مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: نظرة في عادة التقديم في المحاضرات ...

نظرة في عادة التقديم في المحاضرات ...



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :


فمن العادات المنتشرة في هذا العصر عادة التقديم في المحاضرات

وهي أن يأتي طالب علم أو دونه يتقدم بين يدي المحاضرة المزمع إقامتها ، فيعرف بالشيخ ويذكر موضوع المحاضرة وربما صحب ذلك بعض الاطراء
وبعضهم يهتبل الفرصة فيترجم لنفسه فيقول :( شيخنا درسنا عليه في الجامعة وعلى الشيخ فلان وعلى الشيخ فلان )!

والواقع أنني بحثت عن هذا الأمر في هدي السلف الصالح فلم أجد لذلك أصلاً عنهم حسب اطلاعي القاصر

وفي حديث الجساسة في صحيح مسلم يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إِنِّي وَاللَّهِ مَا جَمَعْتُكُمْ لِرَغْبَةٍ وَلاَ لِرَهْبَةٍ ، وَلَكِنْ جَمَعْتُكُمْ ، لأَنَّ تَمِيمًا الدَّارِيَّ كَانَ رَجُلاً نَصْرَانِيًّا ، فَجَاءَ فَبَايَعَ وَأَسْلَمَ ، وَحَدَّثَنِي حَدِيثًا وَافَقَ الَّذِي كُنْتُ أُحَدِّثُكُمْ عَنْ مَسِيحِ الدَّجَّالِ ، حَدَّثَنِي أَنَّهُ رَكِبَ فِي سَفِينَةٍ بَحْرِيَّةٍ ) وذكر الحديث

فالنبي صلى الله عليه وسلم هو الذي تكلم ، ولو كان قال ( تكلم يا تميم ) لما كان في الأمر حجة على أمر التقديم الموجود الآن فإن الصحابة لم يكونوا يعرفون تميماً وتعريف النبي صلى الله عليه وسلم وإقراره محتاج إليه

فإذا كان هناك شيخ معروف وله طلبة ، فجاءهم رجل لا يعرفه الطلبة فمما لا بأس به أن يعرف الشيخ بهذا الزائر بين يدي كلمته ، وأما إذا كان الشيخ الزائر معروفاً أو أعرف عند الحاضرين من المقدم فما الفائدة من ذلك ؟

وقد قال عمر في حديث سقيفة بني ساعدة :" قَدْ زَوَّرْتُ مَقَالَةً أَعْجَبَتْنِي أُرِيدُ أَنْ أُقَدِّمَهَا بَيْنَ يَدَيْ أَبِي بَكْرٍ وَكُنْتُ أُدَارِي مِنْهُ بَعْضَ الْحَدِّ فَلَمَّا أَرَدْتُ أَنْ أَتَكَلَّمَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى رِسْلِكَ فَكَرِهْتُ أَنْ أُغْضِبَهُ فَتَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ فَكَانَ هُوَ أَحْلَمَ مِنِّي وَأَوْقَرَ وَاللَّهِ مَا تَرَكَ مِنْ كَلِمَةٍ أَعْجَبَتْنِي فِي تَزْوِيرِي إِلَّا قَالَ فِي بَدِيهَتِهِ مِثْلَهَا" رواه البخاري وفي الحديث بقية

فالصديق كره أن يتقدم عمر بين يديه بشيء مع أن هذا باب مختلف تماماً فهو تقدم تعضيد وليس تقدم تعريف

لست أبت بالمنع من هذا الأمر لأنه قد يكون له أصل عند السلف ، غير أن المرء يحتاط لدينه فلا يداوم على شيء ما داوم عليه السلف فيما يعلم ولا يضره تركه أبداً

ومن ذلك مداومة المقدمين على قولهم ( فليتفضل مشكوراً مأجوراً )

ومن الذي يشكر ؟

ومن الذي يأجر ؟

وقد سألت البعض عن ذلك فقال لي ( هذا دعاء بلفظ الإخبار )

فيقال : وما يمنعه أن يرطب لسانه بذكر الله عز وجل فيقول ( شكر الله له ) أو ( آجره الله ) وبعض الأخوة يقول ( بوركت ) ولو قال ( بارك الله فيك ) كما كان هدي السلف الدائم فالإنسان يحرص على أن يرطب لسانه بذكر الله في كل مناسبة تعرض على الوجه المشروع

وليس هذا هدي السلف يعني التقديم بقولهم ( فليتفضل مشكوراً مأجوراً )

وقد كان كثير من المحدثين عندهم مستملون يملون عليهم وما كان عندهم مقدمون

قال السمعاني في أدب الاملاء والاستملاء ص116 ذكر شيخنا أبو عبد الله بن عبد الواحد بن محمد الدقاق الاصبهاني الحافظ في مجموع له وكنت اقرأ بنيسابور على الشيخ أبو القاسم علي بن الحسين العلويي رحمه الله وكان شيخا صالحا من أهل بيت معروفين فقلت ورضي الله عن الشيخ الامام فلان فنهاني عنه وقال قل ورضي الله عنك وعن والديك وحرم شيبتك على النار فقلتها وهو يبكي رحمه الله (0) قرأت بخط والدي رحمه الله سمعت أبا عبد الله محمد بن عبد الواحد الحافظ يقول سمعت الحسن بن أحمد السمرقندي يقول سمعت إسماعيل بن محمد المستملي يقول كنت اقرأ على الشيخ الامام أبي بكر بن حامد فقلت ورضي الله عن الشيخ الامام وعن والديه فقال لا تعظمني عند ذكر ربي.

أقول :ما أحسن هذا
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي