مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: الظاهرية الباطنية ...

الظاهرية الباطنية ...



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :


فهذا كلام نفيس لشيخ الإسلام ابن تيمية في نقد عقيدة ابن حزم وبيان تناقضه

قال شيخ الإسلام في شرح العقيدة الأصفهانية ص76:
" فهو مشابه للقرامطة الذين قالوا: "لا يوصف بأنه حي ولا ميت ولا عالم ولا جاهل ولا قادر ولا عاجز" بل قالوا: "لا يوصف بالإيجاب ولا بالسلب" فلا يقال هو حي عالم ولا يقال ليس بحي عالم ولا يقال هو عليم قدير ولا يقال ليس بقدير عليم ولا يقال هو متكلم مريد ولا يقال ليس بمتكلم مريد.
قالوا: لأن في الإثبات تشبيها بما تثبت له هذه الصفات وفي النفي تشبيه له بما ينفي عنه هذه الصفات وقد قاربهم في ذلك من قال من متكلمة الظاهرية كابن حزم أن أسماءه الحسنى كالحي والعليم والقدير بمنزلة أسماء الأعلام التي لا تدل على حياة ولا علم ولا قدرة وقال لا فرق بين الحي وبين العليم وبين القدير في المعنى أصلا .
ومعلوم أن مثل هذه المقالات سفسطة في العقليات وقرمطة في السمعيات فإنا نعلم بالاضطرار الفرق بين الحي والقدير والعليم والملك والقدوس والغفور.
وإن العبد إذا قال رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الغفور كان قد أحسن في مناجاة ربه وإذا قال اغفر لي وتب علي إنك أنت الجبار المتكبر الشديد العقاب لم يكن محسنا في مناجاته وأن الله أنكر على المشركين الذين امتنعوا من تسميته بالرحمن قال رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الغفور كان قد أحسن في مناجاة ربه وإذا قال اغفر لي وتب علي إنك أنت الجبار المتكبر الشديد العقاب لم يكن محسنا في مناجاته وأن الله أنكر على المشركين الذين امتنعوا من تسميته بالرحمن

فقال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُوراً} وقال تعالى: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} وقال تعالى: {كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهَا أُمَمٌ لِتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ} وقال تعالى: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيّاً مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى}.
ومعلوم أن الأسماء إذا كانت أعلاما وجامدات لا تدل على معنى لم يكن فرق فيها بين اسم واسم فلا يلحد أحد في اسم دون اسم ولا ينكر عاقل اسما دون اسم بل قد يمتنع عن تسميته مطلقا ولم يكن المشركون يمتنعون عن تسمية الله بكثير من أسمائه وإنما امتنعوا عن بعضها وأيضا فالله له الأسماء الحسنى دون السوآى وإنما يتميز الاسم الحسن عن الاسم السيء بمعناه فلو كانت كلها بمنزلة الأعلام الجامدات التي لا تدل على معنى لا تنقسم إلى حسنى وسوآى بل هذا القائل لو سمى معبوده بالميت والعاجز والجاهل بدل الحي والعالم والقادر لجاز ذلك عنده.
فهذا ونحوه قرمطة ظاهرة من هؤلاء الظاهرية الذين يدعون الوقوف مع الظاهر وقد قالوا بنحو مقالة القرامطة الباطنية في باب توحيد الله وأسمائه وصفاته مع إدعائهم الحديث ومذهب السلف وإنكارهم على الأشعري وأصحابه أعظم إنكار ومعلوم أن الأشعري وأصحابه أقرب إلى السلف والأئمة ومذهب أهل الحديث في هذا الباب من هؤلاء بكثير وأيضا فهم يدعون أنهم يوافقون أحمد بن حنبل ونحوه من الأئمة في مسائل القرآن والصفات وينكرون على الأشعري وأصحابه والأشعري وأصحابه أقرب إلى أحمد بن حنبل ونحوه من الأئمة في مسائل القرآن والصفات منهم تحقيقا وانتسابا أما تحقيقا فمن عرف مذهب الأشعري وأصحابه ومذهب ابن حزم وأمثاله من الظاهرية في باب الصفات تبين له ذلك وعلم هو وكل من فهم المقالتين أن هؤلاء الظاهرية الباطنية أقرب إلى المعتزلة بل إلى الفلاسفة من الأشعرية"

قال الذهبي في تاريخ وفيات (444) في ترجمة أبي جعفر السمناني :" ثم أخذ ابن حزم يشنع على السمناني ويسبه لهذه المقالة المبتدعة ولنحوها. فنعوذ بالله من البدع، فليت ابن حزم سكت رأساً برأس فله أوابد في الأصول والفروع"

أما رده على أهل البدع فحسن غير أن ما ذكره من أوابده في الفقه والعقيدة فصدق
 فمن ذلك قوله بأن الأنبياء لا تقع منهم الصغائر وتفضيله الملائكة على صالحي بني آدم وحصره أسماء الله الحسنى في تسع وتسعين .
 وأما كلامه في الصفات فأشهر من أن ينبه عليه فهو مع قوله بإثبات الرؤية ورده على من يقول بخلق القرآن ، فقد وافق الجهمية في بقية الباب وقوله قريب من قول القرامطة في معاني الأسماء كما قال ابن تيمية فعنده ( الله ) و ( السميع ) و ( البصير ) و ( القدير ) و ( الحكيم ) كلها معناها واحد لا يتميز واحد منها بمعنى زائد على الآخر

وأما كلامه في الفروع فله جمود كثير ، ومن غريب جموده أنه ذهب أن حديث ( حد الساحر ضربة بالسيف ) لو صح لا يدل على قتل الساحر
قال في المحلى (11/398) :" ولا حجة في مرسل ولو صح لما كان لهم فيه متعلق أصلا لانه إنما فيه حد الساحر ضربة بالسيف وليس فيه قتله والضربة قد تخطئ فتجرح فقط وقد تقتل فهم قد خالفوا هذا الخبر وأوجبوا قتله ولا بد"

وهذه من العجائب التي يعجز المرء عن التعليق عليها


وقال ابن عبد الهادي في طبقات عُلماء الحديث (3/ 350 _ 351) :" طالعت أكثر كتاب " الملل والنحل " لا بن حزم، فرأيته قد ذكر فيه عجائب كثيرة ونقولاً غريبة، وهو يدل على قوة ذكاء مؤلفه وكثرة اطلاعه، لكن تبين لي منه أنه جهمي جلد لا يثبت من معاني أسماء الله الحسنى إلا القليل، كالخالق والحق، وسائر الأسماء عنده لا تدل على معنى أصلاً "

وفي المجموع من كلام  حماد الأنصاري لابنه عبد الأول (2/ 744) :" سمعت الوالد يقول: "ابن حزم قلّ أحدٌ من الأشاعرة يوازيه في العلم والفقه، وهو مع ذلك جهميّ جلْد"

وقد نقل ابن خلكان في وفيات الأعيان إجماع علماء عصره على تضليله وابن خلكان نفسه شيعي متستر إلا أن ما قاله سليم 
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي