الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :
قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (14/209) :
" مِنْ إظْهَارِ السُّوءِ وَالْفَاحِشَةِ فَإِنَّ النُّفُوسَ إذَا
سَمِعَتْ مِثْلَ هَذَا تَحَرَّكْت وَتَشَهَّتْ وَتَمَنَّتْ وتتيمت وَالْإِنْسَانُ مَتَى
رَأَى أَوْ سَمِعَ أَوْ تَخَيَّلَ مَنْ يَفْعَلُ مَا يَشْتَهِيهِ كَانَ ذَلِكَ دَاعِيًا
لَهُ إلَى الْفِعْلِ
وَالنِّسَاءُ مَتَى رَأَيْنَ الْبَهَائِمَ
تَنْزَوِ الذُّكُورَ مِنْهَا عَلَى الْإِنَاثِ مِلْنَ إلَى الْبَاءَةِ ؛ وَالْمُجَامَعَةِ
وَالرَّجُلُ إذَا سَمِعَ مَنْ يَفْعَلُ مَعَ المردان وَالنِّسَاءِ أَوْ
رَأَى ذَلِكَ أَوْ تَخَيَّلَهُ فِي نَفْسِهِ دَعَاهُ ذَلِكَ إلَى الْفِعْلِ وَإِذَا
ذَكَرَ الْإِنْسَانُ طَعَامًا اشْتَهَاهُ وَمَالَ إلَيْهِ وَإِنْ وَصَفَ لَهُ مَا يَشْتَهِيهِ
مِنْ لِبَاسٍ أَوْ امْرَأَةٍ أَوْ مَسْكَنٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مَالَتْ نَفْسُهُ إلَيْهِ
"
فهنا شيخ الإسلام يمنع من أن تشاهد النساء ذكر البهائم ينزو على إناثها
لما يحرك ذلك في نفسها من ذكر الجماع
وهذا أمرٌ لما تسامح فيه بعض الأعراب ممن يشتهر برعي بهيمة الأنعام
فكيف لو رأى شيخ الإسلام من يخلي بين نسائه ومشاهدة التمثيليات الشرقية
والغربية وفيها من ذكر العشق والإيحاءات المريبة ما هو أفتك بقلب المرء من مشاهدة حيوان
على حيوان بمرات ومرات
هذا مع ما يظهر فيها من التصاوير الحسنة ومما لم تختلف فيه كلمة الفقهاء
تحريم نظر النساء إلى الرجال إذا كان ذلك بشهوة أو مظنة شهوة
وقد قال الله عز وجل : ( وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ
وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ)
قال ابن الجوزي في كتاب (آداب النساء) واعلم أن أصل العشق إطلاق البصر،
وكما يُخاف على الرجل من ذلك يُخاف على المرأة .
ثم يضاف إلى ذلك الغناء والموسيقى وما فيها من دواعي الفاحشة
قال ابن الجوزي في تلبيس إبليس ص290 :
" وكم قد فتنت الأصوات بالغناء من عابد وزاهد وقد ذكرنا جملة من أخبارهم
في كتابنا المسمى بذم الهوى
أخبرنا محمد بن ناصر نا ثابت بن
بندار نا أبو الحسين محمد بن عبد الواحد بن رزمة أبو سعيد الحسن بن عبد الله السيرافي
ثني محمد بن يحيى عن معن بن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه قال:
كان سليمان بن عبد الملك في بادية
له فسمر ليلة على ظهر سطح ثم تفرق عنه جلساؤه فدعا بوضوء فجاءت به جارية له فبينما
هي تصب عليه إذا استمدها بيده وأشار إليها
فاذا هي ساهية مصغية بسمعها مائلة بجسدها كله إلى صوت غناء تسمعه في ناحية
العسكر فأمرها فتنحت واستمع هو الصوت فاذا صوت رجل يغني فأنصت له حتى فهم ما يغني به
من الشعر
ثم دعا جارية من جواريه غيرها
فتوضأ فلما أصبح أذن للناس إذنا عاما فلما أخذوا مجالسهم أجرى ذكر الغناء ومن كان يسمعه
ولين فيه حتى ظن القوم أنه يشتهيه فأفاضوا في التليين والتحليل والتسهيل
فقال هل بقي أحد يسمع منه فقام رجل من القوم فقال يا أمير المؤمنين عندي
رجلان من أهل أيلة حاذقان
قال وأين منزلك من العسكر فأومى
إلى الناحية التي كان الغناء منها فقال سليمان يبعث اليهما
فوجد الرسول أحدهما فأقبل به حتى أدخله على سليمان فقال له ما إسمك قال
سمير فسأله عن الغناء كيف هو فيه فقال حاذق محكم قال ومتى عهدك به قال في ليلتي هذه
الماضية
قال وفي أي نواحي العسكر كنت فذكر
له الناحية التي سمع منها الصوت قال فما غنيت فذكر الشعر الذي سمعه سليمان فأقبل سليمان
فقال هدر الجمل فضبعت الناقة وهب التيس فشكرت الشاة وهدل الحمام فزافت الحمامة وغنى
الرجل فطربت المرأة ثم أمر به فخصى
وسأل عن الغناء أين أصله وأكثر ما يكون قالوا بالمدينة وهو في المخنثين
وهم الحذاق به والأئمة فيه فكتب إلى عامله على المدينة وهو أبو بكر بن محمد بن عمرو
بن حزم أن أخصي من قبلك من المخنثين المغنين "
وقال شيخ الإسلام في الاستقامة وهو يتحدث عن الصوفية المفتونين بالغناء
ص320 :" ولهذا يتعاطى كل أحد من الفاحشة حتى تعاطى كثير من المتصوفة صحبة الأحداث
ومشاهدتهم
وقد ثبت في الصحيح عن النبي ص أنه قال العينان يزينان وزناهما النظر وغالب
أهله يخالطون الأحداث والنسوان الأجانب ومن امتنع منهم عن ذلك لورع أو غيره فإنه إنما
ينتهي عن ذلك بغير هذا السماع وأما هذا السماع فال ينهاه عن ذلك قطعا بل يدعوه إليه
لا سيما النفوس التي بها رقة ورياضة وزهد فإن سماع الصوت يؤثر فيها تأثيرا عظيما وكذلك
مشاهدة الصور ويكون ذلك قوتا لها وبهذا اعتاض الشيطان فيمن يفعل ذلك من المتصوفة فإنه
لم يبال بعد أن أوقعهم فيما يفسد قلوبهم وسمعهم وأبصارهم ألا يشتغل بجمع الأموال والسلطان
اذا قد تكون فتنة أحدهم بذلك اعظم من الفتنه بالسلطان والمال فإن جنس ذلك مباح وقد
يستعان به على طاعة الله وأما ما يشغل به هؤلاء أنفسهم فإنه دين فاسد منهى عنه مضرته
راجحة على منفعته
"
قال ابن القيم في إغاثة اللهفان (1/247) :" ومن الأمر المعلوم عند
القوم : أن المرأة إذا استصعبت على الرجل اجتهد أن يسمعها صوت الغناء فحينئذ تعطي الليان
"
يعني تعطي عاشقها ما يريد
حتى قال الإمام ابن القيم :" فأما إذا اجتمع إلى هذه الرقية الدف
والشبابة والرقص بالتخنث والتكسر فلو حبلت المرأة من غناء لحبلت من هذا الغناء
فلعمر الله كم من حرة صارت بالغناء من البغايا وكم من حر أصبح به عبدا
للصبيان أو الصبايا وكم من غيور تبدل به اسما قبيحا بين البرايا وكم من ذي غنى وثروة
أصبح بسببه على الأرض بعد المطارف والحشايا وكم من معافى تعرض له فأمسى وقد حلت به
أنواع البلايا وكم أهدى للمشغوف به من أشجان وأحزان فلم يجد بدا من قبول تلك الهدايا
وكم جرع من غصة وأزال من نعمة وجلب من نقمة وذلك منه من إحدى العطايا وكم خبأ لأهله
من آلام منتظرة وغموم متوقعة وهموم مستقبلة
فسل ذا خبرة ينبيك عنه ... لتعلم كم خبايا في الزوايا
وحاذر إن شغفت به سهاما ... مريشة بأهداب المنايا
إذا ما خالطت قلبا كئيبا ... تمزق بين أطباق الرزايا
ويصبح بعد أن قد كان حرا ... عفيف الفرج : عبدا للصبايا
ويعطي من به يغني غناء ... وذلك منه من شر العطايا "
فتنبهوا لهذا يا معاشر المسلمين وصونوا نساءكم واحفظوا ما استحفظكم ربكم
عليه
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم