسِماط من الملائكة.

وهذا صحيح ولا يعارض السابق في أنهم ليسوا ملائكة ولا إنس

واختار غيرهم أنه جبريل وروي عن بعض السلف أنه ملك عظيم وقال بعضهم أنهم بنو آدم

وهذا القول ( أعني أنهم ليسوا إنس ولا ملائكة ) أبعد عن الرأي من الأقوال الأخرى وهو من أصحها سنداً إلى قائليها وأعلاها سنداً

ومجاهد بن جبر له خصوصية في أمر التفسير فقد عرض القرآن على ابن عباس ثلاث عرضات يوقفه عند كل آية يسأله أين نزلت وفيمن نزلت ولذا كان سفيان يرجحه على غيره

قال الترمذي في جامعه 2952- حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَبَّانُ بْنُ هِلاَلٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُهَيْلُ بْنُ عَبْدِ اللهِ وَهُوَ ابْنُ أَبِي حَزْمٍ، أَخُو حَزْمٍ القُطَعِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عِمْرَانَ الجَوْنِيُّ، عَنْ جُنْدَبِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ قَالَ فِي القُرْآنِ بِرَأْيِهِ فَأَصَابَ فَقَدْ أَخْطَأَ.
هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَقَدْ تَكَلَّمَ بَعْضُ أَهْلِ الحَدِيثِ فِي سُهَيْلِ بْنِ أَبِي حَزْمٍ, وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ، أَنَّهُمْ شَدَّدُوا فِي هَذَا فِي أَنْ يُفَسَّرَ القُرْآنُ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَأَمَّا الَّذِي رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ وَغَيْرِهِمَا مِنْ أَهْلِ العِلْمِ أَنَّهُمْ فَسَّرُوا القُرْآنَ، فَلَيْسَ الظَّنُّ بِهِمْ أَنَّهُمْ قَالُوا فِي القُرْآنِ أَوْ فَسَّرُوهُ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَوْ مِنْ قِبَلِ أَنْفُسِهِمْ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُمْ مَا يَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَا، أَنَّهُمْ لَمْ يَقُولُوا مِنْ قِبَلِ أَنْفُسِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ.
حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بْنُ مَهْدِيٍّ البَصْرِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: مَا فِي القُرْآنِ آيَةٌ إِلاَّ وَقَدْ سَمِعْتُ فِيهَا شَيْئًا
حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، قَالَ: قَالَ مُجَاهِدٌ: لَوْ كُنْتُ قَرَأْتُ قِرَاءَةَ ابْنِ مَسْعُودٍ لَمْ أَحْتَجْ أَنْ أَسْأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ كَثِيرٍ مِنَ القُرْآنِ مِمَّا سَأَلْتُ.

أقول : وقتادة كان يأخذ من الحسن وأما مجاهد فكان يأخذ من الصحابة فهو أرجح عند التعارض
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي