مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: بحث في لسان الميزان

بحث في لسان الميزان



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :


فقد اختلف المشتغلون بالعلم المعاصرون في مسألة وجود لسان للميزان الذي توضع فيه الأعمال يوم القيامة
وحجة المثبت ثلاثة أمور

الأول : أثر ابن عباس في أنه لسان
وهذا الأثر في سنده متهم بالكذب
قال البيهقي في الشعب (1/ 260) :" ذهب أهل التفسير إلى إثبات هذا الميزان بكفتيه و جاء في الأخبار ما دل عليه و قد روى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس أنه قال :
الميزان له لسان و كفتان يوزن فيه الحسنات و السيئات فيؤتي بالحسنات في أحسن صورة فتوضع في كفة في كفة الميزان فيثقل على السيئات قال : فيؤخذ فيوضع في الجنة عند منازله ثم يقال للمؤمن : الحق بعملك قال فينطلق إلى الجنة فيعرف منازله بعمله قال : و يؤتى بالسيئات في أقبح صورة فتوضع في كفة الميزان فتخفف ـ و الباطل خفيف ـ فيطرح في جهنم إلى منازله منها و يقال له : الحق بعملك إلى النار قال : فيأتي النار فيعرف منازله بعمله و ما أعد الله فيها من ألوان العذاب"
محمد بن السائب الكلبي كذاب

الثاني : أثر الحسن البصري
قال اللالكائي في السنة 1795 : أنا القاسم بن جعفر ، أنا علي بن إسحاق ، قال : نا علي بن حرب ، قال نا الأسود بن عامر ، قال : نا هريم ، عن عبد الملك بن أبي سليمان ، قال : ذكر الميزان عند الحسن ، فقال : له لسان وكفتان .
ورجاله يمشون غير أن عبد الملك لا أعرفه رواية عن الحسن
وجواب النافين أن قول الحسن ليس بحجة

وقد يقول المثبتون بأن قوله ليس حجة في نفسه نعم ، ولكنه يكون حجة بقرينة أنه تكلم ولم يخالفه أحد من الطبقة ، وذكر غير واحد من المصنفين في العقيدة مضمون هذا الأثر دون تعقب بل بإقرار

قال شيخ الإسلام في اقتضاء الصراط المستقيم (1/311) :" وأنت ترى عامة كلام أحمد إنما يثبت الرخصة بالأثر عن عمر ، أو بفعل خالد بن معدان ، ليثبت بذلك أن ذلك كان يفعل على عهد السلف ، ويقرون عليه ، فيكون من هدي المسلمين ، لا من هدي الأعاجم وأهل الكتاب ، فهذا هو وجه الحجة ، لا أن مجرد فعل خالد بن معدان حجة"

وهذه كتلك ، واعتماد آثار التابعين التي هذه صفتها أمرٌ دارج عند عدد من المصنفين في المعتقد فمن ذلك اعتماد الجمع الغفير من السلف على أثر مجاهد في المقام المحمود ، واعتماد ابن أبي زمنين على أثر السدي في أن الكرسي بين العرش ، واعتماد البربهاري على بعض الآثار المروية في أنه ينزل مع كل قطرة ملك

الثالث : الإجماع الذي نقله الزجاج
قال ابن حجر في الفتح (21/ 163) :" قَالَ أَبُو إِسْحَاق الزَّجَّاج أَجْمَعَ أَهْل السُّنَّة عَلَى الْإِيمَان بِالْمِيزَانِ وَأَنَّ أَعْمَال الْعِبَاد تُوزَن يَوْم الْقِيَامَة ، وَأَنَّ الْمِيزَان لَهُ لِسَان وَكِفَّتَانِ وَيَمِيل بِالْأَعْمَالِ"

وقد يجاب عن هذا الاستدلال بأن الزجاج لم يكن على مذهب أهل السنة في الصفات بل كان من غلاة المعطلة الذين ينكرون العلو كما في كتابه تفسير الأسماء الحسنى ص48 فلا يعلم من هم عنده أهل السنة

غير أن أبا الحسن الأشعري في مقالات الإسلاميين نقل نحواً من نقل الزجاج والأشعري أيضاً لا يعتمد نقله في المسائل فقد غلط على أهل السنة حين زعم أنهم يقولون أن الله ليس بجسم

وبقي لهم حجة أخيرة وهي أن الميزان المعروف لا يكون إلا بلسان

واعترض عليهم بالميزان المائي الذي لا لسان له

والذي يظهر أن أقوى ما يستدل به في هذه المسألة أثر الحسن ومن أخذ بأثر الحسن في هذا لزمه الأخذ بأثر مجاهد في المقام المحمود أيضاً فإن مجاهداً له خصوصية في التفسير أعظم من خصوصية الحسن وهو لم ينكر عليه الآخرون أيضاً بل ادعى غير واحد الاتفاق على تلقي أثره بالقبول

فإن قيل : إنما أخذنا بأثر الحسن للإجماع عليه

فيقال : وأثر مجاهد الذين ادعوا الإجماع عليه أجل وأكثر بكثير منهم الإمام أحمد وأبو داود وعبد الله بن أحمد والنجاد وأبو يعلى وشيخ الإسلام وابن القيم وغيرهم كثير جداً وانظر للسنة للخلال لترى طائفة كبيرة منهم ، بل أثر لسان الميزان للحسن لم يرد عن أحد من السلف التشنيع على من خالفه واستفاض عن كثير منهم كما في السنة للخلال الإنكار على من رد أثر مجاهد

بل إنني لأعجب ممن يعتقد أن إسرافيل نافخ الصور ( وهذا ما أذهب إليه الآن ) معتمداً على الإجماع المنقول – نقله حرب الكرماني -  مع أنه لا يصح حديث أو أثر ( فيما أعلم) في الباب ( ثم بدا لي أن في الباب أثر عن عكرمة ولكن القوم لا يذكرونه ولا يعتمدونه )  ، ثم هو لا يعتمد أثراً عن تابعي ادعى عليه الإجماع عشرات العلماء والمحدثين


وأغرب من هذا من يرد بعض آثار الصحابة بحجة أنها قد تكون إسرائيليات ولا يتنبه إلى كون الناس قد حدثوا بها وأودعوها في كتب العقيدة وأن الصحابي تكلم بما تكلم به جازماً وأن الموضوع الذي تكلم فيه الصحابي لا يحتمل التحديث عن بني إسرائيل بما لا أصل كأسماء الله وصفاته وعصمة الأنبياء وخلق الملائكة ولا يعتقد هذا الراد هذه الآثار ، ثم يعتقد أن إسرافيل نافخ الصور معتمداً على كلام من هو دون الصحابة ولا شك

ثم العجب أن يشنع على من يقول أن إسرافيل لا يصح خبر في أنه نافخ الصور ، ولا يشنع على من يقول لا دليل على أن للميزان لسان والباب واحد في المسألتين بل مسألة لسان الميزان الدليل فيها أقوى

وأقدم من رأيته ينقل الاتفاق على أن إسرافيل نافخ حرب الكرماني في عقيدته المباركة فمن أخذ بإجماعه هذا فليأخذ بنقل الاتفاق على أن أهل الرأي مبتدعة ضلال ، وهذا الاتفاق له ألف عاضد من تصرفات الأئمة في ذلك الزمان بل لا تكاد تجد ما ينقضه

والحمد لله الذي وفقنا لاعتقاد هذا كله

وأقدم من رأيته ذكر اللسان للميزان من العلماء الطبري في تفسيره ، والبربهاري في شرح السنة
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي