مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: الكلام على حديث النهي : ( تسليم الرجل بأصبع واحدة يشير بها فعل اليهود )

الكلام على حديث النهي : ( تسليم الرجل بأصبع واحدة يشير بها فعل اليهود )



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :          
          
قال عبد الله بن أحمد في العلل [ 1331 ] حدثت أبي بحديث حدثناه عثمان بن أبي شيبة قال حدثنا أبو خالد الأحمر عن ثور بن يزيد عن أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم تسليم الرجل بأصبع واحدة يشير بها فعل اليهود فقال أبي هذا حديث منكر أنكره جدا

ويبدو أن ثوراً لم يسمع أبا الزبير فهو شامي وأبو الزبير مكي ، أو أن أبا خالد الأحمر لم يسمع ثوراً إذ لا يعرف له شيوخ في الشام ، وليس هو من تلاميذ ثور المعروفين ، بل العجيب أن هذا الخبر لم يروه أهل الشام عن ثور 

وقد روي بلفظ آخر يختلف عن هذا

قال النسائي في الكبرى 10172 : أخبرنا إبراهيم بن المستمر قال حدثني الصلت بن محمد قال ثنا إبراهيم بن حميد الرؤاسي عن ثور قال حدث أبو الزبير عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : لا تسلموا تسليم اليهود والنصارى فإن تسليمهم بالأكف والرؤوس والإشارة

ولم يذكر الإصبع الواحد ، ولكن إبراهيم كوفي وليس من تلاميذ ثور المعروفين ، وليس له في الشام شيوخ ، وأيضاً إشكالية الانقطاع بين ثور وأبي الزبير لا زالت قائمة

ولذا فإن النسائي حذف هذا الحديث من سننه الصغرى ، وهذه إشارة إلى استنكاره

وقال الطبراني في مسند الشاميين 489 : حدثنا الحسين بن إسحاق التستري ، ثنا محمد بن حميد ، ثنا محمد بن عبس المروزي ، عن ثور بن يزيد ، عن أبي الزبير ، عن جابر ، قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : « من تشبه بغيرنا فليس منا ، ولا تسلموا بتسليم اليهود والنصارى ، فإن تسليم اليهود بالأكف ، وتسليم النصارى بالإشارة »

محمد بن حميد هالك متهم بالكذب ، ومحمد بن عبس مجهول وليس من تلاميذ ثور وليس شامياً ، ولا يذكر الإصبع هنا

وقال الترمذي في جامعه [ 2695 ] حدثنا قتيبة حدثنا بن لهيعة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليس منا من تشبه بغيرنا لا تشبهوا باليهود ولا بالنصارى فإن تسليم اليهود الإشارة بالأصابع وتسليم النصارى الإشارة بالأكف قال أبو عيسى هذا حديث إسناده ضعيف وروى بن المبارك هذا الحديث عن بن لهيعة فلم يرفعه

ابن لهيعة كان يدلس عن عمرو بن شعيب

قال ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (5/288) نا صالح بن احمد  بن حنبل نا علي - يعنى ابن المدينى قال سمعت عبد الرحمن بن مهدى وقيل له نحمل  عن ابن لهيعة قال: لا، لا تحمل  عنه قليلا ولا كثيرا، كتب إلى ابن لهيعة كتابا فيه ثنا عمرو بن شعيب فقرأته على ابن المبارك فأخرج إلى ابن المبارك من كتابه عن ابن لهيعة فإذا: حدثنى اسحاق بن ابي فروة عن عمرو بن شعيب.

قلت : فأسقط ابن لهيعة ابن أبي فروة ، وهو متروك ، فالسند ضعيفٌ جداً ، ولهذا ذكر الحافظ ابن لهيعة في المرتبة السادسة من المدلسين

و ابن لهيعة حتى قبل الاختلاط على قول من يقسم روايته قبل الاختلاط وبعد الاختلاط له مناكير جاءت من تدليسه

وَقَال ابن حبان في [المجروحين]:" كان شيخا صالحا ولكنه كان يدلس عن الضعفاء قبل احتراق كتبه. وَقَال أيضا: قد سبرت أخبار ابن لَهِيعَة من رواية المتقدمين والمتأخرين عنه فرأيت التخليط في رواية المتأخرين عنه موجودا وما لا أصل له من رواية المتقدمين كثيرا "

 قال الدارقطني في تعليقه على المجروحين :" وَمِمَّا روى الْقَاسِم بْن الْمَنَاكِير من الَّتِي لم يُتَابع عَلَيْهَا:
رَوَى عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا رَأَيْتُمُ الْحَرِيقَ فَكَبِّرُوا، فَإِنَّ التَّكْبِيرَ يُطْفِئُهُ» وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ نَفْسِهِ، فَافْتَضَحَ فِيهِ، فَقَالَ جُلَسَاؤُهُ: إِنَّا سَمِعْنَا رَجُلا يُحَدِّثُ بِهِ عَنْ قَاسِمٍ الْعُمَرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ، فَأَسْقَطَ ثَلاثَةً، وَرَوَاهُ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ.
وَمَدَارُ الْحَدِيثِ عَلَى قَاسِمٍ الْعُمَرِيِّ.
وَرَوَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ: إِذَا كَانَ الْمَاءُ أَرْبَعِينَ قُلَّةً"

وهذا تدليس قبيح جداً من ابن لهيعة يجعله في أحط مراتب المدلسين 

وقد كان عدد من  المشتغلين بالحديث يعلون الأخبار بتدليس ابن لهيعة

قال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/446) وهو يتكلم على بعض الأحاديث :" رواه أحمد وفيه ابن لهيعة وهو مدلس وفيه ضعف"

قال ابن كثير في تفسيره (5/404) :" رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ، مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ لَهِيعَةَ، بِهِ . وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: "لَيْسَ بِقَوِيٍّ " وَفِي هَذَا نَظَرٌ؛ فَإِنَّ ابْنَ لَهِيعة قَدْ صَرح فِيهِ بِالسَّمَاعِ، وَأَكْثَرُ مَا نَقَموا عَلَيْهِ تدليسه "

وذكره ابن حجر في المرتبة الخامسة من مراتب المدلسين

وقال في نتائج الأفكار (4/ 458 :" ومتابعة ابن لهيعة له فيها نظر، لأنه مدلس وقد عنعنه"

وقال ابن حجر في تهذيب التهذيب :" و قال أبو جعفر العقيلى ، عن محمد بن عيسى ، عن محمد بن على ، قال : سمعت
أبا عبد الله ـ يعنى أحمد بن حنبل ـ و ذكر ابن لهيعة ، فقال : كان كتب عن المثنى بن الصباح ، عن عمرو بن شعيب ، و كان بعد يحدث بها عن عمرو بن شعيب نفسه ، و كان ليث أكبر منه بسنتين "

والمثنى أيضاً متروك وقال أبو داود كما في سؤالات الآجري :" ابن لَهِيعَة إنما سمع من عَمْرو بن شعيب ثلاثة أشياء أو أربعة أشياء"


وقتيبة ليس من قدماء أصحاب ابن لهيعة ، وثناء أحمد على روايته عن ابن لهيعة فيه مبهم لا يصح

قال ابن حجر في التهذيب :" قال جعفر بن محمد الفريابى : سمعت بعض أصحابنا يذكر أنه سمع قتيبة يقول : قال لى أحمد بن حنبل : أحاديثك عن ابن لهيعة صحاح . قال : قلت : لأنا كنا نكتب من كتاب عبد الله بن وهب ثم نسمعه من ابن لهيعة "

فمن هذا المبهم وأصح من ذلك ما قاله قتيبة نفسه

قال المزي في تهذيب الكمال :" قال_ يعني الآجري _ : وسمعت أبا دَاوُد يَقُولُ: سَمِعْتُ قُتَيْبَةَ يَقُولُ: كُنَّا لا نَكْتُبُ حَدِيثَ ابْنِ لَهِيعَة إِلا مِنْ كُتُبِ ابْنِ أَخِيهِ أَوْ كتب ابن وهب إلا ماكان مِنْ حَدِيثِ الأَعْرَجِ"

وابن أخي ابن لهيعة اسمه عيسى لم أجد من وثقه ولم أعرف متى كان سماعه منه ، وحتى لو كان قبل الاختلاط فما يؤمننا من تدليسه ، وقد استنكر ابن حبان هذا الحديث بعينه في المجروحين فقال :" وَعَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ تَسْلِيمُ الْيَهُودِ إِشَارَة بالأصباع وَتَسْلِيمُ النَّصَارَى إِشَارَةٌ بِالْكَفِّ لَا تَتَشَبَّهُوا بِأَهْلِ الْكِتَابِ قُصُّوا الشَّوَارِبِ وَوَفِّرُوا اللِّحَى وَلا تَقُصُّوا النَّوَاصِيَ وَلا تَمْشُوا فِي الْمَسَاجِدِ وَعَلَيْكُمْ بِالْقَمِيصِ وَتَحْتَهُ الإِزَارُ وَعَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْعِرَافَةُ أَوَّلُهَا مَلامَةٌ وَأَوْسَطُهَا نَدَامَةٌ وَآخِرُهَا عَذَابٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَخْبَرَنَا بِهَذِهِ الأَحَادِيثِ كُلِّهَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْمُثَنَّى قَالَ حَدَّثَنَا كَامِلُ بْنُ طَلْحَة الجحدري قَالَ حَدثنَا بن لَهِيعَةَ قَالَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ فِي نُسْخَةٍ كَتَبْنَاهَا عَنْهُ طَوِيلَةٍ لَا يُنْكِرُ مَنْ هَذَا الشَّأْنُ صِنَاعَتُهُ أَنَّ هَذِهِ الأَحَادِيثَ مَوْضُوعَةٌ أَوْ مَقْلُوبَةٌ وَابْنُ لَهِيعَةَ قَدْ تبرأنا من عهدته فِي موضوعه من هَذَا الْكتاب"

ولا يغرنك التصريح هنا فلعله من آثار اختلاطه



 وهنا الترمذي يضعف روايته عن ابن لهيعة

وقال الطبراني في الأوسط 7593 - حدثنا محمد بن أبان ، نا أحمد بن علي بن شوذب ، ثنا أبو المسيب سلام بن مسلم ، نا ليث بن سعد ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، أظنه مرفوعا قال : « ليس منا من تشبه بغيرنا ، لا تشبهوا باليهود ولا بالنصارى ، فإن تسليم اليهود الإشارة بالأصابع ، وإن تسليم النصارى بالأكف ، ولا تقصوا النواصي ، وأحفوا  الشوارب ، وأعفوا  اللحى ، ولا تمشوا في المساجد والأسواق وعليكم القمص إلا وتحتها الأزر  » « لم يرو هذا الحديث عن ليث بن سعد إلا أبو المسيب »

أقول : سلام هذا مجهول ، وانفراد مجهول عن إمام مثل الليث بن سعد عن إمام مثل يزيد بن أبي حبيب منكر ولا شك

وخصوصاً ان الحديث اشتهر من طريق ابن لهيعة ولو كان معروفاً من حديث غيره ما تكلم الأئمة إخراجه من طريق ابن لهيعة بعدما عرفت ما قيل في روايته عن عمرو بن شعيب

وقال الخطيب في تاريخه (19/ 80) :  أَنْبَأَنَا ذَاكِرُ بْنُ كَامِلٍ عَنْ أَبِي نَصْرٍ محمود بن الفضل الأصبهاني، أَنْبَأَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الوزير المستعمل قراءة عليه، حدّثنا أبو محمد الحسن بن محمد الخلال إملاء، حدّثنا محمد بن المظفر بن موسى الحافظ، حدّثنا أحمد بن محمد بن إبراهيم الصلحي، حدّثنا إبراهيم بن أبي حميد الحراني ، حدّثنا عثمان بن عبد الرحمن، عن طلحة بن زيد، عن أبي الزبير المتكي، عَنْ جَابِرٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : «لا تسلموا تسليم اليهود، فإن تسليمهم إشارة بالأكف والأصابع والحواجب»

طلحة متروك ، وعليه فإن الحديث لا يصح من جميع طرقه ، وبجميع ألفاظه

هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي