مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: الكلام على حديث : ( الآيات - أو الأمارات - خرزات منظومات بسلك )

الكلام على حديث : ( الآيات - أو الأمارات - خرزات منظومات بسلك )



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :

                   
قال الحاكم في المستدرك 8704 : أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ السَّمَّاكِ الزَّاهِدُ بِبَغْدَادَ ، ثَنَا حَنْبَلُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ حَنْبَلٍ ، ثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ ، ثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، عَنْ حُمَيْدٍ ، عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ:
 الْأَمَارَاتُ خَرَزَاتٌ مَنْظُومَاتٌ بِسِلْكٍ ، فَإِذَا انْقَطَعَ السِّلْكُ تَبِعَ بَعْضُهُ بَعْضًا .
 هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ .
      
أقول : ليس البخاري ومسلم وحدهما من لم يخرجه ، بل لم يخرجه أحد من الأئمة غير الحاكم في المستدرك

وهذا يوجب الريبة في الحديث فإن سلسلة ( حماد عن حميد عن أنس ) سلسلة معروفة يتطلبها الأئمة فكيف يهمل جميع الأئمة تخريج هذا الحديث ، ويخرجه الحاكم وحده

الجواب : أن هذا الخبر معلول

قال أحمد في مسنده 7040 : حَدَّثَنَا مُؤَمَّلٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
 الْآيَاتُ خَرَزَاتٌ مَنْظُومَاتٌ فِي سِلْكٍ، فَإِنْ يُقْطَعِ السِّلْكُ  يَتْبَعْ بَعْضُهَا

فهذا مؤمل بن إسماعيل قد خالف موسى بن إسماعيل في السند

فإن : مؤمل سيء الحفظ وموسى ثقة

فيقال : ولكن مؤملاً قد تابعه اثنان من الثقات الواحد فيهما لوحده يرجح على موسى فكيف بهما مجتمعان

قال ابن أبي شيبة في المصنف 38429: حَدَّثَنَا يَزِيدُ ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ ، عَنْ خَالِدِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ : الآيَاتُ خَرَزٌ مَنْظُومَاتٌ فِي سِلْكٍ انْقَطَعَ السِّلْكُ فَيَتْبَعُ بَعْضُهَا بَعْضًا.

يزيد هذا هو يزيد بن هارون الإمام الثقة الثبت ، والراوي الثاني هو روح بن عبادة وحديثه عند البخاري في التاريخ الكبير لكنه لم يسق لفظه

وهذا الوجه الراجح فيه علي بن زيد بن جدعان ضعيف وخالد بن الحويرث قال ابن معين :" لا أعرفه "

فإن قيل : ما وجه ترجيح رواية يزيد وروح ومؤمل على رواية موسى

فيقال : هم أكثر وأثبت هذا من وجه

والوجه الثاني أنهم لم يسلكوا جادة ف( حماد عن حميد عن أنس ) جادة روي بها الكثير من الأحاديث الصحيحة والسند الآخر ليس بجادة

فإن قيل : ألا يقال رواه حماد بن سلمة على الوجهين

فيقال : هذا خلاف منهج أئمة العلل فإنهم لم يزالوا يرجحون بين الرواة ، ولهذا ما أكثر ما تجد في كتب بعد ذكر الخلاف قولهم ( وهذا أصح ) .
 وإنما يحتمل تعدد الأسانيد من أمثال الزهري وأبي إسحاق السبيعي إذا اختلف عليهم الثقات ولم يكن أحد الإسنادين جادة يهم فيها الناس ، أو كان كلاهما جادة

وأقرب من قولنا روي على الوجهين , الترجيح والقول بأن الراوي المنفرد سلك الجادة فأخطأ
لذا ابتعد الأئمة عن تخريج هذه الرواية الخطأ ، وأخشى أن يكون الخطأ من الحاكم نفسه لكثرة أوهامه في هذا الباب

وإن عجبي لا يكاد ينتهي من قول الحاكم في معرفة علوم الحديث ص59 : " إن الصحيح لا يعرف بروايته فقط ، وإنما يعرف بالفهم والحفظ وكثرة السماع ، وليس لهذا النوع  من العلم عون أكثر من مذاكرة أهل الفهم والمعرفة ليظهر ما يخفى من علة الحديث . فإذا وجد مثل هذه الأحاديث بالأسانيد الصحيحة ( رواة الحديث ثقات ) غير مخرجة في كتابي الإمامين البخاري ومسلم لزم صاحب الحديث التنقير عن علته ومذاكرة أهل المعرفة به لتظهر علته"

فظاهر كلامه هذا أن كل حديث على شرط الشيخين اجتنبه الشيخان فإن ذلك لعلة تعرف عند التنقير ، وعمله في المستدرك مناقض لهذا تمام المناقضة على وجه يقطع العذر لمن أراد أن يعتذر له

وفعلاً ما ينبغي العجلة في تصحيح الأسانيد التي ظاهرها الصحة ، خصوصاً التي توجد في مصنفات المتأخرين والأجزاء الحديثية وكتب الأمالي والفوائد ، بل لا بد من التنقير عن العلة فإنك إما أن تجد الحديث في مصادر أعلى ، وإما أن تقف له على علة وما سوى ذلك نادر أو معدوم

هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي